الشباب والجوع فوق "فضلات المدينة"

من أمام الشارع الموازى لكورنيش النيل.. رأيته يجلس فى قلب أكوام القمامة.. شاب فى العقد الثالث.. أبيض الوجه.. شعره طويل.. يرتدى قميصاً وبنطلوناً فى حالة جيدة.
لم أر حذاءه لأنه يجلس القرفصاء.. لم أبال به من أول الوهلة لسببين: الأول: ربما يكون فقد شيئاً وراح يبحث عنه.. والثانى: قد يقوم بجمع زجاجات البلاستيك لبيعها أو يبحث عن شىء ينفعه منها.. وهو مشهد اعتدنا عليه كلما ضاقت الظروف واسودت الحياة فى وجه بسطاء مصر.
فى أقل من لحظة لفت انتباهى مرة أخرى.. مشهد لم أره من قبل.. إنه يأكل من القمامة.. لم أصدق.. اقتربت منه قليلاً.. إنه يأكل بشراهة ونهم.. أمامه طبق أبيض من «الفِل» به فضلات من الجبن ذات اللون البنى القاتم.. يبدو عليها العفن.. وتفوح منها الروائح الكريهة.. اقتربت أكثر منه.. تبسم لى وأشار بيده دون أن يتكلم «اتفضلى» ابتعدت خطوة للوراء.. فراح يجمع علب الزبادى التى تحتوى على فضلات بسيطة أو الممتلئة منتهية الصلاحية.. يغمص أصابعه فيها ويأكل.. ثم يتناول الخبز البلدى المكسر والعفن.. شعرت بدوخة وغثيان وميل للقيء. لم أتحمل المشهد.. ابتعدت عنه أكثر وأكثر.. وفجأة تذكرت أننى نسيت ألتقط الصور.. سألته أسئلة كثيرة لم يجب عن واحدة منها.
وفجأة ظهر خفير الأرض.. اقترب منى ضاحكاً وقال: «كل يوم على نفس الحال.. يأكل من الزبالة.. ثم يقوم بإعداد وجبات أخرى منها ويأخذها معاه.. وكل يوم يعزم عليّ.. وفى أحد الأيام أعطانى 2 جنيه وقالى روح هاتلك حاجة ساقعة.. فقلت له هات أنت أكل وسيبك من أكل الزبالة».
سألت الخفير: «تعرف إيه عنه»؟!
رد وهو مستمر فى ابتسامته: ولا حاجة.. مش بيكلم حد.. صوريه وخليه يطلع فى الإذاعة عشان الحكومة تعرف الناس وصلت لإيه.
يُـتـبـــــــــــــع