السفير البريطانى فى مصر جون كاسن يكتب: كيف ترى ثورة 25 يناير الآن؟.. أنتجت مصر فى 2011 أبطالا لا يعر
عن رأيه فى الثورة الفرنسية بعد أكثر من قرنين على اندلاعها، فرد شو «من المبكر أن نعرف». ولهذا يجب ألا نندهش، بعد خمس سنوات على الأحداث الدرامية التى أنهت حكم مبارك، عندما نرى آراء متباينة بشأن ما تم إنجازه. أمدنا ميدان التحرير بالرموز المميزة لهذا القرن حتى الآن. شارك ملايين المصريات والمصريين، وحبس العالم أنفاسه ليرى ما يمكن أن يفعله المصريون عندما يتم تمكينهم، وكما ذكرنا مرتضى منصور مؤخرا، فإن الدستور المصرى يكرم هؤلاء الذين «دعوا إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية». ولكن حدث الكثير خلال الستين شهرا الماضية. شهدت مصر اضطرابا سياسيا واقتصاديا وإسقاط الإخوان المسلمين فى 2013 بعد عام عاصف، وعلى امتداد الشرق الأوسط، فَقدَ أكثر من 300 ألف أرواحهم بسبب الحرب والقمع والإرهاب. وبينما تتأمل مصر الذكرى الخامسة لثورة يناير، نسمع البعض يقول إن أحلام 2011 سقطت، البعض الآخر يرى أن الثورة كانت خطأ ساذجا فتح باب الفوضى، والأسوأ من ذلك، البعض يرى أن الثورة فى حقيقة الأمر كانت انتفاضة غير شرعية أو انقلابا مستترا أو مؤامرة أجنبية. أقترح، بتواضع، على هؤلاء جميعا أن يتذكروا شو إن لاى، من المبكر أن نعرف الأثر الحقيقى لثورة يناير. أنتجت مصر فى 2011 أبطالا لا يعرفون الخوف وعلمونا دروسا مهمة. أظهروا لنا أن المصريين أنفسهم يستطيعون، بل ويجب عليهم أن يشكلوا مستقبل بلادهم، ولقد لفتوا الانتباه على المشاكل الكثيرة التى الكثيرون تجاهلوها لفترة طويلة: خدمات حكومية متراجعة، فساد وغياب للعدالة الاقتصادية، غياب محاسبة المسؤولين على القرارات السياسية والممارسات الأمنية، رفض المصريون تمييز الذين قالوا إن الحرية والديمقراطية تناسب القارات الأخرى، ولكنها لا تناسب المصريين أو العرب. هذه الدروس حقيقية إلى اليوم، البلدان التى ستنجح فى القرن الواحد والعشرين هى البلدان التى ستمكن مواطنيها ليكونوا محركا للمستقبل بدلا من التعامل معهم على أنهم عبئا أو تهديدا، الأمن مسألة حيوية، لكنه لا يجب أن يكون على حساب التحديث أو الحقوق الشخصية وإلا سيفشل، يتطلب النجاح طويل المدى خدمات حكومية قديرة وتخضع للمحاسبة خصوصا فى مجال التعليم عالى الجودة الذى يشجع على الابتكار والتفكير النقدى، ويتطلب أيضا اقتصادات مفتوحة يلعب فيها القطاع الخاص دورا أكبر ودورا أصغر للحكومة، ويتطلب تمكين الشباب، ويتطلب حماية الحقوق الفردية وموازنة قوة الدولة بحكم القانون والنقاشات المفتوحة. ولكن السنوات التى تلت ثورة يناير علمتنا دروسا أخرى أيضا، التغيير الحقيقى لا يتم فقط عبر شعار أو إسقاط شخص واحد، التقدم لا يتضمن هدما فقط، بل أيضا الحماية والبناء، الديمقراطية ليست فقط الانتخابات، بل غرس قيم ومؤسسات عميقة فى التربة المصرية، التغيير العميق والمستدام يتطلب أيضا الإصلاح الدؤوب والتحلى بالصبر، دعونا ننظر للثورة الفرنسية 1789 وانتفاضة 1848 ولننظر إلى ربيع براغ 1968 وجنوب أفريقيا 1967: تم وأد بذور التغيير مبكرا، ولكن تحقق التحول المنشود بعد جيل من خلال تغير إيجابى وتدريجى. ولذلك فَلَو كانت 2011 قد أعطتنا أبطالا مصريين قالوا الحقيقة دون خوف، فإن تحقيق رؤيتهم تحتاج بطولة من نوع آخر، معلمون يعلمون جيلا جديدا أن يؤمن بنفسه ليبتكر ويفكر بشكل نقدى. رواد أعمال يستثمرون فى الوظائف والمهارات للمصريين، خبراء يصممون إصلاحات اقتصادية. نواب يخضعون الحكومة للمساءلة، صحفيون يكشفون الأكاذيب وينشرون ثقافة الشفافية، مواطنون يحسنون مجتمعاتهم المحلية من خلال التطوع والتحرك النشط، مجتمع مدنى ينشر أفكارا جديدة والتغيير على المستوى القاعدى، قضاة يحمون الأفراد من الانتهاك ويكشفون الفساد، شرطة تحمى الشعب والقيم الإنسانية، علماء دين يعززون قيم التسامح والرحمة، قادة لديهم رؤية لمصر حديثة مليئة بالفرص والانفتاح. وبمشيئة الله، سفراء أجانب يدعمون هؤلاء الأبطال المصريين من خلال شراكة إيجابية وعملية. قد يكون من المبكر جدا الحكم على ثورة يناير، ولكن ليس من المتأخر أن نشكل نتائجها، سواء كانت 2011 فجرا جديدا لتحول تاريخى أو بداية خاطئة هو أمر لا تحدده السنوات الخمس السابقة، ولكن تحدده السنوات العشرين المقبلة، ستعتمد النتيجه على البطولة الصامتة لمواطنين يخلقون مؤسسات تخضع للمحاسبة ومواطنين يتم تمكينهم، وستعتمد أيضا على مصريين يرفضون التخلى عن الأمل فى مستقبل أفضل من التطرّف والاستبداد. لذلك علينا أن نتفق أن السؤال الصحيح ليس «ما رأيك فى ثورة يناير؟ ولكن السؤال الصحيح هو «كيف يمكننا أن نحول رؤية الثورة إلى تغيير دائم وعميق؟»، كما فى 2011، المستقبل ما زال فى يد الشعب المصرى
|