اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-11-2015, 09:43 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New الخطاب الإسلامي ومعالجته لقضايا التطرف والغلو




من الحقائق الظاهرة لكل من تتبع دعوات الرسل تنوع استجابات الناس لها، وتفاوتهم في مقدار الاستجابة لهم بين:
1- متمسك بالحق، مستقيم على طريقه.
2- مفرطٍ زائغٍ مضيع لحدود الله.
3- غالٍ تجاوز حدود الله.

وكل أولئك وجدوا فيمن سبق أمة محمد صلى الله عليه وسلم فبنوا إسرائيل غلو في دينهم، ولذلك نهاهم الله عز وجل عن الغلو فقال: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77 ].

أي: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم فتتجاوزوا الحق، فإن قولكم بأن عيسى ابن الله قول ٌ منكم على الله بغير الحق، ولا ترفعوه إلى مقام الألوهية فتجعلوه رباً وإلهاً[1].

وهذا الغلو واقع في اليهود والنصارى إلى اليوم، وهم متفاوتون ففيهم تيارات مختلفة متباينة في درجات غلوها.

وما ذكر ربنا عز وجل لنهيه أهل الكتاب عن الغلو إلا لتحذير هذه الأمة؛ لتجتنب أسباب هلاك الأمم السابقة إذ السنة الكونية الجارية أن هذه الأمة؛ ستحذو حذو الأمم السابقة، ولذلك وقع فيها الغلو، كما وقع في السابقين وفي الأحاديث تصريح بذلك حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلو مع النص على التحذير مما صار إليه السابقون فقرن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الغلو ببيان أنه سببُ هلاك الأمم السابقة، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع: "هلمَّ القط لي الحصى " فلقطت له حصيات من حصى الخذف، فلما وضعتها في يده، قال: " نعم بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"[2].

وقد وقع الغلو في هذه الأمة بنوعيه:
1- الغلو الكلي الاعتقادي.
2- الغلو العملي الجزئي.
فقد وقعت بذرة الغلو العقدي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعه كان نتاج عوج نفسية الغلاة فقال صلى الله عليه وسلم عمَّن غلا غلواً اعتقادياً في زمنه فطعن في مقام النبوة: " إن من ضئضئي هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ي***ون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان "[3].

كما وقع الغلو العملي في عهده صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا، كأنهم تقالُّها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنني فليس مني "[4].

وهذا الغلو العملي الجزئي تتكرر صوره في كل زمان على يدي أفراد من الناس على مر التأريخ، وقد يتحول إلى رأي تتبناه جماعة أو طريقة صوفية.

وأما الغلو الكلي الاعتقادي فقد نمت تلك البذرة الخبيثة لتثمر شراً وفتناً فنتجت: الخوارج والرافضة في جملة أخرى من مذاهب الغلو، ولم ينقطع حبل الغلاة إلى عصرنا الحديث الذي أضحت فيه مشكلة الغلو من أهم المشكلات في العصر الحديث، وصارت هماً يؤرق أعداء الإسلام والمسلمين، كما هي هم يؤرق أهل الإسلام.

ولهذا الاهتمام مظاهر منها:
1- كثرة الكتابات، والمؤلفات، والمقالات والندوات عن هذه المشكلة حيث تعد تلك الكتابات اليوم بالألوف ولا يكاد يمرُّ يومٌ إلا ويظهر فيه مقال أو كتاب عن المشكلة بغض النظر عن مقاصد المؤلفين والكتاب أو مناهجهم.

2- تصدر الأخبار المتعلقة بالغلو نشرات الأخبار، والصفحات الأولى من الجرائد، وأغلفة المجلات مما يدل على عظيم الاهتمام بهذه المشكلة، بل تفرغ إعلاميون وكتاب لمتابعتها والكتابة فيها.

3- اهتمام الساسة بهذه المشكلة في معظم أصقاع العالم؛ إذ تجد لها مكاناً في تصريحاتهم، والبيانات الختامية للقاءاتهم، والبيانات الختامية للمؤتمرات.

فأصبحت المشكلة بهذا هماً عاماً، وانتقل الحديث عنها من الخاصة إلى العامة، كما أصبحت هماً دولياً بعد أن كانت هماً محلياً، وأصبحت هماً عاماً في كل دين وملة، بعد أن كان الحديث عنها محدوداً بأهل بعض الأديان والملل.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦

لقد صارت مشكلة الغلو مشكلة مركبة فلم تعد قاصرة على غلو الغلاة بل اكتنفتها ظروف زادت الأمر إشكالاً، فمن تلك الظروف:
1- عالمية المشكلة فقد نقل الأعلام المعاصر الحدث من المحلية إلى العالمية فأصبح العالم (قرية واحدة) من جهة نقل الحدث، ومن جهة تشابك المصالح، فصار الحدث منقولاً في الساعة ذاتها إلى العالم كله، وتشابكت المصالح بحيث أضحى أي تهديد لمصالح بلد ما يمثل نوعاً من التهديد لمصالح بلدان أخرى.

2- كما أن لعالمية المشكلة وجهاً آخر هو كون الغلو والتطرف وال*** والإرهاب من السمات الظاهرة في هذا العصر إذ صار في كل بلد طائفة تحمل عقيدة ما تستميت في الدفاع عنها وتهدد مصالح الناس.

3- اندراس المفهوم الصحيح للغلو، بين الأطراف الغالية التي ترى غلوها اعتدالاً، وبين المفرطين الذين يرون لزوم دين الله غلواً.

4- تصدي أصناف متعددة لهذه المشكلة، فمع أن الغلو منسوب إلى الدين، فالحكم فيه هو الدين وهو الذي يحدد المفهوم الصحيح، ويحدد مظاهر الغلو وموارده وأسبابه، ولكن الواقع المعاصر يظهر أن هذه المشكلة أضحت كلأً مباحاً يرتع فيه كل أحد فتكلم في المشكلة اليهود والنصارى والعلمانيون والليبراليون، والمتشددون والمتساهلون، والجهلة والمثقفون ثقافة غير شرعية فاختلطت المفاهيم وتنوعت الأقوال، وتعددت بحسب تعدد عقول هؤلاء ومشاربهم واعتقاداتهم.

والقارئ المتابع للكتابات حول الغلو والإرهاب يجدها قد وصلت إلى حد ممجوج من طوائف ليس لها أدنى صلة بهذا الدين، ثم هي تجعل من أنفسها حكماً عليه وعلى أهله.

5- جعل الغلو تكأة لمحاربة الدين: فقد صعب على أقوام إظهار العداوة للإسلام ولكن إظهار العداوة للغلو ومحاربته لها ما يسوغها فاتخذوا من محاربة الغلو تكأة للطعن في الدين فباسم محاربة الغلو حورب الدين وأهله.
وبهذا فإن المشكلة ذات أبعاد جعلتها مشكلة خطرة ذات جوانب مختلفة والواجب على أهل العلم والعقل في كل حين رفع الصوت والجهر برد كل عادية على هذا الدين إن بالغلو وإن بالتفريط والإضاعة، ففي نصوص التنزيل من الشواهد على الغلو جرم عظيم ما يعز على الحصر، ولكن ذلك الجهر برد العوادي عن الدين، إنما هو بالرجوع إلى الدين ذاته لا إلى الأهواء، ذلك إن حياة الناس لا تستقيم على أمر سواء إلى حين يكون هناك مرجع يرجعون إليه هو الدين الحق الذي بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم فلو رُدَّ الناس لأهوائهم أو لعقولهم فلكل واحد منهم عقل وهوى.

وحين تتقابل الأهواء يسود الهرج والفساد في الأرض: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [المؤمنون:71 ].

وحين تتقابل مقتضيات العقول تتناقض أفعال الناس فذاك يرى رأيا غير رأي الآخرين، ولا حكم يفصل في النزاع، وأما حين يرجع الجميع إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تضيق هوّة الخلاف؛ لأن الناس لا يفصل بينهم إلا كتاب منزل من الله عز وجل.

وأحداث الحياة حين توزن بذلك الميزان ليعرف حكم الله فيها يرشد الناس، وأما حين يعرض للمرء الحدث من وجهة غير شرعية، فإنه في الغالب يقابل الانحراف بانحراف مقابل.

إن معالجة مشكلة خطيرة كهذه المشكلة، يحتاج إلى تحديد مرجع يرجع إليه الجميع، فيقفون عند أحكامه، وهذا المعيار أو المرجع لا بد مع الاتفاق عليه من أن يكون صادقاً صواباً، وإذا أردنا ذلك لا نجد غير الكتاب المنزل (إن الناس لا يفصل بينهم في النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا رُدُّوا إلى عقولهم، فلكل واحد منهم عقل )[5].


ومشكلة الغلو في الدين، كما واضح متعلقة بالدين وكل ينسبها إليه، فتسمى: (الغلو في الدين) أو (التطرف الديني) فالمرجع فيها هو الدين، وهذه المرجعية تشمل جوانب المشكلة كلها:
ففي تحديد حقيقة الغلو وماهيته، المرجع إلى نصوص الشريعة التي وضعت لكلمة الغلو معناها.


وفي الحكم على عمل من الأعمال أو قول بأنه مظهر من مظاهر الغلو لا بد من دراسة الأمر، والنظر في النصوص مع النظر في الواقع، للخروج بأن هذا المظهر من مظاهر الغلو.


وفي استخراج أسباب الغلو ومداخله، الحاجة قائمة إلى دراسة؛ لمعرفة أسباب الزيغ والانحراف.


و في الحكم على الغالي بأنه غلا، وتحديد سبل التعامل معه لا بد من الرجوع إلى الشرع المطهر.


وإن من مقتضيات جعل المرجع كتاب الله عز وجل وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم أن نصدِّر العلماء بشرع الله تعالى؛ ليتولوا معالجة هذه المشكلة، ويضعوا منهج المعالجة؛ فإن ذلك من أظهر مهام العلماء، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين "[6].
وإذا لم نردَّ الأمر إلى العلماء بالشرع، صرنا إلى غرائب في تحديد مظاهر الغلو.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦

أسباب الغلو والتطرف:
لقد جعل الله عز وجل لكل شيء سبباً، وجعل الظواهر والمشكلات التي يقع فيها الناس راجعة إلى أسباب سائقة إليها، وهذه سنة من سنن الله عز وجل في الخلق والكون وإن كان سبحانه قادر على إيجاد الأمر دون أن تكون له أسباب طبيعية فهو الخالق للمخلوق وسببه، فهو مسبب الأسباب جل شأنه.

ومشكلة الغلو ليست بدعاً من المشكلات إذ لها أسباب لإيجادها، وأسباب لإمدادها.

فأسباب الغلو: هي العوامل المؤدية إلى الوقوع في الغلو بايجاده من الأصل، أو بالمد للغالي في غلوه، سواء أكانت متعلقة بالجانب الذاتي للغالي، أو للجماعة الغالية، أم كانت متعلقة بالبيئة المحيطة به.

ولكن دراسة هذه الأسباب يجب ألا تتجه إلى منحيين خاطئين:
المنحى الأول: أن تكون دراسة الأسباب تبريراً للغلو، وإيجاداً للعذر عند الغلاة، فهذا المنهج التبريري لا يولد في المآل إلا مزيداً من الغلو؛ ويجعل الغالي يسقط غلوه وجرمه على الناس.

وكم من قبلكم في قضايا معاصرة كالتفجيرات يذكر بعض الأحداث العالمية ويجعلها مبرراًٍ للفعل، وهذا يهون الأمر في النفوس، بل قد يجمع بعض الناس بذلك مزيداً من الأدلة ووسائل الإقناع للغلاة أو الجمهور المتلقين.

إن الحدث أو الواقع إذ ذكر على إذ ذكر على أنه سبب للغلو فلا يخلو من أمرين:
1- أن يكون الحدث خاطئاً من وجهة نظر المغالي - المبنية على الجهل والظلم - لا أنه خطأ شرعي بالفعل، ولقد وقع ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم - يعني الغنائم - جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك من يعدل إذا لم اعدل، قال عمرُ بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: "دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية "[7].

فهذا ظن لسوء طيته أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء فقال قولته الشنيعة، وكذلك فعل الخوارج حين رفعوا دعوى إلى إبطال التحكيم بقوله سبحانه: ﴿ إن الحكم إلا لله[ الأنعام: 57] فالقول الذي قالوه حق، ولكن زعمهم أن علياً حكم بغير شرع الله باطل؛ ولذلك قال علي رضي الله عنه: (كلمة حق أريد بها باطل )[8].

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا لله، انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها )[9].

وفي الأحداث اليوم ألوان من هذه التخطئة المبنية على الجهل والظلم التي يجعلها بعض الغلاة أصلاً في تكفيرهم للغير، أو ***هم أو التفجير ونحوه.

2- أن يكون الحدث خاطئاً بالفعل، ولكن خطأ الفعل لا يوجب الرد بالخطأ والظلم، فمن سابَّ شخصاً أو قاتله فإن ذلك لا يبيح ***ه، ولا تمهد المسابة للقاتل العذر.

فنحن وإن ذكرنا بعض الأسباب وأنها من العوامل التي أوقعت في الغلو لا نفتح باباً للعذر على الغلاة، وإنما نشخص الواقع؛ لتكون المعالجة على أصل قوي.

المنحى الثاني: ألاّ يكون ذكر الأسباب جلداً للذات، واتهاما للمجتمع، فكثيراً ما ترى أن بعض الكاتبين في أسباب الغلو يصعدون الأمر، ويرفعون اللهجة وكأن المجتمع برمته متهم بينما الغلاة أنفسهم مبرءون فهم ضحايا.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦

إنه إذا تقررت أهمية معرفة الأسباب وأنها سبيل للعلاج، فإن معرفة تلك الأسباب متيسرة بمنهجية علمية عبر وسائل عدةٍ منها:
1- قراءة كتابات الواقعين في الغلو، ومحاولة استنتاج الأسباب التي دفعتهم إلى الآراء الغالية، فمن صريح بعض النصوص ومن ظلال بعض النصوص الأخرى تتبين الأمور التي أثارت حفيظة الغالي - سواء كان ذلك حقاً أم باطلاً- فتسجل هذه الأمور وتقارن بغيرها من أقوالهم؛ لمعرفة مدى تأثير ذلك السبب في نفوسهم.

كما تفيد دراسة كتابات الغلاة معرفة المداخل المنهجية التي أدت بهم إلى الغلو، أو الثغرات التي نفذت منها مظاهره، وكتابات الغلاة أقوى المصادر الدالة على سببية الأمر، وسوقه إلى الغلو.

1- الدراسة التأريخية للنظر في نظائر هذه المشكلة في داخل المجتمعات المسلمة - قديماً وحديثاً - وهذا يفيد من جهتين:
الأولى: معرفة المداخل المنهجية السائقة إلى الغلو.
الثانية: معرفة الظروف التي نشأ فيها ذلك الانحراف.

ذلك أن صورة الغلو قد تتكرر في جيلين من أجيال التأريخ مع أن المتأخر لم يأخذ من السابق غلوه بل هو توافق في المنهج العلمي أو العملي، أو توافق من جهة الجهل أو العلم، أو من جهة الظروف أو السياق العام ساقت إلى توافق في الأقوال والآراء والاعتقادات.

2- دراسة تأريخ الغلاة أنفسهم، وتتبع أحوال الجماعات الغالية منذ بداية تكوينها، ثم دراسة تطورها وتتبع حالات المد والجزر في تأريخها ودراسة المؤلفات التي ألفت في تلك الحقب؛ لمعرفة التحولات الفكرية والعلمية؛ إذ من شأن تلك الدراسة أن توقف الباحث على الأسباب والمواقف الدافعة للغلو.

3- دراسة أشباه هذه الظاهرة في مجتمعات غير المسلمين - قديماً وحديثاً- لمعرفة الأسباب العامة التي يمكن أن تكون مشتركة بين أهل الأديان في النزوع إلى الغلو وال***، فكما عند المسلمين فإن عند غيرهم تيارات إرهابية، وقد تكون ثم قواسم مشتركة في الأسباب المتعلقة بالبيئة والظروف العلمية.

4- دراسة السياق التأريخي العام الذي حدثت فيه المشكلة، فتلك الدراسة نافعة في تصور المشكلة وأبعادها، ومعرفة الظروف العامة لنشأة الأفكار والاتجاهات العامة.
ويحتاج الأمر إلى توسيع الأفق في الدراسة لمعرفة التحولات في المجتمعات المعاصرة، والأحداث العالمية المؤثرة في نفوس الناس خاصة مع النقل الإعلامي الذي جعل الحدث ينقل في لحظته.

وقد تكون تلك الأحداث شديدة التأثير جداً على فئات متباينة من الناس إذ قد يكون حدث ما، مؤثراً في غلو الغلاة في الدين، ما هو أيضاً مؤثر في غلو مقابل وقع لفئة من أصحاب الأفكار العلمانية أو الليبرالية ونحوها.

5- دراسة الواقع الاجتماعي العام، إذ لا يمكن عزل المشكلة عن السياق الاجتماعي العام، فلا يمكن عزلها عن قضية مقابل وهي بُعْدُ أقوام عن الدين أو تفشي الظلم، أو كثرة الجهل، أو الانحلال الأخلاقي، فهذه أحوال قد تكون هي البيئة المنتجة لروح النقمة الظاهرة عند بعض الغلاة.

6- قراءة الكتابات الجادّة التي درست المشكلة، أو عالجت بعض جوانبها لمعرفة أسباب الغلو من وجهة نظر أصحاب تلك الكتابات.
7- دراسة الطبيعة الطبيعية النفسية للمتهمين بالغلو، أو الجانحين إلى شيء منه، وهذا قد يمثل نوعاً من التجربة الشخصية التي تحصل من خلال مقابلات مع من يقع في الغلو ثم التأمل في أحوالهم، وتدوين بعض الملاحظ مع وجود رصيد سابق من الخبرة العلمية والعملية خاصة في مجالات علم النفس، والاجتماع، والتربية مع رصيد علمي شرعي عاصم من الانزلاق.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦

وبهذا يظهر أن تحديد الأسباب عمل علمي يجب أن يتوافر عليه مختصون يدرسون عن علم هذه المشكلة ويضعون الفروض ويختبرون صدقها، لا أن تكون الأقوال ملقاة على عواهنها، فتحديد الأسباب يجب أي يمر بمرحلتين أساسيتين:
الأولى: جمع البيانات الأولية والآراء والأقوال حول الأسباب.
الثانية: الدراسة للأسباب، ومحاولة الكشف عن صدق تأثيرها، ومدى ذلك التأثير.

ولعل مما يسهم في ضبط المنهج لدراسة أسباب هذه المشكلة التأكيد على جملة ملاحظ:
الملحظ الأول: ان مشكلة الغلو ونحوها من المشكلات المركبة التي لا يمكن أن يفسر حدوثها لسبب واحد بل هي ذات أبعادٍ مختلفة تتجاذبها من كل جانب، ومن ثم فإن تضييق ذكر الأسباب في جانب واحد اختزال مخل.

إن من طبيعة المشكلات الكبرى عودها إلى أسباب عدة غالباً ما تتداخل لتكوِّن المشكلة، وهذه الأسباب مع تداخلها مترابطة، فعند التأمل في الخلل المتعلق بالمنهج العلمي في استنباط الأحكام من النصوص نجد ارتباط ذلك الخلل بالجهل، فالجاهل لا يسير وفق منهج علمي منضبط، بل جهله يشمل المنصوص وما يستنبط منها من أحكام، والمنهج الذي يضبط ذلك.

الملحظ الثاني: أن أسباب الغلو متفاوته في مدى تأثيرها، ولا يمكن القول بتساوي تأثير هذه الأسباب على الأشخاص أو على المجتمعات، بل الأسباب متفاوته باعتبارات عدة أهمها:
1- التفاوت من جهة المجتمعات في الوجود أو التأثير، فقد يوجد سبب في مجتمع ولا يوجد في مجتمع آخر، وفي التأثير قد يكون السبب موجوداً في مجتمعين، ولكنه يؤثر في أحدهما، ولا يؤثر في الآخر.

2- التفاوت من جهة الأشخاص وجوداً وتأثيراً، فقد يوجد السبب في حياة بعض الناس دون بعض، وقد يتأثر به بعد الوجود شخص دون غيره من الناس.

3- التفاوت من جهة الفترات التأريخية؛ فقد يوجد السبب ولكنه يؤثر في فترة تأريخية ما لا يؤثر في الفترات التأريخية الأخرى؛ إذ تتميز فترات الأزمات التأريخية بكونها فترات خصبة لحدوث الغلو والتطرف.

4- التفاوت من جهة مصدرها، فقد تكون راجعة إلى التكوين الشخصي، والعلمي أو النفسي، وقد تكون راجعة إلى المجتمع العام، وقد تكون راجعة إلى المجتمع الخاص بالغالي، وقد تكون راجعة إلى أسباب خارجة عن هؤلاء جميعاً، ولكنها تؤثر في حدوث المشكلة وتستثير ردود الأفعال.

الملحظ الثالث: إن الأسباب نوعان:
1- الأسباب الأساسية.
2- الأسباب المباشرة.

فالأسباب الأساسية: هي التي تولد المشكلة وهي التي تنميها بعد ولادتها وتغذي أفكارها، وهي غالباً ما تكون متعلقةً بالجوانب العلمية والفكرية، أو الأوضاع العامة.

وأما الأسباب المباشرة: فهي التي تولد الحدث، وهذه الأسباب المباشرة تعد عرضاً للسبب الرئيس المتجذر في بناء المجتمع.
ونظراً لقوة تأثير الأسباب المباشرة فإنها تلفت أنظار الدارسين أكثر من الأسباب الأساسية، والواجب أن يعكس الأمر فتولى الأسباب الأساسية عناية رئيسة من الباحثين الدارسين لهذه المشكلة، ولذلك فإنه لا بد من دراسة أحوال الغلاة والمجتمعات التي يحدث فيها الغلو للوصول إلى تصنيف علمي لتلك الأسباب، مع أنَّه من الملاحظ أن بعض الأسباب المباشرة تنبع أهميتها من كونها تمثل الكاشف لأزمة المجتمع والتي تلفت الأنظار لدراسة علمية رصينة لأوضاعه.

الملحظ الرابع: أن الكاتبين في هذه المشكلة وفي ذكر أسبابها منهم من يقتصر على سبب أو اثنين ويزعم أن المشكلة عائدة إلى هذا السبب دون غيره، وغالباً ما يكون توحيده السبب نتاج موقف فكري معين يضيق نظره عند ذلك السبب؛ لأجل ضرب شيء بشيء، أو نتاج تجربة شخصية فيفسر العام بالخاص.

وهذا الموقف خاطئ إذ سبق أن المشكلات والظواهر البشرية المعقدة لا يمكن أن تعزى إلى سبب واحد.

وأما الاحاطة الشاملة بجميع الأسباب فهي غير ممكنة أيضاً، إذ طرق الشر والانحراف غير منحصرة في الأصل.

إذ الخطأ لا تنحصر أسبابه، ولكن الذي تنحصر أسبابه الحق لأن مآخذه منضبطة، فمن رمى فأصاب الهدف فالسبب منحصر، وأما من أراد أن يخطئ فجهات الخطأ غير منحصرة.

والرُّشد أن يحاول الدارسون للمشكلة جمع الأسباب العامة المؤثرة تأثيراً كبيراً دون زعم الاحاطة.

الملحظ الخامس: أن أسباب الغلو منها ما يكون مؤدياً لموارد شتى فربما يكون سبب ما مؤدياً للعودة إلى الدين والالتزام به - عند أقوام - كما أنه عند أخرين طريق للغلو بحسب حدة تأثر المرء، أو وجود عوامل أخرى مصاحبة فالانحلال الأخلاقي في المجتمعات قد يؤثر في نفسية أمريء ما فيزيده تمسكاًٍ بدينه ورجوعاً إليه، ويؤثر في نفسية امريء آخر فيغلو لقوة غيرته، أو لحدة نفسيته، أو عدم قدرته على الإصلاح بالوسائل الشرعية، أو عدم فقهه للضوابط الشرعية في ذلك.

بل قد يكون السبب مشتركاً بين مشكلة الغلو، ومشكلة أخرى، وقد رأيت هذا بيناً في كتابات بعض من كتب بعد حادث التفجير حيث تبين أن زيغه جاء من طريق أسباب هي بذاتها أسباب لغلو الغالين.

فمن أسباب الغلو: اتباع المتشابه من النصوص وترك المحكمات، وهذا مما أوقع الغلاة في الغلو وهو بذاته أوقع الزائغين في الزيغ.

الملحظ السادس: أن محاولة استخراج الأسباب محاولة تحتمل الإصابة والخطأ من جهتين:
الأولى: من جهة تحديد السبب، فقد يخطئ المرء فيعد سبباً ما ليس سبباً، وقد يغفل أمراً بزعم أنه ليس من أسباب الغلو، وهو من أسبابه.
الثانية: تقدير مدى تأثير السبب فقد يكون الأمر المحدد سبباً لكنه ليس بذلك الحجم من التأثير.

الملحظ السابع: أن مشكلة الغلو تتسم بالتعقيد وتعدد الجوانب، كما أن هناك انقسامات في صفوف المتهمين بهذه المشكلة مما يحتم وجود الفوارق والاعتبارات المختلفة مثل: اعتبارات المكان، أو الظروف أو البيئات والدارس للمشكلة عليه ألاّ تستغرقه الفوارق التي تخص أقواماً دون آخرين، فيجعل جل اهتمامه القواسم المشتركة بين الواقعين في الغلو بغض النظر عن بيئاتهم وأحوالهم الخاصة.

إنه بهذا تتضح حاجتنا الأكيدة لضبط منهجياً في دراسة هذه المشكلة وأن يكون منهجاً علمياً منضبطاً.

إن من العار أن نعيد الأمر جذعاً فندرس هذه المشكلة بنفس النَفَسِ الذي درسه به أناس ففشلوا فشلاً ظاهراً.

إن الكتابات حول هذه المشكلة تظهر عوار بعض الدارسين وأخطاءهم المنهجية الفاضحة، ومن ذلك:
1- الدراسة السطحية للأسباب، وردّ المشكلة إلى عامل واحد فراراً من الدراسة الجادة، فيرمي الكاتب بقول ملقى على عواهنه بين أظهر الناس ليجد صداه في أحاديث المجالس وردود الكتاب من مثل: الزعم بأن المشكلة نتاج مرض نفسي، أو أن السبب هو العالم الفلاني من علماء المسلمين القدماء، ولقد نعى بعض الباحثين الغربيين على أولئك الذين الذين يدرسون ما أسماه (الأصولية) دراسة ليس فيها أي نوع من الجد؛ بل فيها الفرار إلى افتراضات متوهمة، وأبان أن الدعوة إلى الجدية في دراسة الأمر لا تعنى التعاطف مع أصحابها بله الانتماء إليهم.

يقول جيل كيبل: (فرضية العمل التي ننطلق منها هي: أن خطاب وممارسة هذه الحركات إنما يحملان دلالة ومعنى، فهما ليسا نتاجاً لاختلال العقل، ولا لتلاعب قوى مظلمة، وإنما الشهادة التي لا مثيل لها، ولا بديل عنها على الوجع الاجتماعي الذي لم تعد مقولاتنا الفكرية التقليدية تسمح بكشفه وفك رموزه، وحملُها على محمل الجدِ لا يعني المحاماة عنها أو المرافعة عن قضيتها، أو مصاحبتها في طريقها، مثلما لم يكن على ذلك الذي فتحت مقالات وبيانات الحركة العمّالية عينيه على وضع البروليتاريا أن ينتسب إلى الحزب الشيوعي )[10].

والمشكلة أعقد من أن تهون، بل أن هذا الطرح السطحي هو لون من ضعف الشجاعة في بيان الحق، إذ فيه عدم اعتراف بإسهام جهات كثيرة في العالم كله، وعوامل مختلفة المصادر والأماكن في وقوع هذه المشكلة.

فالأسباب تحتاج إلى عمق في التناول من مؤهلين لذلك، لا من أقوام غاية تأهيلهم أنهم غلاة سابقون.

2- التشيع لمذهب أو رأي أو قول، ومحاكمة الغلو والغلاة من خلاله، فهذا يؤدي للتحيز للمذهب وتفسير الآراء والأقوال والأحداث من خلال ذلك.

إن المحلل لمثل هذه المشكلة يتأثر في دراسته من وجهتين:
الأول: في دراسة المشكلة ذاتها في حقيقتها ومظاهره من وجهة نظر مخالفة؛ فيَعُدُّ منها ما ليس داخلاً فيها، فقد يصل أقوام إلى المَسلَّمَاتِ من الدين وحقائقه الظاهرة، ويعدون القول بها من الغلو، ومن ثم يتأثرون في تفسير المشكلة بذلك.

الثاني: عند دراسة الأسباب يركز على ما يتفق مع مذهبه ورأيه.
فثم إذاً علاقة بين دراسة المشكلة والموقف الفكري والعقدي، فيرى بعض الناس أن سبباً ما هو سبب للغلو؛ لأن فهمهم للأمور ليس منطلقاً من منطلق صحيح، ومن سموا أنفسهم بـ (الليبراليين) اليوم يريدون الحكم على الناس من خلال منظورهم، وغيرهم أيضاً يريدون ذلك، وإذا كانت المعايير نسبية غير محررة ضاعت الحقائق، فالناس لا يفصل بينهم في النزاع إلا كتاب منزل، ولو رُدّوا لعقولهم فلكل واحدٍ منهم عقل.

إن طرحنا في قضايا الغلو ما لم ينطلق من منطلق شرعي علمي رصين إنما هو حرث في البحر؛ لأن الغلاة إنما ينطلقون من منطلق ديني - بزعمهم - والناس إنما يريدون الشرع والدين، وإذا صودر الناس في دينهم وحوربوا في اعتقادهم فإن الأمر سيصير إلى اضطراب.

وإن أصل اجتماع الأمة بوجه أخص قائم على الدين، وإذا أريد للناس أن ينزعوا عن ذلك، فذلك مؤذن بانفلات وحدتهم، ومطلب الأمة عامة إنما هو الدين، وما أنكروا الغلو إلا لأنه مروق من الدين، وكذلك ينكرون كل مروق.

إن القضية تحتاج إلى علم وعقل ورشد، والغلو عمل شريحه من الناس فإذا عولج بالمنهج الخاطئ استعدي الآخرون وصارت البيئة مناخاً لاستنبات الغلو.

3- المقاصد والنوايا: إن دراسة المشكلة مكتنفة بكثير من المقاصد السيئة والأهواء، بل ولها صلة بالصراع الحضاري بين الأمم، فلقد اتخذ أقوام من الطعن في الغلو والإرهاب تكأة للطعن في الدين وأهله، والمقاصد وإن كانت أمر قلبياً إلا أن ظواهر الأقوال والأفعال تدل عليها، ولذلك تجد من الناس من يقول قولاً في الطعن في الدين والبلاد ومؤسساتها يفوق ما يقوله الأعداء؛ إن ممارسة جلد الذات تقرباً للآخر، أو تطريقاً له عملية في غاية الخطورة، وهي أو ما تعود بالضرر على صاحبها ثم تتابع الأضرار على الأمة.

4- الاعتماد على النقل عن الآخرين دون دراسة لمؤلفات وكتابات الغلاة والمهتمين بالغلو، ودون رجوع إلى المختصين في هذا الباب العارفين بما فيه من إشكالات، ومن عجب هذا أن نجد تماثلاًُ في شواذ الآراء التي سمعناها أو قرأناها في الأيام الأخيرة، فهي مع عدم انضباطها من الناحية العلمية أقوال يتناقلها بعض الناس.

5- الإفراط في التجزئة أو التعميم: إن هذه المشكلة تتميز بتعددية الجوانب التي يمكن النظر من خلالها: تعددية من جهة الجماعات الغالية نفسها، فهي تيارات مختلفة تتعدد أسباب غلوها بحسب تعدد تلك الجماعات، وتعدد من جهة المجتمعات والبلدان، فالغلاة ينتمون إلى مجتمعات مختلفة متباينة الأحوال.

وتعددية من جهة مظاهر الغلو فيغلوا هذا في أمر لا يغلو الآخرون، وهكذا.

وهناك توجهان أخطاً في ذلك:
الأول: توجه يفرط في التجزئة.
الثاني: توجه يفرط في التعميم.

وكلا هذين مخطئ، فإن دراسة هذه المشكلة توجب النظر إلى الأسباب العامة مع عدم إغفال الأسباب الخاصة. وكما يقول فرانسوا بورجا: (إن التجزئة في دراسه مثل هذه المشكلة قد تكون نافعة حين تؤدي إلى اكتشاف القاسم المشترك بين الجزئيات المتعددة ولكنها تكون سلبية حين نفرط فيها )[11].

6- التهويش في ذكر الأسباب: إن تحديد الأسباب عمل علمي يحتاج إلى إقامة البراهين وذكر الأدلة، ولكن بعض من كتب في هذه المشكلة وقع في ألوان من التهويش والأساليب الإعلامية والدعائية، فليس على كلامه أثارة من علم، بل دراسة القضية من الواجهة العلمية تنفي تلك الاطلاقات العامة المريضة؛ فتجد من يعيد الأمر إلى شيخ الإسلام ابن تيميه أو دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - دون برهان علمي.
♦ ♦ ♦ ♦ ♦

ويمكن هنا أن أضع إجمالاً للأسباب التي أراها سائقة للغلو:
أولاً: الأسباب المتعلقة بالجهل: وتتضمن:
1- الجهل بالكتاب.
2- الجهل بالسنة.
3- الجهل بمنهج السلف.
4- الجهل بمقاصد الشريعة.
5- الجهل بالسنن الربانية.
6- الجهل بحقيقة الإيمان وعلاقته بالأعمال.
7- الجهل بمراتب الأحكام.
8- الجهل بمراتب الناس.
9- الجهل باللغة العربية.
10- الجهل بالتاريخ.

ثانياً: الأسباب المتعلقة بالمنهج العلمي: وتتضمن:
1- الإعراض عن العلماء.
2- التأويل والتحريف.
3- اتباع المتشابه.
4- عدم الجمع بين الأدلة.
5- التعامل المباشر مع النص والفهم الحرفي له.
6- الاجتهاد من غير أهلية.
7- الإغراق في الاهتمام بأحاديث الفتن.
8- الاعتماد على الرؤى والأحلام.

ثالثاً: الأسباب المتعلقة بالمنهج العملي: وتتضمن:
1- الاستعجال.
2- التعصب.
3- عدم تقدير ظروف الناس وأعذارهم.

رابعاً: الأسباب النفسية: وتتضمن:
1- افتقاد التوفيق.
2- عدم إشباع الحاجات.
3- الاضطرابات النفسية والسلوكية.
4- الاضطرابات الانفعالية.
5- طبيعة الشخصية الموجهة أو القائدة.

خامساً: الأسباب التربوية: وتتضمن:
1- ضعف الصبر.
2- اليأس.
3- طبيعة الشباب.
4- اتباع الهوى.
5- الجدال.
6- اختلال مناهج التعليم.

سادساً: الأسباب الاجتماعية: وتتضمن:
1- غياب شرع الله عن الحكم في كثير من بلاد المسلمين.
2- الفساد العقدي.
3- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- اختلال العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
5- الاتهام والهزء.
6- ال*** وال*****.
7- الانحلال الخلقي.
8- اختلال الأوضاع الاقتصادية.
9- غياب دور العلماء.
10- مشكلة غياب هوية الأمة.
11- انتشار العلمانية في كثير من المجتمعات المسلمة.
12- فساد كثير من وسائل التوجيه والتأثير.
13- غياب الشورى.
14- المشكلة الطائفية.
15- الهزائم السياسية والعسكرية.

سابعاً: الأسباب العالمية: وتتضمن:
1- التآمر على الدين الإسلامي عالمياً.
2- سقوط الدولة العثمانية (الخلافة ).
♦ ♦ ♦ ♦ ♦

علاج الغلو ودور العلماء في ذلك:
إن علاج الغلو هو الثمرة التي ننشدها من دراستنا لهذه المشكلة، وهذه المعالجة يجب أن تكون منطلقة من منطلقات سليمة، ورأس ذلك أن يتحلى المعالج بصفات أهمها:
1- الإخلاص.
2- العلم.
3- التوازن والرجوع للوسطية.
4- النظر في الاعتبارات التي ينبني عليها اختلاف حكم الغلو والغالي.

ويمكن إجمال سبل المعالجة فيما يلي:
أولاً: العلاج العقدي: ويتضمن:
1- الاعتصام بالكتاب والسنة.
2- الالتزام بمنهج السلف أهل السنة والجماعة.
3- نشر مذهب السلف.
4- العلم بحقيقة الإيمان وعلاقته بالأعمال.
5- الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم.
6- ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
7- معالجة الفساد العقدي.
8- حماية الدين من المستهزئين.

ثانياً: العلاج العلمي: ويتضمن:
1- طلب العلم الشرعي.
2- ضبط منهج الاستدلال والاستنباط.
3- ضبط منهج فهم الألفاظ الشرعية.
4- التلقي عن العلماء ورعاية حقوقهم.
5- العلم بمقاصد الشريعة.
6- العلم بالتاريخ والسنن الربانية.
7- العلم بمراتب الناس.
8- العلم بمراتب الأحكام.
9- العلم باللغة العربية.
10- العناية بمناهج التعليم.

ثالثاً: العلاج التربوي: ويتضمن:
1- التفاؤل والثقة بالله تعالى.
2- الاشتغال بالأعمال النافعة.
3- الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة في العمل.
4- فتح مجالات الدعوة والإصلاح.
5- ترك المراء والجدال.
6- المناصحة والموعظة.
7- نبذ التعصب.

رابعاً: العلاج الاجتماعي: ويتضمن:
1- الحوار.
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- التزام اليسر والأخذ بالسماحة في التعامل مع الناس.
4- النظر في أحوال الناس، واعتبار أعذارهم.
5- الاعتدال في الحكم على زلات العلماء.
6- قيام العلماء بواجبهم.
7- الهجر.
8- الرد.
9- العقوبة.
10- علاج الجوانب الاقتصادية.

وظاهر من هذا كله أن العلماء عليهم المدار في أمر المعالجة كلها، ولكني أضع بعض المعالم الرئيسة في ذلك:
إن الناس يختلفون في اهتماماتهم بمشكلة الغلو، وفي الموقف الذي يجب عليهم اتخاذه نحوها بحسب مكانتهم ومنزلتهم، والمهام المنوطة بهم، وللعلماء في المسلمين منزلة واعتبار ومكانة توجب عليهم من المهام ما لا يجب على غيرهم من الناس:
فالله أمر بالرجوع إليهم، وسؤالهم عمَّا أشكل، يقول الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7 ].


وهم الذين عظم الله تعالى قدرهم، فأشهدهم على أعظم مشهود وهو توحيده، يقول الله - عز وجل-: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ آل عمران: 18 ].


وهم ورثة الأنبياء، فعن أبي الدراداء -رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر "[12].


وهم الذين أخذ الله تعالى عليهم الميثاق أن يبينوا الحق، يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران:187].


ويشمل ذلك:
1- البيان التأصيلي: بعرض الحق، وتعليم الناس السنَّة، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم.


2- البيان التحصيني: بالتحذير من الانحرافات والأهواء والضلالات ورد الشبهات.


3- البيان العلاجي: بمعالجة ما وقع من مشكلات، والإفتاء فيها، وبيان سبل الخلاص منها، والحوار مع المنحرفين، ودعوتهم للعودة إلى الصراط المستقيم.


وإذا أخذ الناس عن العلماء استقامت أمورهم، فالمشاهد أن الخطاب الإعلامي المعاصر حول قضية الغلو والتطرف شابته شوائب كان معظمها نتاج نقص العلم.


إن الخطاب يجب أن يتوجه إلى الأمة؛ لترعى حق علمائها، فلقد كان من أعظم أسباب انحراف الخوارج من قبل عدم رعايتهم لحقوق العلماء ومنازلهم، فلم يرفعوا بالعلماء من سادات صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأساً بل رفضوا أقوالهم، وتبرأوا منهم، وكفَّروهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم، ولو عرفوا أقدار هؤلاء الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - لسلموا من غوائل الانحراف، ومفاسد الغلو.


إن اهتداء المرء موكول باعتصامه بالكتاب والسنة، وبهذا فإن حاجة الناس للعلماء عظيمة.


والمتلقي عن غير العلماء يقع في الانحراف، ثم غالباً ما يتعذر بالجهل، ولكن هذا لا يمهد العذر له؛ إذ إن جهل المرء لا يعفيه من تبعات الوقوع في الخطأ والانحراف، بل يلزمه إذا كان جاهلاً أن يسأل أهل العلم، يقول الله - عز وجل -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7] فأمر عند عدم العلم سؤال أهل الذكر؛ لأنهم الأدلاء على حكم الله تعالى وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

إن عدم اعتبار العلماء، يقابله الأخذ عن غير الأكفاء، ومن العوام والجهلاء، وإذا وقع ضل الناس، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حنى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فضلوا وأضلوا "[13].


وإذا عرف الناس العلماء منازلهم؛ أثمر ذلك ثمرات جليلة:
1- أن تكون اعتقاداتهم، وأعمالهم على وفق شرع الله تعالى - في الجملة - لأن العلماء بعملهم أضاءوا الطريق للسالكين، فدلوهم على الحق.


عن أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما مثل العلماء في الأرض، كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة "[14].


2- توحيد الصف واجتماع الكلمة؛ لأن الناس إذا لم يكن من يقودهم في اعلم والعمل، تفرقوا وتشتت أمرهم، فإذا كانوا تبعاً لعلمائهم، توحد صفهم واجتمعت كلمتهم.


3- غياب كثير من أسباب الغلو، فقد ثبت أن من موارد الغلو موارد كثيرة، عائدة إلى الجهل بمقاصد الشريعة، وباللغة.. الخ..


فإذا رجع الناس إلى العلماء في كل ذلك، وصدروا عن أقوالهم، فقد غوَّروا منابع الغلو، وقطعوا موارده، وقد عصمهم الله من الانحراف لاتمارهم بأمره سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7 ].


4- براءة الذمة عند الله - عز وجل - لأن فرض العامي تقليد العالم الموثوق المظنون حرصه على إتباع الكتاب والسنة، وقد قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7 ].


وهذا ذكر مجمل لبعض الملامح الرئيسة في المعالجة:
أولاً: الحوار: إن المحاورة لأهل الغلو والابتداع وأهل الانحراف بشكل عام، سبيل من سبل كشف سبل الغلاة، ووقاية للناس من آرائهم واقوالهم.


ففيها فائدتان:
الأولى: كشف شبهات المنحرفين، التي أوقعتهم في الانحراف.
الثانية: إظهار عوار المنحرفين للناس، حتى لا يصغوا إليها أسماعهم، فيشاركوهم الانحراف.


وفي حياة السلف - رضي الله عنهم - شواهد على هذه المناظرات ونتائجها، ومن أظهر الأمثلة على ذلك:
1- مناظرة علي -رضي الله عنه - للخوارج.
2- مناظرة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - للخوارج.
وسأورد المناظرة الثانية مثالاً على جهد علماء الصحابة - رضي الله عنهم - في الحوار مع الغلاة.


عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: (لما اعتزلت الحروراء فكانوا في دار على حدتهم، فقلت لعلي: يا أمير المؤمنين! أبرد بالصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم، قال: إني أتخوفهم عليك، قلت: كلا إن شاء الله تعالى. قال: فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، قال: ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة، قال: فدخلت على قوم لم أر قوماً قطُّ أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلمة من آثار السجود. قال: فدخلت، فقالوا: مرحبا بك يا ابن عباس! ما جاء بك؟ قلت: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال بعضهم: والله لنحدثنه، قال: قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأول من آمن به، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالوا: ننقم عليه ثلاثا، قال: قلت: وما هن؟ قالوا: أولهن: أنه حكم الرجال في دين الله، وقد قال الله: ﴿ إن الحكم إلا لله ﴾ [الأنعام: 57] قال: قلت: وماذا؟ قالوا: وقاتل ولم يسب ولم يغنم، لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم!! قال: قلت: وماذا؟ قالوا: محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال: قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون، أترجعون؟ قالوا: نعم. قال: قلت: أما قولكم حكم الرجال في دين الله، فإن الله تعالى يقول: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ - إلى قوله: - يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة:95] وقال في المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء:35] أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم؟ قالوا: اللهم، بل في حقن دمائهم، وإصلاح ذات بينهم. قال: أخرجت من هذه، قالوا: اللهم نعم. قال: وأما قولكم إنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة؟ أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم، وخرجتم من الإسلام؛ إن الله يقول: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6] فأنتم مترددون بين ضلالتين، فاختاروا أيتهما شئتم. أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. قال: وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً، فقال: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فقال: والله إني لرسول الله حقاً، وإن كذبتموني، اكتب يا علي! محمد بن عبد الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي - رضي الله عنه- أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. فرجع منهم عشرون ألفاً، وبقي منهم أربعة آلاف ف***وا )[15].


إن المطلع على مشكلة الغلو في الدين في العصر الحديث، وما ألف فيها من كتب، يجد الحاجة ماسة إلى أن يكون للعلماء دورهم في الحوار، وتبيين القضايا بياناً شافياً، وذلك لأمور:
1- إن كثيراً من مظاهر الغلو في العصر الحديث ترجع إلى جهل الواقعين في الغلو مما يوجب كشف ذلك الجهل، و الحوار أحد الإجراءات المحققة لذلك.


2- إن الشبهات التي يطرحها الواقعين في الغلو تحتاج إلى بيان؛ لكشف هذه الشبهات عن الغلاة أنفسهم، ولتحقيق حصانة للناس من التأثر بتلك الشبهات.


3- إن هناك خلطاً شديداً في الدراسات والكتابات المتعلقة بهذه المشكلة، فقد عمد الناس إلى الخلط بين الالتزام بالدين، والغلو فيه، فأدخلت قضايا كثيرة في الغلو وهي ليست منه، أو هي مما وقع فيه الخلاف قديماً وحديثاً، وحين يقع الحوار تتم معالجة هذا الأمر، ووضع القضية في نصابها، فيكون الحوار بمثابة المعالجة الشاملة لقضايا الغلو؛ إذ يتبين القدر الحقيقي من الغلو، كما تنكشف الشبه، ويتبين الخلط الواقع في مفهوم الغلو، وفي تصور مظاهره وأشكاله، وأسبابه، وسبل علاجه.


ثانياً: الاحتساب على الغلاة: بنهيهم عن غلوهم، ومحاورتهم، وكشف عوارهم للناس، والرد عليهم؛ بالتأليف والكتابة وغيرها من الوسائل المناسبة.


فالغلو نفسه منكر من المنكرات التي يحتسب على صاحبها، وينكر عليه.


ويمكن أن يتفق على ذلك العلماء والأمراء والعامة، كل بحسب موقعه وقدراته وعلمه، مع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك.


ويمكن أن نتبين دور العلماء والأمراء والعامة في إنكار الغلو والاحتساب على المنكرين من خلال هذه الأمثلة من تاريخ السلف.


1- احتساب العلماء:
من ذلك المناظرتان المشهورتان بين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والخوارج، وبين ابن عباس - رضي الله عنهما - والخوارج أيضاً.


2- احتساب الأمراء:
من ذلك: قصة صبيغ بن عسل الذي عاقبه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأمر بهجره.


3- احتساب العامة:
بالمناصحة لمن رأوا منع غلواً على قدر علمهم، أو الإنكار علة من غلا ممن هو تحت ولايتهم، بالأسلوب الشرعي المناسب، مع مراعاة ضوابط الإنكار، وشأن السلف أنهم كانوا يناصحون المبتدعة وينكرون عليهم أفعالهم.


ثالثاً: حسم القضايا التي يطرحها الغلاة: وبيان المنهج الحق فيها، مثل قضايا تكفير الحكام بغير ما أنزل الله- بإطلاق - وتكفير المحكومين بغير ما أنزل الله - بإطلاق - وفشوا المنكرات العامة.


إن وضوح الكلام في هذه القضايا، ومعالجتها معالجة علمية رشيدة، عمل علمي يجب أن يتوافر عليه العلماء وطلبة العلم، ويجعلوا ذلك عملاً رئيساً لا يزاحم.


رابعاً: معالجة موارد الغلو: بقطع تلك الموارد والأسباب، ورأس ذلك الجهل، فيجتهد العلماءُ في رفع جهل الجاهلين، ثم يتبع ذلك الأسباب الأخرى المتعلقة بالبيئة والظروف العامة في المجتمعات المسلمة.


إن قيام العلماء بعموم الواجب المناط بهم في الدعوة والإصلاح يعين على تحقيق معالجة الغلو والتطرف، والناظر في أسباب الغلو يظهر له أن هذه الأسباب متنوعة تنوعاً كبيراً من جهات عديدة، مما يوجب العمل الدائب على تغوير موارد الغلو، وقطع أسبابه.


ولقد تقرر في أسباب الغلو أن حدوث تيارات الغلو، ناتج عن جملة من الأسباب منها: رد الفعل النفسي نحو المعاصي، حيث تؤرق المعاصي بعض الغيورين الذين قد لا يفقهون أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحكام الشرع في الحكم على الناس، فيحكمون على المجتمعات حكماً غلياً، أو يقومون بأعمال من إنكار المنكر خارجة عن المشروع.


فالقضية ناتجة عن أمرين:
1- فعل خاطىء.
2- رد فعل خاطىء.


فمن العلاج أن يقطع دابر المعاصي والمنكرات العامة من المجتمع، وليس أمر أكثر تأثيراً في ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان لا بد من القيام به.


فالمشاهد أن الواقعين في الغلو في إنكار المنكرات والحكم عليها، يعتذرون لفعلهم بأن المجتمع من الأمراء والعلماء والعامة، لم يتصدوا لهذه المنكرات، فقاموا هم بالتصدي لها.


فالقضية لها جانبان:
الجانب الأول: تقصير بعض المعنيين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القيام بواجبهم.
الجانب الثاني: تصدي غير الأكفاء لهذه المهمة بغير علم ولا فقه.


ولقطع هذين الجانبين المتلازمين، كان من الواجب أن يتصدى المعنيون بهذه الشعيرة لعملهم، حتى لا يبقى عذر لغير الأكفاء في القيام بهذه المهمة.


خامساً: الرد: إن تاريخ الأديان شاهدٌ على أنها عرضة للتحريف والزيادة والنقصان، لكن هذا الدين حُفِظَ بحفظ الله تعالى، ومن حِفظِ الله له أن قيَّض له الجهابذة من أهل العلم.


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين "[16].

وهذا النفي لتحريف الغالين وانتحال المبطلين يكون فيما يكون به، الرد على أهل الباطل؛ إذ من النصح الواجب لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكتابه: الرد على أهل الغلو والتطرف والابتداع، والتحذير من فعلهم.

وأريد بالرد: المخاطبة أو المكاتبة في نقض أقوال الغلاة والمبتدعة، دون مراجعة مباشرة للكلام بين الطرفين.

وبهذا يظهر أن الردَّ أخصُّ من الحوار، فالحوار تبادلٌ في الكلام بين المعالج للغلو والغالي في دينه، وأما الرد فهو توجيه من الأعلى - علماً ومنزلة - بإنكار ما عليه الغلي في دينه.

والرد نوعان:
الأول: الرد المباشر.
الثاني: الرد الكتابي بالتأليف ونحوه.

فأما الرد المباشر: غلباً ما يكون مواكباً لحدث أو واقعة معينة، فيقابل المعالج الغلي بالرد على قوله أو فعله.

ومن شواهد ذلك في سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ما يلي:
1- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس. فقال: يا محمد! اعدل. قال: " ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله! فأ*** هذا المنافق، فقال:" معاذ الله أن يتحدث الناس أني أ*** أصحابي. إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية "[17].

2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا، كأنهم تقالُّها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنني فليس مني "[18].

فاستنكر صلى الله عليه وسلم هذا الأمر وجعله خروجاً عن سنته وهديه، وأخبرهم أنه وإن غفرت له ذنوبه إلا أنه أخشى الناس لله تعالى وأتقاهم له سبحانه.

ويظهر بهذين الردين أن النبي صلى الله عليه وسلم حقق أمرين:
الأول: الرد على صاحب الخطأ والانحراف، وإقامة الحجة عليه، ومن هؤلاء من يتحقق أثر الرد برجوعه عما هو عليه، كحال الرهط الثلاثة - رضي الله عنهم - ومن هؤلاء من لم ينقل إلينا رجوعهم، كحال ذوي الخويصرة، الذي أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم قسمته.

الثاني: بيان الحق للناس الأحياء، الذين كانوا يسمعون ويرون الخطأ والانحراف، فأبان لهم الحق، حتى لا يقعوا فيما وقع فيه المخطىء أو المنحرف، والأجيال اللاحقة من الناس إلى قيام الساعة، والذين سيسمعون خبر ذلك ويقرءونه، فيكون سبباً في حمايتهم من الانحراف، وعلاجهم مما وقعوا فيه، وبهذا حقق العلاج بالرد المباشر الهدفين: المعالجة، والتحصين.

وأما الرد الكتابي: فهو أبلغ من الرد الشفهي المباشر من جهة تميز الكتابة بالتوسع في رد الشبه، ومناقشة الاستدلال.
كما يتميز الرد الكتابي بتنقله بين الناس؛ إذ لا ينقل من الكلام الشفهي بعد عصور السلف إلا القليل، كما أن الرد الكتابي أضبط في العبارة، وأهدأ في النبرة، وأكثر أماناً من التعرض للتحريف. في حين أن في الردود المباشرة حدة عاطفة، وسرعة التلفظ المانعة من ضبط الملفوظ، وتنقل الكلام من رجل لآخر، وفي الطريق يزاد فيه وينقص منه.

ولقد شهد تاريخ السلف جملة من المؤلفات، التي من هذا الباب، وسأذكر بعضاً منها:
1- [ الرد على الزنادقة ] للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - (ت: 241هـ ).

2- [ الرد على الجهمية ] للإمام ابن أبي حاتم المروزي - رحمه الله - (ت: 327هـ ).

3- كتب: [ الرد على الجهمية ] للإمام نعيم بن حماد - رحمه الله - (ت:229هـ) قال الذهبي - رحمه الله -: (وضع ثلاثة عشر كتاباً في الرد على الجهمية )[19].

4- [ الرد على من يقول بخلق القرآن ] للإمام ابن قتيبة - رحمه الله - (ت: 276هـ ).

5- [ الرد على الجهمية ] له أيضاً - رحمه الله –.

6- [ الرد على الجهمية ] للإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله - (ت: 280هـ ).

7- [ الرد على بشر المريسي ] له أيضاً - رحمه الله -.

8- [ الرد على الجهمية ] للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل - رحمهما الله - (ت: 290هـ ).

9- [ مصنف في الرد على أهل القدر ] للإمام بكر بن محمد بن العلاء القشيري - رحمه الله - (ت: 344هـ ).

10- [ الرد على القدرية ] للإمام عبد الله بن أبي زيد القيرواني - رحمه الله - (ت: 386، وقيل: 389هـ ).

11- [ الرد على اللفظية ] للإمام ابن منده - رحمه الله - (ت: 395هـ ).

12- [ الرد على الكرامية ].

13- [ الرد على السالمية المجسمة ].

14- [ الرد على الجهمية ] وكلها للقاضي أبي يعلى - رحمه الله - (ت: 458هـ ).

15- [ تأليف في الرد على الإحياء (للغزالي) وتبيين ما فيه من الواهي والتفلسف ] للإمام أبي عبد الله محمد بن علي المأزري - رحمه الله - (ت: 536هـ ).

16- [ الرد على الجهمية ] للإمام أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، المشهور بنفطويه - رحمه الله - (ت: 323هـ )[20].

وعلى ذلك جرى العلماء السلفيون، أهل السنة والجماعة على مر التاريخ، فألفوا ردوداً على أهل البدع، انكشف بها عوارهم.

ولعل من أشهر تلك الردود: كتاب: [ منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية ] لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي كشف به شبه المبطلين من الرافضة، فأعلى الله به السنة وأهلها، وأخزى به البدعة وأهلها.

وأحسب من علاج الغلو في العصر الحديث: الرد الكتابي، ولكن لا يكون ذلك إلا حين اشتهار بدعة الغالي؛ لأن من كانت بدعته مستترة، وَرُدَّ عليها بكتاب، صار ذلك الرد سبباً لاشتهار بدعته وظهور أمرها بعد أن كانت مستترة.

وذلك بأن تؤلف ردود مفصلة على أهل الغلو، تفند أقوالهم، وترد استدلالهم، ويكون مؤلفو تلك الكتب محل ثقة في نفوس الناس؛ ليتقبل الناس ما كتبوا، كما تكون أهليتهم ظاهرة لمناقشة أقوال الغلاة؛ لأن من كانت حجته ضعيفة، يصير فتنة للقوم الظالمين، فيظن لضعف حجته، أن حجة الحق ضعيفة فيرفض الحق والله المستعان.

[1] ينظر:الطبري: جامع البيان: (6/ 34)، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (6/ 21).

[2] رواه النسائي: كتاب:الحج، باب:التقاط الحصى: (5/ 268)، وابن ماجة: كتاب: المناسك، باب: قدر حصى الرمي: برقم: (3029)، وأحمد (1/ 215، 347)، والحاكم: (1/ 466) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، كما صحح الحديث النووي في المجموع: (8/ 138) وابن تيمية في الاقتضاء1/ 289).

[3] رواه البخاري: كتاب: استتابة المرتدين، باب: قتال الخوارج والملحدين: (8/ 25)، ومسلم: كتاب: الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم: ( 1/ 740) برقم: (1063).

[4] رواه البخاري: كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح: (6/ 116)، ومسلم: كتاب:النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه: ( 2/ 1020) برقم: (1401).

[5] شيخ الإسلام ابن تيمية: درء التعارض: ( 1/ 229).

[6] هذا الحديث أورده أهل العلم عن عدد من الصحابة، وفي طرقه جميعاً كلام، فممن رواه البيهقي: (10/ 209)، وأشهر طرقه: رواية: معان بن رفاعة، وأكثر المحدثين على تضعيفه وتضعيف الحديث، إلا الإمام أحمد حيث لم ير بمعان بأساً، كما صحح الحديث هو وابن عبد البر، وضعف الحديث مرفوعاً جمع من العلماء منهم الحافظ العراقي في: التقييد والإيضاح: (138)، وابن كثير في: الباعث الحثيث: (94)، ينظر التخريج المطول له عند: بدر البدر في تحقيقه لكتاب: ابن وضاح: ما جاء في البدع: (25- 32).

[7] رواه البخاري: كتاب: استتابة المرتدين، باب: قتال الخوارج والملحدين: (8/ 25)، ومسلم: كتاب: الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم: ( 1/ 740) برقم: (1063).

[8] رواه مسلم: كتاب الزكاة، باب: باب التحريض على قتال الخوارج، وقد ورد هذا الأثر في قصة علي مع الخوارج في حديث مرفوع: ( 2/ 749).

[9] فتح الباري: ( 6/ 619 ).

[10] يوم الله: ( 19 ).

[11] الإسلام السياسي صوت الجنوب: (20 ).

[12] رواه الترمذي في سننه: كتاب: العلم، باب: فضل الفقه على العبادة برقم: ( 2823)، وأبو داود في سننه: كتاب: العلم، باب: الحث على طلب العلم برقم: ( 3641)، وابن ماجة في سننه: المقدمة، باب: فضل العلماء برقم: ( 223)، وأحمد في مسنده: (5/ 196)، والدارمي في سننه:برقم: (349): (1/ 83).

[13] رواه البخاري: كتاب: العلم، باب: كيف يقبض العلم ( 1/ 33-34) وكتاب: الاعتصام، باب: ما يذكر في ذم الرأي وتكلف القياس: (8/ 148)، ومسلم: كتاب: العلم، باب: رفع العلم: برقم: (2673): (4/ 2058).

[14] رواه أحمد: (3/ 157) وقال الهيثمي: ( وفيه رشدين بن سعد، اختلف في الاحتجاج به، وأبو حفص صاحب أنس مجهول ) مجمع الزوائد1/ 121) وأياً ما كان القول في إسناد الحديث، فإنه صحيح المعنى.

[15] رواه عبد الرزاق في مصنفه: برقم18678)، وأحمد في المسند وصححها أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (5/ 67) والحاكم في المستدرك: (2/ 150-152) وقال: ( صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ) والبيهقي في السنن الكبرى: (8/ 179)، وصححها ابن تيمية في منهاج السنة: ( 8/ 533).

[16] سبق تخريجه: ( 7 ).

[17] سبق تخريجه: (10).

[18] سبق تخريجه: ( 3 ).

[19] سير أعلام النبلاء: (10/ 599).

[20] استفدت في حصر هذه الردود مما جمعه الدكتور: جمال بن أحمد بادي في بحثه: الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الاعتقاد من كتاب سير أعلام النبلاء: ( 31- 43 ).



__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-11-2015, 09:53 PM
الصورة الرمزية صوت الحق
صوت الحق صوت الحق غير متواجد حالياً

رئيس مجلس الادارة ( سابقا )

 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
المشاركات: 8,414
معدل تقييم المستوى: 0
صوت الحق is an unknown quantity at this point
افتراضي

جزاكم الله كل خير وجعله فى ميزان حسناتك
الف شكر على هذا المجهود والموضوع المفيد
__________________


صوت الحق
عصام على
أول رئيس مجلس إدارة
لهذا المنتدى



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-01-2016, 08:06 PM
Busy0 Busy0 غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 100
معدل تقييم المستوى: 9
Busy0 is on a distinguished road
افتراضي

يعطيك العافيه على الطرح القيم والرائع
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان
حسناتك يوم القيمه تسلم
الايادى وبارك الله فيك
دمت بحفظ الرحمن ....
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:57 AM.