|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() ![]() ![]() ![]()
__________________
![]() |
#2
|
||||
|
||||
![]() البنا فى القاهرة صحت نية حسن على التقدم إلى دار العلوم، وتم إخطاره بالموعد المحدد للكشف الطبى والامتحان. كان عليه أن يسافر إلى القاهرة، وصادف ذلك شهر رمضان، أراد أبوه أن يصحبه فلم ير لذلك موجبا، واكتفى بدعائه وخطاب إلى صديق من كبار تجار الكتب الميسورين بالقاهرة. رأى القاهرة للمرة الأولى بعد أن تجاوز السادسة عشرة بشهور. نزل فى باب الحديد عصرا، وركب الترام إلى العتبة، ثم ركب السوارس إلى حى الحسين، متوجها إلى التاجر صديق أبيه. لم يكترث الرجل به لكنه صادق عاملاً أهتم لأمره واستضافه حتى الصباح، وفى اليوم التالى اتخذ طريقه إلى دار العلوم. دار العلوم.. أنشئت عام 1873، كأول محاولة مصرية لتقديم تعليم جديد يتسم بالعصرية، دون إهمال العلوم الدينية التقليدية. لقد أصبحت دار العلوم، من الوجهة الأساسية، مدرسة عليا للمعلمين، لكنها اصطبغت أكثر فأكثر، مع تطور نظام التعليم المدنى للجامعة المصرية، بالصبغة التقليدية السلفية. اتيحت للبنا فرصة أن يعمل مدرسا، بمؤهله المتوسط، فى قرية قريبة تتيح له أن يعاون أباه ويساند أسرته، لكن الفتى الطموح، بعد تفكير عميق، قرر أن ينبذ الوظيفة المتاحة، فى سبيل الالتحاق بمدرسة عليا تشبع نهمه إلى المزيد من العلم والتفوق. كيف كانت القاهرة التى سافر إليها البنا؟! لم تكد الحرب العالمية الأولى تنتهى، حتى اشتد ساعد الحركة القومية المطالبة بحقوق البلاد، على أساس المبادئ التى بشر بها الرئيس الأمريكى ولسن، وكان حزب الوفد هو بطل المرحلة الجديدة. لقد تغيرت معالم وجه المسألة المصرية، بعد ثورة سنه 1919، تغييرا جوهرياً عميقا. بعد أن كان الاستقلال رهينا بأمر وإرادة الغرب، أصبح للمصريين كلمتهم وطموحهم. وبعد أن كانت غاية الحزب الوطنى لا تتجاوز الاستقلال تحت الراية العثمانية، أصبح الاستقلال التام، عن تركيا وبريطانيا معا، عقيدة راسخة يؤمن بها المصريون من مختلف الطبقات والثقافات. وبعد أن كان العمل السياسي احتكار لمثقفى المدن، أصبح الجميع يتحدثون فى السياسة، ويحلمون بالسيادة والاستقلال والدستور. لم تكن ثورة 1919 ذات توجه إسلامى، وقد شاركت فيها جميع طوائف الأمة، وترددت شعارات جديدة مثل “,”الوحدة الوطنية“,” و “,”الاستقلال التام“,” و “,”الدستور“,”. ثورة 1919، بكل شعاراتها الليبرالية العصرية، لم تحقق الأهداف المأمولة، فقد اشتعل الصراع الحزبى بعد إقرار دستور سنه 1923، وانقسمت الأمة بين أغلبية تؤيد الوفد، وأقلية تنتمى إلى أحزاب أخرى. وكان منطقيا أن يزداد القلق والتوتر عند أصحاب الأفكار والتوجهات الإسلامية، بعد أن سقطت دولة الخلافة فى تركيا، وانتشرت الأفكار الليبرالية والعلمانية، التى تدعو إلى الفصل بين الدين والدولة. توافق وصول البنا إلى القاهرة مع فترة الغليان الفكرى والسياسى التى ميزت العشرينيات، وبعينى ريفى متدين، استطاع حسن البنا أن يميز المشكلات الأكثر خطورة من وجهة نظره : الصراع المحتدم بين الوفد والأحرار الدستوريين على حكم مصر من ناحية، والمجادلات السياسية الصاخبة التى أسفرت عن الانقسام فى أعقاب ثورة 1919 من ناحية أخرى. كان المناخ الجديد يهيئ لبعث الأفكار الإسلامية فى أشكال شتى، ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين، التى أسسها البنا بعد سنوات قليلة، إلا أحد هذه الأشكال. قاهرة العشرينيات.. ![]() مصطفى كمال اتاتورك حراك سياسى وثقافى وفكرى واجتماعى أفكار جديدة تصطدم مع القديم الراسخ مصطفى كمال أتاتورك يعلن عن سقوط الخلافة، والشيخ على عبد الرازق يفجر قنبلة فى كتابه الصغير الخطير “,”الإسلام وأصول الحكم“,”، ويعلن أن الخلافة ليست فريضة دينية، لكنها اجتهاد بشرى. الأزهر يعجز عن التجدد والتطور، والأزهرى القديم المتمرد الدكتور طه حسين، يلقى قنبلة أخرى من خلال كتابه “,”فى الشعر الجاهلى“,”، حيث يبشر بمذهب جديد غير مسبوق فى الثقافة التقليدية، قواعد الشك فيما يظن أنه من الثوابت التى تعلو فوق الشكوك. فكر جديد ينطلق من قاعات الجامعة المصرية، ومفكرون جدد يتحمسون لكل ما هو عصرى غربى، وانعكاسات اجتماعية وأخلاقية تترتب على هذا المناخ. المقيمون فى الأقاليم البعيدة عن العاصمة، مثل المحمودية ودمنهور، لا يشعرون بما يحدث من حراك، فهم متقوقعون داخل شرنقة الحياة التقليدية التى اعتادوها وألفوها، ولا تتجلى صدمة التغيير العاصف إلا عند الاحتكاك بالعاصمة، وهذا ما حدث مع حسن البنا عندما هبط إلى القاهرة ليلتحق بدار العلوم. كان من نتيجة الظروف السياسية الجديدة، بعد ثورة 1919، وما تبعها من صراخ فكرى بين التيار التحديثى والتيار المحافظ، أثر واضح على الحياة الاجتماعية، والمقارنة بين الحياة العامة فى المدن المصرية، قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، تكشف عن بعض أبعاد هذا التغيير. كان منطقيا أن يسعى التيار المحافظ لنشر أفكاره الدينية والمحافظة عليها، وتوالى ظهور الجماعات والجمعيات الإسلامية، تمثل أهمها فى جمعية “,”الشبان المسلمين“,”، التى ترأسها صالح باشا حرب قرب نهاية سنة 1927، والتى مهدت لظهور جماعة الإخوان المسلمين، التى أسسها البنا فى مدينة الإسماعيلية سنه 1928. لم يكن البنا سلبيا عند إقامته فى القاهرة، وقادته بوصلته الفكرية الدينية إلى التجمعات التى تناسب أفكاره وتوجهاته، ولذلك ساند جمعية الشبان المسلمين، وعمل مندوبا لمجلة “,”الفتح“,” المعبرة عن الخط الإسلامى المحافظ، وهى المجلة التى أشرف على تحريرها محى الدين الخطيب، مدير المكتبة السلفية وأحد مؤسسى الشبان المسلمين. كانت القاهرة شيئاً مختلفا عن المحمودية ودمنهور. يتبع
|
#3
|
||||
|
||||
![]() بذور ميلاد الداعية وتوقف حسن البنا عند تنامى ما يسميه موجة التحلل فى النفوس وفى الآراء والأفكار باسم التحرر العقلى، ورصد فى استياء انعكاس ذلك على المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصى، ورأى أن الخريطة الجديدة تمهد لمزيد من الإلحاد وال*****ة، وأن الطوفان من القوة بحيث يكتسح كل شئ. بمزيج من الحسرة والأسى والغضب، راقب البنا انقلاب مصطفى كمال أتاتورك على دولة الخلافة، وقيامه بالفصل بين الدين والدولة، فى أمة كانت مقر أمين المؤمنين والقلبة التى تتوجه إليها عقول وقلوب المسلمين فى كل مكان. ولاحظ البنا أن الجامعة المصرية، بعد تحولها من معهد أهلى إلى جامعة حكومية تديرها الدولة، أصبحت تصطدم مع الكثير من الثوابت المقدسة، وترسخ عند ابنائها شعور بأن الجامعة لن تكون جامعة علمانية إلا إذا ثارت على الدين، وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه، واندفعت وراء التفكير المادى المنقول عن الغرب بحذافيره، وعرف أساتذتها وطلابها بالتحلل والانطلاق من كل القيود. الحيرة تعصف بالشاب القادم من مجتمع تقليدى محافظ، إلى عاصمة تزدحم بكل ما هو بعيد عما اعتاده وآمن به. وبحكم طبيعته العملية، كان عليه أن يفكر فى وسيلة عملية يسهم بها فى إيقاف التدهور والانهيار. القاهرة، على اتساعها، لم تكن تضم من الجمعيات الإسلامية، عند وصول البنا، إلا جمعية “,” مكارم الأخلاق الإسلامية “,”، التى يرأسها الشيخ محمد محمود، ويتركز نشاطها على إلقاء المحاضرات الإسلامية فى مقرها ببركة الفيل. واظب حسن البنا على المشاركة فى أنشطة الجمعية، وانضم إلى عضويتها لكنه كان يعتزم أمراً آخر. بعد ما شاهدة فى القاهرة من مظاهر بدت له على أنها تحلل وبعد عن الأخلاق الإسلامية، وبعد ما قرأ فى الصحف والمجلات عن أمور تتنافى من وجهة نظره مع التعاليم الإسلامية، وبعد أن لاحظ الجهل المتفشى بين العامة بأحكام الدين، آمن الشاب أن المساجد وحدها لا تكفى لإيصال التعاليم الإسلامية إلى الناس. لا يكفى أن يذهب الناس إلى المساجد، فلابد للأئمة والوعاظ والحريصين على تعاليم دينهم أن يذهبوا إلى الناس. وكانت هذه بذور ميلاد الداعية حسن البنا. هل كان يعلم بما يفوق طاقته وقدرته ؟!. ربما كان كذلك، فالحلم من سمات وملامح شخصيته. يؤكد البنا، فى مذكراته، أنه ليلة امتحان النحو والصرف للالتحاق بدار العلوم، رأى فيما يرى النائم أنه يركب زورقاً مع بعض الأفاضل من العلماء، وتقدم أحدهم إليه وقال : - أين شرح الألفية لابن عقيل ؟ وبادر البنا بالرد : - ها هو ذا.. وعندها، قال له العالم فى المنام : - تعال نراجع فيه بعض الموضوعات.. وطلب منه صفحات بعينها، وأخذ يراجع معه موضوعاتها. وفى الصباح، فوجئ حسن البنا أن الكثير من أسئلة الامتحان قد جاءت من هذه الموضوعات !. ويعلق البنا على هذا الحلم بقوله إن الرؤيا الصالحة بشرى للمؤمن تستأهل حمد الله رب العالمين. ما أكثر الحالمين، وما أكثر الذين يصدقون أحلامهم، وما أقل الذين تصدق أحلامهم.. كان البنا حالماً، ومؤمناً بأنه صاحب رسالة. وإذا كانت الأماكن الصغيرة النائية المحدودة لا تتسع لطاقته الكبيرة فى الحلم والعمل، فقد آن له أن يمارس فى العاصمة ما يناسب قدراته. كان انتقال الأسرة كلها إلى القاهرة أمراً ضرورياً، فالابن الأكبر حسن البنا فى دار العلوم، وعبد الرحمن الذى يليه أتم الدراسة الابتدائية ولابد له من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، أما محمد فقد أتم الأولية، وكان أبوه راغباً فى إلحاقه بالأزهر، والأخوة الآخرون لا بد لهم من مواصلة رحلة التعليم، ومعاهد العلم ليست متوفرة فى المحمودية. لابد إذن من القاهرة، ولا بديل لها. سافر الأب إلى القاهرة بحثاً عن العمل والمسكن، وسرعان ما انتقلت الأسرة إلى العاصمة، فالتحق عبد الرحمن بمدرسة التجارة، وانتسب محمد إلى الأزهر، والتحق الأخوة الباقون بالمدارس المناسبة. مما ساعد على اتخاذ القرار، أن الشيخ أحمد البنا قد فقد والديه سنة 1924، فانقطع بذلك أكبر خيط كان يربطه بالبلد. وفضلاً عن ذلك، فقد تعرض حسن البنا لاعتداء من أحد زملائه، وهو ما أثار مخاوف الأم، فأصرت على الإنتقال إلى القاهرة لتراعى أكبر أبنائها. الاعتداء الذى تعرض له حسن من أحد زملائه، لا تفسير له عند المعتدى عليه إلا الحسد والحقد. وفقاً لرواية البنا، فقد انتهز الزميل الحقود فرصة نوم جميع الطلاب، وأخذ يصب زجاجة من صبغة اليود المركزة على وجهه وعنقه، قبل أن يعود إلى التظاهر بالنوم، لكن المؤامرة فشلت لاستيقاظ حسن واسراعة إلى دورة المياه ليغسل وجهه وعنقة. ووفقاً لرواية البنا أيضاً، فقد عفا عن زميله المعتدى وسامحه، وأبى أن يقوم الزملاء بتبليغ النيابة وإدارة المدرسة. اللافت للانتباه، أن البنا يختتم حكاية الاعتداء بقوله إن هذه الحادثة كانت خيراً وبركة وسبباً لانتقال الأسرة كلها من المحمودية إلى القاهرة. كان فى اعماقه إذن حنين للارتباط بالقاهرة، والتخلص من عالمه القديم الذى ضاق بأحلامه. من بلكونات قاهرة العشرينيات، تتدلى يافطات كثيرة مكتوب عليها “,”شقة للإيجار“,”، وكان ملاك البيوت يبذلون كل الجهد الممكن للظفر بمستأجر، وفى سبيل ذلك يقدمون التسهيلات والإغراءات ويتفننون فى جذب الزبائن والعمل على الاحتفاظ بهم. وفرة المساكن لا تبرر انتقال أسرة الشيخ أحمد بين شقق مختلفة فى فترة وجيزة. كانت البداية فى بيت بشارع ممتاز بالسيدة زينت، وبعد شهرين غادرته الأسرة إلى مسكن جديد ن وبعد شهر واحد كان الانتقال إلى بيت عطفة مندور بشارع سلامة، وبعد ثلاثة شهور منزل جديد فى درب صبيح بقسم الخليفة، ومنه – بعد شهرين – إلى حارة العسل، حيث لم يطل المقام إلا شهران، وانتقل الأب وأبناؤه إلى طالون، ومن طالون، بعد شهر واحد، إلى حارة العبيد، ثم إلى عطفة عطايا. القائمة طويلة تضم كثيراً من المنازل والبيوت، فى أحياء شعبية متقاربة، ولا تفسير لكثرة الانتقال إلا عجز الأسرة الريفية عن التوافق مع حياة العاصمة. كان الأب الشيخ قد تعود على مجتمع المحمودية المألوف الأليف، ولم يكن ميسوراً أن يتأقلم سريعاً مع القاهرة. أزمة نفسية تترتب على الإنتقال، وازمة أخرى مادية يواجهها الشيخ، بعد أن كبر الأبناء وتضاعفت مصاريفهم. لم يكن الشيخ مستعداً لتخصيص وقت كبير لكسب المال، فقد كان تركيزه منصباً على إنجاز مشروع “,” الفتح الربانى “,”، وهو مشروع يحتاج بدورة إلى نفقات طائلة. كان الاب هو رب الأسرة والمسئول وحده عن توجيهها وإرشادها، وهو ما يتجلى بوضوح فى الاتجاه الذى سلكه الابنان الكبيران حسن وعبد الرحمن، لكن الجانب الأكبر من المسئولية انتقل إلى الأم فى مرحلة القاهرة، وهو ما أدى إلى تنوع ملحوظ فى مسارات الأبناء الآخرين، فقد التحق عبد الباسط، المولود سنة 1915، بمدرسة البوليس، وأصبح ضابطاً قبل أن يستقيل ويعمل بالسعودية فى الخمسينات، أما الابن الأصغر أحمد جمال الدين، جمال البنا، فقد اتخذ طريقاً لا يتناقض أو يتصادم وأخيه، لكنه يختلف عنهما بالضرورة. الدعوة على المقاهي آمن حسن أن توجه الناس إلى المساجد لا يكفى، فلابد للدعاة والوعاظ أن ينتقلوا من المساجد إلى حيث ينفق العاديون من الناس أوقاتهم، فى الشوارع والقهاوى. وهؤلاء الدعاة مطالبون بالإنتشار فى القرى والريف والمدن لنشر الدعوة الإسلامية. دعا البنا لفيفاً من اصدقائه للمشاركة فى مشروعة الدعوى الجديد، وكان منهم محمد مدكور وحامد عسكرية وأحمد عبد الحميد، وغيرهم يجتمعون فى مسكن الطلاب فى مسجد شيخون بالصليبة، ويتباحثون عما تستلزمه هذه المهمة من استعداد علمى وعملى. خصص حسن جزءاً من كتبه لتكون مكتبه دورية خاصة بإخوانه، يستعيرونها ويحضرون موضوعات الخطب والمحاضرات منها. لا يقنع حسن البنا بهذا الإطار النظرى، فيعرض على اصدقائة الخروج للوعظ فى المقاهى، وهو ما استغربوه وعجبوا منه. كان منطقهم ينطلق من ان أصحاب المقاهى لن يسمحوا بذلك الوعظ لأنه يعطل أشغالهم، وأن المترددين على مثل هذه الأماكن لن يرحبوا بالوعظ وهم الغارقون فى اللهو. للبنا رأى آخر يعارض به إجماعهم، فهو يؤمن أن هذا الجمهور أكثر استعداداً لسماع العظات من أى جمهور آخر، حتى جمهور المسجد نفسه، لأن الفكرة جديدة وطريفة، المهم أن يتم اختيار الموضوع بعناية، وألا يكون فى الوعظ ما يجرح شعورهم أو يعرضهم لنوع من الحرج، وأن يكون الأسلوب شائقاً جذاباً ومختصراً حتى لا يحط عليهم الملل. لم ينجحوا فى اقناعه، ولم ينجح بدوره فى التأثير عليهم، فاقترح عليهم أن تكون التجربة هى الحد الفاصل فى الأمر. بدأت الجولة فى المقاهى الواقعة بميدان صلاح الدين وأول السيدة عائشة، ومنها إلى المقاهى المنتشرة فى طولون، وصولاً إلى شارع سلامة والسيدة زينب. القى حسن أكثر من عشرين خطبة فى هذه المقاهى، وكانت الخطبة الواحدة تستغرق ما يتراوح بين خمسة دقائق إلى عشرة. يؤكد البنا أن التجربة نجحت، ولاقت القبول والاستحسان من أصحاب المقاهى وزبائنها، وقرر أن يواصل المسيرة. فى السنة الدراسية الأخيرة بدار العلوم، طلب الشيخ أحمد يوسف نجاتى من طلابه كتابة موضوع مضمونه : “,” اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك “,” وبين الوسائل التى تعدها لتحقيقها “,”. استهل البنا موضوعه بالتأكيد على أن خير النفوس هى تلك النفوس الطيبة التى ترى سعادتها فى سعادة الناس، وأن أجل غاية يجب أن يرى الإنسان إليها هى أن يحوز رضا الله. لا سبيل إلى ذلك عنه “,” إلا بسلوك طريقين : أولهما طريقة التصوف الصادق، وثانيهما طريقة التعليم والإرشاد. الأمر الخاص للبنا هو اسعاد أسرته، أما الهدف العام فهو أن يكون مرشداً معلماً، يقضى فى تعليم الأبناء سحابة النهار، وينفق الليل فى تعليم الآباء. لقد اختار طريقة : ان يكون مرشداً. تخرج البنا فى دار العلوم وجاء تعيينه فى مدينة الإسماعيلية، المدينة التى لا يعرف أين تقع على وجه الدقه، وتقترن فى ذهنه، مثل الغالبية العظمى من المصريين، بقناة السويس والشركة الأجنبية التى تديرها. يوم الاثنين، السادس عشر من سبتمبر سنة 1927، اجتمع أصدقاء حسن البنا لتوديع زميلهم المسافر لاستلام عمله فى الإسماعيلية، مدرساً بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية. لم يكن حسن يعرف شيئاً ذا بال عن المدينة، فهى عنده بلد ناء بعيد شرق الدلتا، يفصله عن القاهرة فضاء فسيح من رمال الصحراء الشرقية، وتقع على بحيرة التمساح المتصلة بقناة السويس. فى لقاء الوداع هذا، قال محمد افندى الشرنوبى إن الرجل الصالح يترك اثراً صالحاً فى كل مكان ينزل فيه، وتمنى لصديقة المسافر ان يترك اثراً صالحاً فى البلد الجديد عليه. واستقرت الكلمات فى اعماق حسن البنا. قبل سفره باسابيع قليلة، ودعت مصر زعيمها سعد زغلول، وبدا أنها تتهيأ لمرحلة جديدة، تتوارى فيها الزعامات التى صنعت أمجاد الثورة واساطيرها، وبدت الساحة مهيأة لمتغيرات جديدة. يتبع |
#4
|
||||
|
||||
![]() الاسماعيلية...مولد الجماعة ابريل 1928 ![]() وصل القطار إلى محطة الإسماعيلية، وكان الانطباع الأول عن المدينة إيجابياً عند الوافد الجديد. كانت نية البنا أن يقيم فى فندق، لكنه لم ير مانعاً فى مشاركة صديقة القديم إبراهيم البنهاوى غرفة فى بنسيون السيدة “,”أم جيمى“,” الإنجليزيى، ثم انتقلا معاً إلى منزل مدام ببيتا الإيطالية. لم يستغرق وقتا طويلاً للإندماج فى عالم المدينة، وكانت كلمات الشرنوبى تسيطر عليه : الرجل الصالح يترك أثراً صالحاً فى كل مكان ينزل فيه. عن طريق المسجد، استطاع البنا أن يعرف الكثير عن طبيعة المدينة وظروفها الاجتماعية والاقتصادية. أدرك أن النزعة الأوروبية مهيمنة، بفضل المعسكرات البريطانية من ناحية، وبسبب وجود إدارة شركة قناة السويس من ناحية أخرى، لا عمل لأهل الإسماعيلية إلا فى هذين المجالين، ولا مهرب لهم من الاتصال عن قرب بالحياة الاوروبية. وعلى الرغم من هذا كله، فقد شعر المدرس الشاب أن المشاعر الدينية قوية وحية فى النفوس، وأن الطريق إلى الدعوة لا ينبغى أن ينطلق من المسجد، فالمقاهى أولى بدعوته. اختمرت الفكرة فى رأسه، وبدأ فى تنفيذها. اختار ثلاث مقاه كبيرة، ورتب فى كل منها درسين فى الأسبوع، وواظب على التدريس والوعظ بلا كلل. للوهلة الأولى بدا الأمر غريباً فى نظر الناس، لكنهم ما لبثوا أن ألفوه وأقبلوا عليه. كان خطته أن يكون وعظه عاماً لا قسوة فيه، وأن يكون الأسلوب سهلاً جذاباً مشوقاً، لا يخلو من مفردات عامية لتبسيط وتقريب المفاهيم. ولم تكن الخطبة تزيد عن عشرة دقائق، فإن طالت فإنها لا تتجاوز ربع الساعة. وكم كان البنا سعيداً وهو يرصد بوادر النجاح، لكن الدرس الذى نظمة فى المسجد أثار غضب بعض رجال الدين، وكانت للبنا مع واحد منهم حكاية مهمة، تكشف عن التطور الذى لحق بشخصيته، وقدرته على تجنب الصدام. واحد من قدامى المشايخ، المولعين بالجدل والحواشى وإحراج الوعاظ، حاول إحراج الداعية الشاب ذات مرة. كان البنا يقص قصة ابى الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، فسأله الشيخ – كأنه يتحداه ويمتحنه – عن اسم أبى إبراهيم !. واستمر الشيخ فى استخدام أسلوبه الاستفزازى فى كل درس، وخاف البنا أن يهرب المستمعون. فكر فى أسلوب عملى لعلاج المشكلة، فدعى الشيخ إلى منزلة، واكرمه، وأهداه كتابين، فسر الشيخ بالتكريم والهدية، فإذا به يواظب على الدرس، ويكف عن الجدال، ويدعو الناس إلى الحضور. تجنب الصدام والجدال، وأثر أن يقترب من خصمه ويحتويه، ولم يكن ذلك شاقاً أو صعباً!. كان من أثر محاضرات ودروس البنا أن حضر إليه من الذين تأثروا بها من أهالى الإسماعيلية : حافظ عبد الحميد، نجار، أحمد الحصرى، حلاق، فؤاد إبراهيم، مكوجى، وعبد الرحمن حسب الله، سائق، إسماعيل عز، جناينى، زكى المغربى، عجلاتى. وكان ذلك فى أبريل 1928. حدثوه عن الطريق العملى الذى ينبغى ان يسلكوه، لعزة الإسلام وخير المسلمين، وعرضوا عليه ما يملكون من مال بسيط، وحملوه تبعية أمرهم، فكان القسم والبيعة. أى اسم يحمله التنظيم الوليد ؟! قال لهم البنا : نحن اخوة فى خدمة الإسلام، فنحن إذن الإخوان المسلمون. وهكذا ولدت الجماعة أنتهاء الجزء الاول يتبع |
#5
|
||||
|
||||
![]() كتاب على عشماوى التاريخ السرى لجماعة الاخوان المسلمين لا رابطة أقوى من العقيدة . ولا عقيدة أقوى من الاسلام . هذه الصحية كانت كلمة حق اريد بها باطل . فقد كانت النداء الذى سيطر به الاخوان على شباب هذه الامة . ثم قاموا بغسل ادمغتهم والسيطرة عليهم يوجهونهم الى اى اتجاه يريدون . ص 6
آخر تعديل بواسطة صوت الحق ، 12-10-2015 الساعة 04:51 PM |
#6
|
||||
|
||||
![]() الإخوان البداية .. والنهاية (الحلقة الثانية)
|
#7
|
||||
|
||||
![]()
النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين
قبل أن يصل إلى عامه الثانى والعشرين بسته أشهر، كان المدرس الشاب حسن البنا قد أسس جماعة الإخوان المسلمين فى مدينة الإسماعيلية . نظرة سريعة على من شاركوه فى بناء النواة الأولى، تكشف عن طبيعة الأساس الاجتماعى والاقتصادى والثقافى للجماعة الوليدة. نجار وحلاق ومكوجى وسائق وجناينى وعجلاتى، من القاع الاجتماعى والاقتصادى فى الحياة المصرية، وبحصيلة علمية وثقافية محدودة، بدأت الرحلة التى يقودها شاب حالم بقدر ما هو عملى . كان البنا ذا ثقافة دينية تتناسب مع اهتماماته ومستوى تحصيله العلمى فى دار العلوم، لكن المعروف عنه أنه كان زاهداً فى النشاط الثقافى وتأليف الكتب، فغايته الحقيقية هى أن يجتمع حوله الأنصار المؤمنون بالفكرة، دون نظر إلى الثقافة المتعمقة أو العلم الدينى الكبير. وعندما سُئل حسن البنا: لماذا لا يؤلف كتباًٍ؟، أجاب بأن مهمته هى تأليف الرجال والقذف بهم فى البلاد لإحيائها، فالرجل منهم كتاب حى ينتقل إلى الناس، ويقتحم عليهم عقولهم وقلوبهم، ويبثهم كل ما فى قلبه ونفسه وعقله، ويؤلف منهم رجالا كما ألف هو من قبل. بدأت مجموعة الإسماعيلية نشاطها باتخاذ مقر لها، لا يزيد عن حجرة واحدة مؤجرة، وقاموا فيها بالتدريب على إلقاء الخطب والمواعظ، إلى جانب حفظ القرآن الكريم وتلاوته. ومع ازدياد أعداد المحيطين بالبنا، شرعت الجماعة فى بناء أول مسجد لها، وكان جمع التبرعات هو السبيل الوحيد المتاح. يتبع
|
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|