#1
|
||||
|
||||
شهر رمضان
شهر رمضان
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على خير خلقه، وأمينه على وحيه، محمد بن عبدالله وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فهذا شهر رمضان قد حان حلوله، وقرب دخوله، فما هو رمضان ؟ وماذا أعددنا لرمضان ؟ والله بواسع رحمته وفضله شرع لعباده من الشرائع ما يحققون به العبودية، ويترقون به في منازلها، طمعا في رحمة الله، وخوفا من عقابه، وإجلالا لجلاله، وانسلاخا من عبودية العباد، وعبادة الدنيا، وتزكية للنفوس، لتتخلى عما يدنسها من أدران الذنوب ، وتتحلى بما يجملها من جمال الطاعة والإيمان . رمضان أيام معدودات، وظرف تستودع فيه الأعمال، ما مر منه لايعود، وماأودع فيه مسطور ومكتوب، لايهضم عامل فيه ولايظلم، وكل امريء بما كسب مرتهن. رمضان شهر قد هيأ الله فيه لعباده أسباب التقوى والإعانة على الخير ، فالشياطين تصفد، وأبواب الجنان تفتح، وأبواب النيران تغلق، وداعي الخير يدعو، والحسنات تضاعف، والسيئات تغفر، والرحمة تغشى، والعثرة تقال، والنفوس تعانب، فمن مقبل ومن مدبر والله يحكم ما يشاء. رمضان للمؤمن كنز يدخره ليوم المعاد، وزاد من التقوى يتزود به للقاء رب العباد، وسبيل إلى استصلاح النفس لدرك الفلاح . وحرص المؤمن على رمضان لاتتعلق به مطامع الدنيا، ولايشوبه شيء من أوساخها، وإنما هو إقبال على الله وطاعته، واستغراق لهذا الزمن في عبادة الله والأنس به، اقتداء بأتقى الخلق سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ سَنَةٍ فِى رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رمضان تتعلق به نفوس المؤمنين لما فيه من الفضائل، فهو شهر القرآن، فيه أنزل، ويدارس جبريل النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فيه، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وهو شهر الصيام، فقد افترض الله على هذه الأمة صيامة، وجعله ركنا من أركان الإسلام (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ، ومن صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وأجر الصيام استأثر الله به، وهو جنة من النار، وأهل الصيام مخصوصون بباب من أبواب الجنة لايدخل منه أحد سواهم، ولهم فرحتان عند فطرهم وعند لقاء ربهم، كرامة من الرحمن الرحيم، والقيام فيه سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، و (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) ، شهر تضاعف فيه الحسنات فعمرة فيه تعدل حجة، ومن فطر صائما فله مثل أجره ، والعبادة في ليلة القدر خير من عبادة ألف شهر ليس فيها هذه الليلة ، فلله ما أعظمه من شهر ! وما أكرمه من رب ! وما أكملها من شريعة ! وما أجلها من نعمة ! وما أحرى كل مؤمن ومؤمنة أن يستقبل هذا الفضل بالإقبال عليه، وشكر المنعم جل جلاله على فضله ورحمته وإحسانه . كم مر من رمضان ؟ وكم كان فيه من الفائزين ؟ وكم كان فيه من المرحومين ؟ وكم كان فيه من الهالكين؟ وكل رمضان يستقبل ثم يصير إلى كان وكان، ولكنه في كتاب عند ربي لايضل ربي ولاينسى، فما ذا عسى أن تكون أعددت أيها المؤمن لرمضان إن قدر الله أنك من أهله ؟ من أدرك رمضان فليحمد الله على نعمته، ويستقبل شهره بالتوبة والإنابة، وحسن القصد، وسلامة الاتباع، وشكر الله بالأعمال الصالحات، والمباعدة عن السيئات . واحذر أيها المؤمن أن تغلبك الغفلة، وتستحوذ عليك الشهوة، ويطول بك الأمل، وتغرك الأماني، فتسوف في العمل شهرك هذا ! فإنك لاتدري فقد تكون ممن فصل أجله من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ، والملك يتحين وقت الأجل لقبض روحك، فالآجال بيد الله، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، فأحسن القصد، واعزم على العمل، واغتنم الوقت، وسارع في الخيرات، واعتبر بمن كان معك في عام مضى وهو اليوم يتوسد الثرى، ويتمنى الرجوع ليتزود من العمل . اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم |
العلامات المرجعية |
|
|