#1
|
||||
|
||||
الإعداد العسكري للحملة الصليبية الأولى
الإعداد العسكري للحملة الصليبية الأولى
موقع قصة الإسلام الوحدة الأوربية ضد المسلمين: لم تعرف أوروبا الغربية في هذا الوقت الوحدة بأي شكل من الأشكال، ولم يحدث منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية العظمى في سنة 476م - أي منذ أكثر من ستة قرون - أن تجمعت جيوش الدول الأوربية الغربية في معركة واحدة، اللهم إلا المساعدات التي كانت تقدمها هذه الدول - وخاصةً فرنسا - للممالك النصرانية في شمال الأندلس في حروبهم ضد مسلمي الأندلس. بل لم تعرف الدول ذاتها في ذلك الوقت الوَحْدة الداخلية، فكانت كل دولة أو مملكة مقسمة لعدة إقطاعيات، وعلى كل إقطاعية أمير يحكمها فيما يشبه الحكم الذاتي، وإن كان يدين بالولاء للملك الذي يجمع الإقطاعيات معاً، وإن كان هذا الولاء كثيراً ما يكون ولاءاً شكليّاً لا واقعيّاً. إن وضعنا هذه الخلفية في أذهاننا؛ فإننا سندرك أن تجميع هذه الإقطاعيات المتعددة في جيش واحد منظم سيكون أمراً صعباً جدّاً، بل إنه يكاد يكون مستحيلاً، وهذا سيعني أن الحملة الصليبية غالباً ستكون مكوَّنة من عدة جيوش منفصلة، على رأس كل جيش أمير له أحلامه الخاصة، وله ولاءاته الخاصة أيضاً، وقد يحدث التعاون بين هذه الجيوش المتعددة في بعض المواقف، ولكنه - لا شك - سيحدث أيضاً التعارض والتشاحن بين نفس الجيوش، خاصةً أن الكثير ممن شارك في هذه الحملة الصليبية الأولى كان متنافساً مع أمراء آخرين شاركوا في نفس الحملة؛ مما سيفرز مواقف ذات طابع خاص، كلها يثبت في النهاية أن المطامع الشخصية والأهواء الخاصة كانت هي الدافع الوحيد لخروجهم أو على الأقل لخروج معظمهم، ولم يكن في اعتبارهم أبداً الدين أو الكنيسة أو الصليب. خريطة جيوش الحملة الصليبية الأولى: وبالنظر إلى الجيوش التي كوَّنت الحملة الصليبية الأولى نجد أنها عبارة عن خمسة جيوش مستقلة: 1- الجيش الأول: كان الجيش الأول بقيادة الفرنسي جودفري دي بوايون GODFREY DE Bouillonوهو أمير لوثرتجيا جودفري البولوني، وكان بصحبته أخوه الأمير بلدوين(1)، كما التحق بجيشه عدة أمراء آخرين معظمهم من فرنسا، وقد أعطت كثرة الأمراء في هذا الجيش صبغة خاصة من الأهمية له(2)، وكانوا في المعظم من منطقة اللورين شمال فرنسا، وكان في هذا الجيش أيضاً بعض الألمان(3). والأمير جودفري بوايون وإن كان فرنسيّاً إلا أنه كان يدين بالولاء للإمبراطور الألماني القوي هنري الرابع، ولم يكن يدين بالولاء للملك الفرنسي الضعيف آنذاك فيليب الأول(4)، وكان جودفري بوايون يحرص على أن يكون قائداً عامّاً لكل الحملة الصليبية يؤيده في ذلك كثرة الأمراء في جيشه خاصة. 2- الجيش الثاني: أما الجيش الثاني فكان جيشاً مهمّاً أيضاً؛ إذ كان على رأسه الأمير ريمون الرابع كونت تولوز والبروفنسال، وهو الجيش القادم من جنوب فرنسا، وكان هذا الجيش يكتسب أهمية خاصة لكون الأمير ريمون يعتبر نفسه - كما كان جودفري بوايون - أهمَّ قواد الحملة الصليبية، وكان الأمير ريمون أكبر الأمراء سنّاً، كما أنه كان من أوائل الذين استجابوا لدعوة البابا أوربان الثاني، بل إنه صاحبه في أكثر من مؤتمر لجمع المحاربين، وهو الذي قبل ذلك شارك في حرب المسلمين في بلاد الأندلس، وكان صاحب صبغة دينية واضحة، وكان مقرباً من البابا حتى إن البابا جعلَ في جيشه هو دون غيره ممثلَ الكنيسة أديمار أسقف لوبوي(5)، وفوق كل ذلك فإن جيشه كان أكبر الجيوش الصليبية؛ كل هذه المقومات جعلت الأمير ريمون الرابع يطمع في أن تكون إمارة الجيوش العامة معه هو، وليس مع غيره(6). 3- الجيش الثالث: وأما الجيش الثالث فكان بقيادة الأمير روبرت دوك نورماندي Robert Duke Normandyالذي كان يصطحب معه زوج أخته ستيفن كونت بلوا Stephen Blois، وكان هذا الجيش من غرب فرنسا في الأساس، إضافةً إلى جيش نورماندي مع الكثير من الفرسان الإنجليز(7). 4- الجيش الرابع: وكان الجيش الرابع فرنسيّاً أيضاً، ولكنه كان جيشاً صغيراً، ويبدو أنه كان تمثيلاً شرفيّاً لملك فرنسا فيليب الأول، حيث كان على قيادة الجيش شقيق الملك شخصيّاً واسمه هيو، وكان كونت قرماندو Hugh count vermanois8). 5- الجيش الخامس: أما الجيش الخامس والأخير فكان جيشاً خطيراً ومهمّاً وهو الجيش الإيطالي القادم من جنوب إيطاليا، والمكوَّن من المقاتلين النورمان الأشداء، وكان على قيادته الأمير الطموح بوهيموند ابن روبرت جويسكارد(9)، وكان هذا الأمير يطمح - كما كان جودفري بوايون وريمون الرابع يطمحان - إلى قيادة الجيوش مجتمعة، وكان يؤيِّده في ذلك أن جيشه هو أقوى الجيوش تنظيماً، وأكفأهم عسكريّاً، وأشدهم قتالاً(10)، ثم إنه ابن روبرت جويسكارد وكان من أقوى أمراء أوربا مطلقاً، وهو الذي استطاع إخضاع البلقان لسيطرته بعد أن هزم الدولة البيزنطية ذاتها(11)، كما أن لبوهيموند خبرة سابقة في حصار أنطاكية سنة 1081م، ومواجهة الدولة البيزنطية هناك، وكان بصحبة بوهيموند ابن أخته الأمير تانكرد وهو من الأمراء الأشداء الطموحين أيضاً، كما اصطحب أيضاً عدداً من الأمراء النورمان الأكفاء(12). وهكذا نجد أن الجيوش الصليبية لم تجمعها قيادة موحَّدة، بل كان القواد من البداية يتصارعون على القيادة العامة، كما أن كل واحد منهم كانت أحلامه الخاصة تراوده في التوسع والتملك. خريطة حركة الجيوش الصليبية من أوروبا إلى القسطنطينية: كان أول الجيوش الصليبية تحركاً ووصولاً إلى الدولة البيزنطية هو الجيش الرابع الصغير، ولكنه كان تعيس المصير؛ إذ سلك الطريق البحري، وأصابته عاصفة شديدة بالقرب من سواحل الإمبراطورية البيزنطية؛ فهلك الكثير منه، وأنقذت فرقة من البحرية البيزنطية بقية الجيش(13)، وقابل الأمير هيو الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين، ولم يكن عجيباً في مثل هذه الظروف أن يُقسِم الأمير يمين الولاء والتبعية للإمبراطور البيزنطي(14)، كما أقسم على أنه سيبذل كل جهده لتحرير البلاد التي أخذها المسلمون من سلطان الدولة البيزنطية، ولم يكن هذا الجيش - كما هو واضح - مؤثراً بشكل من الأشكال في خط سير الأحداث. أما الجيش الذي وصل بعد ذلك فكان الجيش الأول وهو جيش جودفري بوايون، ونحتاج إلى وقفة مهمة مع هذا الجيش، لقد سلك هذا الجيش الطريق البريّ الذي سلكه قبل ذلك بطرس الناسك، ووالتر المفلس، وبقية الحملات الشعبية(15)، وبالتالي فسيمر على المجر وغيرها من المناطق التي تحمل ذكريات مؤلمة للأوروبيين الغربيين، وقد تصطدم هذه الجيوش مع ملك المجر القوي كولومان؛ مما قد يعطِّل مسيرتها، ويبدِّد قوتها؛ لذلك قرَّر جودفري بوايون في ذكاء شديد أن يعقد اجتماعاً مهمّاً مع ملك المجر على الحدود الألمانية المجرية، وقبل أن يدخل الأراضي المجرية؛ ليعقد معاهدة مع هذا الملك يضمن فيها عدم المساس بأية ممتلكات، وعدم إيقاع الضرر بأي إنسان مجريٍّ، ولكي يطمئن ملك المجر إلى وفاء الأمير جودفري فإنه قرر أن يترك أخاه الأمير بلدوين رهينة عند ملك المجر لحين عبور الجيش الصليبي، كما أصدر جودفري الأوامر المشددة لجيشه بعدم القيام بأي عمليات سلب أو نهب في المنطقة. وهكذا عبر الجيش الصليبي الأول مملكة المجر بأمان، ثم عندما دخل إلى الأراضي البيزنطية قابل وفداً للإمبراطور البيزنطي وذلك فيما بين بلجراد ونيش، وتعهد لهذا الوفد أيضاً بعدم المساس بأية ممتلكات بيزنطية، وفي المقابل تعهدت الإمبراطورية البيزنطية بتقديم كل ما يلزم الجيش الكبير من تموين ومساعدات حتى وصولهم إلى أرض المسلمين(16)، ثم أكمل الجيش الصليبي طريقه حتى وصل إلى شاطئ بحر مرمرة عند مدينة سليمبريا Selymbriaالبيزنطية وذلك في (489هـ) منتصف ديسمبر 1096م، وهناك فَقَد جودفري بوايون السيطرة على جيشه الذي لم يستطع أن يتمالك نفسه أمام ثراء المدينة؛ فقام الجنود بسلب المدينة ونهبها(17)، وكانت هذه الحادثة علامة إنذار واضحة للإمبراطور البيزنطي تخيفه من هذه الجنود التي أتت من غرب أوروبا، ووقف الإمبراطور البيزنطي يحلِّل الموقف بدقة، إنه لم يأت بهؤلاء الجنود إلى هذا المكان، ولم يستنجد بالبابا؛ إلا ليدفع خطر المسلمين، ويعيد امتلاك ما أخذ منه على مدار السنوات القادمة، وعلى هذا فالذي كان في حساباته أن هذه الجيوش ستكون كالجنود المرتزقة الذين تعوَّدت الإمبراطورية البيزنطية على استيرادهم قبل ذلك، فهم سيقومون بمهمة، ثم يأخذون أجرهم، وينتهي بذلك دورهم. أما ما رآه الإمبراطور البيزنطي من آثار الحملات الصليبية السابقة، ومن جيش جودفري بوايون الآن؛ فشيء يدعو إلى القلق العميق؛ لأن هذه الجموع التي جاءت بنسائها وأولادها، جاءت لتستقر، كما أنها لا تحسب حساباً للدولة البيزنطية العظمى، ثم إن الجيوش الصليبية النظامية كبيرة وقوية، وهذا الجيش الأول بقيادة جودفري جيش محترف، وله بأس وقوة، فكيف إذا اجتمعت الجيوش الصليبية كلها؟! ثم إن الإمبراطور البيزنطي استرجع بذاكرته قصة المغامر النورماندي رسل دي باليل Roussel de Bailleulالذي كان من الجنود المرتزقة المأجورة مع فرقته الإيطالية لدى الإمبراطورية البيزنطية، ثم ما لبث أن أعلن عصيانه سنة (465هـ) 1073م على الدولة البيزنطية، وحاربها وأنزل بها ضرراً بالغاً، ولم تنته قصته إلا بفَقْد عدد مهم من المدن البيزنطية أخذها السلاجقة المسلمون بعد الاتفاق مع الإمبراطور البيزنطي على التخلص من (رسل باليل) في مقابل أخذ ما يسيطرون عليه من المدن، وإذا كان (رسل باليل) قد أحدث كل هذا الضرر بثلاثة آلاف مرتزقة كانوا معه؛ فكيف سيكون الحال مع جيش كجيش جودفري، أو المصيبة الكبرى لو اجتمعت الجيوش الصليبية كلها على أمر واحد. لذلك قرر الإمبراطور المحنك ألكسيوس كومنين أن يتعامل بالحزم من أول الأمر مع جودفري، كما حرص كل الحرص على إنهاء مشكلته قبل أن يأتي جيش صليبي آخر فتزداد المشكلة تعقيداً(18). -------------- الهوامش: (1)Michaud: nHist. Des Coisades, 1, pp. 146-147. (2) Runciman: op. cit., 1, p. 147. (3) William of Tyre 1, pp. 116-120. (4) Cam. Med Hist vol. 5, p. 281. (5) Grousset: Hist. des Croisades 1, pp. 24-25; Runciman, Hist. of the Crusaddes, 1, p. 142. (6) Runciman: op. cit. 1, p. 136. (7) Raymond d` Aguilers, in Peters (ed)., The first Crusade, pp. 181-211. William of Tyre 1, pp. 139-140. (8) Anna Comnena, p. 314: AOL, 1, pp. 121-122, 145: Hagenmeryer "chronologie", p. 248. (9) Gesta Francorun, pp. 6-13; Anna Comnena, pp. 326-329. (10) Runciman: op. cit. 1, p. 157. (11) Ostrogorsky: op. cit. ll, p. 381. (12) Chalandon: Premiere Croisade, p. 132. (13) قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية ص118. (14) Anna Comnena, p. 315; Fulcherde Chartres, p. 72. (15) Setton: op. cit., 1, p. 12. (16) Albert d` Aix, 1v. pp. 299-305. (17) Idem, p.p. 304-305. (18) Chalandon: Premiere Croisade, p.p. 119-121. |
العلامات المرجعية |
|
|