#1
|
||||
|
||||
نشأة علم الجيولوجيا
نشأة علم الجيولوجيا
أحمد جدوع رضا الهيتي الأرض؛ هذا الكوكب المتميز الذي حيَّر العلماء بموقعه بين كواكب السماء عمومًا، وكواكب المجموعة الشمسية خصوصًا؛ حيث بدأ التفكير في الظواهرِ الطبيعية منذُ أن وطئ الإنسان بقدميه سطح الأرض، فقد فطنَ إلى المغاراتِ والكهوفِ؛ لحمايتهِ من قسوةِ البيئة، ومن الحيواناتِ الكاسرة، فكانت نظرتُه الأولى إلى الصخور والقطع الحجرية المترامية، وبعدَ أن توصلَ إلى صلابتها هَداه التفكيرُ إلى استغلالها في صناعةِ الأدواتِ الزراعية، أو بعضِ الأسلحة البُدائية، وأخيرًا في توليد الشرارات النارية عن طريقِ احتكاكِ القطع الصخرية، وبعدَ أن توصَّل إلى النارِ تطوَّرت أساليبه في اكتشافِ المعادنِ وصَهرها لاستخدام الفلزَّات. وهكذا قسَّم علماءُ التاريخ عصورَ الإنسان؛ تبعًا لمهارته، وكيفية استغلالها؛ فهناكَ العصر الحجري، والعصر النحاسي، والعصر البرونزي. إن كلمة جيولوجيا Geology كلمة معرَّبة، مكوَّنة من مقطعين يونانيين "جيو Geo" وتعني الأرض، و"لوجيا Logos" تعني عِلم، فكلمة جيولوجيا (علمُ الأرض) Geology أحد العلوم الطبيعية، التي تختص بالأرض وما عليها من كائنات، ونشأتها وتاريخ تطوُّرها ومحتوَياتها، من مكوِّنات طبيعية وما يوجد بها من معادنَ وصخور، ومياهٍ وبترول، وغيرها، ومظاهرَ وتراكيبَ مختلفة، وحياةٍ قديمة عبر العصور والأزمنة المختلفة. وهو علمٌ قائم بذاته ومتشعِّب، ويتفرع إلى تخصصات كثيرة، تبحث في دراسة الأرض من كل النواحي. وتضمُّ الأفرعُ الكلاسيكيَّة لعلم الجيولوجيا أربعَ مجاميع من العلوم الاختصاصية، تعالج كلُّ مجموعة منها جانبًا خاصًّا من الأرض: علوم خاصة بمكونات القشرة الأرضية، هي علم البِلَّورات Crystallography، وعلم المعادن Mineralogy، وعلم الصخور Petrology، وعلم الجيوكيمياء Geochemistry، وعلوم تختص بدراسة التراكيب الجيولوجية، وهي علم الجيولوجيا التركيبيَّة Structural Geology، وعلم الحركات الأرضية (جيوتكتونيك) Geotectonics. وهنالك علوم خاصة بتاريخ تطور القشرة الأرضية، هي علم الحفريَّات Paleontology، وعلم الطبقات Stratigraphy، وعلم الجغرافية القديمة Paleogeography، والجيولوجيا التاريخية Historical geology، وعلم البيئة القديمة Paleoeogy، وتختص المجموعة الرابعة من الأفرع الكلاسيكية لعلم الجيولوجيا بدراسة تضاريس سطح الأرض، وتشمل علم الجيومورفولوجيا Geomorphology وعلم المساحة Surveying والجيولوجيا الفيزيائية Physical geology. بعد التطور الكبير في العلوم عامة، وفي الجيولوجيا بفروعها الكلاسيكية، ظهرت مجموعة من العلوم الجيولوجيَّة التطبيقية، تعتمد على الأسس النظرية لفروع الجيولوجيا الكلاسيكية، واتفق العلماء في الآونة الأخيرة على إطلاق اسم علم الأرض Earth science على مجموعة العلوم الجيولوجية، وأهمُّ هذه العلوم: علم الجيولوجيا الاقتصادية Economic Geology، علم الجيوفيزياء Geophysics، علم المحيطات Oceanography، علم الجيولوجيا التطبيقية Applied Geology، الجيولوجيا الحقلية Field Geology، علم الجيولوجيا المائية Hydrogeology، علم جيولوجيا النفط Petroleum geology، علم الزلازل Seismology، الجيولوجيا الهندسية Engineering geology، علم جيولوجيا المناجم Mining geology، علم الجيولوجيا البيئية Environmental geology، الاستشعار عن بعد Remote sensing، علم الرسوبيات Sedimentology، الجيولوجيا العسكرية Military geology، علم المعادن البصرية Optical mineralogy، علم قياس عمر الأرض chrono - geology، الجيولوجيا التصويرية Photo - geology، والجيولوجيا الطبية Medical geology،الجيولوجيا الكونية Cosmic geology، الجيولوجيا الشرعية Forensic geology. إن علم الجيولوجيا من أكثر العلوم التي تربطها علاقاتٌ هامة مع العلوم الأخرى، نتجَت عن ذلك فروعٌ جديدة في الجيولوجيا، وتعد حلقةَ اتصال بين الجيولوجيا وبقية العلوم الأخرى: فهناك علاقة وثيقة بين علمي الجيولوجيا والفيزياء، أدَّت إلى ظهور علم جديد، يسمى علم فيزياء الأرض الجيوفيزياء Geophysics، ونشأ هذا العلم عندما دعَت الحاجة إلى معرفة الأسرار الموجودة تحت سطح الأرض؛ من طبقات وتراكيبَ جيولوجية، ورسم صورة مفصَّلة عنها؛ ولهذا السبب تم الاستعانة بعلم الفيزياء وأساسياته المختلفة؛ من صوت وكهرباء ومغناطيسية وجاذبية، هكذا جُمع العلمانِ تحت علم واحد، يهتمُّ بكل ما هو تحت سطح الأرض. وهناك ارتباط بين علم الجيولوجيا وعلم الكيمياء، أدى إلى ظهور علم آخر يسمَّى علم كيمياء الأرض، أو الجيوكيمياء Geochemistry، ويختص بجميع التحليلات والاختبارات الكيمياوية التي تُجرى على المعادن والصخور. وهـناك ارتباط بين الجيولوجيا والعلوم الحياتية (البيولوجيا)، عــــن طريق عـــلم المتحجرات Paleontology الـــذي يهـــتم بدراسة بقايا الأحياء المختلفة من حيوانات فقاريَّة ولا فقارية ونباتات. وهناك علاقة بين الجيولوجيا وعلم الفلك (Astronomy) ويسمى هذا العلم الجيولوجيا الفلَكية، أو الكونية Astronomic Geology الذي يختص بدراسة الأرض وعلاقتها بالنظام الشمسي. أما علم الهندسة فيرتبط بعلم الجيولوجيا فيما يسمى الجيولوجيا الهندسية Engineering Geology، وهو الذي يدرس الأعمال الهندسية، والمشكلات الهندسية في الإنشاءات وحفر الأنفاق والسدود وإقامة المطارات. ويرتبط علم الجيولوجيا بعلم الجغرافية القديمة؛ وذلك بدراسة الجيولوجيا التاريخية للقشرة الأرضية. ويرتبط علم الجيولوجيا مع العلوم الزراعية بما يسمى الجيولوجيا الزراعية Agricultural geology... إلخ. وتلعب الجيولوجيا (علوم الأرض) دورًا هامًّا في معظم ميادين الحياة الاقتصادية؛ حيث تعتمد تنمية المجتمعات على تطبيقات فروع هذا العلم في عجالات الحياة المختلفة، وأصبح يُسهِم في خدمات عديدة، نوجز بعضها فيما يلي: • البحث عن مصادر الطاقة؛ كالبترول والغاز الطبيعي، والفحم والمواد النووية، والعمل على استخراجها واستغلالها. • الكشف عن خامات المعادن، والتوسع في إنتاج الخامات المعدنية المختلفة. • استكشاف المياه الجوفية كتدبير مصادرَ إضافية لمياه الريِّ والشرب. • المساهمة في حماية البيئة. • اختبار مدى صلاحية المواقع المختارة لإقامة المشروعات الهندسية العملاقة؛ كالسدود والجسور والأنفاق، والأبنية الضخمة والأبراج والمدن. • بالإضافة إلى تيسير الحصول على مواد البناء والتشييد لمشروعات الإنشاء والتعمير. يعود تاريخ الجيولوجيا إلى حوالي أكثر من ألف سنة قبل الميلاد؛ حيث اعتبَر البابليون مَنشَأ العالم (الأرض) من الماء، كما أوردَت الأساطير المصرية نصًّا يشير إلى أن الماء (المحيط) هو أصل العالم[1]. منذ نشأة البدايات الأولى لعلوم الأرض، كان الشغل الشاغل للمهتمين بهذه العلوم هو التفكيرَ في الطبيعية والظواهر الأرضية، لكن هذه البدايات كان يغلب عليها الخلط بينها وبين الخرافات والأساطير منذ عصور ما قبل التأريخ. وكان حوض البحر المتوسط منطقة نموذجية لملاحظة ظاهرتين؛ هما الزلازل والبراكين، وما يصاحبهما من تغيرات سريعة وواضحة على سطح الأرض. وكان الإغريق هم أولَ مَن أثرى العالم الحديث بالنظريات الجيولوجية المحددة؛ إذ إن الأساطير الإغريقية التي ردَّدها هوميروس Homer سنة 900 قبل الميلاد، التي كانت تشير إلى مفهوم الإغريق آنذاك عن شكل الأرض - لا تختلف كثيرًا عن المفاهيم الشائعة لدى شعوب البحر المتوسط في هذه الأيام. وقام العلماء والمفكرون والفلاسفة الإغريق بتسجيل الملاحظات الكثيرة عن نشوء الأرض وشكلها ومكوناتها وبداية الحياة عليها؛ مثل زينوفانس Xenophanes (600 ق.م) وزانثوس Xanthus وهيرودوتس Herodotus (485 - 424 ق.م) وأرسطو Aristotales (380 - 322 ق.م) الذي يعتبر أول مفكِّر إغريقي يثبت كرويَّة الأرض، بالإضافة إلى ملاحظة واهتمام العالم اليوناني ثيو فراست الذي ألف أول كتاب في الجيولوجيا وأسماه "كتاب الصخور". أمـا فلاسفـة الرومان فقد اهتمُّوا أيضًا بالعلوم الطبيعية وتأثروا بالإغريق. وتطوَّر تاريخ علم الأرض - على الأغلب - في بداية القرن التاسع، وحتى القرن الحادي عشر الميلادي على يد علماء وروَّاد عصر الحضارة الإسلامية[2]. وبكل فخر يمكننا القول: إنَّ ابن سينا (980 - 1038م) هو المؤسس الرئيس للجيولوجيا عند العـرب المسلمين[3]. تناول ابن سينا كثيرًا من آرائه الجيولوجية في كتابه "الشفاء" في الجزء الذي سماه "المعادن والآثار العلوية". والبيروني الذي كان أحد العلماء الذين ازدهرت بهم الحضارة الإسلامية، والذي نبغ في علم المعادن والصخور في كتابه "الجماهر في معرفة الجواهر". لقد تناولت كتاباتُ العرب فروعًا مختلفة للجيولوجيا، مثل: علم المعادن، علم الأحجار الكريمة، وعلم الصخور، كذلك كتَبوا في الجيولوجيا الطبيعية، علم البحار، وعلم الحفريات، وقاموا بعدد من عمليات المساحة الأرضية، ورسم الكثير من الخرائط التوضيحية، كما اهتم العرب بصناعة التعدين واستغلال الخامات، وكتاباتهم وإن كانت متفرقة ومنتشرة في عدد ضخم من المراجع والمجلدات تحت أسماء وعناوين مختلفة على مدى نحو ستة قرون من الزمان، إلا أنها في مجموعها تدل على فَهم واعٍ بأهم القواعد والمبادئ الرئيسية لعلوم الأحجار والأرض. وقد ساهم في وضع هذا التراث الزاخر نفرٌ من عباقرة الإسلام، بل عباقرة العالم الأفذاذ، وإن كان كل منهم قد صال وجال في ميادينَ أخرى للعلوم، شأنهم في ذلك شأن علماء ذلك العصر؛ فقد كان تفوقهم في علوم الأرض على مستوى تفوقهم ونبوغهم في العلوم الأخرى، ومن بين هؤلاء الأعلام: الكندي، المسعودي، البيروني، ابن سينا، الإدريسي، ابن خلدون، ابن ماجد، ابن الشاطر... وآخرون، إلا أننا نعتبر هؤلاء المشاهير الذين ذكَرناهم مؤسِّسي علم الجيولوجيا عند العرب. [1] الفلسفة اليونانية، مقدمات ومذاهب؛ د. محمد بيصار - دار الكتاب اللبناني - بيروت 1973 ص 47. [2] تعارف المؤرخون على العصرين الإغريقي، وعصر النهضة الأوروبية عند تأريخ العلم، والأصدق أن تحدد عصور العلم بأربعة، فيضاف إليها عصران؛ هما: الإسكندري، والعصر العربي الإسلامي، ويسبق كل ذلك بعصر الحضارات القديمة. [3] في هذا الوقت من العصور الوسطى كانت أوربا ترتع تحت مظلة الإقطاعية في العصور المظلمة، وتحت رحمة الكنيسة، ومحاكم التفتيش التي عزلتها عن أي مدٍّ حضاري وثقافي. |
العلامات المرجعية |
|
|