|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
جماليات الفن الإسلامي تظهر في الخزف والزجاج والقاشاني
جماليات الفن الإسلامي تظهر في الخزف والزجاج والقاشاني
أ· د· بركات محمد مراد فن الخزف من أروع ما ترك لنا الفنان في العالم الإسلامي القديم بأصالة خاصة وإبداع متميز، فهو فن نتج من رؤية فنية لها استقلالها، ولقد اكتشفت قطع الخزف الإسلامي القديم في الفسطاط وسامراء والرقة والمدائن، وتبين أن هذه الأواني إنما صنعت للزينة أو لرجال الحكم· واشتهرت هذه المدن بصناعة الخزف من صحون وأطباق وأوان، ولذلك اعتبرت الحضارة العربية الإسلامية إلى جانب حضارة الشرق الأقصى من أكثر حضارات العالم التي اهتمت بهذا الفن· ولقد اشتهرت إيران بهذا الفن، ومن ثم انتشر في البلاد العربية في عهد العباسيين، حيث تعود أقدم النماذج المهمة إلى بداية الحكم العباسي وتمكن الخزافون في العراق من الاستفادة من العلوم المزدهرة لاختراع تقنيات جديدة في ظل الخزف وتزيينه، منها مثلا تقنية الخزف ذي البريق المعدني وهي تقضي بوضع غشاء رقيق من المعدن فوق قشرة الخزف الملونة أو الشفافة، وقد انتشرت هذه التقنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وانتقلت من الأندلس إلى إيطاليا في القرن الرابع عشر ميلادي· والخزف طين مشوى بأشكال مصبوبة ومغطاة بدهان أزرق أو أخضر أو ذي بريق معدني بإضافة أملاح الحديد والأنتمو إليه، وغالبا ما يكون الخزف مرسوما فوق الطلاء أو تحت الطلاء، أو مرسوما بالبريق المعدني، ويصنع عادة من طفل أصفر مغطى بطبقة غير شفافة من الميناء القصديرية، ترسم عليها الزخارف بالأكاسيد بعد حرقها، وكان الخزافون يشقون سطح الخزف، مما يحدث عليها فراغات صغيرة يملأونها بالألوان، ولا تعود أهمية الخزف الإسلامي إلى تقنياته بل إلى رسوماته التي تختصر جمالية الفن الإسلامي· وبرغم أن الخزف الإسلامي اقل صلابة من البورسلين الصيني، فإنه تميز في التزجيج القصديري بدفء ونعومة في الملمس، وتميز في لون الفخار المزجج بطلاء رصاصي بلمعان براَّق، وتميز في آنية (الفرات) FRIT بلمعان باهت، والأهم من كل ذلك تمكَّن الفنان من وحدته الزخرفية وصياغتها بإحكام على كل خامة استخدمها في إبداع متجدد· ولقد خرجت لنا حفريات زاره Sara وهرتزفيلد Hersfeld في سامراء، أروع أمثلة من الأواني ذات البريق المعدني، وفي جامع القيروان مئة وتسعة وثلاثون بلاطة تشكل إطار محراب الجامع الكبير لعلها صنعت بطريقة القرطاس Borbotine التي تنتج من دفع عجينة لينة في ثقب قمع أو قرطاس فيشكل رسوما نافرة، ومن الخزف ما ينسب الى مدينة الرقة (في سورية) وهي ترجع الى القرنين >12 - 13 الميلاديين<، أي إلى العهد السلجوقي والأتابكي· ولقد عثر على أنواع كثيرة من خزف الرقة ذي البريق المعدني وذي الزخارف المرسومة، وهناك أنواع أخرى من خزف الرقة نوع رسمت زخارفه باللون الأسود تحت طلاء أزرق فيروزي (1)· وهناك الأواني المرسومة بألوان متعددة كالصحن الذي عثرت عليه بعثة الباحث >أولغ غرابار< في آثار >قصر الحير الشرقي< الذي أنجز في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي وهو من مجموعة متحف >تدمر<، وهناك بعض المنحوتات الخزفية الصغيرة التي تمثل حيوانات أو شخصيات ومنها على سبيل المثال منحوتة على شكل أمرأة مقتعدة الأرض وقد طُلي جسدها بقشرة زرقاء فيروزية، وفي المتحف الوطني بدمشق نماذج من خزف مدينتي الرقة والرصافة بجميع أنواعه، ولقد استمرت صناعة الخزف في مصر وسورية في العهد الفاطمي وفي العصر الأيوبي والمملوكي· ويمكن تقسيم الإنتاج الخزفي الإسلامي الى ثلاث فترات: الأولى الانتاج الخزفي من القرن التاسع تمتد الى القرن الثاني عشر، وكيف استطاع فنان ذاك العصر أن يخرج في الدولة العباسية من إسار الخزف الصيني كصناعة، إلى صياغة الخزف ذي البريق المعدني مما اعطاه حرية في التركيب التي شكلها على الخامة، وانتقل هذا الأسلوب الى مصر الفاطمية ومنها الى سوريا ثم وصل الى الأندلس غربا وإيران شرقا، والفترة الثانية تبدأ من القرن 14 - 17م، وفيها يمكن استيضاح استقلالية الخزف الإيراني في المقاطعات الشرقية أو في تركيا بعيدا عن المؤثر الصيني· ولعل الفترة الثالثة التي ظهرت في القرن 12 - 13 الميلاديين تمثلت في إحياء الفنان الإيراني لتقنية خزفية مصرية تعرف بعجينة >الفريت Frit<· هذه التقنية أعطت للفنان قدرة تشكيلية أوسع ثم جاء أسلوب الرسم تحت طلاء التزجيج ليعطي بدوره حرية حركة للفنان الخزفي، وذلك مع استمرار الإبداع بالأسلوب القديم من استخدام الرسم فوق التزجيج أو البريق المعدني (2)· وتعتبر الحضارة العربية الإسلامية، إلى جانب حضارة الشرق الأقصى، من أكثر حضارات العالم التي اهتمت بهذا الفن، وتعود أقدم النماذج المهمة في هذا الفن الى بداية الحكم العباسي حيث تمكن الخزفيون في العراق من الاستفادة من العلوم المزدهرة لاختراع تقنيات جديدة في طلي الخزف وتزيينه، منها مثلا تقنية الخزف ذي البريق المعدني، وهي تقضي بوضع غشاء رقيق من المعدن فوق قشرة الخزف الملونة أو الشفافة، وأقدم نماذج الخزف ذي البريق المعدني عثر عليها في مدينة الفسطاط وسامراء، وقد انتشرت هذه التقنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي وانتقلت من الأندلس ومنها إلى إيطاليا في القرن الرابع عشر الميلادي· كذلك اعتمد الخزافون على تقنيات أخرى مثل تقنية الرسم تحت القشرة الزجاجية الشفافة، أو على العكس، أي فوق القشرة الكثيفة والمعتمة، وكانوا أيضاً يشقون سطح الخزف، مما يحدث عليه فراغات صغيرة يملأونها بالألوان، ولا تعود أهمية الخزف الإسلامي فقط إلى تقنياته بل الى رسوماته التي تختصر جمالية الفن الإسلامي· وتتنوع القطع الخرفية من حيث تقنياتها ورسوماتها، فهناك الأواني التي رسمت زخرفتها بالأسود تحت قشرة شفافة بلون الفيروز، وهناك الأواني المرسومة بألوان متعددة كالصحن الذي عثرت عليه بعثة الباحث >أولغ غرابار< في آثار >قصر الحير الشرقي< والذي أنجز في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي وهو من مجموعة متحف تدمر ويتميز هذا الصحن باحتوائه على رسم لأرنب بأذنين طويلتين، وهو يحتل مركز الصحن بينما تحيط به كل من جوانب الدائرة أوراق ملونة بالأخضر والبني تتلاء والألوان التي رسم بها جسد الأرنب· ومن الملاحظ أن الدمار الكبير الذي لحق في مدن سوريا الشمالية بسبب الغزو المغولي العام 1259م دفع بالعديد من الخزافين الى الانتقال الى مصر والى دمشق التي تعرضت هي الأخرى العام 1400م لغزو مغولي جديد بقيادة >تيمورلنك< ما أدى الى تدمير حي الخزافيين، هذا الواقع يفسِّر توقف انتاج الخزف في مدن سوريا الشمالية واقتصاره في القرن الرابع عشر الميلادي على محترفي القاهرة ودمشق· وفي القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي كان الخزف الأندلسي ذو البريق المعدني موضع تقدير كبير في كل أوربا والشرق الإسلامي، وقد وجدت قطع كاملة منه في الغرب حتى في صقلية وشلزويج - هولشتين (Schleswig-Holstein) بينما اكتشفت منه قطع كثيرة في أكوام القمامة في الفسطاط بمصر· ومن هنا لا يدهش المرء إذا علم أن الأطباق والصحون والزهريات الخزفية ذات البريق المعدني المصنوعة في >بلنسية والمزينة< بشارات النُبل قد أصبحت في القرن التاسع وأوائل العاشر للهجرة الموافق القرن 1615 الميلادي رموزا لارتفاع المكانة الاجتماعية التي يتمناها الجميع، ولم يقتصر اقتناؤها على الأسر الأسبانية، بل حازها أيضا نفر من أصحاب الذوق الرفيع من الأوربيين أمثال: أدواق >بيرغنديا وآل مديتشي في فلونسا، وملوك نابولي، بل البابا ليو العاشر< (3)· وهناك تأثير مباشر بصورة أكبر مارسه الفخار الإسلامي، وبخاصة الأنواع الأندلسية منه المطلية بالقصدير المزجَّج وبما يسمي بـ >السجرامنتو< (sgraitoff) أي الزخارف ذات البريق المعدني، وقد وجدت هذه الأنواع والزخارف في صناعة الفخار الإيطالي الناشئة التي لم تلبث أن بلغت شأوا غير عادية من الازدهار (4)· وكانت بعض أشكال الزخارف على الآنية الخزفية مثل القصعات الصغيرة، والزهريات، والقدور، وأواني العقاقير المسماة >البرللي< Albarelli بالإضافة الى وحدات زخرفية كانت قد صنعت أصلا في الشرق الإسلامي ثم تطورت في الأندلس، قد اضيفت اليها تحسينات جديدة في المراكز الصناعية الإيطالية المختلفة (5)· وثمة أوانٍ خزفية يتميز بها الخزافون المصريون والسوريون عن غيرهم، وهي تَسِمُ الفن المملوكي بسمات خاصة ومميزة، ونعني بتلك الأواني تلك التي اعتمدت زينتها على الخط العربي، وبخاصة الثلث المملوكي حيث يظهر بشكل نافر على الأواني مؤكدا على الطابع النبيل للحرف العربي· وكان الخط العربي قد بدأ يزين كثيراً من الصناعات الفنية الأخرى التي أبدعها الفنان المسلم من المعادن مثل النحاس أو البرونز المطعم بالذهب والفضة التي نعرفها من خلال الطاسات والصحون والصواني والمقالم والمحابر والمباخر، التي تحتفظ بها متاحف العالم باعتبارها قطعاً فنية رائعة منقطعة النظير (6)· ويلاحظ الباحثون عند دراستهم للخزف تحت ظروف الحكم المملوكي وفرة توقيعات الخزفيين على الأواني التي يصنعونها، والتي تشير الى ان عادة التوقيع قديمة نجدها في مصر منذ الحكم الفاطمي، كما هي الحال مثلا مع الصحون والأقداح التي تحمل اسماء كل من >مسلم وسعد وابراهيم<· وفي زمن المماليك شاع مثل هذا النوع من التوقيع الذي رمز به الحرفيون الى فنونهم، وعلى كل حال فإن وجود توقيعات الفنانين او غيابها لا يحددان قيمة العمل الفني لأن الفنون الإسلامية، لا تعبر عن مشاعر الفنان الذاتية في كثير من الأحيان، ولا تريد أن تروي لنا أو تؤرخ للأحداث العامة، بل هي تقوم على أسس وعناصر تترجم فلسفة جمالية خاصة، عبرت عن علاقة صوفية بالله وبالطبيعة· أما القاشاني الذي ينسب الى مدينة >قاشان< الإيرانية التي ازدهرت فيها هذه الحرف الفنية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، وكان في طليعة الحرفيين الذين عملوا فيها >أبو القاسم عبدالله بن أبي طاهر القاشاني<، ويعد هذا الفن من الفنون التطبيقية الإسلامية العريقة، وقد ساد في أكثر من مرحلة، وشهد هذا الفن تطورات متلاحقة، ارتبط بالعمارة فزينها وجملها، وحرَّك كتلها ومساحتها، وفراغاتها الداخلية بلوحات بديعة، شكلتها بلاطات خزفية مرصوفة بعضها إلى جانب بعض، كما تجسد هذا الفن في شكل حرف وصناعات استعمالية وصل بعضها الى مصاف التحف الفنية الرفيعة كعناصر تشكيلية وكقيم تعبيرية ودلالية وتقانية· وتتألف لوحة القاشاني من مجموعة ألواح أو بلاطات متعددة الأشكال والقياسات يرصف بعضها بجانب بعض، بشكل مدروس، لتؤلف في النهاية منظراً عاماً مشكلاً من رسوم وزخارف وتشكيلات هندسية او نباتية مطعمة أحياناً بالهيئات المشخصة لطيور وحيوانات، قد تقتصر لوحات القاشاني على الكتابات، وأبرز الألوان التي استعملت في القاشاني الإسلامي هي الأزرق والزهري· ومعظم الفنون التطبيقية، والحرف والصناعات اليدوية الإسلامية، لعب الخط العربي دوره الأساسي في تشكيل البيئة الزخرفية الرئيسة في عملية تزيين العمارة والحرف والصناعات التطبيقية الإسلامية وتزويقها، على اختلاف خاماتها وموادها ووظائفها، ومن بينه القاشاني الذي تميز بالجمع الموفق بين الزخارف والتشكيلات المستوحاة من الكتابة العربية أو المشكلة منه، أو المحيطة بها، وهذه الزخارف والتشكيلات ذات بريق معدني ملَّون بالأزرق والفيروزي، تستوي مع الخلفية أو تبرز عنها بنفور بسيط· وقد سادت الرسوم والأشكال الهندسية والنباتية المنمقة الأسلوب في الخزف والقاشاني العباسي، تطعمت بالخطوط والكتابات العربية، ومن شواهد هذا الأسلوب المتقن زبدية يضمها متحف دمشق الوطني، عليها كتابات توضح انها صنعت في >الحيرة< ما بين النهرين وتحمل خصائص تشكيلية تكاملت فيها القيمة الجمالية والدلالية بالقيمة الوظيفية، وهذه سمة عامة تنسحب على الفنون الإسلامية بجميع أشكالها وضروبها، وبخاصة منها التي اعتمدت على معطيات الخط العربي وقدراته التشكيلية والدلالية المتفردة في زخرفتها وتنميقها وتزويقها· ومعظم الخزف العباسي، أُنتج في >سوسة< و>سامراء<، وفي وقت مبكر في >الحيرة<، وهو خزف إسلامي قلبا وقالباً، ويعتقد أن >سوسة< و>سامراء< اول من انتج هذا النوع من الخزف بصيغة راقية، بغية إرضاء اذواق الخلفاء العباسيين الذين كانوا يرغبون بالرفاه، ثم تحت رعاية الخلفاء الفطميين الذين جاروهم بالذوق والرفاهية، كما كانت مدينة >الرقة< في سوريه من أهم المراكز التي انتجت الخزف والقاشاني في العصور الإسلامية، وقد حافظت >الرقة< على دورها الريادي في انتاج هذه الحرف والصناعات والفنون حتى دُمرت على يد المغول العام 1259م (7)· وفي الأندلس ذاعت شهرة الخزف المالقي، كما يظهر الزليج (زليخو) وهو طلاء خزفي، ولكن صناعة الزجاج في العهد الفاطمي بلغت شأوا عاليا في مصر وسورية، وأهم ما فيها الزجاج برسم البريق المعدني وألوان الميناء، واستخدم الزجاجون أطباقا من الألوان المائلة للخضرة أو الحمرة، وفي المتاحف العالمية نماذج من الزجاج الفاطمي المحلى برسوم نافرة ملونة طُبعت بأشكال حيوانات أو بزخارف نباتية، وثمة زجاج مذَّهب ومطلي بالميناء، كانت دمشق وحلب من أهم مراكز انتاجه· ويذكر >القزويني< (1203 - 1283م) تقدم صناعة هذا الزجاج في دمشق ويصف ما في أسواقها من أكواب وأوان بديعة، ولقد انتقلت مصنوعات دمشق إلى أسواق القاهرة، ومنها الى العالم، وهكذا حملت صناعة الزجاج اسم دمشق غالبا، ومن أبهى المصنوعات الزجاجية (المشكاة) التي كانت تحمل دائما اسم دمشق مع أن بعضها كان يصنع في القاهرة في عهد >الظاهر بيبرس والناصر قلاوون< (8)· وكان لفن الزجاج دور مهم تمثل باختراع تقنية جديدة تقضي بتذهيب الزجاج وطليه بالميناء، ومعروف أن صناعة الزجاج قديمة جدا وترجع الى زمن المصريين القدماء، وقد عثر المنقبون في قبور الفراعنة منهم >تحوتمس الأول< على نماذج قديمة جداً من الزجاج التي تعود الى 1500 سنة قبل الميلاد غير أن اختراع تقنية نفخ الزجاج التي ظهرت في القرن الأول للميلاد في الحوض الشرقي من المتوسط أحدث ثورة في تاريخ هذا الفن، مما مكن من إنجاز أوانٍ زجاجية متفاوتة الأحجام والأشكال، ولقد عرف هذا الفن انتشارا واسعا خلال فترة الامبراطورية الرومانية· أما في العالم العربي الإسلامي، فإن أجمل الأواني الزجاجية كانت مصنوعة في مصر وسوريا وهي منجزة خلال الحكم الأيوبي ومن ثم المملوكي، وتعود اهمية هذه المرحلة الى توصل معلمي الزجاج في المدن السورية مثل دمشق وحلب والرقة، الى اختراع تقنية حرفية جديدة مكَّنتهم من تذهيب الزجاج - كما ذكرنا من قبل - واستعمال مواد الميناء الملونه بصورة مغايرة لم نعهدها من قبل في الحضارات السابقة· وتقضي هذه التقنية بوضع الميناء، وهو على شكل >بُدرة< بوساطة ريشة على سطح الزجاج، وفي الوقت نفسه كان بالإمكان تذهب الزجاج إما بوساطة ورقة ذهبية أو غبار ذهبي يلتصق بالزجاج بوساطة الزئبق، وتقتضي هذه التقنية الجديدة أن يسخَّن الزجاج في الأفران الخاصة مرتين، المرة الأولى حتى يتم الحصول على الشكل المراد للآنية، والمرة الثانية حتى يلتصق الذهب والمواد الملونة· إن استعمال خامات غالية كالذهب والفضة في طلاء الخزف الذي عرف بالبريق المعدني يمثل صفة خاصة انفرد بها الخزف الإسلامي، او استعمال التذهيب فوق الطلاء أو الحفر والتخريم والميناء، مثَّل دقة ومهارة فائقة عند الفنان المسلم حيث تمكَّن من تحويل قطع الخزف الى لوحات فنية أبدع فيها الفنانون بالدرجة الإبداعية نفسها في المخطوطات واللوحات المنفصلة، وكان كل ما يستعمله الإنسان المسلم في حياته اليومية من فناجين وأقداح وكؤوس وصحون وسلاطين وأكواب وأباريق وسُرج وسائل لإثارة إعجابة ودهشته وإبهاره· وترجع أقدم النماذج العربية المعروفة من الزجاج المذَّهب والملون الى نهاية القرن الثاني عشر، وهي مصنوعة في سورية التي كانت مدنها - كما مر بنا - من اشهر مراكز فنون الزجاج في العالم، من هذه النماذج كأس موجودة حاليا في متحف مدينة >شارتر< الفرنسية، ويتميز بزينته المستندة الى اشكال هندسية صافية ملونة بالأزرق تتوجها عبارات ذهبية مكتوبة بخط النسخ، وهي تغطي الكأس من كل الجهات· خلال القرن الثالث عشر الميلادي انتج فنانو الزجاج السوريون نماذج جميلة موزعة على اشهر متاحف العالم منها قنينة صغيرة مصنوعة في مدينة حلب العام 1250م وهي من مجموعة المتحف البريطاني، وترجع أهميتها الى اعتمادها أكثر من ثمانية الوان من الميناء مما يجعلها تحفة فنية في تاريخ فن الزجاج في العالم· ومن خلال تنوع أشكال الأواني الزجاجية وأحجامها، نلاحظ تنوع الصور المرسومة على بعض الكؤوس التي حوت رسوما شبيهة الى حد كبير برسوم المخطوطات المعاصرة لها، ومنها كأس من مجموعة متحف >والتر غاليري< للفنون في مدينة >باليتمو< في أميركا حيث تشاهد عليها رسوما لأبنية تعلوها القباب الملونة بالأزرق والأحمر، وتطل من نوافذ تلك الأبراج تارة وجوه بشرية وتارة أخرى مصابيح ملونة ومعلقة في أعلى كل نافذة· وتختصر رسوم هذه الكأس جمالية فن التصوير الإسلامي من حيث رفضها لمبدأ المحاكاة الطبيعية والتجسيم، مؤكدة على التسطيح والغاء مبدأ البعُد الثالث، وهي صفات جمالية نادي بها الفنانون الغربيون منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ومنهم الفنان الفرنسي الشهير >ماتيس< الذي تأمل طويلا في الفنون الإسلامية وأعلن عن إعجابه بها حتى إنه لم يتردد في الذهاب إلى مدينة ميونخ العام 1906م لمشاهدة معرض خاص حولها، تأملات نجد صدى مباشرا لها في لوحاته (9)· وهناك نوع آخر من الأواني الزجاجية لاقى رواجاً كبيرا في تلك الفترة، هو المصابيح الملَّونة والمذهَّبة التي كانت تعلق في سقوف الجوامع بوساطة السلاسل، وهي تعتمد على شكل واحد وكانت تزين بكتابات تعتمد على خط الثلث المملوكي، وتضم آيات قرآنية وتعابير تمجد السلطان مثلا >عز لمولانا السلطان الملك العادل< إلى جانب الخط كان يرسم على تلك المصابيح أيضا الفروع النباتية والأزهار ومنها >زهرة اللوتس<، وشعارات السلاطين المماليك مثل الكأس· وهكذا عرف الفن الإسلامي أنواعا متعددة من الزجاج والبلور، استعمل الفنان المسلم في صناعتها أكثر من أسلوب صناعي مثل القالب، والنقع والقطاع وغيرها، كما كتب على بعضها أسماء لبعض الخلفاء بخط كوفي جميل، ومن أبرزها ما وصلنا من مشكاوات زجاجية مزخرفة بالميناء والتي كانت تستخدم لإضاءة المساجد، وكان الفنان يبذل جهدا كبيرا في توزيع المساحات توزيعا جماليا، وتوزيع الألوان، فتنعكس الألوان على المكان وتجعل منه بوتقة للألوان المختلفة، وذلك لإبهار الداخل الى المكان· هذه هي أبرز فنون الزجاج والخزف والمعادن خلال الحكم الأيوبي ثم المملوكي وهي الفنون الأساسية التي تجلى بها الإبداع العربي الإسلامي، ثم بدأ فن المعادن بالانحطاط منذ القرن الرابع عشر الميلادي بسبب اهمال المماليك البرجية له، وقد تميزت هذه المرحلة بحروبها الأهلية وانتشار المجاعة والطاعون مما ألحق ويلات كثيرة بالشعب المصري، تحدث عنها المؤرخ >ابن أياس<، ومما زاد في سوء الحال الاقتصادية اكتشاف البرتغالي >فاسكو دي جاما< طريق رأس الرجاء الصالح العام 1497م، ما دفع الى تحول التجارة بعيدا عن المنطقة العربية، إلا أن هذه الحال المأساوية لم تؤد إلى توقف النشاط الفني، فقد شيدت في عهد السلاطين البرجية مجموعة من الجوامع والأضرحة التي تعد من روائع العمارة الإسلامية ومنها جامع برقوق وضريحه ومدرسة >قايتباي< الذي عرفت الفنون في عهده نهضة جديدة، حيث إن اسم هذا السلطان يظهر على عدد مهم وقيم من الطاسات والكؤوس والشمعدانات، وغيرها من التحف الإسلامية التي سيعثر عليها فيما بعد· المصادر والهوامش: 1- د· عفيف البهنسي: جمالية الفن العربي ص 197 ، 198 2- أوليفر واطسن: كنوز الفن الإسلامي ترجمة غادة حجاوي قدومي ص 260 نشر فليب ويلسون، لندن· 3- أ· و· فروتنجهام: A.W.Frothingham الأواني الخزفية الإسبانية ذات البريق المعدني نيويورك العام 1951م· 4- ب· ركهام: B.RAKHAM >دليل الخزف الإيطالي< ص1 ، 2، 82 لندن 1923م 5- رتشارد اتنجهاوزن: أثر فنون الزخرفة عند المسلمين على الفنون الأوربية ص 468 تراث الإسلام ج1 العام 1988م 6- من أهم هذه القطع قطعة فنية مهمة وأثيرة ومعروفة من قبل المهتمين بالفنون الإسلامية حتى إن أحدهم كرّس لها كتابا بأكمله صدر منذ سنوات عدة في باريس، وهي طاسة كبيرة من مجموعة اللوفر، كانت تستعمل في عمادة ملوك فرنسا واستعملت في عمادة أحد أمراء أسرة نابليون العام 1856م وتعود شهرة هذه الطاسة إلى الشخصيات الكثيرة والرسومات المنقوشة التي تزينها والتي صنعت بشكل دقيق وجميل، وعليها توقيع الفنان >محمد ابن الزين< الذي أبدعها، انظر أوراس مخلوف: فنون الزجاج والخزف المعدني مجلة الوحدة العدد 56 بيروت مايو 1989م 7- محمود شاهين: الخزف والقاشاني الإسلامي، مجلة الفيصل العدد 320 الرياض، ابريل عام 2003م 8- د· عفيف البهنسي: جمالية الفن العربي ص 199 9- أوراس مخلوف: فنون الزجاج والخزف والمعادن مجلة الوحدة 56، بيروت العام 1989م |
العلامات المرجعية |
|
|