#1
|
||||
|
||||
عورة المرضى بين الكشف والتكشف
عورة المرضى بين الكشف والتكشف
هشام عطية العَوْرات من أكثر الأمور حساسيةً في مجتمعاتنا الإسلامية، وضعتْ لها الشريعةُ الإسلامية أحكامًا للسِّتر، ولا يحقُّ لأحدٍ أن يتجاوَزَها، حتى إن احترامَ تلك العوراتِ وسترَها يمتدُّ إلى أن يَدخل الإنسانُ قبرَه، إلا أن ما نسمع عنه اليوم من تجاوزاتٍ في كشف عورات النساء، في أماكنَ يُظنُّ بها أن تكون في تعاملها أرقى وأصدق من غيرها، يكشف لنا أن السائد هو عكس ذلك؛ فقد كثرت الشكوى من النساء وأولياء أمورهن من أطباء لا يخشَوْن الله فيما ائتُمِنوا عليه، وأصبحتْ عورة المريضة مرتعًا لكل ناظر؛ فهل هذه التُّهَمَة الموجَّهة إلى الأطباء صحيحة؟ وهل وقعتْ تجاوزاتٌ يمكن أن تصل إلى حد الظاهرة، أو تستدعي المناقشة وطرح الحلول؟ ومَن المسؤول؟ أهو الطبيب نفسه، أم إدارة المستشفى، أم المريضة، أم المجتمع بأسره؟ هذا ما سنناقشه في جولتنا في هذا التحقيق. منظر لن أنساه: يقول د. يوسف الأحمد: في غرفة العمليات يمرُّ المريض بعد التخدير بمرحلة التجهيز والإعداد، ولم أكن أدخُل غرفة العمليات إلا بعد تجهيز المريض، وغالبًا يكون جسده مستورًا إلا موضعَ الجراحة. ودخلتُ مرة في أثناء مرحلة التجهيز، فرأيتُ شابًّا قد تم تخديرُه، وهو مُستلقٍ على طاولة غرفة العمليات، وهو عارٍ تمامًا ليس عليه شيءٌ يستُرُه، وازداد الأمر سوءًا في عملية المنظار وقسطرة البول، وعند إزالة الشعر من أسفل البطن. ويُضيف الدكتور الأحمد: من العسير أن أصِف التفاصيل تأدُّبًا مع القارئين، وهذه المشاهد رآها جميعُ الحاضرين في الغرفة، وأصبحتُ مهمومًا لعدة أسابيع، ويعود لي الهمُّ والألم كلما تذكرتُ هذا الموقفَ. وبعد أيام سألت أحد الأطباء: هل يُفعل بالمرأة ما رأيت من المنظار وقسطرة البول من قبل الرجال أمام جميع الحاضرين؟ قال: نعم، ولا فرق. الأطباء يعترفون: يقول أحد الأطباء - وقد طلب عدم ذكر اسمه -: إنه عندما كنت في سنة الامتياز في قسم النساء والولادة، جاءت امرأة في حالة إسعافية وقد أصابها نزيفٌ، فدعاني الطبيب الاستشاري لحضور الكشف عليها، فلما أتينا قالت المريضة: لا أريد أن يكشف عليَّ إلا امرأةٌ، فانزعج الاستشاري مما قالتْ، وطردها من القسم أمامنا! ويقول طبيب آخر: تأتينا بعض النساء وهي في غاية الستر والحشمة، وتطلب وتلح في أن يتولى إجراءَ عمليتها امرأةٌ، فنوافقها على ما تطلب، وبعد التخدير نتولَّى - نحن الرجالَ - العملية الجراحية التي تكون في العورة المُغلَّظة، وهي لا تعلم، وحالها يكون مكشوفًا أمام الجميع من مُمرِّضين، وفنيين، وطبيب التخدير؛ بل حتى عامل النظافة إذا دخل الغرفة للتنظيف، وبعد ذلك يتم توقيع التقرير النهائي باسم إحدى الطبيبات. أين أخلاقيات المهنة؟! وعن تمادي بعض الأطباء في كشف عورات المرضى، والكذب، وعدم الصدق في التعامل، تقول استشارية في قسم النساء والولادة في أحد المستشفيات: إن بعض استشاريي النساء والولادة من الرجال يكذبون عندَما تطلبُ المريضةُ طبيبةً للكشف عليها بقولهم: لا يوجد طبيبة. وتُضيف: وفي غرفة العمليات حدِّث ولا حرجَ، ففيها توضع المرأة على طاولة العمليات عاريةً تمامًا!! ويجتمع عليها الأطباءُ، والطلاَّب وغيرهم الكثير، وعندما نراجع الاستشاري وننبهه بأنَّه يجب تغطية المريضة يقول: نحن جميعًا أطبَّاء!! كاد القهر ي***ني: أمَّا م. ل: فتحكي قصةً حصلت لها عند دخولها للمستشفى؛ لوضع طفلِها الثالث، فتقول: عادةً ما ألِد بشكل طبيعي، إلاَّ أنَّ ولادتي هذه المرَّة تعسَّرت، وتقدمت المشيمة، وهذا استدعى إدخالي إلى غرفة العمليات، حينَها كنت في حالة نفسيَّة وجسديَّة سيِّئة، فقد أنهكني المخاض وغفوتُ لدقائقَ في غرفة العمليات، ولا أدري هل هو بفعل موادِّ تخدير، أم بفعل الإرهاق والإجهاد؟ بعدها فتحتُ عيني على عددٍ من الرِّجال ينظرون إلى جسدي وأنا متكشِّفة، فصرختُ في وجههم كالمجنونة، وبعد أن خرجوا علمتُ من إحدى الممرضات بأنَّ هؤلاء الرِّجال هم طُلاَّب الطبِّ، ومعهم معلِّمُهم يشرح لهم كيف يستخرجون المشيمة إذا علقت في الرَّحِم. وتضيف: تخيَّلت شكلَ زوجي لو علم بالموضوع، وآثرتُ السكوت على الأمر، حتى لا أفتضح، حتى كاد القهر ي***ني. امتهان مقنن: ويؤكِّد الدكتور يوسف الأحمد: أنَّ بعض الأطبَّاء يستخدم أسلوبَ الضغط على المريض، أو بالأصحِّ على المريضة؛ للكشف عليها، وأقوى أسلوب للضغط عليها هو استخدام عبارة: إنَّكِ وقَّعتِ قبلَ الدخول بعدم الاعتراض على العملية التعليميَّة، فهل أصبح الطب امتهانًا مقنَّنًا؟! ويضيف د. الأحمد: إنَّ عددًا من الاستشاريِّين أخبرني بأنَّ عدم رفض المريضات الصريح لمجيئنا نعتبره إذنًا منهنَّ، وبعد أن تنفرج كربتهنَّ ويعدنَ إلى طبيعتهنَّ يشعر كثير منهنَّ بالأسى والحزن. ويضيف د. الأحمد أنَّ أحد الأطباء أخبرَه بأنَّنا نحرص على عدم وجود الزَّوج عند الكشف؛ بل أحيانًا نمنعه؛ حتَّى لا تثور غَيْرته. ويضيف د. الأحمد: رأيتُ بعيني طبيبًا يدخل على غرفة تنويم النِّساء في الزيارة الصباحيَّة، وبفتح الباب وإزالةِ الستارة عنها من غير استئذان ولا كلام. علاج الظاهرة: وحولَ علاج هذه الظاهرة - إن صحَّ أن نطلق عليها ظاهرة - فيرى د. الأحمد أنَّ العلاج الأوَّل يكمن في معرفة الحُكم الشرعيِّ لهذه الممارسات، فنظرُ الطبيب إلى عورة المريض بلا ضرورةٍ أو حاجة مُلحَّة - مُحرَّم، وتعظُم الحُرمة مع اختلاف ال***، والمرأةُ كلُّها عورة، والأدلة على حرمة النَّظر كثيرة؛ منها: قوله -تعالى-: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور:30]. كما أنَّ على الطبيب والمريض ألاَّ يَنسيَا حديثَ معقل بن يسار - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأنْ يُطعن في رأس أحدِكم بمِخيط من حديدٍ خيرٌ له مِن أن يمسَّ يدَ امرأةٍ لا تحلُّ له)). ويضيف د. الأحمد أنَّ نظر الطبيب إلى عورة المرأة من غير ضرورةٍ، أو حاجة ملحَّة حرامٌ، والإثم يتحمَّلُه الطرفانِ إذا كان الكشف برضاهما، فرِضَا المريض لا يُبيح المحرَّم، وإذا لم يكن برضا المريض أو المريضة وإذنهما الصَّريح، فحقُّهما إن ضاع في الدنيا، فإنَّ الله - سبحانه - لا يُضيِّعُه في الآخرة. ويؤكِّد د. الأحمد أنَّ علاج الأطبَّاء للنِّساء لا يجوز إلاَّ بشروط: الأوَّل: ألاَّ يوجد طبيبة. والشرط الثاني: وجود الضَّرورة الملحَّة. وأن يكونَ الكشْف بقدر الحاجة، فإذا وُجِدت الحاجةُ لكشف جزء من السَّاق - مثلاً - لم يجُز الكشف عن أكثرَ من مِقدار الحاجة منها، وإذا كانت الحاجة تندفع برؤيةِ طبيب واحد. ووجود المَحْرَم من الشروط التي يجب توافرُها عندَ الكشف على المريضة، وقد ذَكَر أحدُ الأطباء أنَّ الفرقَ شاسعٌ بين وجود المَحْرَم وعدم وجوده من حيثُ النظرُ، والجُرأةُ في الكلام والسؤال وغير ذلك. ويُضاف إلى الشروط السابقة: ضرورةُ الاستئذان، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أنَّ رجلاً اطَّلَع عليكَ بغير إذْنٍ فحذفتَه بحصاةٍ ففقأْتَ عينَه، ما كان عليك من جُناح))؛ متفق عليه. كما يجب أن تُدرس في كليات الطبِّ العلومُ الشرعيَّة التي تبين الحقوق الشرعيَّة للمرضى، والأحكام والقواعد الشرعيَّة لأحكام التداوي وضوابطه. ويجب إعادةُ النظر في التدريب العَملي لطلاَّب الطبِّ المتخصِّصين في طبِّ النساء والولادة، ويُكتفَى بالجانب النَّظري؛ لعدم وجود الضَّرورة الشرعيَّة لكشف العوْرات. ويختتم د. الأحمد حديثَه مؤكِّدًا أنَّ الكلام عن هذه المخالفات الشرعيَّة ليس بقصد التعميم وإساءة الظن، فالعديدُ من الأقسام الطبيَّة والمراكز الصحية تكاد تَسْلَم ممَّا ذُكِر. عضو هيئة التدريس بكليات الشريعة والطب بجامعة الملك خالد بأبها د. عبدالرحمن الجرعي للمستقبل الإسلامي: تبرير الأطباء بعدم الإحساس بالشَّهوة ليس مسوِّغًا لكشف عورة مريض يُعدُّ موضوعُ كشف العوْرات من الموضوعات الحيويَّة التي بدأتْ تأخذ حيِّزًا من النِّقاش والتداول بين أهل الاختصاص والفُقهاء، ويُعدُّ رأيُ الفقهاء المتابعين والمطلعين على الممارسات الطِّبية من جهة، والأحكام الشرعيَّة المتعلِّقة بالفقه الطبيِّ من جهة أخرى - من أهمِّ الآراء في هذا الصَّدد. وقد كان لنا هذا اللِّقاء مع أحد أبرز هؤلاء الممارسين لهذه المهنة، فهو مدرِّس لطلبة الطبِّ مادة "أخلاقيات الممارسة الطبيَّة"، منذ ما يُقارب ثماني سنوات، وله مؤلَّفات ومشاركات فاعلة في هذا الصَّدد. وقد طرحنا عليه الموضوع؛ ليحدِّدَ لنا بعض الأمور المتعلِّقة بضوابط كشْف العورات في المستشفيات، والعقوبات التي يستحقُّها مَن أقدم على كشْف عورة مريض من دون حاجة، وما حقُّ الطبيب في النظر إلى عورة المريض ولَمْسها؟ والعديد من الأمور المتعلِّقة بموضوع كشف عورات المرضى. يتبع |
#2
|
||||
|
||||
عورة المرضى بين الكشف والتكشف
هشام عطية فإلى الحوار: الأنظمة توجبُ احترامَ خصوصيات المريض، وتوجب عدمَ كشْف العوْرات، فلماذا لا تطبَّق هذه الأنظمة؟ ♦ أرى أنَّ ذلك يرجع إلى ضَعْف الوازع الدِّيني لدى بعض أعضاء الفريق الطبيِّ، فلا يجدون وازعًا يردعهم عن الاطلاع على حُرُمات الآخرين، وكذلك فإنَّ من الأسباب عدمَ الجِديَّة في تطبيق هذه الأنظمة مِن قِبَل بعض الجهات المسؤولة؛ مثل: إدارة المستشفيات، والاستشاريين المشرفين على علاج المرضى، وربَّما كان لعدم وجود عقوباتٍ صارمة بحقِّ مَن يتجاوز هذه الأنظمة دورٌ في التساهُل في التطبيق. وأضيف سببًا آخر؛ وهو: عدم التعاون أحيانًا من المريض نفسِه أو أهله، حينَ يحصل بعض التجاوزات، فيفترض أن يكونَ له أو لأهله موقفٌ رافضٌ لهذه التجاوزات، فالأنظمة الموجودة لدى وزارة الصِّحة تكفل له حقَّ الشكوى - فيما أعلم. هل هناك عقوبات محدَّدة لِمَن يطَّلع على العورات، خاصَّةً النساءَ من دون الحاجة إلى ذلك؟ ♦ هناك عقوبات شرعيَّة في حال ثبوت ذلك، وهي التعزيرات التي تختلف بحسب اختلاف الحالة والشخص، وتخضع لتقدير الناظر في هذه المسألة، ويُفضَّل أن يكون النظر مشتركًا بين مختصٍّ في الأحكام الشرعيَّة، وبين طبيب يقدِّر المخالفةَ بحسب الواقع الطبي، أمَّا فيما يتعلَّق بنظام وزارة الصِّحة، فليس عندي في ذلك تفصيل. لماذا يرفض بعض الأطباء نفسيًّا الالتزامَ بهذه الأنظمة، ويُصِرُّون على تجاهلها؟ ♦ أودُّ في البداية أن أرفضَ التعميم على كلِّ الأطباء، فهناك عددٌ كبير منهم يحرص على تطبيق الأنظمة، وسدِّ الثغرات التي تحصل في التطبيق، يَحدُوهم في ذلك شعورُهم بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم تُجاهَ المرضى؛ لكنْ بعضُهم يرفض هذه الأنظمة نفسيًّا، ويُصرُّ على تجاهلها، وربَّما كان ذلك من أثر دراسته في الغرب، وتعوُّده هناك على نمط معيَّن في التعامُل مع العورات، وبقائه سنين طويلة على هذا الشَّأن، فأذهبَ ذلك في نفسه الإحساسَ بخطورة ذلك، وربَّما لا يجد هنا من الزُّملاء ولا من المرضى مَن يُنبِّهه إلى خطورة هذا الشأن، فالأمر يحتاج إلى تعاون وتواصٍ بالحقِّ بين الجميع. ماذا يرى الطبيب؟ ♦ يقول بعضهم: إنَّ من حقِّ الطبيب أن يرى ما يشاء في جسم المريض، إلى أي مدى تبقى هذه المقولة صحيحة؟ ♦ للطبيب أن يرى مِن جسد المريض ما يحتاج إليه؛ لأجْل العلاج فقط، وما عدا ذلك مِن العورات فلا يحقُّ له شرعًا ولا نظامًا النَّظر إليه؛ لأنَّ الأصل حُرمةُ كشف العورة، وإنَّما جاز النظر إليها للحاجة أو الضرورة، والقاعدة الشرعيَّة تقول: "ما جاز لعذر، بطل لزواله". عقوبات رادعة: هناك لجان طِبيَّة تحاسب الأطباءَ على مخالفاتهم، فلماذا لم تردع هذه اللِّجان الأطباءَ الذين يكشفون عورات المرضى؟ ♦ الأَولَى بالإجابة عن هذا السؤال هو هذه اللِّجان الطبيَّة؛ ولكن أرى أنَّ الأمر أكبرُ من أن تحيط به لجنة أو لجان، الأمر يحتاج إلى توعيةٍ، وتذكير للأطباء والفريق الصحي عمومًا، وكذلك للمرضى ولذويهم. ويحتاج الأمر إلى سَنِّ كثيرٍ من الإجراءات والنُّظم التي تضبط الاطلاع على عورات الآخرين، ويحتاج الأمر إلى تعاون الجميع، وأن يُراقبوا الله - عزَّ وجلَّ - في هذا الأمر، وأن ينظروا إلى الآثار السيِّئة لإهمال هذا الموضوع. مرشد ديني: أليس وجود المرشد الدِّيني في المستشفى ضروريًّا؛ لتعريف الأطباء والممرضات بالأمور الشرعيَّة؟ ♦ هذا المسمَّى في ظنِّي يوجِد حاجزًا بين صاحبه وبين النَّاس، فكثير من النَّاس لا يرى فيه إلاَّ واعظًا ومذكِّرًا بعموميات يظنُّ كثيرٌ من النَّاس أنَّه يعلمها. ثم أقول: إنَّ وجود هذا - الذي سُمِّي في السؤال مرشدًا - في كلِّ مستشفى أمرٌ في غاية المشقة؛ لقلَّةِ مَن يصلح لهذا الأمر، ولكن إن وُجد فهو أمرٌ جيِّد. لكن الأولى في نظري أن تُعقَدَ دوراتٌ وندوات، ومحاضرات ودروس تعتمدها الجِهات الرسميَّة واجبًا عمليًّا يحصل به الموظَّف أو الطبيب على شهادة معتمدة. دورات شرعية: لماذا لا تُنظَّم دوراتٌ شرعيَّة للعاملين في المستشفيات؛ لتعريفهم بالأمور الشرعيَّة؟ ♦ هذا الأمر مهمٌّ يجب الاعتناء به، ويجب على الجِهات المختصَّة - كالجامعات، ومراكز الدراسات - الإسهامُ في ذلك، وعدم الاكتفاء بالدَّورات المبسطة التي تكتفي بالوعظ العام؛ بل لا بدَّ من التعمُّق في علاج هذه الأمور الشرعيَّة، من خلال استضافة واستكتاب المختصِّين من شرعيِّين وأطباء. وأَذْكُر أنِّي حضرت مرةً في الرِّياض ندوةً عن (الفقه الطبي)، فلم أجد في المشاركين في هذه الندوة - على رغمِ كثرتهم وكثرة أسئلة الأطباء وأعضاء الفريق الصِّحي - إلاَّ شخصًا واحدًا مختصًّا في الفِقه، وهذه الندوات نُسَرُّ بها كثيرًا؛ ولكنَّها لا تسد الحاجة، ولا تنقع الغُلة. نقص الطبيبات: هل نقص الطِّبيبات هو السبب في كشْف الأطباء لعورات النِّساء؟ ♦ هذا سبب مهمٌّ، لكنَّه ليس السببَ الوحيد. حل المشكلة: كيف يمكن حلُّ مشكلة الاطلاع على عوْرات المرضى؟ هل يتمُّ ذلك بقرارات من وزارة الصِّحة، أم ماذا؟ ♦ هذا السُّؤال كبير، والإجابة عنه تحتاج إلى بسط وتوضيح، لكن أرى - بإيجاز - أنَّ مِن الحلول ما يأتي: أولاً: توعية الفريق الطبيِّ بحرمة الاطلاع على العورات، مع بيان الأحكام الشرعيَّة في ذلك، واستنهاضِ الوازع الدِّيني والطبعي فيهم، فإن كانت بنتُ أحدهم، أو أخته مكانَ المريضة، فماذا هو فاعل؟! وهذه التوعية تأتي عن طريق الدَّورات والندوات، وعقد المؤتمرات، والاستضافات للمهتمِّين بهذا الأمر، والتواصي به، وكذلك إيجادُ الكتب والنشرات الموضِّحة لذلك، وغيرها. ثانيًا: مراجعة الإجراءات الطِّبية المعمول بها في المستشفيات؛ لتقويمها وتصويبها، فإنَّ بعضها - بشهادة بعض أهل الاختصاص - يحتوي على مخالفات شرعيَّة؛ مثل: كشف جميع جسم المريضة بلا حاجة، وتغطيتها بقماش واسع. وكذلك نظر بعضهم إلى ما لا يُحتاج إلى النَّظر إليه، وترْك المريض، والمريضة لفترةٍ طويلة على هذه الحالة في غرفة العمليات، وخاصَّة عند توليد النِّساء. ثالثًا: التوسُّع في قَبول الطالبات لتخصُّص أمراض النِّساء والولادة؛ لسدِّ النقص الكبير في هذا المجال. رابعًا: الحِرص من الجميع على ألاَّ يعالج النِّساء إلاَّ النساء، والرِّجال إلاَّ الرجال بقدر الإمكان؛ وذلك لِمَا نراه من التساهُل في هذا الشأن. وكذلك الشأن في التمريض؛ فلماذا يقتصر التمريض على النِّساء؟! خامسًا: إلزام المستشفيات الخاصَّة بتوفير الطبيبات والعاملات، والتقليل من الأطباء لتخصُّصات النِّساء والولادة بقدر الإمكان. سادسًا: سَنُّ القوانين والأنظمة التي تكفل حقَّ المريض وتُنصفه عندَ حدوث التجاوزات مِن قِبَلِ المستشفيات أو الأطباء، خاصَّة فيما يتعلَّق بالاستهانة بالحُرمات والعورات؛ ردعًا لأصحاب النفوس الضعيفة. نظام التدريس: يرى بعضُهم ضرورة إعادةَ النَّظر في نظام التدريس العمليِّ لطلاَّب الطبِّ؛ لِمَا له من دور في كشْف العورات بلا حاجة، ولِمَا يتركه من أثر على المرضى، ما رأيكم؟ ♦ هناك تجاوزاتٌ موجودةٌ في نظام التدريس العملي، أخبرني عنها بعض الزُّملاء الأساتذة في كلية الطبِّ، وكذلك بعض الطلاَّب؛ لأنَّني أدرِّس في كلية الطبِّ في جامعة الملك خالد منذ ثماني سنين - ولله الحمد - والمادة التي ندرِّسها للطلاَّب هي مادة "أخلاقيات الممارسة الطبيَّة"، وأنا أدرِّسها لطلاب السنة الرابعة. ففي أثناء التدريس يذكر الأساتذةُ والطلاَّب شيئًا من التجاوزات في التدريس العملي، لا في النظام بل في الممارسة؛ ولكن - ولله الحمد - نجد إنكارًا لهذه التجاوزات من قِبَل المرضى وذويهم، ومن قِبَل الطلاَّب، بل من قبل الزُّملاء الآخرين، وربَّما كان سبب ذلك الاعتياد، وقلَّة الإحساس بخطورة هذا الأمر شرعًا، فيحصل هناك تجاوزاتٌ في أخْذ إذن المرضى بالكَشْف عليهم، ويحصل كذلك تجاوزاتٌ في المقدار الذي يُكشَف من جسد المريض. تبلد الحس: هل ما يُبرِّر به بعض الأطباء من كونه تبلَّد إحساسه، ولم يبقَ ينظر، أو يلمس بشهوة - مبررٌ لكشف، أو لمس العورة؟ ♦ هذا ليس مسوِّغًا لكشْف العورة، فإنَّ الحرمة باقية، أحسَّ أو لم يحسَّ، والتعويل على عدم الإحساس بالشَّهوة، وادِّعاء أنَّ الطبيب ليس كغيره - كلام غير صحيح؛ لأنَّ الأمر بستر العورات عامٌّ، والأطباء بشرٌ كغيرهم، نعم، ربَّما يقلُّ إحساسهم عن غيرهم؛ لكنَّ القواعد الشرعيَّة عامَّة لا يُستثنى منها أحدٌ إلا بدليل. يتبع |
#3
|
||||
|
||||
عورة المرضى بين الكشف والتكشف
هشام عطية انحسار الظاهرة: هل ظاهرة كشْف العورات بدأتْ بالانحسار، أم ما زالت على حالها، خاصَّةً أنَّنا نلحظ كثيرًا من شكاوى المرضى؟ ♦ جواب هذا السُّؤال يحتاج إلى معلومات مستقاة من الواقع، والذي أعلمه أنَّ هناك وعيًا متناميًا لدى الأوساط الطبيَّة بأهميَّة هذه القضية، وهناك اهتمامٌ على الصَّعيد الرسميِّ وغير الرسمي بالمخالفات الواقعيَّة في هذا الشأن، كما أن تَضمُّنَ مقرَّرات كلية الطِّب لمادةٍ تبيِّن الأحكام الشرعيَّة في الممارسة الطبيَّة أمرٌ مهمٌّ في هذا الشأن. ضوابط شرعية: ما الضابط الشرعي لكشْف عورة المريض؟ ♦ من أهمِّ القواعد والضوابط الشرعيَّة ما يلي: أ - قاعدة: ما جاز لعذر بطل لزواله. ب - قاعدة: الضرورات تُبيح المحظورات. ج - قاعدة: الضرورة تُقدَّر بقدرها. د - قاعدة: الحاجة تنزل منزلةَ الضرورة. ففي هذه القواعد يتبيَّن لنا أنَّه لا يَحِلُّ الكشف عن شيءٍ من عورة المريض إلاَّ لضرورة أو حاجة، كأن يترتبَ على عدم الكشف عليه مرضٌ يؤدِّي إلى هلاكه، أو يتعطَّل مقصد مهمٌّ له في حياته؛ كطلب النَّسْل، أو يكون عليه حرجٌ شديد بعدم التداوي المتضمن كشفَ العورة، وبالتالي فلا يجوز كشْف العورة لحاجة يسيرة غير معتبرة. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخرَ، فإذا قلنا بجواز الكشْف عن العورة، فإنَّه لا يحلُّ أن يُكشف منها إلاَّ القدر الذي يُحتاج إليه فقط، فلا يتجاوزه النظر إلى غيره؛ لأنَّ الأصل حرمةُ الكشْف، وكذلك لا يجوز النظر إلا َّلِمَن يُحتاج إلى نظره، فأمَّا باقي أعضاء الفريق الطبيِّ من الممرضين والممرضات، وغيرهم من الذين لا يُحتاج إلى نظرهم - فلا يَحِلُّ لهم النَّظر، ولا يمكَّنون منه. طرح ونقاشات: هل ترى أن القضية أخذتْ حقَّها من الطرح والتداول بين الأطباء والعلماء، أم أنَّها ما زالت بحاجةٍ إلى مزيدٍ من النِّقاشات والتوعية؟ ♦ نعم، القضية تحتاج إلى المزيد من النِّقاش والتوعية، والحرص دائمًا على إيجاد البرامج العمليَّة والبدائل الشرعيَّة لِمَا يقع فيه مخالفة، والحرص على متابعة ذلك، حتى يُعلمَ التطبيق من عدمه، والتواصي بذلك دائمًا. أثر نفسي: ما الأثر النفسي والاجتماعي الذي يمكن أن يتركَه كشْفُ عورة مريضة؟ ♦ أرى أنَّ هذا الأثر يمكن أن يتصوَّره الإنسان لو كانت المريضة قريبتَه؛ كأمِّه أو أخته، أو بنته أو زوجته، أو كان المريض قريبَه؛ كابنه أو أخيه.. إلخ. فهل يرضى أن يطَّلع الناس على عورة مريضته أو مريضه؟! وماذا يكون شعورُه عند ذلك؟! أتصوَّر أن شعورَه سيكون شعورَ مَن قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أترضاه لأمِّك؟!)) والمؤمن لا يرضى لأخيه إلاَّ ما يرضاه لنفسه. ولا شكَّ أنَّ التساهُل في كشف العورات، ونظر الفضوليين لعورات المسلمين والمسلمات، وأحيانًا تعليقاتهم الفاجرة والمجرمة على ما بين أيديهم من العورات - تُثير الغضبَ في نفس كلِّ مؤمن في قلبه غَيْرة، وربَّما تحدَّث هؤلاء الفُسَّاق مع أصحابهم بما شاهدوه، من غير خوفٍ من الله ولا مراقبة له، فمثل هؤلاءِ يستحقُّون أشدَّ العقوبات، والله المستعان. مستشفى للنساء فقط، هل يمكن تحقيقه أم هو مستحيل؟! تتعرَّض النِّساء لكثير من الحرج عند الذَّهاب إلى المستشفى، وقيام الأطباء بالاطِّلاع على عوراتهنَّ في أثناء الكشْف عليهن، وذلك بحُكم الواقع، وهذا يضطر بعضَ النِّساء إمَّا إلى عدم الذَّهاب إلى المستشفيات وتحمُّل الأمراض، أو أنهنَّ لا يسمحن للأطباء بعمل الفُحوصات التامَّة على المرض، وهو ما يؤدِّي في النهاية إلى النتيجة نفسِها. "المستقبل الإسلامي" تطرح في هذا التحقيق تعميمَ فكرة تخصيص مستشفيات للنِّساء، يقوم عليها العُنصر النِّسائيُّ في كلِّ أقسامها، والمرضى من النِّساء لَسْنَ بأقلَّ من عدد المرضى من الرِّجال، فهل هذا الأمر ممكن من الناحية العمليَّة؟ وهل هناك تجارِبُ واقعيَّةٌ موجودة للاستفادة منها؟ الدكتور طارق الشابوني - أستاذ الأمراض الباطنية بطب القصر العيني جامعة القاهرة - يَعتبرُ هذه الفِكرةَ جيِّدةً، وهي أُمنيَّة يجب العمل على إيجادها، وتعميمها في كلِّ مكان؛ لأنَّ مِن شأنها أن تحافظَ على كرامة المرأة، ولا تعرِّضها للحرج من اطِّلاع أجنبي على عورتها. وعليه؛ فإنَّ بعض النِّساء أحيانًا يُفضِّلنَ المرض على الذَّهاب إلى الطبيب؛ ولذلك يجب الإسراع في إنشاء مثل هذه المستشفيات. ويستدرك الدكتور الشابوني مؤكِّدًا أنَّ الأمر في الوقت الحالي سوف يواجه بعضَ المشكلات الخاصَّة بتوفير الأجهزة البشريَّة، خاصَّة أنَّنا في كثيرٍ من بُلدان العالَم العربيِّ نعاني نقصًا في توفير طبيبات في مختلف التخصُّصات، ونقصًا في فنيات العمليات والأشعة؛ لكن ما لا يُدرك كلُّه لا يترك جُلُّه، فيمكن البَدءُ في هذه المستشفيات، وإذا ما كان هناك عجزٌ - سواء في الأطباء أم في الفنيين - يُستعان بالمتخصِّصين من الرِّجال الأمناء فيها لفترة مِن الوقت، حتَّى يمكن استكمال هذا العجز لاحقًا؛ لأنَّ الفنيِّين يمكن تدريبهم في أشهر معدودة، أمَّا الأطباء ففي خلال عدَّة سنوات يمكن تحقيق الاكتفاء في ذلك، وإن بقيت تخصُّصاتٌ نادرة في هذه الحالة تستمر الاستعانة بالمتخصَّصين فيها. ويضيف الدكتور طارق أنَّ هذا الأمر ليس جديدًا، فهناك تجربةٌ بمصرَ؛ وهي كلية طبِّ الأزهر للبنات، فالطلبة والأساتذة من النِّساء، ويُستعان بالأطباء الذُّكور في حالات نادرة، وهي تجرِبة إن كانت لم تتعمقْ بصورةٍ كافية؛ لعدم الاهتمام الكافي بها، فإنَّها إذا ما وُضعت في بؤرة الاهتمام، فسوف نصل في فترة وجيزة إلى صورة طيِّبة في هذا الأمر، الذي هو أفضل للنِّساء والمجتمع، وسوف يكون الوقت جزءًا من العلاج. الرجال يعترضون: أمَّا الدكتورة إيمان حسن - المتخصِّصة بالأشعة، القصر العيني - فتقول: على رغم أنَّ تخصيص مستشفى خاصَّة بالنِّساء المريضات والعاملات سيغضب الأطباء الرِّجال، فإنَّ الفكرة جيِّدة وسوف تلقى رواجًا واستحسانًا لدى الناس عامَّة، وهذه الفِكرة موجودةٌ على أرض الواقع في بعض بُلدان العالَم، خاصَّة دولَ الخليج، ومنهم المملكة العربية السُّعودية، التي تعتبر رائدةً في فكرة فصل ال***ين في مجالات الطِّبِّ والتعليم، وقد أثبتتِ التجارِبُ أنَّ الاختلاط يجلب مشاكلَ اجتماعيَّةً كثيرة، وما انتشار الزَّواج العُرفي في بعض البلدان العربية إلاَّ لشيوع الاختلاط في المجتمع، كما يوجد غيابٌ لخصوصية المرأة في مؤسَّسات التعليم، أو الصحة، أو المواصلات، أو العمل، أو الشارع. وتقول الدكتورة إيمان: في الحقيقة حتى الدُّول الأوروبيَّة التي نأخذ عنها الانحلال والاختلاط تراعي المحافظة على الخصوصية. وتحكي الدكتورة إيمان قصة زوجة أحد الأطباء التي ذكرتْ لها - والتي كانت برفقة زوجها في أثناء فترة بعثته بإنجلترا لنيل درجة الدكتوراه - كيف أنَّها كانت عندَ دخولها المستشفى تُستشارُ؛ هل تطلب في فَحصِها طبيبًا، أم طبيبة؟ ويترك لها الاختيار الذي يُحترم وينفَّذ بدقة، ونتمنَّى أن تُحترم آدمية المرأة التي يَكشف عليها طبيبٌ، أو تضطرها الظروف القاهرة إلى الذَّهاب إلى مستشفى مختلط، يلاحظ فيه أنَّ الطبيبَ يفتح باب الغرفة التي فيها المريضة من دون استئذان، كأنَّها ليستِ امرأة بحاجة إلى أن تُستر. وأعتقد أنَّ التجارِبَ أثبتت أنَّ الفصل والتخصُّص أفضلُ لكلا ال***ين؛ لئلا نسمعَ كلَّ يوم عن سوء تصرُّف أخلاقي من طبيب مع مريضاته، وسنرى قريبًا كيف أنَّ الغرب سيلجأ إلى وسائلنا في حماية المجتمع من الرذائل بوضْعِ ضوابطَ للاختلاط، وفصْل ال***ين في مواضعَ معينة، وحينها سنصبح رائدين بوسائلِ الحماية، التي هي أصلاً من أخلاق الإسلام، وسوف يكون تعبير "للنِّساء فقط"، لا على المرحاض فقط؛ بل على المستشفى، وعلى كلِّ مكانٍ تريد المرأة أن تُعفَّ نفسَها فيه من وحل الانحلال. ترحيب عام: ربَّما يظنُّ بعض النَّاس أن المتدينين فقط هم الذين يُطالبون بأن تخصَّص مستشفيات للنِّساء؛ لكن الدكتورة أميرة عبد العليم، المتخصِّصة بأمراض النِّساء والتوليد - تُشير إلى أنَّ جميع الأُسر سوف ترحِّب بهذه الفكرة، وسوف تحرص معظم النِّساء على الذَّهاب إلى هذه المستشفيات دون غيرها؛ وذلك لحرصهنَّ على ستْر عوراتهنَّ، وكثيرٌ من الأزواج الذين يُرافقون زوجاتِهم إلى عيادات أمراض النِّساء التي تقوم عليها الطبيبات - ليسوا من المتدينين؛ بل هم أناسٌ عاديون من مختلف فئات المجتمع، فهم شرقيُّون، والشرقي بطبعه الممتزج بأخلاق الإسلام يَغارُ على أهلِه، وهم زوجته وابنته وأمُّه وأخته، وهو دائمًا يُفضِّل أن يبقين في الرُّكن الآمن المحافظ، حتى لا تضيع وتنتهك حرماتهنَّ. واليوم، وبعد مسيرة التعليم الطويلة التي حظيتْ بها البنت في بلادنا، أصبحَ لدينا نحن - المسلمين - كفاءاتٌ نِسائيَّة متنوِّعة في جميع التخصُّصات، لا في مجالات النِّساء والتوليد فقط، وتذكر الدكتورة أميرة مثلاً لذلك: أنَّها في حالات التوليد التي تقوم بها تستعين بطاقمٍ نسائيٍّ كامل متميز، بما فيه طاقم التخدير؛ ولذلك فليس معنى مستشفى للنِّساء فقط أن يكون مستشفى للولادة، وإنَّما مستشفى يَجمع كلَّ التخصُّصات الطبيِّة التي تحتاج إليها المرأة؛ كالعيون، والأنف والأذن، والباطنية، والمسالك البوليَّة، وغيرها من التخصُّصات الطبيَّة، حتَّى الجراحة التي كان يُعتقد قديمًا أنَّها تخصُّصٌ رجاليٌّ بالاحتكار، فالمرأة اليوم دخلتْ هذا المجال، وحقَّقت فيه تفوُّقًا كبيرًا؛ ولذلك فإن "مستشفى للنساء فقط" بكل التخصُّصات سيوفِّر أطقمًا نسائيَّة طبيَّة تملأ كلَّ فراغاته، وسيحقِّق السعادة والطُّمأنينة لدى الأسرة الشرقيَّة التي ما زالت تشعر بالأمان مع كلِّ فكر محافظ يحمي حرمات الزوجة، والأم، والابنة، والأخت من الانتهاك. قسم وليس مستشفى: أمَّا الدكتور عبدالفتاح رزق - عضو مجلس نقابة أطباء مصر - فيخالف مَن سبق في رأيه، ويَعتبر أنَّ الواقع الآن غير قابل للتطبيق الكامل لهذه الفِكرة؛ ولذلك يجب اتِّباع ضوابط وأخلاقيات الإسلام التي أقرَّتْها مواثيقُ شرف المهنة، ويرى أنَّ المهنة الطِّبيَّة هي مهنةٌ إنسانيَّة بالدرجة الأولى، والأصل فيها أنَّها تزيدُ مِن إيمان مَن يُمارسها بالله - عزَّ وجل - فهو يرى كلَّ يوم إعجازَ الله في خلقه. وهناك ضوابطُ ومعاييرُ يجب أن يتبعها الطبيبُ؛ سواء كان رجلاً أم امرأة، وقد ورد ذلك في ميثاق شرف المهنة؛ بل ظهر مؤخَّرًا ما يُسمَّى بالدستور الطبيِّ الإسلامي، وهذا ما يجب أن يسودَ بين الأطباء. والمطالبة بوجود مستشفى خاصٍّ بالنِّساء فكرةٌ جيِّدة من حيثُ الشكل، إلاَّ أنَّ تطبيقَها غير ممكن الآن، كما أنَّها ليستِ الفُضْلَى الآن في كلِّ الحالات، خاصَّةً في بعض التخصُّصات التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة؛ مثل: تخصُّصات جراحة العظام، والأورام التي تحتاج إلى تدريب شاقٍّ، وخبرة قويَّة، ومجهود كبير؛ لكن هناك تخصُّصات أخرى يمكن أن تُجيد فيها المرأة؛ مثل طِبِّ الأطفال، وجانب كبير من النِّساء والتوليد، والأمراض الجِلديَّة والباطنيَّة، وغيرها من التخصُّصات التي لا تستغرق وقتًا طويلاً في أثناء العلاج، كما أنَّ المجهود فيها يكون أقلَّ. ومن الناحية الواقعيَّة - يضيف رزق - فأقلُّ مستشفى يحتوي على 50 سريرًا للمرضى تحتاج إلى 400 فرد من الأطباء والممرضين والموظفين والعُمَّال، مع مراعاة أنَّ هناك كثيرًا من التخصُّصات التي ذكرتها يندُر فيها وجود طبيبة متخصِّصة وذات كفاية، وهذا ليس نقصًا أو تقليلاً من كفاية النِّساء وقدراتهن، فتخصُّصٌ مثل جراحة العِظام - مثلاً - يحتاج إلى تدريب شاقٍّ لمدة خمس سنوات بدوامٍ لا يقلُّ عن 15 ساعة يوميًّا، وهو ما لا تتحمَّله النِّساء، وإذا ما وُجدت طبيبة في هذا التخصُّص فهي ذات كفاية أقلَّ، وهذا في كلِّ دُول العالَم، وليس في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة فقط، هذا بالإضافة إلى نسبة الفتيات في كليات الطبِّ تكون ثلث نسبة البنين، وبعد التخرُّج قد لا يمارس المهنة منهنَّ 10%، وكلَّما تقدَّم السِنُّ فضلَّتِ الطبيبة الأسرةَ على ممارسة المهنة؛ ولذلك يصعُب أن يوجد مستشفى كاملٌ خاصٌّ بالنِّساء، لكن يمكن أن يكون هناك أقسامٌ خاصَّة بهنَّ في حدود المتاح. يتبع |
#4
|
||||
|
||||
|
العلامات المرجعية |
|
|