#1
|
||||
|
||||
الثورة البيولوجية بين حكمة الشرع وجنوح العلم
الثورة البيولوجية بين حكمة الشرع وجنوح العلم د. حسني حمدان الدسوقي حمامة لعل أروع ما في مشروع جينوم البشري، هو كشف سر علمي قرآني عن تقدير الإنسان في النطفة التي استودع الخالق عز وجل فيها صبغة الإنسان، والجينوم البشري سلاح ذو حدين: حد قد يحمل في طيَّاته ثورة طبية في الوقاية، والتشخيص والعلاج، ولكنه مَحوط بالكثير من المخاطر، وحد قد يتسبَّب في هلاك البشر، حينما يجنح العلم إلى اللعب بالمورثات دون الالتزام بالقيم الأخلاقية، أو الشرائع السماوية، فيترك لتقنيات الخلق الجيني بين الأنواع المختلفة المجال لتغيير خلق الله، وقد تثير قراءة الشفرة الوراثية للبشر قلقًا شديدًا، حينما يعرف الإنسان عن حاضره ومستقبله ما يقلقه، وأخطر ما في الثورة البيولوجية هو الاستنساخ البشري بشقيه: العلاجي والتوالدي. والنوع الثاني يحمل خطرًا شديدًا قد يسبِّب الهلاك للبشرية، ويقضي على منظومة القيم الخلقية وقوانين الشرائع السماوية، ولن يجني الإنسان من وراء جنوح العلم في مجال الثورة البيولوجية سوى الخسران المبين، ومِن ثَمَّ فعلى العقلاء من العلماء، وعلى مجالس الفتوى - خاصة المجامع الإسلامية منها - أن تضع القوانين والفتاوى التي تكبح جموح العلم، وتأخذ بالمفيد منه الذي لا يتعارض مع الشرع الإسلامي، وتعارض بل وتحرم ما لا يُقره الإسلام. الجينوم البشري: من آيات الله في خلقه النطفة، التي منها خُلق الإنسانُ، وفيها تقدير خلق الإنسان، ويعد اكتشاف الخريطة الوراثية للبشر المعلن في 26يوليو/2000م، شهادة على أن الله هو الحق. ففي ذلك التاريخ، اكتشف العلم أن جميع ملامح خلق الإنسان، توجد في نواة الخلية الجسدية؛ حيث توجد الشفرة الوراثية التي يحتوي كودها على 100،000مُوِّرِث (جين)، تنتظم خيطًا حلزونيًّا دقيقًا، يبلغ طوله قرابة المترين ناتج عن فتل 23 زوجًا من الصبغيات (الكروموزومات)، خُلقت أزواجًا (شكل: 1)، ورب العالمين أخبر الناس بتلك الحقيقة حين نزول القرآن، والحقيقة هي أن تقدير خلق الإنسان في الخلية الأولى للإنسان، التي هي مشيج مكون من نطفتي الرجل والمرأة، وسبحان من يشهد له بالوحدانية العلم والعلماء، ومن أحسن من الله قيلًا؛ حيث يقول: ï´؟ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ï´¾ [عبس: 17 - 19]. أبجدية الحياة: أربعة قواعد نيتروجينية: أدنين، جوانين، ثايمين، سيتوزين، تمثل حروف لغة الحياة، يرتبط الأدنين مع الثايمين، والجوانين مع السيتوزين، خُلِق بقدر، هكذا خُلقنا أزواجًا، والسر في خلق الإنسان أن كل عناصر خلقه أزواجًا أصل قرآني يهدي العلماء للبحث إلى الأزواج في خلق الإنسان؛ مصداقًا لقوله تعالى: ï´؟ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ï´¾ [النبأ: 8]. الجينوم عرق: من الاستخدامات الواعدة للجينوم البشري تحديد البنوة، عن طريق تطابق البصمة الوراثية للجنين وللأبوين، هذا كشف أبان عنه العلم في أواخر القرن العشرين، وليس ذلك إلا صدًى لحديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (تخيَّروا لنُطفكم؛ فإن العرق دسَّاس). ألا فلتسمع الدنيا حديث النبي، ولتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طبَّق الحديث في دنيا الناس. ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وأحمد أنه: جاء إليه رجل من بني فزارة يقول له: ولدت امرأتي غلامًا أسود، وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل لك من إبل؟) قال: نعم، قال: (فما ألوانها؟) قال: حمر، قالهل فيها من أورق؟) قال: إن فيها لورقًا، قال: (فأنَّى ذلك) قال: عسى أن يكون نزعة فقال: (عسى ولدك أن يكون نزعة عرق)، ولم يرخص له الانتفاء منه، (الورق: ذو اللون الرمادي) شكل(1): الصبغيات والمورثات، وشفرة الحياة. شكل (1): الصبغيات والمورثات وشفرة الحياة. الجينوم والميثاق: أثبت علم حياة الجزيئات (Molecular Biology) عن طريق دراسة الحمض النووي في الميتوكوندريا في بُويضة المرأة أن حواء أم البشر الحاليين (Eve the common Ancestor of all humans)، على النحو الذي ذكرته من قبل، ويساعد الجينوم البشري في تتبُّع شجرة حياة البشر إلى أن يقر بأننا كلنا لآدم، وصدق الله حيث يقول: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ï´¾ [النساء: 1]. وقد أخذ ربُّ العالمين العهد والميثاق على بني آدم، مُشْهِدًا إياهم على ربوبيته، وفطر كل خلية وهن نُطَف في ظهور الآباء على فطرته، فجاء الخلق كله مسلمًا لله، وصدق تعالى حيث يقول: ï´؟ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 172]. وإذا كان علماء الجينوم يرون أن الصفات الجسمانية والسلوكية مقدرة في الخلية البشرية، فإن الله سيجعلهم يكتشفون مورثات (جينات) الفطرة التي فطَر الناس عليها مطبوع فيها: "لا إله إلا الله"، ولكن الكثير من الناس يكفرون بتلك الحقيقة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول: (يولد المولود على الفطرة، وأبواه يهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجسِّانه)، والفطرة هي الإسلام لله، فهل يرتفع علماء الجينوم البشري إلى الدرجة التي وضعهم فيها ربُّ العالمين، حينما جعل من العلماء شهداءَ على وحدانية الله، وفي ذلك يقول تعالى: ï´؟ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ï´¾ [آل عمران: 19]. جينوم واحد يدل على أناسي كثيرة: جينوم واحد في جميع خلايا الجسم قوامه 100 ألف موَّرِث (جين)، ولكن جميعها مُشفرة إلا من بعضها، التي تعمل وَفق إرادة عليها لتتخصص في أنسجة بعينها؛ لتكون خلايا القلب أو الكبد، أو العصبونات...إلخ. سبحانه وتعالى واحد يخلق جينومًا واحدًا مميزًا للنوع الواحد مفرداته واحدة، ويخلق منه أفرادًا كثيرة غير متشابهة؛ ليكون ذلك شهادة على الإله الواحد الذي ليس كمثله شيء، وعلى الرغم من اشتراك البشر في جينوم واحد، فإن كل فرد يتميز بذاته عن سائر الخلق سبحانه، دال باختلاف خلقه على ألا شبه له، وصدق تعالى حيث يقول: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ï´¾ [فاطر: 27، 28]. وفي قراءة الجينوم نفْعٌ: قد يفتح الجينوم أبواب نفع للإنسان في مجالات الطب، خاصة العلاج الجيني، ويتم ذلك عن طريق إدخال مورث إلى الصبغي في الخلية، وفي الجراحة الجينية؛ إما أن تزيح جينًا معطوبًا، وتضع مكانه مثيلًا سويًّا، أو يستخلص مورثًا (جينًا) سويًّا من إنسان سوي، وزرعه والحصول على إفرازاته لمريض لا يفرز مورثه هذا الإفراز. وهناك مجالات أخرى مثل استخدام التحليل الوراثي (الجيني) في الطب الشرعي، والكشف عن الجرائم، واستخلاص أدوية جديدة، وزراعة الأعضاء... إلخ. وفي قراءة الجينوم قلقٌ: هل يسعد البشر معرفة ما يُخبئه لهم سجلهم الوراثي، أم أن كل شيء كان هيِّنًا حتى استحدث الأساتذة به أرقًا، ومن المقلق حقًّا أن تخبر شابًّا ما بأنه سيصاب في الأربعينيات بعلة جينية، فيظل قلقًا لسنوات عدة في انتظار مرض قادم، وقد يكون انتظار الهم في حد ذاته همًّا، وإنه لقلق أن يعرف الإنسان أن مورثًا ما سيُحدث له مرضًا في قلبه في سن الخامسة والخمسين من عمره، أليس من الأحسن أن تجعله يعيش تلك السنوات بلا قلق، ثم يحدث بعد ذلك ما لا قد يحدث، وإذا كان الإنسان بطبعه عجول، يَؤُوس، قنوط، كنود، فلماذا تُنشط تلك الصفات بقراءة غيب في الجينوم قد يحدث وقد لا يحدث، والإنسان القَلِق الآيِس من رحمة الله، قد يلجأ إلى إجهاض الأجِنَّة قبل نموِّها، لمجرد أن قارئ الجينوم قد أخبره بأن الجنين لو عاش لأُصيب بعلةٍ ما، بعد خمسين سنة من ولادة الجنين، مع أن الخمسين سنة عمر مفيد، وقد تكون خصبةً، ومن مساوئ كشف المستور الوراثي (الجيني) ديمقراطية النسل، بمعنى أن ينجب الناس حسب المطلوب لا حسب المقسوم. إن من الخير أن يأتي المولود وَفْق مشيئة الله لا وَفْق الكتالوج، وفي ذلك يقول العالم مورلي في مجلة أمريكا للعلوم: (إن نماذج علم تحسين النسل هي برامج مستطيرة الشرور، إنها لن تصبح في المستقبل أقل شرًّا لمجرد أن علم الوراثة قد غدا اليوم أكثر شأنًا. إننا في حاجة إلى أن نكون في غاية الإدراك والوعي لما نتناوله ونخوض فيه، وحينما يشترط أصحاب الأعمال تحليل الجينوم في الشخص المتقدم لشغل وظيفة ما، قد يغلق باب من أبواب الرزق في وجه العامل، إذا أفاد تحليل الدنا أنه سيصاب بفيروس الكبد الوبائي - سي - في المستقبل. ترى كم سيصاب الكثير من الناس في أرزاقهم، لو طُلِب منهم تحليل وقراءة الجينوم الخاص بهم؟ حينئذ قد تغلق أمامهم فُرَص العمل، وقد لا تقبل شركات التأمين أن تؤمِّن عليهم، أو قد يُحرمون من التعليم في مجالات معينة، قد يكون من المرجح أن يتفاقم التوتر بين التقدم العلمي وبين الرغبة في العودة إلى نمط حياة يسيرة أكثر طبيعيةً، وقد يرفع البشر في مواجهة كشف أسرار كود وراثته شعارًا: من فضلك دعني أعش بعيدًا عن القلق حتى يتوفاني الله. الجينوم وشجرة الحياة الملعونة: نعم مات دارون وماتت نظريته عن تطور الخلائق بالسكتة القلبية، وفشل معاصروه وأتباع أفكاره حول رسم شجرة حقيقية للحياة كما ذكرت من قبلُ، وللأسف الشديد تطل الدارونية برأسها القبيح من جديد كما أسلفت من قبلُ، وفي الوقت الذي أصبح معروفًا الآن أن لكل نوع من الكائنات خريطة وراثية تُميزه عن غيره من الأنواع، إلا أن الدارونيين الجُدد يرون في تقارب جينات الأنواع المختلفة دليلاً على خروجهم من بعض، استنادًا على تسلسل جيني مزعوم، وللأسف بعد مائة عام قادمة سوف يكتشف الناس زَيف التسلسل الجيني، ويدركون أن كل نوع قد خُلِق ومعه جينومه الذي يُميزه عن سائر الأنواع، ويصدق في حق الدارونيين القدامى والجدد قول الله تعالى: ï´؟ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ï´¾ [الأنعام: 28]. والشجرة التي نالت الإجماع ليست سوى تصوُّر مُفرط التبسيط، أما عن السلف المشترك للحياة، فقد ثبت أنه "ليس بإمكان السلف أن يكون كائنًا حيًّا بعينه، أو سلالة حية مفردة، وهذه حقيقة جيدة؛ لأن كل شيء جاء إلى الحياة من زوجين، ولم تتسلسل الأزواج إلى غيرها؛ مصداقًا لقوله تعالى: ï´؟ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ï´¾ [الذاريات: 49]، لقد أخفَق أصحاب دارون الجُدد في رسم شجرة الحياة؛ لأنهم حاولوا تشييدها بعيدًا عن الذي خلق الأزواج كلها. إذًا فالجينوم ذو حدين كما رأينا؛ مرة استخدم في قضية شجرة الحياة؛ ليثبت أن كل نوع له محدداته الجينية، ومرة يستخدم للخداع في رسم الشجرة تحت ادعاء باطل، هو ما يسمى حاليًّا بالتسلسل الجيني، من قبل قالها صنم الإلحاد دارون عن التسلسل الشكلي فضلَّ وأضلَّ، واليوم امتطى المحدثون التسلسل الجيني، واعتبروه أساسًا لارتقاء الكائنات بعضها من بعض؛ وفقًا لتقارب كودها الجيني، ومن هنا نحذر الباحثين من الانخداع بذلك، نعم يوجد تنوُّع وتقارب في المورثات، ولكن كل يمثل خلقًا جديدًا خاصًّا، وسبحان من أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى! سبحان الخالق العظيم! سبحان الله ربِّ العالمين! مصانع للخلود: مما لا شكَّ فيه أن المصانع من مُعطيات الثورة الصناعية، ومادة (صنع) ليست غريبة على القرآن الكريم، فقد وردت تسع عشرة مرة؛ منها ما هو قريب من مجال الصناعة المعهودة، فنوح عليه السلام صنع الفلك على أعين الله، وداود عليه السلام علمه الله صنعة لَبوس أداة للحرب، وأيضًا دمَّر الله ما كان يصنع فرعون وأبطل صناعة سحرته، ولكن إشارة القرآن إلى مصانع يتخذها أصحابها بُغية الخلود، شيء يستحق التأمل حقًّا؛ حيث يقول الله في معرض الحديث عن قوم عاد: ï´؟ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ï´¾ [الشعراء: 128، 129]، وقيل في تفسير الجامع لأحكام القرآن الكريم للإمام القرطبي، المصانع: القصور المشيدة، ومآجل للماء تحت الأرض، والحصون، والبناء، وفي مختصر ابن كثير ذكر أن المصانع: البروج المشيدة، والبنيان المخلدة، ومآخذ الماء، وفي ظلال القرآن يقول سيد قطب (رحمه الله): إن عادًا قد بلغت من الحضارة الصناعية مبلغًا يُذكر، حتى لتتخذ المصانع لنحت الجبال وبناء القصور، وتشييد العلامات على المرتفعات، حتى ليجول في خاطر القوم أن هذه المصانع وما ينشئونه بواسطتها من البنيان كافية لحمايتهم من الموت، ووقايتهم من مؤثرات الجو ومن غارات الأعداء، وفي المنتخب: تتخذون قصورًا مشيدة منيعة، وحياضًا للماء، مُؤمِّلين الخلود في هذه الدنيا كأنكم لا تموتون. وغنيٌّ عن الذكر مفهوم المصانع في أيامنا هذه، إلا أن ما استرعى نظري هو الربط بين المصانع والرغبة في الخلود في الدنيا، ومن قبل نشأت شركات الأدوية، واليوم شركات ومصانع التقنية الحياتية؛ من مثل: شركة تقنية الخلية المتقدمة (Advanced cell technology)، وشركة الاستنساخ كولنيد التي تهدف إلى استنساخ البشر أملًا في وهم كاذب وهو الخلود في الدنيا. تغيير خلق الله: سجَّل القرآن الكريم محاولة إغواء الشيطان للعباد لتغيير خلْق الله؛ حيث يسجِّل القرآن ملامح هذا الإغواء في آيات تصف محاولات العابثين في خلق الله قديمًا وحديثًا، ومنذ نزول القرآن والمسلمون يقرؤون قوله تعالى: ï´؟ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ï´¾ [النساء: 117 - 120]. فالشيطان يُضل، ويُمنِّي، ويأمر أتباعه بتغيير خلْق الله، ويُحذر الله تعالى أولياء الشيطان من الخسران المبين في الدنيا وسوء العاقبة في الآخرة، إن أطاعوه وعصوا الله. وفي معنى ï´؟ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ï´¾، قال العلماء: إن تغيير الخلق هو الخصاء وَفْقء العين، وقطع الآذان، وفي حديث مسلم: (وأني خلَقت عبادي حُنفاء كلهم، وأن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم، فحرَّمتْ عليهم ما أحلَّتُ لهم، وأمَرتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا، وًامرتْهم أن يغيروا خلقي)، (اجتالتهم: صرفتهم عن الهدى)، وقالت طائفة: المراد بالتغيير لخلْق الله هو أن الله تعالى خلق الشمس والقمر، والأحجار والنار، وغيرها من المخلوقات؛ ليُعتبر بها، ويُنتفع بها، فغيَّرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، والتغيير هنا فسر بالمجاز، فصرف حقيقة اللفظ إلى مجازه، وفهمت طائفة من العلماء تغيير خلق الله بانحراف الفطرة عن دين الإسلام، ورأى بعض العلماء تغيير خلق الله بالأفعال التي وردت في الحديث الصحيح عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله الواشِمات والمستوشِمات، والنامِصات والمتنمِصات والمتفلِجات للحسن، المغيرات خلقَ الله). والحديث يشير إلى التغيير في الشكل الخارجي، ويقاس عليه في أيامنا هذه عمليات التجميل وشد الوجه، وتغيير شكل الأنف، وما شاكَل ذلك، وقد يأتي التغيير في خلق الله عن طريق العبث بالشفرة الوراثية، أو تغيير خلق الله في طريقة الإنجاب باستحداث ما يسمى بالاستنساخ البشري التوالدي (شكل:75)؛ يقول تعالى: ï´؟ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ï´¾ [عبس: 17 - 19]. |
العلامات المرجعية |
|
|