#1
|
||||
|
||||
العلم أول أمر أنزل من عند الله، والكتابة أصل العلم
العلم أول أمر أنزل من عند الله، والكتابة أصل العلم
فتحي حمادة العلم أول أمر أنزل من عند الله والكتابة أصل العلم ولولاه ما استقامت أمور الدين جاء في تفسير الطبري: وقوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]؛ يقول: اقرأ يا محمد، وربك الأكرم. ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 4]؛ خَلَقَهُ للكتابة والخط. كما حدَّثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، قرأ حتى بلغ ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾؛ قال: القلم نعمة من الله عظيمة، لولا ذلك لم يقم ولم يصلح عيش. جاء في تفسير ابن كثير: فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهُنَّ أول رحمة رَحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من عَلَقة، وأن من كرمِهِ-تعالى- أنْ عَلَّم الإنسان ما لم يعلم، فشرَّفَه وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان، ذهني ولفظي ورسمي، والرسمي يستلزمهما من غير عكس؛ فلهذا قال: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 3 - 5]، وفي الأثر: قيِّدوا العلم بالكتابة، وفيه أيضًا: "مَن عمل بما علم؛ رزقه الله علمَ ما لم يكن يعلم". جاء في تفسير القرطبي: قيل: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ ﴾؛ أي: اقرأ يا محمد، وربك يعينك ويفهمك وإن كنت غير القارئ. و﴿ الْأَكْرَمُ ﴾ بمعنى المتجاوز عن جهل العباد. قوله -تعالى-: ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾؛ فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله -تعالى-: ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾؛ يعني: الخط والكتابة؛ أي علَّم الإنسان الخط بالقلم؛فدلَّ على كمال كرمه - سبحانه - بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبَّه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو،وما دوِّنت العلوم، ولا قيِّدت الحكم، ولا ضُبِطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا. وسمي قلمًا؛ لأنه يقلم؛ أي: يقطع، ومنه تقليم الظفر. وقال بعض الشعراء المحدثين - يصف القلم -: فَكَأَنَّهُ وَالْحِبْرُ يَخْضِبُ رَأْسَهُ شَيْخٌ لِوَصْلِ خَرِيدَةٍ يَتَصَنَّعُ لِمَ لَا أُلَاحِظُهُ بِعَيْنِ جَلَالَةٍ وَبِهِ إِلَى اللَّهِ الصَّحَائِفُ تُرْفَعُ وعن عبدالله بن عمرو قال: يا رسول الله، أأكتبُ ما أسمع منك من الحديث؟ قال: ((نعم فاكتب، فإن الله علَّم بالقلم)). وروى مجاهد عن أبي عمر قال: خلق الله - عزوجل - أربعة أشياء بيده، ثم قال لسائر الحيوان: كن فكان؛ القلم، والعرش، وجنة عدن، وآدم - عليه السلام. وفيمن علَّمه بالقلم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه آدم - عليه السلام - لأنه أول مَن كتب؛ قاله كعب الأحبار. الثاني: أنه إدريس، وهو أول مَن كتب؛ قاله الضحاك. الثالث: أنه أدخل كل مَن كتب بالقلم؛ لأنه ما علم إلا بتعليم الله - سبحانه - وجمع بذلك نعمته عليه في خلقه، وبين نعمته عليه في تعليمه، استكمالاً للنعمة عليه. الثانية: صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة، قال: ((لما خلق الله الخلق كتب في كتابه - فهو عنده فوق العرش -: إن رحمتي تغلِب غضبي)). وثبت عنه - عليه السلام - أنه قال: ((أولُ ما خلق الله القلمُ، فقال له: اكتبْ، فكتب ما يكون إلى يوم القيامة، فهو عنده في الذكر فوق عرشه)). وفي الصحيح من حديث ابن مسعود: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا فصوَّرها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظمها، ثم يقول: يا رب، أذَكَر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب، أجلُه، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب، رزقُه، ليقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أُمِر ولا ينقص، وقال -تعالى-: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 10 - 11]. قال علماؤنا: فالأقلام في الأصل ثلاثة: القلم الأول: الذي خلقه الله بيده، وأمره أن يكتب. والقلم الثاني: أقلام الملائكة، جعلها اللهُ بأيديهم يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال. والقلم الثالث: أقلام الناس، جعلها الله بأيديهم، يكتبون بها كلامهم، ويَصِلون بها مأربهم. وفي الكتابة فضائل جمة، والكتابة من جملة البيان، والبيان مما اختص به الآدمي. الثالثة: قال علماؤنا: كانت العرب أقل الخلق معرفة بالكتاب، وأقل العرب معرفة به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، صُرِف عن علمه؛ ليكون ذلك أثبتَ لمعجزته، وأقوى في حجته. |
العلامات المرجعية |
|
|