|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
القاف والهمزة في اللهجات العربية
القاف والهمزة في اللهجات العربية - الدكتور رمضان عبد التواب - خبير بلجنة اللهجات يُعد صوت القاف من الأصوات التي عانت كثيرًا من التغييرات التاريخية(1)، في اللغة العربية فإن مقارنة اللغات السامية، تدل على أنه صوت شديد مهموس، ينطق برفع مؤخرة اللسان، وإلصاقها باللهاة، لكي ينحبس الهواء عند نقطة هذا الالتصاق، ثم يزول هذا السد فجأة، مع عدم حدوث اهتزازات في الأوتار الصوتية، ففي العبرية مثلا: قُول Kإچl ، وفي الآرامية: قالا kàlà ، وفي الحبشية: قَالْ kؤپl، بمعنى: "صوت"؛ في الجميع، وهو يقابل في العربية: "قَوْل"، وفي الآشورية: قُولُ kulu بمعنى "صراخ"(2). وقد عدّ قدماء اللغويين العرب " القاف " من الأصوات المجهورة(3) في العربية الفصحى، فإن صدق وصفهم إياها بالجهر، كان ذلك النطق من التغييرات التاريخية في العربية القديمة. وقد بقي هذا النطق المجهور في أغلب البوادي، في اللهجات العربية المعاصرة(4). وإن تقدم مخرجه إلى الأمام قليلاً وأصبح كالكاف الفارسية. غير أن هناك تغييرات أخرى كثيرة، طرأت على هذا الصوت في البلاد العربية، فهو ينطق صوتًا مزجيًّا ( affricate ) كالجيم الفصيحة، في بعض بلدان الخليج العربي كالبحرين، فقد سمعت بعض أهلها يقولون:" الجِبْلة " بدلا من: " القِبْلة ". كما ينطق في مدينة " الرياض " ونواحيها، في الجزيرة العربية، صوتًا مزجيًّا كذلك، غير أنه مكون من الدال والزاي ( dz ) في مثل قولهم : " دْزِبْلة " في " قِبلة " و" دزليب " في " قليب " وغير ذلك مما سمعته بنفسي هناك . وفي السودان، وجنوبي العراق، تحول نطق القاف إلى غين، ففي حديث إذاعي مع أحد السودانيين، وفي إذعة ركن السودان بالقاهرة، في شهر مارس 1978 وردت الكلمات التالية: لغاء، وغناة، ويغدر، والديموغراطية، وعلاغة، واغتصادي، وانتغلت، والاستغلال بدلاً من: لقاء، وقناة، ويقدر، والديموقراطية، وعلاقة، واقتصادي، وانتقلت، والاستقلال ... وفي اللهجة المصرية كلمتان قلبت فيهما القاف غينًا على هذا النحو هما: " يغدر" ومشتقاتها، بدلاً من: " يقدر ". و " زغزغ " بمعنى: حرك يده في خاصرة الصبي ليضحكه. والأصل فيها في العربية الفصحى: " زقزق " (5). كما تطورت القاف إلى " كاف " في نطق الفلسطينيين في المدن(6) فهم يقولون مثلاً: " كان " في " قال " و " برتكان " في: " برتقال " و " كتلته كتل " في: " ***ه ***ا "، وغير ذلك. والتعليل الصوتي لكل هذه الانقلابات، سهل ويسير، فتأثير " قانون الأصوات الحنكية "(7) واضح في انقلاب القاف إلى نطق مزجي، في بعض بلدان الخليج ( كالجيم الفصيحة )، وفي الرياض وضواحيها ( دز ) . والدليل على ذلك أن القاف لا تعاني من هذا القلب، إلا إذا وليتها كسرة، تمامًا كما يتطلب هذا القانون(8). كما أن ضياع الانفجار من القاف، وتزحزح مخرجها إلى الأمام قليلاً، هو المسئول عن انقلابها غينًا في نطق أهالي السودان وجنوبي العراق . وكذلك انقلابها كافًا في نطق الفلسطينيين ليس إلاَّ تزحزحًا في مخرجها قليلاً إلى الأمام، مع ترقيقها، واحتفاظها بصفة الشدة في نطقها. هذه هي بعض التغييرات التاريخية لصوت القاف في اللهجات العربية المعاصرة، والتعليل الصوتي لحدوثها، غير أن ما يهمنا هنا هو انقلاب القاف همزة في لهجة القاهرة، وبعض اللهجات الأخرى. ويبدو أن هذا النوع من التطور في القاف قديم في اللغات السامية، فقد نقل ( بروكلمان )(9)عن ( ليتمان )(10) أن القاف تحولت في أعلام " الفينيقية " في بعض الأحيان إلى همزة، ثم سقطت، كما سقطت الهمزات الأصلية في الفينيقية، فمثلاً: العلم الفينيقي: Himalkart " حِمَلْقَرْت " تحول إلى Himalar " حِمَلرْ ". والعلة الصوتية في هذا التطور، تتلخص في أن مخرج القاف، انتقل إلى الخلف " باحثًا عن أقرب الأصوات شبهًا به من الناحية الصوتية، فتعمق القاف في الحلق عند المصريين، لا يصادف من أصوات الحلق ما يشبه القاف، إلا الهمزة، لوجود صفة الشدة في كل منهما "(11). ولعل هذا التطور كانت له بداياته، في عصور الفصاحة، فقد أوردت المعاجم العربية، وكتب اللغة ، مجموعة من الألفاظ، رويت لنا مرة بالقاف، وأخرى بالهمزة، والمعنى فيهما واحد، وفيما يلي بعض هذه الألفاظ: 1- يقال: قَشَبَه بشرٍّ، وأَشَبَه به، يعني: لامه وعابه ( ما اختلفت ألفاظه للأصمعي 18 – 19، والإبدال لأبي الطيب 2/561 ). 2- القَفْز، والأفْزْ، بمعنى: الوثب ( الإبدال لأبي الطيب 2/562 ). 3- القوم زُهاق مائة، وزُهاء مائة، أي قريب من ذلك ( الإبدال لأبي الطيب 2/562، ويرى ابن فارس في المقاييس 3/33 أن الهمزة هنا هي التي أبدلت قافًا ). 4- يقال: زَنَّقَ على عياله، وزَنَّأَ عليهم، إذا ضيق عليهم فقرًا أو بخلاً ( لسان العرب – زنق 12/11 زنأ 1/84 ). 5- روى ابن السكيت: قَرَم يقْرم قرمًا، إذا أكل ضعيفًا ( اللسان/ قرم 15/373 )، وهو قريب مما رواه ثعلب: أرَمَ ما على المائدة يأْرِمه، أي أكله (اللسان/ أرم 14/279 ). 6- القَصْر: الحبس ( اللسان/ قصر 6/407 ) وروى الكسائي:" أصَرَني الشيء يأصرني: حبسني. وأصرْت الرجل على ذلك الأمر: أي حبسته ( اللسان/ أصر 5/82 ). 7- يقال : تأبّض وتقبّض، يعني شد رجليه ( اللسان – أبض 8 – 279 ). 8- روت المعاجم :" الوَقْبة: نقرة في الصخر يجتمع فيها الماء " ( اللسان – وقب/2/301 ). وهو قريب من قولها أيضًا: " الوأبة: النقرة في الصخرة تمسك الماء" ( اللسان/ وأب – 2/290 ). 9- روى أبو عمرو الشيباني " الفَشَق: انتشار النفس من الحرص " (الصحاح/ فشق 4/1544 )، ولعل لهذا علاقة بقولهم: " تفشأ الشيء، أي انتشر " (الصحاح/فشأ 1/63 ) وقد تكون الصيغة الأخيرة ناتجة بسبب الحَذْلَقَة في اللغة (Hyperurbanismus ) من " تَفَشَّى " بلا همز!! 10- قفخته على الرأس ( الصحاح/ قفخ /1/429 ) ويقال: " أفخته: ضربت يافوخه، وهو الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل " ( الصحاح / أفح1/419). أما انتشار هذه الظاهرة في اللهجات العربية الحديثة، فيذكر المستشرق ( شيتا ) في كتابه عن اللهجة المصرية(12)، أن " القاف قلبت همزة في القاهرة وضواحيها، وفي القليوبية، والواسطى وجزء كبير من الفيوم، وبعض البلاد العربية الأخرى، وعلى الأخص في سوريا ". ويزيد عيه بروكلمان(13)، أن ذلك " التحول في صوت القاف إلى همزة، يوجد كذلك في: تلمسان، وشمالي مراكش(14)، وعند اليهود في شمال إفريقيا، وكذلك في اللغة المالطية، في معظم الأحوال". وإن كان الشيخ محمد علي الدسوقي يتعجب من أن " أهل جزيرة مالطة ينطقون بالقاف في جميع كلماتهم، التي ورثوها عن العرب الفاتحين، مع أن أهل مصر يستنكفون عن النطق بها " (15). ويخبرنا ( برجشتراسر ) في الأطلس اللغوي الذي عمله لسوريا وفلسطين سنة 1915م بأن " نطق القاف همزة، يسود معظم مدن سوريا وفلسطين، فيما عدا القليل، ومه ذلك يوجد نطق القاف في المدن أحيانًا بين غير المتعلمين"، كما ينقل عن ( ليتمان ) قوله: " إن المسيحيين في حلب لا ينطقون إلا الهمزة، على العكس من المسلمين الذين لا ينطقون هناك إلا القاف " كما يقول ليتمان: " وقد سمعت الهمزة من يهودي متعلِّم، والقاف من مسلم غير مثقف "(16). هذا .. ومما يلفت النظر أن كثيرًا من اللهجات التي قلبت فيها القاف همزة، لا تحتفظ بنطق الهمزات الأصلية في اللغة. ويبدو أن ترك هذه الهمزات الأصلية، تم في فترة قديمة، ولم يكن إلا امتدادًا للهجات الحجازية القديمة في تسهيل الهمزة. تم توقف هذا التغير بعد فترة فما دام التغير قد أصاب جميع الكلمات، التي تقع تحت طائلته، يصبح القانون الذي يفسره وكأنه قد نسخ، ويمكن للغة أن تخلق مركبات صوتية جديدة، مشابهة كل الشبه للمركبات التي كان التغير يعمل فيها سابقًا، فهذه المركبات تبقى دون تغير، فيقال إنها لم تعد واقعة تحت سلطة القانون. وهكذا بعد أن توقفت ظاهرة التخلص من الهمزة، ومضت فترة من الزمن، أخذ صوت القاف يتحول إلى الهمزة، دون أن تجد لهجات الخطاب في ذلك حرجًا. والله أعلم ،، ------------------------ (*) عرض البحث في الدورة الخامسة والأربعين، في الجلسة الثانية والثلاثين للمجلس في 19 من فبراير سنة 1979، كما عرض بالجلسة الثامنة للمؤتمر، في 28 من مايو سنة 1979 . (1) لمعرفة الفرق بين التغييرات التاريخية والتركيبية للأصوات، انظر مقالتنا :" التطور اللغوي وقوانينه " في مجلة كلية اللغة العربية بالرياض العدد الخامس ( 1975 ) ص 107 . (2) انظر كتابنا : اللغة العبرية، قواعد ونصوص ومقارنات باللغات السامية ص 128 . (3) انظر: كتاب سيبويه 2/405 ، وسر صناعة الإعراب 1/278 ، شرح ابن يعيش للمفصل 10/129. (4) انظر كتاب شيولر : Spuler, Handbuch der Orientalistik 3/236، 237 . (5) انظر مقالتنا : اللهجة العامية المصرية في القرن الحادي عشر " حوليات دار العلوم 1970م ". (6) انظر: الأطلس اللغوي لبرجشتراسر : Bergstrأ¤sser, Sprachatlas الفقرة 7 . (7) انظر في شرح هذا القانون مقالتنا :" التطور اللغوي وقوانينه " 163 – 164 . (8) انظر كذلك : دراسات في لهجات " شرقي الجزيرة " لجونستون – ترجمة أحمد الضبيب 54 – 55 . (9) في كتابه : Brockelmann, Grundriss 1/125 . (10) في مجلة : American Journal of theology . (11) الأصوات اللغوية، لإبراهيم أنيس 69 . (12) Spltta, Grammatik des arab. Vulgأ¤rdialektes Von أ„gypten ص 12 . (13) في كتابه : Grundriss 1-121 . (14) انظر كذلك : لهجة المغرب، تطوان وما حولها، لعبد المنعم سيد عبد العال ص 81. (15) تهذيب الألفاظ العامية، للشيخ محمد علي الدسوقي 47 . (16) Sprachatlas الفقرة 10 . |
العلامات المرجعية |
|
|