اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > التاريخ والحضارة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-04-2015, 09:29 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 60
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي في سقوط الأندلس دروس وعبر ( تقرير )


في سقوط الأندلس دروس وعبر ( تقرير )
يقول الله تعالى: [وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ غ— وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] [آل عمران- 140]..فالأيام دول بين الناس والأمم، ولكن لم تسقط الدول، وتتبدل الأمور، ولماذا تنهار القوى من بعد قوة، هل هي عوامل الزمن، أو دوافع التحول.
في قصة الأندلس الكثير من العبر والدروس التي تشرح لمن اعتبر كيف نمت وترعرعت ثم فجأة وبعد 8 قرون تهوى إلى القاع كقطع مبعثرة تلاعب بها الناس..كيف تحولت قرطبة من مركز حضاري عالمي إلى ركام من الجثث تحوم حولها نسور آكلة لا ترحم..
كان الشعراء يتغنون حولها:
بأربع فاقت الأمصار قرطبة *** منهن قنطـرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزهراء ثالثة *** والعلم أعظم شيء وهو رابعها
وآخر يقول:
وليس في غيرها بالعيش منتفع *** ولا تقـــوم بحـــق الأنــس صهباء
وكيف لا يذهب الأبصار رونقها *** وكل روض بها في الوشي صنعاء
أنهارها فضـة،والمسـك تربتها *** والخــــز روضتها والـــدر حصباء
وللهـــواء بها لطــف يـــرق به *** مـــن لا يــــرق وتبدو منــه أهواء
ثم.. بعد ذلك يقول شاعر آخر:
مـافي الطلول من الأحبةِ مخبِــرُ *** فـمن الذي عن حالِها نستخبِرُ؟!
جـار الـزمــان عليهـم فتفرقوا *** فــي كـــل نـاحيةٍ وبــاد الأكثــر
جرت الخطوب في محل ديارهم *** وعـليهـــم فـتغيـــرت وتـغيروا
فـلمثل قـرطبة يـقل بكــاء مـــن *** يـبكــي بـعيــن دمـعهـــا مـتفجـر
دار أقــــالالله عـثــرة أهـلهـــا *** فـتبربــروا وتغربـــوا وتمصروا
فـي كـــل نـاحية فــريق منهــم *** مـتـفطــر لـفــــراقهــــا مـتحيــر
عـهدي بها والشمل فيها جامـع *** مــن أهلهـا والعيـش فيها أخضر
وريـاح زهــرتها تلــــوح عليهم *** بـروائـــح يـفتـــر مـنها الـعنبــر
والدار قدضـرب الكمــال رواقه *** فـيها وبـــاع النقص فيها يقصر
والـقصر قصر بني أميـــة وافـر *** مـــن كـــل أمر والخلافــة أوفر
والجامع الأعلى يغص بكــل من *** يـتلو ويـسمــع ما يشــاء وينظر
ومـسالك الأسـواق تشهــد أنها *** لا يـستقـــل بـسالكيهــا الـمحشـر
يـا جنـة عـصفت بـهـــا وبأهلها *** ريــــح النوى فتدمــرت وتدمروا
وللحقيقة فقد كانت عوامل سقوط الأندلس موجودة منذ البداية، كما سنرى، حيث بمجرد أن بدأ النظر إلى متاع الدنيا - في معركة بلاط الشهداء - بعيداً عن منار الدين، بدأ العد التنازلي لسقوط الأندلس.
فلنبدأ بالنظر إلى بداية فتح الأندلس، ومع سرد بعض الأحداث تتضح الصورة أكثر كيف كانت عوامل السقوط مصاحبة لعوامل البناء.
فتح الأندلس
كانت شبه الجزيرة الأيبرية (أسبانيا والبرتغال حالياً) تحت حكم الملوك القوط الذين هاجروا إليها من داخل أوروبا وقد عانى الأسبان كثيراً من ظلمهم وسوء إدارتهم وقد كانوا يتحينون الفرص للتخلص منهم.
حانت الفرصة عندما جاء ملك القوط (لذريق) إلى الحكم، فقد طلب بعض الأسبان النجدة من موسى بن نصير الذي أرسل قائداً شاباً مع جيش صغير من المسلمين.
كان هذا القائد هو طارق بن زياد الذي وطأت أقدامه هو وجيشه أرض الأندلس في شهر رجب 92 هـ - 711م عند المضيق المسمى باسمه لهذا اليوم (جبل طارق).
استطاع المسلمون من هزيمة لذريق و***ه وتشتيت جيشه بصورة تامة وبهذا بدأ الفتح الإسلامي لهذه البلاد، وبدأ حقبة جديدة في تاريخ أسبانيا.
لقد قابل الأسبان دخول الجيش الإسلامي بارتياح وترحيب ظاهرين فقد لاقوا الأمرين من ظلم وتعسف ملوك القوط السابقين.. ولم تمض فترة قصيرة إلاّ وكان المسلمون يسيطرون على معظم البلاد الأسبانية واخترقوا جبال البايرينز إلى جنوب فرنسا إلاّ أنهم خسروا معركة بلاط الشهداء مع شارل مارتل ملك الإفرنج، وبهذا توقف الزحف الإسلامي إلى قلب أوروبا؛ بسبب فتنة عمياء لاقتسام الغنائم بين العرب والبربر، حيث *** في تلك المعركة القائد المسلم عبد الرحمن الغافقي عندما اضطرب الجيش الإسلامي وتقهقر أمام ضربات الإفرنج الذين استعادوا الهجوم واستغلوا الفرصة أحسن استغلال. وكأن المسلمين حينها لم يستفيدوا من دروس غزة أحد حيث كانت الأسباب نفسها هي التي أدت إلى هزيمتهم.
لم تكن سيطرة المسلمين على أسبانيا كاملة تماماً إذ بقيت جيوب صغيرة للأسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجوم والتخريب.
لم يدر في خلد المسلمين الفاتحين أن هذه الجيوب الصغيرة سوف تكون نواة لممالك الأسبان مستقبلاً لينطلقوا منها في التهام ممالك الإسلام في أسبانيا الواحدة تلو الأخرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الأسبان لينتهي إلاّ بطرد المسلمين.
على مرّ السنين دخل الكثير من الأسبان في الإسلام وكثر التزاوج بين الفاتحين والأسبان بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عروقهم دماءً أسبانية إضافة إلى الدماء العربية والبربرية.
وقد ارتقى الكثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الأندلسي الذي اعتنق جده الإسلام. لقد نشأت تركيبة اجتماعية وعرقية خاصة في الأندلس كانت سبباً في نشوء الفتن والاضطرابات التي كانت تؤججها سوء الإدارة أحياناً.
فكان هناك العرب والبربر والأسبان، والعرب انقسموا بدورهم إلى قيسية ويمانية مع ما رافقها من فتن كبيرة وكان هناك البربر والتنافس التقليدين بينهم وبين العرب وكان الأسبان بقسميهم المسلم والمسيحي إضافة إلى المهجنين.
كانت هذه التركيبة العرقية والاجتماعية نواة فيما بعد لممالك الطوائف المتناصرة والتي انتهت بفنائها جميعاً.
الحكم الأموي المباشر في الأندلس
دخلت الأندلس المرحلة الثانية من تاريخها السياسي عندما فوّضت أركان الخلافة على بني أمية في دمشق حيث هزم آخر خلفائهم مروان بن محمد أمام جيوش العباسيين في معركة الزاب سنة 132هـ.
وولى هائماً على وجهه وكأن الأرض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتبدأ مرحلة دموية كان الأمويون وقودها..نجا من تلك المذابح شاب أموي اسمه عبد الرحمن استطاع عبور الفرات وهرب إلى شمال أفريقيا، وبمساعدة أخواله البربر استطاع العبور إلى الأندلس.
استطاع عبد الرحمن الملقب (الداخل) من تأليف القبائل اليمانية التي كانت ناقمة على هيمنة القبائل القيسية، وبمساعدة البربر استطاع أن يخضع الأندلس لسيطرته وأن يبايعوه أهل الأندلس أميراً عليها سنة 138هـ - 755م.
حاول الخليفة أبو جعفر المنصور إخضاع عبد الرحمن الداخل حيث استطاع عبد الرحمن هذا (الذي لقبه المنصور بلقب صقر قريش) أن يهزم جيش المنصور..اتخذ عبد الرحمن قرطبة عاصمة له وبدأ ببناء وتوسعة مسجدها الشهير فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة أصبحت معها فيما بعد محط الأنظار ومهد الحضارة.
استمرت السلالة الأموية في حكم الأندلس حيث بلغت أوج حكمها في زمن عبد الرحمن الثالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماً وامتد سلطانه إلى شمال أفريقيا وليقهر الأسبان وليجعل من اسبانيا قبلة الأمصار وعروس أوروبا إليها تشدّ الرحال لطلب العلم والأدب والفنون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في أوروبا.
بدأ حكم عبد الرحمن الثالث في سنة 300 هـ وانتهى عام 350 هـ واستطاع أن يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمى نفسه الناصر لدين الله وبهذا أصبحت دار الإسلام يحكمها ثلاثة خلفاء (الأموي والعباسي والفاطمي) في آن واحد..وقد توسعت قرطبة في عصره ليبلغ عدد سكانها النصف مليون تقريباً، وقد بدأ الناصر ببناء مدينة الزهراء التي استمر بناؤها 17 عاماً ليجعلها مدينته المفضلة وهي تبعد عن قرطبة عدة أميال، ولكن لم يمهل الزمن مدينة الزهراء هذه طويلاً إذ دمرت بعد خمسين سنة تقريباً في فتنة البربر الشهيرة.
توفي الخليفة الناصر سنة 350 هـ فخلفه ولده الحكم الثاني الذي حكم لغاية سنة 366 هـ والذي اشتهر بحبه للعدل والعلم والحكمة. وقد بلغت جامعة قرطبة في عصره منزلة علمية عالية جعلتها في مصاف جامعة الأزهر في القاهرة والمدرسة النظامية في بغداد.
ولما حضرت الحكم الوفاة نظر وهو على فراش الموت إلى ولده الصغيرة نظرة أسى وحزن وكأنه علم بما سيكتنف أرض الأندلس من فتن مضطربة بعده، كان ولده لا يجاوز أحد عشر عاماً فأوصى له بالخلافة ولقبه (هشام الثاني) وجعل عليه وصياً وزيره الحاجب محمد بن أبي عامر الملقب بالمنصور والذي لم يكن عند حسن ظن سيده، إذ سرعان ما استحوذ على كل مراكز القوى وتخلص من منافسيه الواحد تلو الآخر بال*** والاغتيال وقلص من نفوذ هشام الثاني الذي جعله لا يغادر القصر وصيّره خليفة بغير سلطان.
جمع المنصور هذا قدرة إدارية كبيرة وكفاءة عسكرية عالية يخالطها الكثير من الحنكة السياسية وميل إلى البطش والتنكيل.
خاض المنصور مع النصارى الأسبان عدة معارك أثبت فيها نفسه شبحاً مرعباً للأسبان تتحدث به كتبهم إلى الآن. وفي إحدى المعارك استولى على كنيسة سنتياغو وجعل الأسرى الأسبان يحملون الأجراس على ظهورهم لمسافة 400 ميل إلى قرطبة.
وبموت الحاجب المنصور سنة 1002م بدأ الهبوط السريع لحكم الإسلام في الأندلس فلم يمض إلاّ وقت قصير حتى اندلعت فتنة البربر الذين دمروا مدينة الزهراء رائعة المدن في الأندلس، وتعاقب على الخلافة الأموية خلفاء ضعفاء لم يتركوا أثراً يذكر إلاّ شيئاً أدبيا ألا وهو غرام الشاعر ابن زيدون (بالولادة) بنت الخليفة المستكفي التي عافت حياة الحريم وكانت على درجة كبيرة من الأدب والعلم فأغرم بها الشاعر ابن زيدون الذي انتهى أمره معها بالفراق فخلدها بقصيدته:
(أضحى التنائي بديلاًمن تدانينا***وناب عن طيب لقيانا تجافينا)
ملوك الطوائف
بعد إلغاء الخلافة الأموية في قرطبة انفرط عقد دولة الأندلس الإسلامية، وعادت الصراعات والأطماع القديمة إلى الظهور وانقسمت الدولة إلى عدد كبير من الممالك الصغيرة التي قد لا يتجاوز الواحدة منها مساحة المدينة الواحدة وما حواليها. وانحسرت عظمة قرطبة، وصارت تابعة فيما بعد لسلطان أشبيلية التي ملكها بنو عاد.
كانت دويلات الطوائف هذه متحاربة فيما بينها لا يجمعها جامع من دين أو مصلحة مشتركة، فكان من المستحيل على مثل هذه الدويلات الاتحاد ضد خطر الأسبان الزاحف من الشمال.
ولكن على الرغم من التفكك الإداري والعسكري الذي أصاب الأندلس فإن هذه الفترة كانت من أخصب فترات الحضارة الإسلامية في تلك الربوع فقد ازدهر الأدب والفن وترعرت الفلسفة ونشطت حركة الترجمة.
كان الكثير من ملوكها على قدر كبير من الأدب والعلم كالشاعر بن عباد صاحب أشبيلية والمظفر بن أفطاس الذي ألف كتاباً في التاريخ بخمسين جزءاً سماه كتاب المظفرى..على أن ازدهار ممالك الطوائف لم يمنع سقوطها تجاه زحف الأسبان فكانت تلك الممالك كزهور الربيع الطرية التي هبت عليها الحصباء فصارت كالهشيم.
لقد تناسى أولئك الحكام المتصارعون التحذير القرآني [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم]، وغاب عنهم: (إن من نام لم ينم عنه)، فكان أملهم الوحيد تجاه قوة الأسبان في الشمال (مملكة قشتالة) هو الاستعانة بإخوانهم في الشمال الأفريقي.
كانت قد نشأت في المغرب العربي دولة قوية ناشئة من البربر الذين أسلموا حديثاً وسموا أنفسهم بالمرابطين، وكان ملكهم يوسف بن تاشفين هو الذي عبر المضيق المائي الفاصل لنجدة إخوانّه في الأندلس وألحق بالأسبان هزيمة منكرة في معركة زلاقة الشهيرة حيث لم يعد من جيش الأسبان البالغ 60 ألفاً سوى بضع مئات لاذوا بالفرار مع ملكهم ألفرنسو السادس..وتنفست ممالك الطوائف الصعداء ولو لفترة قصيرة.
كانت أشبيلية يحكمها المعتمد بن عباد الشاعر المشهور والذي دبّ الخلاف بينه وبين يوسف بن تاشفين فنفاه يوسف هذا إلى المغرب في مدينة أغمات التي مات فيها فقيراً مأسوراً.
وقد رثى نفسه بقصيدة مؤثرة مطلعها:
فيما مضى كنتَ بالأيام مسرورا *** فجاءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمـــار عـاريةً *** يطأن في الدَين ما يملكن قطميرا
رجع يوسف بن تاشفين إلى الشمال الأفريقي وتوفي هناك فدب النزاع بين سلالته وسلالة أخرى أنشأت لها دولة سميت بدولة الموحدين والذين كانت لهم الغلبة أخيراً واشتهر من ملوكهم السلطان يعقوب أبو يوسف الذي عبر إلى الأندلس بعد أن سمع بالتهديد الأسباني الجديد لنصارى قشتالة فاشتبك مع الأسبان في معركة دامية (معركة الأركوس) حيث خسر الأسبان معظم جيشهم. وقد حاصر أبو يعقوب مدينة طليطلة حصاراً طويلاً فخرجت ملكة الأسبان وبناتها إلى السلطان ترجو منه فك الحصار وقد تحرك قلب أبي يعقوب فأرجعها معززة مكرمة ومحملة بالهدايا والنفائس..وكان السلطان يعقوب هو الذي بنى المأذنة وبرج المراقبة المسمى الجيرالدا، والذي مازال يطل شامخاً في سماء أشبيلية.
عزم السلطان يعقوب على الرحيل إلى الشمال الأفريقي حيث قرر مغادرة الأندلس تاركاً طوائفها لقسوة القدر وفتك الأسبان الذين سرعان ما أعادوا تنظيم جيوشهم وزادوا من عدتهم وعديدهم، بينما زاد التناحر والتحارب ممالك الطوائف ضعفاً على ضعف، وسارعوا في تقريب ساعتهم، إذ لا يعدم أن يرى المستطلع لتاريخ هذه الفترة استعانة المسلمين بالأسبان على إخوانهم المسلمين وبالتالي صار الأسبان يضربون بعض هذه الممالك ببعضها حتى إذا أبادوا أحدها التفتوا إلى الأخرى فتساقطت هذه الدويلات تباعاً فسقطت قرطبة وبلقيسة ومرسية وحوصرت أشبيلية لمدة 15 شهراً من قبل الأسبان، وكان ممن اشترك في الحصار ابن الأحمر مؤسس دولة بني الأحمر في غرناطة.
وسيأتي ذلك اليوم الذي يلتهم الأسبان مملكته ولو بعد حين، وأخيراً فتحت اشبيلية أبوابها للأسبان فبدأت المجازر التي يعجز القلم عن وصفها ولم يستثنوا حتى الأطفال الرضع أو النساء أو الشيوخ.
وقد رثى الشعراء سقوط أشبيلية رثاء مبكياً كما في هذه الأبيات للشاعر موسى بن هارون:
فكم أسارى غدت في القيد موثقةً *** تشكو من الذل اقداماً لها حُطمــا
وكم صريع رضيع ظـل مختطفــاً *** عن أمه فهو بالأمواج قـد فُطِمــا
يدعو الوليد أبـاه وهـو فـي شغل *** عن الجوابِ بدمع سال وانسجما
فكـــم تـــرى والهاً فيهـم ووالهةً *** لا يرجع الطرف إن حاولته الكلما
في كل حين ترى صرعـى مجدّلةً *** وآخرين أســارى خطبهــم عظما
لابد أن نذكر هنا أن السقوط المتسارع لممالك الطوائف هو نتيجة لمعركة العقاب التي دارت رحاها في سنة 609 هـ- 1212م بين الأسبان ومن ساندهم من الصليبيين العائدين من أرض الشام بعد طردهم من قبل صلاح الدين، وبين جيش السلطان محمد بن يعقوب أبي يوسف الذي عبر إلى الأندلس لتأديب الأسبان إلاّ إن تعسفه وسوء إدارته أدت إلى انفضاض مسلمي الأندلس عنه عند أول هجوم للأسبان في تلك المعركة. فمنهم من هرب ومنهم من انضم إلى الأسبان.
وكانت هزيمة ساحقة للمسلمين كما وأصبحت بالتالي بداية النهاية لدويلات الطوائف كما ذكرناه آنفاً.. ومرة أخرى تناسى المسلمون تعليم قرآنهم فكانت النتيجة وبالاً عليهم.[يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار. ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير] [الانفال].
مملكة غرناطة وسلالة بني الأحمر
في تلك المرحلة الدامية العصيبة التي مرت بها دويلات الطوائف ظهر متنافسان قويان رئيسيان هما محمد بن الأحمر وابن هود وكان قد بلغ العداء بينهما على أشده بحيث استعان ابن الأحمر على خصمه بالأسبان وتنازل ابن هود بدوره عن ثلاثين من قلاع المسلمين للأسبان رغبة في مساندة الأسبان له ضد ابن الأحمر.
كان حظ ابن هود أقل من حظ خصمه إذ استطاع أن يهزمه الأسبان ويموت أخيراً بالسم بينما استطاع ابن الأحمر هذا الذي اشترك في حصار أشبيلية كما ذكرنا، من بسط سلطانه ودعمه في جنوب الأندلس فاستولى على غرناطة عاصمة ملكه، التي تضخم عدد سكانها فبلغوا 200 ألفاً بسبب نزوح الهاربين إليها من مجازر الأسبان. وكانت تقع في موقع حصين في واد فسيح تحيط به الجبال وتتوفر فيها المياه العذبة وبسبب جهود الغرناطيين وخبرتهم تحول ذلك الوادي إلى حدائق غنّاء تنتج الغذاء الوفير؛ مما جعلها موضع حسد من قبل النصارى الأسبان يتحينون الفرص للإيقاع بها.
كان أسلاف ابن الأحمر ينتمون إلى سلالة بني نصر وهم من الأنصار من الخزرج بالذات وكان أسلافه ممن خدموا السلالة الأموية في غرناطة وأبلوا بلاء حسناً في الحروب.
بدأ محمد بن الأحمر ببناء قصره الحمراء على قمة تل كان موقعاً لحامية عسكرية مسلمة (القصبة) فجلب إلى هذا الموقع المياه بواسطة قنوات عميقة داخل الأرض من الجبال المحيطة، وقد تعاقب سلاطين بني الأحمر على عمارة قصر الحمراء وتوسعته والعناية بحدائقه البهيجة حتى صار أعجوبة في الفن المعماري لهذا اليوم أصبحت غرناطة آخر معقل للإسلام في الأندلس وازدهرت فيها العلوم والفنون والآداب والفلسفة وكان سلاطينها يشجعون هذه النهضة ويرعونها ويجودون عليها بالغالي والنفيس.
وازدهرت الزراعة عبر موانئها الجنوبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط ففيها عاش لسان الدين بن الخطيب وقضى ابن خلدون بعض الوقت من عمره في بلاط بني الأحمر.واستطاعت غرناطة أن تصمد لقرنين آخرين من الزمان حتى سقوطها سنة 1492م.
سقوطغرناطة
إن صمود غرناطة لهذا الزمن الطويل يرجع لعدة أسباب منها منعة غرناطة وحنكة سلاطين بني الأحمر السياسية وصراعات الأسبان الداخلية.
كانت ممالك الأسبان الرئيسية هي قشتالة والأراكون (وليون التي ضمت إلى الأراكون). إنّه لمن سوء طالع غرناطة أن يتم التصالح بين قشتالة والأراكون بزواج ملكة قشتالة ايزابيلا من ملك الأراكون فرديناند، وبهذا توحدت ممالك الأسبان وبرزت أسبانيا المسيحية كدولة فتية قوية كان هدفاً مشتركا بينهما أن يقضي فرديناند وايزابيلا على غرناطة بصورة نهائية.
كانت إيزابيلا متعصبة لمسيحيها إلى حد الهوس وكانت ترى أن رسالتها أن تطهر أرض أسبانيا من "الكفرة" في نظرها، وكان يساعدها على ذلك صرامة شديدة وقلب قاسي لا يلين. أما زوجها فرديناند فهو لا يرى ضيراً أن يكتب عهداً بيمنيه لتنقضها شماله..وبينما كان البلاط الأسباني سائراً في طريق الوحدة كان بلاط بني الأحمر مسرحاً للفتن والدسائس والمؤامرات التي أدت إلى أن ي*** بعضهم البعض.
اقتربت نهاية غرناطة عندما اعتلى السلطان علي أبو الحسن ابن الأحمر عرش غرناطة، كان أبو الحسن شجاعاً مقداماً ولكن يخالط شجاعته مزاج حاد وطبيعة نارية تبلغ درجة التهور والطيش غير عابئ للعواقب. وكان أبوه قد آثر السلامة ورضي أن يدفع لملك الأسبان ضريبة سنوية لإرضائهم.
أما أبو الحسن هذا فعندما طولب بالضريبة أجاب أن ليس عنده إلاّ السيف وأعقب كلامه بالفعل فهجم على حامية أسبانية قريبة واحتلها وطرد منها الأسبان.
وجد فرديناند وايزابيلا فرصتهم الذهبية لتحقيق حلم أسلافهم بالقضاء على هذا المعقل الحصين للإسلام. وقد ساعدهم على ذلك حصول فتنة كبيرة في البلاط الملكي في غرناطة إذ إن أبا الحسن كان قد تزوج من ابنة عمه عائشة أو فاطمة التي ولدت له ابنه أبو عبد الله المقلب (الصغير) وكان لأبي الحسن زوجة اسبانية جميلة كانت المفضلة عنده حيث ولدت له طفلين وأراد أن يجعل الملك لهما من بعده..حدثت الفتنة داخل القصر بين أبي عبد الله الصغير مدفوعاً من أمه عائشة وبين أبيه كان للأسبان يد فيها.
قرر فرديناند تصفية الخصمين كلاً على حدة وكان أبو عبد الله قد ارتبط بمعاهدة صداقة مع فرديناند. فبعث فرديناند جيشاً كبيراً لمحاصرة مالقة لعدة شهور أصابت المجاعة أهلها ببلاء عظيم واستبسل سكانها في الدفاع عن مدينتهم..وقد ارسل الزغال جيشاً من المرية لنجدة مالقة ولكن قطع الطريق عليه قوة عسكرية أرسلها أبو عبد الله.
ولم يجد أبو عبدالله ضيراً أن يرسل رسالة تهنئة إلى فرديناند بسقوط مالقة فيما بعد. أخيرا استسلمت مالقة للأسبان وبدأت المجازر التي راح ضحيتها الطفل والشيخ والمرأة على حد سواء..لقد سجل الأسبان صفحة سوداء أخرى في تاريخهم في مالقة حفظتها كتب التاريخ. وأبدى الزغال شجاعة نادرة في مناوراته مع الأسبان وحقق انتصارات لا باس بها عليهم ولكن الكفة رجحت أخيراً لصالحهم فلم يجد بُداً من الاستسلام فأعطي بعض المال ونفي إلى أرض وهبها له فرديناند.
ولكن بقاءه في الأندلس لم يعد مرغوباً فيه فأمر أخيرا بالرحيل فعبر إلى فاس في مراكش وهناك اتهم بالخيانة والجبن وصودرت أمواله وفقأت عيناه وسجن ثم أخرج من السجن ليبدأ بالتسول في شوارع فاس وليموت البطل أخيراً كسير القلب مجروح الفؤاد على الرغم من استماتته في الدفاع عن معقل الإسلام الأخير في الأندلس.
ودارت الأيام على أبي عبد الله.. فلم يمض إلاّ وقت قصير حتى طلب فرديناند من أبي عبد الله تسليم غرناطة فوراً.. أسقط في يد أبي عبد الله ولم يجد الغرناطيون بداً من الدفاع عن مدينتهم والاستماتة في سبيلها.
وهكذا فقد بدأ حصار غرناطة في خريف سنة 1491م بعد أن سبقه تدمير الحقول والمروج والبساتين في وديان غرناطة الخضراء. استمر الحصار لبضعة شهور كانت تكثر خلاله المناوشات والمبارزات بين فرسان المسلمين والأسبان كانت الغلبة في معظمها لفرسان الإسلام حتى خشي فرديناند على فرسانه من الإبادة فأمر بإيقاف المبارزة بين الطرفين وضيّق بدلها الحصار حتى تفشت المجاعة في داخل غرناطة.
وهناك بدأ أبو عبد الله الصغير مفاوضاته سراً لتسليم غرناطة وفك الحصار عنها على شروط عديدة. وفى صباح يوم الثالث من كانون الثاني 1492م استيقظ الأسبانيون على إطلاقات المدافع من قصر غرناطة وإذا بهم يرون الصليب منتصباً على قصبته، فها قد تم الاستسلام وأعطيت المفاتيح لفرديناند وإيزابيلا، وبهذا انهزم هلال التوحيد أمام صليب الشرك ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
كانت شروط تسليم غرناطة للأسبان تقضي للمسلمين بحرية الدين واللغة.. كما أن للمسلمين الحق في المحافظة على أموالهم وتقاليدهم وان تحسم قضاياهم من قبل قضاة مسلمين وكذلك السماح للمؤذنين بالأذان في أوقات الصلاة..ويُمنع المسيحيون من دخول بيوت المسلمين من غير إذن.. الخ.
لقد اغتر الغرناطيون بهذه العهود والمواثيق التي قطعها الأسبان لهم.. فلم يعرف الأسبان أبداً أنهم حافظوا على عهد سابق أبداً. كان هناك صوت رافض لهذه الشروط لفارس من فرسان غرناطة الشجعان واسمه موسى بن أبي غسان الذي خطب في قومه قبل الاستسلام محذراً إياهم من مغبة الاستنامة لوعود الأسبان ولما لم يجد آذناً صاغية..وقال لما أعيته الحيلة: "لا تخدعوا أنفسكم، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا" .
وغادر قومَه قائلاً: "إنّه يفضل الموت بالسيف على أن يموت صبراً بيد لئام الأسبان أو يُجرع الذل والهوان على يد الشرك". وعندما خرج موسى من غرناطة اعترضته قوة من فرسان الأسبان فدارت معركة غير متكافئة *** فيها عدة منهم وسقط أخيراً من على فرسه مثخناً بالجراح فقاتل بسيفه قائماً على ركبتيه ولما تكاثر الأسبان عليه ليفتكوا به رمى بنفسه من علو إلى النهر ولما كان مثقلاً بالدروع غاص موسى إلى قاع النهر ولم يعثر عليه على أثر...وقد صدق حدس موسى فلم يمض وقت قصير إلاّ والعهود تنكث الواحد تلو الآخر من قبل الأسبان حتى لم يبق منها شيء يذكر وإذا بالمرحلة العصيبة الأخرى تمر على مسلمي الأندلس لتسدل الخاتمة على هذا التاريخ إلى يومنا هذا.
أسباب سقوط الأندلس
من بين الأسباب التي يذكره المؤرخون – بحسب موقع (يا بيروت):
- ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج، والتفرق وشتات الصفوف، يقول أحد الشعراء:
بعدنا وإن جاورتنا البيوت *** وجئنا ببعض ونحـن صموت
وأنفـاسنـــا سكنت دفعــــة *** كجهد الصلاة تـــلاه القنــوت
وكنا عظاماً فصرنا عظاماً *** وكنا نقوت فها نحــن قــــوت
وكنا شموس سماءِ العـلا *** غربنا فناحت عليها البيـــوت
- السبب الثاني التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم، يقول أحد المؤرخين - وهو عبد الله عنان - يذكر ويبين هذه الحالة، وكان يتحدث عن ابن هود، وكانت تعتور جهوده نفس المثالب القديمة التي كانت تصدع دائماً من جهود زعماء الأندلسيين، والتي تتلخص في مصانعة النصارى، ومداراتهم ومساومتهم على حساب المصالح الإسلامية.
ومن ذلك قصة أحد الولاة، واسمه أبو زيد هذا الرجل ثار عليه أهل بلنسية، فلما ثاروا عليه، وأرادوا خلعه قام وعقد لواءً وذهب إلى ملك النصارى (خاينوي) واتفق معه، وعقد معه معاهدة، وكان من هذه المعاهدة أن يقوم أبو زيد، ويعطي ملك النصارى جزءاً من بلاد المسلمين، ويتنازل عن جزء من بلاد المسلمين، وأن يقدم الجزية لملك النصارى، تصوروا؟ المسلم الذي كان يقبض الجزية، أصبح يدفع الجزية في بلاد النصارى، ثم زاد على ذلك بأن اعتنق النصرانية، وأخذ يسير مع حلفائه النصارى في غزواتهم ضد بلاد المسلمين.
ونجد مثلا آخر، ابن الأحمر، عقد معاهدة مع ملك النصارى مع ملك قشتالة، ما هي هذه المعاهدة؟ معاهدة غريبة محزنة مبكية، فقد اتفق معه على أن يحكم ابن الأحمر مملكة غرناطة، باسم ملك قشتالة، وفي طاعته وأن يؤدي له جزية سنوية.
- أيضا من أسباب سقوط الأندلس: تخلي العلماء عن القيام بواجبهم، يقول المقري: من جملة تغافل أهل الأندلس أن العدو أطل عليهم، يجوس خلال الديار، ويقطع كل يوم طرفاً ويبيد أمة، والباقون منهم صموت عن ذكر إخوانهم، لهاة عن بثهم ما يسمع بمسجد من مساجدهم مذكر لهم، أو داع فضلاً عن نافر إليهم أو ماش، يقول حتى في المساجد، ما كان العلماء يذكرون الولايات التي تسقط من يد المسلمين.
ويقال إن علماء المغرب -وما يحدث بالمغرب ينعكس على الأندلس- انشغلوا عن أمتهم بالخلافات، انشغلوا بالخلافات الفرعية.
وعلق أحد الكتاب على ضارباً مثلاً: أتعلمون عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا، ماذا كان يحدث، كان العلماء، يختلفون في هل يجوز أن يتزوج الشافعي من حنفية؟ أو يأخذ الحنفي شافعية، كأنها من أهل الكتاب.. والفرنسيون يبسطون نفوذهم على الشام.
- ومن الأسباب مؤامرات النصارى ومخططاتهم، لقد أحكموا المؤامرة ودبروا وخططوا، والمسلمون في لهوهم وعبثهم ومجونهم وقصورهم ودنياهم، فحلت الكارثة.
يقول أحد المؤرخين: وقد وضع (فرناندو) برنامجه المحكم، لكي يستغل أسر ملك غرناطة ويستعين به على تنفيذ برنامجه المدمر؛ ولذلك جاء ما يلي:
وحدة كلمة النصارى: وهو سبب من أسباب سقوط الأندلس، في الوقت الذي تحدثنا فيه عن تفرق المسلمين، نجد في المقابل وحدة كلمة النصارى للقضاء على المسلمين حتى يقول (ابن عذار)، واصفاً استعداد النصارى لموقعة العقاب، وهي من المواقع التي هزم فيها المسلمون هزيمة منكرة، و*** فيها عدة آلاف من المسلمين، يقول هذا المؤرخ: حيث ذكر أن ملك قشتالة بث القسيسين والرهبان من البرتغال إلى القسطنطينية، ينادون في البلاد من البحر الرومي إلى البحر الأخضر، غوثاً غوثاً، ورحمة رحمة، أي ينادون بني جلدتهم، فجاء عُباد الصليب من كل فج عميق ومكان سحيق، وأقبلوا إليه إقبال الليل والنهار من رؤوس الجبال وأسياف البحار.
ويذكر في موضع آخر أن البابا (فرستان الثاني) توسط بين مختلف الأمراء الأسبان، فوفق بينهم، وسرعان ما نسوا خصوماتهم، فتماسكوا وهم يعتقدون جازمين، بأنهم جاءوا من كل أصقاع أوروبا لنصرة دينهم على دين آخر..ونجد أيضاً أن اتحاد ملك قشتالة وأراجون بزعامة (فرناندو الخامس) و(إيزابيلا) من أسباب سقوط الأندلس، وعلى يد هذا الملك، وهذه الملكة سقطت الأندلس.
الخلاصة:
إذاً، نلاحظ أن أسباب السقوط كانت موجودة منذ أن بدأ فتح الأندلس، كاقتسام الغنائم بين العرب والبربر، ويذكرنا هذا بموقع أحد..ثم انقسام المسلمين بدورهم إلى قيسية ويمانية، ثم أطماع النفوس التي أصابت بعض الحكام كالحاجب محمد بن أبي عامر الملقب بالمنصور..ثم انقسمت الدولة إلى عدد كبير من الممالك الصغيرة التي تحولت إلى أعداء فيما بينها..إضافة إلى الدسائس والفتن والمؤامرات التي أدت إلى أن ي*** بعضهم البعض، بينما كان النصارى يتحدون.
والعجيب المحزن هو أن مصائب المسلمين تتكرر بنفس تكرر الأسباب، فقد سقطت بغداد بيد التتار بسبب النزاع بين المسلمين وضعفهم، وفتح المجال أمام دعاة الفتن، إلى جانب استعانة بعضهم على بعض بالتتار. كذلك الحال في الحملات الصليبية، وفي فترة الاستعمار التي استمرت حوالي ثلاث قرون.
وحالياً نجد نفس الأسباب تتكرر في زماننا الحاضر، وما أكثر الذين ركنوا على الذين ظلموا.. وما أكثر الذين نسوا قول الله تعالى: [ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ غ– وَاصْبِرُوا غڑ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)] [الأنفال].
وأخيراً ما تزال مرثية الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي تعبر عن المسلمين إلى اليوم:
لـكـــل شــــــيءٍ إذا مـا تــــــم نقصانُ *** فـلا يُـغــرُّ بـطيب العيش إنســانُ
هــــي الأمـــــورُ كـما شاهدتهــــا دُولٌ *** مَـن سَـرَّهُ زَمــنٌ ساءَتهُ أزمـــانُ
وهـذه الـــــدار لا تُـبقــــي علــــى أحد *** ولا يـدوم عـلى حــــالٍ لها شـــان
يُـمــــزق الـدهــــرحـتمًا كــــل سابغةٍ *** إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصــــانُ
ويـنتضي كـلّ سيــــف للفنــــاء ولــــوْ *** كـان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
دهـى الـجزيرةأمــــرٌ لا عــــزاءَ لـــه *** هـوى لـــه أُحــــدٌ وانـهدْ ثهـــلانُ
أصابها العينُ فـــــي الإسلام فارتزأتْ *** حـتــى خَـلت مـنه أقطـــارٌ وبُلدانُ
فـاسأل (بلنسيةً) ما شـــــأنُ (مُرسيةً) *** وأيـنَ (شـاطبةٌ) أمْ أيـــنَ (جَيَّانُ)
وأيـن (قُـرطبــــة) دارُ الـعلــــوم فكـــم *** مـن عـالمٍ قـد سما فيها لــه شانُ
وأين (حْمــص) وما تحــويـــه من نزهٍ *** ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ ومـــلآنُ
قـواعــــدٌ كــــنَّ أركـــــانَ الـبــــلاد فما *** عـسى الـبقاءُ إذا لــم تبقَ أركانُ
تـبكــي الحنيفيةَ البيضـــاءُ من أســفٍ *** كـما بـكى لـفـــراق الإلفِ هيمانُ
عـلـى ديـــــار مــــن الإســــلام خاليــة *** قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمــرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ مــــــ***ـــا فـيـهنَّ إلا نـواقيــسٌ وصُـلبــانُ
حتى المحاريبُ تبكــي وهـــي جامـــدةٌ *** حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يـا غـافـــلاً وله فــــي الدهــــرِ موعظةٌ *** إن كـنت فـي سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
ومـاشيًـــــامـرحًـــــــا يـلهيه مـوطنــهُ *** أبـعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطـانُ؟
تـلك الـمصيبــــةُ أنـســـتْ مـــا تقدمها *** ومـا لـها مع طولَ الدهرِ نسيــانُ
أعـندكم نـبــــــأ مـن أهـــــــل أندلـــسٍ *** فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبـانُ؟
كـــم يستغيثبنــا المستضعفون وهم *** قـتلى وأسـرى فما يهتز إنســان؟
لمــــاذا الـتقاُطع فــــي الإسلام بينكــمُ *** وأنـتــمْ يـا عـبـــادَ الله إخــــوانُ؟
ألا نـفــــوسٌ أبَّـيــــاتٌ لـهـــــا هـمــــمٌ *** أمـا عـلــى الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يـا مــــن لـذلةِ قـــــومٍ بعــــدَ عـــــزِّهمُ *** أحـــــال حـالهمْ جـــــورُ وطُـغيانُ
بـالأمس كـانـــوا ملوكًا فــــي منازلهم *** والـيومَ هـم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فـلـو تـــــراهم حيــــارى لا دليل لهـــمْ *** عـليهمُ مــــن ثـيابِ الــــذلِ ألوانُ
ولــــــو رأيـتَ بـكاهُــــم عـــندَ بيعهــمُ *** لـهالكَ الأمـرُ واستهوتكَ أحـــزانُ
يـا ربَّ أمّ وطـفـــــلٍ حـيـــــلَ بينهمــــا *** كـمـا تـفــــــرقَ أرواحٌ وأبـــــدانُ
وطفلةً مثل حســنِ الشمــسِ إذ طلعت *** كـأنـما هي يـاقــــوتٌ ومــــرجـانُ
يـقودُها الـعلـــجُ لـلمكــــروه مكرهــةً *** والـعينُ بـاكيــــةُ والـقلــبُ حيرانُ
لـمثــل هـــــذا يذوبُ القلبُ من كمــــدٍ *** إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمـانُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
المصادر:
- موقع (الأندلس). - موقع (يا بيروت). - موقع (قصة الإسلام).
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها واغفر لوالديهما واهليهما وذريتهما واحشرهم مع سيد المرسلين محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:24 PM.