اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > القسم الأدبى

القسم الأدبى قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباءء والفلاسفة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-01-2015, 11:51 PM
thewise8 thewise8 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 44
معدل تقييم المستوى: 0
thewise8 is on a distinguished road
Icon10 بصمة السياسة على الأدب



ربما يبدو سؤال مثل «هل موسيقى موزار ذات طابع بورجوازي؟» للوهلة الأولى أمراً عبثياً، ولكن يمكن أن تنجم عن إمعان النظر فيه نتائج محددة إذا ما تمت الإجابة عليه بنعم. وعلى أي حال، فقد وصل الأمر بعلماء السياسة إلى البحث عن الجوانب الجيوسياسية في كرة القدم، ففي كتاب صدر عن أحد المراكز الاستراتيجية الفرنسية شاركت في إعداده نخبة من الباحثين، تم التعامل مع هذه اللعبة على أنها متابعة الحرب بوسائل أخرى، وهو الوصف الذي كان المنظر الاستراتيجي كلاوزفيتش قد أطلقه على السياسة، وأنها صارت الظاهرة الأكثر كونية في عصر العولمة، إذ إنها تبدو أشمل من اقتصاد السوق و «عملية الدمقرطة»، وأنها صارت إحدى الأدوات القوية في الديبلوماسية الدولية، ويمكن -في رأي هؤلاء- أن تساهم في توحيد شطري كوريا أو دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يمكنها أن تكون إحدى وسائل تحقيق الوحدة الوطنية في البلاد متعددة الأعراق واللغات والديانات، فتتضافر مختلف الجماعات حول المنتخب الوطني، الذي يعد رمزاً تعلِّق عليه الأمة بعض آمالها، بخاصة إذا كان يضم لاعبين ينتمون إلى هذه الجماعات.



وتنبع هذه التصورات من شيئين أساسيين، الأول: أن العملية السياسية تبدو معقدة للغاية، نظراً إلى تداخلها الشديد مع حقول معرفية ونشاطات إنسانية أخرى، ويأتي التحليل ليبسّطها عبر نماذج تأخذ أشكالاً مختلفة تتراوح بين الكلام اللفظي الصرف والحسابات الرياضية الدقيقة، والثاني: أنها عملية تتسم بالشمول إلى حد كبير، إذ إن النشاطات البشرية كافة قابلة للتسييس عندما تدخل في صميم اهتمامات السلطة السياسية.



وعندما يربط الإنسان فكرياً بين ظاهرة ما وبين النظام السياسي، تكتسب تلك الظاهرة معنى سياسياً. ومن الممكن أن يصبح كل نشاط بشري عملاً سياسياً في ضوء تطور الواقع الاجتماعي اقتصادياً وتقنياً، أو على حد قول روبرت دال: «سواء شئنا أو لم نشأ، فلا يوجد أحدٌ قادر على أن ينأى بنفسه عن الوقوع في دائرة من دوائر التأثير لنظام سياسي ما، فالمواطن يتعامل مع السياسية عند تصريف أمور الدولة، المدينة، المدرسة، الكنيسة، الشركة، النقابة، النادي، الحزب السياسي، الجمعيات التطوعية... وغير ذلك من منظمات عدة أخرى، فالسياسة هي حقيقة من حقائق الوجود الإنساني لا يمكن تجنبها، وكل فرد يجد نفسه مشتركاً بطريقة ما، وفي لحظة ما في شكل من أشكال النظم السياسية... وإذا كان المرء لا يمكنه تجنب السياسة، فإنه بالضرورة لا يمكنه تجنب النتائج المتولدة عنها».



وحتى الأدب والفن يجدان نفسيهما، بصفتهما ظاهرة اجتماعية، متماسَّين مع العملية السياسية، فهما أقرب إليها من نشاطات إنسانية أخرى، ويصل الأدب أحياناً إلى درجة أنه يبدو نوعاً من الممارسة السياسية، ويصبح الأديب رجلَ سياسة، لكن بطريقته وأدواته الخاصة. وقد لخص نجيب محفوظ هذا الموقف في عبارة بليغة قال فيها: «ليس هناك حدث فني، بل حدث سياسي في ثوب فني». وليس معنى هذا أن محفوظ يقر بلَيِّ عنق الأدب لخدمة أيديولوجيات معينة بما يقضي على الجانب الجمالي فيه، لكنه يتحدث عن حضور السياسة في النص الأدبي كسياق عام وممارسة اجتماعية، أي يشير إلى تأثير الواقع المعيش على الأدب.



ليس هذا فحسب، بل إن الأدب بمختلف ألوانه يلعب دوراً سياسياً، مباشراً أو غير مباشر، في الحياة السياسية، ففضلاً عن كونه قد يكون أداة في يد السلطة لتشكيل وعي المجتمع بما يخدم مصالح طبقة أو فئة معينة، أو على النقيض، قد يصبح أداة لمقاومة استبداد السلطة بالحيلة تارة وعنوة تارة أخرى، فالأدب هو أيضاً أحد العناصر الرئيسية التي تكوِّن وجدان الأمم، ويساهم -مع غيره من أدوات التشكيل الثقافي- في صياغة شخصيتها القومية وبلورة هويتها الحضارية، كما يُعتبر أحد المصادر الأساسية لدراسة الشعوب.



ويتداعى إلى الذهن في هذا المقام ما ذكره الصحافي المصري محمد حسنين هيكل في مقال مطول له عن حرب البلقان التي جرت العام 1999، من أن سفير سورية في بلغراد خلال فترة الستينات، ثابت العتريس، نصحه بقراءة رواية «جسر على نهر إدرينا» لإيفو أندريتش، حين كان هيكل يريد أن يعرف الطبيعة السياسية للمجتمع اليوغوسلافي، قبل أن يجري حواراً مع الرئيس جوزف تيتو، وقال له: «عندما أريد أن أبحث عن الحقائق الأولى في حياة أي بلد وعن القواعد السياسية القادرة على تفسير توجهاته، فإنني لا أعتمد كتب التاريخ الموثقة، ولا المذكرات السياسية الضافية، وإنما أتوجه مباشرة إلى الأدب... عندما يكتب المؤرخ والسياسي والديبلوماسي، فإنه مضطر -لطبائع الأشياء- إلى أن يظل دائماً وراء الظاهر المرئي والمتحرك، أما حين يكتب الشاعر أو القاص والروائي، فإنه يغوص في الأعماق، ويجوس هناك حول الكوامن التي يمكن أن نسميها روح الأمم، وينفذ إلى الخلايا التي تحتفظ وحدها بسر الحياة في عمر بقائها وطوله». واتجه بعض الدول لفحص الإنتاج الأدبي لأمم أخرى لتتعرف من خلاله جوانب في تكوينها النفسي والاجتماعي، فالإسرائيليون مثلاً اهتموا بدراسة الأدب العربي، وراحوا يترجمونه منذ وقت مبكر، في حين اهتم بعض مراكز البحوث العربية بدراسة الأدب الصهيوني للغرض ذاته.



وتردد أن الاستخبارات الأميركية، ساعدت في الترويج لاتجاه «الحداثة ومابعد الحداثة» في الإبداع والنقد الأدبي، من أجل الحد من مدرسة الواقعية الاشتراكية التي امتد نفوذها إلى العالم أجمع. وتم تنفيذ ذلك عبر ما يسمى بالمجلس الثقافي الحر، الذي أنشأ مكاتب في 35 دولة وقام بتعيين مئات الموظفين، وتمويل عشرات المجلات، وتنظيم مئات المعارض والمؤتمرات، وتخصيص عشرات الجوائز للأدباء الذين سلكوا هذا الاتجاه، ودفع رواتب منتظمة لعدد من النقاد، بخاصة اليساريين الذين عارضوا التجربة الشيوعية للاتحاد السوفياتي السابق، ليعدوا دراسات متعمقة ذات طابع نظري تؤصل لهذه المدرسة الأدبية. ونظر بعض المفكرين العرب إلى الأدب على أنه وسيلة مهمة لبعث الروح القومية، والحفاظ عليها. لذا نجد أن مفكراً قومياً مثل ساطع الحصري، يطالب الأدباء بأن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه المجتمع، ويؤمنوا بوحدة الأمة، ولا يستسلموا لنوازع الإقليمية أو يندفعوا وراء فكرة العالمية، ويجندوا نتاجهم الأدبي في خدمة القومية العربية. وشبّه الحصري المنتوجات الأدبية، من حيث تأثيرها الاجتماعي، ببعض المصنوعات المادية، ورأى أن من الأدب ما يعمل عمل أسلحة الحرب والنضال، ومنه ما يعمل عمل آلات الحرث، ومنه ما يعمل عمل أدوات الزينة، مثل القلائد والأساور.

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:38 AM.