|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
تبصرة الأنام بضرورة تحكيم شرع الرحمن
تبصرة الأنام بضرورة تحكيم شرع الرحمن الشريعة لماذا؟ 1- هل الشريعة الإسلامية ضرورية في دين الله؟ ولماذا؟ 2- هل يجب عليَّ كمسلم أن أسعى للمطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية؟ 3- ما هي آثار تطبيق الشريعة الإسلامية؟ وما هي العواقب الناجمة عن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]. كتبه صاحب المعاصي والذنوب، مَن يرجو ستر ربه: معاذ أحمد العطار. مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذي العز المجيد، والبطش الشديد، المبدئ المعيد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، والمُكرِم لمن خافه واتَّقاه بدارٍ له فيها من كل نعيم مزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.أكتبُ هذه الكلمات في هذه الأيام الطيبة المباركة من أواخرِ شهر رمضان؛ وقفةً لله عز وجل، ونصرةً لشريعته الغرَّاء، التي أصبحت في زمن الغربة وكأنها شيءٌ ليس له وجود، أو نزلت في كتابه الكريم أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من باب الحفظ لا للتطبيق، وامتدت ألسنة أهل النفاق بالقدح والاستهزاء، والتطاول على شريعته الغراء؛ جهلاً تارة، وحقدًا وبغضًا تارات، وكما قال - عز وجل -: ﴿ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 26]، فكان ولا بد من كل مسلم أبيٍّ من قومةٍ لنصرة شريعة الله عز وجل. ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا... ﴾ [سبأ: 46]، والله المستعان، وعليه التكلان. أسئلة هامة: أبدأ حديثي إليكم بأسئلة هامة: هل لا بد من تطبيق الشريعة الإسلامية؟ وما تقصيري ما دمت أُصلِّي وأصوم وأفعل ما يُرضي الله، ولكن لا أهتم ولا أبالي بتحكيم الشريعة الإسلامية؟ وما الدور الذي يمكن أن أقوم به في هذا الصدد؟ ولكي نوضح هذه القضية الخطيرة سنُجملها في ثمان نقاط: أولاً: تطبيق شرع الله واجب عقلي. ثانيًا: تطبيق شرع الله واجب شرعي. ثالثا: ما لكم لا ترجون لله وقارًا؟! رابعًا: الدين كله لله. خامسًا: شبهات باهتة والرد عليها. سادسًا: خطورة عدم تطبيق شرع الله. سابعًا: ثمرة تطبيق شرع الله. ثامنًا: دور كل مسلم لتحقيق هذا الأمر. أولاً: تطبيق شرع الله واجب عقلي: وهنا أوجه حديثي لأصحاب العقول والأفهام، أليس مَن صنع شيئًا هو أعلم الناس به؟ فلو أنك اشتريت جهازًا ما جديدًا وأصابه عطل، مَن الذي سيصلح هذا الجهاز؟ سترد عليَّ بكل بساطة: إنه صانع هذا الجهاز؛ لأنه أدرى به، وهو الذي يعلم ما الذي ينفعه وما الذي يضره، ومتى يعمل، وكيف يعمل، والطريقة المثلى للأداء الجيد للجهاز، ولا يستطيع أحد أن يتدخل في هذا؛ لأن صانع الجهاز هو أعلم الناس به، بل ويضع له "الكتالوج" الذي يوضح كيفية عمله. وأنا هنا أسألك: مَن الذي خلق الإنسان؟ ستقول لي: الله. فمَن الذي يعلم ما يضر وما ينفع الإنسانَ؟ إنه الله الذي خلق الإنسان. لذا؛ فإن شريعته هي الأصلح لحياة خلقه؛ لأنه هو خالقهم الذي يَعلَمهم، كما يقول - عز وجل -: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، ويقول: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140]، فمَن ادَّعى الفهم والعقل والعلم من هذه النخبة المزعومة، لماذا لا يقبل بهذه الحقيقة المجردة؟ والله - عز وجل - يقول: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10]. ثانيًا: تطبيق شرع الله واجب شرعي: وهنا يأتي السؤال الثاني: هل واجب عليَّ أن أسعى لتطبيق شرع الله؛ فأنا أصلي وأصوم وأزكي، كما أنها لم تأتِ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله...))؟ اسمع أخي في الله جوابًا شافيًا في هذا الأمر، يجعلك تنتفض غضبًا لضياع هذا الأمر، وتتوارى حياءً من شدة التقصير فيه، فالله - عز وجل - أَورَدَ في كتابه الجليل من الآيات التي تُنبِّهنا إلى أنه يجب التحاكم إلى شرعه وأحكامه، لا إلى أحكام البشر كما يحدث الآن؛ أي: الأخذ بأحكامه وقوانينه، لا بالأحكام والقوانين الفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها التي هي من وضع البشر، فيقول - عز وجل - وهو يُقسم بذاته العَليَّة إنه لا إيمان مع ترك التحاكم لشريعته: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، فهذا أمر صريح واضح بضرورة الأخذ بالأحكام التي أنزلها الله عند حدوث التنازُع والتشاجُر، بل والتسليم والرضا بحكمه عز وجل. ويقول - عز وجل -: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]؛ حصرٌ وقصرٌ بأن الذي يُحكَم بشريعته وأحكامه هو الله، ويعيب ويستنكر - عز وجل - على أقوام اتخَذوا غير حكمه، فيقول: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، صدقتَ ربَّنا، أيرضَون أن يتحاكموا بقوانين المخلوقين مثلهم، أصحاب النقص والشهوة، ويتركون شريعة الخالق سبحانه وتعالى؟! واللهِ ما هذا إلا لضعف اليقين والإيمان بالله الخالق، الحَكم العدل، الخبير البصير، القوي العليم. وانظر واسمع إلى هذا الأمر الشديد الواضح من الملِك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ... ﴾ [المائدة: 49]؛ لأن الله - عز وجل - يعلم أنه مَن لا يقبل شريعته وحكمه لا يقبلُها إلا لهوًى في نفسه من دنيا وحب شهوات ومعاصٍ، فكيف يرضى بشريعةٍ تمنعه من هذا؟ أو انظر إلى تغليظ قوله عز وجل؛ حيث قال: ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]. إياك إياك يا محمد، أن يجعلوك تحيدَ عن بعض ما أنزل الله، مجرد بعض ما أنزل الله، فما بالكم بمن بدَّل وغيَّر أحكامًا كاملة؟ ويقول - عز وجل -: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18]، وهذا أمرٌ مباشر بتطبيق شرع الله - عز وجل - واتِّباعه، وعدم الانصياع لأصحاب الأهواء والشهوات. بل إن الله - عز وجل - حذَّر من مغبَّة عدم تحكيم شرع الله، فقال - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]. ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]. ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47]. وانظر إلى هذا الوصف الدقيق الذي وصفه الله لأقوام أعرضوا عن التحاكم لشرع الله: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 47]، فهؤلاء أقوام ادَّعَوا الإيمان بالله وبالرسول، بل وأطاعوا فصلَّوا وصاموا وحجُّوا، ثم هم يتولَّون عن هذه الطاعة بأنهم إذا دُعوا إلى التحاكم إلى كتاب الله ورسوله أعرضوا بشدة، كما يقول - عز وجل -: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾ [النور: 48]. وإن كان لهم الحق؛ أي: إن كان الحكم موافقًا لهواهم من حِل أو حرمة، أسرعوا إليه، لا لأنه حكم الله الذي يجب التحاكم إليه، بل لأنه يوافق مرادَهم، ولو كان على عكس مرادهم لأعرضوا عنه، فانظر كيف يصفهم: ﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [النور: 50]، والله - عز وجل - هنا يقرر أن هؤلاء - نعوذ بالله من ذلك - قلوبُهم مريضةٌ بمرض الكِبْر أو حب الشهوات. كما نرى كثيرًا من هؤلاء الأصناف في مجتمع الصحفيين والإعلاميين وغيرهم، ممن تتعاظم نفوسهم، فلا يطيقون أيَّ سلطان عليهم، فهم كما يظنُّون بأنفسهم أرفع وأكبر من ذلك، وهذا صنف. والصنف الآخر - نعوذ بالله - صنفٌ يشكُّ ويرتاب في حكم الله، وهذه مصيبة؛ لأن ذلك شك في ذات الله، فمَن شكَّ أن أحكام الله ليست واقعيةً وليست مناسبة، شك في قدرة الله الذي حكم بهذه الأحكام، وفي علمِه بالغيب، وفي حكمته وفي خبرته وفي وفي…، وتلك مصيبة. والصنف الثالث يخافون أن تكون هذه الأحكام ظالمة: ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾ [النور: 50]؛ أي: يظلمهم الله ورسوله، فيقولون - نعوذ بالله -: أحكام قاسية، بجهلهم، وهنا يصفهم الله: ﴿ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [النور: 50]. وانظر إلى حال المؤمنين، والفرقِ بينهم وبين هؤلاء المُعرِضين: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]. الله أكبر، الله أكبر، هؤلاء هم أهل النجاح والفلاح. وبعد كل هذه الأوامر الربانية بتحكيم شرع الله، يتبيَّن لنا أنه يجب الحكم بشريعته، والعمل بها، والسعي لهذا الأمر، والعمل به؛ لأنها من أوجب واجبات الدين، ومن لوازم لا إله إلا الله؛ لأن الله الخالقَ يجب أن يُحكم بشريعته. وأخيرًا أقول: كيف يا من تؤمن بأسماء الله الحسنى - ومن أسمائه المهيمن؛ أي الذي يسيطر ويهيمن ويحكم - لا ترضى بأحكامه؟! ألست تؤمن بقوله - عز وجل -: ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]؟ فإن كان الله - عز وجل - خيرَ الحاكمين، فكيف تترك حكمه لحكم غيره؟ ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 26 - 29]. ثالثًا: ما لكم لا ترجون لله وقارًا؟! دأب أصحاب مقولة "الدولة المدنية" أن يرفعوا شعار احترام المؤسسات واحترام القوانين وهيبة الدولة، بل ويغضبون أشد الغضب عند مخالفة قرارات محكمةٍ مثل المحكمة الدستورية العليا، فما بالكم بقرارات وأوامر رب العالمين، ملك الملوك، جبار السموات والأرض، الواحد القهار؟ ألم يسمعوا قول الله - عز وجل - الذي يخلع القلوب: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؟! أين توقير الله يا قساة القلوب، وأنتم تجعلون القوانين الفَرنسية المنسوبة للمخلوقين في مرتبةٍ أعلى من قوانين الخالق؟ أيعقل هذا؟! ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؟! لو أن جنديًّا في الجيش خالف الأوامر العسكرية الصادرة من القائد الأعلى، ماذا سيحدث؟ تقوم الدنيا ولا تقعد، كيف له أن يخالف الأوامر العليا؟! وأنتم بكل بساطة تضربون بأوامر الله - عز وجل - عرض الحائط وتأخذون بضدها. ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؟! رابعًا: الدين كله لله: مفهوم غائب عن كثير من المسلمين اليوم، أن الدين يجب أن يؤخذ بشموله، فدين الله - عز وجل - أعظم وأرقى وأعلى شأنًا، فدين الله ليس مائدةَ طعام نأخذ منها ما نريد ونترك ما لا نريد، فهو كلٌّ لا يتجزَّأ، فأنت يا عبدالله، بمجرد دخولك الإسلام والنطق بـ"لا إله إلا الله محمد رسول الله"، أصبحت مستسلمًا لجميع أوامر الله استسلامًا تامًّا، بقوله - عز وجل -: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، فالله - عز وجل - إذا أمَر بأمرٍ يجب على جميع المسلمين السمعُ والطاعة فورًا، فالمسلم مثلاً لا يختار هل أصلِّي وأترك الزكاة والصيام، أو المسلمة مثلاً لا تختار هل أصوم وأترك الحجاب. وأضرب لك مثالاً: هل من المقبول عقلاً إذا ذهب رجل للعمل بمصنع أو شركةٍ ما وقبِل هذا العمل، أن يخالف مواعيد العمل أو نظام العمل؟ فيقول مثلاً: سأعمل فقط 6 ساعات بدلاً من 10 ساعات، أو سآتي بعد انغلاق المصنع وأعمل بمفردي، هل سيرضى أحد؟! أو لو أنك بعد أن استخرجتَ رخصةَ قيادة السيارة، قلت لهم: سأطبق جميع قوانين المرور التي يجب أن ألتزم بها ما عدا قانونًا سأخالفه، ولا أريد أن يعاقبني أحد، فهل سيرضى أحد بذلك؟ فما ظنكم برب العالمين؟! وصدق الله عندما يصف هؤلاء الذين يريدون أن يأخذون من دين الله ما يوافق هواهم ويتركون ما لا يوافق هواهم: ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة: 85]. خامسًا: شبهات باهتة والرد عليها: وهنا سأرد سريعًا على بعض الشبهات الواهية التي يسوقها أصحاب الأهواء؛ ومنها ما يدعونه. شبهة أولى: إن الشريعة الإسلامية أحكام قديمة لا تساير العصر الحديث الذي نعيش فيه، حيث التقدم والتكنولوجيا ومحدثات الأمور. وللرد على هذه الشبهة نقول: هل تظن أن الله العليم لم يكن يعلمُ هذا، وهو الذي يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون؟ ألم تسمع قول الله: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8]؟ أليس هذا ينافي إيمانك بقوله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 75]؟ وأرد عليك بقول المتخصصين في مجال القانون، لا بادعاء أصحاب الأهواء؛ حيث قرر مؤتمر القانون الدولي بمدينة "لاهاي" عام 1948م (أن الشريعة الإسلامية حية، وتصلح للتطور مع الزمان، وتعتبر مصدرًا من مصادر القانون المقارن)؛ بتصريف. إن هناك أمورًا مستحدثة لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأقول لك: إن من مصادر الشريعة الإسلامية القرآن والسنة والإجماع والقياس، وهو إلحاق غير المنصوص عليه بالمنصوص عليه لاشتباه في علة الحكم؛ ومنه إلحاق المخدرات - وهي أمر مستحدث - بالخمور، وهكذا، فهل هناك بعد ذلك مَن يدعي أن الشريعة الإسلامية لا تواكب العصر الحديث؟ تعالى الله عما يقولون علوًّا عظيمًا. شبهة ثانية: إننا نعيش في وطن به مسلمون ونصارى، وتحكيم الشريعة فيه ظلم وضيم للنصارى. أقول: سبحان الله، والله كذَبتم، قلتم عكس ما قاله أكابر النصارى أنفسهم، فالأنبا شنودة بنفسه في جريدة الأهرام قال: "إن العيش في ظل الشريعة الإسلامية خيرٌ من تلك القوانين التي استوردوها لنا من الخارج". ويقول الأنبا غورغيوس: "لقد لاقتِ الأقليات المسيحية التي عاشت في ظل الشريعة الإسلامية كلَّ الحرية والعدل والمساواة". ألم تسمع قول الله: ﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ... ﴾ [المائدة: 47]؟ أي: جعل لهم الحق في التحاكم إلى شريعتهم، أي حق ورحمة وتسامُح هذا؟ وانظر إلى الديموقراطيات الحديثة، ففي سويسرا أجرَوُا استفتاءً على منع بناء المآذن، ومنعوها. وفي فرنسا منعوا الحجاب في المدارس، ثم النقاب في الطرقات العامة والميادين، فأي ظلم هذا؟ وأما نحن، فلا نَجُور على عقائد الآخرين ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، ويشهد التاريخ أن المسلمين لم يُكرِهوا أحدًا على الإسلام؛ لأن الله أمَرَهم صراحةً بهذا، فقال - عز من قائل -: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]. وانظر إلى النقيض في الطرف الآخر، فأحداث البوسنة ليست منا ببعيد، وما حدَث بها من أبشع صور ال*** وال***** وهتك الأعراض في قلب أوروبا، بلاد الحريات كما يدَّعون، بل وما فعله النصارى بالمسلمين بعد سقوط الأندلس، وما سُمِّي بـ"محاكم التفتيش"، لإجبار المسلمين على دخول النصرانية، وما فعله الصليبيون أيام الحملات الصليبية بالمسجد الأقصى، حتى غاصت خيولهم في دماء المسلمين بالمسجد. وماذا فعل بعد ذلك صلاح الدين؟ وما يحدث من التطاول على النبي صلى الله عليه وسلم بالصور المسيئة والأفلام المشوِّهة، ولم يفكر أي مسلم في الرد بالإساءة لأي نبيٍّ، وبالعكس نُوقِّر عيسى عليه السلام، ونعلم أنه نبي، ويحرم إيذاء الأنبياء، ونؤمن بهم جميعًا. فهذا الذي بيننا وبينكم، وكل وعاء بما فيه ينضح. أظن أنه لا يستطيع أحد أن يتكلم بعد ذلك، ويدعي زورًا وبهتانًا أيَّ ظلمٍ أو ضيمٍ للنصارى. شبهة ثالثة: أن القرآن والسنة كنصوص لهما القداسة، وأما تفسيرهما، فليس له أي قداسة، وكما أنه قد يوجد هناك آراء كثيرة في المسألة، فبأيها نأخذ؟! (كلام الأسواني - عمار - حمزاوي). أقول: إن هذه الشبهة هي من أخبث الشبهات، وتدلُّ على سوء الطوية لصاحبها؛ لأنه لا يستطيع أن يقول بصراحة: إنه يكره الشريعة ولا يريدها، فأراد أن يتحجَّج بأي حُجة واهية؛ لكي يجد ملاذًا أو ملجأ أو مغارات، وأقول لهم بكل قوة: يا جهلاء، ألم تسمعوا قول الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]؟ فكيف يكون الحفظ مع ضياع المراد من النص وعدم المبالاة به كما تدعي أنت، أو الإتيان بمخالفة معنى النص؟ فهل هذا يُعقل؟ فمثلاً قوله - عز وجل -: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، هل يستطيع أن يخرج علينا أحدٌ، فيقول: إن الله يأمرنا في هذه الآية بالنوم؟ هل يُعقل هذا؟ أو قوله: ﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، هل يُعقل أن يقول أحد: إن الله يأمرنا أن نحفظ الأموال ولا نعطيها أحدًا؟ فإن جاء الأمر في كتابه العزيز: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]، فهذا أمرٌ مباشر بالحكم بما أنزل الله، فأين لك المخرج من هذا؟ وكما بيَّن الله - عز وجل - في كتابه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، فالله - عز وجل - بيَّن في هذه الآيات أن هناك محكمًا لا يُختَلف فيه، مثل الأوامر والنواهي؛ أي الأحكام والشريعة. يقول الشعراوي في تفسير هذه الآيات: "المُحكم لا يتسرَّب إليه خلل ولا فساد في الفهم، وهو ما لا تختلف فيه الأفهام، لأن النص فيه واضح وصريح، لا يحتمل سواه؛ أي: افعل أو لا تفعل، والسمعيات كقوله - عز وجل -: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] وجب الإيمان بها. وكما قيل: لا اجتهاد مع نص واضح، فأين كثرة الخلاف الذي تخشاه؟ وإن كان خلافًا معتبرًا نأخذ بالأرجح، أو بالمرجوح عند ظهور المصلحة، وإن كان خلافًا غير معتبر - أي: ليس قائمًا على حُجة، بل مراء - فسنرده. وفي النهاية أقول لك: لقد أراحنا فضيلة الدكتور عبدالحليم محمود - رحمه الله - وقام هو ومجموعة من علماء الأزهر والمستشارين والقضاة بوضع أحكام الشريعة في نصوص قابلة للتطبيق، وذلك منذ عام 1987م، وهو حبيس أدراج مجلس الشعب، وبإذن الله سيتم تطبيقه، ولله الحمد. سادسًا: خطورة عدم تطبيق شرع الله: إن تنحيةَ الشرع خطرٌ عظيم وشر عميم، فارتُكِبت الكبائر، وانتُهِكت المحارم، وفشا الظلم، وعلا الباطل، وضُيِّعت الأمانة، وغُيِّبت الفرائض، وأُضيرَ أهل الحق، وارتفع أهل الباطل من الممثلين والممثلات، والمفسدين والمفسدات، وأُفسِح للبدعة، وضُيِّق على السنة، وانجرف الحياء والعفاف، وفشا الفساد والشهوة والإسفاف، وماجت الفتن، وبُورِزَ الله بالمعاصي جهارًا نهارًا، وكثُرت المظالِم والخصومات، وأُوغلَ في الأموال والأعراض والدماء بغير حق. وما من بيتٍ من بيوت المسلمين، إلا ودخلتْه المعاصي، وأصبح لأهل الفواحش رايات، يعلمها أهل الجرأة على الله وكبائر الزلات، ويا لها من مصائب ومصيبات، وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لتُنقَضَنَّ عُرَى الإسلام عروة عروة، فأولُها نقضًا الحكم بما أنزل الله، وآخرها الصلاة))، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بترك الشريعة تنهدمُ جميع أركان الدين حتى تصلَ لترك الصلاة، وكم من المسلمين الآن تاركين للصلاة، حدِّث ولا حرج. سابعًا: ثمرة تطبيق شرع الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا: "لَإقامةُ حدٍّ في الأرض خيرٌ من مطر أربعين عامًا". انظروا إلى الخير العظيم، لو أن حدًّا واحدًا أُقيم على مستحقِّه، لكان في ذلك بركةٌ، خيرٌ من مطر أربعين عامًا، فوالله لو طُبق شرع الله - عز وجل - لطَهُرت الأرض، ولانحسرت الجريمة، ولعلَت الفضيلة، ولعِشْنا في جنباتِها في طمأنينة وسكينة، ولسِرْنا في طرقاتها آمنين على أموالنا وأعراضنا وأنفسنا، ولأخذ كلُّ واحدٍ منا حقَّه، ولطابت نفسه، ولتنزَّلت البركات، وكثرت الخيرات. وصدق رب البريات؛ إذ يقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 66]. فلماذا نُضيِّع كل هذا الخير ونرضى بحياة الضنك والهمِّ؟! ثامنًا: دور كل مسلم لتحقيق هذا الأمر: وهذه النقطة هي أخطرُ نقطةٍ في الموضوع؛ لأنها الجانبُ العملي المهم لإقامة هذا الأمر، وهو دورُك أنت والواجب عليك، فقد تبيَّن لك مما مضى أن أمر تحكيم شرع الله أمرٌ ضروري، لا تفريط فيه، وأنه حتميٌّ في دين الله، وضرورة ملحَّة في حياتنا؛ لذا يجب على المسلم الذي ينتسبُ للإسلام ألاَّ يقف ساكنًا هادئَ البال أمام تلك الطامَّة الكبرى التي تذهب بالدين والدنيا معًا. كيف يُطِيق مَن يشهد بالتوحيد هذا الظلم البيِّن؟ فالله - عز وجل - وصف الكافرين، فقال: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، فالله يخلقُهم ويعبدون غيره، يرزقهم ويشكرون غيره، ويشفي ويفك كرب المكروب ويُحمَد غيرُه. وأيضًا في أمر تحكيم الشريعة، كيف هو الله الخالق الذي خلق الكون ودبَّر له وشرع، ثم لا نأخذ بحكمِه، بل وتُدار الظهورُ لشريعته المنَزَّلة؟ هذا عبث وظلم وإجرام. فهل ستشارك في هذا الإجرام؟ ألم تسمع قول الله - عز وجل - الذي يَهُزُّ الأبدان، ويُصِم الآذان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]؟ واللهُ ليس له حاجةٌ في نصرتنا لشريعته وتأييدنا لها، فكما قال - عز وجل -: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]؛ يمتحننا ويختبرنا. أَمَا تخاف يا عبد الله أن تُخاطَب يوم القيامة بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]؟ أليست أمانةُ إقامة الدين هي التي حَمَّلنا الله إياها بعد أن أشفقتِ الأرض والجبال والسماء، واستخلفنا في الأرضِ لإقامتها؟ فماذا أنت فاعل؟ (أ) يجب أن يرى الله في قلبك حزنًا على طامة تغييب تحكيم شريعته؛ لأنها مصيبة ومعصية كبرى، وصدق ابن القيم حيث قال: "أيُّ خيرٍ وأي دين فيمَن يرى محارم الله تُنتَهك، وسنة نبيه يُعرَض عنها، وشرعه يعطل، ثم هو ساكت اللسان، بارد القلب، شيطان أخرس، فأولئك مع سقوطهم من نظر الله، بُلُوا بأعظم بلية، ألا وهي موت القلب". وها هي أم أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليها أبو بكر وعمر لزيارتها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فوجداها تبكي، فقالا لها: ما الذي يبكيك يا أم أيمن؛ فما عند الله خير لرسوله؟ فقالت: ما على هذا أبكي، ولكن أبكي لانقطاع الوحي من السماء؟ أم أيمن تبكي؛ لأن الإرشاد والهداية انقطعا عن الأرض، فما بالكم بمَن بدَّل الشرع المنزل وطرحه بعيدًا أو لم يقبله؟! سبحانك هذا بهتان عظيم! (ب) النصرة بالقول والفعل في هذا الأمر، وهذا هو أوجب أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن تنحية شرع الله هي أكبر منكر، وإعادته هي أعظم معروف، فيجب العملُ بكل قوةٍ في هذا المجال، واستخدام شتى الأساليب النافعة لذلك؛ كالدعوة باللسان والكتيبات والمطويات، وأحسب عند الله من يفعل ذلك أن يكون من أهل حديث: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة سبعين درجة)). (ج) التوضيح والتبيين، وإزالة اللبس والخوف عند الناس، وهذه النقطة سهلة جدًّا، فالناس في بلادنا تم تعريضهم لحملات إعلامية شرسة لتشويه الشريعة الإسلامية؛ لذا يجب التوضيح لهم أن الشريعة ليست كما يُدَّعى أنها حدود فقط، بل هي نظام حياتي كامل شامل في الاقتصاد والاجتماع والعَلاقات السياسية والروابط الأسرية، وفي كل شيء، والحدود مثل حد الزنا والسرقة لا تُطبق إلا عند توافر شروط وانتفاء موانع؛ أي: لا يُطبَّق حد السرقة إلا بعد إغناء الفقراء، وإخراج زكاة الأغنياء لهم، وإيجاد فرص العمل للعاطلين، فإن شذَّ أحد بعد ذلك دون عذر، فعليه حكم الله، لأن الحدود زواجر، تزجر النفوس المريضة عن الإضرار بالآخرين؛ لذا طالب كبير أساقفة بريطانيا "..." بتطبيق الشريعة الإسلامية للحد من السرقة وال*** والزنا في بريطانيا، فهل من معتبر؟ بل إن بابا الفاتيكان أعطى تصريحًا بإقامة بنك إسلامي بعد أزمة المالية العالمية التي هزت دول العالم الكبرى، وتبين من خلالها أن نظام الاقتصاد الإسلامي هو الأمثل لحل جميع المشكلات المادية المعاصرة. (د) القدوة واتخاذ القرارات الصحيحة؛ وذلك لأن كلاًّ منا راعٍ مسؤول عن رعيته يوم القيامة، فإذا أقام كل واحد منا الشرع في بيته، فأمَرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فهذا سيُيَسِّر تطبيق شرع الله وقَبوله في المجتمع الأكبر، ويجب على المسلم وجوبًا لازمًا لا خيار فيه عند حدوث انتخابات سواء برلمانية أو رئاسية أو طلابية أو محليات أو غيرها، أن يختار الكيانات والأشخاص الذين يرفعون هذا الشعار، وإلا اعتُبِر آثمًا إذا اختار أي حزب أو شخص يعلن أو في برنامجه تنحية شرع الله، بل أحيانًا محاربته؛ لأنه باختياره له يعاونه على هذا الظلم والباطل، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]. واعلم أن الشريعة قد اكتملت، وأن الشرع قد نزل مفصلاً؛ ولذا قال - عز وجل -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا... ﴾ [المائدة: 3]. ولكن لا مانع إطلاقًا لتقبُّل الناس للأحكام الشرعية، فالحجاب مثلاً يجب فيه الدعوة بالرفق والتحبيب فيه والتوضيح بكل رفق ولين، وستجد الخير كما قال - عز وجل -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... ﴾ [آل عمران: 110]. فالمعروف إذا أُمر به برفقٍ، انتشر وزال المنكر، وانظر في بلادنا مصر، كيف كان حال النساء في الستينيات والسبعينيات؟ ماذا كنَّ يلبسْنَ؟ ستجد أنهن كن في أسوأ حال، كن يلبسن الثياب القصيرة جدًّا، فالأرجل عارية، والصدور مكشوفة، واسأل والدتك وجدَّتك ستخبرك بهذا؟ وكان لا يُرى الحجاب في الشوارع، ولكن الآن تغيَّر هذا الأمر للأحسن بفضل الله ثم الدعاة الصالحين الذين ضحَّوا بأوقاتهم وأعمارهم، وغامروا بأنفسهم من أجل الفضيلة، وتحسَّنتِ الأمور عن الماضي، رغم وجود تبرُّج من نوع آخر قد يكون أخطر، وهو الثياب الضيقة و"البادي"، والحجاب المشوه بالثياب الملونة الضيقة و"المكياج"، ولكن بفضل الله أحسن حالاً عن حقبة السبعينيات. فالأمور تحتاج إلى وقت كما قال ابنٌ لعمر بن عبدالعزيز له: يا أبتاه، أتنام ومحارم الله تُنتهك؟ فقال عمر: والله يا بني، لا أبالي لو غَلَتْ بي وبك القُدور، ولكن الله أنزل تحريم الخمر على مراحل، وما كنا لنأخذ بأيدي الناس إلى دين الله غصبًا. ولا نقصد بأننا سنعيدُ مراحل التشريع من جديد، فالدين اكتمل، ولكن هناك بعض الأمور التي ستحتاج إلى وقت مثل فرض الحجاب، فقد يأتي لأحدٍ الشيطانُ، فيقول له: أنت تشرب السجائر، وتسمع الأغاني الخليعة، وتشاهد الأفلام، وزوجتك لا ترتدي الحجاب الشرعي، فهل ستُضيِّق على نفسك بالسعي لتطبيق الشريعة؟ فأقول له: كذبت يا إبليس؛ لأنه عند ارتفاع الإيمان، وامتلاء القلب بالسكينة والطمأنينة، يمكنه ترك أي معصية بكل سهولة، حتى ولو كان معتادًا عليها. وأضرب لك مثالاً بشهر رمضان، فكثير من الناس في هذا الشهر الفضيل عندما يزداد الإيمان وطلب التوبة والغفران، يُقلِع عن شرب السجائر في هذا الشهر، بل أعلم الكثير منهم يقوم بحذف قنوات الأفلام والمنوعات من التلفاز في هذا الشهر، ومسلمات طيبات لا يضعن المكياج توقيرًا لله في هذا الشهر، ويحتشمن في ثيابهن؛ هذا لأن الجو الإيماني في رمضان يعطيك الدفعة لترك تلك المعاصي الشخصية، وبإذن الله إذا انتشر المعروف ستجد من نفسك الاستعداد والهمة لترك المعاصي، بل ستجد لذة في ذلك، ومَن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه. وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرًا وأنا أعلم يقينًا أن المسلم الصادق لا يُغلِّب رغبته وشهوته أبدًا على دينه. ومَنَّ الله عليَّ بالإتمامِ في العشر الأواخر من رمضان يا ربِّ فاقبلْه على نقصان واجعله لي يا رب في الميزان
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
بارك الله فيكم
|
العلامات المرجعية |
|
|