اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #46  
قديم 02-02-2014, 10:03 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


وقفة مع آية
{إن تبدوا الصدقات فنعما هي}

د. أمين بن




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد قال الله - تعالى -: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

قال القُرطبيُّ: "ذهب جمهور المفسِّرين إلى أن هذه الآية في صَدَقَة التطوُّع؛ لأن الإخفاء فيها أفضلُ من الإظهار، وكذلك سائر العبادات، الإخفاءُ أفضل في تطوُّعها؛ لانتفاء الرِّياء عنها، وليس كذلك الواجبات"[1]؛اهـ.

قال ابنُ كثيرٍ: "وفي الآية دلالةٌ على أن إسرار الصَّدَقة أفضل من إظهارها؛ لأنَّه أَبْعَدُ عن الرِّياء، إلاَّ أن يترتَّب على الإظهار مصلحةٌ راجحةٌ، من اقتداء الناس به؛ فيكون أفضل من هذه الحَيْثِيَّة، وإلا فالإِسرار أفضلُ"[2]؛اهـ.

قال القُرطبيُّ: "وهذا - أي: إظهار الصَّدَقة - لِمَن قَوِيَتْ حالتُه، وحَسُنَتْ نِيَّتُه، وأَمِنَ من الرِّياء، وأما مَن ضَعُفَ عن هذه الرُّتْبَة؛ فالسِّرُّ له أفضلُ"[3]؛ اهـ.

وقوله - تعالى -: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُكُمْ} [البقرة: 271].

قال ابن القيم: "وتأمَّل تقييده - تعالى - الإخفاءَ بإيتاء الفقراء خاصةً، ولم يَقُلْ: وإن تُخفوها فهو خيرٌ لكم، فإنَّ من الصَّدَقة ما لا يُمكن إخفاؤه، كتجهيز جيشٍ، وبناء قنطرةٍ، وإجراء نهرٍ، أو غير ذلك، وأما إيتاؤها الفقراء، ففي إخفائها من الفوائد: الستر عليه، وعدم تَخْجِيلِه بين الناس، وإقامته مقامَ الفضيحة، وأن يرى النَّاس أنَّ يده هي اليد السُّفلى، وأنَّه لا شيءَ له؛ فيزهدون في معاملته ومعاوَضته، وهذا قدرٌ زائدٌ من الإحسان إليه لمجرد الصَّدَقة، مع تضمُّنه الإخلاص..."؛ إلى آخر ما قال[4].

وقد مَدَحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَة السِّرِّ، وأثنى على فاعِلِها، وأَخْبَرَ أنه أحدُ السَّبْعَةِ الذين يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّه يوم القيامة؛ ولهذا جعله - سبحانه - خيرًا للمُنْفِق، وأخبر أنه يُكَفَّر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته؛ ولا تخفى عليه - سبحانه - أعمالُكم ولا نيَّاتُكم؛ فإنه بما تعملون خبيرٌ.

Ÿ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهُم الله في ظِلِّه، يومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه))، وذكر منهم: ((رجلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُه))[5].
Ÿ وذَكَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صِنْفًا آخَرَ يستحقُّ ذلك التَّكريم، وهو الذي ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضت عينَاهُ.
Ÿ وعن معاذٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الجاهِرُ بالقرآن كالجَاهِرِ بالصَّدَقَة، والمُسِرُّ بالقرآن كالمُسِرِّ بالصَّدَقَة))
[6].
Ÿ وعن عبدالله بن جعفر، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غضبَ الرَّبِّ))[7].
قال العِزُّ بنُ عبدالسَّلام في تفاوُتِ فضلِ الإسرار والإعلان بالطَّاعات: "فإن قيل: هلِ الإخفاءُ أفضلُ من الإعلان؛ لما فيه من اجتناب الرِّياء، أو لا؟

فالجوابُ: أن الطَّاعات ثلاثةُ أَضْرُبٍ:
أحدها: ما شُرِعَ مجهورًا، كالأذان والإقامة والتَّكبير، والجَهْر بالقراءة في الصَّلاة والخُطَبِ الشرعية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الجمعة والجماعات، وغير ذلك، فهذا لا يُمكن إخفاؤه، فإن خاف فاعِلُه الرِّياءَ؛ جاهَدَ نفسَهُ في دَفْعِهِ إلى أن تحضره نيَّةُ الإخلاص، فيأتي به مُخْلَصًا كما شُرِعَ؛ فيَحْصُل على أَجْرِ ذلك الفعل، وعلى أَجْرِ المُجاهِد؛ لما فيه من المصلحة المتعدِّية.الثاني: ما يكون إسرارُهُ خيرًا من إعلانه، كإسرار القراءة في الصلاة، وإسرار أَذْكارها، فهذا إسرارُهُ خيرٌ من إعلانه.الثالث: ما يُخفَى تارةً ويُظهَرُ أخرى، كالصَّدَقات، فإن خاف على نفسه الرِّياء، أو عَرَفَ ذلك من نفسه، كان الإخفاء أفضلَ من الإبداء؛ لقوله - تعالى -: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُكُمْ} [البقرة: 271]..."؛ إلى آخر ما قال[8].

وممَّا تَقدَّم مِن الآيات والأحاديث يتبيَّن أنه ينبغي للمؤمِن أن يُخفيَ أعماله الصالحة عن الخَلْق، إلاَّ التي يشرع إعلانها، فإنَّ الذي يعمل لأجلِه لا تَخفى عليه أعماله، وسيجزيه عليها أَوْفَر الجزاء؛ قال - تعالى -: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105]، ولْيعلمِ العبدُ أنه لا ينفعه اطِّلاعُ النَّاس على ما يعمله؛ بل قد يَضُرُّهُ إذا أحبَّ ذلك.

وقد كان هَدْيُ السَّلَف الصَّالِح الحرصَ على إخفاء الأعمال؛ وذلك لِكَمال إخلاصهم، وصفاء نِيَّاتِهم.

فعن أبي قتادة - رضي الله عنه -: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((مررتُ بكَ وأنت تُصلِّي، تخفضُ من صَوْتِكَ))، فقال: "إني قد أَسْمَعْتُ مَنْ ناجَيْتُ يا رسول الله"[9].

ونقل الذَّهبيُّ في "سِيَر أعلام النبلاء": أنَّ عليَّ بن الحسين كان يَحْمِل الخبزَ باللَّيْل على ظَهْرِه، يتبع به المساكين في الظُّلْمَة، ويقول: "إنَّ الصَّدَقة في سواد الليل تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ".

وقال محمد بن إسحاق: "كان ناسٌ من المدينة يعيشون، لا يدرون من أين معاشُهُم، فلمَّا مات عليُّ بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يُؤتَوْن بالليل"، وقال بعضهم: "ما فقدْنا صَدَقَةَ السِّرِّ حتى توفِّيَ عليٌّ"[10].

ونقل المُنذِرُ بن سعيد عن جاريةٍ للرَّبيع: "إنَّه كان يدخل عليه الدَّاخِل وفي حِجْرِهِ المصحف فيغطيه"[11].

وذكر ابن الجوزي: أنَّ داودَ بن أبي هند صام عشرين سنةً، ولم يعلم به أهله؛ كان يأخذ غدَاءَهُ ويخرج إلى السوق، فيَتَصَدَّق به في الطَّريق، فأهل السوق يظنُّون أنه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنُّون أنَّه قد أكل في السُّوق.

قال الشافعيُّ - رحمه الله -: "وَدِدْتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العِلْم، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيءٌ"[12].

وقال الحسنُ - رحمه الله -: "إنْ كان الرَّجل لَقد جَمَعَ القرآنَ وما يشعر به الناس، وإن كان الرَّجل لَقد فَقُهَ الفِقْهَ الكثيرَ وما يشعر به الناس، وإن كان الرَّجل لَيُصَلِّي الصلاةَ الطويلةَ في بيته، وعنده الزُّوَّرُ وما يشعرون به، ولقد أدركتُ أقوامًا ما كان على الأرض من عملٍ يقدرون أن يعملوه في السِّرِّ فيكون علانيةً أبدًا، لقد كان المسلمون يجتهدون في الدُّعاء وما يُسْمَعُ لهم صوتٌ، إن كان إلاَّ هَمْسًا بينهم وبين ربِّهم، وذلك أنَّ الله - تعالى - يَقُول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]"[13].

والحمد لله ربِّ العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.




ــــــــــــــــــ
[1] "تفسير القرطبي" (3/332).
[2] "تفسير ابن كثير" (1/322).
[3] "تفسير القرطبي" (3/333).
[4] "تفسير ابن القيم" (ص:170).
[5] "صحيح البخاري"، (1/440)، برقم (1423)، و"صحيح مسلم"، (2/715)، برقم (1031).
[6] "سنن أبي داود"، (2/38)، برقم (1333).
[7] "المعجم الصغير"، للطبراني (2/95)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع"، رقم (3759).
[8] "قواعد الأحكام"، (1/152).
[9] "سنن أبي داود"، (2/37)، برقم (1329).
[10] "سير أعلام النبلاء"، (4/386).
[11] "سير أعلام النبلاء"، (4/260).
[12] "جامع العلوم والحكم"، (1/310).
[13] "تفسير ابن كثير"، (2/221).








__________________
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 02-02-2014, 10:06 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقفة مع آية من كتاب الله

د. أمين بن عبدالله الشقاوي



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
فنقفُ وقفةً يسيرةً مع آيةٍ من كتاب الله.

قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

يقول تبارك وتعالى: قل يا محمَّد معظِّمًا لربِّكَ، وشاكرًا له، ومفوِّضًا إليه، ومتوكِّلاً عليه: اللهم مالِكَ المُلْك، والمُلْكُ: قيل النبوَّة، وقيل: الغَلَبَة، وقيل: المال والعبيد، والصحيحُ الذي رجَّحه بعض المفسِّرين: أنه عامٌّ لما يصدق عليه اسم المُلْك من غير تخصيص، فقوله: {تؤتي المُلْكَ مَنْ تشاءُ وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تشاء}؛ أي: أنت المُعطي، وأنت المانِع، وأنت الذي ما شئتَ كان، وما لم تَشَأْ لم يكن، وأنت المتصرِّف في خَلْقِكَ، الفعَّال لما تُريدُ.

قال ابن كثير - رحمه الله -: "ردَّ تعالى على مَنْ يحكم عليه في أمره؛ حيث قال : وقالوا – أي: الكفار – لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتيْن عظيم، كالوليد بن المغيرة وغيره؛ قال الله ردًّا عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف:32]؛ أي: أَهُمُ الخُزَّان لرحمة الله، وبيدهم تدبيرها، فيُعطون النبوَّة والرسالة مَنْ يشاؤون، ويمنعونها عمَّن يشاؤون؟! فنحن نتصرَّف فيما خَلَقْنا كما نريد، بلا مانِع ولا مُدافِع، لنا الحكمة البالغة والحُجَّةُ التامَّة، وهكذا يُعطي النبوَّة لمن يريد؛ قال سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]". اهـ[1].

قوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [آل عمران :26].
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: "أي: الخير كله منكَ، ولا يأتي بالحسنات والخيرات إلا الله، وأمَّا الشرُّ، فإنَّه لا يُضاف إلى الله، لا وَصْفًا ولا اسْمًا، ولكنه يدخل في مفعولاته، ويندرج في قضائه وقدره؛ فالخير والشرُّ داخلان في القضاء والقدر، فلا يقع في مُلْكِه إلاَّ ما شاءه، ولكن لا يُضاف إلى الله، فلا يُقال: بيدكَ الخيرُ والشرُّ، ولكن بيدك الخير؛ كما قال الله وقال رسوله". اهـ[2].

جاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه في قيام الليل: أنه كان يقول: ((والخير كلُّه في يديْكَ، والشرُّ ليس إليْكَ))[3]؛ تَأَدُّبًا مع الله تعالى.

ومن فوائد الآيتَيْنِ الكريمتَيْنِ:
أولاً: ما نَقَلَهُ ابنُ كثيرٍ في "تفسيره": أنَّ فيها تنبيهًا وإرشادًا إلى شكر نعمة الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذه الأُمَّة؛ لأن الله - تعالى - حَوَّلَ النبوَّة من بني إسرائيل إلى النبيِّ العربيِّ القُرَشِيِّ الأُمِّيِّ المكيِّ، خاتم الأنبياء على الإطلاق، ورسول الله إلى الثَّقَلَيْن، الذي جمع الله فيه محاسِنَ مَنْ كان قَبْلَهُ، وخصَّهُ بخصائص لم يُعْطِهَا نبيًّا من الأنبياء ولا رسولاً، من العلم بالله وشريعته، وإطْلاعِه على الغيوب الماضية والآتية، وكَشْفِه له عن حقائق الآخِرة، ونشر أُمَّته في الآفاق، في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع؛ فصلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدِّين، ما تعاقَب اللَّيْلُ والنَّهار"[4].

ثانيًا: أن العزة لا تطلب إلا من الله - تعالى - وهي إنما تأتي بطاعته واجتناب معصيته؛ قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].

وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138- 139].

وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].

وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يخاطب الأنصار: ((ألم تكونوا أذلَّةً فأعزَّكم الله؟))[5].

وقال عمر - رضي الله عنه -: ((نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العِزَّة بغيره أَذَلَّنا اللهُ))[6].

ثالثًا: أنَّ الذُّلَّ الذي يُصيب الإنسان إنما هو بمعصيته لله ولرسوله؛ قال تعالى عن بني إسرائيل عندما عصوا الله ورسوله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112].

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بُعِثْتُ بين يَدَي الساعة بالسيف، حتى يُعبَد الله وحده لا شريك له، وجُعِلَ رزقي تحت ظلِّ رُمحي، وجُعل الذُّلُّ والصَّغارُ على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم))[7].

وقال الحسنُ - رحمه الله -: "إنهم وإن طَقْطَقَتْ بهم البغال، وهَمْلَجَتْ بهم البَرَاذين، إنَّ ذُلَّ المعصية لفي قلوبهم، أَبَى الله إلاَّ أن يُذِلَّ مَنْ عصاه"[8].

قال الشَّاعرُ:


رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ --- وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ --- وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيانُهَا



رابعًا: إثبات قدرة الله؛ فهو - سبحانه - القادرُ على كلِّ شيءٍ، لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء؛ ولذلك يُشرَع للمؤمن أن يسأل الله بقدرته أن يُيَسِّر له الخير، ويصرِف عنه الشرَّ؛ فعن عثمان بن أبي العاص الثَّقَفِيُّ - رضي الله عنه -: أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَجَعًا يجده في جسده منذ أسلم؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ضع يدكَ على الذي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وقُلْ: باسم الله ثلاثًا، وقُلْ سبعَ مرَّاتٍ: أعوذُ بالله وقدرته، من شرِّ ما أَجِدُ وأُحاذِرُ))[9].

خامسًا: فضل الدعاء وأهميته، وكان السَّلَفُ يدعون: "اللهم أعِزَّني بطاعتِكَ، ولا تُذِلَّني بمعصيتِكَ"[10]، وينبغي للمؤمن أن يسأل الله من خيرَيِ الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134].

وعن أنسٍ بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللهم ربَّنا، آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخِرة حسنةً، وقِنَا عذابَ النَّار))[11]، وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوةٍ دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاءٍ دعا بها فيه.

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] تفسير ابن كثير (1/356).
[2] تفسير ابن سعدي (ص104).
[3] صحيح مسلم (1/535) برقم (771).
[4] تفسير ابن كثير (1/356).
[5] مسند الإمام أحمد (3/57) وأصله في الصحيحين.
[6] مستدرك الحاكم (1/130).
[7] مسند الإمام أحمد (2/92).
[8] الجواب الكافي (ص53).
[9] صحيح مسلم (4/1728) برقم (2202).
[10] الجواب الكافي (ص53).
[11] صحيح البخاري (3/201) برقم (4522)، وصحيح مسلم (4/2070) برقم (2690).






__________________
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 02-02-2014, 10:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقفة مع قوله تعالى:
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ..} الآية

د. أمين بن عبدالله الشقاوي




وقفة مع قوله تعالى:

﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ..


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
فإن الله أنزل هذا القرآن لتدبُّره والعمل به؛ قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25].

قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا}: هنا الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو لكل مَنْ يتأتَّى خِطابُه، فهو مأمورٌ بالبشارة، إن كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكل مَنْ خلفه في العلم والدعوة، فإنه يمكن أن يقول هذه البشارة، وهي الإخبار بما يسر، وهنا المبشَّر هم المؤمنون الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والمبشَّر به جنات تجري من تحتها الأنهار، والمبشِّر هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - والآمِر بالتبشير هو الله تعالى.

وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: جمعوا بين الاستسلام الباطن، - وهو الإيمان - والاستسلام الظاهر - وهو العمل الصالح - وجمعوا بين الإخلاص في القلب - وهو أمرٌ باطن - والمتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أمرٌ ظاهر - فالبُشرى لمَنْ جمع بين الأمرَيْن.

وقوله: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}؛ أي: بساتين جامعة للأشجار، وسمِّيت جنةً لأنها تُجِنُّ مَنْ فيها؛ أي: تستُره، لكثرة أشجارها وأغصانها.

والمراد هنا: دار النعيم التي أعدَّها الله للمتَّقين، والأنهار التي تجري من تحتها؛ أي: من أسفلها وتحت القصور والأشجار، وهي أربعة أصناف، ذكرها الله بقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15][1].

وقوله: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]؛ لأنه يشبهه في اللون والحجم، ولكنَّهم إذا طَعِمُوهُ تَبَيَّنَ لهم أنه غيره، وهذا من تمام لذَّة الآكِلين إذا أُتُوا بالطعام أو بالثمر مُتشابِهًا، ولكنه يختلف في الذَّوْق؛ حيث صار هذا من تمام اللذَّة، وكمال النِّعمة.

وقوله {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ}: قال مجاهد: "مُطَهَّرَة من الحيْض، والغائط، والبوْل، والنُّخام، والبِزاق، والمَني، والوَلَد.

عن أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَرَوْحَةٌ في سبيل الله أو غدوةٌ - خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَقابَ قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد – يعني: سوطه – خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطَّلَعَتْ إلى أهل الأرض، لأَضَاءَتْ ما بَيْنَهُما، ولَملأتْهُ رِيحًا، ولَنَصِيفُها على رأْسِها خيرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها))[2].

وعن زَيْد بن أرقم - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفس محمد بيده، إِنَّ الرجل من أهل الجنة ليُعْطَى قوَّة مائة رجلٍ في الأكل، والشُّرب، والجِماع، والشَّهوة))[3].

وقوله {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: هو تمام السعادة؛ فإنهم مع هذا النعيم في مقامٍ أمينٍ من الموت والانقطاع، فهو نعيمٌ سَرمَدِيٌّ أَبَدِيٌّ.

ومن فوائد الآية الكريمة:
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في كتابه "من أحكام القرآن":
أولاً: أنه ينبغي أن يبشَّر العامل بما يستحقُّ من الثَّواب؛ لأن ذلك أَبْلَغ في نشاطه ومثابرته على العمل.

ثانيًا: أن البشرى بالجنة لا تكون إلا لمَنْ آمن وعمل صالحًا، فمجرد العقيدة لا تكفي للبشارة بالجنة، بل لابد من إيمانٍ وعمل؛ ولهذا يربط الله تعالى دائمًا الإيمان بالعمل الصالح.

ثالثًا: أنَّ في الجنة أنهارًا وثمارًا، ولكنها تختلف عمَّا في الدنيا اختلافًا عظيمًا، لا يمكن أن يدركه الإنسان بحسِّه في الدنيا؛ كما قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله: أعددت لعبادِيَ الصالحين: ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر؛ فاقرؤوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [ السجدة:17]))[4].

رابعًا: أن في الجنة أزواجًا مُطَهَّرَة، يتلذَّذ الإنسان بهنَّ، ويتمتَّع بهنَّ؛ كما قال تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: 55 - 58]، وقال تعالى في سورة الرحمن: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 54 - 56].

وهذا يدلُّ على أنهم يتلذَّذون بهذه الزَّوجات في الجلوس على الأرائك والاتِّكاء عليها، مع تقديم الفواكه مِن الوِلْدان والخَدَم.

خامسًا: أنَّ أهل الجنة خالدون فيها، وقد بيَّنت الآية الأخرى أن هذا الخلود خلودٌ أبديٌّ؛ قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} [الكهف: 108][5].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] من أحكام القرآن للشيخ ابن عثيمين (ص128).
[2] صحيح البخاري (2/305) برقم (2796)، وصحيح مسلم (3/1499) برقم (1880).
[3] سنن الدارمي (2/431) برقم (2825)، وقال الألباني في "المشكاة" رقم (5636) سنده صحيح.
[4] صحيح البخاري (2/432) برقم (3244)، وصحيح مسلم (4/2174) برقم (2824).
[5] أحكام القرآن للشيخ ابن عثيمين (ص 130-134).
__________________
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 02-02-2014, 10:36 PM
عمران جابر مهني عمران جابر مهني غير متواجد حالياً
مدرس اللغة الانجليزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 1,650
معدل تقييم المستوى: 15
عمران جابر مهني is on a distinguished road
افتراضي

نور الله طريقك بالايمان والمغفرة
رد مع اقتباس
  #50  
قديم 03-02-2014, 06:37 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمران جابر مهني مشاهدة المشاركة
نور الله طريقك بالايمان والمغفرة
اللهم آمين
واياكم اخى الكريم
__________________
رد مع اقتباس
  #51  
قديم 03-02-2014, 06:44 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقفة مع " بسم الله الرحمن الرحيم "


الشيخ محمد حامد الفقي


أدب الله تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه، نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله؛ وأن يجعلها بين يدي كل مهماته، وجعل الله تعالى ذلك لجميع خلقه سنة يستنون بها؛ وسبيلاً يتبعونه عليها، في افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل "بسم الله" على ما بطن من مراده، وذلك أن "البا" من "بسم الله" مقتضية فعلا يكون لها جالباً، وليس معها فعل ظاهر، فأغنت تلك الباء السامع عن حاجته أن يذكر القائل مراده، إذ كان كل ناطق بجملة "بسم الله" عند افتتاحه أمراً قد أحضر منطقه به: إما معه، وأما قبله، بلا فصل -: ما قد أغنى سامعه من دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح قيله نظير استغنائه إذا سمع قائلا، قيل له: ما أكلت؟ فقال: تفاحًا - مثلاً - فإنّ في تقدم السؤال على هذه الصورة ما يغنيه عن أن يقول: أكلت تفاحًا.

فمعقول إذن أن قول القائل "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم يأخذ في تلاوة السورة: منبئ أن معناه: أتلو بسم الله الرحمن الرحيم، أو أقرأ بسم الله الخ، وكذلك قوله "بسم الله" فقط عند نهوضه للقيام، أو أخذه في أي آخر من سائر أفعاله: منبئ عن مراده بقوله "بسم الله" أنه أراد: أقوم بسم الله، أو أقعد بسم الله.

وليس المراد من هذا الفعل الدلالة على البداءة فقط في الشيء الذي سيبدأ فيه: من قراءة، أو قيام، أو أكل، أو نحو ذلك، بل هناك معنى آخر يقصد إليه البادئ بالبسملة في القراءة، أو بذكر الله في الأكل أو القيام؛ أو نحوه وهو -: الاستعانة بالله سبحانه وتعالى على القيام حق القيام بما هو قاصد إلى فعله من ذكر وعبادة، وطلب المدد منه جل ذكره وتقدست أسماؤه في المعونة والتوفيق لما هو بسبيله من عمل ديني أو دنيوي، بل هذا هو المقصود الأول من قول القارئ "بسم الله الرحمن الرحيم" وقول غيره من كل بادئ في عمل "بسم الله".

وليس يبعد أن يقصد قائل "بسم الله الرحمن الرحيم" قبل قراءته لسورة من الذكر الحكيم: أن يشعر نفسه والسامع ما لهذا القرآن من عظمة وجلال، وما على النفس المؤمنة أن تشعر به حين تلاوته وسماعه من الإصغاء إليه والسكون والخشوع عنده، والانقياد له، والطاعة الخالصة لهدايته. فإنه المرسوم الإلهي الأكرم. المنزل من عند الله العزيز الحميد ﴿ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6].

فكأن "بسم الله الرحمن الرحيم" هي عنوان ذلك المرسوم الإلهي: والتصدير الذي يطلب إلى التالي والسامع السكون والإصغاء ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].

ولفظ "الله" هو العلم لرب العالمين، خالق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما وهو علم على الذات الأقدس، وبقية الأسماء الحسنى دوال على الصفات العلية، وقد أبعد - فيما أعلم - من قال أنه مشتق من مادة "أ ل ه" فإن "الإله" قد استعمل في القرآن وغيره من كلام العرب في الحق والباطل، و "الله" لم يطلق إلا على الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

واختص هذه الجملة الكريمة بصفتي "الرحمن الرحيم" إشعاراً بأن مبعث هذه الشرائع السماوية كلها؛ ومصدرها هو صفة الرحمة، فينبغي للعباد أن يتقبلوها القبول الحسن، وأن يفتحوا قلوبهم لها، وأن يردوا مناهلها العذبة، فإنهم في أشد الحاجة إليها وأعظم الضرورة لخيرها ونفعها، وهي غيث القلوب ينزل به الوحي من فوق السموات العلي. فطوبى لقلب تلقاها فرحاً مسروراً مغتبطاً، وهي أعظم بركة على الأرض وأهلها من غيث الماء الذي يحمله السحاب من السماء الدنيا، ولقد وصف الله غيث المطر بالرحمة فقال ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28] ووصف بها غيث العلوم والهداية، فقال في غير آية ﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ فكان أجمل الجمال، وأكمل الإعجاز: وصف الله تعالى نفسه في هذه الجملة بهاتين الصفتين "بسم الله الرحمن الرحيم".

ما أبدعها من جملة، وما أبركها من كلمة، وما أحلاها في لسان المؤمن وسمعه وقلبه، وكذلك كل القرآن ﴿ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].

وما أعجب لشيء عجبي لزعم من زعم أنها ليست من القرآن، فإنك إن أردت الحق والعلم الصحيح تجد البراهين القاطعة آخذة برقاب بعضها آية بينة على أن "بسم الله الرحمن الرحيم" من القرآن الكريم، ويكفي أنها نقلت في المصاحف من يوم الصحابة إلى يومك هذا، وإلى ما بعده مع ما نقل من القرآن تواتراً قطعياً لا مرية فيه، ولا شبهة عند كل عاقل منصف، مع العلم القطعي أن الصحابة كانوا أحرص على تجريد القرآن من كل مغاير له، أمانة في التحمل، وأمانة في الأداء لم يعهد لها نظير في أي أمة، وحفظاً وصياناً من الله الذي أخذ على نفسه تعالت أسماؤه أن يكون أبداً حافظاً لهذا القرآن الكريم، لأنه حجته القائمة على خلقه إلى أن تقوم الساعة، الماحي لكل ما قبله، والخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأنت كذلك إذا أمعنت النظر- منصفاً مبرأ من العصبية - في مختلف الروايات التي جاءت في (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة، خلص لك من ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها في أول الفاتحة، وأول كل سورة، غير أنه كان يقرؤها سراً، لا جهراً مع الفاتحة، وقل إن كان يجهر بها، كما كان يجهر في بعض الأحايين بالتعوذ والاستفتاح والتسبيح على سبيل التعليم والإرشاد.

وذلك دال عندي - والله أعلم - على أنها ليست من الفاتحة ولا من كل سورة، بل إنها سورة مستقلة تقرأ في مفتتح كل سورة، إلا سورة (براءة) التي لم يأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل البسملة في مفتتحها، وذلك طبعاً غيرها في سورة النمل؛ فإنه لا يشك مسلم أنها آية منها.

والذي أعرف من السنة ومختلف أقوال السلف فيها: أنها إنما تقرأ - كما سبق - في مفتتح السورة لا في وسطها؛ ولا عند تلاوة أي آية من القرآن؛ إلا سورة النمل فأعتقد - والله أعلم - أن الصواب: أن يفتتح القارئ لشيء من بعض السورة بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقط؛ ويقتصر على ذلك، ولا يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) إلا إذا كان سيقرأ من أول السورة.

وعجب من قرائنا أن يقرؤوها عند تلاوتهم (مثلا) بعض آي من سورة الأنفال؛ فإذا ختموها وأرادوا قراءة سورة براءة لم يقرؤوا (بسم الله الرحمن الرحيم) فلماذا هذا؟ فإن قالوا: إنه غير وارد قراءتها في أول براءة، قلنا: نعم، وهذا حق، وكذلك غير وارد قراءتها في وسط السورة، فكذلك فكونوا أبداً مع الوارد ولا تتعدوه، فخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وليس عندهم في ذلك إلا عادة غلبت على بعض حفظة القرآن، وقارئيه في المحافل و المجتمعات، وقلدهم في ذلك بعض من لم يعتن بتحقيق المسألة من الجهة العلمية. هدانا الله وإياهم إلى الصراط المستقيم.

وقد صنف الإمام المحقق الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري المتوفى سنة 463 في البسملة كتاب (الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف) مطبوع في الرسائل المنيرية (ج 2 ص 153 - 194) جمع فيه كل ما ورد في موضوع البسملة من الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين والعلماء رضي الله عنهم أجمعين.

وقد ذكر من حجج من أسقط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب في الصلاة وكره قراءتها فيها ولم يعدها آية - حديث أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين" ثم ساقه من طريق آخر إلى أبي الجوزاء عن عائشة قالت "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير؛ والقراءة بالحمد لله رب العالمين، ويختمها بالتسليم" قال أبو عمر: رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم، لا يختلف في ذلك إلا أنهم يقولون: إن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة وحديثه عنها إرسال.

وأما الفقهاء فيقولون: إن هذا الحديث لا حجة فيه لمن يرى إسقاط بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب؛ وإنما فيه الحجة على من رأى أن فاتحة الكتاب وغيرها سواء؛ وأنه جائز قراءتها وقراءة غيرها دونها في الصلاة؛ ويجيز أن يفتتح الصلاة بغيرها من القرآن. فهذا الحديث حجة على من قال ذلك؛ وأما من قال: إن الصلاة لا تجزئ إلا بأم القرآن، وأنها يفتتح بها القراءة في الصلوات دون ما سواها من القرآن، وأن ما سواها من القرآن إنما يقرأ في الصلاة بعد، فلا حجة عليه بهذا الحديث ولا بما كان مثله.

قالوا: وإنما قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، تعنى دون غيرها من القرآن، و"الحمد لله رب العالمين" اسم لسورة أم القرآن، وفاتحة الكتب اسم أيضاً لها. وإنما قالت عائشة "يفتتح بالحمد لله رب العالمين" ولم تقل "دون بسم الله الرحمن الرحيم" لأنه لم يفد السامع فائدة، لأن بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة مثبتة في المصحف، وقد اختلفوا فيها: هل هي آية من أول كل سورة أو آية مفردة في أوائل السورة؟ كاختلافهم هل هي آية من الفاتحة على ما تقدم ذكره.

وإنما قصدت عائشة رحمها الله إلى الإعلام بالسورة التي يفتتح بها الصلاة، وأخبرت بأي السور يفتتح قراءة الصلاة بكلام رفعت به الإشكال، فقصدت إلى ما في فاتحة الكتاب مما ليس في غيرها، لأن بسم الله الرحمن الرحيم في غيرها، فكان قولها "بالحمد لله رب العالمين" كما لو قال قائل: كان يفتتح الصلاة "ببراءة من الله ورسوله" ولم يقل بسورة التوبة، أو قال "بألم، أحسب الناس" ولم يقل بالعنكبوت، أو بق أو بيس ومثل هذا كثير، فكذلك قول عائشة: كان - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين ولم تقل بأم القرآن ولا بفاتحة الكتاب، لأنها قصدت إلى إعلام السامع بالسورة التي يفتتح بها قراءة الصلاة فسمتها بذلك، وليس فيه ما يسقط بسم الله الرحمن الرحيم ولا ما يثبتها.

ثم ساق حجة من يسقط بسم الله الرحمن الرحيم: حديث أبي هريرة "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" وساق كل طرقه وألفاظه، وتكلم عليه متناً وإسناداً ثم قال: وأما من رأى إثبات بسم الله الرحمن الرحيم في أول فاتحة الكتاب فقالوا لا يجوز أن يحال اسم الصلاة إلى القراءة إلا بما لا إشكال فيه من المجاز أو بالدليل الذي لا يحتمل التأويل. قالوا: ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الله تبارك وتعالى "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" أن الصلاة دعاء وعبادة، فمن العبد الدعاء ومن الله الإجابة، ومن العبد الطاعة بالركوع والسجود والقيام والقعود، ومن الله الإجابة والجزاء بالمغفرة والهدى. قالوا فهذا معنى قسم الصلاة بين العبد وبين ربه على ظاهر الكلام دون إحالة اللفظ والله أعلم.

وعلى هذا التأويل يكون المعنى في ابتدائه القراءة بالحمد لله رب العالمين بمعنى ما تقدم ذكره في حديث عائشة وغيره من الابتداء بالحمد لله رب العالمين.

ثم ساق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا؛ واستوعب كل طرقه، وتكلم عليها متناً وإسناداً.

والخلاصة التي تطمئن إليها النفس بعد قراءة هذه الرسالة وغيرها: أن القول في بسم الله الرحمن الرحيم أنها تقرأ أول كل سورة إلا براءة، وأنها تقرأ في الصلاة سراً لا جهراً، وهذا مذهب أهل الحديث وكثير من الفقهاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.


__________________
رد مع اقتباس
  #52  
قديم 03-02-2014, 06:46 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

في ذكر البسملة وفضائلها العظيمة وفوائدها




أخي المسلم وأختي المسلمة: إن (بسم الله الرحمن الرحيم) أمرها عظيم، وفضلها كبير، وأجرها كثير، ولا شك أن لها منزلة عظيمة، فيها كل خير وبركة، وقد افتتح بها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كتاب الله تبارك وتعالى.

وقد اتفق العلماء أنها بعض آية من سورة النمل، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ﴾ [النَّمل: 30]، واختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة أو من كل سورة كتبت في أولها، أو أنها بعض آية من كل سورة، أو أنها آية في فاتحة الكتاب دون غيرها، أو أنها كتبت للفصل بين السور لا أنها آية، إلى آخر ما جاء في أقوال العلماء سلفاً وخلفاً رحمهم الله تعالى.

أما ما جاء في فضلها وبركتها وما يستفاد منها ففي السنة النبوية المطهرة فهو ما يلي:
أولاً: تستحب عند دخول الخلاء حسب ما ورد في الحديث: "بسم اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" أي (الشياطين والشيطانات)، وهذا هو الستر والحجاب بين المسلمين وبين عدوهم الشيطان الرجيم.

ثانيًا: تستحب البسملة في أول الوضوء كما جاء في الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".

ثالثاً: تستحب عند قراءة القرآن، والحديث، ومجالس الذكر.

رابعاً: تجب عند ال***.

خامساً: تستحب عند الأكل لما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". وهذا توجيه نبوي عظيم وأدب من آداب النبوة أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاتباعه والعمل به.

سادساً: تستحب عند الجماع لما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً".

وأسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعاً للعمل بذلك والمحافظة عليه، وتعليمه لأمة الإسلام؛ وأن يجعل فيه الخير والبركة وحفظ النفس والذرية في الحاضر والمستقبل من الشيطان الرجيم، وتنشئة الأجيال على القرآن والسنة، والفوز بالأجر العظيم، وأن نحفظ أنفسنا وذرياتنا من الشيطان الرجيم.

سابعاً: إنما شرعت البسملة لذكر الله العلي العظيم قياماً أو قعوداً أو قرآناً أو صلاة أو وضوءاً أو أكلاً أو شرباً، فذكر الله سبحانه وتعالى في الشروع بها تبركاً وتيمناً واستعانة على إتمام العمل، وطلب القبول والإخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال فيه الخير والبركة، وينبغي للمسلمين عموماً قول ذلك وفعله، والحرص عليه، والبسملة لا تزيد المسلم إلا كل خير وبر وبركة وحفظ ورعاية وعناية من الله سبحانه وتعالى، فنسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا الاستقامة على دينه، ويهدينا صراطه المستقيم، ويجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم آمين.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
رد مع اقتباس
  #53  
قديم 03-02-2014, 06:53 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

في الاستعاذة والبسملة


أولًا: الاستعاذة:
قال الله -تعالى-: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98].

حكمها:
مستحبة قبل قراءة القرآن، وقيل: واجبة؛ أخذًا بظاهر الأمر في الآية، والصحيح أنها مستحبة، وهو قول جمهور العلماء؛ قال الإمام الجصاص - رحمه الله - [1]: "والاستعاذة ليست بفرض؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة[2]، ولو كانت فرضًا لم يخله من تعليمها"، وقال الإمام ابن الجزري - رحمه الله -:
وَاسْتُحِبَّ تَعَوُّذٌ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبْ[3]



ألفاظ الاستعاذة:
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)[4]، أو (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم)، أو (أعوذ بالله من الشيطان)، وهناك ألفاظ أخرى، واللفظ الأول مقدم؛ لورود الآية بمقتضاه، وفيما سبق قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -:
إِذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ --- جِهَارًا مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللَّهِ مُسْجَلاَ

عَلَى مَا أَتَى فِي النَّحْلِ يُسْرًا وَإِنْ تَزِدْ --- لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ

وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ --- وَلَوْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ لَمْ يَبْقَ مُجْمَلاَ



أوقات الإسرار وأوقات الجهر بالاستعاذة:
يُسَرُّ بالاستعاذة عند القراءة سرًّا، وعند القراءة خاليًا، سواء أَقَرَأَ القارئ سرًّا أم جهرًا، وفي الصلاة سريةً كانت أم جهرية، وإن كان القارئ وسط قوم يتدارسون القرآن ولم يكن القارئُ المبتدئَ بالقراءة.

ويستحب الجهر بالاستعاذة إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع إليه، وفي حالة التعليم والمدارسة عندما يكون القارئ المبتدئَ بالقراءة[5].

ثانيًا: البسملة:
حكمها:
البسملة قد تكون واجبة، وقد تكون ممنوعة، وقد تكون مستحبة.

أولًا: الوجوب:
البسملة نص قرآني يجب قراءته في موضعين من القرآن العظيم:
الموضع الأول: وهو أول آية في سورة الفاتحة.

الموضع الثاني: في سورة النمل في قوله -تعالى-: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30].

ويجب الإتيان بالبسملة أيضًا في أوائل السور، عدا سورة التوبة؛ اتباعًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قراءتها، وتبركًا بتلاوتها على أنها ليست آية من القرآن العظيم.

قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -:
وَلاَ بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَائِكَ سُورَةً --- سِوَاهَا وَفِي الْأَجْزَاءِ خَيِّرَ مَنْ تَلاَ



ثانيًا: المنع:
ولا يصح قراءةُ البسملة في أول سورة التوبة؛ ذلك أنَّها لم تكتب في المصحف على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقيل: لأن سورة براءة نزلت بالسيف.

قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -:
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً --- لِتَنْزِيلِهَا بِالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ



ثالثًا: الاستحباب:
ذهب بعض العلماء إلى استحباب قراءة البسملة داخل أي سورة، ولو بعد أولها بآية واحدة وإن كانت سورة التوبة[6].

باب أوجه الاستعاذة مع البسملة عند أوائل السور

وللاستعاذة مع البسملة عند أول كل سورة، ما عدا سورة التوبة أربعة أوجه:
الوجه الأول: قطع الجميع.
أي: قطع الاستعاذة عن البسملة، وقطع البسملة عن أول السورة، فيقرأ الاستعاذة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة، ثم يتوقف، ثم يقرأ أول السورة.

الوجه الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث.
أي: قطع الاستعاذة عن البسملة، ثم وصل البسملة مع أول السورة، فيقرأ الاستعاذة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة ويصلها بأول السورة.

الوجه الثالث: وصل الأول بالثاني وقطع الثالث.
أي: وصل الاستعاذة بالبسملة، ثم يتوقف، ثم يقرأ أول السورة.

الوجه الرابع: وصل الجميع.
أي: وصل الاستعاذة بالبسملة مع وصل البسملة مع أول السورة بغير توقف.

باب أوجه البسملة بين السورتين

الوجه الأول: قطع الجميع.
أي: قطع آخر السورة عن البسملة، وقطع البسملة عن أول السورة الأخرى، فيقرأ آخر السورة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة، ثم يتوقف، ثم يقرأ أول السورة الأخرى.

الوجه الثاني: قطع الأول، ووصل الثاني بالثالث.
أي: قطع آخر السورة عن البسملة، ثم وصل البسملة مع أول السورة الأخرى، فيقرأ آخر السورة، ثم يتوقف، ثم يقرأ البسملة ويصلها بأول السورة الأخرى.

الوجه الثالث: وصل الجميع.
أي: وصل آخر السورة بالبسملة مع وصل البسملة مع أول السورة الأخرى بغير توقف.

قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -:
وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بِسُنَّةٍ --- رِجَالٌ نَمَوْهَا دِرْيَةً وَتَحَمُّلاَ

وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَصَاحَةٌ --- وَصِلْ وَاسْكُتَنْ كُلٌّ جَلاَياَهُ حَصَّلاَ



هذا ويمتنع وصل الأول والثاني وقطع الثالث؛ أي: يمتنع وصل آخر السورة بالبسملة، ثم قراءة أول السورة الأخرى مقطوعًا عمَّا قبله؛ لأنَّ البسملة للافتتاح لا للاختتام، فيستثقل فعل هذا عند أئمة القراء، كما قال الإمام الشاطبي - رضي الله عنه -:
وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ --- فَلاَ تَقِفَنَّ الدَّهْرَ فِيهَا فَتُثْقَلاَ



وأما عن سورة التوبة براءة، فيبتدأ بها بأحد وجهين:
الأول: قراءة الاستعاذة وقطعها عن أول السورة.

والثاني: وصل الاستعاذة بأول السورة، وأما عن حال سورة التوبة براءة مع آخر السورة التي قبلها سورة الأنفال، ففيها ثلاثة أوجه:
الأول: قطع آخر سورة الأنفال عن أول سورة التوبة.
والثاني: وصل آخر الأنفال بأول التوبة.
والثالث: السكت سكتة لطيفة على آخر الأنفال، ثم الوصل بأول التوبة.
------------
[1] (ج 5 ص 13 من أحكام القرآن).

[2] يعني حديث المسيء صلاته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً دخل المسجد ورسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ))، فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال: ((وعليك السلام، فارجع فصل، فإنك لم تصل))، فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))؛ صحيح رواه البخاري (5897) (5/2307)، (760) (1/274)، (724) (1/263)، (6290) (6/2455)، ومسلم (397) (1/298).

[3] كذا علق الشيخ محمود بن أمين طنطاوي - حفظه الله.

[4] صح الحديث بهذه الصيغة ورواه الترمذي (242) (2/9)، وأبو داود (775) (1/265)، وابن ماجه (807) (1/265)، والدارمي (1239) (1/310)، وابن خزيمة (467) (1/238)، وابن حبان (1779) (5/78)، (2601) (6/336)، والدارقطني في سننه (4) (1/298)، والطبراني في الكبير (1569، 1570) (2/134، 135)، وفي مسند الشاميين (1343) (2/281)، وأبو يعلى (1108) (2/358)، (4994) (8/411)، (5077) (9/10)، (5380) (9/258)، وعبدالرزاق (2580) (2/84)، وابن أبي شيبة (2396) (1/209)، (2460) (1/215)، (29123) (6/17)، (29142) (6/19)، والبيهقي في الكبرى (2179) (2/34)، (2184، 2185) (2/35)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1073) (1/197)، وأحمد (25266) (6/156) بسند صحيح وفيه: قالوا يا رسول الله وما همزه ونفخه ونفثه؟ قال: ((أما همزه فهذه الموتة التي تأخذ بني آدم، وأما نفخه فالكبر، وأما نفثه فالشعر)).

[5] هكذا قال العلامة الشيخ رزق خليل حبة شيخ المقارئ المصرية - عليه من الله سحائب الرحمة - وأشار إلى ذلك الشيخ محمد بن صادق قمحاوي في البرهان، (ص 8).

[6] قال الحافظ السيوطي: فإن قرأ (البسملة) من أثناء سورة استحبت له أيضًا؛ نص عليه الشافعي فيما نقله العبادي، قال القراء: ويتأكد عند قراءة نحو: ﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [فصلت: 47]، و﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ ﴾ [الأنعام: 141]؛ لما ذكر في ذلك بعد الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان؛ انتهى؛ الإتقان في علوم القرآن (1/308)، وانظر: النشر لابن الجزري (1/266)، وقال الشيخ الضباع شارحًا لقول الشاطبي: (وَفِي الْأَجْزَاءِ خَيِّرَ مَنْ تَلاَ): وأما الأجزاء والمراد بها ما بعد أوائل السورة ولو بكلمة، فالقارئ مخير بين البسملة وتركها، وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيين، وعلى اختيار تركها جمهور المغاربة؛ (إرشاد المريد ص32 طبعة مكتبة صبيح).




__________________
رد مع اقتباس
  #54  
قديم 03-02-2014, 09:19 PM
الصورة الرمزية دّقْـــةُ قْـــلِـــبّـ
دّقْـــةُ قْـــلِـــبّـ دّقْـــةُ قْـــلِـــبّـ غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 4,099
معدل تقييم المستوى: 18
دّقْـــةُ قْـــلِـــبّـ is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتكم
__________________
رد مع اقتباس
  #55  
قديم 03-02-2014, 10:04 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دّقْـــةُ قْـــلِـــبّـ مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتكم
اشكرك بارك الله فيك
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:10 AM.