اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-02-2014, 06:46 PM
الصورة الرمزية simsim elmasry
simsim elmasry simsim elmasry غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,873
معدل تقييم المستوى: 15
simsim elmasry has a spectacular aura about
Impp سد النهضة الأثيوبي قراءة في التداعيات والسيناريوهات..(مــــــــــــلف كــامل)


بقلم: د. أحمد على سليمان*
على الرغم من أن الله -تعالى- حَبَا مصر موقعًا جغرافيًّا متميزًا، فإنها تقع في المنطقة الجافة وشبه الجافة، التي تتميز بمحدودية مياهها، ومن ثم فإن 95% من مواردها المائية تأتي من خارجها (85% منها تأتي من أثيوبيا وحدها)، أما من داخل مصر فتكاد تنعدم الموارد المائية -اللهم بعض مصادر المياه الجوفية، وبعض الأمطار في فصل الشتاء على السواحل وبعض المناطق الداخلية- كل ذلك في ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين دول منابع النيل ودول المصب، والتوجهات المتتالية هناك لتقليل حصة مصر من المياه، وتَنَكُّر بعض الدول للاتفاقيات المنظِمة والمقرِّرة لحقوق مصر التاريخية في تلك المياه، مع تحرك صهيوني ماكر ودائب في تلك الدول للتأثير على حصة مصر من مياه النيل، والعمل على زعزعة الأمن القومي المصري..
ونهر النيل -الذي يجري في إحدى عشرة دولة إفريقية وهي: أوغندا، إثيوبيا، وإريتريا، السودان، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا، مصر- هو المورد الرئيسي للمياه في مصر –كما سبق- حيث تحصل مصر من خلاله على حصتها السنوية ومقدارها 55.5 مليار متر مكعب، والأمطار لا تتعدي مليار متر مكعب في السنة علي الساحل الشمالي وساحل البحر الأحمر وبعض مناطق سيناء، أما المخزون الجوفي في الصحراء الغربية فهو غير متجدد ولا يسمح بأكثر من 3-5 مليارات متر مكعب سنويًا لمدة 50 – 100 عام. أما عمليات التحلية فإن تكلفتها عالية ولا تزيد كمياتها حاليًا عن 200 مليون متر مكعب ولكن الاحتياجات المائية تزيد على 75 مليار متر مكعب سنويًا بما يفوق كثيرًا الموارد المتاحة بـ 30% ويتم تغطية العجز عن طريق إعادة الاستخدام، وقد تناقص نصيب الفرد المصري من المياه ليصل إلى أقل من 700 متر مكعب سنويًّا، ويتوقع الخبراء أنه بحلول عام 2050م ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة..
ونتيجة للإمكانات الهائلة التي يوفرها نهر النيل (باعتباره أطول أنهار الكرة الأرضية إذ يبلغ إجمالي طوله 6650 كم) فقد كان مطمعا للقوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر.
لقد سعت مصر منذ القدم إلى تنظيم علاقتها بدول حوض النيل والاتصال الدائم بها بالاتفاق على الأسلوب الأمثل لاستغلال مياه نهر النيل بما يعود بالنفع على كل دول الحوض مع الحفاظ على حق مصر التاريخي فى مياه نهر النيل. وبالفعل نجحت مصر فى ذلك من خلال عقد العديد من الاتفاقيات سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، يصل عددها إلى أكثر من 15 اتفاقية، وقع بعضها أبان فترات الاستعمار، وكان لها تأثير على العلاقات الحالية بين مصر ودول الحوض. وقبل الحديث عن سد النهضة الأثيوبي، ومدى قانونية إنشائه بهذه الصورة، وأيضا الآثار الناجمة عنه، وسيناريوهات التحرك لمواجهة مخاطره، يجدر بنا أولا أن نشير إلى الجذور التاريخية لمشكلة النيل الأزرق وتداعياتها على سد النهضة الأثيوبي..
أولا: الجذور التاريخية لقضية مياه النيل الأزرق، وتداعياتها على سد النهضة الأثيوبي
يبدو أن قضية سد النهضة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب بل هي مشكلة تاريخية قديمة، ولكي نفهم أبعاد هذه القضية فلابد أن نعود إلى الوراء لنفهم جذور القضية.. وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور رأفت غنيمي الشيخ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة الزقازيق، "ينبغي علينا ونحن نتدارس قضية سد النهضة الأثيوبي أن نتدارس الجذور التاريخية لهذه المشكلة، فقد كلفت الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية الرحالة البريطاني "جيمس بروس" لاكتشاف بدايات نهر النيل في الحبشة، وكان ذلك عام 1769م، فجاء إلى مصر، وكان يحكم مصر في ذلك الوقت علي بك الكبير شيخ البلد وزعيم المماليك، ونزل "جيمس بروس" السودان وسار مع نهر النيل حتى التقاء النيل الأزرق بالنيل الأبيض، ودخل أرض الحبشة، ومكث هناك عاما كاملا حتى وصل إلى بحيرة "تانا" في وسط هضبة الحبشة وشاهد خروج النيل الأزرق من بحيرة "تانا" وسار معه حتى عاد إلى القاهرة مع نهر النيل، وكتب تقريرا قدمه للجمعية الجغرافية الملكية البريطانية سنة 1770م قال فيه بالنص: (إن نهر النيل الذي يروي مصر ينبع من بحيرة تانا في الهضبة الحبشية، وإن مَن يسيطر على بحيرة تانا والهضبة الحبشية يستطيع تجويع مصر). وانتشر هذا التقرير في أوروبا، وجاء به عام 1811م إلى مصر جماعة سان سيمون الفرنسية الذين اعتمد عليهم محمد علي باشا في بناء مصر الحديثة، وكانت أفكار جماعة سان سيمون تتلخص في أن العلم الحديث هو محور بناء الدول؛ ولذلك فكر محمد علي باشا في دخول السودان والوصول إلى منابع النيل قبل أن يقوم أحد أعداء مصر بقطع المياه عن مصر من المنبع، فتحركت حملات محمد علي من سنة (1820م – 1822م) ونجحت في الوصول إلى النيل الأبيض جنوب الخرطوم وشاهدت الحملة التقاء النيل الأزرق القادم من الحبشة بالنيل الأبيض، وهنا أسس محمد علي باشا مدينة الخرطوم عام 1830م، وهكذا استخدم محمد علي باشا القوة العسكرية؛ لضمان استمرار وصول مياه النيل إلى مصر. ثم أرسل محمد علي أيضا بعثة كشفية عرفت ببعثة الكابتن سليم، نزلت جنوبا حتى التقاء بحر الزراف ببحر الغزال مع بحر الجبل بالنيل الأبيض وهذه هي المنابع الدائمة لتدفق المياه طوال العام، بينما تتدفق مياه النيل الأزرق في فترة الفيضان فقط. كما أن الخديوي إسماعيل الذي حكم من سنة (1863م – 1879م)، فكر هو الآخر في احتلال الحبشة؛ حتى يضمن استمرار تدفق المياه من النيل الأزرق ونهر العطبرة إلى مصر، خاصة بعد أن ضم أريتريا والصومال إلى أرض مصر، ومن ثم أصبحت الحبشة محصورة بين أملاك مصر في السودان وأريتريا والصومال.. وأرسل الخديوي إسماعيل حملة عسكرية بقيادة ضابط سويسري يسمى "منزنجر" يقود جيشا لغزو الحبشة والاستيلاء عليها سنة 1875م. ومن الجدير بالذكر أن أحمد عرابي كان مسئولا عن إمداد هذه الحملة، لكن القيادة كانت للأجانب، وفشلت الحملة بسبب عدم معرفة رجالها بطبيعة الأراضي الحبشية، وكان هذا الفشل من أسباب تذمر الضباط المصريين الذين شاركوا بعد ذلك في الثورة العرابية". هذا ما حدث قديما وفي الأزمة الحالية لا يجب أن ندعو إلى شن حرب ضد أثيوبيا، ولكن ندعو إلى تطويق المشكلة من خلال الحوار الجاد والمشروعات التنموية المشتركة في مجالات المياه والكهرباء والزراعة والصيد وتربية الحيوانات؛ فالظروف الآن غير الظروف قديما، ومن ثم فالحوار والتعاون والتكامل هي الحلول الأساسية للخروج من الأزمة القائمة (راجع: أ.د. رأفت غنيمي الشيخ: مصر والسودان في العلاقات الدولية –، مكتبة عالم الكتب – القاهرة 1979م، أ.د. محمد فؤاد شكري: مصر والسودان تاريخ وحدة وادي النيل السياسية في القرن التاسع عشر، دار المعارف سنة 1957م).
ثانيا: مشروع إكس، أو سد النهضة الأثيوبي الكبير: "أبعاده ومخاطره"
وسد النهضة أو سد الألفية الكبير هو سد إثيوبي قيد البناء (تم الانتهاء من 21% منه، منذ أن وضع حجر أساس هذا المشروع في الثاني من أبريل 2011م) وهو يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول-قماز، بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية ويبعد عنها حوالي من 20-40 كيلو مترا.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع، وإسناده إلى شركة "ساليني" الإيطالية بالأمر المباشر، وأطلقت عليه مشروع إكس، وقررت تغيير الاسم إلى سد الألفية الكبير، ثم تغير الاسم للمرة الثالثة ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير.
هذا وقد تم تشكيل المجلس الوطني لتنسيق المشاركة العامة في تشييد سد النهضة، وهو المجلس الذي يعبر عن الطابع القومي للمشروع لدى الأثيوبيين، وتم تشكيله بغرض إتاحة الفرصة لكل إثيوبي داخل البلاد وخارجها للإسهام في هذا المشروع، الذي تم وصفه بالحدث التاريخي، كما يضم في تشكيله جميع أطياف الشعب الأثيوبي (75 عضوًا من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة والمشاهير والمثقفين والزعماء الدينيين والجمعيات المدنية).
ويتكون المشروع بالأساس من سد رئيسي من الخرسانة المضغوطة RCC -أحد طرق بناء السدود وتم استخدامها في سد التنور بالأردن- وسد فرعي على المناطق المنخفضة المجاورة للخزان لمنع غمرها بالمياه، ومحطتين لتوليد الطاقة الكهربية، ومنطقة تحويل بطاقة 500 كيلو فولت، بالإضافة إلى المفيض (قناة تصريف فائض المياه). وتم تصميم المشروع بسعة تخزين 74 مليار متر مكعب عند مستوى الإمداد الكامل، ويغطي مساحة 1680 كيلو مترا مربعا سيتم استخدامها بشكل أساسي في توليد الطاقة الكهربية. وعند اكتمال إنشائه يصبح المشروع أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء. وتتجاوز تكلفته أربع مليارات دولار. وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرمائية في إثيوبيا. ويبلغ ارتفاع السد 145 مترا، في حين يبلغ طوله الذي يعترض مجرى النيل الأزرق نحو 1800متر، ويمكنه توليد 6 آلاف ميجا واط، أي نحو ثلاثة أمثال الطاقة الكهربائية المولدة من المحطة الكهرومائية للسد العالي في مصر، ومن المتوقع أن يكون أكبر منشأة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا.
ومن الواضح أن فكرة إنشاء السد كانت فكرة قديمة حيث بدأت الدراسات حول سد النهضة أو (الألفية) منذ عام 1946، بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي، في دراسة موسعة حددت 26 موقعًا لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق، وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد بوردر (Border). ويؤكد الدكتور مغاوري شحاتة خبير المياه العالمي أن النيل الأزرق كان محل اهتمام الأمريكيين عام 1964، ردا على إنشاء الزعيم جمال عبد الناصر للسد العالي بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، فقررت أمريكا إنشاء 34 سدا على النيل الأزرق، نكاية في عبد الناصر، بحجة تطوير أثيوبيا. وأشار إلى أن تربة أثيوبيا غير صالحة لإنشاء سدود، وليس من المستبعد أن ينهار عقب إنشائه، على غرار سد "تكيزي" الأثيوبي وهو ما يمثل خطرا كاسحا على السودان بوجه التحديد، رغم أن السودان أعلنت إنها لا تضار.
والمشكلة في بناء هذا المشروع الضخم تتمثل في تلك الفترة المطلوبة لملء خزان السد، حيث ستحول كميات كبيرة من مياه النيل الأزرق التي تنتهي إلى السودان ثم مصر ستتحول إلى الخزان، إذ يتوقع أن تتقلص حصة البلدين من تدفق النيل بشكل ملحوظ خلال فترة ملء الخزان. وتسعى القاهرة والخرطوم مقابل الموافقة على إنشاء السد، إلى تنظيم عملية ملء الخزان على نحو يقلل من حجم الضرر المائي على البلدين. ويرى الخبراء أن الدولتين ستدفعان باتجاه تقنين فترة ملء الخزان بجعل فترة ملء الخزان لا تقل عن خمسة عشر عاما، وبإشراف خبراء من البلدين، إلى جانب التوقف عن عملية الملء في حال تراجع المنسوب إلى أقل من المتوسط العام.
ثالثا: إسرائيل والعبث بحصص مصر والسودان من مياه النيل:
الناظر المدقق لما يحدث في قضية المياه لا يستطيع أن يغض الطرف عما تدبره إسرائيل في هذا الصدد، فبعد أن لمح الرئيس أنور السادات بأنه سيمد إسرائيل بالمياه، (إبان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية)، ولم يحدث ذلك، ناهيك عن مصادرة إسرائيل للمياه العربية وسرقتها للموارد المائية في: الجولان السوري المحتل، والجنوب اللبناني، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحويل مسارها بالقوة، وبناء المشاريع عليها بصورة تمثل انتهاكاً خطيراً لقواعد القانون الدولي وللشرعية الدولية التي تكفل مبدأ السيادة الدائمة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي على مواردها الطبيعية بما فيها الأراضي والمياه، مما يشكل تهديداً للأمن المائي العربي وبالتالي للأمن القومي العربي، كل ذلك في ظل تحرك صهيوني ماكر ودائب في دول حوض النيل خصوصا إثيوبيا للتأثير على حصة مصر من مياه النيل، وإثارة القلاقل بشأن المياه.. وهذه سياسة إسرائيلية قديمة، حيث أعلنت "جولد مائير" قبل عقود من الزمن في خطاب لها بقولها: "إن التحالف مع تركيا وأثيوبيا يعني أن أكبر نهرين في المنطقة -أي النيل والفرات- سيكونان في قبضتنا" ويبدو أن هذه السياسة الاستراتيجية تسعى إسرائيل لتحقيقها، ولا أدل على ذلك مما نشهده اليوم من تحالفات بين إسرائيل وأثيوبيا، وبين إسرائيل وتركيا، قبل اعتداء إسرائيل السافر على قافلة الحرية المتجهة لإخواننا المحاصرين في غزة. ناهيك عن تخطيط الكيان الصهيوني لنقل المياه من أثيوبيا إليها عبر خراطيم ضخمة تمر في قاع البحر الأحمر..!!
إن توجه إسرائيل نحو دول إفريقيا ظل دائمًا يشكل جزءًا من الصراع العربي الإسرائيلي، وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التفوق العسكري واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية - خاصة مصر- وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية. لذلك يحاول الكيان الصهيوني دائمًا استغلال الخلافات العربية مع بعض الدول الإفريقية وتعميقها، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا.
رابعا: آثار إنشاء سد النهضة على مصر والسودان:
يرى الكثير من الخبراء أن إنشاء سد النهضة سيؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية (الحالية والمستقبلية) على مصر والسودان، حيث أكد الدكتور عادل عامر "أن تأثيرها سيكون بالغ الأثر في مصر بفقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وانخفاض كهرباء السد العالي وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي، وتوقف العديد من محطات مياه الشرب الموجودة على نهر النيل، وتوقف الكثير من الصناعات، فضلًا عن تأثر محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز وتعتمد على التبريد من مياه النيل، وتدهور نوعية المياه في الترع والمصارف، وتداخل مياه البحر في المنطقة الشمالية، وتدهور نوعية المياه في البحيرات الشمالية". بالإضافة إلى عجز مصر عن الوفاء باحتياجاتها من المياه، ومن ثم تأثيره الاجتماعي البالغ على ملايين الأسر من الفلاحين، ويمكن تفصيل ذلك في النقاط التالية:
- الآثار الكارثية الناجمة عن احتمالية انهيار السد:
تشير مصادر مصرية مطلعة إلى أن إصرار الجانب الإثيوبي على المضي في بناء مشروع سد الألفية بالمواصفات الحالية سيقود حتما إلى نتائج خطيرة تمس الأمن القومي لكل من السودان ومصر. وتؤكد هذه المعلومات والدراسات المتوفرة لدي جهات مصرية عدم قدرة السد علي تحمل ضغط المياه الضخمة التي سوف تحتجز خلفه، والتي تصل إلى نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، كما أنه مشيد من الأسمنت، ومن ثم فقد ينهار في أية وقت، وعندها ستحدث الكارثة، حيث سيغرق شمال السودان وجنوب مصر ويحدث تشريد لملايين الأسر الذين سوف يتم تدمير منازلهم وزراعاتهم.
ويزيد من الشكوك نكوص الجانب الإثيوبي بتعهداته التي قطعها علي نفسه منذ تأسيس لجنة تقييم حيث دأب علي التأجيل والمراوغة من جولة إلى أخرى، ولم يقدم المستندات والدراسات التي استند عليها قبل إقدامه على هذا المشروع العملاق، ولم تحصل اللجنة علي الوثائق التي تعهدت بها الحكومة الإثيوبية. وقد طلبت اللجنة إجراء تعديلات علي السد، حتى تتجنب الأخطاء الضخمة التي ارتكبها الجانب الإثيوبي في الشروع بالمشروع دون وجود الدراسات السليمة من جهات مختصة.
كما يرى الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة والخبير الدولي في مجال المياه، وغيره من الخبراء أن هذا السد لن يطول عمره، حيث يتراوح عمره الافتراضي ما بين 25 و50 عامًا، نتيجة الإطماء الشديد (420 ألف متر مكعب سنويًا)، وما يتبعه من مشاكل كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء، وتناقص في كفاءة السد تدريجيًا، ومن ثم تزيد فرص تعرض السد للانهيار، نتيجة العوامل الجيولوجية، وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق، والتي تصل في بعض فترات العام (شهر سبتمبر) إلى ما يزيد على نصف مليار متر مكعب يوميًّا، وهو الأمر الذي يهدد بتدمير معظم القرى والمدن السودانية، خاصة الخرطوم، التي قد تجرفها المياه بطريقة تشبه "تسونامي" "اليابان" 2011، كما أنه من شأنه زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التي يتكون فيها الخزان؛ نظرًا لوزن المياه التي لم تكن موجودة في المنطقة من قبل في بيئة صخرية متشققة من قبل.
أما مدير المخابرات العامة الأسبق، اللواء ممدوح قطب، فأكد أن "هذا السد مخالف للاتفاقيات الدولية، لأنه لا يراعي مصالح مصر والسودان"، كما جدد التحذير من انهيار هذا السد، فقال: "يمكن أن يمحو مدينة الخرطوم" لاسيما وأن السلطات الإثيوبية تعتزم بناءه على منطقة "شديدة الوعورة"، كما أن معامل الأمان به 1.5 درجة، مقارنة بمعامل الأمان بالسد العالي الذي يبلغ 8 درجات، مما يعني أنه في حال انهياره، نتيجة احتجازه كميات هائلة من المياه، يمكن أن يمحو السدود التي بنتها السودان، وتصل المياه إلى مصر بعد 18 يوماً".
وتشير الدراسات أن انهيار السد لن يمثل خطرا على إثيوبيا؛ لأنه سيبنى على أطراف حدودها مع السودان، ولكن أضراره ستلحق السودان ومصر، فمن المتوقع أن تغرق الخرطوم بكاملها، بينما ستغرق مساحات شاسعة من أسوان إلى الجيزة –كما سبق- وقال الدكتور نادر نور الدين: "إذا نهار "سد النهضة" وكانت بحيرة ناصر ممتلئة، فإن السد العالي سينهار تماما، وإذا كانت البحيرة غير ممتلئة فإن المياه ستغمر السد العالي وتنساب فوقه بمعدل مليار متر مكعب كل يوم".
تأثير السد على حصة مصر والسودان من المياه:
لعل الضرر الرئيس الذي يتحسب له المصريون والسودانيون يكمن في العجز المائي الخطير الذي سيحدث خلال فترة ملء الخزان، فإذا كانت هذه الفترة قصيرة، فإن التأثير في العجز المائي بمصر والسودان سيكون هائلًا، وربما كان أيضًا مدمرًا، أما إذا كانت هذه الفترة متوسطة، فربما كان الأثر أقل قسوة وأكثر احتمالًا، أما إذا تم ملء هذه الخزانات خلال فترة تزيد على40 عامًا، فإن التأثير سيكون محتملًا. فالتقارير والدراسات العلمية تقرر أن تخزين74 مليار متر مكعب من المياه –المتجهة لمصر والسودان عبر النيل الأزرق- سيهدد ببوار الأراضي المصرية، خاصة أن مصر تعاني فقرا مائيًّا، والسد من شأنه أن يقلل حصتنا من المياه بشكل كبير، بل يتوقع بعض الخبراء حدوث مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية بالغة الخطورة. حيث يؤكد الدكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه الدولي، "أن بناء إثيوبيا لسد النهضة وحده سيؤدي إلى نقص حصة مصر من المياه بنسبة 9 إلى 12 مليار متر مكعب في العام، أما إذا قررت إثيوبيا بناء حزمة السدود كاملة فإن ذلك سيؤدي لنقص ما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب من المياه سنويًّا". ومن ثم –وفقا للخبراء- سيتسبب في بوار من4 إلى5 مليون فدانا، وتشريد من 5 إلى 6 مليون فلاح، وقد ينجم عن ذلك مجاعات ومشكلات واجتماعية يستحيل السيطرة عليها..كل ذلك في ظل ما يتوقعه الخبراء من أنه بحلول عام 2050م ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة من المياه.
تكلفة تعويض نقص المياه في مصر الناجم عن إنشاء السد:
وإزاء التناقص والخصم المتوقع من حصة مصر من مياه النيل يرى الدكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه، أن مصر ستتكلف سنويًّا نحو50 مليار جنيه لتحلية مياه البحر لتعويض النقص الذى سيسببه سد النهضة بأثيوبيا في حصة مصر من مياه النيل، خصوصا وأن تحلية المتر الواحد من مياه البحر تتكلف 5 جنيهات، مما يعني أن مصر ستتحمل 50 مليار جنيه سنويًّا، أي ما يعادل 12% من ميزانيتها، لتغطية الاحتياجات المائية للبلاد.
إشعال الصراعات والتوترات السياسية في المنطقة:
ومن ضمن أضرار إنشاء هذا السد، أن من شأنه إحداث توتر سياسي بين مصر والسودان وإثيوبيا، لأن المشروع يشكل تهديدًا وخصما من الحصة المائية الواردة لمصر والسودان، فيقلل منها بصورة واضحة، ومن ثم فمن المحتمل أن تدخل المنطقة كلها في حروب وصراعات لا قدر الله..
خامسا: الخيار العسكري
العلاقات المصرية الأثيوبية ليست وليدة اللحظة بل هي علاقات تاريخية وممتدة شئنا أم أبينا، ومن هنا يجب أن نتحرك من هذه القاعدة.. من الواضح أن الخطاب الرسمي المعلن (الحكومي والعسكري) يتسم بالروية والهدوء الحذر، فاللواء محمد على بلال، قائد القوات المصرية خلال حرب الخليج، يؤكد على الملأ أن القوات المسلحة المصرية لن تقوم بأية عملية عسكرية استباقية لضرب سد النهضة؛ لأنه لا توجد أي صواريخ أو قوات جوية تستطيع ضرب السدود؛ لأن السدود تحتاج إلى قنابل نووية حتى يتم تفجيرها وهدمها... كما أن أثيوبيا لم تقم بإنشاء سد النهضة بعد، بما يعنى عدم وجود هدف عسكرى من الأساس حتى يتم ضربه.. مطالبًا بضرورة فتح قنوات اتصال قوية مع الجانب الإثيوبى. والمعنى السابق يؤكده اللواء يسرى قنديل، رئيس استخبارات القوات البحرية سابقًا، فيقرر "أن فكرة ضرب سد النهضة مرفوضة تمامًا؛ لأن تدميره –بعد بنائه- سيؤدى إلى غرق الخرطوم وصعيد مصر، فضلاً عن أنه سيدخلنا في صراعات نتيجة توجيههم ضربة مماثلة للسد العالى. وأشار إلى أن علاقة مصر بإثيوبيا متوترة منذ فترة بعدما تم إيقاف اتفاقية أحمد أبو الغيط لاستيراد 30 مليار كيلو من اللحوم الأثيوبية". والخطير في الأمر والذي من شأنه أن يهدد الجهود الدبلوماسية أن السلفية الجهادية دخلت على خط الازمة مؤكدة أن لديها أبناءها فى الصومال والسودان وجيبوتى ولن يسمحوا ببناء سد النهضة... على أية حال فإن الخيار العسكري يجب أن يستبعد تماما وإفساح المجال للمفاوضات والحوار بين كافة الأطراف تجنيبا للمنطقة من الدخول في حرب عالمية جديدة من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس في المنطقة..
سادسا: المنهجية المطلوبة للتعاطي مع الأزمة
وبعد أن تأكد لنا خطورة التسرع باستخدام الخيار العسكري للحيلولة دون تشييد سد النهضة، فإن الخيار الدوبلوماسي هو الأجدى في هذه المرحلة، ومن هنا فلابد من العمل على إظهار حسن النية من جميع الأطراف، والبعد عن التلويح بالخيارات العسكرية، والتفاوض بشكل منطقى مع السلطات الإثيوبية ودول حوض النيل، ومن الأهمية استثمار هذه الفرصة لتوقيع اتفاقية جديدة مع أثيوبيا – تحت إشراف الأمم المتحدة تنبني على قواعد الحقوق التاريخية التي تؤكد حق مصر والسودان في كل قطرة مياه تصل لكل منهما من المياه الإثيوبية نظرًا لترتب حياة البشر والثروة الحيوانية والنباتية عليها وحق الارتفاق للمياه التي حصلت عليها- لضمان حصتي مصر والسودان من المياه كشرط للموافقة على بناء السد، -كما أشار الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار- على أن تقر فيها أثيوبيا صراحة بحصتي مصر والسودان من مياه النيل، مقابل الموافقة على إنشاء السد، وتنظيم عملية ملء الخزان بصورة تقلل الأضرار على مصر والسودان خلال فترة الملء التي ينبغي أن تكون 15 سنة على الأقل وتشارك مصر والسودان في الإشراف على ملء الخزان، كما أنه في السنوات التي ينخفض فيها إيراد النيل عن المتوسط (84 مليار متر مكعب عند أسوان) تتوقف عملية ملء الخزان بصورة مؤقتة.. والذكاء السياسي يحب يسعى في هذا الاتجاه ويستثمر تصريحات المسؤولين الإثيوبيين التي تؤكد أن حصة مصر من المياه لن تنقص، لتوقيع الاتقافية الجديدة ومن ثم تستريح جميع الأطراف.. وإن كان البعض يرى أن هذه التصريحات من قبيل المراوغات السياسية وأنها مجرد تهرب ومحاولة استدراج لإضاعة الوقت لحين الإعلان عن إتمام بناء السد.. وإلا فهناك البدائل –كما قال اللواء ممدوح قطب- "كأن تتواصل مصر مع المؤسسات المانحة، وتصعد الموضوع دوليًّا للضغط على إثيوبيا، ومن ذلك أيضا اللجوء إلى التحكيم الدولي الذي سيكون في صالح مصر، وحينها سترفض أي مؤسسة مانحة توفير المال اللازم لهذا السد"، كما يمكن لمصر أن تطلب رسميًّا من البنك الدولي وقف تمويل بناء السد.
ففي الوقت الذي نؤكد فيه علي حق أثيوبيا في إنتاج الطاقة، فإننا في الوقت نفسه نؤكد على أن مصر لن تقبل أن ينقص أحد من حصتها المائية قطرة واحدة.. لذلك يجب أن يتوحد المصريين لمواجهة هذا الخطر، وأعتقد أن الفرصة الآن سانحة للرئيس مرسي للم شمل المصريين بجميع أطيافهم وفئاتهم وأحزابهم السياسية للتعامل بكامل الحرص فى هذه القضية حفاظا على المصلحة العليا للبلاد... مع ضرورة المعالجات السياسية بالتعاون مع الكنيسة والمبادرات الشعبية، بالإضافة لدور رجال الأعمال والشركات الكبرى لترتيب الأوضاع من جديد بين مصر ودول حوض النيل، والعمل على إقناع الجانب الإثيوبي بأهمية السدود الصغيرة ودورها في حل مشكلة توليد الكهرباء.
قال اللواء أحمد عبد الحليم الخبير الأمني والاستراتيجي، إن الحل الدبلوماسي هو الأمثل الآن في التعامل مع قضية سد النهضة التي تعمل إثيوبيا على إنشائه على النيل الأزرق، مشيرا أن ضرب السد لن يؤدي الى النتائج المرجوة منه، ولن يفيد بشكل كبير. وأن الحل الآخر هو التوجه القانوني إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة للحفاظ على الحق التاريخي لمصر في مياه النيل.
ومن هنا فإنني أطالب الرئيس والحكومة بسرعة تشكيل فريق لإدارة الأزمة من أفضل الخبرات المصرية في القانون الدولي والتخصصات المتعلقة به لإدارة أهم ملف وهو المياه والري، ولم الشمل المصري والبعد عن التجاذبات السياسية، والترفع عن الأنانية السياسية، والعمل الجاد على استعادة مصر لهيبتها، خاصة أن تحويل مجرى النيل الأزرق دون اطلاع مصر مسبقا يعتبر في أعراف الدول عملا عدوانيا لا يمكن تبريره، وأعتقد مصر تحتاج الى "هدنة" داخلية، وأخرى عربية، حتى تتفرغ لمواجهة جميع هذه الاخطار المحدقة بها.
دراسة فكرة توصيل نهر الكونغو ببحيرة ناصر:
نهر الكونغو هو ثاني أطول نهر في إفريقيا بعد نهر النيل، وثاني أكبر نهر من حيث التدفق المائي بعد نهر الأمازون، وهذا النهر يفقد أكثر من 1284 مليار متر مكعب سنويًّا في المحيط الأطلسي، وهو قريب من النيل الأبيض بالسودان. وقال الدكتور صفوت عبد الغني، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية بمجلس الشورى، إن دعم سد الكونغو الذي اتفق عليه فى السابق بين مصر والسودان والكونغو يمثل "فرصة ذهبية للإدارة المصرية للرد على مشروع السد ا?ثيوبي، وهذا المشروع يتخلص في إقامة سد عملاق على نهر الكونغو في نهر الكونغو الذي تذهب معظم مياهه إلى المحيط ا?طلسي دون فائدة بشكل مضاعف لإيرادات النيل الأزرق، وذلك بربط نهر الكونغو ببحيرة ناصر بمسافة 600كم بفرق ارتفاع 200 مترا وهو ما سيوفر لمصر 95 مليار م3 فى السنة "ضعف إيراد الحالى تقريبا". كما أنه سيؤمن الحصول على طاقة كهربائية بقدرة18000 ميجاوات أى عشرة أضعاف السد العالى من خ?ل 4 محطات رفع متتالية للمياه بالإضافة إلى زراعة 80 مليون فدان، وأن تكلفة المشروع 10-9 مليار جنيه، حسب دراسة الجدوى لشركة "أرثر دى ليتل" العالمية الأمريكية وهيئة المساحة الجيولوجية. الأمرالذي يدفعنا للبدء وبشكل جاد فى الإجراءات التنفيذية لهذا المشروع القومى فورًا الذى سيعود بالفائدة على الدول الث?ث، خصوصا وأن الكونغو متعاطفة تماما مع مصر والسودان، وكان موقفها مشرفا من اتفاقية "عنتيبي"، حيث رفضت التوقيع عليها تضامنا مع مصر والسودان.. وإن كان بعض الخبراء يقلل من هذا الطرح لوجود صعوبات فنية وطبوغرافية وجيولوجية بالإضافة إلى الطبيعة الوعرة لمنابع نهر الكونغو وإن كان الأمر يحتاج لمزيد من الدراسة، ومن الأهمية عدم الانشغال به وحده، حتى لا تنصرف جهودنا عن تداعيات سد الألفية الأثيوبي وتأثيره على مصر.
سابعا: رؤية استراتيجية لعلاقات جديدة بين مصر ودول حوض النيل:
أشير هنا إلى جملة من الأفكار والمقترحات يمكن أن يؤخذ بها في حل مشكلة المياه المصرية على المستوى الخارجي بالتحرك على عدة محاور، ويمكن إجمالها فيما يلي:
الجانب السياسي فمن الأهمية بمكان التحرك الدؤوب والمتواصل لتبادل العلاقات والمنافع مع دول حوض النيل عامة وأثيوبيا خاصة، وزيادة التمثيل السياسي لمصر هناك، مع التركيز على اختيار أفراد البعثات الدبلوماسية المصرية التي ستعمل هناك بعناية فائقة، ولابد أن يتزودوا بعلوم النفس وعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا.. وغيرها، وأن يكونوا على دراية تامة بالعوامل الاجتماعية (والسيكولوجية) والعوامل الأخرى المؤثرة في هذه الشعوب، وأن يتحدثوا لغتهم ويخاطبونهم بأسلوبهم ووفق طريقة تفكيرهم؛ للعمل على جذبهم واستمالتهم والتأثير عليهم بما يحقق أهدافنا العليا والأهداف المشتركة. مع ضرورة التخلص من خطاب التعالي المصري المستفز لتلك الشعوب، والذي ساد في السنوات الأخيرة من عهد النظام المخلوع. وتنمية العلاقات الثقافية والشبابية والاجتماعية والاقتصادية مع شعوب وحكومات تلك الدول، والعمل على تفعيل (مبادرة حوض النيل) التي تهدف إلى بناء الثقة بين دول النيل، وتتصل بمشروعات ذات منافع مشتركة، وتشمل بناء خزانات ومشروعات الربط الكهربائي، بالإضافة إلى تطوير الإدارة المبكرة للفيضانات والجفاف وأعمال الوقاية مثل مشروعات مكافحة التصحر والجفاف، والمساقط لتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في أثيوبيا.
الجانب التربوي والثقافي: ويمكن لمصر بحكم موقعها ومكانتها الإقليمية والدولية، أن تسهم في ذلك بسهم وافر، من خلال المشاركة في محو الأمية الأبجدية والثقافية والتقنية لأبناء هذه الدول؛ وتخصيص مئات المنح الدراسية لأبناء كل دولة من دول حوض النيل للدراسة في الجامعات المصرية، وإلزام كل جامعة من الجامعات الخاصة المصرية بتقديم أكثر من20 منحة مجانية سنويًّا لأبناء هذه الدول.. مع التركيز على المنح في مرحلة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، وكذلك دورات تدريبية في جامعاتنا ومؤسساتنا في شتى المجالات. على أن تُركز هذه المنح والدورات وغيرها على الاحتياجات الحقيقية والتخصصات التكنولوجية التي تحتاجها هذه البلاد – من خلال تقارير تقدمها بعثاتنا هناك - حتى نضمن إقبالا حقيقيا عليها..
ولاشك أن تقديم مصر لمثل هذه المنح بسخاء، سيعود عليها بالمنافع الاستراتيجية بعيدة المدى، منها: تدعيم وترسيخ العلاقات الطيبة، فهؤلاء الذين تعلموا في مصر ودرسوا فيها وعاشوا بين أهليها، وشربوا من نيلها وأكلوا من خيراتها.. سيعودون إلى أوطانهم، ومنهم من سيكون مسئولا، بعد دراسته في مصر، التي احتضنته وعلمته وأتاحت له الفرصة للتعلم والمعايشة، ومن ثم ستكون توجهاته المستقبلية متفاعلة مع قضايانا المصيرية. وكم من دارس تعلم في مصر -وخصوصا في الأزهر الشريف وجامعته- ثم صاروا من بعد رؤساء جمهوريات ورؤساء وزراء، ووزراء وكبار مسئولين في أوطانهم، وقد تفاعلوا من القضايا المصرية بطريقة إيجابية.
كما أن إنشاء معاهد أزهرية وفروع لجامعة الأزهر وجامعة القاهرة ومراكز البحوث وغيرها في دول حوض النيل، سيكون له أثر طيب في بناء العلاقات المنشودة بين مصر وبين تلك الدول، وسيكون حائط صد لمجابهة تحركات الأعداء الدائبة في هذه المنطقة؛ والرامية للتأثير السلبي على حقوق مصر التاريخية في ماء النيل.
الجانب الاجتماعي: ويمكن لمصر بحكم مكانتها وخبراتها أن تقوم بتحرك اجتماعي منظم في دول حوض النيل، مثل: إنشاء المستشفيات، ودور الرعاية الاجتماعية، والشبابية، ودور المسنين، وبعض المؤسسات الاجتماعية الخدمية الأخرى التي من شأنها تنمية العلاقات بيننا وبين دول حوض نهر النيل، ولاشك أن مثل هذه الأعمال ستلامس قلوب ووجدان المواطنين هناك، وتشعرهم أن مصر هي الأخت الكبرى التي تحنو عليهم وتقدم لهم العون والمساعدات، وذلك كله يصب في المصالح العليا لمصر... ويمكن الاستعانة في ذلك بالجمعيات الخيرية الاجتماعية المصرية –وما أكثرها- للاستفادة من خبراتها في هذا الصدد.
أما الجانب الاقتصادي: وهو جانب مهم للغاية، ويمكن التحرك في هذا الاتجاه على عدة مسارات، أهمها:
o إقامة منطقة تجارة حرة بين تلك البلاد؛ لتشجيع التجارة البينية بينها، مع الإعداد الجيد والدقيق والسريع لها.
o إقامة بعض المشروعات الصناعية والتجارية والاقتصادية في تلك البلاد، وعمل فروع لبعض مؤسساتنا الصناعية الكبرى هناك، لاسيما المشروعات التي تحتاج إلى مناخ هذه البلاد، بحيث تحقق تحسنًا في مستوى معيشتهم، وتحقق لهم نوعا من الرفاهية والرخاء..
o مساعدة تلك الدول في برامج التنمية بصورة تحقق لأهلها مستوى معيشيًّا مناسبًا وملموسًا، وما يتطلبه ذلك من المساعدة في استصلاح الأراضي، وتطهير المجاري المائية، وبناء الجسور والسدود، وتعبيد الطرق، وتحقيق الربط البري بين المدن المختلفة... إلخ، وهذا الإنفاق ليس عبثًا بل هو استثمار استراتيجي بعيد المدى، من شأنه الإسهام في تحقيق الأمن القومي لأجيالنا القادمة.
التحرك الإعلامي: فمصر بريادتها في المجال الإعلامي، وبما تملكه من أقمار صناعية، وكوادر إعلامية تستطيع أن تحقق كثيرًا من التقارب والحوار والتعاون الفاعل بين دول الحوض، وبما يرسخ العلاقات التاريخية بينها جميعا، وأقترح لتحقيق ذلك عددًا من الفاعليات، أهمها:
o إنشاء قناة فضائية لدول حوض نهر النيل، تكون بمثابة الوعاء الفكري والثقافي الذي يعمل على التقارب الثقافي بينها، وستحقق هذه القناة -لو أُعد لها الإعداد المناسب- الهدف من إنشائها، وهو تقريب الثقافات، وإزالة الحساسيات المتراكمة، وبناء علاقات استراتيجية تراعي تنمية الجنوب ومصالح كل الدول..
o إنشاء إذاعات موجهة بلغات متعددة، وتنمية وتفعيل وتوسيع نطاق عمل القائم منها؛ لمخاطبة تلك الشعوب بخطاب إعلامي نابه ومخطط ومدروس.. ينطلق من العلاقات التاريخية ويؤكد عليها، ويراعي خصائص هذه الشعوب وسيكولوجيتها واهتماماتها.
o إنشاء صحيفة باسم دول حوض النيل، تنشر في هذه البلاد بلغات مختلفة وتركز على القواسم المشتركة في كل المجالات.
o تدريب الكوادر الإعلامية من أبناء هذه الدول في مصر بصورة دورية، وفي صورة منح تقدمها مصر لهم بسخاء.
o فتح مكاتب إعلامية فاعلة لمصر في تلك البلاد، مع الاستعانة بالشباب الذي أبهر العالم بفكره وبمواقفه الحضارية.. وغيرها من الفاعليات المستحدثة التي يمكن أن تسهم في تحقيق التقارب والتعاون، وتحقيق الفهم المتبادل، وتعود بالنفع الملموس على أهل هذه البلاد وعلى بلادنا..
ولا شك أن التحرك بفاعلية وبصورة تكاملية في الاتجاهات السابقة وغيرها من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في التقارب والتفاهم، وسيقضي على ما يحاك لمصر من الصهيونية العالمية التي تلعب ليل نهار في أدمغة عدد من حكومات وشعوب دول منابع نهر النيل، وما سد النهضة الأثيوبي منا ببعيد.. ومن ذلك أيضا تحديث المعاهدات الدولية المتعلقة بتوزيع حصص مياه النيل، ذلك أن الحاجة لعقد اتفاقية دولية جديدة تضم كافة دول الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة تراعي وتؤكد سيادة الدول على أراضيها، وتراعي المستجدات والمتغيرات الحديثة، والنسبة والتناسب في عدد السكان، وحصص كل دول الإقليم، وضرورة التعاون الدولي والإقليمي لوقف الصراعات والحروب الأهلية في بعض الأماكن هناك، ومساعدتها في عمليات التنمية، وكذلك محاربة الفقر والأمراض المتوطنة والوبائية –كالإيدز- وغيرها من الأهمية بمكان، ويجب أن تتعاون الدول الغنية في ذلك.. كما يجب أن تتعاون دول الحوض لعمل كل ما من شأنه تعظيم الاستفادة من كل قطرة من مياه النيل، كتكسية بعض الأماكن في فروع النيل بالأحجار، وإزالة الحشائش التي تعوق تدفق مياهه والعمل على تقليل نسبة الهدر والبخر.. وتحسين إدارة ماء النيل للمواءمة بين الإمداد والطلب وتقليل الفاقد، وإدارة الطلب: للاستخدام الأمثل للمياه المتاحة بصرف النظر عن الكمية من خلال آليات إدارة الطلب. وحماية النيل وصيانته من التلوث من خلال التعاون الإقليمي الحاسم، وإنشاء جهات رقابية في كل دول الحوض؛ للحيلولة دون التلوث. وتنفيذ المشروعات المصرية للاستفادة من فواقد المياه في دول حوض النيل، ومن قبلها تطوير العلاقات المصرية مع دول الحوض وخصوصا مع أثيوبيا حتى يكون لمصر كلمة مسموعة في مسرح العمليات بدول الحوض، والتعجيل بتنفيذ المشروعات المصرية المطروحة للاستفادة من فواقد المياه في حوض النيل، ولن يتحقق ذلك إلا بالفاعلية السياسية المتواصلة للإدارة المصرية الجديدة التي يجب أن تستعيد دورها المحوري والفاعل على الساحة الإفريقية عموما، وعلى ساحة دول حوض النيل على وجه الخصوص..
ثامنا: ماذا بعد الشروع في بناء السد الأثيوبي؟
بعد أن عزمت أثيوبيا عزما أكيدا على بناء سد الألفية الجديد، بالرغم من تداعياته الخطيرة على مصر.. حيث يشير الخبراء إلى أن هناك احتمالين فيما يتعلق بالمياه الورادة من أثيوبيا إلى مصر جراء السد، وهما:
الاحتمال الأول: تناقص حصة مصر من المياه
الاحتمال الثاني: تأثر السد العالي وغرق الكثير من المدن المصرية إذا إنهار سد النهضة في أي وقت
وإزاء مواجهة الاحتمال الأول يجب أن نتحرك في عدة مسارات لتجنب التداعيات المؤكدة والمحتملة على النحو التالي:
- استثمار فرصة عزم أثيوبيا على بناء السد لتوقيع اتفاقية جديدة مع أثيوبيا تحت إشراف الأمم المتحدة تنبني على قواعد الحقوق التاريخية التي تؤكد حق مصر والسودان في كل قطرة مياه تصل لكل منهما من المياه الإثيوبية نظرًا لترتب حياة البشر والثروة الحيوانية والنباتية عليها على أن تقر فيها أثيوبيا صراحة بحصتي مصر والسودان من مياه النيل، مقابل الموافقة على إنشاء السد، وتنظيم عملية ملء الخزان بصورة تقلل الأضرار على مصر والسودان خلال فترة الملء التي ينبغي أن تكون 15 سنة على الأقل وتشارك مصر والسودان في الإشراف على ملء الخزان، على أن تتوقف عملية ملء الخزان بصورة مؤقتة في السنوات التي ينخفض فيها إيراد النيل عن المتوسط (84 مليار متر مكعب عند أسوان) ومن ثم تستريح جميع الأطراف.. وفي حالة رفض أثيوبيا فإن على مصر اللجوء إلى التحكيم الدولي الذي سيكون في صالح مصر تماما وعندئذ ستتوقف الجهات المناحة عن تمويل السد لحين التصالح..
التحرك المطلوب على المستوى الداخلي لترشيد استهلاك المياه:
بسبب ضعف الوعي المجتمعي بخطورة قضية المياه، وكثرة الصناعات التى تعتمد بشكل أساسي على استهلاك واستنـزاف كميات كبيرة جدًّا من المياه.. في وقت نشهد فيه سوء شبكات الري الزراعي، وسوء شبكات الصرف، وعدم التوسع في تقنيات الري بالتنقيط، أو ندرة التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية التي تتحمل الجفاف وتعتمد على كميات أقل من المياه.. واستغلال المياه الجوفية استغلالا غير آمن، وغياب المنهجية العلمية في إدارتها، والاعتداء عليها بشكل يؤدي إلى نضوب الكثير من آبارها... ناهيك عن الإسراف الكبير جدًّا صباح مساء في المياه الصالحة -التي ننفق عليها المليارات سنويًّا- بلا ضابط في: غسل السيارات، ورش الشوارع، وري البساتين، وإزاحة الصرف الثقيل في الحمامات...إلخ، في وقت يكاد ينعدم فيه "الوعى المائي" لدى الجماهير .. وبسبب تقصير أجهزة الإعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية في إبراز خطورة هذه القضية.. ناهيك عن زيادة عدد السكان المتزايد بصورة مطردة، والسلوك السيئ للذين يتعاملون مع النيل بقسوة، وعدم اكتراث؛ فالبعض يتخذه مصرفًا لصرف مخلفات المصانع وغيرها، والبعض يتخذه مدفنًا للنفايات والحيوانات النافقة... إلخ، مما يتسببت في انتشار الأمراض الخطيرة في بلادنا بصورة مروعة.. بسبب ذلك كله يجب أن نتحرك على عدة مسارات لترشيد استهلاك المياه في مصر، من خلال:
• بناء وتشكيل الوعي المجتمي بخطورة المشكلة: وذلك بالقيام بحملة قومية كبرى ومنظمة عبر وسائل الاتصالات والإعلام والثقافة والتربية للتوعية بخطورة مشكلات المياه، وشرح أبعاد هذه القضية وغرسها فى ضمير كل فرد منَّا، قبل أن تتفاقم الأمور، من خلال التحرك على عدة مسارات في نسق تكاملي، تتضافر فيه كل الجهود الحكومية والتشريعية والتنفيذية والرقابية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأحزاب والمؤسسات التعليمية، والتركيز على الأفراد الذين هم حجر الزاوية في علاج هذه المشكلة، فالعلاج مرهون بمدى وعي وتفهم الجماهير للأخطار المستقبلية المتعلقة بمشكلة المياه.. وأيضا تدريس مواد دراسية للطلاب في شتى المراحل، وأن تنهض وسائل الإعلام بدورها التوعوي حيال قضية المياه، من خلال القوالب الإعلامية المختلفة، لاسيما القالب الدرامي الذي يؤثر بفاعلية كبيرة جدًّا على المتلقي، وأيضا أفلام الكارتون للأطفال؛ لتظل هذه الصور حاضرة في ذاكرة الشخص منذ نعومة أظفاره، بما يسهم بشكل جدي في علاج المشكلة من خلال ضبط الأفراد لسلوكياتهم السلبية، في تعاملهم مع المياه.
• تفعيل نتائج البحث العلمي والاستفادة بالخبراء والتجارب الدولية: ومن هنا أدعو إلى ضرورة الاستفادة من أبحاث ودراسات وجهود العلماء والخبراء والمتخصصين في مجالات المياه، وتفعيل دورهم، وإشراكهم في صناعة القرارات المتعلقة بالمياه، لأنَّ غيابهم أو تغييبهم –كما كان يحدث من قبل- يتسبب في خسارات فادحة. ومن ذلك إجراء الجوائز والمسابقات لشخذ همم الباحثين في شتى مجالات المياه. والتوسع في إنشاء أقسام تكنولوجيا المياه في كليات العلوم والهندسة بجامعاتنا، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة. وإنشاء مركز معلومات يضم مرصدًا فكريًّا لكافة الدراسات والبحوث والنظريات والمبتكرات والمخترعات والوثائق وتوصيات المؤتمرات المتخصصة والتجارب الدولية وكافة المعلومات عن المياه وعن مواردنا المائية، بحيث يمكن الاستفادة من هذه الأعمال، وتطبيق ما يتناسب منها بسهولة ويسر.
• تمويل البحث العلمي في مجال المياه: وذلك بإنشاء صناديق خاصة لدعم الجهود العلمية والفنية والمشروعات والإنشاءات المتعلقة بمواجهة مشكلة المياه. ويمكن أن تلعب الأوقاف الإسلامية دورًا مهما في توفير الموارد المادية اللازمة لنفقات المشروعات التي من شأنها توفير المياه أو المحافظة عليها، وثمة طرق أخرى كثيرة يمكن من خلالها تدبير هذه الموارد، منها: الضرائب التي نقترحها على أصحاب الأنشطة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، مثل: مصانع الأدوية، ومحطات البنـزين التي تستهلك المياه في غسل السيارات، والمصانع التي تعتمد في صناعتها على المياه، والسفن العائمة ووسائل النقل النهري السياحي، والنوادي التي تستهلك مياهًا كبيرة في حمامات السباحة... إلخ. وأموال العقوبات المادية التي يجب أن تُفرض وتشدد على المخالفين ملوثي المياه. وأيضًا من خلال استثمار شواطئ النيل والترع، بإزالة الحشائش وغيرها، وزراعتها بالزراعات المختلفة والأشجار المثمرة، وتوجيه جزء من حصيلة مبيعاتها لصالح المشروعات المائية المطلوبة... وغيرها.
• التوسع في زراعة الزيتون، والأشجار المثمرة بدلا من أشجار الزينة وتنسيقها بشكل جمالي بدلا من زراعة ملايين أشجار الزينة التي تستهلك المياه صباح مساء.. ففي الزيارات التي قمتُ بها إلى الأردن الشقيق -مثلا- ، وجدتهم يتوسعون بشكل ملفت للانتباه في زراعة أشجار الزيتون التي تتسم بالشكل الجميل، والتي تستهلك كميات ضئيلة جدًّا من المياه.. يتوسعون في زراعتها بكل مؤسساتهم.. في الجامعات، وفي المؤسسات الخدمية والبلديات.. في المستشفيات.. في المدارس.. في الطرق وعلى طولها الكبير.. يزرعونها وكأنها أشجارا للزينة من ناحية، ولأنها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه بل تعتمد على النـزر اليسير من المياه الموجودة في التربة أو الأمطار، ولأنها تدر على كل مؤسسة -مزروعة في رحابها- دخلاً كبيرًا؛ إذ كل مؤسسة تقوم بحصاد الزيتون من أشجارها، وعصره، وبيعه، لتسهم بشكل كبير في تمويل برامج المؤسسة وأنشتطها المختلفة، وبالتالي تحقق سلسلة من المكاسب والمنافع؛ فهي تُزين الطرق والحدائق بهذه الأشجار التي لا تحتاج إلى المياه، ومن ثم تسفيد من العوائد الاقتصادية لهذه الزراعة.. لذلك فإنني أدعو إلى الاستفادة من هذه التجربة وتعميمها على نطاق واسع في مصر.. وذلك بأن تقوم الدولة بتعميم زراعة الزيتون في الحدائق وعلى طول الطرق وفي المؤسسات المختلفة ليحل الزيتون محل أشجار الزينة التي تستهلك كميات ضخمة من المياه وفي نفس الوقت لا تنبت ثمرًا.. وبالتالي نحقق عائدات اقتصادية كبيرة.. فالمسافر عبر الطريق الدائري -مثلا- حول القاهرة، يجد مئات الآلاف من الأشجار غير المثمرة المزروعة بعمق نحو 20 مترا في خط متواز مع الطريق، التي تُسقى بالماء ولا تنبت ثمرًا، بصورة تفتقد لأدنى قواعد المنطق، بل مجانبة للصواب ومجافية لتعاليم الدين الحنيف والتخطيط العلمي السليم؛ لأن الأمة في أمس الحاجة إلى كل قطرة ماء، وإلى كل شبر من الأرض يمكن زراعته.. فما المانع أن تكون الأشجار المرزوعة أشجارا مثمرة كالزيتون أو الموالح والنخيل المثمر والمانجو.. إلخ -وكلها تلطف الجو وينبعث منها الأوكسجين، وتعمل أيضًا كمصدات للهواء، مثلها مثل الأشجار غير المثمرة، ويمكن أيضا زراعتها وتنسيقها بشكل جمالي مبهر- والتوسع فيها في إطار خطة الدولة لمواجهة أفواه الكثير من الجوعى والمحرومين..
• الاستفادة من آلاف الكليو مترات، في شواطئ النيل والرياحات والترع والقنوات.. إلخ، تلك المساحات الضخمة من الأراضي الزراعية التي تَنبت فيها الحشائش وغيرها من النباتات عديمة الفائدة، والتي تستهلك –بدون وعي منّا– كميات ضخمة من المياه، بحيث يتم استبدال تلك النباتات، بزراعة النباتات المفيدة وملايين الأشجار المثمرة في هذه الأماكن، في إطار خطة طموحة لتعظيم الاستفادة من كل شبر من أرض مصر.. ويمكن أن تكون هذه الزراعات أو بعضها سبيلا ووقفا متاحا للفقراء والمساكين وغيرهم، وبذلك نخفف العبء عن الدولة فيما تستورده من غذاء..
• تطوير طرق وآليات الري الزراعي وتقليل الاعتماد على الري بالغمر، واستخدام نظم الري الحديثة، والتوسع في المزارع النموذجية، وتحديث شبكات الري والصرف على حد سواء وصيانتها، وتقليل الفواقد، وتكسية بعض الأماكن في المجاري المائية بالأحجار، وإزالة الحشائش وورد النيل بصورة دورية. والعمل على تعظيم وحدة إنتاجية المياه من خلال مراكز البحوث وتوظيف العلم في خدمة المجتمع. والاعتماد على الزراعات الشتوية، وتشجيع العلماء والباحثين وشحذ هممهم لاستنباط حبوب وأصناف من الزراعات تقاوم الجفاف، وتتحمل الملوحة، وتستهلك مياهًا أقل، وتعطى إنتاجية أعلى، وهذه معادلة ليست مستحيلة يجب أن تُبذل في سبيلها الجوائز والحوافز وغيرها على الباحثين الذين يسهمون في تحقيقها.
• أطروحات جديدة: ومن أهمها:
? التوسع في أنظمة الغسيل الجاف للملابس، بدلا من الغسيل العادي الذي يستهلك كميات كبيرة جدًّا جدًّا من المياه الصالحة، وتوطين صناعتها في مصر، وتوجيه الاستثمارات في هذا المجال.
? رصف الشوارع والطرق بحيث يكون الميل على جانبي الطريق وينتهي بقنوات تصب مياه الأمطار في بالوعات تجميع خاصة، والتي تنتهي بدورها إلى خزانات تجميع المطر والسيول. ويمكن البدء بذلك في المدن الجديدة. وأيضا إقامة السدود الترابية وغيرها لتجميع مياه المطر – في أماكن سقوطة في سيناء وغيرها بدلا من انسيابه في البحر- وتعظيم الاستفادة منها بإعادة تدويرها بسهولة، ومن ثم الاستفادة منها في الشرب والزراعة..إلخ..
? استخدام أنواع حديثة من صنابير المياه تعمل بالأشعة، وإلزام الناس بتركيبها، كأن تكون شرطًا للحصول على رخصة البناء مثلا، وإصلاح صنابير المياه في المساجد والمدارس والمصالح الحكومية وغيرها وتحديثها.
? تصغير حجم صندوق صرف الحمام "السيفون"، أو وضع زجاجتين مملوءتين ومغلقتين فيه لتقليل حجمه وبما لا يخل بكفاءته في الطرد.
? تحويل صرف مياه أحواض غسيل الوجه –بعد ترشيحها بواسطة فلتر يسير- إلى صرف سيفونات الحمامات (صناديق الطرد)، لتكون بديلا عن مياه الشرب المستخدمة في ذلك.
? تعميم أجهزة الطرد بالضغط في سيفونات الحمامات، حيث تستهلك كميات أقل من المياه.
? عزل الصرف الصحي الخفيف عن الصرف الثقيل. أي فصل وتقسيم المياه إلى البيوت وغيرها إلى مياه صالحة للاستخدام الآدمي، وأخرى لإزاحة الصرف الثقيل، وغسيل السيارات، وري الحدائق.. ويمكن البدء بذلك في المدن الجديدة.
? إعادة تدوير مياه الصرف بالأساليب الحديثة، والتوسع في استخدام الموارد المائية غير التقليدية والاستفادة منها.
? تعظيم الاستفادة من المياه الجوفية، بحسن إدارتها، واستخدام الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد؛ للكشف عن أماكنها، والاستفادة من تراث العرب والمسلمين الأقدمين في الكشف عن أماكن وجود المياه الجوفية، بوجود أحجار معينة، أو نباتات معينة، أو حيوانات معينة.. وهذا الأمر مفصل في كتابنا (منهج الإسلام في مواجهة مشكلات المياه).
? توجيه الأبحاث للاستفادة من شتى النعم والمنح الربانية التي مَنَّ الله بها على بلادنا، ومن بينها الطاقة الشمسية ذات السطوع العالي جدًّا، لاستغلالها في مجالات عديدة، ومنها: تعقيم المياه، وتحلية المياه المالحة.. فمن عظيم رحمة الله بعباده أنه ادخر لكل البشر، مخزونًا استراتيجيًّا ضخمًا من المياه المالحة في البحار والمحيطات، بحيث يمكن الاستفادة منها، من خلال التوسع في برامج تحليتها، والاستفادة من ثروات البحار والمحيطات الغذائية الهائلة، التي يمكن أن تسهم بشكل كبير جدا في سد الحاجات الغذائية لملايين الناس.
? وغيرها من الأفكار التي لو طبقت بصورة تكاملية وجماعية لحققت الأمن المائي لمصر، ولأجيالها المقبلة.. كما يجب ألا نقلل من أية أطروحة لعلاج المشكلة مهما كان حجم توفيرها للمياه، طالما اتسمت بالعلمية والموضوعية..
وإزاء مواجهة الاحتمال الثاني وهو انهيار سد الألفية، فيجب أن نتحرك من الآن، لعمل الآتي:
- الشروع الفوري في إعداد الدراسات الطبوغرافية والجيولوجية وغيرها للبدء في إنشاء بحيرة مصرية كبيرة جدا قريبة من بحيرة ناصر بحيث تكون جاهزة لاستقبال أكثر من 70 مليار متر مكعب من المياه حال إنهيار السد، وذلك عبر مفيضات تعد وتجهز لهذا الغرض تجنيبا للبلاد من الغرق.
- الكشف الدوري عن السد العالي وترميمه
- ترميم القناطر والسدود المصرية على الخط الرئيسي لنهر النيل وإجراء دراسات عليها لمعرفة مدى تحملها لضغط المياه وما قد تحتاجه من دعامات وترميمات وإعادة هكلة وإو إنشاءات جزئية أو كلية، ومن بينها: (خزان أسوان أو سد أسوان وهو يختلف عن السد العالي، والذي بني خلال الفترة من في الفترة ما بين 1899 و 1906 ليقوم بحجز المياه أثناء الفيضانات حيث يتم تصريف المياه بالكميات اللازمة للري خلال فترة التحاريق)، و(قناطر أسيوط وهي مجموعة سدود على نهر النيل في مدينة أسيوط بصعيد مصر تم تشييدها بين عامي 1898 و 1903) ، و(قناطر إسنا ونجع حمادي حيث توجد قنطرتين: الأولى بناها الإنجليز عام 1906في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني. من أجل حفظ وتخزين مياه الفيضان للاستفادة منها في الزراعة وتعد واحدة من أجمل القناطر في العالم. والقناطر الثانية لتوليد الكهرباء ولحفظ مياه الري بنتها شركة إيطالية في عام 1995ويوجد بهما ممرات لعبور السفن)، و(قناطر نجع حمادي)، وأيضا قناطر الدلتا، وقناطر زفتى على فرع دمياط، قناطر إدفينا على فرع رشيد من النيل.
- تنقية المجرى المائي للنيل وتهذيبه بصورة دورية، وحماية المياه من التسرب بتكسية الأجزاء التي تتطلب ذلك، بالأحجار وغيرها، وإزالة الحشائش وورد النيل منه بصورة دورية، حتى نضمن سريان الماء وجريانه بصورة طبيعية ودون عوائق.
- إنشاء مفيضات قبيل القناطر والسدود وفي أماكن مناسبة لتصريف المياه الزائدة –حال إنهيار السد- إلى الصحراء الغربية، ويمكن الاستفادة منها في ملء الخزانات الجوفية.
- البدء الفوري في إجراء الدراسات والبحوث -بالتعاون مع منظمة اليونسكو- للحفاظ على الآثار المصرية الموجودة في أسوان والأقصر وغيرها، وعمل سيناريوهات لحماية الآثار من الغرق والدمار حال انهيار السد..
وأخيرا فكم من مشروعات لا تنقصها دقة التخطيط ولا قلة المال للتنفيذ ولكنها فشلت فشلا ذريعا؛ لأن القائمين عليها لم يكن لله ولا لرسوله اعتبار أو وقار في حياتهم، فضاعت تلك المشروعات وضاعت معها ثروات البلاد ومصالح العباد. أما حينما نخلص لله عز وجل فإنه سينصرنا ويصلحنا ويصلح لنا ويصلح بنا ويصلح مَن حولنا. وصدق الله القائل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).
* متخصص في شؤون المياه
المصدر :الجزيرة مباشر مصر
http://mubasher-misr.aljazeera.net/s...1724706999.htm
وhttp://mubasher-misr.aljazeera.net/s...2326343953.htm


__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-02-2014, 12:04 AM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

ستعود مصر بأمر خالقها لأحضان إفريقيا وأمتها العربية والإسلامية


فكم اختطفت مصر من أهلها على أيدى مستعمر غربى أومستبد عثمانلى أومتأسلم إخوانى
تجمعوا الأن بثلاثية متوحدة ضدها ولكنها دائما تعود عزيزة أبية




شكرا جزيلا على الموضوع
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-02-2014, 04:43 PM
الصورة الرمزية simsim elmasry
simsim elmasry simsim elmasry غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,873
معدل تقييم المستوى: 15
simsim elmasry has a spectacular aura about
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة redagoh مشاهدة المشاركة
ستعود مصر بأمر خالقها لأحضان إفريقيا وأمتها العربية والإسلامية


فكم اختطفت مصر من أهلها على أيدى مستعمر غربى أومستبد عثمانلى أومتأسلم إخوانى
تجمعوا الأن بثلاثية متوحدة ضدها ولكنها دائما تعود عزيزة أبية




شكرا جزيلا على الموضوع
شكرا على المرور
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:07 AM.