|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() (6) جده عبد المطلب : عاد صغير الآلام إلى الجد العطوف ، الذي رق له رقة شديدة ، فكان لا يدعه وحيدا ، بل جعله مقدما على أولاده وبنيه . إن لعبد المطلب فراشا لا يجلس عليه غيره إجلالا له واحتراما ، فكان محمد الصغير هو الوحيد المصرح له بالجلوس ، فيأتي الأولاد والأبناء ليُبعدوه ، فيقول الجد : " دعوه ، والله إن لهذا شأنا " !!! وتمر الأيام ويبلغ الصغير ثمان سنين ، ليكون على موعد جديد مع الآلام ، فها هو عبد المطلب يوارى الثرى ، لتكون وصيته الأخيرة ، أن يكون الصغير عند : (7) عمه أبا طالب : فنهض باليتيم على أكمل وجه ، وضمّه إلى بنيه وقدمه عليهم ، واختصه بمزيد احترام وتقدير . وتمر الأيام ... ويأتي على قريش سنون عجاف ، أجدبت لها الأرض ، وكاد يهلك بها القوم ، فبات الناس في شظف من العيش ، فما كان من قريش إلا أن طلبوا من سيدهم أبا طالب أن يستسقي لهم ، فكان : (8) أبيض يُستسقى الغمام بوجهه : خرج أبو طالب يستسقي ، والسماء ما فيها من قزعة !! ومعه الغلام الصغير –صلى الله عليه وسلم- وبنيه ، فأخذ أبو طالب الغلام اليتيم الصغير - وهو يتذكر كلمات عبد المطلب : ( والله إن لهذا شأنا ) !! – فألصق ظهره بالكعبة واستسقى . فأقبل السحاب من كل جانب ، وانفجرت السماء بماء منهمر ، فقال أبو طالب : وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه --- ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل وتمر الأيام ... ويبلغ النبي الكريم اثنتي عشرة سنة ، وفي صيف حار تحركت ركائب قريش نحو الشام ، فكانت قصة : (9) بُحيرى الراهب : فارتحل أبو طالب بقومه ومعه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وصلوا إلى بُصرى نزل القوم للراحة ، فخرج إليهم بحيرى ولم تكن من عادته الخروج إليهم ، فتخللهم حتى جاء إلى الفتى الصغير وأخذ بيده وقال : هذا سيد العالمين !! هذا رسول رب العالمين !! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين !! . فقال أبو طالب وأشياخ قريش : وما علمك بذلك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجدا ، ولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، وإنّا نجده في كتبنا " . ثم سأل أبا طالب ألا يذهب به إلى الشام خوفا عليه من الروم واليهود ، فرده أبو طالب بغلمان معه إلى مكة . وتمر الأيام ... وقد شبّ النبي الكريم ، ولم يكن له عمل معين في أول شبابه . ولكن جاءت الروايات وتوالت بأن مهنته كانت : (10) رعي الغنم :
لقد كان يسير طوال نهاره خلف الغنم ، فرعاها في بني سعد ابتداءً ، ثم في مكة على قراريط لأهلها . إن مهنة كهذه يُشترط لها أمانة مع طول نفس ، ولذا : ( ما من نبي إلا وقد رعى الغنم ) ، ولعل ذلك – والله أعلم - : لأن صورة القطيع شبيهة بسير سواد الأمم ، والراعي قائد يتطلب عليه أن يبحث عن الأماكن الخصبة والآمنة ، كما يتطلب ذلك حماية وحراسة لما قد يعترض قافلة السير . وهذه المهنة فيها ما فيها من قسوة ومتابعة ، إلا أنها تُثمر قلبا عطوفا رقيقا ، وواقع حال رعاة الغنم خير شاهد على ذلك . وبعيدا عن العمل وهمومه ، وبعيدا عن كدح البحث عن لقمة العيش نقف مع : |
#2
|
||||
|
||||
![]() (11) نوازع نفس محمد صلى الله عليه وسلم : يحدثنا النبي الكريم عن نفسه في تلك الفترة فيقول : ( ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء ، إلا ليلتين ، كلتاهما عصمني الله تعالى منهما ، قلت ليلة لبعض فتيان مكة – ونحن في رعاية غنم أهلنا – فقلت لصاحبي : أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة ، فأسمر فيها كما يسمر الفتيان . فقال : بلى . فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير . فقلت : ما هذا ؟ فقيل : تزوج فلان فلانة . فجلست أنظر ، وضرب الله على أذني ، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس . فرجعت إلى صاحبي ، فقال : ما فعلت ؟ فقلت : ما فعلت شيئا ، ثم أخبرته بالذي رأيت . ثم قلت له ليلة أخرى : أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة . ففعل ، فدخلت ، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة ، فسألت . فقيل : فلان نكح فلانة ، فجلست أنظر ، وضرب الله على أذني ، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي فقال : ما فعلت ؟ قلت : لا شيء ، ثم أخبرته بالخبر ، فوالله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء ، حتى أكرمني اله بنبوته ) . إنها الرعاية الربانية ، تقف للحيلولة بينه وبين تلك النوازع ، ولذلك جاء في الأثر : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) . وتمر الأيام ... ليبلغ النبي الكريم عشرون عاما ، ليشهد حربا وقعت في شهر حرام ، فتُسمى بـ : (12) حرب الفِجَار : وقعت تلك الحرب سوق عكاظ بين قريش ومعهم كنانة وبين قيس عيلان ، فاصطف القوم ووقعت حرب ضروس ، وكان النبي الكريم يجهز النبل للرمي ، وكثُر ال*** في الطرفين ، حتى رأى عقلاء القوم أن وضع أوزار الحرب والاصطلاح خير من الملحمة ، فهدموا ما بينهم من العداوة والشر ، وعلى أثر ذلك حصل : (13) حلف الفضول : إنه حلف الخير والعدالة ، تداعت إليه قبائل من قريش في ذي القعدة ، وكان اجتماعهم في دار عبد الله بن جدعان التيمي ، فتعاهدوا وتعاقدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه ، وشهد هذا الحلف النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - ، وقال عنه بعد أن أكرمه الله بالنبوة : ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت ) . ولا عجب في ذلك ، فهو نبي العدالة والرحمة .. وتمضي الأيام ... ويبلغ النبي الكريم الخامسة والعشرين من عمره ، ليخرج إلى : (14) تجارة الشام : وذلك في مال لخديجة بنت خويلد ، بعد أن سمعت بأخبار الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، وجعلت معه غلام لها يُقال له : ميسرة . ذهب النبي الكريم إلى الشام ، فما لبث أن رجع إلى مكة ، فرأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تره من قبل ، وحدّثها ميسرة بما رآه من حال الصادق الأمين ، فما كان منها إلا أن سعت ليكون الخبر في أرجاء مكة : (15) محمد – صلى الله عليه وسلم – زوج لخديجة – رضي الله عنها - !! وذلك بعد أن تقدم لها سادات قريش ، فكان الإباء عليهم هو الجواب . ثم لمّا رأت ما رأت بعد تلك التجارة المباركة : عزمت على نية أفصحتها لصديقتها : نفيسة بنت منبه . فقامت بدورها بذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . فرضي بذلك ، إلا أن والد خديجة حاول عبثا الوقوف أمام هذا الزواج الميمون ، إلا أن حيلة خديجة كانت حَكَمَاً قاضيا في الموضوع ، فما الذي فعلته خديجة ؟ يروي لنا ابن عباس رضي الله عنهما ذلك فيقول : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة – وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه - ، فصنعت طعاما وشرابا ، فدعت أبوها وزمرا من قريش ، فطعموا وشربوا حتى ثملوا . فقالت خديجة لأبيها : إن محمدا بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه . فزوجها إياه . فخلقته وألبسته حلة – وكذلك كانوا يفعلون بالآباء -، فلما سرى عنه سكره ، نظر فإذا مخلق وعليه حلة ، فقال : ما شأني هذا ؟ قالت خديجة : زوجتني محمد بن عبد الله . قال : أُزوّج يتيم أبي طالب !؟ لا لعمري . فقالت : أما تستحي ؟! تريد أن تسفه نفسك عند قريش ، تخبر الناس أنك كنت سكران !! فلم تزل به حتى رضي " . ويتزوج الشريف الشريفة ، وتمر الأيام والأعوام على ذلك البيت الهادئ الجميل ، ويُرزق منها بالبنين ، والنبي الكريم يُقري الضيف ، ويعين الملهوف ، وينصر المظلوم ، ويكون في حاجة أهله .. ويجرف مكة سيل عرم وينحدر إلى البيت فيُصدّع جدرانه حتى أوشك على الوقوع والانهيار ، فاتفقت قبائل قريش على : |
#3
|
||||
|
||||
![]() (16) إعادة بناء الكعبة :
وتبني قريش الكعبة بشرط مسبوق : " ألا يدخل في بنائها إلا طيبا ، فلا يدخل فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة لأحد من الناس " . ويشارك النبي الكريم صاحب الخمس وثلاثين عاما في البناء ، ويحمل الحجارة من الوادي مشاركا قومه في مثل هذا الحدث العظيم . ويرتفع البناء ، ويعود للبيت جلاله وهيبته ، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود حصل الاختلاف ، وتنازع القوم في شرف وضع الحجر الأسود أربع ليال أو خمس حتى كادت الحال أن تتحول إلى حرب ضروس !! إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد . فارتضى القوم ذلك . فإذا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب يكون ذلك الداخل . فهتف القوم : أن رضينا بالأمين . فطلب عليه الصلاة والسلام رداءً فوضع الحجر وسطه ، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف ذلك الرداء ، وأمرهم أن يرفعوه ، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه . فرضي القوم بذلك ، وانتهى نزاع كادت دمائه أن تصل إلى الركب !! وتمر الأيام ... وغربة النبي الكريم تزداد يوما بعد يوم ، فوجوه يعرفها ، وأحوال ينكرها ، كان ذا صمت طويل يزدان بالتأمل والنظر ، لقد كانت تلك الفطرة التي جُُبل عليها تمنعه من أن ينحي لصنم ، أو يهاب وثن . فاعتزل القوم لما رأى من سفاهة أحلامهم ، وتفاهة عقولهم ، فكان عليه الصلاة والسلام لا يحضر عيدا لوثن ، ولا يشهد احتفالا عند صنم ، ولا يحلف بالاّت ، ولا يتقرب لعزى ، ولا يشرب خمرا ، ولا يأكل مذبوحا على نُصب ، فأبغض ذلك كله . يقول مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه : " ... فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه " . فكان عليه الصلاة والسلام موحدا على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام . لقد جمع الصادق الأمين من الأوصاف والشمائل ما جعلت محبته لا تقف عند البشر ، بل تتعداه إلى الحجر والشجر ، يقول عليه الصلاة والسلام بعد أن أكرمه الله بالرسالة : ( إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ) !! . فصلوات ربي وسلامه عليه . وتمر الأيام ... حتى بدأ طور جديد من حياته صلى الله عليه وسلم ، فكان يرى الرؤية ثم لا يلبث حتى يراها واقعا مشهودا أمامه ، فكان ذلك بداية بشرى النبوة والرسالة والاصطفاء ، لتكون البداية الحقيقة في الغار بـ { أقرأ باسم ربك الذي خلق } ، وينادي المنادي في أصقاع المعمورة : إن محمدا قد بُعث !! فإذا عقارب السنين والأعوام قد دقت الأربعين !! فصلوات ربي وسلامه عليه ... تلك الأربعون – لعمر الحق - : عراقة الخلال ، فكيف بما بعد الأربعين ، حين بُعث إلى العالمين !! { وإنك لعلى خلق عظيم } .. المراجع : * مسند الإمام أحمد . * صحيح البخاري . * صحيح مسلم . * جامع الترمذي . * صحيح وضعيف الجامع الصغير للألباني . * سيرة ابن هشام (1/164) وما بعدها . * الفصول في سيرة الرسول لابن كثير (83) وما بعدها . * الكامل في التاريخ لابن الأثير (2/32) وما بعدها . * مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب (25) وما بعدها . * الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري (71) وما بعدها . * السيرة النبوية للشيخ محمد الصوياني (1/21) وما بعدها . |
#4
|
||||
|
||||
![]() عظمة النبي محمد صلى الله عليه و سلم أبو عبد الرحمن الشاميبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين. محمد صلى الله عليه وسلم هو الأعظم إنه بحق الأعظم كيف لا وقد اصطفاه الله على بني آدم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله ربه رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور . إنه الأعظم فإذا كان في البشرية من يستحق العظمة فهو محمد ، هذا كلام علماء الغرب المنصفين . والمسلمين يؤمنون به ويحترمونه ويوقرونه ويبجلونه . فهو قدوتنا العليا وهو شفيعنا يوم القيامة وقائدنا إلى الجنة . إن محمداً صلى الله عليه وسلم يستحق العظمة . كيف لا وقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط مستقيم . عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالبراق ليلة أسري به ملجماً مسرجاً، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقاً . إنه " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ، الذي استطاع بنصر الله له وبصدق عزيمته وبإخلاصه في دعوته أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون . إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا العبقرية وخصائصها . إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الأعظم . فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟ كلا ، لا يوجد رجل أعظم منه فقد عاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء وجاء بالدين الخاتم والمسعد لجميع البشر . إن هذا الرجل العظيم محمد صلى الله عليه وسلم بحق رجل لم تنجب البشرية مثله كيف لا وقد قال عنه الجبار " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " .. وقال تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " . إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة أنعم الله به علينا فإنه حريٌ بنا حينما نتذكر النعمة نتذكر المنعم بها ونشكره عليها. وهذا الشكر يستوجب منا أن نتمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً لقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (سورة الأحزاب /آية 21). فما أعظم هذه النعمة وما أعظمك يا رسول الله وقد منحك الله سبحانه من كمالات الدنيا والآخرة ما لم يمنحه غيره من قبله أو بعده . وقد أعطاه الله في الدنيا شرف النسب وكمال الخلقة، وجمال الصورة وقوة العقل، وصحة الفهم وفصاحة اللسان وقوة الحواس والأعضاء، والأخلاق العلية والآداب الشرعية من: الدين، والعلم، والحلم والصبر والزهد والشكر والعدل والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والسكينة والتؤدة والوقار والهيبة والرحمة وحسن المعاشرة ما لا يستطاع وصفه وحصره. فما أعظمك يا رسول الله ولقد صدق ربنا سبحانه وتعالى إذ يقول في شأنك ووصفك{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم/ آية 4). وها نحن نأتي إلى نبذة يسيرة من محاسن صفاته ومحاسن آدابه لتكون لنا نموذجاً نسير عليه حتى نكون على قدم نبينا صلى الله عليه وسلم. أعميت عيني عن الدنيا وزينتها --- فأنت والروح شيء غير مفترق إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق --- من أول الليل حتى مطلع الفلق وما تطابقت الأجفان عن سنةٍ --- إلا وإنك بين الجفن والحدق |
#5
|
||||
|
||||
![]() نسبه صلى الله عليه وسلم أما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئة فإن نسبه صلى الله عليه وسلم ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم. نسب شريف وآباء طاهرون وأمهات طاهرات؛ فهو من صميم قريش التي لها القدم الأولى في الشرف وعلو المكانة بين العرب. ولا تجد في سلسلة آبائه إلا كراماً ليس فيهم مسترذل بل كلهم سادة قادة، وكذلك أمهات آبائه من أرفع قبائلهن وكل اجتماع بين آبائه وأمهاته كان شرعياً بحسب الأصول العربية ولم ينل نسبه شيء من سفاح الجاهلية بل طهره الله من ذلك. روى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله عليه و سلم يقول: "أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم". كمال خلقته صلى الله عليه وسلم أما صورته وجماله وتناسب أعضائه وحسنه فقد جاءت الآثار الصحيحة المشهورة بذلك وكثر الواصفون لحسن جماله صلى الله عليه وسلم ومنها أنه كان أبيض مشرباً بالحمرة، أزهر اللون، ظاهر الوضاءة، واسع الجبين، كث اللحية سخل الخدين، أبيض الأسنان إذا تكلم كأن النور ينهمر من فمه ويكفي في وصفه قول أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه. ووصفه بعض أصحابه فقال: كان رسول الله فخماً مفهماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر. وأخرج البزار بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت تمثلتُ في أبي: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه --- ربيع اليتامى عصمة للأرامل فقال أبي(تعني أبا بكر): ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . لئن أعطي سيدنا يوسف شطر الجمال فقد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم الحسن كلّه . عظمة خُلقه وحلمه وعفوه وأما الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة فجميعها كانت خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم على الانتهاء في كمالها ويكفيك من ذلك شهادة رب العالمين في إذ يقول( وإنك لعلى خلق عظيم) ،ويقول النبي عن نفسه (أدبني ربي فأحسن تأديبي) ، وفي ذلك قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين سئلت: كيف كان خلق رسول الله فقالت"كان خلقه القرءان" أي كل خصلة خير في القرءان هي في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت عائشة رضي الله عنها في وصف خلقه أيضاً:"لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً ولا يجزي السيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وقالت: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى. وفي حيائه يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه" رواه البخاري. وكان الحلم والعفو مع المقدرة من أوصافه صلى الله عليه وسلم فقد أمره ربه تعالى أن يأخذ العفو من أخلاق الناس فقال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف/169). فما من حليم إلا عرفت له زلة أما نبينا الأعظم عليه الصلاة والسلام فكان لا يزيد مع كثرة الإيذاء إلا صبراً، ومع إسراف الجاهل إلا حلماً. ومما يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" بعدما فعلوا به وبأصحابه ما فعلوا. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الذين أخرجوه من دياره ونكلوا بهم وقاتلوه وحرضوا عليه قبائل العرب وغيرهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وذلك يوم الفتح. وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فجذ به أعرابي بردائه جذبة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عنقه ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك!!! فسكت عليه الصلاة والسلام ثم قال: المال مال الله وأنا عبده وأعطاه ما طلب، فهل هناك في الحلم والعفو في مثله صلى الله عليه وسلم. |
#6
|
||||
|
||||
![]() جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم
أما الجود والكرم والسخاء والسماحة فقد خلقت معه منذ أن نشأ عليه الصلاة والسلام، فقد فاق كل كرماء العرب والعجم ووصفه بذلك كل من عرفه: قال جابر رضي الله عنه: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فقال: لا، وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان. وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً قط إلا أعطاه، فأتاه رجل فسأله، فأمر له بغنم بين جبلين، فأتى قومه فقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة". شجاعته صلى الله عليه وسلم أما من أخبار شجاعته صلى الله عليه وسلم فقد حضر عليه الصلاة والسلام المواقف الصعبة وفرَّ الشجعان و الأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وقال فيه بعض الصحابة: إنا كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى عليه وسلم فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً. وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع ولا أبحر ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم. زهده وتواضعه عليه الصلاة والسلام وما جاء في زهده عليه الصلاة والسلام وتواضعه واختياره الدار الآخرة فكثير منها ما رواه البيهقي والترمذي وابن ماجه عن عبد الله أنه قال: اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه وأقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألا أذنتنا فنبسط لك شيئاً يقيك منه تنام عليه فقال عليه الصلاة والسلام: "مالي وللدنيا، وما أنا والدنيا، إنما أنا والدنيا ****ب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها". ومما يشهد على زهده عليه الصلاة والسلام أنه كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيت رسول الله نار فقالوا: ما كان طعامكم قالوا: الأسودان التمر والماء. وأكبر شاهد على تقلله من الدنيا وإعراضه عن زهرتها أنه توفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي ولم يترك قصراً ولا متاعًا كثيراً بل كان بيته متواضعاً ومتاعه في غاية التواضع وكان صلى الله عليه وسلم يوصي بترك التنعم كما في الحديث:" وإياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين". عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ . ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم قوله : ( لا تفضلوني على يونس بن متى ، و لا تفضلوا بين الأنبياء ، و لا تخيروني على موسى . ) و قال للذي قال له : يا خير البرية : ذاك إبراهيم . |
#7
|
||||
|
||||
![]() خوفه عليه الصلاة والسلام وطاعته لربه تعالى أما شدة خوفه عليه الصلاة والسلام من الله شدة طاعته وعبادته فعلى قدر علمه بربه ولذلك تمدح ومدح نفسه بقوله:" أنا أعلمكم بالله وأشدكم لله خشية" معناه أنا أكثركم علمًا بصفات الله تعالى ومعرفة بأمور التوحيد والتنزيه والخشية لله تبارك وتعالى، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، إني أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون أطَّت السموات وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد". ومعنى أطت صدر منها صوت من الحمل الذي عليها وفي هذا الحديث دليل على أن السماء مسكن للملائكة الكرام وليست مكاناً لله تعالى كما يظن المشبهة تعالى الله عن ذلك. وروى المغيرة بن شعبة قال: قام رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى تورمت قدماه فقيل يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً". طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وأما طيب ريحه فقد كان صلى الله عليه وسلم طيباً مطيباً من غير طيب وكانت رائحته الطيبة تفوح على أنواع العطور والطيب، روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:"ما شممت شيئاً قط مسكاً ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن جابر بن سمرة أنه عليه الصلاة والسلام مسح خده قال: فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار أي كيس العطر. وكان عليه الصلاة والسلام سواء مس يده أو لم يمسها يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها، وروى البخاري: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه صلى الله عليه وسلم. حسن عشرته صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس عشرة وأوسع الناس صدراً وأصدقهم لهجة وقد وصفه بعض أصحاب قائلا: كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب. قال الله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وكان يجيب من دعاه، ويقبل الهدية، قال أنس رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي "أف" قط وما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته. وقال جرير بن عبد الله رضي الله عنه "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم قط منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم". وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجالسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر ويبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصاحفة، وكان أكثر الناس تبسماً وأطيبهم نفساً ما لم ينزل عليه قرءان أو يعظ أو يخطب، وقال عبد الله بن الحارث: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أنس رضي الله عنه قال: كان خدم المدينة يأتون فيها الماء فيغمس يده فيها للتبرك. وكل هذا غيض كم فيض من الشمائل مما لا يستطاع حصره. وحسبك في ذلك حسن عشرته لأهل بيته وأزواجه اللواتي ما شكت الواحدة منهن بل كن يروين عنه فضائل الأخلاق ومحاسن العشرة وكثرة الرحمة والشفقة وقد وصفه الله تبارك وتعالى بذلك بقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} هذا وزد على ذلك معجزاته وأسراره وما خصه الله به من بين الأنبياء وتفضيله على جميع الرسل مع المكانة العالية له يوم القيامة إذ هو صاحب الشفاعة العظمى في ذلك اليوم العظيم وهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم كلهم كما روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال((أنا سيد ولد آدم القيامة ولا فخر)) وهو عليه الصلاة والسلام أول داخل إلى الجنة وهو صاحب المقام المحمود والدرجة الرفيعة والوسلية والفضيلة يوم القيامة، وأمته خير الأمم وأكثر الأمم أتقياء وفقهاء وعلماء وشهداء. والصلاة والسلام عليه أمر يحبه الله وشرعه الله في القرءان بقوله:((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) فهو وسيلتنا إلى الله وهو شفيع المذنبين بإذن الله وهو صلى الله عليه وسلم النور وهو البركة العظمى حياً وميتاً، فقبره مقصد الزائرين وموضع البركات فهناك تذرف دموعهم شوقاً إليه عليه الصلاة والسلام. عطر اللهم قبره الكريم *** بعرف شذي من صلاة وتسليم |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|