#1
|
|||
|
|||
أم سليم بنت ملحان
أم سليم بنت ملحان صحابية جليلة ،صاحبة الأنوثة والجمال ،والسداد في الرأي والذكاء النادر والخلق الكريم. نسبها الرُمَيصاء بنت مِلْحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية الخزرجية، وهي أم أنس بن مالك, خادم رسول الله وأخت أم حرام بنت ملحان. اشتهرت بكنيتها واختُلِف في اسمها, فقيل سهلة, وقيل: رُمَيلة وقيل: رَميثة, وقيل: مُلَيكة وقيل: الغُمَيصاء، أو الرمَيصاء إسلامها وزواجها تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية, وأسلمت مع السابقون إلى الإسلام من الأنصار, فغضب مالك, وخرج إلى الشام, وثار عليها يتوعدها ويهددهافقال لها [1]: أصبوتِ ؟.. فقالت له: ما صبوت ولكني آمنت ... وجعلت تلقن طفلها الصغير أنس الشهادتين، قل :لا إله إلا الله .. قل :أشهد أن محمداً رسول الله .. فيعترضها زوجها مالك بقوة :"لا تفسد علي ابني .." فتقول له :" لا أفسده ... بل أعلمه وأهذبه " وعندما لم يجد زوجها مالك بن النضر سبيلاً لردها عن دينها الجديد: أعلمها بقراره أنه سوف يخرج مهاجراً دون عودة إلى بلاد الشام، ويهجرها وولدها .. وقد كان ذلك ، فقد خرج من منزله هائماً على وجهه ،لايدري أي طريق يسلك حتى لقيه أحد أعدائه ف***ه. وعندما علمت أم سليم بم*** زوجها حزنت عليه كثيرأًوقالت : "لاجرم، لا أفطم أنساً حتى يدع الثدي، ولا أتزوج حتى يأمرني أنس" [2] وهكذا عملت أم سليم على تربية ولدها الوحيد على تعاليم الإيمان والإسلام إلى أن أصبح فتى يعتمد عليه وأخذته إلى رسول الله ليكون خادماً عنده ويتعلم منه تعاليم سنته النبوية الشريفة. تزوجت بعد ذلك أبا طلحة. زواجها من أبي طلحة فرفض أن تتزوجه لشركه بالرغم من تقديمه لها المهر الغالي فقالت له "إنه لاينبغي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلتهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت ..." [3] عن أنس بن مالك: أن أبا طلحة خطب أم سليم يعني: قبل أن يسلم, فقالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى قلت" أفلا تستحي تعبد شجرة؟ إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقًا غيره. [4] فقال لها دعيني حتى أنظر ...قالت فذهب فنظر ثم جاء، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . قالت :"يا أنس قم فزوج أبا طلحة" فقال بها أبو طلحة :"فمن لي بذلك ". قالت له "لك بذلك رسول الله ". وانطلق أبو طلحة إلى رسول الله وكان جالساً بين أصحابه، فلما رآه رسول الله قال :" جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينية". فجاء وأخبر النبي بما طلبته أم سليم وأعلن إسلامه على الملأ وتزوجها على سنة الله ورسوله بصداق لا يعادله مال وهو الإسلام [5] وبذلك روي عن أنس بن مالك قال :"ما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم، كان مهرها الإسلام". [6] رزقهما الله تعالى ب "عمير " و "عبد الله". ابنها أنس خادمًا للرسول في الصحيح عن أنس أن أم سليم لما قدم النبي قالت: يا رسول الله, هذا أنس يخدمك, وكان حينئذ ابن عشر سنين فخدم النبي حتى مات, فاشتهر بخادم النبي. روايتها للحديث روت أم سليم عن النبي عدة أحاديث, وروى عنها ابنها أنس, وعبد الله بن عباس، وزيد بن ثابت, وأبو سلمة بن عبد الرحمن, وآخرون موت ابنها ابن أبي طلحة القصة مخرجة في الصحيح. لما مات ولدها ابن أبي طلحة, قالت لما دخل: لا يذكر أحد ذلك لأبي طلحة, فلما جاء, وسأل عن ولده, قالت هو أسْكَنُ ما كان, فظن أنه عُوفي, وقام فأكل, ثم تزينت له, وتطيبت, فنام معها, وأصاب منها, فلما أصبح قالت له: احتسب ولدك, فذكر ذلك للنبي، فقال: "بارك الله لكما في ليلتكما", فجاء بولد, وهو عبد الله بن طلحة, فأنجب ورُزِق أولادا, قرأ القرآن منهم عشرة كمّلا. جهادها ولم تكف ام سليم أن تؤدي دورها في نشر دعوة الإسلام بالبيان بل حرصت على أن تشارك ابطال الإسلام في جهادهم فقد كان لها يوم حنين موقف بطولي في تذكيه نار الحماسة في صدور المجاهدين ومداواة الجرحي بل كانت مستعدة للدفاع مواجهة من يتعرض لها. فقد أخرج مسلم في صحيحه وابن سعد في الطبقات بسند صحيح ان ام سليم اتخذت خنجرا يوم حنين فقال أبو طلحه : يارسول الله هذه أم سليم معها خنجر. وأخوها هو "حرام بن ملحان" *** في بئر معونة شهيدًا في سبيل الله. تلك هي أم سليم، عاشت حياتها تناصر الإسلام، وتشارك المسلمين في أعمالهم، وظلت تكافح حتى أتاها اليقين، فماتت، ودُفنتْ بالمدينة المنورة.رحمها الله ورضي الله عنها.
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
اسمها ولقبها
هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، اختلف في اسمها فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة. وتُلقَّب بالغميصاء أو الرميصاء. وقد أسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار. زواج أم سليم عاشت في بداية حياتها كغيرها من الفتيات في الجاهلية قبل مجيء الإسلام، فتزوجت مالك بن النضر، فلما جاء الله بالإسلام، وظهرت شمسه في الأفق، واستجابت وفود من الأنصار أسلمت مع السابقين إلى الإسلام، وعرضت الإسلام على زوجها مالك بن النضر، فغضب عليها، وكان قد عشّش الشيطان في رأسه، فلم يقبل هدى الله، ولم يستطع أن يقاوم الدعوة؛ لأن المدينة صارت دار إسلام، فخرج إلى الشام فهلك هناك. ومن ثَمَّ فاختيار أم سليم الأنصارية -رضي الله عنها- الإسلام على زوجها في ذلك الوقت المبكر ينبئ عن عزيمة أكيدة، وإيمان راسخ في وقت كان الاعتماد في تدبير البيت والمعاش وغير ذلك من أمور الحياة على الرجل، ولم تكن المرأة قبيل مجيء الإسلام تساوي شيئًا، فكونها أخذت هذا القرار من الانفصال بسبب الإسلام عن زوجها الذي في نظرها يعتبر كل شيء في ذلك الوقت، فيه دلالة على ما تمتاز به هذه المرأة المسلمة من الثبات على المبدأ مهما كلفها من متاعب. زواجها في الإسلام أما زواجها في الإسلام فذاك هو العجب بعينه، ولم يتكرر في التاريخ مثله؛ فعن أنس قال: «خطب أبو طلحة أم سليم -رضي الله عنها- قبل أن يسلم فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسأل غيره». فأسلم وتزوجها أبو طلحة. فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، فصارت سببًا في دخول أبي طلحة في الإسلام، فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم». أهم ملامح شخصيتها 1- العقل والحكمة: فقد كانت -رضي الله عنها- من عقلاء النساء، وموقفها مع زوجها أبي طلحة يوم وفاة ولدها يدل على عقل راجح، وحكمة بالغة، وصبر جميل؛ فعن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه مات له ابن، فقالت أم سليم رضي الله عنها: لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا أخبره. فسجَّت عليه ثوبًا، فلما جاء أبو طلحة رضي الله عنه وضعت بين يديه طعامًا فأكل، ثم تطيّبت له فأصاب منها فتلقت بغلام، فقالت له: يا أبا طلحة، إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا بعاريتنا، فأبوا أن يردوها. فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك؛ إن العارية مؤداة إلى أهلها. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله، وإن الله قد قبضه فاسْتَرْجِعْ. قال أنس: فأُخبر النبي ، فقال: «بارك الله لهما في ليلتهما». 2- الشجاعة والإقدام: فكانت تغزو مع رسول الله ، ولها قصص مشهورة، منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم -رضي الله عنها- اتخذت خنجرًا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا هَذَا الْخَنْجَرُ؟». قالت: "اتخذتُهُ إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه". 3- حب النبي واقتفاء أثره في كل شيء: فعن أنس بن مالك أن النبي دخل على أم سليم -رضي الله عنها- بيتها، وفي البيت قربة معلقة فيها ماء، فتناولها فشرب من فِيها وهو قائم، فأخذتها أم سليم -رضي الله عنها- فقطعت فمها فأمسكته. 4- العلم والفقه: ففي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس عن امرأة طافت ثم حاضت، قال لهم: تنفر. قالوا: لا نأخذ بقولك، وندع قول زيد. قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا. فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم -رضي الله عنها- فذكرت حديث صفية رضي الله عنها، أيْ قول النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: «عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قالت: بلى. قال: «فَلاَ بَأْسَ انْفِرِي». من مناقبها وفضائلها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً[1] فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ». ومما يدل على وفاء أم سليم بالعهد، ما روته أم عطية -رضي الله عنها- قالت: «أخذ علينا النبي عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا غير خمس نسوة: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى». من مواقفها مع الرسول جاءت أم سليم -رضي الله عنها- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له -وعائشة عنده-: يا رسول الله، المرأة التي ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت عائشة: يا أم سليم، فَضَحْتِ النساءَ، تربت يمينك! فقال لعائشة: «بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ، نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا رَأَتْ ذَاكِ» وقالت أم سليم -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول صلى الله عليه وسلم الله يقول: «مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». أم سليم وبشارتها بالجنة فقد روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي : «رَأَيْتُنِى دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ». فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟! من كلماتها قالت أم سليم -رضي الله عنها- لما سمعت ب*** عثمان رضي الله عنه: :"أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دمًا". وفاة أم سليم توفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية رضي الله عنه، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها. [1] الخشفة: هي حركة المشي وصوته.
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
صور مشرقة من احتساب الصحابية أم سليم بنت ملحان
كانت المسلمات من سلف هذه الأمة يدركن أن الدين النصيحة، فكُنَّ يبذلن النصيحة على قدر استطاعتهن لكل الناس، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وفي هذه الصفحات سأذكر نموذجاً واحداً من احتساب المؤمنات الناصحات، وهي أم سليم بنت ملحان.
التعريف بها: هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، اختلف في اسمها فقيل: سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقيل مليكة، ويقال الغميصاء أو الرميصاء، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار (الإصابة في تمييز الصحابة [8 / 227]). وكانت خالة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام النووي: "أم حرام أخت أم سليم، أنهما كانتا خالتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، محرمتين إما من الرضاع وإما من النسب، فتحل له الخلوة بهما، وكان يدخل عليهما خاصة، لا يدخل على غيرهما من النساء إلا أزواجه" (شرح النووي على مسلم [16 / 10]). أسلمت أم سليم الأنصارية رضي الله عنها، ولم يسلم زوجها، فما كما منها إلا أن احتسبت عليه وعرضت عليه الإسلام، قال ابن عبد البر: "كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك" (الاستيعاب [1 / 630]). وكانت أم سليم رضي الله عنها من بداية إسلامها داعية إلى توحيد الله تبارك وتعالى، فكانت تلقن ولدها أنس بن مالك رضي الله عنه؛ شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو طفل صغير، فقد روى ابن سعد في الطبقات، عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم أنها آمنت برسول الله قالت: "فجاء أبو أنس وكان غائباً فقال: "أصبوت؟" قالت: "ما صبوت، ولكني آمنت بهذا الرجل"، قالت:" فجعلت تلقن أنساً، وتشير إليه قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله"، قال: "ففعل"، قال: "فيقول لها أبوه لا تفسدي عليّ ابني"، فتقول: "إني لا أفسده..." (الطبقات الكبرى [8/425]). وهذا هو واجب المرأة المسلمة؛ أن تعلم أولادها تعاليم الدين، وحب الدين وهم صغار، فيشبون على لا إله إلا الله محمد رسول الله. وكانت أم سليم رضي الله عنها حريصة على إيمان الناس ودخولهم في دين الله أفواجاً، ومن شدة حرصها أنها جعلت مهرها الدخول في دين الله، فقد ذكر أهل السير أنها لما مات زوجها جاء أبو طلحة يخطبها، فأمرته بالإسلام واجتناب الشرك، ووافقت على الزواج منه إذا قبل بالدخول في الإسلام. روى ابن سعد في الطبقات، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "جاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فقالت: "إنه لا ينبغي لي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون ينحتها عبد آل فلان النجار؟! وأنكم لو شعلتم فيها ناراً لاحترقت؟!" قال: فانصرف عنها وقد وقع في قلبه من ذلك موقعاً، قال: وجعل لا يجيئها يوماً إلا قالت له ذلك، قال: فأتاها يوماً، فقال: "الذي عرضت علي قد قبلت"، قال: فما كان لها مهر إلا إسلام أبي طلحة" (الطبقات الكبرى [8/427]). وفي رواية أنها قالت: "يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد إنما هو شجرة تنبت من الأرض؟! وإنما نجرها حبشي بني فلان؟!" قال: "بلى"، قالت: "أما تستحيي تسجد لخشبة تنبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان؟!" قالت: "فهل لك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأزوجك نفسي، لا أريد منك صداقاً غيره"، قال لها: "دعيني حتى أنظر"، قالت: فذهب فنظر، ثم جاء فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، قالت: يا أنس قم فزوج أبا طلحة" (الطبقات الكبرى [8/427]). وفي رواية أنها قالت: "والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره"، فأسلم فكان ذلك مهرها (السنن الكبرى للنسائي [3 / 312]، المعجم الكبير [5 / 90]، برقم [4676]، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي [7 / 413]). قال ثابت: "فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ" (السنن الكبرى للنسائي [3 / 312]). فانظري أختي المسلمة إلى اعتزاز أم سليم رضي الله عنها بإسلامها، كيف أنها لم ترض بالزواج من رجل مشرك يعبد الأصنام، وهذا تنبيه مهم لكل من تساهلت بالزواج من رجل لا يصلي، أو يقترف المعاصي ويجاهر بها، فلتنظر المسلمة إلى مدى تمسك أم سليم رضي الله عنها بعقيدة الولاء والبراء، فقد بينت لأبي طلحة أنه لا صلة للمرء المسلم مع المشرك أبدا. وانظري أيتها الأخت المسلمة، كيف أن أم سليم قدمت نفسها في سبيل دينها، فلم تشترط على خاطبها أن يكون ذا مال وفير، أو قصور، أو وظيفة راقية، أو صاحب سيارة فاخرة، بل اشترطت الدين والإسلام، وهذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه كل فتاة مسلمة. وانظري أيتها الأخت المسلمة كيف أن أم سليم رضي الله عنها استعملت الحكمة في دعوتها واحتسابها للوصول إلى غرضها، فقد بينت لأبي طلحة ضلال ما هو عليه من عبادة الأصنام والأشجار، ثم إنها مدحته حتى يستجيب لدعوتها، فأثنت عليه بقولها مثلك لا يرد، فكأنها تقول له: "فيك من صفات الرجولة ما يدعو للزواج منك لولا أنك كافر تعبد الأصنام والأشجار"، فكانت رضي الله عنها سبباً في دخول أبي طلحة في الإسلام، فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، ونالت الأجر الذي وعد به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (رواه البخاري [3 / 1357]، برقم [3498]، ومسلم [4 / 1872]، برقم [2406]). ولما قدم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدنية، لم تجد شيئًا تقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سوى فلذة كبدها أنس بن مالك، قال أنس رضي الله عنه: "جاءت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: "يا رسول الله، هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له"، فقال: «اللهم أكثر ماله وولده» (رواه مسلم [4 / 1929]، برقم [2481]). ولعل أم سليم رضي الله عنها أرادت أن يتربى أنس رضي الله عنه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ليتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وتلك غاية من أشرف الغايات، وتكون بموقفها هذا قد احتسبت على ولدها أنس، ليحوز أكبر قدر من سنته صلى الله عليه وسلم متمثلة في أقواله وأفعاله، فكان لها ما أرادت. وهذا هو الذي ينبغي أن تكون عليه الأم المسلمة، أن تدفع بولدها إلى أهل الخير الصلاح، لا أن تحذره منهم وتنفره. عاشت أم سليم رضي الله عنها مع أبي طلحة رضي الله عنه، وشاء الله تبارك وتعالى أن رزق أبي طلحة ولداً منها، واقتضت حكمته تبارك وتعالى أن يبتليهما في ولدهما فمات، فما هو موقف المؤمنة المحتسبة الطائعة لربها سبحانه وتعالى؟ يحدثنا ابنها أنس بن مالك رضي الله عنه بتفاصيل ما حصل، قال أنس: "إن أبا طلحة مات له ابن، فقالت أم سليم: "لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره"، فسجت عليه، فلما جاء أبو طلحة وضعت بين يديه طعاماً فأكل، ثم تطيبت له فأصاب منها، فعلقت بغلام فقالت: "يا أبا طلحة إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، فبعثوا إليهم؛ ابعثوا إلينا بعاريتنا فأبوا أن يردوها"، فقال أبو طلحة: "ليس لهم ذلك إن العارية مؤداة إلى أهلها"، قالت: "فإن ابنك كان عارية من الله عز وجل، وأن الله عز وجل قد قبضه" فاسترجع، قال أنس: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «بارك الله لهما في ليلتهما»،قال فعلقت بغلام، فولدت فأرسلت به معي أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحملت تمراً فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عباءة وهو يهنأ بعيراً له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل معك تمر؟» قال: قلت: "نعم"، فأخذ التمرات فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم جمع لعابه، ثم فغر فاه فأوجره إياه فجعل الصبي يتلمظ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حب الأنصار التمر»، فحنكه وسماه عبد الله، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه (رواه أحمد [3 / 287]، برقم [14097]، بهذا اللفظ، وأصل الحديث في البخاري [5 / 2082]، برقم [5153]، ومسلم [3 / 1689]، برقم [2144]). وهذا الموقف العظيم من أم سليم يبين كيف أن دين الإسلام كرم المرأة المسلمة، فقد كانت في الجاهلية إذا أصابتها مصيبة تشق الجيوب، وتضرب الخدود، وتدعو بالويل والثبور، واليوم تصبر وتحتسب وتصبر زوجها وتحتسب عليه. ويدل هذا الموقف على رجاحة عقلها وكمال فهمها، فأين نساء المسلمين اليوم من هذا الخلق الرفيع؟ فالواجب على نساء المسلمين أن تنظر إلى حال أم سليم وأمثالها من النساء الصالحات وتقتدي بهن. وكانت أم سليم رضي الله عنها تذهب إلى بعض الغزوات، محتسبة على أعداء الله تعالى، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات، عن أنس، أن أم سليم اتخذت خنجراً يوم حنين، قال أبو طلحة: "يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر"، فقالت: "يا رسول الله أتخذه إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، أ*** الطلقاء وأضرب أعناقهم انهزموا بك"، قال فتبسم رسول الله، وقال: «يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن» (الطبقات الكبرى لابن سعد [8 / 425]). ولم تكن أم سليم رضي الله عنها تستحي من السؤال من أجل دينها، فقد أخرج الإمام مسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له وعائشة عنده: "يا رسول الله المرأة التي ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه"، فقالت عائشة: "يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك"، فقال لعائشة: «بل أنت فتربت يمينك، نعم، فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك» (رواه مسلم [1 / 250]، برقم [310]). وهذا الذي ينبغي أن تكون عليه فتاة الإسلام، ألا تستحي من سؤال أهل العلم وتسأل عن دينها، فكم من النساء يمنعها الحياء من السؤال، وربما وقعت في مخالفات كثيرة، في العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج، وهذا شيء مشاهد وملموس. نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق نساء المسلمين لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين. عبد الله علي العبدلي
__________________
|
#4
|
|||
|
|||
New أم سليم بنت ملحان
أم سليم بنت ملحان صحابية جليلة ،صاحبة الأنوثة والجمال ،والسداد في الرأي والذكاء النادر والخلق الكريم. نسبها الرُمَيصاء بنت مِلْحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية الخزرجية، وهي أم أنس بن مالك, خادم رسول الله وأخت أم حرام بنت ملحان. اشتهرت بكنيتها واختُلِف في اسمها, فقيل سهلة, وقيل: رُمَيلة وقيل: رَميثة, وقيل: مُلَيكة وقيل: الغُمَيصاء، أو الرمَيصاء |
العلامات المرجعية |
|
|