|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ضرر الفرقة على المجتمع المسلم
إن ضرر الفرقة عظيم، وخطرها جسيم على المسلمين أجمع، ولعل القارئ لحظ معنا في الفصول الماضية كيف أن شرر الفرقة كان باديا، وضررها كان فاشيا ينهش في جسد الأمة، ومن هذه المضار: أولا – تعطيل الجهاد في سبيل الله، وتسلط الأعداء على الأمة المسلمة لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]. وقال سبحانه: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة: 41]. ولقد جعل الجهاد ذروة سنام الإسلام التي يعلو بها الأمم، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) . ثم إن الذل والمهانة تقع على الأمة إذا تركت الجهاد في سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) . يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف ... فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا" . إن الأمة القوية والدولة المتماسكة العاملة بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي تستطيع أن تقيم الدين وترفع علم الجهاد، ومتى ما شغلت الأمة بهمومها، وانصرفت الدولة إلى تسكين الثائرة بين أبنائها، وتوطيد حكمها، فهي مشغولة عن جهاد عدوها. وحينما تنشغل الأمة بآلامها، وتضعف لتفرقها وتترك جهاد أعداء الدين، فلا ريب أن العدو يتربص بها، ويتسلط عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد إني إذ قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) . ومعنى الحديث: إن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح ما حازوه من البلاد. فالله لا يسلط الكفار على معظم المسلمين وجماعتهم وإمامهم ماداموا بضد هذه الأوصاف المذكورة في قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا. فأما إذا وجدت هذه الأوصاف فقد يسلط الكفار على جماعتهم ومعظمهم وإمامهم كما وقع . فإن هذه الأمة لما جعل بأسها بينها تفرقت جماعتهم، واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فاستولى . وحاضر العالم الإسلامي برهان واقع، وتاريخها الماضي أصدق شاهد؛ أنه متى عز المسلمون دينهم، وأقاموا شرع الله تعالى، وامتثلوا أمره ونهيه علماء وأمراء وعامة، وائتلفوا واجتمعوا صفا واحدا ضد عدوهم فهم الأعلون الغالبون. أما إذا ضعف الامتثال لأمر الشريعة، وتفرقت الأمة واشتغلت بقتال بعضها بعضا، فهنا يتسلط العدو ويغلب وينتصر. يقول ابن كثير واصفا حال الخلافة الإسلامية من عز وجهاد عند اتحاد صف المسلمين في خلافة عمر وعثمان وواليه معاوية رضي الله عنهم للشام، فيقول: "ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في بلاد الروم والفرنج وغيرها، فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين علي ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي، وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده ودحاهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي؛ تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: "والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت". فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة. ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسين بن علي فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته. فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته؛ والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية،والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو . هذا هو حال أعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر، فما أن تحل الفرقة بين المسلمين حتى يثوروا ويغزوا بلاد الإسلام، يقول ابن كثير: "ثم دخلت سنة 70هـ فيها ثارت الروم واستجاشوا على من بالشام، واستضعفوهم لما يرون من الاختلاف الواقع بين بني مروان وابن الزبير، فصالح عبدالملك ملك الروم وهادنه على أن يدفع إليه عبدالملك في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على الشام . فالله المستعان، بعد أن كان ملك الروم يدفع الجزية للمسلمين، صار المسلمون يدفعون له ثمن سكوته وكفه عن بلادهم، فأي ضرر أشد على الأمة من تسلط أعدائها بسبب فرقتها واختلافها فيما بينها، فهل ينظر المسلمون إلى تاريخهم، ويتعظوا بأسلافهم، ويعودوا إلى الاجتماع صفا مرصوصا ويدا واحدة وجماعة متحدة، تعمل بكتاب ربها وتهتدي بسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ضد عدوها؟ نسأل الله ذلك. ويعطينا شيخ الإسلام ابن تيمية صورا عدة تظهر تسلط العدو الكافر على الأمة المسلمة حينما تتفرق وتختلف فيقول: "وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها، كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها . ويقول: "وفي دولة بني بوية ونحوهم كان منهم أصناف المذاهب المذمومة، قوم منهم زنادقة، ومنهم قرامطة كثيرة، ومتفلسفة، ومعتزلة، ورافضة، وهذه الأشياء كثيرة فيهم غالبة عليهم، فحصل في أهل الإسلام والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف، حتى استولى النصارى على ثغور الإسلام، وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك، وجرت حوادث كثيرة . ويقول مبينا سبب هذا التسليط: "وهذا التفريق الذي حصل من الأمة – علمائها ومشايخها وأمرائها وكبرائها- هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14] .نعم، إن الله يعاقب الأمة المسلمة حينما تعصيه, ويعذبها بما يدب بينها من فرقة وتناحر حينما تتهاون في العمل بكتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهل من عودة إلى الدين والعمل به؟ ليعود للأمة مجدها وسيادتها |
#2
|
||||
|
||||
![]() ثانيا- ذهاب قوة المسلمين
إن من مضار الفرقة الجسيمة والتي تقع على الأمة ما يحدث بسببها من ذهاب قوة المسلمين: القوة المعنوية، والقوة المادية، لما تسببه الفرقة من تناحر وتقاتل بين الجماعات المسلمة كما في الحديث: ((حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) ولما نزل قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام: 65]. فاستجاب الله دعاء نبيه وأعاذه من الأمرين الأولين، ولم يجبه في الأمرين الآخرين وهو أن يجعلهم فرقا مختلفين، ويذيق بعضهم بأس بعض بالحروب وال*** . إن الفرقة متى ما دبت في الأمة قاتل بعضهم بعضا، وصار كل يريد الغلبة لنفسه، والسيادة لملكه، وتحقيق مصلحة نفسه، حتى لو *** أخاه المسلم، وسبى أهله واعتدى على أرضه وماله. ولعل المسلم ينظر ويعتبر بما حصل من مفاسد عظيمة جراء الخروج على عثمان رضي الله عنه، ومفارقة الجماعة والإمام؛ فخرج عليه السفهاء الجهلاء حتى ***وه شهيدا مظلوما رضي الله عنه وأرضاه. ولقد نبه عثمان رضي الله عنه وحذر الذين حاصروه يريدون ***ه ونبههم على ضرر الفرقة فقال: "يا أيها الناس لا ت***وني واستتيبوني، فوالله لئن ***تموني لا تصلون جميعا أبدا، ولا تجاهدون عدوا جميعا أبدا، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه" . ولما *** عثمان قال حذيفة بن اليمان : "والله لئن كان ***ه خيرا ليحلبنها لبنا، ولئن كان ***ه شرا ليمتصن بها دما . وقال عبدالله بن سلام رضي الله عنهم يوم *** عثمان: "اليوم هلكت العرب" . وقال: "والله لا تهرقون محجما من دم إلا ازددتم من الله بعدا" . ولقد امتصت الأمة الدماء ب*** عثمان رضي الله عنه، فبعد الرخاء والأمن بدأت الفتن تثور بين المسلمين وفي بلادهم، وبدأ القتال والتفرق يطحن في كيان الأمة، فجاءت وقعة الجمل، وأعقبتها صفين، و*** من المسلمين خلق كثير، ف*** في الجمل قرابة العشرين ألفا، وفي صفين سبعون ألفا . وما توالى على المسلمين من وقائع ونكبات أشد وأنكى. وانظر كيف أشغلت الخلافة الإسلامية في العصور الماضية والحاضرة بقتال الفرق الخارجية الشاقة لعصا الطاعة، وكم من الدماء سفكت لتسكين ثائرتها؟ وكم من الأموال أنفقت لإسكات هذه الفرق؟ إن زعزعة الأمن، وإثارة القلاقل والفتن في المجتمع المسلم تنهك اقتصاده، وتبعثر طاقاته التي من المفترض أن تجتمع لإعمار الأرض بدين الله، والدعوة إلى توحيد المولى سبحانه، والجهاد في سبيله لإقامة الحق ورد الباطل. فهل يكف هؤلاء المبتدعة أصحاب الفرقة عن مساعدة أعداء الإسلام على الإسلام وأهله؟ وليتقوا الله فيما يقومون به ويفعلونه من إذهاب قوة المسلمين، وإضعاف مواردهم. وليعودوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليسيروا مع الجماعة المسلمة على الصراط المستقيم لتكون صفا واحدا يعلو ويعلو ...، ويرد كيد الأعداء، ويتذكروا قول المولى عز وجل: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103]. |
#3
|
||||
|
||||
![]() ثالثا: الهزيمة والفشل
مما لا شك فيه أن الهزيمة والفشل تصيب الجماعة المتفرقة، المختلفة فيما بينها، والمعترضة على قيادتها، إذ كيف ينتصرون ويغلبون وهم لم ينتصروا بعد على هوى أنفسهم، ولم يغلبوا شيطانهم. ولقد نبه المولى العزيز سبحانه عباده المؤمنين على ذلك، وأمرهم بالاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليتحقق لهم النصر على عدوهم، ولكن إن أبو إلا التفرق والاختلاف فالضرر لاحق بهم من الهزيمة والفشل. يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 45-46]. فيا أيها المؤمنون أطيعوا ربكم ورسولكم فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، وَلاَ تَنَازَعُواْ أي : لا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم. فَتَفْشَلُواْ أي : فتضعفوا وتجبنوا. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي : تذهب قوتكم وبأسكم ووحدتكم، وتنقطع دولتكم، ويدخلكم الوهن والخلل ، والضعف عن جهاد العدو والانكسار له . لذلك يوصيهم الله عز وجل بالصبر فيقول في ختام الآية: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والجيوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت المماليك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم إنه كريم تواب . إن القوة والنصر مع الوحدة والجماعة: وحدة الرأي، ووحدة القيادة، ووحدة القوة، وإن الهزيمة والفشل مع الفرقة والاختلاف وتعدد القيادات حتى لو كثر العدد. مثال ذلك ما حكاه الإمام ابن كثير رحمه الله يقول: "لما مات علي قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ليمانعوا به أهل الشام، فلم يتم لهم ما أرادوه وحاولوه، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآراؤهم المختلفة المخالفة لأمرائهم، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المسلمين، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم. وعن الزهري أنه قال: لما بايع أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون من سالمت، محاربون من حاربت، فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب؟ فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه، فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه" . ثم كان ما كان من الصلح مع معاوية وتنازله عن الخلافة له، فرضي الله عنهم وأرضاهم . |
#4
|
||||
|
||||
![]() رابعا- خروج الفرق، وفشو الفتن والبدع
ما أن تتفرق الأمة، وتخالف أمر الله تعالى لها بالتزام الجماعة وسلوك الصراط المستقيم إلا وتقوى الفرق، وتخرج على إمام المسلمين، وتقاتل الجماعة، وتوقد معها الفتنة، وتنشر معها البدعة مما يزيد الأمة وهنا، والمسلمين بلاء، ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: ((أنهم يخرجون في فرقة من الناس)) وهذا شأن الفرق المبتدعة، شأن الضلالات والظلمات لا تجسر على الخروج إلا عند ضعف شمس الحق، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وتجد الإسلام والإيمان كلما ظهر وقوي كانت السنة وأهلها أظهر وأقوى، وإن ظهر شيء من الكفر والنفاق ظهرت البدع بحسب ذلك، مثل: دولة المهدي، والرشيد ونحوهما ممن كان يعظم الإسلام والإيمان، ويغزو أعداءه من الكفار والمنافقين، كان أهل السنة في تلك الأيام أقوى وأكثر، وأهل البدع أذل وأقل ... وفي دولة أبي العباس المأمون ظهر "الخرمية" ونحوهم من المنافقين، وعرب من كتب الأوائل المجلوبة من بلاد الروم ما انتشر بسببه مقالات الصابئين، وراسل ملوك المشركين من الهنود ونحوهم حتى صار بينه وبينهم مودة. فلما ظهر ما ظهر من الكفر والنفاق في المسلمين ، وقوي ما قوي من حال المشركين وأهل الكتاب، كان من أثر ذلك ما ظهر من استيلاء الجهمية والرافضة وغيرهم من أهل الضلال، وتقريب الصابئة ونحوهم من المتفلسفة ... فتولد عن ذلك محنة الجهمية حتى امتحنت الأمة بنفي الصفات والتكذيب بكلام الله ورؤيته، وجرى من محنة الإمام أحمد وغيره ما جرى مما يطول وصفه" . |
#5
|
||||
|
||||
![]() خامسا – وقوع العداوة والبغضاء، وذهاب المحبة والألفة:
إن من أصول الدين العظيمة، وقواعده المهمة التي هي من جماع الدين ما وصى الله به من تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين . ولكن يأبى أهل الفرقة والبدعة ذلك فما يزالون يهدمون الدين، ويفرقون قلوب المسلمين، ويوقعون بينهم العداوة والبغضاء بما يفعلونه من تفريق المسلمين شيعا وأحزابا، يقول الله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 31 -32]. ولقد أخبر الله عز وجل عن حال أهل الفرقة والاختلاف من التنازع والشقاق الواقع بينهم، والذي هو مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، قال الله تعالى :فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137]. وقال عز وجل: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53]. فهؤلاء المفارقين للجماعة، المخالفين للحق في شقاق: عداوة ومنازعة للحق وأهله، وعداوة ومنازعة فيما بينهم، يسعون لشق عصا الطاعة ولصدع الكلمة، وكما وصفهم سبحانه: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ [الحشر: 14]. إن كل هذه العداوة والبغضاء التي بين أهل الفرقة وبين أهل الحق، والتي هي فيما بين المختلفين أنفسهم كلها بسبب تركهم ما أمروا به من الجماعة وإقامة الألفة والمحبة في المجتمع المسلم، يقول الله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14]. يقول ابن تيمية رحمه الله: "فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب" . ويبين الإمام الشاطبي كيف يوقع أهل الفرقة بتفرقهم العداوة والبغضاء في الأمة فيقول: "وقد بين عليه الصلاة والسلام أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين، هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع. وأول شاهد عليه في الواقع قصة الخوارج إذ عادوا أهل الإسلام حتى صاروا ي***ونهم، ويدعون الكفار كما أخبر عنه الحديث الصحيح، ثم يليهم كل من كان له صولة منهم بقرب الملوك، فإنهم تناولوا أهل السنة بكل نكال وعذاب و*** أيضا، حسبما بينه جميع أهل الأخبار. ثم يليهم كل من ابتدع بدعة فإن من شأنهم أن يثبطوا الناس عن اتباع الشريعة، ويذمونهم ويزعمون أنهم الأرجاس الأنجاس المكبين على الدنيا، ويضعون عليهم شواهد الآيات في ذم الدنيا وذم المكبين عليها، كما يروى عن عمرو بن عبيد أنه قال: "لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على شراك نعل ما أجزت شهادتهم" وقيل له: كيف حدث الحسن عن سمرة .في السكتتين؟ فقال: "ما تصنع بسمرة!! قبح الله سمرة" . بل قبح الله عمرو بن عبيد. فهكذا أهل الضلال يسبون السلف الصالح لعل بضاعتهم تنفق ، يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة: 32]. وأصل هذا الفساد من قبل الخوارج فهم أول من لعن السلف الصالح، وكفر الصحابة رضي الله عن الصحابة، ومثل هذا كله يورث العداوة والبغضاء . ولما كانت الفرقة بهذه الخطورة وهذا الضرر كان الصحابة رضي الله عنهم أبعد ما يكون عنها، وأسلم الناس منها . |
#6
|
||||
|
||||
![]() سلامة الصحابة رضي الله عنهم من الفرقة
لقد اختار الله عز وجل الصحابة رضي الله عنهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتبليغ دينه إلى الناس كافة، وما ذاك إلا لما علم ما في قلوبهم من محبة الحق، والعمل على نصرته، والاجتماع عليه، وبذل الأموال والأنفس في سبيل ذلك، يقول الحسن البصري رحمه الله واصفا الصحابة: "أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه وإقامة دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" . وقد تقدم معنا شيئا عن فضل الصحابة وعن فقههم، ولعله بان لنا موقفهم من الفرقة من خلال الفصول السابقة، وكيف أنهم ذموها وعابوها، فهم أعرف الناس بخطرها وضررها، وكانوا كذلك أبعد الناس عنها وأسلمهم منها، ولا يعني ذلك أنهم رضي الله عنهم لم يختلفوا؛ بل اختلفوا ولكنهم لم يفترقوا، وهذا شأن أهل الرحمة الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118 -119] ، فهم يختلفون اختلافا لا يضرهم . يقول ابن تيمية رحمه الله: "وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59]. وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين" . ويقول الإمام إسماعيل الأصبهاني رحمه الله: "فإنا وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في أحكام الدين فلم يفترقوا، ولم يصيروا شيعا لأنهم لم يفارقوا الدين، ونظروا فيما أذن لهم، فاختلفت أقوالهم وآراؤهم في مسائل كثيرة ... وكانوا مع هذا الاختلاف أهل مودة ونصح، وبقيت بينهم أخوة الإسلام ولم ينقطع منهم نظام الألفة . هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم متآلفين، مجتمعين، بعيدين عن أهل الفرقة وعن مناهجهم، وهناك نماذج ودلائل عدة على ذلك منها: أولا: ما تقدم من أقوالهم العديدة في أمرهم المسلمين بالجماعة، ونهيهم عن الفرقة، وتحذيرهم من مغبة عواقبها يقول ابن عباس رضي الله عنه لسماك الحنفي: "يا حنفي الجماعة الجماعة !! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103] ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : "يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة" . ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذرا الأمة: "إياكم والفرقة بعدي" . أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يسير على نفس المنهج يقول: "الاختلاف حالقة الدين وفساد ذات البين، وإياكم والخصومات فإنها تحبط الأعمال، والاختلاف يدعو إلى الفتنة، والفتنة تدعو إلى النار، وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: 46] . وهذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ينصح الأمة ويحذرها من الفتنة فيقول: "إياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستيصال" |
#7
|
||||
|
||||
![]() ثانيا: العمل على جمع الكلمة وتوحيد الصف
لقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفها، وسعوا إلى سد باب الفرقة حتى لو كان على حساب مصلحته، فمصلحة المسلمين أولى، وحقن دمائهم أحرى بالعمل لأجله. وخوفا من الفرقة سارع الصحابة رضي الله عنهم بتولية أبي بكر الصديق الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولإدراكهم أهمية جمع كلمة المسلمين على رجل يتولاهم، اجتمعوا رضي الله عنهم على بيعة أبي بكر رضي الله عنه ولم يقضوا شيئا من أمر تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه حتى أحكموا أمر البيعة . لقد كانوا يعلمون أهمية الاجتماع على طاعة الإمام، إذ في الخروج عن أمره ومخالفته زعزعة للأمن وتأليب للناس، وتفريق لجماعة المسلمين لذلك لما حج عثمان رضي الله عنه سنة 29هـ وهو خليفة وأتم الصلاة في منى ولم يقصرها، عاتبه في ذلك عبدالرحمن بن عوف، واعتذر له عثمان رضي الله عنه بأنه قد تزوج بمكة فكان في حكم المقيم لا المسافر، وبأن أناسا من أهل اليمن ظنوا أن الصلاة للمقيم ركعتان، فأتم عثمان رضي الله عنه لذلك. ولما خرج عبدالرحمن بن عوف من عند عثمان لقي عبدالله بن مسعود وخاطبه في ذلك فقال ابن مسعود: "الخلاف شر، قد بلغني أنه صلى أربعا فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول "أي نصلي معه أربعا . هذا هو منهج العالمين بأمر الله تعالى، المدركين أهمية الجماعة وخطر الفرقة، وأنه أصل من أصول الدين وقاعدة من قواعده الكلية، لا يقدمون عليه أمر جزئي أو فرعي من أمور الدين . يقول العلامة صالح بن المهدي المقبلي ، مبينا حرص الصحابة على جمع الكلمة، واحتواء الخلاف وتجاوزه من أجل ذلك يقول: "أن أكثر إغضائهم كان لصيانة أخوة الإسلام وحرمة أهله، لا لتساهل في الخلاف، حتى ربما يقضي أحدهم ويترك رأيه خشية شيوع الخلاف"، كقول علي رضي الله عنه: "اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف، حتى تكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي" . ونقم ابن مسعود على عثمان رضي الله عنه ترك القصر وتابعه في الصلاة، فقيل له، فقال: "الخلاف كله شر". فتركوا التنويه بالخلاف محاذرة لتفاقم الشر، لا لأنه مرضي عندهم، بل مراد الله تعالى كما شاع في المتأخرين وانتشر، إنما كان المهم المقدم عند أحدهم أن يكون الناس جماعة أو يموت سالما من الفتنة كما قال علي رضي الله عنه . ويضرب لنا ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه أروع مثال وأصدقه لحرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع الكلمة، والعمل على حقن دماء المسلمين ولو بسفك دمائهم، فلقد ضحى بنفسه ولم ينخلع من الخلافة خشية على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتركوا بلا إمام، أو تكون سنة للخارجين فينفتح باب شر على الأمة. لقد دخل عبدالله بن عمر رضي الله عنه على عثمان وهو محصور في الدار، وقال: "ما ترى فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس؟ قال ابن عمر: ما أشار به عليك؟ قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعي فإن خلعت تركوني، وإن لم أخلع ***وني، قال ابن عمر: أرأيت إن خلعت تترك مخلدا في الدنيا؟ قال: لا، قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا. قال ابن عمر: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على ***ك؟ قال: لا. قال: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه، لا تخلع قميصا قمصكه الله . وفي رواية عن عثمان أنه قال: "أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله" ، وقال: "والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض . وليس هذا فقط؛ بل إنه رضي الله عنه نهى الصحابة عن الدفاع عنه، وقتال من حاصروه حتى لا يراق دم بسببه، فقد جاء زيد بن ثابت إلى عثمان، وقال له: "هذه الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنا أنصارا لله مرتين. فيقول له عثمان: أما القتال فلا" . وقال رضي الله عنه يوم حصر في الدار: "إن أعظمكم عني غناء رجل كف يده وسلاحه" . وقال لأبي هريرة لما طلب منه الإذن بقتال هؤلاء الخارجين عليه المحاصرين له، قال: يا أبا هريرة أيسرك أن ت*** الناس جميعا وإياي؟ قال: لا، قال: فإنك والله إن ***ت رجلا واحدا فكأنما *** الناس جميعا، فرجع أبو هريرة ولم يقاتل . فعثمان رضي الله عنه اختار أهون الشرين، فآثر التضحية بنفسه على توسيع دائرة الفتنة وسفك دماء المسلمين . والصحابة حوله امتثلوا أمر الله بطاعة الإمام، وكان رضي الله عنه قد عزم عليهم بحقه في طاعتهم له ألا يقاتلوا، فقال: "أعزم على كل من رأى أن لي عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم غناء من كف يده وسلاحه" .. ولقد سار الصحابة رضي الله عنهم على المنهج نفسه الذي رباهم عليه رسول اله صلى الله عليه وسلم من بغض الفرقة، والسعي لجمع الكلمة، والتنازل عن بعض الحقوق، من أجل ذلك، مثاله: أنه لما توفى الحسن بن علي رضي الله عنه وكان قد أوصى أخاه الحسين أن يدفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خاف قتالا أو فتنة فليدفن بالبقيع. فلما مات رضي الله عنه لبس الحسين السلاح وتسلح بنو أمية وقالوا: لا ندعه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة؟ وخاف الناس وقوع الفتنة والقتال، فأشار سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وجابر، وابن عمر رضي الله عنهم على ألا يقاتل، فامتثل رضي الله عنه ودفن أخاه قريبا من قبر أمه بالبقيع . رضي الله عنهم وأرضاهم إنهم والله لهم الحكماء والعلماء والمريدون وجه الله بما يشيرون، وبما يجمعون به الأمة. لم تكن الدنيا شغل الصحابة الشاغل، ولم يكونوا يسعون للملك والرئاسة، بل يريدون تبليغ دين الله تعالى، ويسعون في مصلحة المسلمين دون نظر إلى مصالحهم، أو السعي لتحقيق مآربهم، تعرض على أحدهم الدنيا فيردها يبتغي الأجر من الله بتوحيد صف المسلمين وحقن دمائهم، فها هو ذا الحسن بن علي رضي الله عنه يتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة أربعين، ويسمى هذا العام عام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين على معاوية رضي الله عنه. فالحسن تنازل عن الخلافة حرصا منه على الجماعة المسلمة، وخوفا من أن يراق دم من دماء المسلمين، لذلك لما اجتمع الجيشان ورآهم أمثال الجبال في الحديد من كثرتهم قال: "أضرب بين هؤلاء وهؤلاء في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي فيه" . وخطب رضي الله عنه في أهل العراق بعد وفاة علي بن أبي طالب وقال: إن كل ما هو آت قريب، وإن أمر الله عز وجل لواقع، ماله من دافع، ولو كره الناس، وإني ما أحب أن ألي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما يزن مثقال ذرة حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد عرفت ما ينفعني مما يضرني" . ولقد ذمه بعض أصحابه وأنصاره على تنازله عن الخلافة لمعاوية، حتى قال له رجل منهم لما قدم رضي الله عنه إلى الكوفة قال له: "السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل هذا!! لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أ***هم على الملك" . وقال له آخر: يا عار المؤمنين !! فقال له: العار خير من النار . ثبات على المنهج وتصميم على الحق ولو عذل العاذلون، ولام اللائمون، ولم يكن السعي لجمع الكلمة والعمل على حقن الدماء صادر من الحسن بن علي وحده، بل كان هذا موقف الصحابة رضي الله عنهم ففي المقابل كان معاوية ومن معه من الصحابة حريصين أيضا على جمع الكلمة وعقد الصلح، وحقن الدماء، لذلك أرسل معاوية للحسن بن علي رضي الله عنه يطلب منه الصلح ويشترط لنفسه ما شاءه لا عن قلة عدد جيشه بل خوفا من إراقة دماء المسلمين. فروى البخاري عن الحسن البصري قال: "استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى ت*** أقرانها. فقال له معاوية – وكان والله خير الرجلين – أي عمرو، إن *** هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش ... فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له واطلبا إليه . فأتياه فدخلا عليه فتكلما، وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به ... فصالحه. فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر – والحسن بن علي إلى جنبه – وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول : ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) . يقول الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله عن ذلك : "انظروا رحمكم الله وميزوا فعل الحسن الكريم بن الكريم أخ الكريم ابن فاطمة الزهراء مهجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قد حوى جميع الشرف، لما نظر إلى أنه لا يتم ملك من ملك الدنيا إلا بتلف الأنفس وذهاب الدين، وفتنة متواترة وأمور تتخوف عواقبها على المسلمين، صان دينه وعرضه، وصان أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يحب بلوغ ما له فيه حظ من أمور الدنيا، وقد كان لذلك أهلا، فترك ذلك بعد المقدرة منه على ذلك تنزيها منه لدينه،ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولشرفه، وكيف لا يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ابني هذا سيد، وإن الله عز وجل يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) . هذا هو المنهج، وهذا هو موقف الصحابة من الفرقة، موقف ثابت لثبات ما يستندون إليه من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتبدل أو يتغير، وإن تغير الأشخاص، فالخلافة والملك يعرض على صحابي آخر فيأباه خوفا على الأمة، وخشية إراقة دماء المسلمين، فلقد عرضت الخلافة على عبدالله بن عمر لكنه رفضها وقال: "إني والله لئن استطعت لا يهراق في سببي محجمة دم" . ويقال له: لو أقمت للناس أمرهم، فإن الناس قد رضوا بك كلهم. فيقول لهم: "أرأيتم إن خالف رجل بالمشرق؟ قالوا: إن خالف رجل ***، وما *** رجل في صلاح أمة؟ فقال: والله ما أحب لو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أخذت بقائمة رمح، وأخذت بزجه ف*** رجل من المسلمين ولي الدنيا وما فيها . وفي موقف آخر لابن عمر رضي الله عنه يظهر حرصه على موافقة الجماعة وعدم الخروج عنها، أو التسبب بالخروج عليها، إذ طلب معاوية بن أبي سفيان منه مبايعة يزيد ابنه بالخلافة بعده، وبين معاوية سبب ذلك قال: "إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع"، فقال له ابن عمر: "إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدا مجدع الأطراف" . ولما تمت البيعة ليزيد بن معاوية، وشكى الناس منه، وأراد أهل المدينة خلعه، ظهر من حرص الصحابة على جمع الكلمة ووحدة الصف، ما ظهر من تسكين الثائرة، والمناصحة للمخالفين، فلما قيل لأسير ![]() ولقد رفض عبدالله بن عمر ورفض النعمان بن بشير وغيرهم من الصحابة رفضوا خلع يزيد بن معاوية، واشتد نكير ابن عمر على من خلعه. وغضب رضي الله عنه، وخاف الفتنة والفرقة من خلعه والخروج عليه، فجمع حشمه وولده فقال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة)) وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ... وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه، ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه" . بل ولعلمه رضي الله عنه بحرمة الخروج على السلطان وخطورته وضرره على المسلمين يذهب ناصحا لعبد الله بن مطيع ومن معه من أهل المدينة لما أرادوا خلع يزيد بن معاوية، فيذهب إليه ابن عمر فيقول عبدالله بن مطيع: اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة، فقال ابن عمر: "إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) . وكذلك كان أبو أمامة رضي الله عنه حريصا على الجماعة فقال: عن حال الناس والأمراء في خلافة عبدالملك بن مروان قال: "أما والله إني لكاره لأعمالهم، ولكن عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم، والسمع والطاعة خير من الفجور والمعصية . ومن حرصهم على الجماعة ووحدة الصف أنه لما طلب من ابن عمر مبايعة عبدالملك بن مروان بين رضي الله عنه أن قوله لا يخرج عن قول جماعة المسلمين، وأنه متى ما بايعه الناس بايعه، وفعلا لما تمت البيعة لعبد الملك لم يتأخر ابن عمر في مبايعته. كل ذلك يبين لنا سلامة الصحابة من الفرقة وحرصهم على الجماعة، فرضي الله عنهم وأرضاهم. |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|