|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() 'وفي الليلة الثالثة قالت لها أختها دنيا زاد : يا أختي أتمي لنا حديثك فقالت حبًا وكرامة بلغني أيها الملك السعيد أن التاجر أقبل على الشيوخ وشكرهم هنوه بالسلامة ورجع كل واحد إلى بلده وما هذه بأعجب من حكاية الصياد فقال لها الملك: وما حكاية الصياد؟
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان رجل صياد وكان طاعنًا في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير ثم أنه خرج يومًا من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر وحط معطفه وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف إلى البر ودق وتدًا وربطها فيه ثم عرى وغطس في الماء حول الشبكة وما زال يعالج حتى أطلعها ولبس ثيابه وأتى إلى الشبكة فوجد فيها حمارًا ميتًا فلما رأى ذلك حزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال أن هذا الرزق عجيب وأنشد يقول: يا خائضًا في ظلام الله والهلكة.......أقصر عنك فليس الرزق بالحركة ثم أن الصياد لما رأى الحمار ميت خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها نشرها وبعد ذلك نزل البحر، وقال بسم الله وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول فظن أنه سمك فربط الشبكة وتعرى ونزل وغطس، ثم عالج إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيرًا كبيراً، وهو ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف وأنشد قول الشاعر: ياحرقة الدهر كفي إن لم تكفي فعفي فلا يحظى أعطي ولا يصنعه كفي خرجت أطلب رزقي وجدت رزقي توفي كم جاهل في ظهور وعالم متخفي ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة ورمى الشبكة وصبر عليها حتى أستقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فأنشد قول الشاعر: هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خط. ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثا، ثم أنه سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن أستقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها أشتبكت في الأرض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله فتعرى وغطس عليها وصار يعالج فيها إلى أن طلعت على البحر وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان. فلما رآه الصياد فرح وقال هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ثم أنه حركه فوجده ثقيلًا فقال: لا بد أني أفتحه وأنظر ما فيه وأدخره في الخرج ثم أبيعه في سوق النخاس ثم أنه أخرج سكينا، وعالج في الرصاص إلى أن فكه من القمقم وحطه على الارض وهزه لينكت ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن خرج من ذلك القمقم دخان صعد إلى السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتًا رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة، ومناخير كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعث أغبر. فلما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه، ونشف ريقه وعمي عن طريقه فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليمان نبي الله، ثم قال العفريت: يا نبي الله لا ت***ني فإني لا عدت أخالف لك قولًا وأعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك، وما حديثك وما سبب دخولك إلى هذا القمقم. فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني فقال ب***ك في هذه الساعة أشر ال***ات قال الصياد: تستحق على هذه البشارة يا قيم العفاريت زوال الستر عنك، يا بعيد لأي شيء ت***ني وأي شيء يوجب ***ي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر فقال العفريت: تمن علي أي موتة تموتها، وأي ***ة ت***ها فقال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك. فقال العفريت اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل وأوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. قال اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهًا وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت فطلب هذا القمقم وحبسني فيه وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضبًا شديدًا وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة ***ته ومنيته كيف يموت وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت. فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا الله العجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام، ثم قال الصياد للعفريت، اعف عن ***ي يعف الله عنك، ولا تهلكني، يسلط الله عليك، من يهلكك. فقال لا بد من ***ك، فتمن علي أي موتة تموتها فلما تحقق ذلك منه الصياد راجع العفريت وقال اعف عني إكرامًا لما أعتقتك، فقال العفريت: وأنا ما أ***ك إلا لأجل ما خلصتني، فقال الصياد: يا شيخ العفاريت هل أصنع معك مليح، فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال: فعلنا جميلًا قابلونا بضده وهذا لعمري من فعال الفواجر ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر فلما سمع العفريت كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك، فقال الصياد هذا جني، وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلًا كاملًا وها أنا أدبر أمرًا في هلاكه، بحيلتي وعقلي وهو يدبر بمكره وخبثه، ثم قال للعفريت: هل صممت على ***ي قال نعم، فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه، قال نعم، ثم إن العفريت لما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال: اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق أبدًا حتى أنظرك فيه بعيني، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
#2
|
|||
|
|||
![]() وفي الليلة الرابعة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت لا أصدقك أبدًا حتى أنظرك بعيني في القمقم فانتفض العفريت وصار دخانًا صاعدًا إلى الجو، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً، حتى استكمل الدخان داخل القمقم وإذا بالصياد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: تمن علي أي موتة تموتها لأرميك في هذا البحر وأبني لي هنا بيتًا وكل من أتى هنا أمنعه أن يصطاد وأقول له هنا عفريت وكل من أطلعه يبين له أنواع الموت يخبره بينها.
فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوسًا ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه وسجن أحقر العفاريت وأقذرها وأصغرها، ثم أن الصياد ذهب بالقمقم إلى جهة البحر، فقال له العفريت لا، لا فقال الصياد: لا بد لا بد فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد، قال: ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفًا وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا ت***ني ي***ك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون، أنا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم رويان، فقال العفريت: وما شأن وزير الملك يونان والحكيم رويان وما قصتهما. قال الصياد: اعلم أيها العفريت، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الفرس وأرض رومان ملك يقال له الملك يونان وكان ذا مال وجنود وبأس وأعوان من سائر الأجناس، وكان في جسده برص قد عجزت فيه الأطباء والحكماء ولم ينفعه منه شرب أدوية ولا سفوف ولا دهان ولم يقدر أحد من الأطباء أن يداويه. وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم رويان وكان عارفًا بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم وعالمًا بأصول حكمتها وقواعد أمورها من منفعتها ومضرتها. عالمًا بخواص النباتات والحشائش والأعشاب المضرة والنافعة فقد عرف علم الفلاسفة وجاز جميع العلوم الطبية وغيرها، ثم إن الحكيم لما دخل المدينة وأقام بها أيام قلائل سمع خبر الملك وما جرى له في بدنه من البرص الذي ابتلاه الله به وقد عجزت عن مداواته الأطباء وأهل العلوم. فلما بلغ ذلك الحكيم بات مشغولاً، فلما أصبح الصباح لبس أفخر ثيابه ودخل على الملك يونان وقبل الأرض ودعا له بدوام العز والنعم وأحسن ما به تكلم وأعلمه بنفسه فقال: أيها الملك: بلغني ما اعتراك من هذا الذي في جسدك وأن كثيرًا من الأطباء لم يعرفوا الحيلة في زواله وها أنا أداويك أيها الملك ولا أسقيك دواء ولا أدهنك بدهن. فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له: كيف تفعل، فو الله لو برأتني أغنيك لولد الولد وأنعم عليك، ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي. ثم أنه خلع عليه وأحسن إليه وقال له أبرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان؟ قال نعم أبرئك بلا مشقة في جسدك. فتعجب الملك غاية العجب ثم قال له: أيها الحكيم الذي ذكرته لي يكون في أي الأوقات وفي أي الأيام، فأسرع يا ولدي؛ قال له سمعًا وطاعة، ثم نزل من عند الملك واكترى له بيتًا حط فيه كتبه وأدويته وعقاقيره ثم استخرج الأدوية والعقاقير وجعل منها صولجانًا وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة بمعرفته. فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع إلى الملك في اليوم الثاني ودخل عليه وقبل الأرض بين يديه وأمره أن يركب إلى الميدان وأن يلعب بالكرة والصولجان وكان معه الأمراء والحجاب والوزراء وأرباب الدولة، فما استقر بين الجلوس في الميدان حتى دخل عليه الحكيم رويان وناوله الصولجان وقال له: خذ هذا الصولجان واقبض عليه مثل هذه القبضة وامش في الميدان واضرب به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر جسدك فإذا عرقت وأثر الدواء فيك فارجع إلى قصرك وادخل الحمام واغتسل ونم فقد برئت والسلام. فعند ذلك أخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم ومسكه بيده وركب الجواد وركب الكرة بين يديه وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة وهو قابض بكفه على قصبة الصولجان، وما زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى له الدواء من القبضة. وعرف الحكيم رويان أن الدواء سرى في جسده فأمره بالرجوع إلى قصره وأن يدخل الحمام من ساعته، فرجع الملك يونان من وقته وأمر أن يخلو له الحمام فأخلوه له، وتسارعت الفراشون وتسابقت المماليك وأعدوا للملك قماشه ودخل الحمام واغتسل غسيلًا جيدًا ولبس ثيابه داخل الحمام ثم خرج منه وركب إلى قصره ونام فيه. هذا ما كان من أمر الملك يونان، وأما ما كان من أمر الحكيم رويان فإنه رجع إلى داره وبات، فلما أصبح الصباح طلع إلى الملك واستأذن عليه فأذن له في الدخول فدخل وقبل الأرض بين يديه وأشار إلى الملك بهذه الأبيات: زهت الفصاحة إذا ادعيت لها أبًا وإذا دعت يومًا سواك لها أبى يا صاحب الوجه الذي أنواره تمحوا من الخطب الكريه غياهبا ما زال وجهك مشرقًا متهللًا فلا ترى وجه الزمان مقطبا أوليتني من فضلك المنن التي فعلت بنا فعل السحاب مع الربا وصرفت جل الملا في طلب العلا حتى بلغت من الزمان مآربا فلما فرغ من شعره نهض الملك قائمًا على قدميه وعانقه وأجلسه بجانبه وخلع لعيه الخلع السنية. ولما خرج الملك من الحمام نظر إلى جسده فلم يجد فيه شيئًا من البرص وصار جسده نقيًا مثل الفضة البيضاء ففرح بذلك غاية الفرح واتسع صدره وانشرح، فلما أصبح الصباح دخل الديوان وجلس على سرير ملكه ودخلت عليه الحجاب وأكابر الدولة ودخل عليه الحكيم رويان، فلما رآه قام إليه مسرعًا وأجلسه بجانبه وإذا بموائد الطعام قد مدت فأكل صحبته وما زال عنده ينادمه طول نهاره. فلما أقبل الليل أعطى الحكيم ألفي دينار غير الخلع والهدايا وأركبه جواده وانصرف إلى داره والملك يونان يتعجب من صنعه ويقول: هذا داواني من ظاهر جسدي ولم يدهنني بدهان، فو الله ما هذه إلا حكمة بالغة، فيجب علي لهذا الرجل الإنعام والإكرام وأن أتخذه جليسًا وأنيسًا مدى الزمان. وبات الملك يونان مسرورًا فرحًا بصحة جسمه وخلاصه من مرضه. فلما أصبح الملك وجلس على كرسيه ووقفت أرباب دولته وجلست الأمراء والوزراء على يمينه ويساره ثم طلب الحكيم رويان فدخل عليه وقبل الأرض بين يديه فقام الملك وأجلسه بجانبه وأكل معه وحياه وخلع عليه وأعطاه، ولم يزل يتحدث معه إلى أن أقبل الليل فرسم له بخمس خلع وألف دينار، ثم انصرف الحكيم إلى داره وهو شاكر للملك. فلما أصبح الصباح خرج الملك إلى الديوان وقد أحدقت به الأمراء والوزراء والحجاب، وكان له وزير من وزرائه بشع المنظر نحس الطالع لئيم بخيل حسود مجبول على الحسد والمقت. فلما رأى ذلك الوزير أن الملك قرب الحكيم رويان وأعطاه هذه الأنعام حسده عليه وأضمر له الشر كما قيل في المعنى: ما خلا جسد من حسد. وقيل في المعنى: الظلم كمين في النفس القوة تظهره والعجز يخفيه. ثم أن الوزير تقدم إلى الملك يونان وقبل الأرض بين يديه وقال له: يا ملك العصر والأوان: أنت الذي شمل الناس إحسانك ولك عندي نصيحة عظيمة فإن أخفيتها عنك أكون ولد زنا، فإن أمرتني أن أبديها أبديتها لك. فقال الملك وقد أزعجه كلام الوزير: وما نصيحتك؟ فقال: أيها الملك الجليل: قد قالت القدماء من لم ينظر في العواقب فما الدهر له بصاحب، وقد رأيت الملك على غير صواب حيث أنعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه وقد أحسن إليه وأكرمه غاية الإكرام وقربه غاية القرب، وأنا أخشى على الملك من ذلك. فانزعج الملك وتغير لونه وقال له: من الذي تزعم أنه عدوي وأحسنت إليه؟ فقال له: أيها الملك إن كنت نائمًا فاستيقظ فأنا أشير إلى الحكيم رويان. فقال له الملك: إن هذا صديقي وهو أعز الناس عندي لأنه داواني بشيء قبضته بيدي وأبراني من مرضي الذي عجز فيه الأطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان في الدنيا غربًا وشرقاً، فكيف أنت تقول عليه هذا المقال وأنا من هذا اليوم أرتب له الجوامك والجرايات وأعمل له في كل شهر ألف دينار ولو قاسمته في ملكي وإن كان قليلًا عليه. وما أظن أنك تقول ذلك إلا حسدًا كما بلغني عن الملك يونان ذكر والله أعلم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت لها: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت وأبقاني الملك. فقال الملك في نفسه: والله لا أ***ها حتى أسمع بقية حديثها لأنه حديث عجيب. ثم أنهم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح. ثم خرج الملك إلى محل حكمه واحتبك الديوان فحجم وولى وأمر ونهى إلى آخر النهار، ثم انفض الديوان فدخل الملك عصره وأقبل الليل وقضى حاجته من بنت الوزير شهرزاد.
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
#3
|
|||
|
|||
![]() وفي الليلة الخامسة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره أنت داخلك الحسد من أجل هذا الحكيم فتريد أن أ***ه وبعد ذلك أندم كما ندم السندباد على *** البازي. فقال الوزير: وكيف كان ذلك؟ فقال الملك: ذكر أنه كان ملك ملوك الفرس يحب الفرجة والتنزه والصيد والقنص وكان له بازي رباه ولا يفارقه ليلًا ولا نهارًا ويبيت طوال الليل حامله على يده وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه وهو عامل له طاسة من الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها.
فبينما الملك جالس وإذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان هذا أوان الخروج إلى الصيد، فاستعد الملك للخروج وأخذ البازي على يده وساروا إلى أن وصلوا إلى واد ونصبوا شبكة الصيد إذا بغزالة وقعت في تلك الشبكة فقال الملك: كل من فاتت الغزالة من جهته ***ته، فضيقوا عليها حلقة الصيد وإذا بالغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدرها كأنها تقبل الأرض للملك فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه وراحت إلى البر. فالتفت الملك إلى المعسكر فرآهم يتغامزون عليه، فقال: يا وزيري ماذا يقول العساكر فقال: يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته ي*** فقال الملك: وحياة رأسي لأتبعنها حتى أجيء بها، ثم طلع الملك في أثر الغزالة ولم يزل وراءها وصار البازي يلطشها على عينها إلى أن أعماها ودوخها فسحب الملك دبوسًا وضربها فقلبها ونزل ف***ها وسلخها وعلقها في قربوس السرج. وكانت ساعة حر وكان المكان قفرًا لم يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان. فالتفت الملك فرأى شجرة ينزل منها ماء مثل السمن، وكان الملك لابسًا في كفه جلدًا فأخذ الطاسة في قبة البازي وملأها من ذلك الماء ووضع الماء قدامه وإذا بالبازي لطش الطاسة فقلبها، فأخذ الملك الطاسة ثانياً، وملأها وظن أن البازي عطشان فوضعها قدامه فلطشها ثانيًا وقلبها فغضب الملك من البازي وأخذ الطاسة ثالثًا وقدمها للحصان فقلبها البازي بجناحه فقال الملك الله يخيبك يا أشأم الطيور وأحرمتني من الشرب وأحرمت نفسك وأحرمت الحصان ثم ضرب البازي بالسيف فرمى أجنحته. فصار البازي يقيم رأسه ويقول بالإشارة انظر الذي فوق الشجرة فرفع الملك عينه فرأى فوق الشجرة حية والذي يسيل سمها فندم الملك على قص أجنحة البازي ثم قام وركب حصانه وسار ومعه الغزالة حتى وصل الملك على الكرسي والبازي على يده فشهق البازي ومات فصاح الملك حزنًا وأسفًا على *** البازي، حيث خلصه من الهلاك، هذا ما كان من حديث الملك السندباد. فلما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن وما الذي فعلته من الضرورة ورأيت منه سوء إنما فعل معك هذا شفقة عليك وستعلم صحة ذلك فإن قبلت مني نجوت وإلا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك، وكان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص وكان له وزيراً، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه فخرج يومًا من الأيام، إلى الصيد والقنص وخرج معه وزير أبيه فسارا جميعًا فنظر إلى وحش كبير فقال الوزير لابن الملك دونك هذا الوحش فاطلبه فقصده ابن الملك، حتى غاب عن العين وغاب عنه الوحش في البرية، وتحير ابن الملك فلم يعرف أين يذهب وإذا بجارية على رأس الطريق وهي تبكي فقال لها ابن الملك من أنت: قال بنت ملك من ملوك الهند وكنت في البرية فأدركني النعاس، فوقعت من فوق الدابة ولم أعلم بنفسي فصرت حائرة. فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر جابته وأردفها وسار حتى مر بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيد أريد أن أزيل ضرورة فأنزلها إلى الجزيرة ثم تعوقت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فإذا هي غولة وهي تقول لأولادها يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين فقالوا لها أتينا به يا أمنا نأكله في بطوننا. فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك وارتعد فرائضه وخشي على نفسه ورجع فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد فقالت له: ما بالك خائفاً، فقال لها أن لي عدواً، وأنا خائف منه فقالت الغولة إنك تقول أنا ابن الملك قال لها نعم، قالت له مالك لا تعطي عدوك شيئًا من المال، فترضيه به، فقال لها أنه لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم فقالت له: إن كنت مظلومًا كما تزعم فاستعن بالله عليه بأنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه. فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر، إذا دعاه ويكشف السوء انصرني على عدوي واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير فلما سمعت الغولة دعاءه، انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدثه بحديث الوزير وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم ***ك أقبح ال***ات، وإن كنت أحسنت إليه وقربته منك فإنه يدبر في هلاكك، أما ترى أنه أبراك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك، فلا تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضاً. فقال الملك يونان: صدقت فقد يكون كما ذكرت أيها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوسًا في طلب هلاكي، وإذا كان أبرأني بشيء أمسكته بيدي فإنه يقدر أن يهلكني بشيء أشمه، ثم إن الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير كيف العمل فيه، فقال له الوزير: أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه، فإن حضر فاضرب عنقه فتكفي شره وتستريح منه واغدر به قبل أن يغدر بك، فقال الملك يونان صدقت أيها الوزير ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم، فحضر وهو فرحان ولا يعلم ما قدره الرحمن كما قال بعضهم في المعنى: يا خائفًا من دهره كن آمناً وكل الأمور إلى الذي بسط الثرى إن المقدر كان لا يمحى ولك الأمان من الذي ما قدرا وأنشد الحكيم مخاطبًا قول الشاعر: إذا لم أقم يومًا لحقك بالشكر فقل لي إن أعددت نظمي معا لنثر لقد جددت لي قبل السؤال بأنعم أتتني بلا مطل لديك ولا عذر فمالي لا أعطي ثناءك حقه وأثني على علياك السر والجهر سأشكر ما أوليتني من صنائع يخف لها فمي وإن أثقلت ظهري فلما حضر الحكيم رويان قال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك، فقال الحكيم: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، فقال له الملك: أحضرتك لأ***ك وأعدمك روحك، فتعجب الحكيم رويان من تلك المقالة غاية العجب، وقال أيها الملك لماذا ت***ني؟ وأي ذنب بدا مني فقال له الملك: قد قيل لي إنك جاسوس وقد أتيت لت***ني وها أنا أ***ك قبل أن ت***ني ثم إن الملك صاح على السياف، وقال له اضرب رقبة هذا الغدار، وأرحنا من شره، فقال الحكيم أبقني يبقيك الله ولا ت***ني ي***ك الله، ثم أنه كرر عليه القول مثلما قلت لك أيها العفريت وأنت لا تدعي بل تريد ***ي فقال الملك يونان للحكيم رويان، إني لا آمن إلا أن أ***ك فإنك برأتني بشيء أمسكته بيدي فلا آمن أن ت***ني بشيء أشمه أو غير ذلك فقال الحكيم أيها الملك أهذا جزائي منك، تقابل المليح بالقبيح فقال الملك: لا بد من ***ك من غير مهلة فلما تحقق الحكيم أن الملك قاتله لا محالة بكى وتأسف على ما صنع من الجميل مع غير أهله، كما قيل في المعنى: ميمونة من سمات العقل عارية لكن أبوها من الألباب قد خلقا لم يمش من يابس يومًا ولا وحل إلا بنور هداه تقى الزلقا بعد ذلك تقدم السياف وغمي عينيه وشهر سيفه وقال ائذن والحكيم يبكي ويقول للملك: أبقني يبقيك الله ولا ت***ني ي***ك الله، وأنشد قول الشاعر: نصحت فلم أفلح وغشوا فأفلحوا فأوقعني نصحي بدار هوان فإن عشت فلم أنصح وإن مت فانع لي ذوي النصح من بعدي بك لسان ثم إن الحكيم قال للملك أيكون هذا جزائي منك، فتجازيني مجازاة التمساح قال الملك: وما حكاية التمساح، فقال الحكيم لا يمكنني أن أقولها، وأنا في هذا الحال فبالله عليك أبقني يبقيك الله، ثم إن الحكيم بكى بكاء شديدًا فقام بعض خواص الملك وقال أيها الملك هب لنا دم هذا الحكيم، لأننا ما رأيناه فعل معك ذنبًا إلا أبراك من مرضك الذي أعيا الأطباء والحكماء. فقال لهم الملك لم تعرفوا سبب ***ي لهذا الحكيم وذلك لأني إن أبقيته فأنا هالك لا محالة ومن أبرأني من المرض الذي كان بي بشيء أمسكته بيدي فيمكنه أن ي***ني بشيء أشمه، فأنا أخاف أن ي***ني ويأخذ علي جعالة لأنه ربما كان جاسوسًا وما جاء إلا لي***ني فلا بد من ***ه وبعد ذلك آمن على نفسي فقال الحكيم أبقني يبقيك الله ولا ت***ني ي***ك الله. فلما تحقق الحكيم أيها العفريت أن الملك قاتله لا محالة قال له أيها الملك إن كان ولا بد من ***ي فأمهلني حتى أنزل إلى داري فأخلص نفسي وأوصي أهلي وجيراني أن يدفنوني وأهب كتب الطب وعندي كتاب خاص الخاص أهبه لك هدية تدخره في خزانتك، فقال الملك للحكيم وما هذا الكتاب قال: فيه شيء لا يحصى وأقل ما فيه من الأسرار إذا قطعت رأسي وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاث أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإن الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما سألتها عنه. فتعجب الملك غاية العجب واهتز من الطرب وقال له أيها الحكيم: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت فقال نعم أيها الملك وهذا أمر عجيب، ثم أن الملك أرسله مع المحافظة عليه، فنزل الحكيم إلى داره وقضى أشغاله في ذلك اليوم وفي اليوم الثاني طلع الحكيم إلى الديوان وطلعت الأمراء والوزراء والحجاب والنواب وأرباب الدولة جميعًا وصار الديوان كزهر البستان وإذا بالحكيم دخل الديوان، ووقف قدام الملك ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال ائتوني بطبق، فأتوه بطبق وكتب فيه الذرور وفرشه وقال: أيها الملك خذ هذا الكتاب ولا تعمل به، حتى تقطع رأسي فإذا قطعتها فاجعلها في ذلك الطبق وأمر بكبسها على ذلك الذرور فإذا فعلت ذلك فإن دمها ينقطع، ثم افتح الكتاب ففتحه الملك فوجده ملصوقًا فحط إصبعه في فمه وبله بريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة والورق ما ينفتح إلا بجهد، ففتح الملك ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيء مكتوب فقال الحكيم قلب زيادة على ذلك فقلب فيه زيادة فلم يكن إلا قليلًا من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته فإن الكتاب كان مسمومًا فعند ذلك تزحزح الملك وصاح وقد قال: سرى في السم، فأنشد الحكيم رويان يقول: تحكموا فاستطالوا في حكومتهم وعن قليل كان الحكم لم يكن لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالآفات والمحن وأصبحوا ولسان الحال يشدهم هذا بذاك ولا عتب على الزمن فلما فرغ رويان الحكيم من كلامه سقط الملك ميتًا لوقته، فاعلم أيها العفريت أن الملك يونان لو أبقى الحكيم رويان لأبقاه الله، ولكن أبى وطلب ***ه ف***ه الله وأنت أيها العفريت لو أبقيتني لأبقاك الله. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فقالت لها أختها دنيازاد: ما أحلى حديثك فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك، وباتوا الليلة في نعيم وسرور إلى الصباح، ثم أطلع الملك إلى الديوان ولما انفض الديوان دخل قصره واجتمع بأهله.
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
#4
|
|||
|
|||
![]() ففي الليلة السادسة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت لو أبقيتني كنت أبقيتك، لكن ما أردت إلا ***ي فأنا أ***ك محبوسًا في هذا القمقم، وألقيك في هذا البحر ثم صرخ المارد وقال بالله عليك أيها الصياد لا تفعل وأبقني كرمًا ولا تؤاخذني بعملي، فإذا كنت أنا مسيئًا كن أنت محسناً، وفي الأمثال السائرة يا محسنًا لمن أساء كفي المسيء فعله ولا تعمل عمل أمامة مع عاتكة.
قال الصياد وما شأنهما، فقال العفريت ما هذا وقت حديث وأنا في السجن حتى تطلعني منه وأنا أحدثك بشأنهما فقال الصياد لا بد من إلقائك في البحر ولا سبيل إلى إخراجك منه فإني كنت أستعطفك وأتضرع إليك وأنت لا تريد إلا ***ي من غير ذنب استوجبته منك، ولا فعلت معك سوءًا قط ولم أفعل معك إلا خيراً، لكوني أخرجتك من السجن، فلما فعلت معي ذلك، علمت أنك رديء الأصل، واعلم أنني ما رميتك في هذا البحر، إلا لأجل أن كل من أطلعك أخبره بخبرك، وأحذره منك فيرميك فيه، ثانيًا فنقيم في هذا البحر إلى آخر الزمان حتى ترى أنواع العذاب. فقال العفريت: أطلقني فهذا وقت المروءات وأنا أعاهدك أني لم أسؤك أبدًا بل أنفعك بشيء يغنيك دائماً، فأخذ الصياد عليه العهد أنه إذا أطلقه لا يؤذيه أبدًا بل يعمل معه الجميل فلما استوثق منه بالإيمان والعهود وحلفه باسم الله الأعظم فتح له الصياد فتصاعد الدخان حتى خرج وتكامل فصار عفريتًا مشوه الخلقة ورفس القمقم في البحر. فلما رأى الصياد أنه رمى القمقم في البحر أيقن بالهلاك وبال في ثيابه، وقال هذه ليست علامة خير، ثم أنه قوى قلبه وقال: أيها العفريت قال الله تعالى: وأوفوا العهد، إن العهد كان مسؤولًا وأنت قد عاهدتني وحلفت أنك لا تغدر بي فإن غدرت بي يجرك الله فإنه غيور يمهل ولا يهمل، وأنا قلت لك مثل ما قاله الحكيم رويان للملك يونان أبقني يبقيك الله. فضحك العفريت ومشى قدامه، وقال أيها الصياد اتبعني فمشى الصياد وراءه وهو لم يصدق بالنجاة إلى أن خرجا من ظاهر المدينة وطلعا على جبل ونزلا إلى برية متسعة وإذا في وسطها بركة ماء، فوقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يطرح الشبكة ويصطاد، فنظر الصياد إلى البركة، وإذا بهذا السمك ألواناً، الأبيض والأحمر والأزرق والأصفر، فتعجب الصياد من ذلك ثم أنه طرح شبكته وجذبها فوجد فيها أربع سمكات، كل سمكة بلون، فلما رآها الصياد فرح. فقال له العفريت ادخل بها إلى السلطان وقدمها إليه، فإنه يعطيك ما يغنيك وبالله أقبل عذري فإنني في هذا الوقت لم أعرف طريقًا وأنا في هذا البحر مدة ألف وثمانمائة عام، ما رأيت ظاهر الدنيا إلا في هذه الساعة ولا تصطد منها كل يوم إلا مرة واحدة واستودعتك الله، ثم دق الأرض بقدميه فانشقت وابتلعته ومضى الصياد إلى المدينة متعجب مما جرى له مع هذا العفريت ثم أخذ السمك ودخل به منزله وأتى بمأجور ثم ملأه ماء وحط فيه السمك فاختبط السمك من داخل المأجور في الماء ثم حمل المأجور فوق رأسه وقصد به قصر الملك كما أمره العفريت. فلما طلع الصياد إلى الملك وقدم له السمك تعجب الملك غاية العجب من ذلك السمك الذي قدمه إليه الصياد لأنه لم ير في عمره مثله صفة ولا شكلاً، فقال: ألقوا هذا السمك للجارية الطباخة، وكانت هذه الجارية قد أهداها له ملك الروم منذ ثلاثة أيام وهو لم يجربها في طبيخ فأمرها الوزير أن تقليه، وقال لها يا جارية إن الملك يقول لك ما ادخرت دمعتي إلا لشدتي ففرجينا اليوم على طهيك وحسن طبيخك فإن السلطان جاء إليه واحد بهدية ثم رجع الوزير بعدما أوصاها فأمره الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار فأعطاه الوزير إياها فأعطاها فأخذها الوزير في حجره وتوجه إلى منزله لزوجته، وهو فرحان مسرور ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه هذا ما كان من أمر الصياد. وأما ما كان من أمر الجارية فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته، في الطاجن ثم إنها تركت السمك حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني، وإذا بحائط المطبخ قد انشقت وخرجت منها صبية رشيقة القد أسيلة الخد كاملة الوصف كحيلة الطرف بوجه مليح وقد رجيح لابسة كوفية من خز أزرق وفي أذنيها حلق وفي معاصمها أساور وفي أصابعها خواتيم بالفصوص المثمنة وفي يدها قضيب من الخيزران فغرزت القضيب في الطاجن وقالت: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فلما رأت الجارية هذا غشي عليها وقد أعادت الصبية القول ثانيًا وثالثًا فرفع السمك رأسه في الطاجن وقال: نعم، نعم ثم قال جميعه هذا البيت: إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافينا فعند ذلك قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحمت حائط المطبخ ثم أقامت الجارية فرأت الأربع سمكات محروقة مثل الفحم الأسود، فقالت تلك الجارية من أول غزوته حصل كسر عصبته فبينما هي تعاتب نفسها، وإذا بالوزير واقف على رأسها، وقال لها هاتي السمك للسلطان فبكت الجارية وأعلمت الوزير بالحال أنه أرسل إلى الصياد فأتوا به إليه، فقال له أيها الصياد لا بد أن تجيب لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولاً. فخرج الصياد إلى البركة وطرح شبكته ثم جذبها وإذا بأربع سمكات، فأخذها وجاء بها إلى الوزير، فدخل بها الوزير إلى الجارية وقال لها قومي اقليها قدامي، حتى أرى هذه القضية فقامت الجارية أصلحت السمك، ووضعته في الطاجن على النار فما استقر إلا قليلًا وإذا بالحائط قد انشقت، والصبية قد ظهرت وهي لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت: يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت هذا البيت: إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافينا
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
#5
|
|||
|
|||
![]() وفي الليلة السابعة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه لما تكلم السمك قلبت الصبية الطاجن بالقضيب وخرجت من الموضع الذي جاءت منه والتحم الحائط، فعند ذلك قام الوزير وقال: هذا أمر لا يمكن إخفاؤه عن الملك، ثم أنه تقدم إلى الملك وأخبره بما جرى قدامه فقال: لا بد أن أنظر بعين، فأرسل إلى الصياد وأمره أن يأتي بأربع سمكات مثل الأول وأمهله ثلاثة أيام. فذهب الصياد إلى البركة وأتاه بالسمك في الحال. فأمر الملك أن يعطوه أربعمائة دينار. ثم التفت الملك إلى الوزير وقال له: سو أنت السمك ههنا قدامي فقال الوزير سمعًا وطاعة، فأحضر الطاجن ورمى فيه السمك بعد أن نظفه ثم قلبه وإذا بالحائط قد انشق وخرج منه عبد أسود كأنه ثور من الثيران أو من قوم عاد وفي يده قرع من شجرة خضراء وقال بكلام فصيح مزعج: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم؟ فرفع السمك رأسه من الطاجن وقال: نعم وأنشد هذا البيت:
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا وإن هجرت فإنا قد تكافينا ثم أقبل العبد على الطاجن وقلبه بالفرع إلى أن صار فحمًا أسود، ثم ذهب العبد من حيث أتى، فلما غاب العبد عن أعينهم قال الملك: هذا أمر لا يمكن السكوت عنه، ولا بد أن هذا السمك له شأن غريب، فأمر بإحضار الصياد، فلما حضر قال له: من أين هذا السمك فقال له من بركة بين أربع جبال وراء هذا الجبل الذي بظاهر مدينتك، فالتفت الملك إلى الصياد وقال له: مسيرة كم يوم، قال له يا مولاننا السلطان مسيرة نصف ساعة. فتعجب السلطان وأمر بخروج العسكر من وقته مع الصياد فصار الصياد يلعن العفريت وساروا إلى أن طلعوا الجبل ونزلوا منه إلى برية متسعة لم يروها مدة أعمارهم والسلطان وجميع العسكر يتعجبون من تلك البرية التي نظروها بين أربع جبال والسمك فيها على أربعة ألوان أبيض وأحمر وأصفر وأزرق. فوقف الملك متعجبًا وقال للعسكر ولمن حضر: هل أحد منكم رأى هذه البركة في هذا المكان، فقالوا كلهم لا، فقال الملك: والله لا أدخل مدينتي ولا أجلس على تخت ملكي حتى أعرف حقيقة هذه البركة وسمكها. ثم أمر الناس بالنزول حول هذه الجبال فنزلوا، ثم دعا بالوزير وكان وزيرًا عاقلًا عالمًا بالأمور، فلما حضر بين يديه قال له: إني أردت أن أعمل شيئًا فأخبرك به وذلك أنه خطر ببالي أن أنفرد بنفسي في هذه الليلة وأبحث عن خبر هذه البركة وسمكها، فاجلس على باب خيمتي وقل للأمراء والوزراء والحجاب أن السلطان متشوش وأمرني أن لا أؤذن لأحد في الدخول عليه ولا تعلم أحد بقصدي، فلم يقدر الوزير على مخالفته. ثم أن الملك غير حالته وتقلد سيفه وانسل من بينهم ومشى بقية ليله إلى الصباح، فلم يزل سائرًا حتى اشتد عليه الحر فاستراح ثم مشى بقية يومه وليلته الثانية إلى الصباح فلاح له سواد من بعد ففرح وقال: لعلي أجد من يخبرني بقضية البركة وسمكها، فلما قرب من السواد وجده قصرًا مبنيًا بالحجارة السود مصفحًا بالحديد وأحد شقي بابه مفتوح والآخر مغلق. ففرح الملك ووقف على الباب ودق دقًا لطيفًا فلم يسمع جواباً، فدق ثانيًا وثالثًا فلم يسمع جواباً، فدق رابعًا دقًا مزعجًا فلم يجبه أحد، فقال لا بد أنه خال، فشجع نفسه ودخل من باب القصر إلى دهليز ثم صرخ وقال: يا أهل القصر إني رجل غريب وعابر سبيل، هل عندكم شيء من الزاد؟ وأعاد القول ثانيًا وثالثًا فلم يسمع جواباً، فقوي قلبه وثبت نفسه ودخل من الدهليز إلى وسط القصر فلم يجد فيه أحد، غير أنه مفروش وفي وسطه فسقية عليها أربع سباع من الذهب تلقي الماء من أفواهها كالدر والجواهر وفي دائره طيور وعلى ذلك القصر شبكة تمنعها من الطلوع، فتعجب من ذاك وتأسف حيث لم ير فيه أحد يستخبر منه عن تلك البركة والسمك والجبال والقصر، ثم جلس بين الأبواب يتفكر وإذا هو بألين من كبد حزين فسمعه يترنم بهذا الشعر: لما خفيت ضنى ووجدي قد ظهر والنوم من عيني تبدل بالسهر ناديت وجدًا قد تزايد بي الفكر يا وجد لا تبقى علي ولا تذر ها مهجتي بين المشقة والخطر فلما سمع السلطان ذلك الأنين نهض قائمًا وقصد جهته فوجد سترًا مسبولًا على باب مجلس فرفعه فرأى خلف الستر شابًا جالسًا على سرير مرتفع عن الأرض مقدار ذراع، وهو شاب مليح بقد رجيح ولسان فصيح وجبين أزهر وخدًا أحمر وشامة على كرسي خده كترس من عنبر كما قال الشاعر: ومهفهف من شعره وجبينه مشت الورى في ظلمة وضياء ما أبصرت عيناك أحسن منظر فيما يرى من سائر الأشياء كالشامة الخضراء فوق الوجنة الحمراء تحت المقلة السوداء ففرح به الملك وسلم عليه والصبي جالس وعليه قباء حرير بطراز من ذهب لكن عليه أثر الحزن، فرد السلام على الملك وقال له: يا سيدي اعذرني عن عدم القيام، فقال الملك: أيها الشاب أخبرني عن هذه البركة وعن سمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك فيه وما سبب بكائك؟ فلما سمع الشاب هذا الكلام نزلت دموعه على خده وبكى بكاء شديداً، فتعجب الملك وقال: ما يبكيك أيها الشاب؟ فقال كيف لا أبكي وهذه حالتي، ومد يده إلى أذياله فإذا نصفه التحتاني إلى قدميه حجر ومن صرته إلى شعر رأسه بشر. ثم قال الشاب: اعلم أيها الملك أن لهذا أمرًا عجيبًا لو كتب بالإبر على آفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر، وذلك يا سيدي أنه كان والدي ملك هذه المدينة وكان اسمع محمود الجزائر السود وصاحب هذه الجبال الأربعة أقام في الملك سبعين عامًا ثم توفي والدي وتسلطنت بعده وتزوجت بابنة عمي وكانت تحبني محبة عظيمة بحيث إذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب حتى تراني، فمكثت في عصمتي خمس سنين إلى أن ذهبت يومًا إلى الحمام فأمرت الطباخ أن يجهز لنا طعامًا لأجل العشاء، ثم دخلت هذا القصر ونمت في الموضع الذي أنا فيه وأمرت جاريتين أن يروحا على وجهي فجلست واحدة عند رأسي والأخرى عند رجلي وقد قلقت لغيابها ولم يأخذني نوم غير أن عيني مغمضة ونفسي يقظانة. فسمعت التي عند رأسي تقول للتي عند رجلي يا مسعودة إن سيدنا مسكين شبابه ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة. فقالت الأخرى: لعن الله النساء الزانيات ولكن مثل سيدنا وأخلاقه لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة تبيت في غير فراشه. فقالت التي عند رأسي: إن سيدنا مغفل حيث لم يسأل عنها. فقالت الأخرى ويلك وهل عند سيدنا علم بحالها أو هي تخليه باختياره بل تعمل له عملًا في قدح الشراب الذي يشربه كل ليلة قبل المنام فتضع فيه البنج فينام ولم يشعر بما يجري ولم يعلم أين تذهب ولا بما تصنع لأنها بعدما تسقيه الشراب تلبس ثيابها وتخرج من عنده فتغيب إلى الفجر وتأتي إليه وتبخره عند أنفه بشيء فيستيقظ من منامه. فلما سمعت كلام الجواري صار الضيا في وجهي ظلامًا وما صدقت أن الليل اقبل وجاءت بنت عمي من الحمام فمدا السماط وأكلنا وجلسنا ساعة زمنية نتنادم كالعادة ثم دعوت بالشراب الذي أشربه عند المنام فناولتني الكأس فراوغت عنه وجعلت أشربه مثل عادتي ودلقته في عبي ورقدت في الوقت والساعة وإذا بها قالت: نم ليتك لم تقم، والله كرهتك وكرهت صورتك وملت نفسي من عشرتك. ثم قامت ولبست أخفر ثيابها وتبخرت وتقلدت سيفًا وفتحت باب القصر وخرجت. فقمت وتبعتها حتى خرجت وشقت في أسواق المدينة إلى أن انتهت إلى أبواب المدينة فتكلمت بكلام لا أفهمه فتساقطت الأقفال وانفتحت الأبواب وخرجت وأنا خلفها وهي لا تشعر حتى انتهت إلى ما بين الكيمان وأتت حصنًا فيه قبة مبنية بطين لها باب فدخلته هي وصعدت أنا على سطح القبة وأشرفت عليها اذا بها قد دخلت على عبد أسود إحدى شفتيه غطاء وشفته الثانية وطاء وشفاهه تلقط الرمل من الحصى وهي مبتلي وراقد على قليل من قش القصب فقبلت الأرض بين يديه. فرفع ذلك العبد رأسه إليها وقال لها: ويلك ما سبب قعودك إلى هذه الساعة كان عندنا السودان وشربوا الشراب وصار كل واحد بعشيقته وأنا ما رضيت أن أشرب من شأنك، فقالت: يا سيدي وحبيب قلبي أما تعلم أني متزوجة بابن عمي وأنا أكره النظر في صورته وأبغض نفسي في صحبته، ولولا أني أخشى على خاطرك لكنت جعلت المدينة خرابًا يصبح فيها البوم والغراب وأنقل حجارتها إلى جبل قاف. فقال العبد: تكذبين يا عاهرة وأنا أحلف وحق فتوة السودان وإلا تكون مروءتنا مروءة البيضان. إن بقيت تقعدي إلى هذا الوقت من هذا اليوم لا أصاحبك ولا أضع جسدي على جسدك، يا خائنة تغيبين علي من أجل شهوتك يا منتنة يا أخت البيضان. قال الملك: فلما سمعت كلامها وأنا أنظر بعيني ما جرى بينهما صارت الدنيا في وجهي ظلامًا ولم أعرف روحي في أي موضع وصارت بنت عمي واقفة تبكي إليه وتتدلل بين يديه وتقول له: يا حبيبي وثمرة فؤادي ما أحد غيرك بقي لي فإن طردتني يا ويلي يا حبيبي يا نور عيني. وما زالت تبكي وتضرع له حتى رضي عليها ففرحت قامت وقلعت ثياب ولباسها وقالت له: يا سيدي هل عندك ما تأكله جاريتك، فقال لها اكشفي اللقان فإن تحتها عظام فيران مطبوخة فكليها ومرمشيها وقومي لهذه القوارة تجدين فيها بوظة فاشربيها. فقامت وأكلت وشربت وغسلت يديها، وجاءت فرقدت مع العبد على قش القصب وتعرت ودخلت معه تحت الهدمة والشرايط فلما نظرت هذه الفعال التي فعلتها بنت عمي وهممت أن أ*** الإثنين فضربت العبد أولًا على رقبته فظننت أنه قضي عليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، فلما أصبح الصباح دخل الملك إلى محل الحكم واحتبك الديوان إلى آخر النهار، ثم طلع الملك قصره فقالت لها أختها دنيازاد: تممي لنا حديثك، قالت: حبًا وكرامة.
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
#6
|
|||
|
|||
![]() ففي الليلة التاسعة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية الساحرة، لما أخذت شيئًا من هذه البركة وتكلمت عليه بكلام لا يفهم تحرك السمك، ورفع رأسه وصار آدميين في الحال، وانفك السحر عن أهل المدينة وأصبحت عامرة والأسواق منصوبة، وصار كل واحد في صناعته وانقلبت الجبال جزائر، كما كانت ثم أن الصبية الساحرة رجعت إلى الملك في الحال وهي تظن أنه العبد، وقالت يا حبيبي ناولني يدك الكريمة أقبلها.
فقال الملك بكلام خفي: تقربي مني، فدنت منه وقد أخذ صارمه وطعنها به في صدرها حتى خرج من ظهرها ثم ضربها فشقها نصفين وخرج فوجد الشاب المسحور واقفًا في انتظاره فهنأه بالسلامة وقبل الشاب يده وشكره فقال له الملك: تقعد مدينتك أن تجيء معي إلى مدينتي؟ فقال الشاب: يا ملك الزمان أتدري ما بينك وبين مدينتك؟ فقال يومان ونصف فعند ذلك قال له الشاب: إن كنت نائمًا فاستيقظ إن بينك وبين مدينتك سنة للمجد وما أتيت في يومين ونصف إلا لأن المدينة كانت مسحورة وأنا أيها الملك لا أفارقك لحظة عين. ففرح الملك بقوله ثم قال الحمد لله الذي من علي بك فأنت ولدي لأني طول عمري لم أرزق ولداً. ثم تعانقا وفرحا فرحًا شديداً، ثم مشيا حتى وصلا إلى القصر وأخبر الملك الذي كان مسحورًا أرباب دولته أنه مسافر إلى الحج الشريف فهيئوا له جميع ما يحتاج إليه ثم توجه هو والسلطان وقلب السلطان ملتهب على مدينته حيث غاب عنها سنة. ثم سافر ومعه خمسون مملوكًا ومعه الهدايا، ولم يزالا مسافرين ليلًا ونهارًا سنة كاملة حتى أقبلا على مدينة السلطان. فخرج الوزير والعساكر بعدما قطعوا الرجاء منه وأقبلت العساكر وقبلت الأرض بين يديه وهنؤه بالسلامة فدخل وجلس على الكرسي ثم أقبل على الوزير وأعلمه بكل ما جرى على الشاب، فلما سمع الوزير ما جرى على الشاب هنأه بالسلامة. ولما استقر الحال أنعم السلطان على أناس كثيرون، ثم قال للوزير علي بالصياد الذي أتى بالسمك فأرسل إلى ذلك الصياد الذي كان سببًا لخلاص أهل المدينة فأحضره وخلع عليه وسأله عن حاله وهل له أولاد فأخبره أن له ابنًا وبنتين فتزوج الملك بإحدى بنتيه وتزوج الشاب بالأخرى،. وأخذ الملك الإبن عنده وجعله خازندارا، ثم أرسل الوزير إلى مدينة الشاب التي هي الجزائر السود وقلده سلطنتها وأرسل معه الخمسين مملوكا الذين جاؤوا معه وكثيرا من الخلع لسائر الأمراء. فقبل الوزير يديه وخرج مسافرا واستقر السلطان والشاب. وأما الصياد فإنه قد صار أغنى أهل زمانه وبناته زوجات الملوك إلى أن أتاهم الممات، وما هذا بأعجب مما جرى للحمال. فإنه كان إنسان من مدينة بغداد وكان حمالاً. فبينما هو في السوق يومًا من الأيام متكئًا على قفصه إذ وقفت عليه امرأة ملتفة بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيتاه من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء بأهداب وأجفان وهي ناعمة الأطراف كاملة الأوصاف، وبعد ذلك قالت بحلاوة لفظها: هات قفصك واتبعني. فحمل الحمال القفص وتبعها إلى أن وقفت على باب دار فطرقت الباب فنزل له رجل نصراني، فأعطته دينارًا وأخذت منه مقدارًا من الزيتون ووضعته في القفص وقالت له: احمله واتبعني، فقال الحمال: هذا والله نهار مبارك. ثم حمل القفص وتبعها فوقفت عند دكان فاكهاني واشترت منه تفاحًا شاميًا وسفرجلًا عثمانيًا وخوخًا عمانيًا وياسمينًا حلبيًا وبنو فراده شقيًا وخيارًا نيليًا وليمونًا مصريًا وتمر حنا وشقائق النعمان وبنفسجًا ووضعت الجميع في قفص الحمال وقالت له: احمل، فحمل وتبعها حتى وقفت على جزار وقالت له: اقطع عشرة أرطال لحمة فقطع لها، ولفت اللحم في ورق موز ووضعته في القفص وقالت له: احمل يا حمال فحمل وتبعها، ثم وقفت على النقلي وأخذت من سائر النقل وقالت للحمال: احمل واتبعني فحمل القفص وتبعها إلى أن وقفت على دكان الحلواني واشترت طبقًا وملأته جميع ما عنده من مشبك وقطايف وميمونة وأمشاط وأصابع ولقيمات القاضي ووضعت جميع أنواع الحلاوة في الطبق ووضعته في القفص. فقال الحمال: لو أعلمتني لجئت معي ببغل تحمل عليه هذه الأشياء، فتبسمت. ثم وقفت على العطار واشترت منه عشرة مياه ماء ورد وماء زهر وخلافه وأخذت قدرًا من السكر وأخذت ماء ورد ممسك وحصى لبان ذكر وعودا عنبر ومسكًا وأخذت شمعًا اسكندرانيًا ووضعت الجميع في القفص وقالت للحمال: احمل قفصك واتبعني، فحمل القفص وتبعها إلى أن أتت دارًا مليحة وقدامها رحبة فسيحة وهي عالية البنيان مشيدة الأركان بابها صنع من الأبنوس مصفح بصفائح الذهب الأحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقت دقًا لطيفًا وإذا بالباب انفتح بشقتيه. فنظر الحمال إلى من فتح لها الباب فوجدها صبية رشيقة القد قاعدة النهد ذات حسن وجمال وقد واعتدال وجبين كثغرة الهلال وعيون كعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وخدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإشراق ونهدين كرمانتين وبطن مطوي تحت الثياب كطي السجل للكتاب. فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه، ثم قال: ما رأيت عمري أبرك من هذا النهار، فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمال مرحبا وهي من داخل الباب ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة ذات تراكيب وشاذر وأثاث ومصاطب وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيات، وفي وسط القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر منصوب عليه ناموسية من الأطلس الأحمر ومن داخله صبية بعيون بابلية وقامة ألفية ووجه يخجل الشمس المضيئة، فكأنها بعض الكواكب الدرية أو عقيلة عربية كما قال فيها الشاعر: من قاس قدك بالغصن الرطيب فقد أضحى القياس به زورًا وبهتانا الغصن أحسن ما تلقاه مكتسبًا وأنت أحسن ما تلقاه عريانا فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير وخطرت قليلًا إلى أن صارت في وسط القاعة عند أختيها وقالت: ما وقوفهم، حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين، فجاءت الدلالة من قدامه والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة وحططن عن الحمال وأفرغن ما في القفص وصفوا كل شيء في محله وأعطين الحمال دينارين وقلن له: توجه يا حمال، فنظر إلى البنات وما هن فيه من الحسن والطبائع الحسان فلم ير أحسن منهن ولكن ليس عندهن رجال. ونظر ما عندهن من الشراب والفواكه والمشمومات وغير ذلك فتعجب غاية العجب ووقف عن الخروج، فقالت له الصبية: ما بالك لا تروح؟ هل أنت استقللت الأجرة، والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه دينارًا آخر فقال الحمال: والله يا سيداتي إن أجرتي نصفان، وما استقللت الأجرة وإنما اشتغل قلبي وسري بكن وكيف حالكن وأنتن وحدكن وما عندكن رجال ولا أحد يؤانسكن وأنتن تعرفن أن المنارة لا تثبت إلا على أربعة وليس لكن رابع، وما يكمل حظ النساء إلا بالرجال كما قال الشاعر: انظر إلى أربع عندي قد اجتمعت جنك وعود وقانون ومزمار أنتن ثلاثة فتفتقرن إلى رابع يكون رجلًا عاقلًا لبيبًا حاذقًا وللأسرار كاتمًا فقلن له: نحن بنات ونخاف أن نودع السر عند من لا يحفظه، وقد قرأنا في الأخبار شعراً: صن عن سواك السر لا تودعنه من أودع السر فقد ضيعه فلما سمع الحمال كلامهن قال: وحياتكن أني رجل عاقل أمين قرأت الكتب وطالعت التواريخ، أظهر الجميل وأخفي القبيح وأعمل بقول الشاعر: لا يكتم السر إلا كل ذي ثقة والسر عند خيار الناس مكتوم السر عندي في بيت له غلق ضاعت الفاتحة والباب مختوم فلما سمعت البنات الشعر والنظام وما أبداه من الكلام قلن له: أنت تعلم أننا غرمنا على هذا المقام جملة من المال فهل معك شيء تجازينا به، فنحن لا ندعك تجلس عندنا حتى تغرم مبلغنا من المال لأن خاطرك أن تجلس عندنا وتصير نديمنا وتطلع على وجوهنا الصباح الملاح. فقالت صاحبة الدار: وإذا كانت بغير المال محبة فلا تساوي وزن حبة، وقالت البوابة إن يكن معك شيء رح بلا شيء فقالت الدلالة يا أختي نكف عنه فوالله ما قصر اليوم معنا ولو كان غيره ما طول روحه علينا ومهما جاء عليه أغرمه عنه. ففرح الحمال وقال والله ما استفتحت بالدراهم إلا منكن، فقلن له اجلس على الرأس والعين وقامت الدلالة وشدت وسطها وصبت القناني وروقت المدام وعملت الخضرة على جانب البحر وأحضرت ما يحتاجون إليه ثم قدمت وجلست هي وأختها وجلس الحمال بينهن وهو يظن أنه في المنام. ولم يزل الحمال معهن في عناق وتقبيل وهذه تكلمه وهذه تجذبه وهذه بالمشموم تضربه وهو معهن حتى لعبت الخمرة بعقولهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
#7
|
|||
|
|||
![]() و في الليلة العاشرة قالت لها أختها دنيازاد: يا أختي أتمي لنا حديثك قالت حبًا وكرامة: قد بلغني أيها الملك السعيد لم يزلن يضحكن حتى استلقين على ظهورهن ثم عادوا إلى منادمتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل عليهم فقلن للحمال توجه وأرنا عرض أكتافك.
فقال الحمال والله خروج الروح أهون من الخروج من عندكن، دعونا نصل الليل بالنهار وكل منا يروح في حال سبيله فقالت الدلالة بحياتي عندكن تدعنه ينام عندنا نضحك عليه فإنه خليع ظريف فقلن له: تبيت عندنا بشرط أن تدخل تحت الحكم ومهما رأيته لا تسأل عنه ولا عن سببه، فقالت نعم، فقلن قم واقرأ ما على الباب مكتوباً، فقام إلى الباب فوجد مكتوبًا عليه بماء الذهب: لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك. فقال الحمال اشهدوا أني لا أتكلم فيما لا يعنيني، ثم قامت الدلالة وجهزت لهم مأكولًا ثم أوقدوا الشمع والعود وقعدوا في أكل وشرب وإذا هم سمعوا دق الباب فلم يختل نظامهم فقامت واحدة منهن إلى الباب ثم عادت وقالت كمل صفاؤنا في هذه الليلة لأني وجدت بالباب ثلاثة أعجام ذقونهم محلوقة وهم عور بالعين الشمال وهذا من أعجب الاتفاق، وهم ناس غرباء قد حضروا من أرض الروم ولكل واحد منهم شكل وصورة مضحكة، فإن دخلوا نضحك عليهم. ولم تزل تتلطف بصاحبتيها حتى قالتا لها دعيهم يدخلون واشترطي عليهم أن لا يتكلموا في ما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم. ففرحت وزاحت ثم عادت ومعها الثلاثة العور ذقونهم محلوقة وشواربهم مبرومة ممشوقة وهم صعاليك فسلموا فقام لهم البنات وأقعدوهم فنظر الرجال الثلاثة إلى الحمال فوجدوه سكران فلما عاينوه ظنوا أنه منهم وقالوا: هو صعلوك مثلنا يؤانسنا. فلما سمع الحمال هذا الكلام قام وقلب عينيه وقال لهم: اقعدوا بلا فضول أما قرأتم ما على الباب فضحك البنات وقلن لبعضهن إننا نضحك على الصعاليك والحمال، ثم وضعن الأكل للصعاليك فأكلوا ثم جلسوا يتنادمون والبوابة تسقيهم. ولما دار الكأس بينهم قال الحمال للصعاليك يا إخواننا هل معكم حكاية أو نادرة تسلوننا بها فديت فيهم الحرارة وطلبوا آلات اللهو فأحضرت لهم البوابة فلموصليا وعودًا عراقيًا وجنكًا عجميًا فقام الصعاليك واقفين وأخذ واحد منهم الدف، وأخذ واحد العود، وأخذ واحد الجنك وضربوا بها وغنت البنات وصار لهم صوت عال. فبينما هم كذلك وإذا بطارق يطرق الباب، فقامت البوابة لتنظر من بالباب وكان السبب في دق الباب أن في تلك الليلة نزل هارون الرشيد لينظر ويسمع ما يتجدد من الأخبار هو وجعفر وزيره وسياف نقمته، وكان من عادته أن يتنكر في صفة التجار، فلما نزل تلك الليلة ومشى في المدينة جاءت طريقهم على تلك الدار فسمعوا آلات الملاهي فقال الخليفة جعفر هؤلاء قوم قد دخل السكر فيهم ونخشى أن يصيبنا منهم شر، فقال لا بد من دخولنا وأريد أن نتحيل حتى ندخل عليهم فقال جعفر: سمعًا وطاعة. ثم تقدم جعفر وطرق الباب فخرجت البوابة وفتحت الباب، فقال لها: يا سيدتي نحن تجار من طبرية ولنا في بغداد عشرة أيام ومعنا تجارة ونحن نازلون في خان التجار وعزم علينا تاجر في هذه الليلة فدخلنا عنده وقدم لنا طعامًا فأكلنا ثم تنادمنا عنده ساعة، ثم أذن لنا بالانصراف فخرجنا بالليل ونحن غرباء فتهنا عن الخان الذي نحن فيه فنرجو من مكارمكم أن تدخلونا هذه الليلة نبيت عندكم ولكم الثواب فنظرت البوابة إليهم فوجدتهم بهيئة التجار وعليهم الوقار فدخلت لصاحبتيها وشاورتهما فقالتا لها أدخليهم. فرجعت وفتحت لهم الباب فقالوا ندخل بإذنك، قالت ادخلوا فدخل الخليفة وجعفر ومسرور فلما أتتهم البنات قمن لهم وخدمنهم وقلن مرحبًا وأهلًا وسهلًا بضيوفنا، ولنا عليكم شرط أن لا تتكلموا فيما لا يعنيكم فتسمعوا ما لا يرضيكم قالوا نعم. وبعد ذلك جلسوا للشراب والمنادمة فنظر الخليفة إلى الصعاليك الثلاثة فوجدهم عور العين الشمال فتعجب منهم ونظر إلى البنات وما هم فيه من الحسن والجمال فتحير وتعجب، واستمر في المنادمة والحديث وأتين الخليفة بشراب فقال أنا حاج وانعزل عنهم. فقامت البوابة وقدمت له سفرة مزركشة ووضعت عليها بمطية من الصيني وسكبت فيها ماء الخلاف وأرخت فيه قطعة من الثلج ومزجته بسكر فشكرها الخليفة وقال في نفسه لا بد أن أجازيها في غد على فعلها من صنيع الخير، ثم اشتغلوا بمنادمتهم، فلما تحكم الشراب قامت صاحبة البيت وخدمتهم، ثم أخذت بيد الدلالة وقالت: يا أختي قومي بمقتضى ديننا فقالت لها نعم، فعند ذلك قامت البوابة وأطلعت الصعاليك خلف الأبواب قدامهن وذلك بعد أن أخلت وسط القاعة ونادين الحمال وقلن له: ما أقل مودتك ما أنت غريب بل أنت من أهل الدار. فقام الحمال وشد أوسطه وقال: ما تردن فلن تقف مكانك، ثم قامت الدلالة وقالت للحمال ساعدني، فرأى كلبتين من الكلاب السود في رقبتيهما جنازير فأخذهما الحمال ودخل بهما إلى وسط القاعة فقامت صاحبة المنزل وشمرت عن معصميها وأخذت سوطًا وقالت للحمال قوم كلبة منهما فجرها في الجنزير وقدمها والكلبة تبكي وتحرك رأسها إلى الصبية فنزلت عليها الصبية بالضرب على رأسها والكلبة تصرخ وما زالت تضربها حتى كلت سواعدها فرمت السوط من يدها ثم ضمت الكلبة إلى صدرها ومسحت دموعها وقبلت رأسها ثم قالت للحمال ردها وهات التالية، فجاء بها وفعلت بها مثل ما فعلت بالأولى. فعند ذلك اشتعل قلب الخليفة وضاق صدره وغمز جعفر أن يسألها، فقال له بالإشارة اسكت، ثم التفتت صاحبة البيت للبوابة وقالت لها: قومي لقضاء ما عليك قالت نعم. ثم إن صاحبة البيت صعدت على سرير من المرمر مصفح بالذهب والفضة وقالت البوابة والدلالة ائتيا بما عندكما، فأما البوابة فإنها صعدت على سرير بجانبها وأما الدلالة فإنها دخلت مخدعًا وأخرجت منه كيسًا من الأطلس بأهداب خضر ووقفت قدام الصبية صاحبة المنزل ونفضت الكيس وأخرجت منه عودًا وأصلحت أوتاره وأنشدت هذه الأبيات: ردوا على جفني النوم الذي سلبا وخبروني بعقلي آية ذهبا علمت لما رضيت الحب منزلة إن المنام على جفني قد غصبا قالوا عهدناك من أهل الرشاد فما أغواك قلت اطلبوا من لحظة السببا إني له عن دمي المسفوك معتذر أقول حملته في سفكه تعبا ألقى بمرآة فكري شمس صورته فعكسها شب في أحشائي اللهبا من صاغه الله من ماء الحياة وقد أجرى بقيته في ثغره شنبا ماذا ترى في محب ما ذكرت له إلا شكى أو بكى أو حن أو أطربا يرى خيالك في الماء الذلال إذا رام الشراب فيروى وهو ما شربا وأنشدت أيضاً: سكرت من لحظه لا من مدامته ومال بالنوم عن عيني تمايله فما السلاف سلتني بل سوالفه وما الشمل شلتني بل شمائله لوي بعزمي أصداع لوين له و غال عقلي بما نحوى غلائله فلما سمعت الصبية ذلك، قالت طيبك الله، ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض مغشيًا عليها، فلما نكشف جسدها رأى الخليفة أثر ضرب المقارع والسياط فتعجب من ذلك غاية العجب فقامت البوابة ورشت الماء على وجهها وأتت إليها بحلة وألبستها إياها، فقال الخليفة لجعفر أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثر الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا وما أستريح إلا إن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين، فقال جعفر: يا مولانا قد شرطوا علينا شرطًا وهو أن لا نتكلم فيما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا، ثم قامت الدلالة فأخذت العود وأسندته إلى نهدها، وغمزته بأناملها وأنشدت تقول: إن شكونا الهوى فماذا تقول أو تلفنا شوقًا فماذا السبيل أو بعثنا رسلًا نترجم عنا ما يؤدي شكوى المحب رسول أو صبرنا فما لنا من بقاء بعد فقد الأحباب إلا قليل ليس إلا تأسفًا ثم حزنًا ودموعًا على الخدود تسيل أيها الغائبون عن لمح عيني وعم في الفؤاد مني حلول هل حفظتم لدى الهوى عهد صب ليس عنه مدى الزمان يحول أم نسيتم على التباعد صبا شفه فبكم الضنى والنحول وإذا الحشر ضمنا أتمنى من لدن وبنا حسابًا يطول فلما سمعت المرأة الثانية شعر الدلالة شقت ثيابها كما فعلت الأولى وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشيًا عليها، فقامت الدلالة وألبستها حلة ثانية بعد أن رشت الماء على وجهها ثم قامت المرأة الثالثة وجلست على سرير وقالت للدلالة غني لي لا في ديني فما بقي غير هذا الصوت فأصلحت الدلالة العود وأنشدت هذه الأبيات: فإلى متى هذا الصدود وذا الجفا فلقد جوى من أدمعي ما قد كفى كم قد أطلت الهجر لي معتمدًا إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى لو أنصف الدهر الخؤون لعاشق ما كان يوم العواذل منصفا فلمن أبوح بصبوتي يا قاتلي يا خيبة الشاكي إذا فقد الوفا ويزيد وجدي في هواك تلهفًا فمتى وعدت ولا رأيتك مخلفا يا مسلمون خذوا بنار متيم ألف الشهادة لديه طرف ما غفا أيحل في شرع الغرام تذللي ويكون غيري بالوصال مشرفا ولقد كلفت بحبكم متلذذًا وغدا عذولي في الهوى متكلفا فلما سمعت المرأة الثالثة قصيدتها صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على الأرض مغشيًا عليها فلما انكشف جسدها ظهر فيه ضرب المقارع، مثل من قبلها فقال الصعاليك ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكيمان، فقد تكدر مبيتنا هنا بشيء يقطع الصلب فالتفت الخليفة إليهم وقال لهم لم ذلك قالوا قد اشتغل سرنا بهذا الأمر فقال الخليفة أما أنتم من هذا البيت، قالوا لا ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي عندكم. فقال الحمال والله ما رأيت هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه. فقال الجميع نحن سبعة رجال وهن ثلاث نسوة وليس لهن رابعة فنسألهن عن حالهن فإن لم يجبننا طوعًا أجبننا كرهًا واتفق الجميع على ذلك، فقال جعفر ما هذا رأي سديد دعوهن فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا، شرطًا فنوفي به ولم يبق من الليل إلا القليل وكل منا يمضي إلى حال سبيله، ثم إنه غمز الخليفة وقال ما بقي غير ساعة، وفي غد تحضرهن بين يديك، فتسألهن عن قصتهن فأبى الخليفة وقال لم يبق لي صبر عن خبرهن وقد كثر بينهن القيل والقال، ثم قالوا ومن يسألهن فقال بعضهم الحمال ثم قال لهم النساء يا جماعة في أي شيء تتكلمون. فقال الحمال لصاحبة البيت وقال لها يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك به أن تخبرينا عن حال الكلبتين، وأي سبب تعاقبيهما ثم تعودين تبكين، وتقبليهما وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع وهذا سؤالنا والسلام فقالت صاحبة المكان للجماعة ما يقوله عنكم فقال الجميع نعم، إلا جعفر فإنه سكت. فلما سمعت الصبية كلامهم قالت والله لقد آذيتمونا يا ضيوفنا، الأذية البالغة، وتقدم لنا أننا شرطنا عليكم أن من تكلم فيما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه أما كفا أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا ولكن لا ذنب لكم وإنما الذنب لمن أوصلكم إلينا ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث ضربات وقالت عجلوا. وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منها سبعة عبيد بأيديهم سيوف مسلولة وقالت كتفوا هؤلاء الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض ففعلوا وقالوا أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم، فقالت أمهلوهم ساعة حتى أسألهم عن حالهم قبل ضرب رقابهم، فقال الحمال بالله يا سيدتي لا ت***يني بذنب الغير فإن الجميع أخطأوا، ودخلوا في الذنب، إلا أنا والله لقد كانت ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لأخربوها، ثم أنشد يقول: ما أحسن الغفران من قادر لا سيما عن غير ذي ناصر بحرمة الود الذي بيننا لا ت***ي الأول بالآخر فلما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
__________________
معلمي هــل لي من هــذا المقام أٌحـــدي بنظــرةِ اشتياقٍ ممزوجـةٍ بالثنـاءِ الجميــل هي امنياتٌ تكْمُــــنُ فـي داخلي وبكثــــرةٍ وفي خاطـري أطيــافٌ لا تَمَـلُّ ولا تستميــل وددت لــو أني سطَّـــرت فيك كلمــــــــاتٍ أجزيك بهــــا على فتــرةِ عنـائك الطويــــل |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|