|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() حكم العُجْب
العُجْب كبيرة من كبائر الذنوب التي تستحق غضب الله، ومقته، وعذابه في الدنيا والآخرة. فهو سجيَّة مذمومة، وطبع سيِّئ مبغوض، قال ابن حزم: (إن العُجْب من أعظم الذنوب وأمحقها للأعمال. فتحفظوا، حفظنا الله وإيَّاكم من العُجْب والرياء) . ويقول الغزالي: (اعلم أن العُجْب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا [التوبة: 25]، ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عزَّ وجلَّ: وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الحشر: 2]، فردَّ على الكفَّار في إعجابهم بحصونهم، وشوكتهم، وقال تعالى: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104]) . بل عده ابن تيمية من باب الإشراك بالنفس فقال: (وكثيرًا ما يقرن الرياء بالعُجْب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجْب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ والمعجب لا يُحقِّق قوله: وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فمن حقَّق قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ خرج عن الرِّياء، ومن حقَّق قوله: وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ خرج عن الإعجاب) . |
#2
|
||||
|
||||
![]() صور العُجْب
قد يحصل العُجْب بصفات اضطرارية وقد يحصل بصفات اختيارية، والفرق بينهما أن الصفات الاضطرارية هي ما خلقت في الإنسان ابتداء دون أن يكون له تدخل فيها، كالجمال والنسب وغيرها، أما الاختيارية فهي ما تحصل عليها ببذل مجهود واكتسبها بعد أن لم يكن متصفًا بها، كالعلم والمال والجاه وغيرها. وكلها العُجْب بها مذموم، (ولا فرق بين أن تكون تلك الخصلة التي حصل بها الإعجاب اضطرارية، كجمال، أو فصاحة، أو كثرة عشيرة، أو مال، أو بنين، أم اختيارية، كإقدام، أو كثرة علم، أو طاعة، أو نحو ذلك، فإن العُجْب بذلك كله قبيح شرعًا، ولا أعرف فيه خلافًا) . ونذكر هنا الإعجاب ببعض الصفات الاضطرارية والاختيارية ومنها: - الإعجاب بالعقل الراجح، والذكاء. - الإعجاب بالرأي السديد. - الإعجاب بالعلم وغزارته، والتفوق على الأقران فيه. - الإعجاب بالشَّجَاعَة، والإقدام، والقوة والبأس. - الإعجاب بجمال الصورة، وحسن المظهر. - الإعجاب بالجاه، والمنصب، والرئاسة، والتصدر. - الإعجاب بالعبادة، والطاعة. - الإعجاب بما يقدمه من خير، ومنفعة للناس. - الإعجاب بالنسب، والشرف، أو العشيرة، والقبيلة. - الإعجاب بالمال، والغنى، والتجارة، وسعة الرزق. - الإعجاب بكثرة الأتباع، والأنصار والمريدين. - الإعجاب بكثرة الأبناء. وغير ذلك من الخصال التي يحصل بها العُجْب. |
#3
|
||||
|
||||
![]() أسباب العُجْب 1- جهل المرء بحقيقة نفسه وغفلته عنها، و(أنَّ جهله بنفسه، وصفاتها، وآفاتها، وعيوب عمله، وجهله بربه، وحقوقه، وما ينبغي أن يعامل به، يتولد منهما رضاه بطاعته، وإحسان ظنه بها، ويتولد من ذلك من العُجْب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة، من الزنا، وشرب الخمر، والفرار من الزحف ونحوها) . 2- المدح والثناء، والإطراء في الوجه، سبب قوي من أسباب العُجْب، قال الماوردي: (من أقوى أسبابه – أي العُجْب - كثرة مديح المتقربين، وإطراء المتملقين، الذين جعلوا النفاق عادةً ومكسبًا، والتملق خديعةً وملعبًا، فإذا وجدوه مقبولًا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم، وجعلوا ذلك ذريعةً إلى الاستهزاء بهم) . وقال ابن حجر: (قال ابن بطال: من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العُجْب؛ لظنه أنه بتلك المنزلة، فربما ضيَّع العمل والازدياد من الخير اتكالًا على ما وصف به) . و((أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك)) . أي: أهلكته . 3- ومما يوصل الإنسان إلى العُجْب بنفسه، مقارنته لنفسه بمن هو دونه في العمل، والفضل، واعتقاده أنَّ الناس هلكى بالذنوب والمعاصي، وأنَّه على خير كبير إذا قورن بغيره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا قال الرجل هلك الناسُ، فهو أهلكهم )) . 4- النشأة والتربية، فقد ينشأ الإنسان في بيئة غلب عليها طبع العُجْب والكبر فيتأثر بها. فـ(قد ينشأ بين أبوين يلمس منهما أو من أحدهما: حب المحمدة، ودوام تزكية النفس، إن بالحق وإن بالباطل، والاستعصاء على النصح والإرشاد، ونحو ذلك من مظاهر الإعجاب بالنفس، فيحاكيهما، وبمرور الزمن يتأثر بهما، ويصبح الإعجاب بالنفس جزء من شخصيته إلا من رحم الله) . وكما قال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منَّا *** على ما كان عوده أبوه 5- الرفقة والصحبة سبب من أسباب الإعجاب بالنفس، ذلك أن الإنسان شديد المحاكاة والتأثر بصاحبه، لا سيما إذا كان هذا الصاحب قويَّ الشخصية، ذا خبرة ودراية بالحياة، وكان المصحوب غافلًا على سجيته، يتأثر بكلِّ ما يلقى عليه، وعليه فإذا كان الصاحب مصابًا بداء الإعجاب، فإنَّ عدواه تصل إلى قرينه فيصير مثله .
6- الاغترار بالنعمة والركون إليها، مع نسيان ذكر المنعم تبارك وتعالى، (فإذا حباه الله نعمة من المال، أو علم، أو قوة، أو جاه، أو نحوه وقف عند نعمة ونسي المنعم، وتحت تأثير بريق المواهب وسلطانها تحدثه نفسه أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من علم، على حدِّ قول قارون: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78]، ولا يزال هذا الحديث يُلِحُّ عليه حتى يرى أنَّه بلغ الغاية أو المنتهى، ويُسرُّ ويفرح بنفسه، وبما يصدر عنها، ولو كان باطلًا، وذلك هو الإعجاب بالنفس) . 7- تولِّي المناصب القيادية، من سلطة أو قضاء، أو إدارة أو إشراف، وغير ذلك من المسؤوليات. 8- التمتع بصفة أو مزيَّة تجعله يتميز عن غيره فيها، سواء كانت هذه الصفة اضطرارية كالجمال، أو فصاحة اللسان، أو النسب، أو العشيرة، أو المال والبنين، أو غيرها، أو كانت تلك الصفة اختيارية، كالعلم، والطاعة، والإقدام، وغيرها. 9- المبالغة في التوقير، والاحترام، من الأتباع، وفي ذلك قاصمة ظهر للمتبوع. 10- قلَّة الورع، والتقوى، وضعف المراقبة لله عزَّ وجلَّ. 11- قلَّة الناصح والموجه، أو فقده بالكلية. 12- عدم التفكر في حال الدنيا، والافتتان بها، وبزخرفها الفاني، بالإضافة إلى اتباع هوى النفس ومتابعتها فيها. 13- الغفلة عن نهاية العُجْب والمعجبين، ومآلهم في الدنيا والآخرة. 14- عدم التأمل في النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية، الناهية عن هذه السجيَّة القبيحة، الآمرة بضدها من تواضع وخفض جناح. 15- الأمن من مكر الله عزَّ وجلَّ، والركون إلى عفوه ومغفرته. |
#4
|
||||
|
||||
![]() علامات العُجْب
هناك بعض العلامات والأمارات التي تظهر في سلوك المعجب بنفسه منها: 1- تزكية النفس، والرفع من شأنها. 2- عدم سماع النصيحة، والاستعصاء على التوجيه والإرشاد. 3- الفرح بسماع عيوب الآخرين خاصة الأقران. 4- رد الحق والترفع عن الاستجابة لداعيه. 5- احتقار الناس، وتصعير الخد لهم. 6- الاستنكاف عن استشارة العقلاء، والفضلاء. 7- الاختيال والتبختر في المشي. 8- استعظام الطاعة واستكثارها، والمنة على الله بها. 9- المباهاة بالعلم، والتفاخر به، وجعله وسيلة للمماراة والجدل. 10- التباهي بالأحساب والأنساب، واحتقار الناس من أجل ذلك. 11- التفاخر بحسن الخلقة وجمال المنظر. 12- تعمد التقليل من شأن أهل الفضل من العلماء، والمشايخ، والأتقياء. 13- التكبر عن الاستماع لأهل العلم. 14- الإصرار على الأخطاء، وتعمد مخالفة الناس. 15- الاتكال على ما قد عمل ظنًا منه أنه قد وصل إلى مرحلة الكمال. 16- التصدر في المجالس وإن لم يكن أهلًا لذلك، لظنه أنه الأجدر بالصدارة. |
#5
|
||||
|
||||
![]() الوسائل المعينة على ترك العُجْب
يصف ابن حزم علاج العُجْب، ويجعل له علاجًا عامًّا يتداوى به كلُّ من أصيب بهذا الداء العضال، والآفة القاتلة، وهذا العلاج يكمن في التفكر في عيوب النفس، والنظر إلى نقصها وضعفها فيقول: (من امتحن بالعُجْب فليفكِّر في عيوبه، فإن أعجب بفضائله، فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنَّه لا عيب فيه، فليعلم أنَّه مصيبة للأبد، وأنَّه أتمُّ الناس نقصًا، وأعظمهم عيوبًا، وأضعفهم تمييزًا... فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة... ثم تقول للمعجب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميَّزت عيوبها فقد داويت عجبك، ولا تميل بين نفسك وبين من هو أكثر منها عيوبًا فتستسهل الرذائل، وتكون مقلدًا لأهل الشرِّ) . ثم يتكلم ابن حزم عن علاج لبعض الحالات الخاصة من حالات العُجْب ننقلها هنا بتصرف يسير: - علاج من أعجب بعقله: (فإن أعجبت بعقلك، ففكر في كلِّ فكرة سوء تمرُّ بخاطرك، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك، فإنَّك تعلم نقص عقلك حينئذ. - علاج من أعجب برأيه: وإن أعجبت بآرائك، فتفكَّر في سقطاتك، واحفظها ولا تنسها، وفي كلِّ رأي قدرته صوابًا، فخرج بخلاف تقديرك، وأصاب غيرك وأخطأت أنت، فإنَّك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك صوابه، فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك. وهكذا كلُّ أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم. - علاج من أعجب بما يقدمه من الخير: وإن أعجبت بخيرك، فتفكَّر في معاصيك، وتقصيرك، وفي معايبك ووجوهها، فوالله لتجدنَّ من ذلك ما يغلب على خيرك، ويعفي على حسناتك، فليطل همك حينئذ من ذلك، وأبدل من العُجْب تنقيصًا لنفسك. - علاج من أعجب بعلمه: وإن أعجبت بعلمك، فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، وأنه موهبة من الله مجردة، وهبك إياها ربك تعالى، فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت... واعلم أنَّ كثيرًا من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة، والإكباب على الدرس والطلب، ثم لا يرزقون منه حظًّا، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه، فصحَّ أنه موهبة من الله تعالى، فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع، وشكر لله تعالى، واستزادة من نعمه، واستعاذة من سلبها. ثم تفكر أيضًا، في أنَّ ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم الذي تختص به، والذي أعجبت بنفاذك فيه، أكثر مما تعلم من ذلك، فاجعل مكان العُجْب استنقاصًا لنفسك واستقصارًا لها، فهو أولى، وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيرًا، فلتهن نفسك عندك حينئذ. وتفكر في إخلالك بعلمك، فإنك لا تعمل بما علمت منه، فعلمك عليك حجة حينئذ، لقد كان أسلم لك لو لم تكن عالـمًا، واعلم أنَّ الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالًا وأعذر، فليسقط عجبك بالكلية. ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه، من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها، كالشعر، وما جرى مجراه، فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة، فتهون نفسك عليك. - علاج من أعجب بشجاعته: وإن أعجبت بشجاعتك، فتفكر فيمن هو أشجع منك، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيما صرفتها، فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق، لأنك بذلت نفسك فيما ليس بثمن لها، وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدتها بعجبك، ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخ، وإنك إن عشت فستصير في عداد العيال وكالصبي ضعفًا... - علاج من أعجب بجاهه: وإن أعجبت بجاهك في دنياك، فتفكر في مخالفيك، وأندادك، ونظائرك، ولعلهم أخساء، وضعاء، سقاط، فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه، ولعلهم ممن يستحيي من التشبه بهم، لفرط رذالتهم، وخساستهم في أنفسهم، وفي أخلاقهم، ومنابتهم، فاستهن بكل منزلة شارك فيها من ذكرت لك. إن كنت مالك الأرض كلها ولا خليفة عليك - وهذا بعيد جدًّا في الإمكان- فما نعلم أحدًا ملك معمور الأرض كلها على قلته وضيق مساحته بالإضافة إلى غامرها، فكيف إذا أضيف إلى الفلك المحيط... وإن كنت ملك المسلمين كلهم، فاعلم أنَّ ملك السودان وهو رجل أسود مكشوف العورة جاهل، يملك أوسع من ملكك، فإن قلت أخذته بحقٍّ، فلعمري ما أخذته بحقٍّ إذ استعملت فيه رذيلة العُجْب، وإذا لم تعدل فيه فاستحي من حالك، فهي حالة لا حالة يجب العُجْب فيها. - علاج من أعجب بماله: وإن أعجبت بمالك، فهذه أسوأ مراتب العُجْب، فانظر في كلِّ ساقط خسيس فهو أغنى منك، فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت، واعلم أنَّ عجبك بالمال حمق؛ لأنَّه أحجار لا تنتفع بها إلا بأن تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط، والمال أيضًا غاد ورائح، وربما زال عنك، ورأيته بعينه في يد غيرك، ولعل ذلك يكون في يد عدوك، فالعُجْب بمثل هذا سخف، والثقة به غرور وضعف. - علاج من أعجب بجماله وحسن منظره: وإن أعجبت بحسنك، ففكر فيما عليك مما نستحيي نحن من إثباته، وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السنِّ. - علاج من أعجب بمدح الناس له: وإن أعجبت بمدح إخوانك لك، ففكر في ذمِّ أعدائك إياك، فحينئذ ينجلي عنك العُجْب، فإن لم يكن لك عدو فلا خير فيكن ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له، فليست إلا منزلة من ليس الله تعالى عنده نعمة يحسد عليها، عافانا الله. فإن استحقرت عيوبك، ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس، وتمثل اطلاعهم عليها، فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مسكة من تمييز... - علاج من أعجب بنسبه: وإن أعجبت بنسبك، فهذه أسوأ من كلِّ ما ذكرنا؛ لأنَّ هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلًا في دنيا ولا آخرة. وانظر هل يدفع عنك جوعة، أو يستر لك عورة، أو ينفعك في آخرتك. ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك، وربما فيما هو أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام، ثم ولادة الخلفاء، ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء، ثم ولادة ملوك العجم، من الأكاسرة والقياصرة، ثم ولادة التبابعة وسائر ملوك الإسلام، فتأمل غبراتهم وبقاياهم، ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك، تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة، وتلقهم في غاية السقوط والرذالة، والتبذل والتحلي بالصفات المذمومة، فلا تغتبط بمنزلة هم نظراؤك أو فوقك. - علاج من أعجب بفضل آبائه: فإن أعجبت بولادة الفضلاء إياك، فما أخلى يدك من فضلهم إن لم تكن أنت فاضلًا، وما أقلَّ غناءهم عنك في الدنيا والآخرة، إن لم تكن محسنًا، والناس كلُّهم ولد آدم الذي خلقه الله تعالى بيده، وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته، ولكن ما أقلَّ نفعه لهم، وفيهم كلُّ عيب، وكلُّ فاسق، وكلُّ كافر. وإذا فكر العاقل في أنَّ فضائل آبائه لا تقربه من ربه تعالى، ولا تكسبه وجاهة، لم يحزها هو بسعده، أو بفضله في نفسه، ولا ماله، فأي معنى للإعجاب بما لا منفعة فيه... - علاج من طلب المدح عجبًا بنفسه: فإن تعدى بك العُجْب إلى الامتداح، فقد تضاعف سقوطك؛ لأنَّه قد عجز عقلك عن مفارقة ما فيك من العُجْب، هذا إن امتدحت بحق، فكيف إن امتدحت بكذب! وقد كان ابن نوح وأبو إبراهيم وأبو لهب، عم النبي صلى الله عليه وعلى نوح وإبراهيم وسلم، أقرب الناس من أفضل خلق الله تعالى من ولد آدم وممن الشرف كله في اتباعهم، فما انتفعوا بذلك. - علاج من أعجب بقوة جسمه أو خفته: وإن أعجبت بقوة جسمك، فتفكر في أنَّ البغل، والحمار، والثور، أقوى منك وأحمل للأثقال، وإن أعجبت بخفتك، فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب. فمن أعجب العجيب إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق...)) . |
#6
|
||||
|
||||
![]() العُجْب عند الحكماء والأدباء
- قال ابن المقفع: (العُجْب آفةُ العقل، واللجاجةُ قُعودُ الهوى، والبُخل لقاحُ الحرصِ، والمراءُ فسادُ اللسانِ، والحميةُ سببُ الجهلِ، والأنفُ توأمُ السفهِ، والمنافسة أختُ العداوةِ) . - وقال أيضًا: (واعلم أن خفضَ الصوتِ، وسكون الريحِ، ومشي القصدِ، من دواعي المودةِ، إذا لم يخالط ذلك بأْو ولا عجبٌ. أما العُجْب فهو من دواعي المقتِ والشنآن) . - وقال فيلسوف: (العُجْب فضيلة، يراها صاحبها في غيره، فيدعيها لنفسه) . - وقيل لبزرجمهر: (ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها، قال: التواضع، قيل له: فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه، قال: العُجْب) . - وقال أبو عمرو بن العلاء: (الأخلاق المانعة للسؤدد، الكذب، والكبر، والسخف، والتعرض للعيب، وفرط العُجْب) . - تكلم ربيعة الرأي يوما بكلام في العلم فأكثر، فكأن العجب داخله، فالتفت إلى أعرابي إلى جنبه، فقال: ما تعدون البلاغة يا أعرابي؟ قال: قلة الكلام، وإيجاز الصواب؛ قال: فما تعدون العي؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم. فكأنما ألقمه حجرًا . - وكان يقال: (المعجب لحوح، والعاقل منه في مؤونة، وأما العجب فإنه الجهل والكبر) . - وقيل: (ما أسلب العُجْب للمحاسن!) . - وقيل: (العُجْب أكذب، ومعرفة الرجل نفسه أصوب) . - وقيل: (ثمرة العُجْب المقت) . - وقيل: (سوء العادة كمين لا يؤمن. وأحسن من العُجْب بالقول ألا تقول. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخونة) . - وسئل أنيس بن جندل: (ما أجلب الأشياء للمقت؟ فقال: العُجْب والخرق) . - وقيل: (إعجاب المرء بنفسه، دليل على ضعف عقله) . - وقالوا: (من أعجب برأيه ضلَّ، ومن استغنى بعقله زلَّ، ومن تكبر على الناس ذلَّ، ومن خالط الأنذال حقِّر، ومن جالس العلماء وقِّر) . |
#7
|
||||
|
||||
![]() ذم العُجْب في واحة الشعر قال أحد الشعراء: يا مظهرَ الكبرِ إعجابًا بصورتِه *** انظرْ خلاك فإنَّ النتنَ تثريبُ لو فكَّرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ *** ما استشعرَ الكبرَ شبانٌ ولا شيبُ هل في ابنِ آدمَ مثلُ الرأسِ مكرُمةً *** وهو بخمسٍ من الأقذارِ مضروبُ أنفٌ يسيلُ وأذنٌ ريحُها سهكٌ *** والعينُ مُرمصةٌ والثغرُ ملعوبُ يا ابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غدًا *** أقصرْ فإنَّك مأكولٌ ومشروبُ وقال آخر: يا من غلا في العُجْب والتيهِ *** وغــرَّه طـولُ تـمـادِيــه أمـلَى لـك اللـهُ فـبـارزتـَه *** ولم تخفْ غبَّ معاصِيه وقال منصور الفقيه: تتيهُ وجسمُك مِن نطفةٍ *** وأنت وعاءٌ لما تعلمُ
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|