اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-10-2013, 07:50 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ولهذا أكثر السلف من الصحابة التابعين رأوا قراءة الترتيل، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه جاءه أبو جمرة واسمه نصر بن عمران البصري(30) وقال: إني رجل سريع القراءة وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: "لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي -وفي رواية أحب إلي- من أن أفعل ذلك الذي تفعله، فإن كنت فاعلاً ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك ويعيها قلبيك(31)". وهذا عندابن أبي شيبة.
وقال إبراهيم(32): قرأ علقمة على ابن مسعود -وكان حسن الصوت- فقال: "رتل فداك أبي وأمي فإنه زَيْنُ القرآن"(33)، واستدلوا أيضًا بحديث عبد الله بن مسعود بقوله هذا المتقدم، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى(34): دَخَلَتْ عليَّ امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت: يا أبا عبد الرحمن هكذا تقرأ سورة هود! والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءته(35)!فهذه الآثار تدلك على أن قراءة الترتيل هي الأولى حينئذ، وأن ما ذهب إليه ابن مسعود وعبد الله بن عباس وآخرون من السلف في الأخذ بالترتيل هو الأولى؛ لأنه يكون مصحوبًا بالتدبر والفهم والفقه ومعرفة المعنى لهذه الآيات، هذا ما يتعلق بمراتب التلاوة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد أوصى عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يختم القرآن في سبع ليال، والصحابة كانوا يهتمون بالعمل، فكانوا يتعلمون الخمس آيات والعشر الآيات في مجلس واحد فلا يتجاوزون هذه الآيات إلا وقد حفظوها وفهموا معناها وما فيها من الأحكام.
وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه مكث في سورة البقرة ست أو سبع أو ثمان سنين يتعلم هذه السورة(36)، لم يعجزه حفظها وإنما كان يتعلمها ويتعلم ما فيها من المعاني والدلالات والأحكام؛ لأن هذه السورة مليئة بالأحكام الفقهية والقصص والعبر والمواعظ والناسخ والمنسوخ، فكانت همهم الصحابة -رضوان الله عليهم- العمل والحرص على تطبيق هذا القرآن، ونحن الآن في هذا الزمن لا نشكو من قلة الحفظة، فالحفاظ كثيرون ويحفظون القرآن، لكن أين العمل؟
ولهذا كانت الوصية التي أوصى بها عبد الله بن مسعود أن تتحرك به القلوب، وأن تقف عند عجائبه(37)، ولا يكون هم الواحد هو نهاية هذه السورة فيحرص الإنسان في تلاوته على التدبر والعمل؛ لأن هذا أمر الله، وقراءة القرآن عبادة، والعبادة لا بد أن تكون بفهم وعلم، وإلا كيف يؤديها الإنسان لا يسوغ لإنسان أن يصلي وهو لا يعلم أحكام الصلاة، ولا يعرف ماذا يقول في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده!
فلا بد أن يتعلم هذه الأحكام، فكذلك يتعلم الإنسان هذه المعاني ويقف عندها ويأتمر بأوامرها وينتهي عند نواهيها، ويقف عند حدود الله، ولو أن أهل القرآن قاموا بهذه الصفة كما كان عليها الصحابة -رضوان الله عليهم- لتحقق لهم الخير في حياتهم، ولحفظهم الله -تعالى- من هذه الفتن والمصائب، والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يتسابقون إلى حفظ القرآن، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحث أصحابه ويرغبهم في حفظ القرآن وقراءته والعمل به.
وكان -عليه الصلاة والسلام- يشجعهم ويحفزهم ويذكر محاسنهم في التلاوة؛ كما حصل ذلك مع أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، إذ كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يمر في بعض طرق المدينة فسمع قراءة أبي موسى الأشعري، فوقف واستمع إليها وأعجبته هذه التلاوة فأخبره من الغد قال: « إِنِّي الْبَارِحَةَ اسْتَمَعْتُ إِلَى تَلاَوَتِكَ»، ففرح عبد الله بن قيس بهذا الخبر فهو شهادة عظيمة من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاودَ»(38)، فقال عبد الله: لو أني علمت بذلك لحبرتها لك تحبيرً(39)، أي: أضفت عليها أشياء كثيرة من التحسين الصوت وتزيينه، فكان -عليه الصلاة والسلام- يشجعهم.
ويستفيد من هذا أيضًا أن قارئ القرآن إذا كان تاليًا محسنًا للتلاوة حسن الصوت لا يمنع الإنسان أن يذكر له هذا الشيء ويقول: جزاك الله خيرًا على هذا الصوت الجميل الحسن المتقن الجيد، وليس هذا من الإطراء، وإنما هو من التشجيع كما كان يفعل -عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضًا لأبيٍّ(40): «أَقْرَأُكُمْ أُبَيٌّ(41)»، وقال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ القُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا فَلْيَأْخُذْهُ عَنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ»(42)، وهو عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لذلك كان للصحابة نشاط دائم وكانوا إذا جلسوا في بيوتهم أو في المسجد كأنما تسمع دويًّا كدوي النحل، كما وصفه بعض أهل العلم منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى في صفة الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- في الإقبال على القرآن الكريم، ولم يحرصوا على أن يستكملوا، وإنما على أن يعوه وأن يفهموه، وأن يتقنوا هذا القرآن العظيم.
إذن هناك زيادة على القدر المحدد؛ كأن يختم الإنسان في أقل من ثلاث ليال أو سبع، كما حصل لعثمان وغيره، والتلاوة في أقل من سبعة أو ثلاث ليال ليست محرمة، وإنما يقال: هذا خلاف الأولى، فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، كما ذكر ذلك النووي -رحمه الله تعالى- ونقله عنه ابن حجر(43) قال النووي(44): "والاختيار في ذلك -يعني في قراءة القرآن- أن ذلك يختلف بالأشخاص؛ فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذلك مَن كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرأه هذرمة؛ فالحكم حينئذ يدور مع النفع".
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-10-2013, 07:55 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فربما تجد إنسانًا لا يختم في شهر أو شهرين؛ لأنه مرتبط بمصالح متعدية النفع للمسلمين، فالناس ليسوا على درجة سواء، فمن كان مرتبطًا بأعمال متعدية النفع لإخوانه المسلمين فهذا يقرأ على قدر استطاعته، ولا يكلف نفسه أكثر من ذلك؛ لأنه لو جلس يقرأ هذه المدة لتعطلت تلك المنافع؛ كالعطف على الفقراء والمساكين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمرابطة والحراسة، فليس هذا حكمًا عامًّا على كل الناس، فهذا الحكم يدور مع النفع المتعدي، فمن كان نفعه متعديًا إلى الآخرين أكثر من نفع القراءة فيبقى على ذلك النفع ولا يترك القراءة، وإذا كان نفعه في القراءة أكثر فيبقى على القراءة حينئذ؛ كأن يكون هذا الإنسان متبحر في القراءة، ويعرف الصفات والمخارج، فإذا قرأ وسجلت هذه القراءة واستمع إليها أناس آخرون استفادوا منها، فهذا يبقى على حاله ويفرغ وقته لهذا الشيء حتى ينفع الله -تعالى- بهذه القراءة التي يتلوها، وكذلك مَن كان في المسجد أيضًا يدرس في الحلقات هذا في حقه أنه يبقى ليفيد الآخرين، فهو متوقف على النفع.
ولهذا رأى الإمام أحمد -رضي الله عنه- أنه لا يزيد على ثلاثة أيام إن كان جادًّا مجتهدًا، فلا يختم في ليلة ولا في ليلتين، بل يختم في ثلاث ليال، وقال بعض الظاهرية: يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاثة؛ ووقفوا على ظاهر النص، لكن اختيار الإمام أحمد ومَن معه من أهل العلم أنه يقرأ ليالي الصيف أقصر من ليالي الشتاء، وساعاتها طويلة، ويستطيع أن يختم ويقرأ، ولكن أقل الأحوال أن يحرص الإنسان على أن يختم في شهر رمضان، فشهر رمضان هو شهر القرآن، فيحرص على ذلك غاية الحرص؛ لأن السلف -رضوان الله عليهم- كانوا يتركون الدروس والعلوم الأخرى، وينصرفون إلى القرآن الكريم، هذا ما يتعلق بهذا الأثر عن ابن مسعود، وهو مخرج في الصحيحين(45)، وقد رواه أبو داود وأحمد(46).


(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8733).
(2) المزمل: 4.
(3) الفرقان: 32.
(4) الإسراء: 106.
(5) القيامة: 16-18.
(6) النمل: 6.
(7) طه: 114.
(8) الفرقان: 32.
(9) المزمل: 4.
(10) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما (733).
(11) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام،أبو حمزة الانصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتا، وروى عنه علما جما، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة. دعا له النبي بالبركة، فرأى من ولَده وولَدِ ولَدِه نحوا من مئة نفْس. مات سنة إحدى وتسعين. انظر: الاستيعاب (ص: 53 ترجمة 43)، والإصابة (1/ 126 ترجمة 277).
(12) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب مد القراءة (5045، 5046).
(13) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (26583)، وأبو داود، كتاب الحروف والقراءات باب استحباب الترتيل في القراءة (1466)، والترمذي: كتاب القراءات عن رسول الله، باب في فاتحة الكتاب (2927)، قال الترمذي: حسن صحيح، والنسائي كتاب الافتتاح، باب تزيين القرآن بالصوت (1022، 1629)، قال الألباني في صحيح الترمذي: صحيح.
(14) صحيح: أخرجه الترمذي كتاب فضائل القرآن عن رسول الله، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر (2910) وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الألباني في صحيح أبو داوود: صحيح.
(15) أخرجه القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (236)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3710، 3720، 8680).
(16) تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة، أبو رقية الداري، اللخمي، الفلسطيني. صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم. والدار بطن من لخم، ولخم: فخذ من يعرب بن قحطان. كان نصرانيا، ووفدتميم الداري سنة تسع، فأسلم، فحدث عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال. كان عابدا تلاَّءً لكتاب الله. يقال: وُجد على بلاطة قبر تميم الداري: مات سنة أربعين. انظر: الاستيعاب (ص: 97 ترجمة 238)، وأسد الغابة (1/ 428 ترجمة 515).

(17) أخرجه القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (238)، ابن أبي شيبة في المصنف (3711).
(18) سعيد بن جبير بن هشام، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الأسدي الوالبي، مولاهم الكوفي، أحد الأعلام. روى عن ابن عباس فأكثر وجود. وكان من كبار العلماء. قرأ القرآن علىابن عباس. قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وطائفة. قالابن حجر في التقريب: ثقة ثبت فقيه. مات سنة خمس وتسعين. انظر: تهذيب الكمال (10/ 358 ترجمة 2245)، وسير أعلام النبلاء (4/ 321 ترجمة 116).
(19) أخرجه القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (239)، ابن أبي شيبة في المصنف (8679).
(20) علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان، أبو شبل النخعي الكوفي. فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، لازم ابن مسعود حتى ترأس في العلم والعمل. مات بعد سنة ستين. قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت فقيه عابد. انظر: تهذيب الكمال (20/300 ترجمة 4017)، والسير (4/53 ترجمة 14).

(21) أخرجه القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (240)، ابن أبي شيبة في المصنف (8681، 8682).
(22) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب في كم يقرأ القرآن باب في كم يقرأ القرآن وقول الله -تعالى: ﴿ فاقرءوا ما تيسر منه﴾(5052، 5054). مسلم: كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به (1159).
(23) الإمام العلم مقرئ مكة، وأحد القراء السبعة. عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان بن هرمز، أبو معبد الكناني، وقيل: أبو عباد، وقيل: أبو بكر الداري المكي الفارسي الأصل. قال ابن حجر في التقريب: صدوق. مات سنة عشرين ومئة، انظر: تهذيب الكمال (15/468 ترجمة 3499)، وسير أعلام النبلاء (5 / 318 ترجمة 155).

(24) الإمام، شيخ القراءة والعربية،أبو الحسن علي بن حمزة، بن عبد الله، بن بهمن، بن فيروز الأسدي، مولاهم الكوفي، الملقب بالكسائي لكساء أحرم فيه. واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع وجالس في النحو الخليل، وسافر في بادية الحجاز مدة للعربية. قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي. قالابن الانباري: اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن. كان ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين. مات بالري بقرية أرنبوية سنة تسع وثمانين ومئة عن سبعين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (9/ 131 ترجمة 44)، ومعرفة القراء الكبار (1/ 120 ترجمة 45).
(25) أبو عمرو ابن العلاء بن عمار، بن العريان التميمي، ثم المازني البصري شيخ القراء، والعربية. وأمه من بني حنيفة. اختلف في اسمه على أقوال؛ أشهرها: زبان، وقيل: العريان. مولده في نحو سنة سبعين. قرأ القرآن علىسعيد بن جبير. ومجاهد، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، وابن كثير، وطائفة. واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم. وكان أعلم الناس بالقراءات والعربية، والشعر، وأيام العرب. قال ابن حجر في التقريب: ثقة من علماء العربية. توفي سنة أربع وخمسين ومئة. انظر: تهذيب الكمال (34/ 120 ترجمة 7533)، وسير أعلام النبلاء (6/ 407 ترجمة 167).
(26) الماعون: 4.
(27) الماعون: 4-5.
(28) الرحمن: 26.
(29) الرحمن: 27.
(30) أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي البصري، أحد الأئمة الثقات. حدث عن: ابن عباس،وابن عمر، وزهدم الجرمي، وعائذ بن عمرو المزني، وطائفة. حدث عنه أيوب السختياني، ومعمر، وشعبة، والحمادان، وإبراهيم بن طهمان، وعباد بن عباد المهلبي، وآخرون. استصحبه معه الأمير يزيد بن المهلب إلى خراسان، فأقام بها مدة، ثم رجع إلى البصرة. مات سنة ثمان وعشرين ومئة. قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت. انظر: تهذيب الكمال (29/ 362 ترجمة 6408)، وسير أعلام النبلاء (5/243 ترجمة 105).
(31) لم أقف عليه عند ابن أبي شيبة، والأثر أخرجه القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (180).
(32)إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن النخع، أبو عمران النخعي. الإمام، الحافظ، فقيه العراق. وهو ابن مليكة أختالأسود بن يزيد. وقد دخل على أم المؤمنين عائشة وهو صبي. قال ابن حجر في التقريب: ثقة إلا أنه يرسل كثيرا. مات سنة ست وتسعين ومئة، وله سبع وخمسون سنة. انظر: تهذيب الكمال (2/ 233 ترجمة 265)، وسير أعلام النبلاء (4/ 520 ترجمة 213).
(33) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8816، 30778)، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (259).
(34) عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عيسى الأنصاري، الكوفي، الإمام، العلامة، الفقيه. ويقال: أبو محمد، من أبناء الأنصار. ولد في: خلافة الصديق، أو قبل ذلك. وقيل: بل ولد في وسط خلافة عمر، ورآه يتوضأ، ويمسح على الخفين. وقيل: إنه قرأ القرآن على علي. قال ابن حجر في التقريب: ثقة، اختلف في سماعه من عمر. قُتل بوقعة الجماجم سنة اثنتين وثمانين. انظر: تهذيب الكمال (17/ 372 ترجمة 3943)، وسير أعلام النبلاء (4/ 262 ترجمة 96).
(35) أخرجه البيهقي في "الشعب" (1887).
(36) أخرجه مالك في "الموطأ" (479).
(37) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8825)، والبيهقي في الشعب (1883).
(38) متفق عليه: أخرجه البخاري، كتاب في فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة بالقرآن (5048). مسلم في كتاب صلاة المسافربن وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن (793) واللفظ له.
(39) صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه (7197)، الحاكم في المستدرك (3/529)، من حديثأبي موسى، انظر السلسلة الصحيحة (3532).
(40) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار. سيد القراء، أبو منذر الأنصاري النجاري المدني المقرئ البدري، ويكنى أيضا أبا الطفيل. شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعرض على النبي -عليه السلام-، وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل -رضي الله عنه. قال له النبي -صلى الله عليه وسلم: « ليهنك العلم أبا المنذر». مات سنة اثنتين وثلاثين. انظر: الاستيعاب (ص: 42 ترجمة 2)، وأسد الغابة (1/ 168 ترجمة 34).
(41) الحديث أخرجه البخاري كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي (5005) بمعناه عنعمر بن الخطاب.
(42) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (35، 4255، 4340)، ابن ماجه الكتاب المقدمة، باب فضل عبد الله بن مسعود (138)، قال الألباني في صحيح ابن ماجه: صحيح، من حديث ابن مسعود، وفي الباب عنعمر بن الخطاب، عمرو بن الحارث وغيرهما.
(43) أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر، شهاب الدين أبو الفضل الكناني العسقلاني الشافعي. قاضي القضاة، حافظ زمانه. نشأ يتيما، وأكمل حفظ القرآن في التاسعة من عمر، وصلى التراويح بالناس في الحرم المكي وله اثنا عشر عاما. رحل حبا في العلم وتطلبا للشيوخ. من أبرز شيوخه: ابن الملقن، والسراج البلقيني، وأبو الحسن الهيثمي. من أبرز تلاميذه: السخاوي، ابن قاضي شهبة، ابن تغري بردي. له مؤلفات حسان؛ أهمها: "فتح الباري"، و"لسان الميزان"، و"الدرر الكامنة". ولد سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، وتوفي سنة ثنتين وخمسين وثمان مئة. انظر: الضوء اللامع (2/ 36 ترجمة 104)، وحسن المحاضرة (1/ 363 ترجمة 102)، وله ترجمة موعبة في الجواهر والدرر لتلميذه السخاوي.
(44) يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن ين حسين، أبو زكريا الحزامي النووي الشافعي الدمشقي، الحافظ الزاهد، أحد أعلام الشافعية. ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة. صرف أوقاته في العلم والعمل به، وتبحر في الحديث والفقه واللغة. كان في لحيته شعرات بيض، وكان عليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء. له مؤلفات جياد أثنى عليها الموافق والمخالف؛ منها: "المجموع"، و"روضة الطالبين". توفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وست مئة. انظر: "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين" لابن العطار.
(45) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن (4996، 5043)، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الإفراط في السرعة وإباحة ... (822).
(46) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (3958، 3968، 4062)، أبو داود: كتاب الصلاة، تحزيب القرآن (1396)، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح دون سرد السور.
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 07-10-2013 الساعة 08:01 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-10-2013, 11:13 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تابع الآثار المروية في أخلاق حملة القرآن
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ النَّاجِيِّ(1) أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ(2) يَقُولُ: (الْزَمُوا كِتَابَ اللهِ وَتَتَبَّعُوا مَا فِيهِ مِنَ الأَمْثَالِ، وَكُونُوا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدًا عَرَضَ نَفْسَهُ وَعَمَلَهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فِإِنْ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ حَمِدَ اللهَ وَسَأَلَهُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ خَالَفَ كِتَابَ اللهَ أَعْتَبَ نَفْسَهُ فَيَرْجِعُ مِنْ قَرِيبٍ)، وَعَنْ أَبِي كِنَانَةَ(3) أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ(4) قَالَ: (الَّذِينَ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِمِئَةٍ، فَعَظَّمَ الْقُرْآنَ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ زُخْرًا وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْرًا فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ وَلاَ يَتَّبِعْكُمْ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ هَبَطَ بِهِ عَلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ الْقُرْآنَ زَجَّ فِي قَفَاهُ فَقُذِفَ فِي النَّارِ)(5).
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا هُوَ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى الْقُرْآنِ)(6)، وَعَنْ عَطَاءٍ(7) وَقَيسِ بْنِ سَعْدٍ(8) (عَنْ مُجَاهِدٍ(9) فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ(10)، قَالَ: يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ)(11)، وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: (إِنَّمَا الْقُرْآنُ عِبَرٌ، إِنَّمَا الْقُرْآنُ عِبَرٌ) (12). قال محمد بن الحسين(13): وَقَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ أَخْلاَقَ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتَأَدَّبُوا بِهِ أَذْكُرُ فَضْلَ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ؛ لِيَرْغَبُوا فِي تِلاَوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالتَّوَاضُعِ لِمَنْ تَعَلَّمُوا مِنْهُ أَوْ عَلَّمُوهُ).



وبعده وصية الحسن البصري(14)، فقد أوصى الحسن البصري قُرَّاء القرآن بأن يلزموا كتاب الله، وأن يداوموا عليه، وأن يتبعوا ما فيه من الأمثال(15).
والقرآن قد ضرب الله فيه الأمثال، قال الله -تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(16). وقال: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ(17). فالقرآن مليء بالعبر والأمثال لما جرى للأمم السابقة جماعات وأفراد، فالأفراد مثل قوله -تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(18). وعن الأقوام قال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾(19). والأمثال لا يعقلها إلا مَن تدبر وتفكر، كما قال -تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ(20). وقال -تعالى: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21).
فضرب الأمثال ليس للتسلية، ولا للقصص التاريخية، وإنما هو للاعتبار، وأخذ العبرة والاتعاظ، يعني: كل ما في هذا القرآن عبر، قال -تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى(22). وهذه وصية جليلة، فالذي يعرض حاله ونفسه على القرآن الكريم، يستطيع أن يعرف ما لها وما عليها في الطاعة وفي المعصية، فاعرض نفسك على القرآن دائمًا، وأيّ عمل تُقْدِم عليه اعرضه على القرآن، فإن كان موافقًا لما في القرآن فأقدم عليه، وإن كان مخالفًا فأعرض عنه؛ ولهذا فإن الذي يُعْرِض عن القرآن في أقواله وأفعاله قد ارتكب الهوى، قال –تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ(23). وقال -تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ولاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(24). فأمر الله -تعالى- نبيه، وأمر أمته بأن يسيروا على هذه الشريعة، وهذه الشريعة في القرآن وفي السنة.
فهذا وصايا الثلاث -رحمهم الله، فيقول: إن وافق كتاب الله، حمد الله، وسأله الزيادة، وإن خالف ذلك أعتب نفسه، أي: عاتبها على هذا الفعل، ولو أن الناس فعلوا ذلك لما رأيت هذا التعدي على حدود الله، وهذا الفساد، وهذا الظلم، وغيره من المحرمات التي يقعون فيها.
وفي الأثر عن أبي موسى الأشعري(25) أنه جمع قُرَّاء القرآن، وهذا الجمع قريب من الثلاثمئة، ويحتمل أن يكونوا من التابعين ومن الصحابة، جمعهم أبو موسى -رضي الله عنه- فوعظهم، وعظم القرآن في قلوبهم، وبيَّن لهم أن الله -تعالى- أنزل هذا القرآن؛ ليكون لكم نورًا وهداية، فعظموه في قلوبكم، فمَن عظَّم القرآن فقد عظم الذي أنزل القرآن، وهو الله -جل وعلا، وعظَّم مَن أُنْزِل عليه القرآن، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام(26).
والذي يتبع القرآن ويعمل به، فإن القرآن وفِيٌّ لأهله في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، لأن القرآن يتبعه إلى يوم القيامة إلى أن يدخل الجنة، كما تقدم في سورتي: البقرة وآل عمران، وهما الزهراوان، وأنهما تأتيان يوم القيامة كالغيايتين أو كالغمامتين تحاجان عن صاحبهما حتى يدخل الجنة(27).
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-10-2013, 11:15 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فالقرآن يتبعه، وينير له الطريق في الدنيا وفي الآخرة، حتى يدخل مآله وهو الجنة، كذلك الذي لا يتبع القرآن، فالقرآن يتبعه بالعذاب، ويدفعه دفعًا إلى النار -والعياذ بالله؛ ولهذا قال -تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فلاَ يَضِلُّ ولاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(28).
هذه وصايا الصحابة ووصايا السلف -رضوان الله عليهم، ثم بعد ذلك جاء ما أوصى به الحسن، وهو تابع لما قبله، ثم تفسير مجاهد(29) لقوله -تعالى: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾(30). قال: يعملون به حق عمله(31). فالمقصود العمل بالقرآن، وليس كثرة التلاوة، وإن كانت الكثرة فيها الأجر والثواب، لكن المقصود الأعظم هو العمل بالقرآن الكريم، وإنما القرآن عبر، أي: يعتبر به مَن قَرَأَه، ويَعرِف حال الأمم وحال العصاة من الكافرين مع أنبياء الله -تعالى- ورسله.
ولما ذكر الله -تعالى- قصة يوسف العجيبة مع إخوته وما جرى، ختمها الله -تعالى- كما بدأها، فقال في أولها: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ(32). وفي آخرها قال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ(33). فبدأها بذكر القصص وختمها بالقصص، وهذا من المناسبات اللطيفة في مناسبات أوائل السور وأواخرها، فسَمَّى الله -تعالى- هذه القصص عبرة لمن يعتبر بها، وقال -تعالى- في آية أخرى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ(34). أي: لما تقدم من سياق في هذه الآيات، لأولي الأبصار: هم أهل النظر الصحيح، وهم الذين يتأملون هذا القرآن، ويتأثرون به، ويعرفون ما جرى للأقوام السابقة، وما أعده الله -تعالى- لأوليائه من نعيم مقيم، وما أعده للمخالفين والعصاة من العذاب والجحيم..
س: يقول البعض -حفظك الباري: أيهما أولى بالإمامة: رجل يحسن القراءة من ناحية الأحكام وغيرها، أم مَن هو أحفظ، وإن كان لا يجيد القراءة بالأحكام، وجزاكم الله خيرًا؟
ج: الإمام إذا كان إمامًا ثابتًا في المسجد فهو أولى، وإن كان أقل في الحفظ، فإذا كان ثابتًا وإمامًا رسميًّا في المسجد فهو أولى بالإمامة من غيره، وإن كان خلفه مَن هو أقرأ منه، لكن إذا كان في غير المسجد، فكما قال -عليه الصلاة والسلام: « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِِكِتَابِ اللهِ»(35). فإذا كانوا في غير المسجد، يؤمهم الضابط المتقن لقراءة القرآن الكريم، وإن لم يكن حافظًا.

(1) بكر بن الأسود، ويقال: ابن أبي الأسود، أبو عبيدة الناجي، ضعفه ابن معين، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم. انظر: الجرح والتعديل (2/382 ترجمة 1489)، لسان الميزان (2/47 ترجمة 174).
(2) الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد البصري، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، ويقال: مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. كانت أمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين المخزومية، وكانت تبعث أم الحسن في الحاجة فيبكي وهو صبي فتسكته بثديها. ويقال: كان مولى جميل بن قطبة. قال ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس. مات سنة عشر ومئة، وهو ابن نحو من ثمان وثمانين سنة. انظر: تهذيب الكمال (6/ 95 ترجمة 1216)، وسير أعلام النبلاء (4/ 563 ترجمة 223).
(3) أبو كنانة القرشي. قال ابن حجر في التقريب: مجهول. انظر: تهذيب الكمال (34/227 ترجمة 7589)، الجرح والتعديل (9/430/2135).
(4) الصحابي الجليل عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر أبو موسى الأشعري. مشهور باسمه وكنيته معا وأمه ظبية بنت وهب بن عك أسلمت وماتت بالمدينة وكان هو سكن الرملة وحالف سعيد بن العاص ثم أسلم وهاجر إلى الحبشة. كان حسن الصوت بالقرآن. شهد فتوح الشام ووفاة أبي عبيدة واستعمله عمر على إمرة البصرة بعد أن عزل المغيرة وهو الذي افتتح الأهواز. مات سنة خمسين. انظر: الاستيعاب (ص: 851 ترجمة 3137)، والإصابة (4/ 211 ترجمة 4901).
(5) أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في "الحلية" (1/257) عن أبي كنانة به.
(6) أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (37) .
(7) عطاء بن أبي رباح، واسمه أسلم، الإمام شيخ الإسلام، مفتي الحرم، أبو محمد القرشي مولاهم المكي. يقال: ولاؤه لبني جمح. ثقة كثير الإرسال. نشأ بمكة، وولد في أثناء خلافة عثمان. قال ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال. توفي سنة أربع عشرة ومئة. انظر: تهذيب الكمال (20/ 69 ترجمة 3933)، وسير أعلام النبلاء (5/ 78 ترجمة 29).
(8) قيس بن سعد، أبو عبد الملك، ويقال: أبو عبد الله المكي الحبشي، مولى نافع بن علقمة، ويقال: مولى أم علقمة، مات سنة تسع عشرة ومئة، وكان قد خلف عطاء في مجلسه، وكان يفتي بقول عطاء. قال ابن حجر في التقريب: ثقة. انظر: تهذيب الكمال (24/47 ترجمة 4907)، وميزان الاعتدال (3/ 397 ترجمة 6915).
(9) مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي،الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، الإمام، شيخ القراء والمفسرين. روى عن: ابن عباس فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه. كان يقول: يقول: "عرضت القرآن ثلاث عرضات على ابن عباس، أقفه عند كل آية، أسأله: فيم نزلت؟ وكيف كانت؟". وكان من أعلم التابعين بالتفسير. قال ابن حجر في التقريب: ثقة إمام في التفسير. توفي سنة ثلاث ومئة وقد نيف على الثمانين. انظر: تهذيب الكمال (27/ 228 ترجمة 5783)، وسير أعلام النبلاء (4/ 449 ترجمة 175).
(10) البقرة: 121.
(11) أخرجه الطبري في تفسيره (1/566)، من طريق عطاءوقيس بن سعد عن مجاهد به.
(12) أخرجه سعيد بن منصور – كما في روح المعاني (23/209)- قال الألوسي: صحيح.
(13)محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر البغدادي الآجري. الإمام المحدث القدوة، شيخ الحرم الشريف، صاحب التصانيف الحسان؛ منها: "الشريعة"، و"الأربعين". توفي سنة ستين وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 133 ترجمة 92)، والوافي بالوفيات (2/ 267 ترجمة 847).
(14) الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد البصري، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، ويقال: مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. كانت أمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين المخزومية، وكانت تبعث أم الحسن في الحاجة فيبكي وهو صبي فتسكته بثديها. ويقال: كان مولى جميل بن قطبة. قال ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس. مات سنة عشر ومئة، وهو ابن نحو من ثمان وثمانين سنة. انظر: تهذيب الكمال (6/ 95 ترجمة 1216)، والسير (4/ 563 ترجمة 223).
(15) ذكره ابن الجوزي في التذكرة في الوعظ (ص80)
(16) الزمر: 27 - 28.
(17) الروم: 58.
(18) الأعراف: 175.
(19) الجمعة: 5.
(20) العنكبوت: 43.
(21) الحشر: 21.
(22) يوسف: 111.
(23) القصص: 50.
(24) الجاثية: 18.
(25) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر أبو موسى الأشعري. مشهور باسمه وكنيته معا وأمه ظبية بنت وهب بن عك أسلمت وماتت بالمدينة وكان هو سكن الرملة وحالف سعيد بن العاص ثم أسلم وهاجر إلى الحبشة. كان حسن الصوت بالقرآن. شهد فتوح الشام، ووفاة أبي عبيدة، واستعمله عمر على إمرة البصرة بعد أن عزل المغيرة، وهو الذي افتتح الأهواز. مات سنة خمسين. انظر: الاستيعاب (ص: 851 ترجمة 3137)، والإصابة (4/ 211 ترجمة 4901).
(26) أخرجهالفريابي في فضائل القرآن (19)، أبو نعيم في حلية الأولياء (1/257) بلفظه . وفي المصادر الأخرى بدون ذكر الجمع للقراء .
(27) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (804) من حديث أبي أمامة الباهلي.
(28) طه: 123 - 124.
(29) مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، الإمام، شيخ القراء والمفسرين. روى عن: ابن عباس فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه. كان يقول: يقول: "عرضت القرآن ثلاث عرضات علىابن عباس، أقفه عند كل آية، أسأله: فيم نزلت؟ وكيف كانت؟". وكان من أعلم التابعين بالتفسير. قال ابن حجر في التقريب: ثقة إمام في التفسير. توفي سنة ثلاث ومئة وقد نيف على الثمانين. انظر: تهذيب الكمال (27/ 228 ترجمة 5783)، وسير أعلام النبلاء (4/ 449 ترجمة 175).
(30) البقرة: 121.
(31) أخرجه مجاهد في تفسيره (1/87)، سعيد بن منصور في سننه (209).
(32) يوسف: 3.
(33) يوسف: 111.
(34) النور: 44.
(35) أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة (673) من حديث أبي مسعود.
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-10-2013, 11:19 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فضل حملة القرآن
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ(1) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « للهِ فِي النَّاسِ أَهْلُونَ». قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: « أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»(2). وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ للهِ أَهْلِينَ». قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: « أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ». وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اقْرَأْ وَارْقَ فِي الدَّرَجَاتِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ كُنْتَ تَقْرَأُهَا»(3). وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا»).
قال محمد بن الحسين: (وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ(4) أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَمَّنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ: مَا فَضْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْرَأْهُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ(5).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « تَعَلَّمُوا هَذَا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ عَلَى تِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لاَ أَقُولُ: "الم" حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَةِ اللهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللهِ، هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَنَجَاةُ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَعِصْمَةُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلاَ يَخْلَقُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ»(6).
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ بِهِ؛ إِنَّ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْهُ عَشْرًا، أَمَا إِنِّي لاَ أَقُولُ: بِـ (آلم) عَشْرٌ، وَلَكِنْ بِأَلِفٍ عَشْرٌ، وَبِاللاَّمِ عَشْرٌ، وَبِالْمِيمِ عَشْرٌ(7).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فَقَدْ حَمَلَ أَمْرًا عَظِيمًا، لَقَدْ أُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُوحَى إِلَيْهِ، فَلاَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَجِدَّ مَعَ مَنْ يَجِدُّ، وَلاَ يَجْهَلَ مَعَ مَنْ يَجْهَلُ؛ لأَنَّ الْقُرْآنَ فِي جَوْفِهِ(8).
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ(9) يَرْفَعُهُ، قَالَ: « مَنْ قَرَأَ رُبُعَ الْقُرْآنِ فَقَدْ أُوتِيَ رُبُعَ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَقَدْ أُوتِيَ ثُلُثَ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ قَرَأَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ فَقَدْ أُوتِيَ ثُلُثَيِ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدَ أُوتِي النُّبُوَّةَ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُوحَى إِلَيْهِ»(10)).

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي تتابعت علينا نعمه، وترادفت لدينا مننه، بواضح البيان، وبَيِّنِ البرهان، مَنَّ فأكرم، وأعطى فأجزل، وأنعم فتكرم، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته، وهو سريع الحساب.
والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمة للعالمين، ومنة للمؤمنين، ومحجة للسالكين، وحجة على المعاندين؛ ﴿ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ(11)، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القبر، وفتنة العمل.
هذا هو الباب الأول في هذا الكتاب، في فضل حملة القرآن، ذكر المؤلف عددًا من الأحاديث المخرجة في كتب السنن، في فضل حملة القرآن الكريم، ومنها حديث أنس(12)، وهو مخرج في مسند الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه، وفي هذا الحديث بيان فضل أهل القرآن الكريم، حينما قال -عليه الصلاة والسلام: « للهِ مِنَ النَّاسِ أَهْلُونَ». قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: « أَهْلُ الْقُرْآنِ، هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»(13).
فالأهل هنا بمعنى الأولياء، أي: أولياء الله -تعالى، الذين اصطفاهم مِن خلقه وعباده، هم أهل القرآن، كما قال -تعالى: ﴿ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(14). وقال -تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ(15). فالذين آمنوا وعملوا الصالحات هم أولياء الله، وأهلون هنا بمعنى: الأولياء، وعبر بالأهل هنا؛ لأنهم قريبون من الله -تعالى، فأهل الرجل هم أقرب الناس إليه، وأقرب الناس إلى الله -تعالى- هم أهل الطاعة والاستجابة لأمره -تعالى، وأعظم أمرٍ يقرب إلى الله -جل وعلا- هو قراءة القرآن الكريم، والمداومة على قراءته، آناء الليل وأطراف النهار، فالذي يقرأ القرآن، ويداوم عليه قريب من الله، وقريب من رحمته، وقريب من إحسانه، وقريب من ثوابه -جل وعلا- وقد قال الله -تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾(16).
وكل عمل صالح فإنه يقرب إلى الله -تعالى، فالإحسان يقرب إلى الله: ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ(17). والصلاة تقرب إلى الله: ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ(18). فكل عمل صالح جاءت به الشريعة في القرآن أو السنة، فإنه العمل الذي يقرب إلى الله -تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾(19).
وأنبياء الله -جل وعلا- هم أقرب الناس إلى ربهم، كما أخبر الله -تعالى- عن أنبيائه، وقال -تعالى- عن عيسى -عليه السلام: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(20). ففي هذه الآية قال الله -تعالى- عنه: وجيهًا في الدنيا، ووجيهًا في الآخرة، وأيضًا من المقربين، فالوجاهة عند الله -تعالى- بالعمل الصالح، وهي في الحياة الطيبة، كما أخبر الله -تعالى- في سورة النحل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾(21).
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-10-2013, 11:21 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فالحياة الطيبة في هذه الدنيا في السعادة، وفي طمأنينة النفس، وفي القناعة، وفي الزهد، وفي الآخرة بدخول الجنة، ورؤية الرب -جل وعلا، فهذا النبي عيسى -عليه السلام- وصفه الله -تعالى- بأنه وجيه في الدنيا، ووجيه في الآخرة، وأنه من المقربين، وهكذا أنبياء الله –تعالى؛ لأنهم المصطفون من عباده، فنَفْهَم من قوله -عليه الصلاة والسلام: « للهِ أَهْلُونَ». أو في الرواية الأخرى: « إِنَّ للهِ أَهْلِينَ». لما سُئِل -عليه الصلاة والسلام: مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: « أَهْلُ الْقُرْآنِ، هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ». وأكد ذلك بالخصوصية أيضًا بأنهم يظهرون كلام الله -جل وعلا- ويقرؤونه وينشرونه؛ إما بتلاوته، أو بالدعوة إليه، أو بالعمل بأحكامه، أو بالسير على منهاجه، فكل هذا العمل داخل في هذه القربة إلى الله -تعالى.
إذن نفهم من قوله: « إِنَّ للهِ مِنَ النَّاسِ أَهْلِينَ». أن أهل القرآن هم أولياء الله -تعالى، وهم أقرب الناس إلى ربهم وخاصته، اختصهم الله -تعالى- من بين سائر الناس؛ لأن الناس في هذه الحياة الدنيا يلهون ويسرحون ويمرحون وينخدعون بزخارفها ومتاعها وشهواتها، فمنهم العاصي من المؤمنين، ومنهم الكافر الذي كفر بربه، فهؤلاء بعيدون عن القرآن؛ فأهل الكفر بعيدون كلَّ البعد، وأهل المعاصي يتركون القرآن تارة ويبتعدون عنه تارة.
ولكن أهل الطاعة هم أهل الإيمان، وهم أهل القرآن، وهم أهل الخاصة، وهم خاصة الناس المقربون إلى الله -جل وعلا- في كل شؤونهم وأحوالهم، فلا تنفك حياتهم ولا أعمالهم عن القرآن، فكما يأكلون ويشربون وينامون ولا يتخلون عن هذه الأمور، فإنهم لا يتخلون عن القرآن؛ لأن مَن دَاوم على القرآن الكريم حصلت له طمأنينة النفس وسعادتها وفلاحها ونجاحها في هذه الدنيا، وحصل له الخير العظيم في الدنيا وفي الآخرة؛ لأنه يعمل بهذا القرآن ويتلوه.
والمؤمن عليه أن يخصص لنفسه دائمًا وقتًا يقرأ فيه القرآن؛ حتى ينال هذا الوصف العظيم الذي جاء من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أهل القرآن هم أهل القرب من الله -جل وعلا، وهذه الصفة لا تكون إلا للعاملين بالقرآن، كما تقدم في الآيات: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ(22)، أي: يعملون به حق العمل، فالعاملون بالقرآن المتبعون له المتدبرون لآياته المستجيبون لأوامره، هؤلاء هم أهل القرآن، وهؤلاء هم أولياء الله، وهؤلاء هم المقربون من الله -جل وعلا، قد عصمهم الله من الموبقات، ومن وساوس الشيطان.
فالْمُقْدِم على الله -تعالى- بالطاعة والعبادة -ومن أعظمها تلاوة القرآن- لا يستطيع الشيطان أن يأتيه، أو يوسوس له، أو يضله، أو يغويه: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(23). وقال: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾(24). أي: عبادي الْخُلَّص من هؤلاء المؤمنون حق الإيمان، التالين لكتاب الله -تعالى.
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص جاء أيضًا في بيان ثواب قارئ القرآن في الآخرة، كما أنه نال الثواب في الدنيا، وصبر واحتسب، وانقطع عن زخارف الدنيا، ومتاعها وشهواتها، وأقبل على القرآن يتلوه ويتعلمه، ويتدبر ما فيه؛ لذلك ستكون النتيجة يوم القيامة، وستكون الثمرة العظمى؛ لأنه صبَر واحتسب، وسهر الليل، وداوم على القراءة آناء الليل وآناء النهار، فسوف يجد هذا العمل -إذا اقترن بالإخلاص لله -تعالى- في يوم القيامة، في ذلك اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين، لأهل القرآن فيه خصوصية على غيرهم، ومن هذه الخصوصية: أنه يُنَادَى حينما يدخل الجنة، ويقال له: اقرأ القرآن، وارقَ هذه الدرجات التي أعدها الله -تعالى- لأهل القرآن العاملين به: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(25).
فمَن حفظ القرآن -كله أو بعضه- وعمل بما فيه، وتأدب بآدابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وتخلق بأخلاق القرآن الكريم، واتصف به - هو الذي ينطبق عليه حينئذ الوصف العظيم؛ ولهذا كان من صفات النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتخلق بأخلاق القرآن الكريم، فما من خلق جاء في القرآن الكريم إلا وقد فعله النبي -عليه الصلاة والسلام.
وفي صحيح مسلم: جاء رجل إلى عائشة -رضي الله عنها- يسألها عن الأخلاق، التي كان يتصف بها -عليه الصلاة والسلام- حتى يتعلمها؛ فأوجزت له العبارة، وقالت: أولست تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قالت: كان خلقه القرآن(26). أي: كان يتأدب بآدابه، ويحل حلاله، ويحرم حرامه، ويأتمر بأمره، فالقرآن كله أوامر ونواهٍ وأخبار عن الله -تعالى، فمن كان كذلك في حياته فقد تخلق بأخلاق القرآن، وسوف يجد هذه الثمرة غدًا يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾(27). في يوم يكون الإنسان مرتهن بعمله، فلا ينفعه فيه أحد من الناس، لا من البعيد ولا من القريب، إلا ما قدم من العمل: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(28). أي: بعملها، فلا تظن أنك حينما تقبل على هذا القرآن أنك تفرط في الوقت، وتضيع عليك أمور، بل إنك تجمع خيرات وحسنات عظيمة، إذا كانت مقرونة بالإخلاص لله -جل وعلا.
وهكذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرغب أمته، ويرغب أصحابه، فيرغب أمته بالإقبال على القرآن الكريم بهذه الأجور العظيمة المترتبة على تلاوة القرآن، كما ورد: « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا». فحينما يقول -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام العظيم لأصحابه، فإن نفوسهم تنطلق إلى القرآن الكريم، ويقبلون عليه، ويحفظونه، ويتدارسونه فيما بينهم؛ لأنهم سمعوا هذا الأجر والثواب من الصادق، الذي وعده لا يُخْلف؛ وهو ربنا -جل وعلا- على لسان نبينا -عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا أيضًا بيان لأن الإنسان سوف يرى أثر عمله في الآخرة، وسوف يرى أثر هذا العمل، وقراءة القرآن عمل، فإذا قرأ الإنسان القرآن الكريم، ودوام على ذلك، وكانت أغلب حياته وأغلب أوقاته مشغولة بالقرآن الكريم، فسوف ينال هذا الثواب العظيم الذي جاء في هذا الحديث، حتى إنه يقال له: « كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ». فليس هناك فرق بين ما كنت تقرأ في الدنيا، وما ستقرأ في الآخرة، فاقرأ كقراءتك في الدنيا.
وهذا يعطينا أيضًا فائدة، وهي أن الترتيل أفضل من غيره من أنواع القراءة، أو مراتب القراءة -كما تقدم في الأربع- وأن الترتيل هو أفضلها، فالذي يرتل في الدنيا سوف يرتل في الآخرة، فهذه الصفة -صفة التلاوة- بهذا النوع ستكون معه أيضًا في الآخرة، فكانت -من هذا الوجه- له أفضلية هذا الكلام، فيقال لقارئ القرآن: اقرأ. حينما يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ويتوجه العاملون إلى مراتبهم في الجنة، لكن صاحب القرآن من بين هؤلاء العاملين خُصَّ بخاصية عظيمة، وهي أنه في هذه الدرجات لا يتوقف إلا عندما تنتهي قراءته، فالذي يحفظ القرآن الكريم كاملاً يقف عند آخر آية، والذي يحفظ النصف كذلك، أو الربع، أو الثلث، أو أقل من ذلك، فهذا الفضل متفاوت حينئذ.
فمَن كان حافظًا للقرآن كله، عاملاً به، مقتديًا به، متأدبًا بآدابه، فهو أفضل ممن حفظ النصف، أو حفظ الربع، أو حفظ أقل من ذلك، فسَجِّل بنفسك هذه الحسنات، وادخر لنفسك هذا الثواب العظيم بقراءة القرآن الكريم، ومعنى قوله: « ارْقَ». أي: اصعد درجات هذه الجنة التي أعدها الله -تعالى- لأوليائه، على قدر ما تحفظه من هذه الآيات المصحوبة بالعمل، فإن كان حافظًا للقرآن كله كان في أعلى الدرجات، وإن كان أقل من ذلك كان أقل درجة أيضًا.
وأما حديث عبد الله بن عمرو أيضًا، وهو ملحق بالحديث السابق، وقد أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود(29)، وهذا من الثواب العظيم الذي يُضَمُّ إلى الآية السابقة التي وردت في أول الكتاب، وذكرها المؤلف، وهي آية عظيمة في سورة فاطر: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾(30). فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾. أكدها بحرف (إن) المؤكدة، ثم أيضًا باسم الموصول (الذين)، ثم بصفة التلاوة: (يتلون) القرآن الكريم، ثم بوصف القرآن بـ (كتاب الله)، ثم بالإضافة (يتلون كتاب الله)، أي: يتلون هذا القرآن تلاوة -كما تقدم- مصحوبة بالعمل والتدبر والاتباع.
أما القراءة المجردة عن هذه الأمور، فإنها لا تدخل في هذه الآية، وربما تكون وبالاً على صاحبها؛ كما جاء في الحديث الآخر عند مسلم: « وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»(31). يكون حجة لك إذا تلوته، وعملت بما فيه، وطبقت أحكامه، ووقفت عند حدوده، وما أحوج الإنسان لهذه الحجة يوم القيامة التي تدافع عنه، وهناك حجج مقبولة وقوية، ويظهرها الله -تعالى- يوم القيامة، وهناك حجج واهية وباطلة لا تنفع أصحابها يوم القيامة، كما قال -تعالى- عن الكفار: ﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ(32).
أما أصحاب الحق والإيمان، والعمل الصالح، وأهل القرآن فحجتهم ظاهرة وقوية ونافعة في الدنيا وفي الآخرة، فإن الذين يتلون كتاب الله مع العمل بما فيه، فإن ذلك يثمر المحافظة على الصلاة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ(33). وأثمر الإنفاق في سبيل الله، والإنفاق على القربى، وعلى المساكين، وعلى الفقراء، وعلى المحتاجين من هذا الرزق الذي رزقه الله -تعالى- لهم، فأنفقوا منه ولو كان قليلاً، فلا يعنى أن الإنسان إذا كان تاجرًا ثريًّا أنفق، ولو كان فقيرًا لا ينفق.
إذن، انظر إلى القرآن الكريم الذي هو أساس عقيدة المسلمين، ماذا أثمر؟! أثمر العبادة الصالحة، والعبادة ماذا أثمرت؟ أثمرت الأخلاق، وما هي الأخلاق؟ الأخلاق: التعاون والإنفاق والرحمة والإحسان...
فالعقيدة الصحيحة المأخوذة من القرآن والسنة تثمر العبادة، وهذه العبادة هي: الصلاة والزكاة والصيام والحج... وهذه عبادات مفروضة، والعبادات المفروضة ماذا تثمر؟ تثمر الأخلاق وحسن التعامل، وانظر مثلاً إلى الصلاة في قول الله -تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾(34). فإذا كانت تنهى عن الفحشاء، فمعنى ذلك أنها تأمر بالخير، وهذا الأمر من الأخلاق.
كذلك الزكاة: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بهَا(35). فهذه هي الثمرة، والحج ماذا يثمر؟ ﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ(36). والصيام ماذا يثمر؟ يثمر التقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(37). وآخر آية ذكرت التقوى، فكأن الصيام محافظ لسياج التقوى في أول آية وآخر آية، قال -تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(38). وفي الآية الأولى قال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فالصوم يثمر التقوى، والتقوى لها منافع متعددة على حياة العبد، قال -تعالى: ﴿ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً(39). أي: في الخفاء وفي العلن، ومع ذلك يكرمهم الله -تعالى، ويزيدهم أجورًا على أجور، قال -تعالى: ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ(40). أي: يزيدهم على ذلك، ويزيدهم من فضله، والذي يقول هذا الكلام هو الذي وعده حق وصدق: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ(41). ﴿ وَيزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾(42). غفور لسيئاتهم وذنوبهم، يشكر الله أعمالهم هذه، فهذه أعظم آية جاءت في ثواب أهل القرآن الكريم؛ ولهذا سماها بعض السلف: آية القُرَّاء.
فهذه من الآيات الملَقَّبَات، كما جاء في آية الكرسي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سماها آية الكرسي، وسميت آية الدين آخر سورة البقرة وسميت آخر آية في سورة الإسراء: آية العز: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾(43). فسماها النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند ابن كثير(44) آية العز.
ثم جاء الحديث الذي بعده، وهو رواية عن أم الدرداء، وأم الدرداء زوجة أبي الدرداء، وأبو الدرداء له زوجتان: صغرى وكبرى، الصغرى هي التي تذكر لنا هذا الأثر، قيل: إن اسمها هجيمة أو جهيمة. وكانت أم الدرداء من فضليات النساء وعقلائهن، وكانت ذات رأي وعبادة ونسك، تُوفِّيت في خلافة عثمان -رضي الله عنه، ولما تُوفِّي زوجها خطبها معاوية(45) -رضي الله عنه- فأبت وامتنعت، واحتجت عليه بحديث رواه الطبراني(46) بسند صحيح، وقالت له: المرأة بآخر زوجها لا أتزوجك. فاحتجت بهذا، وكانت فقيهة وعالمة، وقالت: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: « الْمَرْأَةُ لآخِرِ أَزْوَاجِهَا»(47). وقد أحببتُ أبا الدرداء؛ ولا أتزوج بعده.
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-10-2013, 11:23 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وبعض النساء الآن إذا كانت محبة لزوجها فإنها لا تتزوج بعده، ولو مكثت سنين طويلة، هذا يكون من الوفاء، لكن ليس من السنة، فأم الدرداء هذه كانت عالمة وفاضلة، وذات عبادة ونسك وطاعة، وقد وثقها أهل العلم، وهي ثقة كما ذكر ذلك ابن حجر.
أما الكبرى فاسمها خِيرة أو خَيِّرة، لكن المقصودة في هذا الأثر هي أم الدرداء الصغرى، وقد سألت عائشة -رضي الله عنها- عمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن، ما فضله ممن لم يقرأ؟ فقالت عائشة -رضي الله عنها: إن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن، فمن دخل الجنة ممن قرأ فليس فوقه أحد.
وعدد آيات القرآن ستة آلاف ومئة وستة عشر آية، كما يذكر العادون، لكن تتفاوت بين علماء العدد، والعلماء مختلفون في العدّ؛ فبعضهم يقول أقل، وبعضهم يقول أكثر، وهناك العد المكي، والعد المدني، والعد البصري، والعد الكوفي، كما هو مقرر في علم القراءات، فعلماء العدد يختلفون في عدد الآيات، لكن عائشة تقول: إن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن.
وفي حديث صحيح ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين، من حديث أبي سعيد الخدري(48) أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ؛ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، مَا بَيْنَ كُلَِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»(49). وعائشة تقول هنا: بعدد آي القرآن الكريم، وليس في هذا تعارض، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح ذكر الدرجات العامة في الجنة، وما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، فالأمر واسع، فما بين الدرجتين رتب ومراتب يتفاوت الناس فيها، مثل أن يكون الإنسان عنده عمارة عشرة أدوار، وفي كل دور أجنحة وغرف، وأماكن متفاوتة، كما يحصل الآن في الفنادق، ففي الدور الواحد غرف متباينة، فهذه الغرفة أرقى من تلك، وهذا الجناح أرقى من ذلك الجناح... وهكذا، حتى السعر يتفاوت في التأجير في هذه الغرف، بحسب ما فيها من تسهيلات وراحة.
فدرجات الجنة عظيمة، وعلمها عند الله؛ لأن هذه من غيب الآخرة، ومن أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بهذه الأخبار التي ترد في أوصاف الجنة ونعيمها ودرجاتها، وهذه الدرجات قد ذكر الله -تعالى- أنه أعد فيها درجة عالية للمجاهدين في سبيله، كما قال -تعالى- في سورة النساء: ﴿ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾(50). وقال -تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا(51).
فالدرجة معناها: المنزلة الرفيعة العالية؛ ولهذا جاء في الفرق ما بين الرجال والنساء، قال -تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ(52). فالدرجة هذه التي تكون للرجال دون النساء، وذلك بما آتى الله -تعالى- الرجالَ من القوة والعقل والسياسة، ومعرفة تدبير الأحوال، وهي جزء من القوامة التي قال الله -تعالى- فيها: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ(53). فهذه القوامة هي التي تفرق بين الرجل وبين المرأة.
وقد فسر ابن عباس الدرجة هنا بتفسير لطيف، فقال: الدرجة: العفو، كيف تكون بمعنى العفو؟ قال: إن المرأة كثيرة الغلط والخطأ، والإنسان لا يؤاخذها دائمًا في كل ما تقول(54)، قال -تعالى: ﴿ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى(55). وقال: ﴿ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾(56). وقد أخذها ابن عباس من الآية بالدلالة التي فيها، فقال: الدرجة بمعنى العفو؛ لأن الرجل لا يؤاخذ المرأة، ولا يجعل عقله كعقلها في كل شيء، قد يوافقها في بعض الأمور، لكنه ليس في كل شيء، وهذه الدرجة هي العفو.
فقد تخطئ المرأة في حق زوجها، وقد ترفع صوتها، أو قد يحصل منها كلمات نابية، أو سب.. أو غير ذلك، كما هو الواقع في بعض البيوت الآن، فالرجل لا يؤاخذها، والبعض -نسأل الله السلامة والعافية- يبادر بالطلاق فورًا، بعدما يسمع منها هذا الكلام، ويقول: أنا رجل وترفع عليَّ الصوت؟!
فهذا نوع من التأمل في آيات القرآن، فتأخذ تفسير الآية من الآية، وكلمات قريبة تدل على المعنى فخذها منها، وهذا ما يسهل أصحاب الاستنباط وأصحاب التأمل في القرآن الكريم، كما كان ابن عباس، وابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، إذا فسر فتفسيره معول عليه، يقول مجاهد: وإذا جاءك التفسير عن ابن عباس فحسبك به(57). هذا إذا صح الأثر عن ابن عباس، وصحت الرواية عنه، فإذا صحت الرواية فحسبك بها، فإنها جاءت من حبر وعالم، ومفسر ضليع في التفسير، وهذا الأثر الذي جاء عن أم الدرداء رواه ابن مردويه(58) والبيهقي(59) والحاكم(60).
إذن تبين لنا الفرق ما بين الدرجة التي ذكرتها عائشة، والتي جاءت في الحديث، فالدرجة ما بين الدرجتين في الجنة، وقد يكون هناك تفاوت في المراتب أيضًا في البقاء في هذه الدرجة في الجنة -نسأل الله أن نكون منهم، فكل درجة تأخذ مساحة كبيرة كما نشاهد، وما بين السماء والأرض -كما جاء في الحديث الآخر: مسيرة خمسمئة عام، وهذا فضل من الله يعطيه من يشاء من عباده، كما قال –تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾(61).
أما الحديث الأخير، فرواه الدرامي(62) والحاكم وهو حديث عبد الله بن مسعود(63)، وهو أيضًا يحث على تعلم القرآن وتلاوته، والله -تعالى- قال لنبيه -عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾(64). وقال: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ(65). وقال: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ(66). وفي قوله -تعالى: ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ(67). فتلاوة القرآن هي تعلمه وقراءته، وتعلم القرآن لا تكون إلا من شيخ قارئ حاذق، حتى يقيم الحروف ويبينها ويوضحها، وتكون قراءة صحيحة سليمة لها معانٍٍ عظيمة؛ لأن القراءة المصحوبة بالتأمل والتدبر والضبط والإتقان لها أثر حقيقة على النفس، وعلى السامع، وعلى القارئ.
وفي صحيح البخاري أن رجلاً قال لابن مسعود -رضي الله عنه: يا أبا عبد الرحمن، إني قرأت المفصل البارحة في ركعة. فأنكر عليه عبد الله ابن مسعود، وقال: أهَزٌّ كهز الشعر؟!(68) فكأنه أنكر عليه هذا، وكما تقدم: لا تهزوه هز الشعر.
فالقراءة المتأنية المضبوطة في ألفاظها وحروفها تأثر حقيقة؛ ولهذا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو أقرأ هذه الأمة، فكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتأثرون بتلاوته، كان -عليه الصلاة والسلام- يصلي المغرب بسورة الطور، وقرأ: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(69). فسمعها الجبير -كما في الصحيح- فأسلم(70)، من حسن الأداء التي كان يقرأ بها النبي -عليه الصلاة والسلام، فالأداء تام، والضبط متقن، فأثرت في نفس السامع، كما أثرت في القارئ، ونقلت هذا السامع من الكفر إلى الإسلام، كما في بعض الروايات أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما سمع أول سورة طه(71).
والفضيل بن عياض(72) -كما يذكر ابن قدامة(73) في كتاب: (التوابين)(74)- كانت توبته عندما سمع آية فكان من قطاع الطريق، فتسلق ذات مرة جدار، وسمع قارئًا يقرأ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ(75). فتاب من هذا العمل، وصار من أعلام الأمة، وأعلام الإسلام؛ لأن ذلك القارئ قرأها بنية خالصة، فأثرت في نفسه، وأثرت في غيره.
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:45 PM.