اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-06-2008, 11:23 AM
الصورة الرمزية صوت الحق
صوت الحق صوت الحق غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
صوت الحق is an unknown quantity at this point
افتراضي النبي شعيب (ع) خطيب الانبياء

النبي شعيب (ع) خطيب الانبياء

شعيب في قومه

قلَّما اختلف المؤرخون والمفسِّرون في شخصيَّة نبيٍّ ونسبه، اختلافهم في النبي شعيب.

فهو شعيب ابنُ توبَةَ، عند بعض المفسرين...

وشعيب ابنُ أيوبَ، عند بعض المؤرِّخين...

وشعيب ابن ميكيلَ، عند قومٍ آخرين...

قيل: أُرسِل مرَّةَ،... وقيلَ: بل مرَّتين: إلى أهلِ مَدْينَ، وإلى إصحاب الأيكة.. وأهلُ مدين عربٌ، كانوا يقيمون في أرضِ معانَ من أطرافِ الشَّام.

أما الأيكة، ففيها اختلاف أيضاً، ويرجَّحُ بأن تكون بلدةَ (بليدا) في جنوبي لبنان،- كما مرَّ معنا، آنِفاً، في قصة النبيِّ موسى(عليه السلامُ)-.

وكان أهلُ مدينَ يعتمدونَ التِّجارة موردَ رزقٍ لهم، وسبيلَ عيش وحياةٍ، فكانت تدر عليهم خيراً وفيراً ولكنَّهم، لم يُراعوا حقوقَ الله في تجارتِهم، هذه، إذ كانوا لايوفون كيلاً ولا ميزاناً، وكانوا يبخَسونَ الناسَ أشياءَهم، ويعيثون في الأرضَ فساداً..

فتبرَّأ شُعيب من هؤلاءِ المفسدين.. فما هَكذا أمَرَ الله الناسَ به في معاملاتٍ فيما بينهم، وفي عباداتٍ!..

إنْ هؤلاءِ القومُ إلاَّ في ضَلاَلٍ مبين!..

واعتزَلَ شعيبُ قومَه متأمِّلاً خلق السموات والأرضِ، فهدتْه الفِطرَةُ إلى إلهٍ واحدٍ فآمنَ به، وأسلم إليه وجهَهُ، بعيداً عن قومِهِ الذينَ يَظْلمون الناس، وأنفسَهم، معاً...

وقذفَ الله النورَ في قلبِهِ فملأهُ إيماناً ويقيناً.. ثم، ما لبثَ أن أرسلَه إلى قومِهِ، نبيّاً، يدعوهم إلى صراطِ العزيز الحميد!..

ويروي بعضُ كبارِ المفسرينَ بأن شعيباً كان كثيرَ الصَّلاةِ، فهي السَّبيلُ إلى الله، وهي حبلُه المتين، وهي الصِّلة الوثقى بين أرضٍ وسماءٍ!.. وكثيراً ماكان يقول:

- "إن الصَّلاةَ رادعةٌ عن الشرِّ، ناهيةٌ عن الفحشاءِ والمنكَرِ، والصَّلاة هي الدين!.."

وبهذا المعنى ذاتِه، حتى الألفاظ نفسها، تَتَالَتْ آياتُ جَمَّةٌ من القرآنِ الكريمِ..

يضافُ إلى ذلك، أنَّ شعيباً كان في عزٍّ من قومِهِ وعشيرته،... فما من نبيٍّ، بعدّ لوطٍ، إلاَّ وهوَ عزيزٌ في قومِهِ، منيعٌ في عشيرتِهِ...

شعيب النبي

ابتدأ شعيب دعوته بالتقرُّب إلى قومه، محاولاً استمالةَ قلوبِهم، مذكِّراً إيَّاهم بما تربطه بهم من أواصرِ قربى، وروابطِ دمٍ!. فتلطَّف إليهم بالقول الجميلِ، والحوارِ اللَّطيف،... ولمَّا أنِسَ منهم ميلاً إليه، أعلنَ فيهم نبوَّتَه، وشَهَرَ بينهم دعوتَه،...

أما عنوان هذه الحركة المباركة، فكان: الإصلاح!. فهو لايبتغي عن الإصلاحِ بدلاً، ولايرضىَ عنه حِولاً!..

وأخذ يذكِّرهم بأنْعُمِ الله عليهم:

فهم في غنىً بعد فقر، وفي كثرةٍ بعد قلَّةٍ، وفي قوَّةٍ بعد ضعفٍ، وفي عزٍّ بعد وهنٍ، وفي أمنٍ بعد خوفٍ، كما كان يخوِّفُهم عذابَ الله وانتقامَه، وبطشَه الشَّديد.. فلم يجد أذناً- لِمَا يقولُ- صاغيةً، ولاعقولاً- لما يعرضُ عليهم- واعيةً.. بل أنكروا عليه دعوتَه، وامتلأت قلوبهم حسداً له، وَوَجْداً (أي: حقداً) عليه..

فما لهذا النبي ينهاهم عن الرِّبح السريع، لايكاد يحسُّ به أحدٌ، في تطفيف مكيالٍ وميزانٍ.. ويدعوهم إلى عبادة إلهٍ، لاعهدَ لهم، ولا لآبائِهم، بهِ، من قبل؟.. إنْ يقولُ إلاَّ افتراءً وبُهتاناً.. وما هو -بزعمِهم- إلاَّ ساحرٌ كذَّابٌ!..

وهذه -كما نرى- مقولةُ من سبقَهم، ومن تلاهم، من الكفرةِ الملحدين، الَّذين أعمى الله أبصارهم، وجعل في آذانهم وقراً (أي: ثقلاً في السمع، كالصمم)، وعلى قلوبهم أكنَّةً (أي: أغشيةً، ج. غشاء)، فهم لايفقهون!..

شعيب يُحَاجُّ قومهُ، وينذرهم

ولجأ شعيبٌ إلى الحجَّةِ يقارع قومه بها. ويدحضُ افتراءاتِهم، ويُبطِلُ دعاواهم..

وكان نبيُّ الله شعيبُ خطيباً بارعاً، ومُفَوَّها بليغاً، يتفجَّرُ لسانُه بالحكمِة، تصدُرُ عن قلبٍ يفيضُ بها، كالينبوع الدافق، لاينضبُ له معينٌ، ولاينقطعُ عن عطاءٍ!.

فقد "كان شعيبٌ خطيبَ الأنبياءِ" كما ينعتُهُ بذلك خاتمُ الرسل والأنبياء، محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولنتأمَّل هذا الحوار الطَّويل، يدورُ بينَ شعيبٍ وقومِهِ، على امتداد ساعاتٍ طوالٍ.، في نادي مدين، وقد ازدحم فيه خلقٌ كثيرٌ..

ولَعمري، إنه لَحوارٌ يجعلنا نُلمُّ بدعوة شعيبٍ جملةً وتفصيلاً،.. ويلقي الضوءَ على فكرٍ له نيِّرٍ، وقلبٍ، له، كبيرٍ، فهو مسدَّد في قوله، مصيب دائماً، وهو محاورٌ بارعٌ، ومناقشٌ لَبِقٌ، له في الحوارِ، أخذاً وعطاءً، باعٌ طويلٌ!..

- ياقومُ!.. لقد أرسلني الله تعالى إليكم، داعياً إياكم إلى عبادتهِ.. فهو الذي خلَقَكم وخَلَق آباءَكم الأوَّلين، وهو المُحيي والمميت، والمبدئُ والمعيد. ربُّ العرشِ العظيم.. فآمنوا به، ودعوا ما أنتم فيه من ضلالٍ مبين!..

أنظروا إلى خلق السّموات والأرض،.. وانظروا إلى خلقِ أنفسكم،.. تجدوا أنّ وراء ذلك خالقاً قديراً، ومدبِّراً عليماً.. فإيّاه اعبدوا، وعليه توكّلوا، ولاتدعو إلاّ إيّاه إن كنتم مؤمنين!..

- وبم جئتنا به، غيرَ ذلك، في شريعتك، ياشعيبُ؟.

- ياقومُ!.. إني أراكم بخيرٍ: مالٌ وفيرٌ، وزينةُ دنيا، ورخص أسعار!. فأوفوا الكيل والميزان، وأدّوا حقوق الناس على التّمام، في المعاملات، ولاتبخسوهم أشياءهم،..

ألا ترون أنكم أذ تطفّفون (أي: تنقصون) الكيل والميزانَ، على النّاس كأنّكم تسرقون ماليس يحلُّ لكم.. وتخونون ما أنتم عليه مؤتمنون؟ أو ترضون لأنفسكم، من تطفيف كيلٍ وميزانٍ، مارتضيتموه لغيركم؟..

- لا، ياشعيب!..

- فلم الظلم إذاً، وأكلُ حقوق النّاس بالباطل؟

- إنّها التجارة، ياشعيب، والرّبح- أو ليست التجارة باباً من أبواب الرِّبح الوفير؟

- بلى، إنها لكذلك،.. ولكن، ضمن مبدأين: صدقِ المعاملةِ، والأمانةِ.. فإن كذبتم، في تجارتكم، وخنتم في معاملاتكم، تحوَّلَت تجارتكم إلى لصوصيَّة وغدرٍ.

- أو لاترى ياشعيب، بأنّنا إن تحوّلنا عمّا نحن فيه، في معاملاتنا التجاريّة، مع الآخرين، إلى ماتدعونا إليه، قلَّ حظُّنا من الرّبح، وشحَّ رزقُنا؟..

- هذا ظن الذين كفروا بربَّهم، واستحبُّوا الحياة الدُّنيا على الآخرة.. فالله هو الرزَّاقُ ذو القوّة المتينُ، وهو الكفيل - وأنا بذلك زعيم (أي: ضامن)- بأن يمدَّكم، إن اتّبعتم سبيله، بخير الدنيا ونعيم الآخرة... بقيَّةُ الله خيرٌ لكم، إن كنتم تعلمون!.

- لانفهمُ ياشعيب ماتقول!.

- أقول: اتَّقوا الله يؤتكم من لدنْهُ رزقاً حسناً، وابتغوا عند الله الرِّزقَ، ولاتكونوا من المطفِّفين.

ثم، إنّ التجارة بابٌ من أبواب المعاملات، عريضٌ، كما تعلمون،.. والمعاملةُ أخلاقٌ قبل أي شئٍ آخر!.

ويقطع الحوارَ صوتُ شيخٍ مهيبٍ، أجشُّ، وقد ضاق بهذا الحوار ذرعاً:

- أصلاتُك تأمرك بذلك ياشعيب؟ أو تريدُنا أن نترك ما كان يعبدُ آباؤنا من قبلُ، وما نشأ عليه، من بعدِهم، صغارُنا،.. ونَغُلَّ أيدينا عن حرِّيَّة التصرُّف بأموالنا، نفعلُ بها مانشاء؟..

الصلاةُ: هي الدين، وهي عبادةُ ربِّ العالمين.. وما أعبدُ إلاَّ الله فاطِرَ السَّموات والأرضٍ والخلقٍ أجمعين.. وما عدا ذلك فكفرٌ وبهتان.. وضلالٌ وخسران..

أما المال، الحق فهو مانالته أيديكم من وجهٍ طيّبٍ، ورزقٍ حلال.. أمّا ماطالته أيديكم بالمكر والخديعة، والكذب والخيانة، فهو سحتٌ وحرام.. فاتّقوا الله، واعلموا أن الحياة لاتدوم، وكلنا إلى الموت صائرون!..

والمالُ ظلٌ زائلٌ، وبهرجٌ حائلٌ..

فكم من غني ممسٍ أصبح مفتقراً!..

وكم من فقير مصبحٍ أمسى ثرياً!..

- كنَّا نَعُدُّك بيننا الحليمَ الرَّشيد، ومانراك الآن كذلك يا شعيب!..

- ياقوم!.. أرأيتم إن آتاني الله النبوَّةَ، والهدايَة، ووسّع عليّ من لدنه رزقاً كثيراً،.. فهذا من عميم فضله، وواسع رحمته.

وأنا - كما ترون- أطلب من نفسي ما أطلبه منكم.. آمراً إيّاها بما آمركم به، وناهياً إياها عمّا أنهاكم عنه...

فمن جرّب عليَّ، منكم، قولاً لم أفعله، أو دعوةً لم ألزم بها نفسي، أوّلاً،..؟

{إن أُريدُ إلاّ الإصلاحَ ماستطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلتُ وإليهِ أنيبُ}

وإنّ أخوفَ ماأخافُ عليكم، أن تُمعنوا في شقاقكم، وتسدُروا في غيِّكم وضلالكم، وتحملكم عداوتي على مخالفة ربّكم، فيصيبكم مثل ما أصابَ الّذين من قبلكم:

فهؤلاء قومُ نوحٍ- كما تواترت عنهم الأنباء والأخبارُ- قد أخذهم الطوفانُ فأصبحوا غرقى..

وقومُ هودٍ، وقد أرسلَ الله عليهم الرّيح العقيم فأصبحوا في ديارهم جاثمين..

وقوم صالحٍ، زلزل الله الأرض بهم، فأصبحوا أثراً بعد عين..

وما لي أذهبُ بعيداً في التّاريخ السحيق.. فهؤلاء قوم لوطٍ، أقربُ الأمم إليكم داراً ومكاناً، وأحدثهم بكم عهداً وزماناً، وقد جعل الله عالي أرضهم سافلها، فلا تُرى لهم أوطانٌ!..

ويتدخَّلُ في الحوار بعضُ الفتيان، وقد بانت سواعدُ لهم مفتولة..

{قالوا: ياشيعبُ مانفقهُ كثيراً ممّا تقول، وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز}

وينتفضُ شعيب في وجوه هؤلاء الفتيان الحَمقى..

لقد انقطعت حجَّة الشيوخ المحنَّكين، فقطع هؤلاء الأغرار. الجهّالُ بعنجهيّتهم، وغرورهم نقاشاً مفيداً، وحواراً يوضح الحقائق، ويجلو الشُّبُهات..

- ويحكم.. أعشيرتي وقومي، أعظمُ حرمةً لديكم من الله الذي {اتَّخذتموه وراءكم ظهريَّا}؟ أو لأجل عشيرتي تمتنعون عن أذاي؟ فهلاَّ كان ذلك ابتعاءَ وجه الله؟ فانتظروا أمر الله، {وارتقبوا إني معكُم رقيبٌ}.

[قال علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "ماأحسن الصبر وانتظار الفرج!.. أما سمعتَ قولَ العبدِ الصالح: "وارتقبوا إني معكم رقيب"؟]

وتعلو أصوات كالهدير:

- {قالوا إنّما أنت من المسحّرين. وما أنت إلاّ بشرٌ مثلنا وإن نظنُّك لمن الكاذبين. فأسقط علينا كسفاً من السّماءِ إن كنتَ من الصّادقين}

{قال ربّي أعلمُ بما تعملون}.

وهكذا لم تغن بلاغةُ شعيب، وفصاحةُ منطقِه، وبيانُ حُجَّتِهِ، عنهُ، شيئاً!.. فقد انتهى وقومّهُ إلى ما ابتدأوا به من حوار.. فكلٌّ على موقفه ثابت لايتزحزحُ عنه قيد أنملة.. وليت الأمرَ توقف عند هذا الحد.. وليتَ السِّتارَ أُسدل على هذا المشهد!..

شعيب يُخرجه قومه

لقد تأكّد لقوم شعيب مايمثّله عليهم نبيُّهم المرسَلُ إليهم، من خطرٍ.. فدعوته تقلبُ في حياتهم الموازين والمقاييس كلّها!..

يضافُ إلى ذلك، نفرٌ من بينهم، مالوا إلى شعيبَ، مؤمنين برسالته، مصدِّقين دعوتَه فأحاطوا به، ونصروه، ومنعوه..

والأدهى من ذلك مايمكنُ إن يستميلَ شعيبُ من أناسٍ، فيتعاظمُ شأنُهم، فيما بعدُ، ويتفاقَمُ خَطرُهم،.. وفي ذلك زوالُ سلطانِهم وجبروتِهم، واستكبارهم في الأرض، بغير الحقِّ!.. فليضايقوه، والّذين معه، إذاّ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً...

- {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنُخرجنَّك يا شعيبُ والّذين آمنوا معك من قريتِنا أو لتَعودُنَّ في ملَّتنا}

إنّه الأسلوب الذي يلجأ الكافرون إليه دائماً عندما ينهزمون أمام نور الحقِّ، ودعوة الإيمان..

القوّةُ!.. القوَّةُ!.. فالقوهُ معقِلُهم الأخيرُ، ونهايةُ المطاف، عندما يبطل عمل العقل، وتبيان المنطق، والحجّة المشرقة، على الحوار السليم!..

وهكذا، فالحلُّ كما ارتآه قومُ شعيب، أحّدُ اثنين:

- إمّا أن يخرج شعيبٌ من بين أظهرهم، فيستريحون من هذا الدَّاعية الذي لايَفترُ له لسانٌ، ولاينقطعُ له برهان..

- وإمّا أن يعود شعيب، والذين آمنوا، معه، في ملّتهم، ودين آبائهم وأجدادهم...

ولكن، هيهات.. هيهات...

فهم يعلمون جيداً بأن شعيباً لايمكن له أن يعود إلى حظيرة الكفر، بعد أن أُترع قلبُه إيماناً، وبصيرتُهُ نوراً.. فمتى كان الّذي يحيا في لُجج الضياء يرضى بالانقلاب إلى غياهب الظّلماء؟..

- أتُكرهوننا على العودة إلى ماأنتم في حمأته، من زور وضلال، وبهتانٍ وكفرانٍ؟.. فمتى كان أنبياءُ الله، ورسلُه، ينصاعون لمطالب السُّفهاء الفاسقين، والعُتاة المتجبِّرين؟ أو سمعتم بنبيٍّ أرسله الله إلى قومه مبشراً ونذيراً، ثم انكفأ، مُنقلباً على عقبيه، نابذاً رسالة السَّماء، متنكراً لما أوحى الله تعالى به، إليه؟..

- ياشعيب، لقد جادلْتَنا فأطَلتَ جدالنا، ومالك علينا من سبيلٍ.. فاختر أحد ما عرضناه عليك، ولاتطلبنّ منا سواهما شيئاً:

فإما أن تخرج، ومن اتّبعك، من قريتنا، أو أن تبقى بيننا، على ملّة آباءٍ لنا وأجدادٍ..، وبذلكَ نحافظ على وحدةِ كلمتِنا، ولمِّ شعثِنا، بعد أن فرَّقتَ جماعتَنا، وبلبَلْتَ مُجتمعَنا، بما بثَثْتَ فيه من آراء فاسدة، وفكر غريب!..

- ياقوم، اتّقوا الله، ولاتأخذكم العزَّة بالإثم، والإصرار على الضَّلال.. ولايكن ضعفي، وقلَّةُ أنصاري سبباً لتجبُّركم، وبغيكم، واجتماعكم على باطلكم.. إنّ الرسول لايفتري على الله كذباً، بعد أن نجّاه الله، خاصة، من مهاوي الضَّلال، ومزالق الفساد، والغيِّ الأثيم!..

- ياشعيبُ، إنّك لتقول ذلك، على ما أنتَ فيهِ من ضعفٍ، وقلّة حيلةٍ، وأنصارٍ،.. فكيف يكون شأنُك لو كنت فينا عزيزاً مُهاباً، مُؤيّداً، منصوراً؟..

{وإنّا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز. قال ياقوم أرَهطي أعَزُّ عليكم من الله واتّخذتموه وراءكم ظهريَّاً إنّ ربّي بما تعملون محيطٌ}

ويتابعُ شعيب:

أو ماكان الأجدر بكم أن تراقبوا الله في ما تعملون وما تقولون؟

فلله العزة جميعاً.. وله الكبرياءُ في السَّموات والأرض،.. ولكنّكم قومٌ لاتفقهون!..

وينفضُّ المجلسُ عن شعيبَ ومن اتَّبعه، وهم قليل... وأهل مدينَ الّذين جمعوا كيدّهم، وأتوا به شعيباً... وأتمروا فيما بينهم:

ما العملُ حتى يخرجَ شعيبُ من بيننا، بهدوء...؟..

قالوا: ضيّقوا عليه، وحولوا بينه وبين قاصديه من أنصار وأتباع، واقطعوا عليهم كلّ سبيلٍ!..

وهكذا ضيّقوا على شعيبٍ كلَّ مجالٍ، وأخافوا أنصاره، وتهدّدوا أتباعه، فلم يثبت على الحقِّ، منهم، إلاّ القلّةُ، ممّن امتحنَ الله قلوبهم للإيمان، فصبروا، وقاوموا باصرار المستميت، فلم يهنوا، ولم يتخاذلوا.. وهم يقولون: حسبُنا الله، هو مولانا، نعم المولى، ونعم النَّصير!..

ورأى شعيبُ أنَّ من واجبِه أن ينهى قومه عمّا أزمعوا عليه من كيدٍ وأذىً، معذرة إلى الله، لعلّهم ينتهون...

فوقف فيهم- كعادته- خطيباً، فليس بعد اليوم لمعتذرٍ عذرٌ:

- ياقوم.. لاتغرَّنّكم كثرة عددكم، فإنّها لن تغني عنكم من الله شيئاً... وتفرُّقَ الناسِ عني، فالنَّاسُ أعداءُ ما جهلوا..

ولاتصرُّوا على ماأنتم عليه من اعوِجاجٍ، تبغون إفسادَ من أراد الله إصلاحه، فتحولوا بيني وبين المؤمنين، وتقطعوا عليهم الطريق إلى الله،... تبغون السبيل عوجاً عن الحقِّ، وزيغاً عن الهدى،.. فلا تستقيمون.. ولاتدعون لغيركم أن يختار لنفسه أن يستقيم!.. فاتّقوا الله، ولاتصُدُّوا عن سبيله من آمن... واعلموا أن كيد الله متينٌ، وأخذه شديدٌ... فهو الذي أهلك من قبلكم، وكانوا أشدَّ منكم قوةً، وأكثر أموالاً، وأطول آجالاً.. فهل أنتم منتهون؟..

وانهالَ قومُ شعيبٍ على نبيِّهم تكذيباً.. وهبُّوا في وجهه يسفِّهون رأيه، وينعتونه بكل إفك وبهتانٍ..

فانصرف عنهم وهو يقول:

- { على الله توكّلنا، ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقِّ وأنت خيرُ الفاتحين}

ونفض نبيُّ الله شعيب، كلتا يديه، من إصلاح هؤلاء القوم الفاسقين، الّذين ركبوا هواهم، فكان أمرُهم شططاً..

ودعا عليهم بالعذاب الأليم، بعد أن كذَّبوا بآيات الله، واستحلّوا ماحرّم الله، وصدّوا عن سبيله، وقد زيّن الشيطان لهم أعمالهم، فتنكبُوا عن السبيل الأقوم والتمسوا لأنفسهم الزّيغ، واستحبُّوا العمى على الهدى!.

وأوحى الله تعالى إلى نبيِّه، أن قد سمع الله دعاءك.. فاخرُج بمن اتّبعك من ديار الفاسقين، إنّه آتيهم غداً، عذابٌ غيرُ مردود!..

وخرجَ شعيبُ والذين آمنوا، معه،..

وخُيِّلَ للقوم المفسدين بأن شعيباً اختارَ لنفسه السَّلامة، فأزمعَ على الهجرةِ بمن اتَّبعه، وظنوا - واهمين- بأنهم قد استراحوا، وإلى الأبد، من هذا الدّاعية الملحاح، والخطيب المفوَّه الّذي لايُشقُّ له في مضمار البلاغة، غبارٌ... فتنفّسوا الصُّعداء!..

العـــذاب

وماهي إلاّ ليلة حتى دهمهم العذابُ..

فابتلاهم الله بالحرِّ الشديد، فكادت تزهق منه أنفاسهم.. فدخلوا، يُهرعون، إلى أجواف بيوتهم، وسراديبِ منازلهم، فلاحقهم الحرُّ إلى بيوتهم، والسّراديب..

وظمئوا ظمأً شديداً... فخرجوا إلى ظلال الأشجار، وضفاف الأنهار.. فلم يمنعهم الحرّ ظلٌّ وارفٌ.. ولم يرو ظمأهم ماءٌ دافقٌ.. فللشمس أشعّة كسهامٍ من لهب.. وكأنّها فوق رؤوسهم قدرُ باع.. فيتململون تململاً شديداً ويضطربون كلَّ اضطرابٍ، فأينَ المفرّ؟.. وقد برَّحت بهم الرمضاءُ تبريحاً..

ويذكرون نبيَّهم شعيباً،.. ويستعيدون صورته، وصوتَه، بينهم خطيباً مرشداً،.. فها قد أتاهم، من العذاب، ماكانوا به يستهزئون!. فيندمون، ولات ساعة مندم!..

ويطلبون شعيباً، لعلَّه ينجّيهم مما هم فيه من تعذيب.. فلا يقعون له على أثر.. ويهرولون مذعورين في كلّ اتجاه.. يطلبون لأنفسهم النّجاة.. فكأنّ السّماء تصبُّ فوقَ رؤوسهم حِمَماً، أو ترجمهم بشواظٍ من نارٍ، وسعيرٍ ليشوي جلودَهم، والوجوه...

وبينما هم كذلك، في العذاب، لايستقرّون،.. وإذا بسحابةٍ بعثها الله إليهم، فيها ريح طيِّبة،.. وقد أخذت تنبسطُ في الجوِّ، وتمتدُّ طولاً وعرضاً..

فوجدوا فيها ضالّتهم المنشودة، فلعلّها تنجّيهم ممّا وقع بهم.. وتنادُوا فيما بينهم: هلمُّوا إلى البرَّيَّة، حيث السَّحابة، فاستفيئوا ظلّها.. فتداعوا إلى ظل الغمامة، لاهثين، من كلّ صوبٍ يُهرعون..

ولمّا اجتمع شملُهم في البرِّيَّة،.. وتكاملَ عددُهم تحت الغمامة،.. الهبّها الله عليهم ناراً.. وأتتهم صيحةٌ من السَّماء انخلعت لها أفئدتهُم.. وزُلزلت الأرض تحت أقدامهم زلزالاً عظيماً.. فأصبحوا على وجه الثرى خامدين!..

وكان شعيبُ والّذين آمنوا معه، يشاهدون ماحلَّ بقومهم، من بعيد.. فحمدوا الله، إذ لم يكونوا معهم، في العذاب، مشتركين!.

وعاد شعيب، إلى قومه، بعد حين، مثقلاً بالحزن المبرّح، والأسى المُمضِّ، الشديد،.. فإذا بهم صرعى، خامدون!..

{فتولِّى عنهم، وقال: ياقومِ لقد أبلغتُكُم رسالات ربّي، ونصحتُ لكم فكيف آسى على قومٍ كافرين}

صدق الله العلي العظيم
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-06-2008, 11:27 AM
الصورة الرمزية صوت الحق
صوت الحق صوت الحق غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
صوت الحق is an unknown quantity at this point
افتراضي النبيان: يحيى البكّاء وزكريا الكفيل (عليهما السلام)

النبيان: يحيى البكّاء وزكريا الكفيل (عليهما السلام)

إنه زكريّا، كبيرُ أحبار بني إسرائيل، وأحدُ أنبيائهم العظام...

يرجعُ نَسَبهُ إلى هرون، أخي موسى بن عمران.

فهو، إذاً، من دوحة نبوّاتٍ، وسلالة رسالات..

كان الهيكلُ يستأثر بجُلِّ اهتمامه، حيث يقضي فيه سحابةَ نهاره، واعظاً، مرشداً داعياً إلى الله، آمراً بالمعروف وناهياص؟ عن المنكر، مفصِّلاً لقومه آيَ التوراة، شارحاً لهم ماخفيَ منها، مبيِّنا ما دقَّ من مسائلها.. ثمّ ينصرفُ عنهم، إلى الله، يتعبَّده، ويتبتَّلُ إليه تبتيلاً!..

وكان يعود، عندما يتصرَّم النَّهارُ، إلى بيته، حيث زوجُه العجوزُ، يقضي فيه ليله، حتّى يأذن اللهُ له بصباحٍ جديدٍ!...

ومازال على هذا النّهج حتّى خارت قواه، واضمحلَّت همّتهُ، فأضحى شيخاً عجوزاً، فانياً..

وكان قد بنى في الهيكل الّذي لايُبارحه إلا لماماً(أي: قليلاً)، غرفةً لمريم، هذه الفتاة القدِّيسة، الربَّانيّة، التي بذّت كبار الأحبار في تبتُّلها، وتعبُّدها، وتسُّكها... وكان زكريَّا، وحده يصعد إلى غرفتِها بِسُلَّمٍ.. فهو المشرفُ على شؤون هذه الفتاة الّتي كانت تصومُ النّهار، وتقومُ اللّيل، وتعبد الله، عبادةً، ينقطع دونها الأحبارُ الربّانيّون، ولمّا تتجاوز من سنيها التِّسعُ سنواتٍ!..

وكان زكريّا راضياً عن هذا كلّه تمام الرضا، طيِّب النَّفس به، مثلوج الفؤاد، فالإشرافُ على هذه الفتاة المبكّرةِ النموِّ، في مأكلٍ لها، ومشربٍ، جزءٌ من العبادة، والتقرُّب إلى الله بخالص الأعمال!..

وإنّ زكريّا ليعلمُ حقَّ العلم بأنَّ الله تعالى، جلَّت قدرتُه، وعَظُمت مشيئتُه، شاء أن يكون هو لاغيره، لمريم كفيلاً..

أو لم يأتِكم حديثُ كفالةِ زكريَّا مريم؟..

في صباح يومٍ، دخلت الهيكلَ امرأةٌ متَّشحةٌ بالسّواد، بسكينةٍ ووقارٍ، وفي حضنها طفلةٌ رضيعةٌ ملفوفةٌ بخرقةٍ... واتّجهت إلى أحبار الهيكل، - وكان بينهم زكريَّا-، وقائلةً لهم:

- دونكم النَّذيرة!..

إنّها حنَّة، زوجُ عمران، رأسِ الأحبارِ في زمانه، والكهَّانِ!..

وكان لعمران في قلوب عارفيه جميعاً، منزلةٌ عظيمةٌ، وشأنٌ رفيعٌ، لما آتاه الله تعالى من فضلٍ، وحباهُ من كرامةٍ، وأودع صدرَه من دين..

وكانت حنّة قد نذرت، في حملها، إن آتاها الله ولداً ذكراً ،أن تودعه الهيكل، يقومُ على شؤونه، وخدمةِ الأحبار فيه، والرُّهبانِ، تقرُّباً إلى الله تعالى، واحتِساباً..

فوضعت مريمَ... وهاي هي ذي زوج عمران تتعجَّلُ الوفاء بنذرها، على حياءٍ، ولكم تمّنَّت حنه ان يؤتيها الله ولداً ذكراً، يكونُ به تمامُ نذرها،.. وشاء الله أن تكون أنثى.. {وليسَ الذَّكرُ كالأنثى}..

فليس لها - والحالة هذه- إلاّ أن تقدِّمُ مريمَ الرَّضيعةَ إلى الهيكل، لتستنشق، منذ نعومةِ أظفارِها، هواء رحابهِ العابقةِ بأريج السَّماء... ففي هذا الهيكل القدسيّ، ستقضي الفتاةُ الطريَّةُ العودِ، النديَّةُ البراعم، من عمرِها المباركِ، ماشاء الله لها ذلك!...

وتنافس الكهَّان كلٌ يبغي أن يضم إليه مريم... أو ليست هذه الرَّضيعةُ بنت عمران الذي كان لهم إماماً، وكان بينهم صاحب القربان؟

وانبرى زكريَّا قائلاً:

- أنا أحقُّ بها لأن خالتَها عندي...

فقد كانت اليصابات زوجُ زكريَّا أختَ حنَّة زوجِ عمران..

ورفع الأحبارُ أيديهم عن كفالةِ مريم... فزكريَّا أحقُّ الناسِ أن يتكفَّلَها، من دونهم، أجمعين!..

والتفت الى زكريَّا حبر كهل، تقوَّس ظهره، واحدودبَ، كالقوس المشدود، وارتخت جفونه على عينيه حتى أطبقتهما، فلا يستطيع فتحهما إلاَّ بعناءٍ، وقال لزكريا:

- يازكريا، لو تُركَتْ مريمُ لأحقِّ النَّاسِ بها. لكانت من نصيب أُمّها الّتي ولدتها.. وصاح الأحبار والرهبان:

- وأيْمَ الله، أنَّه لحقٌّ ماتقول.. فأمّها أحقُّ الناس، إن شاءت، بتربيتها، وتنشِئتها..

وفُتَّ في عضد زكريَّا. (كنايةً عن التراجع مغلوباً).

فأيّهم يكفلُ مريم؟.. وضربوا أخماساً بأسداسٍ... وفكَّروا ملياً..

وقال الشيخ المرتعش الأطراف: ولكن، نَقتَرعُ عليها، فتكونُ عند من خرجَ سهمهُ... وانطلقوا، وكانوا تسعةً وعشرين، إلى النهر- ولعلَّه نهرُ الأردنِّ- ليُلقوا فيه أقلامهم...

فأيُّهم طفا قلمهُ، يكون لمريمُ كفيلاً!...

وألقوا في الماء أقلامهم... فحملت المياه بعضاً، وأغرقت بعضاً... وتقدَّم زكريا، بقلمه، وألقاه في النهر، وهو يذكر الله... فطفا قلمه، واستقرَّ على صفحةِ الماء، ثابتاً، كأنه عالقٌ في الطين..

فهتفوا بصوتٍ واحد: أنت كفيلُ مريمُ يازكريَّا.. بارك الله عليك، هذه الكفالة الطيِّبة، والمكفولة الطاهرة، معاً!...

فضمَّ زكريَّا مريم إلى نفسه، وإلى خالتِها اليصابات... وتعهَّداها خير ما يتعهَّدُ أبوان، ولداً،... حتى انتهى بها الأمرُ، إلى اعتكافِها في غرفةٍ مفردةٍ، في الهيكل، وكان يقوم على أمُورِها كلِّها، زكريَّا!..

آية معجزة

زكريَّا يدلُفُ (أي: يدخل) إلى غرفة مريم، كعادَتِهِ، وبين يديه شئٌ من طعامٍ وبعضُ ماء... ويَدخلُ عليها، بعد استئذان... فيجدها في محرابها تصلِّي.. ويضع إلى جانبها رزقَها لِيومها هذا. ويهمُّ الإنصراف...

ولشدِّ ما كانت دهشتُه عندما وجد إلى جانبها الآخر طعاماً طيِّباً، وفاكهة شتاء والوقت صيفٌ قائظٌ...

ولايُلقي زكريَّا إلى ذلك، كبيرَ بال...

ويتكرَّرُ المشهدُ أمام زكريَّا في ما تعاقب من أيَّام وشهور..

وتتبدَّلُ أمامَ ناظريه، الفاكهةُ، وقد تقدَّم من عمر الزمان فصلٌ...

فالفاكهةُ اليومُ فاكهةُ صيف، والأيام تُرعدُ برداً، وتجتاحُها عواصف أمطارٍ، هوجٌ..

إنّ رزق مريم ماله من نفاد... والفاكهة لاتنقطع من حجرتها، تأتيها في غير مواسمها.. فمن أين لها كلُ هذا الرِّزق الطيب، والفاكهةِ النضِرةِ، الريَّانة؟...

ويسأل زكريَّا مريم:

{قال: أنّى لكِ هذا يامريم؟}.

- {قالت: هوَ من عند الله}.

أستيقظُ ياعمُّ، في الصباح، بعد تهجُّدٍ، وتعبُّدٍ، ونومٍ يسيرٍ، فأرى طعامي أمامي، فآكلُ منه نصيباً...

وأعود لعبادة ربي، أصوم له نهاري، واستغرقُ في تنسُّكي، وتَّبتُّلي، وأنظر، وقد غربت الشّمس،.. وإذا بطعامي يُبسَطُ أمامي، عشيِّاً، فآكل منه، ماشاء الله لي أن آكُلَ...

ولم أطلب من أحدٍ طعاماً... ولم أدعُ ربي أن يرزقني منه، ولكنّه أكرمني برزق منه وفير، وخيرٍ كثيرٍ!... وما أراه إلاّ من طعام الجنَّة، ويانع ثمارها...

ويحملق زكريَّا، في وجهِ مريم، مدهوشاً لما يسمع...

وتتابع مريم: إني اراكَ، ياعمُّ، تعجبُ من قولي، ألم تعلم بأنَّ الله يرزقُ من يشاءُ بغير حسابٍ؟

ويهزُّ زكريَّا برأسه، متمتماً: بلى!...

ويُلقى في روعه بأنّه أمام قدّيسةٍ، جسدها على الأرض، يتحرك أمّا روحها فتجوب أعالي السماء... وإنّ لها لشأناًعند الله، عظيماً..

زكريَّا يدعو ربَّه

ويشطحُ الخيالُ بزكريا...

فالله قد رزق مريم. من الغيب، طعاماً لذيذاً طيِّباً،.. وفاكهةً يانعةً، شتّى،... وشراباً عذباً سلسبيلاً،.. وما كان رزقهُ إيَّاها، ذلك كلَّه، إلاّ آيةً من آياته البيِّنات، ومعجزةً من معجزاتهِ، الظَّاهرات!...

وتحدِّثه نفسه، فيصرفها عمّا ليس لها، ولكن حديث نفسه كان يملأ أحناءه كالصُّراخ.

- لو أن الله تعالى حباني (أي منحني) منه آيةً. وآتاني من لدنه معجزةً، تُدخلان على قلبي الفرحَ، وتعيدان إلى نفسي إشراقهُ الأمل، وبسمةَ الرَّجاء، فيرزقني غلاماً زكيَّاً، يملأ عليَّ حياتي الخاويةَ، إلاّ من الإيمان، ويحفظ الله به النبوَّة، وآثارها، من بعدي..

آيةٌ بآيةٍ!...وأعجوبةٌ

بأعجوبةٍ..</B>

أو ما قالت مريم آنفاً: إن الله يرزق من يشاءُ بغير حساب!...

وهكذا أنارت مريمُ في قلب زكريَّا جانباً كانت تلفُّه الظَّلماء...

وأثارت في نفس هذا النبيِّ الكريم، حنيناً وشوقاً إلى ولدٍ، يخلُفُه، ويرثُه، ويتابعُ سيرتَه، يرثُ الكتاب، فتُحفظ في عقب زكريا النبوةُ والكتاب وبقيَّةٌ من آثار أنبياء بني إسرائيل،... وما أكثر الأنبياء في بني إسرائيل؟...

عند ذلك، توجَّه زكريا إلى محرابه، للإعتكاف فيه، والتنسُّك، وعبادة ربّه والإفضاء اليه، في هذا المسجد الطَّهور، بما يجيشُ في حناياه من خواطر، وما تضطرب به نفسه من مشاعر... خاصةً وأن لزكريَّا أولاد عمٍّ، كانوا من شرار بني أسرائيل،... وهم، دون غيرهم، المؤهّلون لوراثة مايخلفه زكريا من مال، ومن آثار نبوَّةٍ عريقةٍ، تجمّعت في آل يعقوب، فتوارثوها نبيّا عن نبيِّ، ووصيّاً عن وصيٍّ، ووليَّاً عن وليٍّ!... فدعا ربه بصوتٍ خافت متهدِّج، ولسان متلجج، وجنان مضطرب:

-{ربِّ لاتذرُني فرداً وأنتَ خيرُ الوارثين}.

فأوحى الله تعالى بصوت جبريل. أو رهطٍ من الملائكة:

- {يازكريّا إنّا نُبشِّرُكَ بغُلامٍ اسمُه يحيى لم نجعل له من قبلُ سميّاً}.

وكان عمرُ زكريَّا اذ ذاك فوق التِّسعين.

ويذهبُ عبد الله بن عباس إلى أنّ زكريَّا كان يومٍ بُشّر بيحيى إبن مائةِ وعشرين سنةٍ وكانت امرأتُه بنتَ ثمان وتسعين سنةً.

وينتصبُ شعرُ زكريّا، وقد اشتعل شيباً، وتلألأ بياضاً...

فيا للبشارة تزُفُّها إليه الملائكة، وهو قائم يصلِّي، في المحراب!..

{قال ربّ أنى يكون لي غُلامٌ وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغتُ من الكبر عتيّاً}.

ويأتيه النداء، وكأنه يدعوه لمزيدٍ من التأدُّب أمام أمرِ الله، والتسليم لمشيئته تعالى:

{قال كذلك قال ربُّك هو عليَّ هيِّن وقد خلقتُك من قبلُ ولم تكُ شيّئاً}.

ويهد قلب زكريّا، بعد اضطراب، ووجيف، وقد رانت عليه رهبة الله، فامتلأ خشوعاً، وطفح يقيناً...

ألم يبشر الله نبيّه إبراهيم من قبله بإسحق ولداً، ومن وراء إسحق يعقوب، حفيداً؟.. فلا عجب، إذاً، أن يبشّرَه اللهُ بغلامٍ تبتسم به كهولتُه المضناةُ... وتطيب به زوجُهُ، اليصابات اليائسةُ، نفساً!...

فلله في خلقه شؤون!..

{إنّما أمرُهُ إذا أراد شيئاً أن يقولَ لهُ: كن!... فيكون!..}.

ويطلب زكريَّا من ربِّه آيةً تطمئنُّ إليها نفسه، ويصدّقه، بها، قومُه..

{قال: آيتُك ألاّ تُكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويّا...}.

عند ذلك شعر زكريّا بالبرد يدبُّ في قلبه، فيملأه اطمئناناً، ونوراً يشعشع في أحنائه كلّها.. فسجد لله شاكراً!..

ثمّ خرج زكريّا على قومه، من المحراب، يحمل إليهم بُشرى السماء...

وأراد أن يخاطبَهم، فما استطاع أن يحرِّك لسانه، أو أن ينبس ببنت شفةٍ، لقد أخذت المعجزة طريقِها إلى التنفيذ!.. فاعتُقل لسانه، كما أوحى الله إليه بذلك، منذ لحظاتٍ قِصارٍ، إنه ليس خرَساً، ولكن حصرَ لسانٍ وعجزاً عن الكلام..

وخاطب زكريّا قومه بالإشارة والرّمز، أن إدأبوا على ذكر الله، وتمجيده، وتسبيحه، وتقديسه، بُكرةً، وعشِيّاً!..

وأدرك قومه جليَّة الأمر،...

فهذه معجزةً أُخرى، تُضافُ إلى المعجزات الكُثُر، الّتي تمّت على أيدي أنبياء بني إسرائيل!..

وزيادةً في الإعجاز، فقد كان زكريَّا يقرأ الزبور، ويرتِّل التوراة، ويسبِّح الله، ويقدِّسه، بطلاقة لسان..

مكالمةُ الناس وحدَها كانت محظورةً على لسانه. فكان يشير إليهم بيديه ويُومئ إليهم برأسِه، من بعيد...

وظلَّ على ماكان عليه، يؤمُّ قومه في صلواتهم، في العشيِّ والإبكار... وظل لسانُه محصوراً، لايستطيع أن يكلِّم أحداً ثلاثة أيَّام متتالياتٍ... فلا يَفُكُّ له عقالٌ إلاّ عندما يتوجَّه إلى ربِّه في صلاةٍ، أو دعاءٍ ومناجاةٍ...

وبعد خمسِ سنين من بشارة زكريَّا، ولِدَ يحيى...

وهكذا أنعم الله على نبيِّه زكريَّا بهذا الغلامِ النَّجيب، وحباه هذا الأسم الذي لم يكن لأحدٍ من قبله...

[عن الصادق عليه السلام: وكذلك الحسينُ لم يكن له من قبلُ سميُّ.. ولم تبك السَّماء إلا عليهما، أربعين صباحاً..

قيل له: وما كان بكاؤها؟...

يحيى خذ الكتاب بقوّةٍ وآتيناه الحكم صبياً وحناناً من لدنّا وزكاةً وكان تقياً وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً}. ويروى أنه مرّ بصبيان يلعبون، فدعوه ليلعب معهم، فقال لهم ماللّعب خلقت.

كذلك يروي عن يحيى عليه السلام أنه أتى ذات يوم إلى بيت المقدس، فرأى جماعة من العبّاد وقد لبسوا مدارع الشعر وبرانس الصوف، وهم يتعبدون ربهم، فعاد إلى أمه وطلب منها أن تنسج له مدرعة من شعر وبرنساً من صوف، حتى يعبد الله كما يعبد، أولئك الذين رآهم في بيت المقدس، فاستأذنت أمه أباه زكريا(ع) فاستدعاه وسأله لماذا تريد مدرعة الشعر وبرنس الصوف، وأنت ما زلت صبياً صغيراً؟ فأجابه بقوله: ياأبت، أما رأيت من هو أصغر مني سناً وقد مات وذاق مرارة الموت؟ عندها أذن زكريا(ع) لأمّ يحيى أن تصنع له ماطلب، فقامت بنسج المدرعة والبرنس.

وتدرع يحيى(ع) المدرعة ووضع البرنس على رأسه وتوجّه إلى بيت المقدس وراح يعبد الله مع العابدين، وظلَّ كذلك حتى أكلت المدرعة لحم بدنه، فنظر يوماً إلى جسمه الناحل، فبكى، فأوحى الله تعالى إليه أن يايحيى أتبكي من نحول جسمك، وعزّتي وجلالي لو ألقيت نظرة واحدة إلى النار للَبِستَ مدرعة من الحديد لامن الشعر، فازداد بكاء يحيى(ع) حتى أنّ الدموع حفرت في خديه مجاري وبانت أضراسه للناظرين.

وعرفت أُمّ يحيى بما جرى عليه، فجاءت إليه، وكذلك زكريا(ع) والأحبار والرهبان، وراحوا يطلبون منه أ، يخفف من عبادته ويرحم نفسه، وقال له والده زكريا(ع): يابني لماذا فعلت هذا بنفسك وأنا إنما دعوت ربي أن يهبني إياك لتقرّ بك عيني وترثني؟ فقال يحيى(ع) أما أمرتني أنت بذلك ياأبت يوم قلت لي: إنّ بين الجنة والنار لعقبة لايجتازها إلا البكّاؤون من خشية الله.

سكت زكريا(ع) ثم قام وقال له: إذا كان كذلك فجِد واجتهِد وشأنك وماتفعله، فقامت أم يحيى وصنعت لابنها ماينشف دموعه ويستر أضراسه.

وكيف لايفعل يحيى(ع) ذلك، وقد تعطّف الله تعالى عليه، وتلطّف به، وآتاه النبوة وهو ابن ثلاث سنين، فكان للناس آية، شأنه في ذلك شأن ابن خالته المسيح ابن مريم(ع) وقد ولد وإيّاه في عام واحد، وإن كان يحيى يكبر عيسى بستة أشهر.

اليهود يقتلون زكريا(ع)

ويحكى أنّ زكريا(ع) وكان يكفل مريم، قد اتهم من قِبَل السفلة بأنه وراء حمل مريم(ع)، فلما بان حملها تمكّن هذا الإتهام وثبت في نفوسهم، وأشاعوا بين الناس، أنّه لايعقل أن تحمل امرأة دون زواج من رجل، فاضطرّ زكريا(ع) إلى الخروج من القدس، وراح السفلة من اليهود يلاحقونه، والشيطان يزيِّن لهم ذلك.

وعمّت الفوضى، وتفاقم الشر بعد خروج زكريّا(ع) من المدينة المقدسة، وشاعت الفاحشة بحق زكريا(ع) فلحقه شرار اليهود يريدون قتله.

ويُروى أنه(ع) هرب منهم، حتى إذا وصل إلى وادٍ رأى شجرة فقصدها ليختبئ فيها، فانفجرت له من جذعها فدخل في جوفها ثم عادت كما كانت، فتحيّر اليهود ولم يعرفوا مكانه، حتى جاءهم إبليس اللعين بصورة واحدٍ منهم ودلّهم على مكانه، وأمرهم أن ينشروا الشجرة بالمناشير، وهكذا كان، فنشروها حتى قطعوها وقطعوا معها زكريا(ع) من وسطه، ثم تركوه وقفلوا راجعين، فبعث الله سبحانه ملائكة غسّلوا زكريا(ع) وصلّوا عليه ثلاثة أيام حتى إذا جاء خيار بني إسرائيل أخذوه ودفنوه -سلام الله عليه- فكان على رأس الأنبياء الشهداء الذين قتلهم اليهود بغير حق.

يحيى(ع) يرث زكريا

كان مقتل زكريا(ع) من أشد المحن وأقساها على قلب نبي الله يحيى(ع) فعظم الأمر عليه، خصوصاً وأنّ أباه ناله ما ناله من السفهاء، بتلك التهمة المنزّه عنها يقيناً.

وقام بالأمر بعد أبيه، فكان يخطب الناس معلناً أنّ مايصيب الصالحين من المِحَن والرزايا، إنّما يكون من جانب السفهاء والفسقة الذين لادين لهم ولايقين ولاورع، ثمّ يبشرهم بقيام المسيح عيسى ابن مريم(ع) من بعده ويعدهم الفرج على يديه.

ويروي أنّ يحيى(ع) كان بارعاً من الشريعة الموسوية، وكان مرجعاً معروفاً يرجع إليه كل من أراد أن يستفتي في أحكام تلك الشريعة، خصوصاص وأنه نُبِّئَ وهو صبي صغير، فراح يدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده والتوبة من ذنوبهم وخطيئاتهم، ويأمرهم بالإغتسال في نهر الأردن قبل التوبة، فكان (ع) ظاهر الزهد والنسك منذ الصبا، على أكمل أوصاف الصلاح والورع متعلقاً بالعبادة كما ذكرنا.

وقد ورد عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: إنّ أوحش مايكون على هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها،ويوم يُبعَثُ (للحساب) فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا، وقد سلّم الله عزّوجل على يحيى (ع) في هذه المواضع الثلاثة وآمن روعته، فقال عزّ من قائل: {وسلامٌ عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعثُ حيّا}.

لقد كان يحيى(ع) كعيسى ابن خالته آية من آيات الله البينات ومعجزة من معجزاته الباهرات، وهبه لأبيه زكريا ليرثه، بعد أن خاف زكريا(ع) الموالي أن يغيّروا ويبدّلوا في دين الله، وهبه إياه على كبر، وبعد أن غزا الشيب مفرقه، ويئست زوجته من اإنجاب، وفي وقت لايعقل فيه أن ينجب زكريا أو امرأته، تماماً كما وهب سبحانه عيسى لمريم(ع) بطريقة لايعقلها الناس العاديون.

ثورة يحيى على هيرودوس وهيروديا

في زمن يحيى(ع) كان هيرودوس حاكماً على فلسطين، من قبل قيصر بيزنطية... وكان فاجراً فاسقاً دنيئاً زانياً، حيث كانت إحدى بغايا بني إسرائيل تأتيه دائماً فيرتكبا الزنى المحرم...

وكبرت تلك البغي وأصبحت عجوزاً شمطاء، فلم يعد هيرودوس يرغب بها، وكانت لها إبنة رائعة الجمال، فابتغاها هيرودوس زوجة له..

وعلم يحيى(ع) بالأمر، فأنكر ذلك عليه وعلى ابنة البغي، فثار وراح يحرّض الناس ويؤلبهم على هيرودوس، جاهراً بالحق، صادعاً بالصدق، فلا يجوز لهيرودوس أن يتزوج من فتاة كانت أمها تحته، وإن في علاقة غير مشروعة.

وشاع أمر يحيى(ع) بين الناس وذاع.. وماكان نبي الله إلاّ مجاهراً برأيه على رؤوس الأشهاد، وفي كل محفل وناد، لأنّ الدين لايبيح ذلك ولايسمح به، إضافة إلى أنّ العقلاء يستنكرون ذلك وأنفس الشرفاء تمجه، وتعافه أذواق الصلحاء.. وهكذا وصل رأي يحيى إلى كل مكان.. إلى محاريب العباد والعلماء، وإلى أماكن الفجور والفسق، حيث الفجار والفسقة...

وعرفت تلك البغي بأمر يحيى ورأيه، فغضبت وحقدت عليه، وراحت تمكر به، وإن مكرهن لعظيم..

لقد خافت أن يغير هيرودوس رأيه، متأثراً بموقف يحيى(ع) وهو رأس العبّاد والربّانيين المتألّهين، نبي الله وابن نبيّه.. فلجأت إلى الغواية، والخديعة.

هيّأت ابنتها وزيّنَتها وقالت لها: إني أريد أن آخذك إلى هيرودوس، فإذا واقعك، فسيسألك ماذا تطلبين، فإياك أن تطلبي منه شيئاً سوى الزواج منه على أن يكون المهر رأس يحيى بن زكريا.

مقتل يحيى(ع)

دخلت ابنة البغي على هيرودوس، وهي تتلوى بغنج وتختال بدلال، وقد تزيّنَت بأجمل زينة، وأبهى بهرج ولألاء..

إنبهر هيرودوس بجمالها الغوي، فراحت تتثنى أمامه، بأناقتها الفائقة، فظنّ أنه في مهرجان حسن وضّاء وعرس جمالٍ وبهاء، فاستجاب لداعي الفتّان، ونزع عن مفرقه التاج، وكلّل به رأس من تمثّل الحسن بها والجمال، وهتف أمامها صاغراً متذللاً، قد أخذته الشهوة، وأعمت بصيرته الفتنة:

-سيدتي.. مُرِي بما تشائين، يطع ما تأمرين.. فإنما أنت لي ولن يفرق بيننا إلاّ الموت..

وتلوّت الأفعى ثانية، وتثنّت، وقالت بصوتٍ مغناج يشبه الفحيح:

- أنا لك شرط أن تأتيني برأس يحيى بن زكريا، فإنّه يعكر علينا صفو الحياة إن بقي على قيد الحياة، وينغّص علينا هناءة العيش، ويؤلّب الناس علينا وينفرهم عنّا.

قالت ذلك وانصرفت ولم يطل الوقت: ساعة أو بعض ساعة، حتى أتي بيحيى(ع) وجئَ بطشت من ذهب فذبح ووضع رأسه في الطشت وأرسل به إلى تلك البغي..

وإنّه لمن هوان الدنيا على الله سبحانه، أن يهدى رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.. وهو النبي الذي لم يكن له من قبل سمي.. وكذلك الحسين(ع) فيما بعد، لم يكن له سمي.. وكان حقاً على الله أن تهون عليه الدنيا..

فعن الصادق(ع) قال: لم تبكِ السماء إلا عليهما (الحسين وزكريا(ع)) أربعين صباحاً.

قيل له: وماكان بكاؤها؟

قال عليه السلام: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء!...

وما أشبه اليوم بالأمس..

وما أشبه الباغي بالبغي..

فبعد أجيال كان رأس الإمام الحسين(ع) ريحانة رسول الله(ص) وسبطه وسيد شباب أهل الجنة، موضوعاً في طشت أمام الباغي يزيد بن معاوية، طاغية عصره، ينكث ثناياه الشريفة بقضيب كان في يده، تشفيّاً كما تشفّت البغي برأس يحيى(ع).

إنهما، وحق الله، مناسبتان متشابهتان متماثلتان، بكت فيهما السماء دماً عبيطاً، فكان حقاً على الله أن تهون عليه الدنيا، في هاتين المناسبتين، هواناً مابعده هوان... وها نحن نرى نتائج ذلك في واقع الأمة الإسلامية...

فسلام الله على الحسين(رضى الله عنه) وسلام الله علىيحيى وإنّا لله وإنّا إليه لراجعون

آخر تعديل بواسطة صوت الحق ، 28-06-2008 الساعة 11:32 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-06-2008, 11:30 AM
الصورة الرمزية صوت الحق
صوت الحق صوت الحق غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
صوت الحق is an unknown quantity at this point
افتراضي النبي يونس (ع) ذو النون

النبي يونس (ع) ذو النون

يونس يدعو قومه:

قامت دولةُ الأشوريِّين في بلاد "مابين النَّهرين"، وكانت عاصمتُها "نينوى" بأرضِ الموصلِ.

وكانوا يهتمُّونَ بزراعةِ الأرضِ، اهتمامَهم بالعزوِ والتوسُّعِ، شأنهم في ذلك شأنُ جميعِ شعوب تلك الحقبةِ من التَّاريخ.

وإلى جانب ذلك، فقد كانوا وثنيِّيين، يعبدونَ الأصنامَ. وارتفعت الأصنامُ في بيوتِ عبادّتِهم، وفي مدينة نينوى بشكلٍ خاصٍّ وتقرّبوا إليها بالعبادة والطّاعة، متّخذين منها آلهةً من دون الله تعالى.

وأباحوا لأنفسهم كلَّ حرامِ.. فكانوا لايتورعون عن ارتكاب المعاصي والموبقات، ولايتناهون عن كبائر الفواحش، والآثام!.

فأرسل الله تعالى إليهم نبيَّهم "يونس" يدعوهم إلى عبادةِ الله وحدِهِ:

- ياقومُ!.. ماهذه الأصنامُ التي أنتم عليها عاكفون؟..

إنَّ ربَّكم الله خالقُ كلِّ شئٍ، فتوبوا إليه، واعبدوهُ، يمتِّعكم متاعاً حسَناً..

- ماهذا الهذرُ يايونس، وما هذا البهتانُ الذي تأتينا به؟

أنعبدُ إلهاً لانعرفُه، ولانراهُ، ونذرُ آلهتنا التي نشأنا على عبادتها نحنُ وآباؤنا الأقدمون؟

فمن ينجِّينا إذاً من سخط "أشور"، عظيم آلهتنا، إن آمنّا بك واتّبعناك؟

- إنني ياقومُ إليكم بشيرٌ ونذيرٌ.. أرسلني الله إليكم كي أدعوكم إلى ما أوحيَ إليَّ به من الله العزيز الحكيم، أن اعبدوه وحده لاشريك له، ولاتُعرضوا عن هذا الدّين الّذي أتيتكم به.

فإن آمنتم وصدَّقتم برسالةِ ربكم كنتم من الفائزين.. وإلاّ، فانتظروا سخط الله عليكم، وعذابه، فلا تُقبلُ عندئذٍ توبةُ التَّائبين، ولاينفعُ ندمُ النّادمين. إنّ أجلَ الله لآتٍ لو كنتم تعلمون!..

- مانراك يايونس على شئٍ مما تدعوننا إليه، ولسنا لدعوتك بمستجيبين، {فائتنا بما تعدنا غن كنت من الصّادقين}.

ويكرّر يونس دعوته قومه إلى دين الحقِّ، فلعلَّهم يؤمنون.. فلا يزدادون إلاّ غيّا، وإصراراً على ما هم سادرون فيه من ضلال.. فيضيق بهم ذرعاً.. إنهم قومٌ عمون!..

وأخيراً، يُنذرُهم: إنّكم مُنظرون (أي: مُمهَلون) ثلاثة أيّامٍ كي تتوبوا، وتُقلعوا عمَّا أنتم عليه من الكفر، وتعودوا إلى الله؛ ربَّكم، وإن لم تفعلوا، فائذنوا بالعذاب الأليم!..

وينصرف يونسُ عن محاجَّتهم ومحاولة إقناعهم...

ونيظر قومُ يونسُ، بعضُهم إلى بعضٍ، متسائلين:

- أحقاً ماينذرُنا به يونس؟

ويُردفُ أحدّهم:

- أو عهدتم عليه، قبلَ ذلك، كذباً؟...

- لا، إنه بيننا الصَّدوقُ الأمينُ!..

- الرأيُ أن تأخذوا قوله على أنه الصدق، ولمزيدٍ من التأكيد، علينا أن نراقب مبيته، فإن بات فليس بشئٍ، وإن لم يبت، فاعلموا أنَّ العذابَ مُصبِحُكم..

فلمّا كان في جوف الليل خرجَ يونسُ من بين أظهرهم، وانطلق في أرض الله... مرتحلاً عن قومِهِ، مغاضباً، يائساً من هؤلاء القوم الفاسقين..

وهكذا لم تكن لنبيِّ الله يونسُ أناةُ نوحٍ، ولاصبرُ أيوبَ، ولاعزمُ موسى وإبراهيم!

نُذُرُ العذاب

وما أن ابتعدَ يونسُ عن نينوى حتّى لاحَتْ نُذُرُ العذاب...

فقد غشيَ المدينة غيمٌ أسودُ ينبعثُ منه دخانٌ عظيمٌ،.. فاسودت سطوح منازلهم، وخيَّم العذابُ فوقَ رؤوسهم أجمعين!.. وتغيَّرت هيئاتُ قومِ يونس، واكفهرَّتْ وجوههُم، واربدَّت!..

ونظر بعضُهم إلى بعضٍ، فإذا بهم مكفهرُّون!..

ونظروا إلى علٍ فإذا بالجو أسود قاتمٌ.. فداخلَهم خوفٌ ورعبٌ شديدان، وامتلأتْ قلوبهم هلعاً.. فأيقنوا بالهلاك، ووشيك العذاب الأليم!..

وتوجَّهوا بجموعهم إلى "مليخا" كبير زهّادهم،.. وإلى "روبيل" عظيم علمائهم،.. يستفتونهما:

ماالعملُ؟.. وقد غشيَنا العذابُ.. فالأمرُ عصيبٌ، شديدٌ..

فأشار عليهم بأن يلبسوا المسوح (وهو لباسُ الزهَّاد من الرهبان)، وأن يتفرّقوا بين قمم الجبال، وبطون الأودية، ومنبسطات السُّهول.. وأن يُفرِّقوا بين الأمّهات وأولادها، من بشرٍ وحيوانٍ.. وأن يتوبوا إلى الله..

ففعلوا ذلك:

وفزعوا إلى الله، يجأرون بالاستغاثة والدعاء:

- ياحيَّ،.. ياقيُّوم، يامحييَ الموتى،.. لاإله إلا أنت!..

وعلا بكاء الأطفال الرُّضَّع، وحنينُ البُهم الصِّغار الرُّتَّع، ودعاءُ الشيوخ الرُّكَّع.. وتابوا إلى الله توبةً نصوحاً!..

قال ابن مسعود:

"بلغ من توبة أهل نينوى أن ترادُّوا المظالم بينهم،... حتّى أن الرّجل كان ليأتي بالحجر، وقد وضع عليه أساسُ بنيانه، فيقتلعُه، ويردُّه!.."

فما زالوا على ذلك،... حتّى نظر الله تعالى إليهم، وهم على هذا الحال، فبسط عليهم رحمته، وقد تقبَّل منهم توبتهم.. فلم يؤاخذ الصغيرَ بظلمِ الكبير، ولاالضعيفَ بجريرةِ القويِّ، ولاالحييَّ بفسوق الفاجر الكفّار.. بل شملهم جميعاً برحمةٍ منه. ورفع عنه العذاب، وقد كاد يحيطُ بهم جميعاً!..

يونسُ يذهب مغاضباً

أمّا يونسُ فقد تابع انطلاقه، مغاضباً، دون أن يأمره الله بذلك. أو يوحي به، إليه، بل، تأوّلاً منه، وترخُّصاً، وصدوراً عن رأيه هو.. وهو فعل ذلك،... فيتحمّل إذاً التّبعات!...

وكان يظنُّ ظناً شديداً بأنْ لن يقدرَ الله عليه...

سواء كان معنى هذا "القدر" تقتيراً في الرِّزقِ، كما يراه بعضُ أجِلاَّئنا المحقِّقين، أو، تقديراً من الله تعالى، كما يراه بعضهُم الآخرُ.

وأمعن يونسُ يضربُ في طولِ الفضاءِ، وعرضِه، (كنايةً عن الجدِّ في السير) حتى حطَّت به عصا التَّسيار أمام شاطئ البحر،... فتوقَّف مُضنىً، تعباً!..

يونس في السفينة

وشاهد سفينةً شُحِنت بحّارةً ومسافرين، ومتاعاً كثيراً.. وقد أخذت أشرعتُها ترتفعُ، مؤذنةً بالإبحار!..

فاقتربَ يونسُ من الرُّبَّان، وبعضِ النوتيَّة، يسألهم أن يصطحبوه معهم، في رحلتهم هذه، فقبلوه بينهم،.. وأنزلوه كواحدٍ منهم، عزيزاً، مكرَّماً،.. وقد أُخذوا بسيماء هذا العبد الصّالح الوقور، الكريم خلقاً وخُلُقاً!..

وأقلعت السَّفينةُ متهاديةً على صفحة اليِّم،.. فالبحرُ ساجٍ (أي: هادئ ممتد) والريحُ طيِّبةٌ، رُخاءُ!..

وفي قلب البحر هبَّ على السَّفينةِ إعصارٌ عاصفٌ، فتلاعب بها ذات اليمين وذات الشمال.. وأخذها الموج من كلّ جانبٍ، حتى أشرفت على الغرق.. فدعو الله مخلصين، أن يُنجّيهم من هذا الكرب الشديد..

وبينما هم كذلك، يغالبون الأمواج العاتية،.. وإذا بحوتٍ يشقُّ طريقه إلى السَّفينة، وكأنه قطعةُ جبلٍ،.. ويأخذُ بالدّوران حولها، والإلتفاف عليها،.. يبتغي رزقاً يطعمه!.. فاحتار الربّان في أمره، لايدري ماذا يفعلُ.. ووجمَ النوتيّة، مضطربين.. وعلت الأصواتُ بالاستغاثة والدُّعاء.. فهم بين بحر هائجٍ. تتعالى أمواجُه كالجبال، وحوتٍ ضخمٍ لايبرُح جانبي السّفينة، شاخصاً بعنقه إلى من فيها من ركّاب!..

جزاي العبد الآبق

وتشاور ركّابُ السّفينة فيما بينهم،.. ماالعمل؟

واستقرّ رأيُهم على أنّ بينهم عبداً آبقاً من مولاه (أي: هارباً من سيده) ولذلك كانت هذه العاصفةُ المجنونةُ،.. وهذا الحوتُ المنكر، الذي يأخذُ على سفينتِهم كلَّ طريقٍ!. وأجمعَ رأيَهم على إلقاءِ رجلٍ منهم في البحر.. فلعلّهم يتخلّصون من هذا النَّحسِ الذي يصاحبُهم، فيصفو الجوُّ.. ولعلَّ الحوتَ يقنعُ به، فيدعُ السَّفينةَ، وشأنها.. وتعاهدوا على ذلك.. ولجأوا إلى القُرعة: أيُّهم يكونُ نصيبَ الحوت؟.. وأجالوا القرعة فيما بينهم، فوقعت على يونس..

فاستعظموا أن يقذفوا بهذا العبد الصّالحِ في لجَّةِ البحر، لقمةً شائغةً لهذا الحوت الشرس، العنيد..

وأجالوا القرعةَ ثانيةً، فوقعت على يونس..

فأبوا..

وأجالوها ثالثةً، فأصابت يونسَ أيضاً!..

فعلم الجميعُ أن في الأمر سراًّ..

ونظروا إلى يونس كالمعتذرين، فمشيئة الله تأبى غيرَه.. فما كان من يونس إلاَّ أن رضي، قانعاً بما قسم الله له،.. وقد أوحيَ إليه:

- "عبدي... إن إردتَ أن تهربَ من قضائي، فاخرج من أرضي وسمائي!.."

وأسلم نبيُّ الله أمرَه ووجهَه لجبّار السّموات والأرض، وتوجَّه إلى حافّة السّفينة، واضعاً كلتا يديه على رأسه، وألقى بنفسه في لجّة الماء المزبد، وهو يصرخ: ياالله!..

وشاهد الحوتُ جسماً يتحرَّكُ في الماء، يغالبُ الأمواجَ العاتيةَ.. فاتَّجَهَ إليه، والتقمَه ابتلاعاً، دون أن يمزِّق منه لحماً، أو يهشم له عظماً.. وقد أوحى الله تعالى إليه:

"إني لم أجعل عبدي لك رزقاً، ولكني جعلت بطنكَ له مسجداً،.. فلا تكسرنَّ له عظماً ولاتخدشنَّ له جلداً.."

ومضى الحوتُ في طريقِهِ، لايلوي على شئ..

وتابعت السفينة طريقها.. وقد ساد رُكّابها حزنٌ طفح على وجوههم جميعاً، وقد كان صاحبُهم بينهم منذ لحظات..

ثم لبثوا أن أخذهم العجبُ الشّديدُ: إذ سرعان ما عادت الريح طيِّبة، رخاءً،.. وعادَ الجو إلى صحوهِ وإشراقِهِ،

بينما انصرف الحوتُ وشأنَه.. وكأنَّ شيئاً لم يكن!.

واستقرّ يونس في جوف الحوت،.. وكأنّه في جوف قبرٍ مظلمٍ، تتحرك فيه مياهٌ جيئةً وذهاباً..

وعصفت به وحشةٌ رهيبةٌ قاسيةٌ، كادت تقطع أنفاسَه..

فذكر الله، مسبِّحاً له، مقدِّساً إياه، وهو سجين ظلماتٍ ثلاثٍ: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة جوف الحوت.

أما المدَّة التي بقيها يونسُ في جوف الحوت، فقد اختلف العلماء والمفسِّرون فيها: فمن قائلٍ: ثلاثة أيام،.. إلى قائلٍ: بل، سبعة. وقيل: عشرون يوماً. وقيل: أربعون.

ويلقي القرآن الكريم على ذلك ضوءاً، بقوله، عزّوجلَّ: {وذا النّون (أي: صاحب الحوت، والمقصود به يونس)، إذ ذهب مغاضباً فظنَّ أن لنْ نقدِرَ عليه، فنادى في الظُّلُماتِ أن لا إله إلاّ أنتَ سُبحانكِ إنّي كنتُ من الظّالمين. فاستجبنا لهُ ونجّيناهُ من الغمِّ وكذلك نُنجي المؤمنين}.

[ونحنُ نعلم بأنّ لهاتين الأيتين الكريمتين، قدراً عند الله تعال، خاصّاً.. بحيث أُثبتت قراءتُهما في الرّكعة الأولى من صلاة الغُفيلة، بين فرضي المغرب والعشاء].

ويشاء الله تعالى أن يشمل عبده اللاّهج باسمه، برحمته.. وهو حيثُ هو.. في هذا القبر الحيِّ.. المتنقِّلِ به في قيعان بحار الدُّنيا!. فأوحى إلى الحوت: أن الفِظ عبديَ على الشاطئ الأمين.. ففعل!.

وخرج يونسُ - وقد قاءه الحوتُيتلمَّس طريقَه على الشاطئ، كالفرخِ الأزغب.. وقد رقَّ جلدُه بسبب ملوحةِ مياه البحر التي كان يقبع فيها، وهو في جوف الحوتِ.. ووَهنت قواه لفَرطِ ماعاناه، حتّى لكاد يُشرِف على الهلاك.

واقتعد ناحيةًمن الشَّاطئ، مفترشاً الرَّملَ.. فآذته حرارةُ الشَّمسِ.. فأنبتَ الله عليه شجرةً من يقطينٍ، فاستظَلَّ فَيْأها، وتناول منها ما اقتات به بعض الشئ..

وأخذت تسري الحياةُ في أوصاله شيئاً فشيئاً.. حتى تماسك على نفسهِ واستعادَ بعض قواه الخائِرةَ.

يونس يعود إلى قومِهِ

أمّا قومُ يونسَ، فقد علموا بما أصابَ صاحبَهم النبي، الذي غادرهم وهو يتفجَّر غضباً، لِماهم سادرون فيه من غيِّ، وضلال.. وأيقنوا أنّه تحوَّل طُعمةً لحيتان البحار، ووحوش قيعانها النَّواهشِ.. فصرفوا النظرَ عنه.. وقطعوا الأملَ من عودته، ثانيةً، إليهم.. وكانوا ياسفون لموقفِهم السَّابق منه، أسفاً شديداً.. ويندمون ندماً مريراً..

وكانوا، فيما بينَهم، يقولون:

- ياليت يونسَ يعودُ إلينا،.. لوجدنا، إذاً، من المؤمنين، وبرسالته من المصدِّقين، بعد أن منَّ الله علينا، فهدانا إلى صراطه المستقيم، واتَّبعنا دينَه القويمَ!..

ولشدَّ ما كانت دهشةُ قوم يونس، عندما رأوا نبيَّهم عائداً إليهم وفي مدينتهم نينوى ذاتها.. حيث كثُرَ أتباعه، وغمَّ أشياعهُ، فهم مئة ألفٍ أو يزيدون...

ووجدوا في عودته إليهم معجزةً سماويَّةً كبرى!..

ولشَدَّ ماكانت دهشةُ يونسَ عندما وجد قومَه مسلمين مؤمنين، بعد أن تركهم، في أمسهم القريب، كافرين فاسقين!..

وأحاطت نينوى بنبيِّها العائدِ إليها، مكرِّمةً إياه، رسولاً كريماً، ونبيَّاً أميناً.. وأدرك يونسُ أنَّهُ قد استعجلَ أمر ربِّه..

وليس للنبي المصطفى أن يستعجل أمر مولاه، فلله الحكمة البالغةُ،.. وهكذا كان ليونس ماكان!..

ولوطالت أناتُه قليلاً لتوصَّل إلى حمدي العُقبى، وجميلِ المال، ولوفَّر على نفسه عناءً كثيراً، وابتلاءً عظيماً..

{إنّ الله بالِغُ أمرِهِ قد جعل الله لِكُلِّ شئٍ قدراً}

ولنُصغ خاشعين إلى الله تعالى يوجز لنا قصة يونسَ، هذه، بالكلم المعجز، المتجلِّي في هذه الآية من الذّكر الحكيم:

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وإنّ يونُسَ لمن المُرسلين. إذ أبق الى الفُلكِ المشحون. فساهم فكان من المدحضين. فالتقمهُ الحوتُ وهو مُليمٌ. فلولا أنّهُ كان من المسبِّحين. للَبِثَ في بطنهِ إلى يومِ يُبعثُون. فنبذناهُ بالعراءِ وهو سقيمٌ. وأنبتنا عليه شجرةً من يقطينٍ. وأرسلناه إلى مئة ألفٍ أو يزيدون. فآمنوا به فمتّعناهُم إلى حينٍ}.

صدق الله العلي العظيم
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 03:44 PM.