اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-05-2013, 12:10 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New دولة الأغالبة


الأغالبة أو بنو الأغلب سلالة عربية من بني تميم حكمت في شمال إفريقيا (شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا) مع جنوب إيطاليا وصقلية وسردينيا وكورسيكا ومالطة.
فترة الحكم: 800-909 م.
المقر: القيروان.
كان مؤسس الأسرة الأغلب بن سالم بن عقال التميمي قائداً لجيش العباسيين، ثم أصبح ابنه إبراهيم (800-812) والياُ على إفريقية من طرف هارون الرشيد ابتداءً من سنة 787، غير أنه استقل بالأمر سنة 800 بعد تراجع دور العباسيين.وقد عمل الرشيد على دعم إبراهيم حتى لا يستقل نهائيًا كباقى الإمارات، بعد القضاء على عدة ثورات كانت أغلبها من طرف دعاة البربر ،وكان من أهمها ثورة حمديس الكندى في المغرب الأدنى، وثورة أهل طرابلس سنة 189 هـ ،ثمّ إستقر الأمر في عهد عبد الله بن إبراهيم (812-817).
ومات إبراهيم بن الأغلب سنة 196هـ بعد أن ترك إمارة قوية خلفه في حكمها ابنه عبد الله أبو العباس وكان سئ السيرة فقد اشتد مع الناس وزاد في الضرائب. وفى عام 201 مات عبد الله أبو العباس واستراح الناس من حكمه. ثم زيادة الله بن إبراهيم (817-838) وقد شهدت دولة الأغالبة في عهده أزهى أيامها، رغم أنه ظل لفترة منشغلاً بإخماد ثورة منصور الطنبذي الذي حاصر القيروان وهدد وجود الدولة، إلا أن زيادة الله تمكن من الانتصار عليه. بعد سنة 827 تم غزو صقلية من طرف الأغالبة، ثم الاستيلاء على مدينة باري -في إيطالية- عام 841، ثم اجتياح رومية - روما- ونهبها عام 846 -إلا أنهم إنسحبوا بعد ذلك-.
ويعد الاستيلاء على صقلية أهم إنجاز حققه زيادة الله ابن الأغلب فقد جهز جيشًا كبيرًا بإمرة قاضى القيروان أسد بن الفرات سنة212هـ. فاستولو على جزءًا كبيرًا من الجزيرة، ولم يتوغلوا فيها بسبب وفاة القائد أسد بن الفرات ومساعدة الروم، فجاءت للمسلمين نجدات من القيروان والأندلس وتوغل المسلمون في الجزيرة بقيادة محمد بن أبى الجوارى، وفى عام 221 هـ توفى زيادة الله ابن الأغلب, وخلفه أخوه أبو عقال الأغلب بن إبراهيم الذي قام بعدة إصلاحات فقد أزال المظالم ومنع الخمر، وحقق بعض ا لإنجازات العسكرية بالاستيلاء على بعض حصون «صقلية» وهزيمة أسطول رومى جاء لمحاصرة الجزيرة، وتوفى أبو عقال سنة 226هـ وخلفه ابنه أبو العباس محمد الأول. وظلت دولة الأغالبة قائمة يتعاقب عليها أمراء البيت الأغلبى حتى قضى عليها الفاطميون سنة 296هـ / 909م.
كما أنهّم غزو مالطا عام 868، وبلغت سطوة الأغالبة مبلغاً كانت فيه كل الدول المسيحية على ساحل إيطالية تدفع لهم الجزية.
تأسيس الإمارة وأشهر حكامها

دخل الأغلب بن سالم إفريقية مع قوات محمد بن الأشعث سنة 144هـ/ 761م، وعهد إليه الخليفة العباسي المنصور بولاية إفريقية (تونس) سنة 148هـ/ 765م، ولكن سهماً أصابه سنة 150هـ/ 767م أدى إلى وفاته فعرف بالشهيد، وكان ابنه إبراهيم صغيراً، لم يتجاوز عمره عشر سنين، فقضى صباه في الدرس والتحصيل في الفسطاط (مصر). ولما شبّ دخل في جند مصر، ثم أتيح له دخول المغرب في ولاية الفضل بن روح فيما بين 177- 179هـ/ 794-796م، وتوصل بفضل شجاعته وحسن تدبيره إلى تولي منطقة الزاب في ولاية هَرْثَمة بن أَعْينِ لإفريقية، ثم قام بنصرة واليها الجديد محمد بن مُقاتِل بعد أن تغلب عليه أحد عماله سنة 181هـ/ 798م، ورده إلى إمارته. ولما علم الخليفة هارون الرشيد بحسن بلائه وإخلاصه للخلافة، جعله والياً على البلاد في مستهل سنة 184هـ/ 800م، بعد أن تعهد بدفع أربعين ألف دينار سنوياً إلى بيت مال الخلافة في بغداد، والاستغناء عن المعونة السنوية التي كانت تقدمها مصر إلى إفْرِيِفيّة ومقدارها مئة ألف دينار.
بدأ إبراهيم ولايته ببناء مدينة العبّاسية أو القصر القديم سنة 184-185هـ/ 800 -801م في الجنوب الشرقي من القَيروَان، واتخذها عاصمة له، ونقل إليها السلاح والعدد، ثم انتقل إليها بأهله وحرمه وعبيده وأهل الثقة من جنده. وكان يقصد بذلك التحرر من تسلط الجند المشاغبين ومدافعتهم، وكان من بين التدابير التي لجأ إليها ليحقق ذلك أنه راح يشتري أفراداً من السودان بحجة استخدامهم في الصناعة تخفيفاً على الناس من أعبائها، لكنه استخدمهم في الجيش ودربهم على حمل السلاح.
على أن الثورات في المغرب لم تلبث أن عادت سيرتها الأولى، وحدث ما كان يخشاه إبراهيم بن الأغلب، إذ ثار خريش بن عبد الرحمن الكنْدي سنة 186هـ/ 802م، وخرج على الأغالبة والعباسيين في آن واحد ونزع السواد شعار العباسيين، فأرسل إبراهيم جيشه لقتاله عند سبخة تونس، وانتصر عليه وفرض الأمن فيها. وفي سنة 189هـ/ 805م ثار عليه أهل طرابلس، وكانت تابعة له، وأخرجوا منها واليه سفيان بن المضاء لسوء معاملته لهم. فأرسل إبراهيم جيشاً أحضر الثوار إلى القيروان، ثم عفا عنهم وأعادهم إلى بلادهم. ومع ذلك فإن الفتن والثورات لم تهدأ في طرابُلس، فكانت تهيج بين الحين والآخر، ولا سيما قتال الرستميين للأغالبة، حتى نزل لهم الأغالبة عن المناطق التي يحتلونها جنوبي طرابلس.
أما أخطر هذه الثورات فثورة قائد إبراهيم ووزيره عمران بن مجالد سنة 194هـ/ 810م الذي شعر بقوته بعد الخدمات الكبيرة التي قدمها لولي أمره إبراهيم بن الأغلب، فاستولى على القيروان، وغلب على معظم بلاد إفريقية، واستمرت الثورة عاماً كاملاً حتى استعاد إبراهيم سلطته بعد أن دفع عطاء الجند الخارجين عليه، واضطر عمران إلى الفرار إلى بلاد الزاب، ودخل إبراهيم القيروان، فقلع أبوابها، وهدم أسوارها حتى لا تعود إلى الثورة.
تطلع إبراهيم إلى المغرب الأقصى حيث الدولة الإدريسية فاضطر إدريس إلى إرضائه، وسؤاله الكف عنه. وقد بلغ من استقلال إبراهيم بما تحت يده وقوة نفوذه أنه استقبل شارلمان في العباسية حاضرة الإمارة، وعقد هدنة مع حاكم صقلية قسطنطين نصت على مفاداة الأسرى.
توفي إبراهيم بن الأغلب سنة 196هـ/ 812م، بعد أن حكم إفريقية مدة اثنتي عشرة سنة. وكان فقيهاً، أديباً، شاعراً، خطيباً، ذا رأي ونجدة. وخلفه في الحكم ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم (196-201هـ/ 812 -817م) الذي كان يلي طرابُلُس لأبيه، فأخذ أخوه زيادة الله البيعة له من رؤساء الجند، ثم دخل القيروان سنة 197هـ/ 812م وأقره الخليفة المأمون على ما بيده من إفريقية.
عامل عبد الله سكان البلاد معاملة تنطوي على الكثير من العنت والجور، ولم يصغ إلى نصائح أهل الرأي فيها. وعدّل نظام الضرائب فجعل العشر ضريبة مالية ثابتة، حتى لا يتأثر الدخل السنوي بالخصب والجدب، فسخط الناس عليه، وطالبوا بإلغائها والعودة إلى نظام العشر الذي اعتادوه، كما عامل أخاه زيادة الله معاملة سيئة، وكذلك فعل مع أهل بيته. وكانت وفاته في سنة 201هـ/817م. فتولى الإمارة بعده أخوه زيادة الله بن إبراهيم (201- 223هـ/ 817 -837م) وكان أفصح أهل بيته لساناً وأكثرهم أدباً، وكان يقول الشعر، ويرعى الشعراء.
كثرت حركات الخروج عن الطاعة في أيام زيادة الله حتى إنه لم يعد يسيطر في بعض السنوات إلا على حاضرته وما يحيط بها، وترجع أسباب الاضطراب إلى استمرار زيادة الله على سياسة أخيه الجائرة مع الناس واستخفافه بالجند. ومن الثورات التي قامت في وجهه ثورة ابن الصقلبية في سنة 207هـ/ 822م في باجة التي قضى عليها بسهولة، وثورة عمرو بن معاوية القيسي سنة 208هـ/ 823م التي عرفت بثورة القصرين، فقضى عليها أيضاً، ثم ثورة منصور الطَنْبذي سنة 209هـ/ 824م في تونس التي كادت تودي بالدولة الأغلبية. واستطاع زعيمها إلحاق هزيمة قوات زيادة الله أكثر من مرة، حتى خرجت مدن كثيرة عن طاعته، واستبد بها القواد الذين دخلوا في طاعة الطنبذي، ومنها باجة والجزيرة وصَطْفورة وبَنْزَرْت والأرس وغيرها. ولم يبقَ في يد زيادة الله سوى عدد قليل من المدن، كما حاول الطنبذي احتلال القيروان نفسها، وإنهاء حكم زيادة الله سنة 209هـ/ 824م فلم ينجح، وضرب منصور الطنبذي السكة باسمه.
حاول علماء إفريقية التوسط بين زيادة الله والطنبذي كأبي محرز وأسد بن الفرات، ولكن الحرب لم تتوقف، إلى أن قام زيادة الله بهجوم كبير في منتصف جمادى الآخرة سنة 209هـ/ 12 تشرين الأول 824م، فانهزم الطنبذي إلى قصره بتونس، ولاذ رجاله بالفرار، ولكنه ما لبث أن استجمع قواه، وعاود القتال من جديد، وتضعضع حال زيادة الله ثانية، حتى كاد يخسر كل شيء، ولم يبق في يده إلا قابس ونفزاوة وطرابلس، ولم ينقذه إلا خلاف نشب بين منصور الطنبذي وعامر بن نافع أحد قادته، إذ انقلب عامر على الطنبذي واعتقله وسجنه في جزيرة جَرْبة ثم ***ه. ولم تنتظم الأمور لعامر بن نافع فاضطر إلى الفرار بسبب التمزق في صفوف جنده، ولم تنته الفتنة إلا بوفاته، بعد مدة من الاضطراب دامت ثلاثة عشر عاماً.
بعد أن استتب الأمر لزيادة الله الأغلبي قرر الشروع بفتح صقلية سنة 212هـ/ 827م، فجهز حملة أسند قيادتها إلى القاضي الفقيه أسد بن الفرات الذي كان على علمه فارساً شجاعاً، ونزلت الحملة في مَزارة على أقصى الشاطئ الجنوبي الغربي، وهي أول عملية إنزال في صقلية من سلسلة عمليات طويلة استمرت مدة اثنين وخمسين عاماً، وانتهت بفتح سرقوسة سنة 264هـ.
توفي زيادة الله سنة 223هـ/ 838م بعد ولاية حافلة بجلائل الأعمال والخطوب، استمرت أكثر من إحدى وعشرين سنة، وخلفه في الإمارة أخوه الأغلب أبو عقال المعروف بخَزَر أو خزرون (223-226هـ/ 838 -841م) وكان ثالث أبناء إبراهيم بن الأغلب الذين تولوا الإمارة على التوالي بعده، وأحسن سيرة من أخويه، فقد أجزل للعمال الأرزاق والصلات الكثيرة وتمتعت البلاد في زمنه بالأمن والاستقرار، بفضل الإجراءات التي اتخذها، فقد ألغى الضريبة الثابتة، وأعاد ضريبة العشر، وحرص على دفع عطاءات الجند في مواعيدها المقررة، وكف أيدي عماله عن التطاول على أموال الناس والمظالم بزيادة رواتبهم، ودفعها لهم في أوقاتها، كما منع صنع النبيذ والخمر في القيروان، وعاقب على بيعه وشربه. ولم يعكر صفو الأمن في عهده إلا حركة الخوارج في إقليم الجريد فيما بين مدينتي قفْصَة وقَسْطيلية (توزر) الذي تسكنه قبائل لواته وزواغة ومكناسة، فاضطر إلى إرسال جيش لقتالها سنة 224هـ/ 838م.
توفي الأغلب أبو عقال سنة 226هـ/ 841م، بعد أن حكم سنتين وتسعة أشهر وأياماً وكان في الثالثة والخمسين من عمره وخلفه ابنه أبو العباس محمد (حكم 226-242هـ/ 841-856م) الذي كان من أطول أمراء الأغالبة عهداً، ولم يكن على شيء من العلم والدين، ولكنه كان مظفراً في حروبه. شاركه أخوه أحمد أمور الحكم في بدء عهده ثم خرج عليه وحاول أن يستقل بالحكم سنة 231هـ/ 844م، إلا أن محمداً كان له بالمرصاد فاستعاد سلطانه منه.
كانت أوضاع البلاد مستقرة في عهد محمد، ولم يعكر صفوها إلا بعض الاضطرابات التي قام بها قواد الجند في الزاب بقيادة سالم بن غلبون، وفي تونس بقيادة عمر بن سليم التجيبي الذي تفاقم أمره. وكان عصره عصر عظماء العلماء العبّاد مثل أبي محمد عبد الله بن أبي حسان اليحصبي (ت 227هـ/ 842م)، والبهلول بن عمر بن صالح (ت 231هـ/ 846م)، والإمام سحنون بن سعيد (ت 240هـ/ 854م) الذي تولى القضاء سنة 233هـ/ 847م، والذي يعود إليه نشر المذهب المالكي في إفريقية بفضل كتابه المعروف بالمدوَّنة، إلى جانب أعمال عمرانية متعددة.
أما عن السياسة الخارجية في عهد محمد بن الأغلب فأهمها استمرار الفتوح في صقلية، والاستيلاء على مناطق واسعة من قلورية (كلابرية) في جنوبي إيطالية حتى قاربت قواته رومة.
توفي محمد بن الأغلب سنة 242هـ/ 856م بعد أن حكم خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياماً، تاركاً الملك لابن أخيه أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب (حكم 242-249هـ/ 856-863م)، وكان حسن السيرة، كريم الأخلاق والأفعال، من أجود الناس وأسمحهم، وأرفقهم بالرعية، مع دين واجتناب للظلم على حداثة سنه، فانصرف إلى أعمال البر والخير، وجعل على قضاء القيروان أبا الربيع سليمان بن عمران بن أبي هاشم الملقب بخروفة. وكانت مدة حكم أبي إبراهيم أحمد هادئة، لم يعكر صفوها إلا اضطراب الأوضاع في منطقة طرابلس. أما عن الفتوح في صقلية، فقد كان مظفراً في حروبه فيها، فاستولى على قصريانه (كاسترو جيوفاني)، وهي من مدن صقلية المهمة، وكان للخليفة العباسي نصيب في مغانمها، مما يشير إلى أن الدولة الأغلبية كانت ما تزال تعترف بسيادة الخلافة العباسية، على الضعف الذي أصابها.
لم يطل حكم أحمد، فقد توفي سنة 249هـ/ 863م، وعمره ثمان وعشرون سنة، وخلفه في الإمارة أخوه أبو محمد زيادة الله الثاني (249 - 250هـ/ 863 -864م)، الذي كان عاقلاً حليماً حسن السيرة، جميل الأفعال، ذا رأي ونجدة وجود، نظم أمور صقلية، وأقر حاكمها الذي كان على عهد أخيه، ولم تقم ثورات في الداخل في عهده القصير، إذ حكم سنة واحدة وخلفه ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أحمد أبو الغرانيق (250-261هـ/ 864- 875م)، وكان أبو الغرانيق صغير السن حين تولى الإمارة إلا أنه كان حسن السيرة في الرعية جواداً، غلبت عليه اللذات والشراب والميل إلى الطرب والاشتغال بالصيد، ولاسيما صيد الغرانيق، فلقب بها، بنى قصراً في موضع السَهْلَين يخرج إليه لصيدها، وأنفق فيه ثلاثين ألف مثقال من الذهب وبدد أموال الدولة على لهوه فلم يترك لخلفه إلا خزانة فارغة. إلا أن حروبه في صقلية كانت مظفرة تخللتها بعض الانتكاسات، كما استطاع إعادة فتح جزيرة مالطة سنة 261هـ/ 874م، وأسر ملكها، بعد أن كانت قد خرجت من يده سنة 255هـ/ 869م.
لم تكن علاقات أبي الغرانيق جيدة مع الدولة الرستمية والقبائل الخاضعة لها، مما اضطره إلى إرسال جيش كبير لقتالها بقيادة أبي خفاجة محمد بن إسماعيل، وتمكن هذا الجيش من تحقيق الانتصار في البداية، وأطاعته القبائل في منطقة الزاب، وعبرت عن طاعتها بتقديم الرهائن، ماعدا بني كملان من قبائل هوارة، فاضطر لقتالهم وانتهت المعركة بكارثة لجيش الأغالبة، ف*** قائد الجيش وجماعة من كبار قادته وكثير من جنده.
توفي أبو الغرانيق سنة 261هـ/ 879م وقد حكم إفريقية وما يليها عشر سنين وخمسة أشهر ونصف، وعاصر من الخلفاء العباسيين، المستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد، وأقره كل منهم على ولايته. وخلفه في الحكم ابنه أبو عقال الأغلب وكان صغيراً فتولى عمه إبراهيم بن أحمد أبو إسحق الوصاية عليه، وحلف الأيمان على حسن الوصاية، ولكنه حنث بأيمانه واغتصب الولاية لنفسه، ولم يمض عليه في الإمارة غير أيام.
استقر إبراهيم بن أحمد (261-289هـ/ 875 -902م) في القصر الجديد بمدينة رقّادة، التي بناها، وحصل على بيعة مشايخ أهل القيروان ووجوه أهل إفرِيِقِيَّة وجماعة من بني الأغلب، وكان حكمه من أطول عهود أمراء الأغالبة. بدأ عهده بكف الظلم ونشر العدل، وكان يجلس بنفسه للمظالم في جامع القيروان يوم الخميس والاثنين من كل أسبوع.
لقي إبراهيم بن أحمد متاعب من الطولونيين جيرانه في مصر، منذ أن فكر العباس بن أحمد بن طولون بالاستقلال عن والده، وتأسيس إمارة له في برقة وطرابلس وما يحتله من المناطق التابعة للأغالبة سنة 265هـ/ 878 -879م. وراح يراسل قبائل الأمازيغ (البربر) فاستجاب له بعضهم في أقاليم إفريقية الشرقية، فأرسل إبراهيم جيوشاً التقت العباس في وادي ورداسة، ولكن جيش إبراهيم انهزم ودخل العباس لَبْدَة، وحاصر طرابلس ولم يحسن جنده معاملة الأهالي فثار عليه بربر نَفُّوسة الإباضية وقاتلوه مع جيش إبراهيم، واضطر العباس إلى الانسحاب بقواته انسحاباً غير منظم تاركاً ما في معسكره من الأموال والعتاد. وإضافة إلى هذا الاضطراب الذي حدث في طرابلس فإن اضطرابات أخرى حدثت في تونس وبلاد الزاب، فقد ثارت على إبراهيم قبيلة هوارة، وقبيلة لواته في باجة سنة 268هـ/ 881 -882م ولكنه قمعهما بقسوة متناهية.
استقرت الأمور لإبراهيم في الداخل خمس سنوات بعد ذلك، فعمل في هذه المدة على إصلاح الأوضاع المالية، وقرر التعامل بالدراهم الصحاح من الفضة، ولقي في عمله هذا معارضة قوية من أهل القيروان، انتهت باضطراب وقتالٍ مع الأمير، ولكنه نجح في تحقيق سياسته المالية، وضرب دنانير ودراهم جدداً سماها العشرية.
كذلك كانت حروب إبراهيم في صقلية ناجحة، ففتح سرقوسة وطبرمين. واعتمد في جيشه على السودان، فاشترى أعداداً كبيرة منهم، وأحسن تدريبهم، وكساهم الكساء البديع، وكانوا ساعده في الحروب، وأظهروا من الشجاعة والقوة ما لا يوصف، وبعد أن اطمأن إليهم سعى إلى التخلص من الجند الصقلبي.
تبدل مزاج إبراهيم بن أحمد نحو القسوة الدموية في المدة الأخيرة من حكمه، فكان يقمع الثورات ب***، ويعمل على التخلص من مسببيها، بأساليب دموية، وشدد قبضته على البلاد فعهد إلى أبنائه بولاية الأقاليم، وجعل مركزه بين رقادة وتونس. ودبت في نفسه الريب من رجال الدولة والمقربين فراح يعمل على تصفيتهم بطريقة سوداوية، ومن ذلك ما قام به سنة 280هـ/ 893م من الإيقاع برجال قلعة بَلْزَمة جنوب غربي باغايَة، وهم من القيسية، فكان ذلك المسمار الأول في نعش الدولة الأغلبية، إذ عم الاضطراب أنحاء البلاد. وأدى *** إبراهيم وقسوته وسوء فعله إلى غضب أهالي القيروان وسخطهم عليه، فشكوه إلى الخليفة العباسي المعتضد بالله الذي كتب إليه سنة 283هـ/ 896م منذراً، إن لم ينته عن قسوته وسوء فعاله، فإنه سيسلم ما بيده إلى ابن عمه محمد بن زيادة الله، وكذلك أرسل له رسولاً سنة 287هـ/ 900م يطلب منه اعتزال الحكم، وتولية ابنه أبي العباس على إفريقيَّة، ثم المسير مع الرسول إلى بغداد للقاء الخليفة. واستجاب إبراهيم لهذا الطلب فاعتزل الحكم سنة 288هـ، واستقام ولبس الخشن من الثياب، وأخرج من في سجونه، ورد المظالم، وأسقط المكوس، وأخذ العشر بدلاً من الضريبة الثابتة، وترك لأهل الضياع خراج سنة سماها سنة العدل، وأعتق مماليكه، وأعطى فقهاء القيروان ووجوه أهلها أموالاً عظيمة، ليوزعوها على الفقراء والمساكين، ثم استقر بعد ذلك في صقلية مجاهداً حتى وفاته سنة 289هـ/ 902م.
وفي عهده دخل داعي دعاة الفاطميين، أبو عبد الله الشيعي إلى بلاد كتامة سنة 280هـ/ 893م وبدأ دعوته فيها.
سقوط دولة الأغالبة

تولى الإمارة بعد إبراهيم ابنه أبو العباس عبد الله (289-290هـ/ 902-903م) وكان في صقلية حين تنازل له أبوه عن الإمارة، ويمكن عدّ عهده القصير استمراراً لعهد والده. وكان ساعد أبيه الأيمن في حروبه في مختلف الأقاليم، ولاسيما في قيادة الجيوش في صقلية، كما كان شجاعاً عالماً بالحرب، حسن النظر في الجدل. أعاد النظر في أعمال أبيه، وقام بتغييرات في ولاية الأقاليم، واصطدم مع داعي دعاة الفاطميين الذي استولى على ميلة.
تغيرت أحوال عبد الله بعد مدة قصيرة، فأظهر التقشف، ولبس الصوف، وأظهر العدل والإحسان والإنصاف، وجالس أهل العلم وشاورهم، فكان يجلس معهم على الأرض، وترك قصر الرقادة وسكن داراً مبنية بالطوب، وكان لا يركب إلا إلى الجامع. سجن ابنه زيادة الله سنة 290هـ/ 903م في داره، لأنه وصل إلى علمه أنه ينوي الخروج عليه، ولكنه ما لبث أن اغتيل في منزله بمدينة تونس على يد غلمانه في السنة نفسها. وآلت الولاية والإمارة إلى ابنه المقيد زيادة الله بن أبي العباس (290-296هـ/ 903-909م) الذي خرج من السجن إلى سرير الملك، وكان آخر أمراء الأغالبة في بلاد المغرب، فأخذ البيعة لنفسه من أهله وأقاربه، وقرأ كتاب البيعة على منبر المسجد الجامع بتونس، ولكنه، نتيجة للطريقة التي وصل بها إلى الحكم بدأ عهده بإراقة الدماء، فغدر بأعمامه وإخوته، و*** بعض فتيانه وقادته، واشترى بعضهم بالمال، وشهد عهده انتصارات داعي دعاة الفاطميين أبي عبد الله الشيعي المتوالية، على كثرة الحشود التي حشدها لقتاله، فاستولى أبو عبد الله على سطيف، ثم قسنطينة سنة 292هـ/ 905م بعد معركة حامية، خسر فيها زيادة الله جنده وسلاحه وماله، وتوالت هزائم الأغالبة يوماً بعد يوم، فاستولى أبو عبد الله على بَلْزَمة وطَبْنة، وألغى نظام الضرائب الأغلبي، كما سقطت بيده تيجَس وتبعتها باغاية في شعبان سنة 294هـ/ 907م ثم مجانة وقصر الإفريقي وتيفاش وقالمة أو قالة ومسكيانة وتبسَّا ومديرة (حيدرة) ومرماجنة والقصرين ثم توزر وقفصة، ثم سقطت الأرْبُس في 24 جمادى الآخرة سنة 296هـ/ 18 آذار 909م بعد معركة حاسمة. وهكذا أخفق زيادة الله في وقف المد الفاطمي، على الرغم من محاولاته الاتصال بالخلافة العباسية طالباً النجدة من الخليفة المكتفي بالله أولاً ثم من الخليفة المقتدر بالله، وتوثيق صلاته بالحسنيين أقارب الأدراسة في المغرب الأوسط، وتحريضه الفقهاء في إفريقيّة وعامة الشعب على الفاطميين، وإعادته العاصمة إلى رقّادة. فدب اليأس إلى قلبه وانغمس في اللهو والشراب. وبعد سقوط الأرْبُس في يد الفاطميين فر إلى طرابلس ومنها إلى مصر ففلسطين، وتوفي في الرملة. فبايع الأغالبة ابن عمه إبراهيم بن أبي الأغلب، ولكن الناس ثاروا عليه بعد أخذه البيعة مباشرة مطالبين بالأمن والسلام، واضطروه إلى الخروج من العاصمة ودخل الفاطميون القيروان ثم رقادة. كذلك خلع الصقليون طاعة الأغالبة، وأعلنوا طاعتهم للفاطميين وبذلك سقطت دولة الأغالبة.
أهم المظاهر الحضارية لدولة الأغالبة

توارث الأغالبة الحكم في الأسرة من دون نظام دقيق، فكانت الإمرة تنتقل من الأب إلى الابن أو إلى الأخ أو إلى العم أو ابن الأخ، ولم يخل الأمر من وقوع نزاع على العرش، ولم يأخذ هذا النزاع منحى حاداً إلا في نهاية حكم الأسرة.
ظهرت في دولة الأغالبة كل التيارات الفكرية المعروفة في المشرق والمغرب على السواء في المجالين الديني والدنيوي. وبرز فيها أعلام لهم مكانتهم، وعلى رأسهم أسد بن الفرات (ت213هـ) الذي يمثل ازدواج التأثير في القيروان بين مدرستي المدينة المالكية والعراق الحنفية، ودوّن ما اكتسبه في كتابه الأسدية في الفقه، كذلك اشتهر عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون صاحب المدونة، التي أصبحت كتاب الفقه المالكي الأساسي للمغرب والأندلس فيما بعد. وكان لهذين الفقيهين أثر في الجهاز الإداري، فقد أسندت إليهما أعمال متعددة كانت من صلاحيات الأمراء. كما برز في عهد أبي الغرانيق الفقيه المالكي محمد بن سحنون (ت256هـ/870م) الذي اشتهر بالفقه والجدل والحديث، وكان كثير الكتب غزير التأليف له نحو مئتي كتاب في فنون العلم، وكانت له مواقف مناهضة لمذهب الأحناف وهو مذهب دولة الأغالبة، كما خالف مقالة المعتزلة بخلق القرآن، وحدث في عهد أبي الغرانيق خلاف في الرأي بين السحنونية أنصار محمد بن سحنون، وبين العبدوسية أتباع محمد بن إبراهيم بن عبدوس، الذين أطلق عليهم لقب الشكوكية. وقد نال الفقهاء هذه المكانة على الرغم من الخلافات التي فرقت صفوفهم بين مالكية وأحناف يطعن كل منهما بعلم رجال الفريق الثاني، كذلك ضمت دولة الأغالبة معتزلة وخوارج من الصفرية والإباضية، وكانوا يعملون حلقاً في المسجد يتناظرون فيه، وتمكن الإمام سحنون من الوقوف في وجه الخوارج، إلا أنه كان عاجزاً عن مثل ذلك أمام المعتزلة لأنهم تمتعوا بحماية الأمراء، ولاسيما الأمير أحمد (242-249هـ) الذي عد الاعتزال مذهباً رسمياً للدولة مدة مؤقتة، وأخذ الناس بمحنة خلق القرآن، وانحصر نفوذ المعتزلة في الأوساط العُليا فقط، أما العامة فكانت معادية لها. كذلك عرفت دولة الأغالبة أطباء انتقلوا إليها من المشرق، لعل أشهرهم إسحاق بن عمران الذي جمع بين الطب والفلسفة بديار المغرب.
بنى الأغالبة مدينتين ملكيتين كانت أولاهما العباسية أو القصر القديم، وقد بناها إبراهيم بن الأغلب مؤسس الدولة، وبنى فيها قصره ومساكن حاشيته والمسجد الجامع، ودار سك النقود والدواوين، وأحاطها بالأسوار القوية، وجعل من خلفها خندقاً يحيط بها. وفي وسط المدينة ساحة واسعة عرفت بالميدان كانت تستخدم لعرض الفرسان، واتسعت العباسية، وأخذت تنافس القيروان بحماماتها الكثيرة وفنادقها وأسواقها.
أما المدينة الثانية فهي رقّادة التي بناها إبراهيم بن أحمد، وقد ابتدأ بها سنة 263هـ/ 977م وبنى فيها القصور، منها قصر بغداد، وقدر لهذه المدينة أن تنمو وتتسع باطراد، فأضاف إليها الأمراء من بعده قصوراً أخرى أشهرها قصر العروس الذي بناه زيادة الله الثالث بن عبد الله على أربع طبقات، وأنفق فيه 232 ألف دينار. وبنى محمد بن أبي عقال الأغلب مدينة قرب تاهرت سماها العباسية. كما اهتم الأغالبة ببناء الصهاريج (خزانات المياه) التي عرفت باسم «ماجل» وكان يوجد خارج مدينة القيروان خمسة عشر ماجلاً للماء يستقي منها أهلها، لعل أعظمها شأناً ماجل أحمد بن الأغلب بباب تونس من أبواب القيروان. وهو مستدير متناهي الكبر، في وسطه صومعة مثمنة في أعلاها قصبة، يدخل إليها في مركب يسمى بالزلاج. ويتصل بهذا الماجل أقباء طويلة، وبجوفه ماجل لطيف متصل به يسمى الفسقية، يقع فيه ماء الوادي، فإذا ارتفع الماء في الفسقية قدر قامتين يدخل إلى الماجل الكبير من باب بين الماجلين يسمى السرح. كذلك بنى الأغالبة قنطرة باب أبي الربيع لجلب الماء من الجبل.
أما المساجد فكثيرة. وكان زيادة الله الأول بن إبراهيم قد جدد مسجد القيروان، وأقام في قاعة الصلاة عدداً كبيراً من الأعمدة الرائعة التي أحيطت أطرافها بأشرطة من الخشب ذات التزيينات المحفورة. وقام بعض خلفاء زيادة الله بإضافة عناصر عمرانية وتزيينية جديدة إلى ذلك المسجد. كذلك أحدثت بعض الإصلاحات والإضافات في المسجدين الكبيرين جامع الزيتونة في تونس والجامع الكبير في سوسة، كما بنيت المساجد الفخمة في القيروان وغيرها، كذلك عني الأغالبة بتحصين المدن. ولا ريب أن غنى ولاية الأغالبة في الزراعة والتجارة ساعدهم على جمع المال اللازم للعمران، وساعد في تنشيط الزراعة نشر الأمن في الطرق وتحسين وسائل المعاملات التجارية ولاسيما النقد، فقد ضرب الأغالبة نقوداً ذهبية ظل عيارها صحيحاً وقدره 4.5غ ذهب حتى أواخر أيام الأسرة حين انحط العيار إلى 4.12غ ثم إلى 4غ فقط. ومن اهتمامات الأغالبة الأخرى بناء الأربطة من أجل الجهاد وعلى رأسها قصر المرابطين بسوسة. وقيل إن أحمد الأغلبي بنى بأرض إفريقية عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد.
تسلسل أمراء الأغالبة:
  1. إبراهيم بن الأغلب 184-196هـ/ 800 -811م.
  2. عبد الله بن إبراهيم 196 -201هـ/ 811- 816م.
  3. زيادة الله بن إبراهيم 201- 223هـ/ 816 - 837م.
  4. أبو عقال الأغلب بن إبراهيم 223 -226هـ/ 837 -840م.
  5. محمد بن أبي عقال الأغلب أبو العباس 226 - 242هـ/ 840 - 856م.
  6. أحمد بن محمد 242 - 249هـ/ 856 - 863م.
  7. زيادة الله الثاني بن محمد 249 - 250هـ/ 863 - 864م.
  8. محمد بن أحمد 250 - 261هـ/ 864 - 874م.
  9. إبراهيم بن أحمد 261 - 289هـ/ 874 - 902م.
  10. عبد الله بن إبراهيم 289 - 290هـ/ 902 - 903م.
  11. زيادة الله الثالث بن عبد الله 290 ـ 296هـ/ 903 ـ 909م. توفي سنة 299هـ.
أفول دولتهم

داخلياً كان الأغالبة في صراع دائم مع الثورات ذات الطابع الديني - الخوارج- أو بدوافع من العصبية - البربر-. بدأت مرحلة الأفول أثناء عهد إبراهيم بن أحمد (875-902) وفيها تم فقدان بعض المناطق لصالح البيزنطيين -كالابريافليبيا لصالح الطولونيين، ثم تمرد بعض القبائل على الحكم الأغلبي. إنتهت دولتهم على أيدي الفاطميين سنة 909 م.
آثار الأغالبة

كان الأغالبة يقيمون المنشآت والأبنية من غنائم الجهاد دون أن يثقلوا كاهل الناس بالضرائب. ومن تلك الآثار:
  • القصر القديم في أيام إبراهيم بن الأغلب.
  • الجامع الكبير في القيروان. وكذلك بناء الصهاريج فيها.
  • بناء الرباط في سوسة بعهد زيادة الله بن إبراهيم. وكذلك جامعها (جامع سوسة).
  • بناء مدينة رقادة وقصر الفتح.
__________________
  #2  
قديم 30-05-2013, 12:11 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

كان قيام دولة الأغالبة في إفريقية عام 184 هـ - 800م مرتبطا ارتباطا وثيقا بما كان يسود بلادها من اضطراب وفوضى وصراع مذهبي وثورات الجند العرب والبربر في الفترة الممتدة من خلافة هشام بن عبد الملك ( 105 هـ - 125 /724 م - 743م ) إلى نهاية الدولة الأموية 132 هـ /750 م [1].
لمحة سريعة عن إمارة إفريقية
بعد أن انتصر المسلمون على الروم في موقعة سبيطلة ( 27 هـ -648م) بدأت ولاية إفريقية في الظهور عندما أنشا عقبة بن نافع مدينة القيروان ومسجدها الجامع فيما بين سنتي ( 50هـ - 55هـ / 670م - 675م )، قامت ولاية إفريقية الإسلامية ولاية مستقلة بنفسها، لها واليها لإدارتها المستقلة عن ولاية مصر.

وعندما تولى تلك الولاية حسان بن النعمان الغساني ( 71 هـ - 85 / 690م - 704م ) وضع أساس النظام الإداري لتلك الولاية الجديدة وكانت حدودها الجغرافية والسياسية مطابقة لولاية إفريقية البيزنطية، فإن إفريقية البيزنطية كانت تشمل ولاية طرابلس مضافا إليها إفريقية نفسها، وتقابل على وجه التقريب جمهورية تونس الحالية ثم جزءا مما عرف فيما بعد بإقليم الزاب عند الجغرافيين المسلمين، وكانت إفريقية البيزنطية بهذه الحدود ولاية كبيرة تضم مساحة واسعة من الشمال الإفريقي، وإذا كنا نستطيع أن نحد حدودها الغربية بشكل دقيق نقول: إنها كانت تشمل إقليم قسطيلية وما يليه شمالا حتى ساحل البحر، ويمتد غربا فيشمل النصف الشرقي من جبال أوراس وتقف عند حدود ما يعرف اليوم ببلاد القبائل في الجزء الشرقى من جمهورية الجزائر الحالية - فتدخل فيها قلعة لمبيزة أو قلاقل لمبيزة وباغاية وتصل إلى البحر فتشمل ولاية بيجيا الحالية وتصل إلى مجرى نهر شلف، ونظن أن هذه كانت حدود ولاية إفريقية في التنظيم الذي وضعه حسان بن النعمان [2].
وعندما تولى أمور إفريقية موسى بن نصير اللخمي أكمل هو وأولاده فتح المغرب الأوسط والمغرب الأقصى.

وفي أواخر الدولة الأموية ونتيجة لأحداث الفتنة المغربية الكبرى التي بدأت في المغرب من سنة 122هـ في ولاية عبيد الله بن الحبحاب واستمرت حتى نهاية العصر الأموي. والتي أخرجت بدورها المغربين الأوسط والأقصى عن السلطان الفعلي للخلافة الأموية.
واضح أن العباسيين عندما ورثوا الخلافة من الأمويين وجدوا أن دولتهم تمتد وتغطي مساحة شاسعة جدا لم تستطع قواهم أن تسيطر عليها سيطرة كاملة خاصة وأن انتقال مركز الدولة من دمشق إلى بغداد زاد من مسئوليتها الأسيوية، وفرض عليها مطالب جديدة لم تكن تشغل بال الأمويين بالصورة التي كانت عليها أيام العباسيين. ونتيجة لذلك نجد أن العباسيين ركزوا جهدهم كله في المحافظة على ذلك الجزء الذي كان لدولتهم بصورة فعلية من إفريقية. ولم تتمكن الحكومة المركزية العباسية من أن تسيطر على ولاية إفريقية بسبب عدم الاستقرار فيها نتيجة للصراع الداخلي الذي شغل الخلافة العباسية، ولم يترك لها من الفراغ ما يمكنها من محاولة بسط سلطانها على بقية بلاد المغرب.
ولاية الأغلب بن سالم على إفريقية
لما عُزل محمد بن الأشعث الخزاعي، أسند أبو جعفر المنصور ولاية إفريقية لزعيم من زعماء العرب وهو الأغلب بن سالم بن عقال التميمي [3]، وكان من كبار جند مصر، فسار الأغلب بن سالم وابنه إبراهيم إلى إفريقية غير أن زعيم الخوارج أبو حاتم تمكن من ***ه وفر ابنه إبراهيم إلى منطقة الزاب بالمغرب الأوسط، وبدأ يمهد الأمر لنفسه.

ولاية المهالبة على إفريقية
ولاية عمر بن حفص المهلبي
انتهى رأي المنصور إلى تقليد ولاية إفريقية لرجل من ذوي الكفاية من بني المهلب بن أبي صفرة، وهو عمر بن حفص المهلبي سنة 151هـ، فاشتدت الثورات عليه واتحدت الخوارج الصفرية والإباضية على قتال الجيش العباسي، وكتب عمر بن حفص بالنجدات من المنصور، ولكنه قُتل قبل أن تصله النجدات والتعزيزات سنة 154 هـ / 771م، واحتل أبو حاتم الإباضي القيروان سنة155 هـ/ 772 م، وهكذا تمكن الخوارج من السيطرة على إفريقية وأصبح تعداد أنصارهم ما يقرب 400.000 مقاتل.

ولاية يزيد بن حاتم المهلبي
فاستخدم المنصور الحماس الديني ضد الخوارج باسم الجهاد، فاسند ولاية إفريقية ليزيد بن حاتم المهلبي، واستطاع أن يقمع ثورات الخوارج حتى عام 170 هـ، مكث يزيد بن حاتم واليا على إفريقية حوالي خمسة عشر عاما، تعد من أحسن فترات عصر الولاة على إفريقية وأكثرها خيرا سواء في الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو المعمارية، فأعاد بناء المسجد الأعظم بالقيروان، وأعطى للفقهاء المالكية مكانة وأهمية كبيرة واعتمد عليهم في محاربة الخوارج، فكان يستشيرهم ويأخذ برأيهم، مما جعل إفريقية قاعدة للمذهب السني أو قاعدة للسنة على مذهب الإمام مالك بن أنس في بلاد المغرب [4].

انتهاء ولاية المهالبة
ولما توفى يزيد بن حاتم تقلد ولاية إفريقية بعده ابنه داود وظل داود مقيما في إفريقية حتى قدم عمه روح بن حاتم ليتقلد إمارة إفريقية من قبل هارون الرشيد، ثم عزله الرشيد الفضل بن روح بن حاتم الذي تولى سنة 77 1 هـ / 793م ولم يمكث في حكمه إلا سنة ونصف تقريبا، وثار عليه جند إفريقية والمغرب لاستبداده بالسلطة، فقام عبد الله بن عبدويه الجارود قائد جند تونس، فتمكن من الاستلاء على السلطة و***ه سنة 178 هـ- 794م [5].

ولاية هرثمة بن أعين
أرسل هارون الرشيد على إفريقية قائده هرثمة بن أعين، وكان شيخا مجربا في فن الحروب وحكم الولايات حكم هرثمة بن أعين إفريقية قرابة من العامين من (180هـ- 1 8 1 هـ /796 م - 797م) وخلال هذه الفترة القصيرة ساد إفريقية واستقرار، فعمل هرثمة على تجديد ما تخرب من المدن والموانئ والمنشآت؛ ليعيد ثقة الناس في الدولة العباسية، وقد تقرب إليه إبراهيم بن الأغلب فولاه الزاب [6].

ولاية محمد بن مقاتل العكي
في سنة 181هـ ولَّى أمير المؤمنين الرشيد على إفريقية بعد هرثمة محمد بن مقاتل العكي، وكان رضيع الرشيد، ولم يكن محمود السيرة فيما تولى للرشيد من ولايات، ولذلك فإنه عندما دخل إفريقية لم يسر في حكمها بطريقة تعجب الناس، فاضطربت الأمور في إفريقية، فثار الشعب والجند ضده، كما ثار عليه واليه على تونس تمام بن تميم التميمي سنة 183 هـ.

دولة الأغالبة في المغرب الأدنى (تونس) (184 ـ 296 هـ / 800 ـ 909م)
ولاية إبراهيم بن الأغلب
في هذه الظروف برز إبراهيم بن الأغلب على مسرح الأحداث السياسية في إفريقية، فقد مكَّن للعكي في مقاتلة تمام بن تميم ومكَّن له، فعزل الرشيد أخاه محمد بن مقاتل العكي وولي مكانه إبراهيم بن الأغلب على إفريقية عام 184 هـ، وبدأ إبراهيم منذ توليته الإمارة على تأسيس دولة له ولأبنائه من بعده.

عرف الرشيد رغبة إبراهيم بن الأغلب، ومع ذلك فقد استبقاه في الإمارة بل ودعمه ما دام يعمل باسم العباسيين، وخاصة أن الرشيد كان مشغولاً بحرب الروم، وهجوم الخزر، ومشكلات المشرق، وفي الوقت نفسه يريد أن يحمي الأجزاء الغربية من الإمارات التي قامت في المغرب والأندلس من خوارج وأدارسة وأمويين، ولم يكن لدى الرشيد أسطول يحمي أقاليم البحر المتوسط فاكتفى بالإشراف على دولة إبراهيم بن الأغلب، ورأى ذلك خيرًا وأفضل من أن يخرجوا من إشرافه نهائيًّا كباقي الإمارات [7].
واستطاع إبراهيم بن الأغلب أن يحقق التزاماته نحو الخلافة فكون قوة عسكرية كبيرة من البربر المستعربة الذين عملوا كجند في الجيش الأغلبي كما استكثر إبراهيم بن الأغلب من الصقالبة، كذلك كون إبراهيم بن الأغلب قوة بحرية هائلة مكنت الأغالبة بعد ذلك من غزو صقلية ومالطة والسواحل الإيطالية، ولم يطمئن على حكمه إلا بعد أن تم له إنشاء كل هذه القوات خلال السنوات الأولى من حكمه لإفريقية، كما أقام إبراهيم الخطبة لبني العباس على المنابر ورفع شعار بني العباس، ودفع الخراج المقرر عليه وهو أربعون ألف دينار، ونقش اسم الخليفة على السكة، وشيد مدينة جديدة أطلق عليها العباسية ( القصر القديم ) تمجيدا لهم وتقع على بعد ثلاثة أميال جني القيروان.
في عهد إبراهيم بن الأغلب ثار بتونس رجل من كبار رجالات العرب يسمى حمديس ونزع السواد شعار بني العباس، فأرسل إبراهيم قائد عمران بن مجالد في جيش كبير للقضاء على حركته، فالتقى عمران معه في معركة قرب تونس انهزم فيها حمديس وأنصاره، و*** منهم نحو عشرة آلاف مقاتل، وتمكن عمران من دخول تونس، وبرغم أن عهد بن الأغلب لم يخل من الثورات والفتن ولكنها كانت لا تقاس بالثورات التي كانت تضطرم في إفريقية في العهود السابقة.
على أي حال تمكن إبراهيم بن الأغلب بفضل ما لديه من كفاءة وشجاعة وذكاء وقوة مؤيديه من الجماعات اليمنية والقيسية من أن يقيم دولة جديدة تمثل الدولة العباسية في بلاد إفريقية [8].
ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب (196 – 201 هـ)
ولى إبراهيم بن الأغلب ابنه أبا العباس عبد الله العهد من بعده، فلما مات سنة 196 هـ، كان عبد الله في طرابلس فتولى زيادة الله الأمر من بعده وأخذ له البيعة على أهله ونفسه ورجاله وخدمه، ولكن عبد الله لم يعد إلى إفريقية إلا في سنة 197 هـ، حيث سلم له أخوه زيادة الله مقاليد الأمور، ولما *** الأمين في سنة 198 هـ وولى الخلافة المأمون العباسي أقر عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب على إفريقية.

وكان عبد الله سيء السيرة حتى مع أهله وأخيه زيادة الله، وأساء معاملتهم، كما اشتط في دفع الضرائب على شعبه فكرهه الناس، حتى دعا عليه أهل الدين والفقه أن يريحهم الله من جوره وظلمه، حتى مات سنة 201 هـ وولي من بعده أخوه زيادة الله [9].
ولاية زيادة الله بن إبراهيم (201 – 223 هـ)
كانت ولايته من قبل المأمون سنة 201هـ، فطالت أيامه واستقام الأمر وبنى جامع سور القيروان ودار سوسة وبنى جامع القيروان بعد هدمه ما عدا محرابه، وأنفق عليه ستة وثمانين ألف دينار، وبنى قنطرة باب الربيع، وحصن الرباط بسوسة، وفتح في أيامه جزيرة صقلية على يد قاضيه أسد بن الفرات وكان قاضى القيروان.

فتح صقلية
وفي عهد زيادة الله فتحت جزيرة صقلية على يد الفقيه أسد بن الفرات، قال ابن رشيق: "سيَّره في نحو من عشرين ألفا من الجيش وأركبه من سوسة، وسار إلى صقلية والتقى بجانبها، يقال: أنه كان مائة ألف وخمسين ألف مقاتل فهزمه أسد بن الفرات، وخذل الله الكافرين وغنم المسلمون أموالهم وبددوا شملهم واستفتحوا من صقالية مواضع كثيرة، ومات أسد بن الفرات محاصرا لسرقوسة في ربيع الآخر سنة 213 هـ، واستولى المسلمون على الجزيرة واستوطنوها، ودفن أسد هناك".

وأقام زيادة الله على أعماله إلى أن مات سنة 223هـ في خلافة المعتصم. وكان زيادة الله يقول: "ما أبالي إن شاء الله تعالى بأهوال يوم القيامة وقد قدمت أربعة أشياء: بناء الجامع القيروان، وقد أنفقت عليه ثمانين ألف دينار، وبناء القنطرة بباب الربيع، وبناء حصن الرابط بسوسة، وتولية أحمد بن محرز القضاء وكان من العلماء العالمين الزاهدين (توفي في سنة 221 هـ)".
ولما مات زيادة الله ولي بعده أخو أبى عقال [10].

ولاية أبي عقال الأغلب إبراهيم بن الأغلب (223 – 226 هـ)
وهو أخو زيادة الله، كانت ولايته من قبل المعتصم بالله، وكان الأمير على صقلية محمد بن عبد الله بن الأغلب، فمكث أبي عقال المذكور مدة ولم تطول أيامه، ومات سنة 226 هـ في خلافة المعتصم، وكانت مدة ولاية الأغلب سنتين وتسعة أشهر [11]، وتولى بعده أخو العباس.

ولاية أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب (226 هـ - 242 هـ)
كانت ولايته من قبل المعتصم، وقد أمنت السبل في أيامه، وكان في عهده الإمام سحنون بن سعيد، وقد منع الإمام سحنون في زمانه أهل الأهواء من مسجد الجامع، وكان قبل ذلك يجتمعون فيه ويتناظرون في مذاهبهم الفاسدة مثل الإباضية والصفرية والزنادقة والمعتزلة فمنعهم سحنون من الاجتماع لذلك في المسجد، وكان أمير صقيلية العباس بن الفضل بن يعقوب بن فزارة، تولاها سنة 237هـ ففتح فيها الفتوحات الجليلة ومنها فتح قصريانة يوم الخميس منتصف شوال من السنة المذكورة، وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية، فكان الملك قبل ذلك يسكن سرقوسة فلما أخذ المسلمون بعض الجزيرة انتقل الملك إلى قصريانة المذكور لحصانتها، ففتحها العباس المذكور كما قلنا وبنى فيها المسجد في الحال ونصب فيه منبرا وخطب عليه وصلى فيه الجمعة وذلك على عهد أبي العباس بن فزارة المذكور وذلك في خلافة المتوكل ومات أبو العباس بن الأغلب سنة 242 هـ وتولى بعده ولده إبراهيم [12].

ولاية أبي إبراهيم أحمد بن محمد (242 – 249 هـ)
كانت ولايته بعد أبيه من قبل الخليفة المتوكل على الله، وقد اجتمع له من الفضائل لم يعمل بها أبدا أي أمير أغلبي آخر، بمثل صدقه وحسه السياسي وروح الاستمرار، فأحبه الناس، وكان حكمه هادئا كل الهدوء، باستثناء المصاعب التي لاقاها مع البربر بولاية طرابلس، وهي مصاعب تشهد لا محالة على ما وصل إليه الحكم الأغلبي من انتشار والعدل والقرب من الرعية [13].

باقي أمراء الأغالبة
ظلت دولة الأغالبة قائمة يتعاقب عليها أمراء البيت الأغلبى، وهم:
زيادة الله الثاني (249- 250 هـ)، محمد الثاني أبو الغرانيق (250 – 261 هـ)، إبراهيم الثاني (261- 289 هـ)، عبد الله الثاني بن إبراهيم بن الأغلب (289- 290 هـ)، زيادة الله الثالث بن عبد الله (290 ـ 296هـ).

سقوط دولة الأغالبة
تولى عبد الله الثاني الإمارة في سنة (289هـ=902م)، ولم يستمر بها سوى عام ونصف العام، حيثُ قُتل على يد ابنه زيادة الله الثالث، وكانت فترة حكمه امتدادًا لسياسة والده إبراهيم بن أحمد في الحكم، فبدأت عوامل الضعف والوهن تدب في أوصال دولة الأغالبة، ولما تولى زيادة الله الثالث الحكم (290هـ=903م) عقب م*** أبيه، وانتهج سياسة أبيه وجده، وتتبع أفراد أسرته بال***، في الوقت الذي نشط فيه أبو عبد الله الشيعى وأحرز الانتصارات تلو الأخرى، واستولى على كثير من
المدن الأغلبية، ولم تفلح جيوش زيادة الله في صده أو إيقاف زحفه، فوجد زيادة الله نفسه عاجزًا عن الحفاظ على ملك آبائه وأجداده، فآثر الهرب إلى مصر، وحمل معه كل ما استطاع حمله من مال وعتاد، ورحل من رقادة في (26من جمادى الآخرة عام 296هـ = مارس 909م)، فباتت المدينة سهلة المنال لأبى عبد الله الشيعى، فبعث عروبة بن يوسف أحد قادته للاستيلاء عليها، فدخلها دون قتال، وطويت بذلك صفحة الأغالبة [14].

الحضارة والعمران في دولة الأغالبة
تعتبر فترة الأغالبة في إفريقية من أمجد فترات تاريخها كما يروي المؤرخون، فقد دامت هذه الفترة أكثر من قرن من الزمان ساد في أثنائها الاستقرار السياسي النسبي لبلاد إفريقية، وكان للمذهب السني وشيوخه نصيب كبير في إقامة وتثبيت دعائم هذا الاستقرار، فقد تمكن الفقهاء بمعاونة أمراء الأغالبة من إخراج الخوارج من بلاد إفريقية، فلم يعودوا يعيشون إلا في جبل نفوسة جنوب ولاية طرابلس من أملاك الأغالبة، أما طرابلس نفسها فقد كانت سنية يسودها الفقه المالكي، وعندما أقام الخوارج الإباضية دولة لهم أقاموها خارج بلاد الأغالبة في إقليم تاهرت، وهو الجز الغربي من المغرب الأوسط.

إن قيام دولة الأغالبة جعل لإفريقية وأهلها شخصية مميزة وفريدة تختلف كل الاختلاف عن بقية بلدان المغرب، فكانت المدن والقرى الإفريقية محطات ومراكز العلم والشيوخ والتجار، فنهضت حركة العمران والانشاءإلى جانب الزراعة والرعي.
الإنجازات العمرانية
تجديد مسجد عقبة بن نافع ومسجد الزيتونة
من أعظم إنجازات الأغالبة المعمارية تجديد مسجدي القيروان وتونس وهما المعروفان بمسجد عقبة بن نافع ومسجد الزيتونة، فمسجد القيروان قد تعرض لعدة تجديدات منذ أن أسسه عقبة بن نافع إلى نهاية عصر الأغالبة، وذلك في عهود: حسان بن النعمان وحنظلة بن صفوان وزيادة الله بن الأغلب الذي أدخل عليه التجديدات الحاسمة ورفع قبابته ومئذنته وإعطائه صورته الحالية، ويذكر ابن عذاري أن زيادة الله أنفق أموالا كثيرة في هذا العمل، وكان يفتخر بهذا العمل.

كما قام زيادة الله بتجديد وتوسيع جامع تونس ولكن المنية أدركته قبل أن يكملها، فتولى بعده إبراهيم بن أحمد سادس أمراء الأغالبة فهو الذي أمر ببناء قبابه المضلعة، ووضع فيه أعمدة الرخام وزينه بالزخارف والنقوش والكتابات الكوفية الجميلة، وكذلك أمر إبراهيم بن أحمد ببناء القبة الكبيرة الموجودة الآن في جامع القيروان وهي من أجمل القباب في تاريخ المساجد الإسلامية.
بناء رباط وجامع سوسة
قام أبو العباس محمد بن الأغلب خامس أمراء الأغالبة ببناء جامع سوسة، الذي يعتبر من أجمل الآثار المعمارية الإسلامية في إفريقية، ومن منشآته أيضا رباط سوسة المعروف بقصر الرباط.

الاهتمام بالمنشآت العسكرية والمدنية
وإذا كان بنو الأغلب قد اعتنوا بالمنشآت الدينية فإن عنايتهم بالمنشآت العسكرية والمدنية لا تقل أهمية، فقد أنشأ الأغالبة الكثير من الأسوار والأبراج للمدن وخاصة التي تقع على الساحل، ولا ننسى دار تونس لبناء السفن ودار سوسة لصناعة الأسلحة واللتان كانت لهما أمجاد في تاريخ البحرية الإسلامية وخاصة في حوض البحر المتوسط وخير مثال على ذلك فتح جزيرة صقلية.

الرباطات
ومن أشهر المنشآت العسكرية في عصر الأغالبة الرباطات، وهي قريبة الشبه بالقصور، ولكنها كانت تخصص للمجاهدين والمرابطين بين حاميات رسمية وأفراد من المتطوعين، ولكن من المعروف أن الرباط كان للأفراد، أما الجند الرسمي فكانت تبنى لهم معسكرات، وقد وصف لنا حسين مؤنس الرباطات فقال: (يحيط بالرباط عادة سور مرتفع، تقوم على أركانه وعلى مسافات منه أبراج يقف فيها الحراس، وتوقد فيها النيران وقت الخطر وقد بقي لنا من رباطات عصر الأغالبة رباط سوسة وهو من بناء زيادة الله بن الأغلب أسسه في سنة 206 هـ، وتاريخ الإنشاء مسجل على لوحة من الرخام بأعلى مدخل المنار، تقرأ عليها النص التالي: "مما أمر به الأمير زيادة الله بن إبراهيم أطال الله بقاءه على يد سرور الخادم مولاه في سنة ست ومائتين، "اللهم أنزلنا منزلا مبارك وأنت خير المنزلين").

بناء مدينة القصر أو العباسية ومدينة رقادة
أما المنشات المدنية وخاصة مدينة القصر القديم التي بناها إبراهيم بن الأغلب وتبعد ثلاثة كيلومترات جنوبي مدينة القيروان لتكون معسكرا لجنده ومقاما له ومعقلا لأسرته كانت تتكون من قصور وحدائق ومعسكرات وأماكن للعبادة، ولم يبق من آثار هذه المدينة الآن شيء، كما كانت تسمى العباسية ثم سميت بالقصر القديم تميزًا لها عن مدينة القصر الجديد (رقادة) التي بناها إبراهيم بن أحمد سنة 264 هـ.

واعتنى الأغالبة كذلك ببناء صهاريج المياه وجبابها، والصهريج عبارة عن خزان ماء فوق الأرض، أما الجب فلا يكون إلا في باطن الأرض، والجب مخزن واسع يتكون من حجرة واسعة قد يصل قطرها إلى أربعين مترا، وعمقها نحو عشرين مترا ثم يبنون عند الماء حجرة أو قبوا واسعا بالحجر أو الطوب الأحمر أو الطوب المغطى بالبلاط الذي لا تؤثر فيه المياه.
الازدهار الاقتصادي
مما لا شك فيه أن الحياة الاقتصادية قد ازدهرت في إفريقية بقيام الأغالبة، فاستفادوا من وضع البلاد الجغرافي فجمعوا الثروات الطائلة، وبفضل المواني المنتشرة على شاطئ البحر المتوسط، وهي مواني سوسة وتونس وبجاية، أمكن للأمراء الأغالبة أن يقيموا الأساطيل ويحرزوا الانتصارات، كما احتكروا دور الوساطة التجارية بالنسبة للتجاره العالمية بين الشرق والغرب وجنوا من وراء ذلك أطيب الثمار.

وأصبحت القيروان من أكبر المراكز التجارية في غرب البحر المتوسط، وأيضا سوسة والأربس وقفصة وغيرهم، كذلك اشتهرت رقادة بالأسواق والفنادق والقصور وكذلك العباسية، وكانت إفريقية الأغلبية تصدر القمح والشعير إلى الإسكندرية والرقيق السوداني إلى بلاد الشام كما كانوا يصدرون أيضا النسيج والأبسطة والأقمشة الفاخرة إلى بغداد، ولم يكتف الأغالبة بما تجود به أرضهم من بعض أنواع الزراعة بل استوردوا بعض المحاصيل الزراعية من المشرق مثل القطن وقصب السكر، وما جناه الأغالبة من ثروات طانلة ظهرت أثارها فيما أقاموه من منشآت وعمائر بإفريقية.
وتعتبر فترة إبراهيم ين الأغلب وابنه زيادة الله الأول من أزهى فترات دولة الأغالبة، حيث ساد الرخاء الاقتصادي في عهدهما، فضربت الدنانير والدراهم على نمط الطراز العباسي، كما دونت الدواوين، مثل ديوان الخراج وكان من يسند إليه يعتبر من الشخصيات المرموقة وصاحب ثقة في البلاط الأغلبي، وديوان الخاتم الذي أسنده إبراهيم بن الأغلب لابنه عبد الله، وكذلك دار الطراز التي كانت تنتج ما يرسله الأمير من الكساوي والإنعامات إلى مشاهير وكبار رجال الدولة في المناسبات، كما عرف الأغالبة الحسبة والعس، وكان بلاط الأغالبة صورة مصغرة للبلاط العباسي [15].
[1] محمود إسماعيل: الأغالبة، ص9.
[2] انظر في ذلك: اليعقوبي: البلدان، ص345. النويري: نهاية الأب في فنون الأدب، جـ24/ 36.
[3] ذكر البلاذري أن الأغلب بن سالم كان من أصحاب أبي مسلم الخرساني، وفد مع القوات العباسية إلى مصر، وعرف بالشجاعة وحسن الرأي، ولقب بلقب الشهيد. انظر. البلاذري: أنساب الأشراف، ص350. السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، جـ1/ 57.
[4] النويري: نهاية الأب في فنون الأدب، جـ24/ 86- 88. ابن الأبار: الحلة السيراء، جـ1/ 73. حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس، ص75.
[5] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، جـ8/ 272. ابن عذارى: البيان المغرب، جـ1/ 99- 106.
[6] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، جـ8/ 323. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، جـ6/ 154. ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، جـ4/ 419.
[7] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي – الدولة العباسية، جـ 1/ 172 – 178.
[8] ابن عذارى: البيان المغرب، جـ1/ 117. ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، جـ4/ 419. السيد عبد العزيز سالم، تاريخ المغرب في العصر الإسلام، ص289، 334.
[9] حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، العصر العباسي الأول، جـ2/ 174. بتصرف.
[10] انظر تفصيل ذلك في: ابن وردان: مستند تاريخ مملكة الأغالبة، دراسة وتحقيق وتعليق : الدكتور محمد زينهم محمد عزب، مكتبة مدبولي 1988م، ص55- 57.
[11] كانت أيام أبي عقال هادئة بخلاف أيام أخيه؛ لاستعماله الجند بكثرة الإحسان والأرزاق الواسعة، وقطع النبيذ من القيروان، وعاقب كل من يبيعه ويشتريه. انظر ابن وردان: مستند تاريخ مملكة الأغالبة، دراسة وتحقيق وتعليق : الدكتور محمد زينهم محمد عزب، ص 57.
[12] ابن وردان: مستند تاريخ مملكة الأغالبة، دراسة وتحقيق وتعليق : الدكتور محمد زينهم محمد عزب، ص57- 58. والمشهور أن فتح قصريانة عاصمة الملك في صقلية كان سنة 244 هـ، في ولاية أبي إبراهيم أحمد بن محمد.
[13] محمد الطالبي: الدولة الأغلبية – التاريخ السياسي، دار الغرب الإسلامي 1995، ص282- 292. بتصرف.
[14] ابن وردان: مستند تاريخ مملكة الأغالبة، دراسة وتحقيق وتعليق : الدكتور محمد زينهم محمد عزب، ص61- 64. الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، نقلا عن: موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، جـ6/ 32- 33.
[15] بن وردان: مستند تاريخ مملكة الأغالبة، دراسة وتحقيق وتعليق : الدكتور محمد زينهم محمد عزب، ص35- 44.
__________________
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:56 AM.