|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الجوهرة (قصة قصيرة)
اختَرَق صَديقِي سوقَ المدينةِ لاهثًا، مشغولَ البال، باحثًا عن مبتغًى غيرِ معلومٍ، سألتُه بقلقٍ عن مرادِه في هذا المكان الذي يَعِجُّ بالمحالِّ والبشرِ معًا، قال: أَبْحَثُ عن محلِّ مجوهراتٍ مناسبٍ أجدُ فيه أغلى جوهرةٍ لقلبِي، توقَّف فجأةً، وأشار بيده إلى محلٍّ قريبٍ، يتميَّز بموقعِه على غيرِه، وباتِّساعِه، وجمالِ زينتِه ورونقِه، تَشعُر كأنك تَختِرق حيًّا باريسيًّا راقيًا، وهيبةُ المكانِ تَفرِض عليك أن تُعِيد النظرَ في هندامِك، وتسريحةِ شعرِك، ولمعانِ حذائك؛ فزجاجُه يَعكِس قدرتَك على الشراءِ من عدمِها. على كلٍّ، لستُ أنا مَن ستَنتحِر جيوبُه؛ أنا مجرَّد مرافقٍ لصَديقِي. تَنَحنَح صَديقِي استعدادًا للمعركةِ، تقدَّمنا، فُوجِئنا بالباب الزجاجي يَفتَح مِصرَاعَيه بترحابٍ وَدُودٍ، ومن بعدِه وَلَجنا: أنوار، ونجوم، وروائح، وكاميرات، وحارس أمنٍ، وتحصينات. تقدَّمت منا آنسة تَجذِبنا بابتسامتِها إلى مكانٍ مخصَّص لجلوسِ الزبائن، وفي مقابِلنا رجلٌ، في ابتسامتِه مكرُ الثعالبِ، ودهاءُ الذئابِ، أسرعتُ بالإشارة إلى صَديقِي: "هو مَن سيَشتَرِي، لستُ أنا"! تفرَّس ببحرِ عينيه - أظنُّه أصدَر حكمَه علينا -: ما طلبُك يا أخي؟ كلُّ ما تَبتَغِي موجودٌ لدينا، تَلَعثَم صَديقِي على تجرُّئه في دخولِ مثل هذا المحلِّ، رَفَضت الكلماتُ الانصياعَ، سَارَعتُ: "يُرِيد صديقي هديةً مناسبةً تَلِيق بزوجِه"، ابتسم بخبثٍ، وأشار أمامه إلى أصنافِ الجمالِ، حَاوَل صَديقِي أن يَمُدَّ يدَه، فُوجِئ بحاجزٍ زجاجيٍّ يَرتَطِم بيدِه، كأنه من عَمَاه لم يَرَه، ارتبكَ. • لا تَخَف؛ قالها صاحبُنا، انتبهتُ في جلوسي إلى كاميراتِ المراقبةِ، وإلى إرشاداتِ عدمِ اللمسِ إلا بإشراف الموظَّفين، وجدتُ نفسي أَخرُج من عالَمِ صديقي وصاحبِه، وأَطِيرُ في فضاءاتِ المكانِ، جرس الإنذار في تلكَ الزاويةِ، وتلك، و.. يا إلهي كأننِي في مؤسَّسة أمنية، لِمَ كلُّ هذه العدَّة والعتاد؟! • "هذه الجوهرة مرتفعةُ الثمنِ"؛ اقتَحَمت كلماتُ صاحبِنا أحلامَ يقظتِي، إذًا كلُّ ذلكَ من أجلِ هذه الجواهرِ واللآلئ، عجبًا لفلسفةِ الإنسانِ، يوفِّر كلَّ الحمايةِ ووسائل الأمانِ؛ من أجلِ معادنِ الأرضِ، ولا يدَّخر جهدًا في منعِ العبث بها، أو التلصُّص عليها، أو حتى التجرُّؤ على لمسِها، ولا يُتِيح النظرَ إلا لمشترٍ، وليس أيَّ مشترٍ، تَجَاوَزت عيونِي الأبوابَ الزجاجيةَ لتَصطَدِم بفتاةٍ فاتنةٍ، لم تَترُك من زينةِ الدنيا شيئًا إلا أَبرزَتْه، صَدَمنِي سؤالُ صديقِي لصاحبِنا: هل يوجَد تقليدٌ لهذه الجوهرةِ، بثمنٍ رخيصٍ يَتَناسَب وأَنينَ الجيوبِ؟ يا لهم من سفلةٍ، مجموعةٌ من المراهقينَ في سيَّارةٍ رياضيَّةٍ، يصفِّرون، يُرسِلون ألفاظَ الطيشِ إلى الفتاةِ، التي لم تَجِد بدًّا من ولوجِ بابِ المحلِّ، فاستَتَرت وراءَ كلِّ هذه الحماياتِ، وهدأت أنفاسُها قليلاً، علا صوتُ صاحبِنا: محلُّنا ليس فيه إلا ما غَلا، وإن كنتَ لا تَملِك، فَابْحَث في الأزقَّة، على الأرصفةِ، ستَجِد مَن يعطيك تقليدًا، ورخصُه رخصُ الترابِ، عَجِبتُ من هذه المفارَقة، الجوهرُ الثمينُ يتجلَّل: بالحمايةِ، والرعايةِ، والاحترامِ، والهيبةِ، ورغبةِ كلِّ الناس في امتلاكِه؛ لأنهم يشعرون بالأمان إلى نقائه، وغلوِّ ثمنه. وأما التقليدُ، فعلى الأرصفةِ، وفي الأزقَّةِ، ولا يُؤْخَذُ إلا للخداعِ، بل لا يُبَاهَى به، ويصدأُ بعد فترةٍ قصيرةٍ، ويَعتَرِيه ما يَعتَرِي كلَّ رخيصٍ من عواملِ التعرية. تفاجَأت الفتاةُ بي أنظرُ إليها، ارتَبَكت، لسانُ حالِها يقول: يَكفِيني طيشُ أولئكَ، فلا تعظِّم همومي، أَشَحتُ بوجهي؛ لتَصطَدِم عيوني بالجواهرِ اللامعة، سَاءَلت نفسي: أيُّهما الجوهرُ الحقيقي، وأيُّهما يحتاج للحمايةِ والتجللِ بالأمن؟ هذه المعادنُ، أم هذه الفتاة؟ جوهرُ الأرضِ، أم جوهرُ البشر؟ فَاجَأنِي صَديقِي بشجاعتِه يَردُّ على صاحبِنا: زوجِي أثمنُ شيءٍ في الوجودِ، وصدِّقني لا يَكفِيني أن أقدِّم لها كلَّ جواهرِك، وعندي لها هديةٌ أغلى من كلِّ جواهرِ الأرض، سأَضَع قلبِي بين أنفاسِها، وسأتنفَّس من قلبِها، سأَصنَع معها سعادتِي، بلا معادنَ خادعةٍ؛ فالمعدنُ الأصليُّ أو التقليدُ لا يَملِك أن يَزرَعَنِي غرسًا في قلبِها، بل حبِّي لها سيَجعَل منها جوهرةَ حياتي، شكرًا لك! أسرَعَت الفتاةُ تغادِر المحلَّ، كمَن لدَغَتْها أَفعى! رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Literature_Lan...#ixzz2TXBCJMyd
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|