اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 04-05-2013, 02:03 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

باسم يوسف نموذجا:
فورين بولسي: مستقبل حرية الرأي تحت حكم الإخوان في مصر



ه. أ. هيلر
عرض :محمد الحسين عبد المنعم

أصبح من المألوف في الآونة الأخيرة تناثر الأخبار حول استدعاء النيابة العامة لعدد من الناشطين المعارضين لجماعة الإخوان المسلمين، للتحقيق معهم في بلاغات ضدهم، يرتكز أغلبها على آراء نشروها أو عبروا عنها عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ إلا أن هذه البلاغات بلغت ذروتها بصدور أمر ضبط وإحضار للإعلامي "باسم يوسف". اكتسبت قضية الإعلامي "باسم يوسف" زخمها لما يتمتع به برنامجه الساخر "البرنامج" من شعبية بين المصريين (شعب النكتة)، فضلا عن علاقته بوسائل الإعلام الأجنبية وظهوره على شاشاتها في أكثر من مناسبة، كان أبرزها ظهوره مع الإعلامي الساخر الأمريكي "جون ستيوارت"، والذي يحاكي باسم برنامجه إلى حد كبير.

استدعى أمر الضبط والإحضار لـ"باسم يوسف" بتهم تتعلق بـ"إهانة الرئيس" و"إهانة الإسلام" و"نشر أخبار كاذبة"، فضلا عن تزايد البلاغات المقدمة ضده، ردود أفعال عدة، منها على سبيل المثال إبداء الخارجية الأمريكية القلق حيال حرية الرأي والتعبير في ضوء القضية المثارة، بالإضافة إلى نشر الحساب الرسمي للسفارة الأمريكية على "تويتر" لمقطع فيديو قام فيه "جون ستيوارت" بالسخرية من التهم الموجهة لـ"باسم يوسف"، وهو ما استدعى ردًّا من الرئاسة عبر حسابها الرسمي، ترفض فيه تدخل البعثات الأجنبية في مثل هذا النوع من الدعاية.

وفي سياق متصل، نشر ه. أ. هيلر H. A. Hellyer، الباحث المقيم بالقاهرة، المتخصص في الشئون العربية والعلاقات الغربية بالعالم الإسلامي، والباحث غير المقيم بمشروع العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بمعهد بروكينجز ومعهد السياسة الاجتماعية والفهم، مقالا في مجلة "الفورين بولسي" بعنوان: كارثة العلاقات العامة المصرية Egypt's public relations disaster.

يرتكز المقال حول فكرة أساسية، وهي "مستقبل حرية الرأي والتعبير في مصر الثورة"، وذلك من خلال عرض الكاتب لرؤيته حول ظاهرة "باسم يوسف"، خصوصًا وأنه تجمعه به علاقة شخصية، ثم يطرح عدة تساؤلات بخصوص رؤية الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين لحرية الرأي والتعبير.

ظاهرة "باسم يوسف"

يبدأ "هيلر" المقال بتخيل الخزي التي قد يلحق بالولايات المتحدة، إذا ما صدر أمر ضبط وإحضار لـ"جون ستيوارت" على خلفية تهكمه بالرئيس الأمريكي "باراك أوباما" أو "اليهودية" على سبيل المثال، وهو ما يجب أن تشعر به السلطات المصرية إثر الاتهامات التي وجهت لـ"باسم يوسف".

ويعطي الكاتب معلومات عن السياق الذي ظهر فيه "باسم يوسف" واصفًا إياه بـ"الظاهرة الفريدة"، بدءًا من صعوده عبر وسائل التواصل الاجتماعي ثم التليفزيون، وما اكتسبه من شهرة عربيًّا وعالميًّا، خصوصًا في ضوء قدرة "باسم يوسف" غير المنتمي لأحزاب، على دمج السخرية، التي اشتهر بها المصريون، بالتوعية السياسية. ويعتبر "باسم يوسف" أن الثورة مستمرة، وأن دوره فيها توسيع دائرة الخطاب العام، وإخضاع السلطة للمساءلة، وذلك عبر الدعابة، الأمر الذي قربه من قلوب المصريين والعرب حول العالم.

ويرى الكاتب أن تهمة "إهانة الإسلام" على وجه الخصوص "كيدية"، لأن "باسم يوسف" أكد أكثر من مرة فخره بكونه "مسلم"، فضلا عن أنه يعتقد أن الدين الإسلامي من النقاء ألا يتم تلويثه بالسياسة، وعليه فهو يحاول أن يظهر للناس الفرق بين الإسلام، وبين رجال الدين الذين يتبنون تفسيرات متشددة للدين، ويرفض الاعتراف بهم. وبإمكان "باسم يوسف" أن يلجأ للمحاكم لمواجهة إهانات رجال الدين المتشددين، إلا أنه يكتفي بإظهار "تعصبهم" عبر مقاطع فيديو خاصة بهم. وبشكل عام فإن مواقف وجهود أُناس مثل "باسم يوسف" ستساهم فيما إذا ما كان سينتصر التفسير الوسطي المعتدل للإسلام أم سيستمر التفسير العدائي، والمسيس الضيق.

رؤية الرئاسة والإخوان لحرية التعبير

قدر أحد المحامين أن عدد القضايا المرفوعة تحت مسمى "إهانة الرئيس" في الـ200 يوم الأولى من حكم الرئيس "مرسي" أكبر من تلك التي رفعت خلال الـ30 عامًا من حكم مبارك. ويتساءل "هيلر" عن تأثير تهمة "إهانة الرئاسة"، حتى لو أهانها "باسم" بكل ما يملك من قوة، على المؤسسة الأقوى في مصر، والتي ليست بحاجة لقانون يحميها، بالرغم من وجود قانون يجرم إهانة الرئيس، وطالب الثوار بإلغائه في مصر الثورة، خصوصًا وأن مثل هذا القانون قد يتم استخدامه لأغراض أخرى تتعدى القذف والتشهير، لقمع المعارضة وإسكاتها، في ظل مكتب قانوني تابع بصورة أو بأخرى للتيار السياسي الذي عينه.

وبشكل عام، فإن قضية "باسم يوسف" يمكن اعتبارها مؤشرًا على تنامي تأثيره لدرجة تعدت المسموح من وجهة نظر مؤسسة الرئاسة. بينما يظل السؤال الأكبر، الذي يدور حول حرية الرأي والتعبير في مصر ما بعد الثورة؛ فبالرغم من إعلان حزب الحرية والعدالة رسميًّا عدم مسئوليته عن البلاغ، إلا أنهم لم ينتقدوا الإجراء القانوني المتبع حيال "باسم يوسف"، والتي من ضمنها بعض مواد في الدستور الممرر أواخر 2012. هذا فضلا عن أن بعض مؤيدي "مرسي" (من ضمنهم قيادات في حزبه) قد دعموا وجود آليات تتيح تغريم أشخاص مثل "باسم" بتهمة تشويه السمعة.

إن نموذج الإعلام الحر المنفتح أصبح مطلبًا هامًّا، لدولة تحتل المركز الـ158 في "مؤشر حرية الصحافة" الصادر عن "مراسلون بلا حدود"، والفرصة الآن سانحة، كما لم تكن من قبل، أمام السلطات المصرية لاتخاذ خطوات لتصحيح ذلك الوضع.

ويضيف الكاتب، أن الخيارات أمام "مرسي" واضحة، إما أن يلتزم الصمت إزاء القضية المرفوعة، أو أن يخرج ليعلن أنه لا يتدخل في أعمال القضاء، إلا أن مثل تلك القضية لا تكتسب تأييد الرئاسة. فضلا عن إظهار جديته في هذا الشأن من خلال إحالة القانون الخاص بـ"إهانة الرئيس" للبرلمان لتعديله، لكي لا تستخدم مثل تلك الأدوات القانونية العتيقة لخنق النقد. ويعتبر "هيلر" أن وجود مثل هذا القانون في الأصل هو "إهانة" في حد ذاته للرئاسة، لأنه يظهرها بمظهر المتزعزع غير الواثق، وأن مثل هذه الخطوات، إن اتبعها "مرسي"، ستبعث برسالة للإعلام المصري أنه لا مزيد من القبض والاحتجاز على خلفية التعبير عن الرأي، ببساطة لأن الشخص العادي لا يمنح قداسة للسلطة السياسية كما يتمنى بعض السياسيين.

ويختتم الكاتب المقال بأن قضية مستقبل حرية الرأي والتعبير في مصر ما بعد الثورة، وليس "باسم يوسف" بشخصه، على المحك، وأن الوسيلة الوحيدة التي يمكن لمرسي أن يبعث من خلالها رسالة واضحة للشعب المصري أن مصر الجديدة الحقيقية هي مصر أكثر حرية، هي أن يقبل "مرسي" دعوة "باسم يوسف" لبرنامجه.
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 05-05-2013, 02:29 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

من يقود من؟ :
الإعلام والشارع بعد ثورات الربيع العربى



صبحى عسيلة

بينما قاد الإعلام الإلكتروني موجة التغيير في العالم العربي من عالمه الافتراضي، حيث لعب "الفيس بوك" دورا أساسيا في إشعال الثورات العربية في ظل غياب أو "غفلة" من الإعلام التقليدي، الأمر الذي تسبب في موجة عاتية من النقد لذلك الإعلام التقليدي، فإن تطورات الأحداث في دول الربيع العربي أعادت الإعلام التقليدي مرة أخرى إلى الواجهة لأسباب كثيرة

لعل أهمها الإمكانيات غير المحدودة التي يتمتع بها ذلك الإعلام في التواصل مع الشارع العربي، بما جعله الوسيلة الأولى التي يعتمد عليها المواطنون لمعرفة الأخبار. وعبر نقله وتفاعله مع كافة الأحداث والتطورات عاد الإعلام التقليدي إلى مكانته في التأثير في توجهات الشارع العربي، ولكنه عاد أيضا إلى التأثر به والتفاعل معه، وأحيانا للخضوع إليه في محاولة لتلبية رغباته.

وذلك على الرغم من أن أحد أهم أدوار الإعلام هو قدرته على وضع أجندة الأولويات Agenda setting، أو كما قال (برنارد بيرلسون Bernard Berelson) في مقالته عن "الاتصالات والرأي العام" أن وسائل الإعلام تعد المسرح السياسي للمناظرات الجارية، ويرى أن هناك بعض الدلائل بان المناقشات الخاصة حول المسائل السياسية تأخذ مؤشراتها من عرض وسائل الإعلام لهذه المسائل، إذ أن الناس يتحدثون في السياسة متماشين في ذلك مع الخطوط التي ترسمها الصحافة. فوسائل الإعلام في النهاية لن تستطيع أن تقدم كل ما يحدث ومن ثم فهي تختار بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة والتحكم في طبيعتها ومحتواها.

وفي هذا السياق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو؛ من يضع الأجندة لمن، أو من يمتلك دفة القيادة؛ الإعلام أم الشارع. ومرة أخرى تم توجيه سهام النقد الشديد إلى وسائل الإعلام وتحميلها في كثير من الأحيان مسئولية ما يحدث من أحداث سلبية في الشارع، وكذلك المسئولية عن التخبط والضبابية الموجودة في الشارع. وفي هذا السياق تم تحميل المسئولية مثلا للإعلام خاصة الرسمي في مصر عن تطورات الأحداث فيما عرف بأحداث ماسبيرو في أكتوبر 2011، وتم تحميل الإعلام خاصة الرياضي والخطاب الإعلامي عامة جزء كبير من المسئولية عن الأحداث الدامية التي شهدها إستاد بورسعيد في بداية شهر فبراير 2012 بعد انتهاء مباراة النادي الأهلي ونادي المصري البورسعيدي، والتي راح ضحيتها 74 مواطنا.

وفي الحالتين جاء تحميل المسئولية عبر تقرير للجنة شكلها وزير الإعلام المصري في الحالة الأولى، وعبر تقرير للجنة تقصي الحقائق شكلها مجلس الشعب في الحالة الثانية. ومن الواضح أن الإعلام خاصة المرئي بدأ يشعر هو الأخر بمسئوليته عن الأحداث واتجاه تطورها وتأثيرها على الشارع، فشرعت بعض القنوات الفضائية في أعقاب واقعة إستاد بورسعيد في الامتناع عن عرض صور الواقعة وتخفيف التركيز الإعلامي عليها وعلى مجرياتها، ولاحقا في تغطية الأحداث التي تلتها في محيط وزارة الداخلية، بما ساهم بشكل أو بآخر في تجاوز تلك الأزمة بكل تبعاتها.

ظواهر أساسية

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى الظواهر التالية التي تشير إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام والشارع في فترة الربيع العربي:

أولا: ظاهرة "شاهد العيان" ومعها ظاهرة "المواطن الصحفي".فمع الصعوبات التي واجهها الإعلام في تغطية تحركات الشارع خلال الثورات العربية، وربما بسبب عدم جاهزية الإعلام للتعامل مع مثل هكذا مواقف انتشرت ظاهرة اعتماد وسائل الإعلام على شاهدي العيان بكل ما تحمله من تعارض مع أساسيات العمل الإعلامي والتي يتمثل أهمها في التحقق من المعلومات قبل عرضها على الجماهير. كما انتشرت ظاهرة الاعتماد على المواطنين أنفسهم في تغطية الأحداث من خلال كاميراتهم خاصة عبر الموبايل وإرسالها إلى القنوات.

وخصصت العديد من القنوات مواقع لتلقي المواد التي يصورها ويرسلها المواطنون. ومع أن تلك الظاهرة خدمت إلى حد بعيد وسائل الإعلام عبر تقديم ما يمكن اعتباره جديدا أو مثيرا للرأي العام، فإنها في الحقيقة انتزعت دور الإعلام في توجيه الرأي العام وباتت هي أسيرة لما ينقله المواطنون، وتحولت في حقيقة الأمر إلى مجرد "قناة" يستخدمها المواطنون لبث وإذاعة ما يريدون على الرأي العام. وفي هذا الإطار كان طبيعيا أن تنشأ ظواهر أخرى مصاحبة لتلك الحالة لعل أهمها ما يمكن تسميته "حرب الكليبات" و"حرب الصور"، والتراجع أو الاعتذار في بعض الأحيان عن إذاعة بعض المعلومات والصور التي يتضح فيما بعد أنها غير حقيقية. وهو ما ساهم في النهاية في مزيد من الضبابية لدى الرأي العام، بينما أحد أهم أدوار الإعلام هو "تنوير" الرأي العام وتزويده بالمعلومات التي تجعله قادر على تقدير الموقف بشكل أفضل
.
ثانيا: الانفجار غير المسبوق في عدد وسائل الإعلام. فخلال الستة أشهر الأولى عقب الثورة، شهدت مصر انطلاق عدد من القنوات التليفزيونية (أكثر من 20 قناة) يماثل عدد ما تم إطلاقه في مصر خلال 15 عاما سابقة على الثورة. هذا بالإضافة إلى بعض الصحف الجديدة التي صدرت مثل التحرير والحرية والعدالة. والمشكلة الحقيقية في تزايد عدد وسائل الإعلام بهذا الشكل هي أنه يأتي في وقت يتراجع فيه الاقتصاد القومي بكل ما يمثله من تداعيات على سوق الإعلانات، بما يطرح الكثير من التساؤلات وأحيانا الشكوك حول أهداف مالكي تلك القنوات خاصة وأنه لا توجد معلومات كافية حول مصادر تمويل تلك القنوات. الأمر الذي يبرر الاعتقاد بأن وراء تلك المشروعات الإعلامية مشروعات سياسية للقائمين على تلك المشروعات، بل إن الكثير من القنوات الجديدة يعبر عن أفكار سياسية محددة، بعضها طائفي أو مذهبي. وهو ما يفسر بدوره افتقاد وسائل الإعلام تلك أو بالأحرى ابتعادها عن الدور الحقيقي للإعلام والتزام المهنية والموضوعية.

ثالثا: سعي وسائل الإعلام إلى منافسة الإعلام الإليكتروني تحت ضغط ما يفرزه الأخير من ضغوط وتحديات. وهي المنافسة التي أفقدت وتفقد الإعلام التقليدي الكثير مما يتمتع به لدى القطاع العريض من الشارع خاصة الجانب المتعلق بتحري الدقة والمصداقية. بينما يتميز الإعلام الإليكتروني بالسرعة الهائلة والحرية شبة التامة في نقل الأخبار والأفكار، نظرا لصعوبة ممارسة أي نوع من الرقابة على هذا النوع من الإعلام. وربما يكون النجاح الأساسي والوحيد للإعلام التقليدي في ظل الربيع العربي هو النجاح في توظيف وسائل الاتصال الجديدة في الخدمة الإعلامية التي يقدمها، أي أن المنافسة مع الإعلام الإليكتروني أجبرت الإعلام التقليدي على التوجه باتجاه نوع من "التحديث" والتجديد في خدماته الإعلامية، وكذلك الاهتمام بعملية البث المباشر عبر الانترنت.

رابعا: عدم وجود رؤية ونفاق الشارع. بدا الإعلام التقليدي في مواجهة تسارع الأحداث فاقدا لرؤية واضحة لكيفية التعامل أو التفاعل مع تلك الأحداث، وظلت الرغبة في كسب الشارع هي المحدد الأساسي فيما يقدمه الإعلام التقليدي، فضاعت "البوصلة الإعلامية"، خاصة في ظل توجهات النخبة الإعلامية المتواجدة على الساحة. وهي النخبة التي لم تشهد تجديدا يذكر سواء على مستوى الأفكار أو على مستوى الأشخاص. بل إن بعض التجديد في تلك النخبة جاء فقط "لمغازلة" الشارع والميادين الملتهبة (الشيخ مظهر شاهين نموذجا).

امتحان عسير

والحاصل أن الثورة ـ على نحو ما يؤكد العديد من خبراء الإعلام ـ لم تصل بعد إلى الإعلام سواء الحكومي أو الخاص، المقروء منه والمرئي. وعلى الأرجح فإن الإعلام التقليدي ـ كما دول الربيع العربي ـ يمر بمرحلة انتقالية تمثل "امتحانا" عسيرا للإعلام التقليدي، على اعتبار أن أداء الإعلام في تلك المرحلة سيؤسس إلى حد بعيد لما سيكون عليه الإعلام فيما بعد. وهنا سيكون الإعلام أمام خيارين:

الأول: أن يتعرض الإعلام، نوعا وكما، لمزيد من التضييق الرسمي عبر إصدار تشريعات ـ ينادي بها الكثيرون ـ لتنظيم العمل الإعلامي وضبط أداءه، حماية للرأي العام من حالة "الانفلات الإعلامي" الحالية.

الثاني: أن يعدل الإعلام أداءه عبر مزيد من المهنية والموضوعية ومبادرة العاملين في تلك الصناعة لبلورة رؤية ذاتية للتعامل مع الانفلات الإعلامي والأداء غير المهني الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام، بما يكسبه في النهاية مزيدا من المساندة الشعبية. الأمر الذي يصعب من محاولات التضييق عليه.

ولكن تبقى المشكلة أن الإعلاميين ما زالوا عاجزين حتى اللحظة على الإمساك بزمام المبادرة سواء في قيادة الرأي العام أو في وضع إستراتيجية تقي الإعلام هجمة محتملة من الحكومات القادمة بصرف النظر عن طبيعة تلك الحكومات، فلن تعدم أي حكومة آتية المبررات لمحاولتها التضييق على الإعلام. كما أن الأداء الإعلامي خلال الفترة الانتقالية لا يشير إلى مكانية صمود الإعلام مستقبلا في وجه محاولات التضييق عليه. ومن ثم يعود الإعلام للخضوع مرة أخرى للتوجيه الرسمي، بعدما أخذته موجة الربيع العربي للانقياد إلى الشارع ورغباته.
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 05-05-2013, 02:35 AM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

جزاكم الله خيرا
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 05-05-2013, 10:30 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا محمود الجوهرى مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا
جزاك الله خيرا أستاذ رضا و بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 05-05-2013, 10:51 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

الفضاءات المفتوحة:
التأثيرات السياسية للإنترنت في المنطقة العربية



محمد عز العرب - أحمد زكريا الباسوسي

لم يعد التأثير السياسي الذي أحدثته شبكة الإنترنت على الساحة العربية، في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية، افتراضيًّا، بل صار واقعيًّا، حيث امتد من المغرب إلى البحرين، ومن الأنظمة الجمهورية إلى الملكيات الخليجية، إلى درجة أن هناك من يعتبرها فاعلا أساسيًّا، ليس في نقل التحولات الداخلية فقط بل في صنعها أيضًا، إلا أن التحدي القادم يتمثل في مدى نجاح هذه الشبكة في التعامل مع القضايا النوعية الجديدة، وتحديدًا قضايا المرأة والأقليات والشباب، وخلق رأي عام داعم لها، في ظل "فضاء مفتوح" متسع وآخذ في التزايد، بما يكشف عن نزعة نحو مجتمعات عربية أكثر ديمقراطية، في ظل تعثر التحولات التي تقودها الأنظمة السياسية، وخاصة في المراحل الانتقالية من الثورة إلى الدولة.

ووفقًا للتقرير الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في 25 فبراير 2013، فقد تزايد عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية إلى 103 ملايين نسمة، وبلغ عدد مستخدمي "فيس بوك" 43 مليونًا مقابل 1.5 مليون يستخدمون "تويتر"، وذلك مقارنة بـ72 مليون مستخدم للإنترنت و45.2 مليون مستخدم لـ"فيس بوك" في منتصف عام 2012.

إجراءات مقيدة

يبدو أن النظم العربية قد أدركت أن الإنترنت قد أصبح أحد الأدوات الفاعلة التي تستخدمها قوى المعارضة، سواء للحشد أو لتعبئة الرأي العام ضدها، وهو ما دفعها إلى السعي لتحجيم آثاره، عبر أدوات عديدة يأتي في مقدمها:

1- المواجهة الأمنية، حيث سعت بعض الدول إلى إغلاق مواقع هامة على شبكة الإنترنت، لا سيما "يوتيوب"، باعتبارها أداة لتوثيق وتسجيل الانتهاكات التي ترتكبها النظم الحاكمة. وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول العربية التي تحجب المواقع الإلكترونية، في حين تأتي العراق وتونس ولبنان في المراتب الأخيرة، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

2- الملاحقة القضائية، وهي إحدى الآليات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، لمواجهة الحراك الشعبي الناتج عن مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت معظم الدول العربية، خصوصًا مصر والكويت والبحرين وسلطنة عمان والمغرب، ملاحقات قضائية للنشطاء وصلت إلى حد الحبس والغرامة في محاولة لتحجيم آثارها، وقد حلت الكويت في المرتبة الأولى في مجال ملاحقة النشطاء في قضايا النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

3- المعالجة التكنولوجية، إذ بذلت بعض الحكومات العربية جهودًا لاستخدام التكنولوجيا ذاتها بهدف مواجهة "المد المعارض" الذي نجح في توظيف الإنترنت خلال العامين الماضيين وأسهم في جذب الأنظار لعدد من القضايا التي أثارت الرأي العام، وأرغمت حكومات على اتخاذ قرارات ضد رغبتها. وفي هذا الإطار، تم تعليق حسابات العديد من المواقع، التي ترى فيها بعض الدول خطرًا على استقرارها السياسي والاجتماعي، كما تم تعليق بعض قنوات الاتصال، جملة وتفصيلا، لضمان عدم التنسيق بين أفراد الجماعات التي تهدد أمن البلاد من وجهة نظر تلك الحكومات، التي يقوم عدد منها بإظهار حضوره على شبكة الإنترنت من أجل التواصل مع الأعداد المتزايدة من المواطنين الذين يستخدمون الإنترنت، ومع الجمهور العالمي المهتم بشئون المنطقة العربية.

قضايا جديدة

أضفى الاستخدام الواسع للإنترنت في الدول العربية أهمية وزخمًا خاصًّا على قضايا نوعية جديدة على الساحة، تتمثل في:

1- الدفاع عن حقوق المرأة، وهي إحدى أبرز القضايا الجديدة التي بدأت تُستخدم فيها تطبيقات الإنترنت، حيث تم تكوين صفحة تحت مسمى "انتفاضة المرأة في العالم العربي"، بلغ عدد مشتركيها 80 ألف مشترك من شتى أنحاء المنطقة العربية حتى نهاية عام 2012، وقد تكونت تلك المجموعة بمشاركة أربع ناشطات من دول عربية مختلفة، واهتمت بفكرة "إسقاط الذكورية" من المجتمعات العربية، وذلك حتى تشارك المرأة في السلطة التنفيذية والمجالس التشريعية، والمطالبة بالمزيد من الحقوق الاجتماعية للمرأة العربية.

2- تبني قضايا الأقليات، لا سيما مع قدرة مواقع الإنترنت على تجميع وتبادل الأفكار، وتوحيد المطالب بين الأقليات المنتشرة في المنطقة، خصوصًا الأقليات الأمازيغية، التي أنشأت عددًا كبيرًا من الصفحات على موقع "فيس بوك" أبرزها ما يسمى "باتحاد الصفحات الأمازيغية التونسية"، و"أمازيغ ليبيا الأحرار"، و"الشبكة المصرية من أجل الأمازيغ"، والصفحات التي تدعم تعليم اللغة الأمازيغية في الإقليم ككل، فضلا عن المواقع الإلكترونية التي تهتم بقضايا الأمازيغ الخاصة مثل "عالم الأمازيغ". وتمثل الأقليات الكردية مثالا آخر لاستخدام الإنترنت في نشر قضيتها وذلك عبر تأسيس العديد من الصفحات التي تهتم بتغطية أوضاع هذه الأقليات.

3- الاهتمام بمشكلات الشباب، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حقيقية لمناقشة أبرز مشكلات الشباب في دول المنطقة، ومن أهم الصفحات التي يدشنها الشباب من دول عربية مختلفة على الإنترنت تلك التي تخص آليات الإدماج الشبابي في هياكل النظم القائمة، والإحلال الجيلي، ومواجهة المذهبية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة وتأخر سن الزواج، على نحو ما أبرزته صفحات "كيف نقضي على البطالة؟" و"الشعب يريد توظيف الخريجين" في مصر.

وخلاصة القول، إن شبكة الإنترنت، بتطبيقاتها المختلفة، لا تمثل العامل الأساسي في التحولات الداخلية التي شهدتها العديد من الدول العربية في العامين الماضيين، إلا أنها صارت إحدى الأدوات المساهمة في تهيئة متطلبات هذا التحول أو ذاك، بعد أن أصبحت الوسيلة الأساسية لكثير من القوى السياسية والاجتماعية في توصيل رؤاها ومواقفها المختلفة.
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 05-05-2013, 11:07 PM
singer111 singer111 غير متواجد حالياً
عضو رائع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 865
معدل تقييم المستوى: 13
singer111 is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 06-05-2013, 01:25 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

المحور السادس: العلاقات الخارجية

شراكة "مرتبكة":
نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية



عفراء أحمد البابطين
باحثة في الشئون السياسية - دولة الكويت

رغم اندلاع ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا واليمن، ونجاحها في إسقاط أنظمتها، لا تزال هذه الدول تمر بمرحلة ممزوجة بالفوضى وعدم وضوح شكل وأسلوب ومنهج أنظمة الحكم الجديدة. فوصول جماعات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في بعض هذه الدول، وتنامي نفوذها السياسي في دول أخرى؛ بدأ يطرح تساؤلات عدة حول كيفية إدارة تلك الجماعات لدولها، وحول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأكثر تأثيرًا في المنطقة، وهذه الجماعات.

وتشيرُ عدة وقائع سياسية إلى أن هناك قبولًا أمريكيًّا لجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، على خلاف ما كان سائدًا منذ عقود من الزمن؛ حيث كانت الجماعة تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها الديكتاتوريات القائمة آنذاك في الدول العربية، ومن الجهة المقابلة، كانت الولايات المتحدة تخشى هذه الجماعة وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، وتعتقد أنها غير قادرة على تبني قواعد الديمقراطية والالتزام بها؛ حيث لم تر فيها "حليفا إستراتيجيا" يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن هذا التحول السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن ليحدث لولا التغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة، فلطالما كانت واشنطن مترددة في دعم مشاريع دعم الديمقراطية في العالم العربي خوفا من تصاعد الوزن السياسي لجماعات الإسلام السياسي في ظل ضعف التيارات الليبرالية في المنطقة، ولكن بعد أن تغير المشهد السياسي نتيجة الثورات العربية وإسقاط معظم النظم السلطوية الحاكمة؛ تغيرت رؤية واشنطن لهذه الجماعات.

وفي هذا الإطار؛ تحاول هذه الورقة تحليل أبعاد ودوافع هذا التحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة الأكثر تأثيرًا في المشهد السياسي العربي؛ حيث تحولت العلاقات بين الجانبين من انعدام الثقة المتبادلة، إلى ما يشبه "الشراكة" بينهما. كما تحلل الورقة العوائق والإشكاليات التي يمكن أن تكتنف هذه العلاقة الجديدة خلال الفترة المقبلة، وكيف ستتم إدارتها.

دوافع التحول في العلاقة:

لقد تراجعت مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًّا، وهو أمر يمكن تَلَمُّسُهُ من خلال إخفاقها في المجالين الاقتصادي والعسكري؛ حيث تراجعت قوة الولايات المتحدة أمام الصين وروسيا بصورة كبيرة مقارنة بفترات سابقة، وتُعتبر أزمتا إيران وكوريا الشمالية والصراع في سوريا مثالا واضحا على ذلك؛ حيث لم تستطع الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها ولا قوتها المعتادة على الصين أو روسيا لحل هاتين الأزمتين، وخاضت حروبًا ودخلت في تصفيات سياسية وأمنية كبيرة للحد من ظاهرة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن ذلك حربها ضد حكم طالبان في أفغانستان؛ حيث لا يزال الوضع مرتبكًا وضبابيًّا هناك دون تحقيق نجاح يذكر. كما فشلت الولايات المتحدة في حربها على العراق؛ حيث أخفقت في تحويل العراق إلى "نموذج" للديمقراطية في الوطن العربي. لذا فإن الفشل في حل تلك القضايا أرهق الإدارة الأمريكية، ووضعها في حرج كبير، ناهيك عن أنها في الفترة الأخيرة لم تستطع أن تضع حلولا لإنهاء الصراع في سوريا.

ويمكن القولُ، إن رغبة الولايات المتحدة في تجاوز هذا الوضع، وتحقيق اصطفافات سياسية تضمن أمنها الإستراتيجي، ومصالحها في المنطقة؛ لم يُبقِ أمامها من خيارٍ بعد قيام ثورات الربيع العربي إلا مساعدة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية والحرية وضمان الشفافية ومكافحة الفساد لكي تنشأ من خلالها بيئة مستقرة تخدم مصالحها. وبالتالي، وجدت الولايات المتحدة نفسها "مضطرة" للتقرب من جماعة الإخوان المسلمين، كإحدى قوى الإسلام السياسي، والتي حققت انتصارًا شعبيًّا في أغلب دول الثورات العربية.

وهذا التقاربُ الاضطراري قد يحل محل النمط القديم الذي ميز السياسات الأمريكية؛ حيث كانت تصنف تيارات الإسلام السياسي عامة، على أنها جماعات وأحزاب وحركات متطرفة وإرهابية غير قادرة على دعم الديمقراطية. وبذلك فإن الولايات المتحدة تنتهج مسعى جديدًا يهدف إلى دعم هذه الجماعات التي أصبحت واقعًا سياسياً؛ حيث أصبحت هي من يحكم، ويرعى مصالح شعوبها عبر القانون والدستور الذي من المفترض أن يحمي حقوقَ الإنسان، ويدعم حرية الفكر والتعبير، ويضمن حماية الأقليات، ويدعم حقوقَ المرأة.

البحث عن شراكة "حقيقية"؟

منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، احتفت الولايات المتحدة بتونس كونها أول دولة تصنع "الربيع العربي الديمقراطي"، ففي خطاب الرئيس باراك أوباما لتونس أشار إلى أن "قصة تقرير المصير بدأت مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه وأدى الى اندلاع ثورة حتى غادر الديكتاتور". وتحليل خطاب الإدارة الأمريكية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي"؛ توضح التحول السريع والتقبل المسبق لنتائج الثورات العربية، سواء كانت حكومات إسلامية أم غيرها؛ حيث قدمت الولايات المتحدة كل ما تحتاجه مصر وتونس من دعم معنوي ودبلوماسي، سواء على مستوى خطابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون.

فبعد ثورة الياسمين التونسية؛ انتقد الكثير من المحللين السياسيين عدمَ قدرة الحكومات التونسية -وخاصة حكومة محمد الغنوشي وقائد السبسي- على تسويق الثورة التونسية في واشنطن، على نحو يوفر ما تحتاجه تونس من دعم اقتصادي، وفي هذا الخصوص، يرى رضوان المصمودي أن الحكومتين التونسيتين بعد الثورة "أضاعتا كثيرا من الفرص للحصول على الدعم الاقتصادي الكافي لإنجاح الانتقال الديمقراطي، فالدعم السياسي الأمريكي لتونس موجود، وساهم في حماية الثورة من كثير من أعدائها في الداخل والخارج، ولكن الدعم الاقتصادي بالخصوص ما زال دون المطلوب، وأن الشراكة بين البلدين لم تبلغ المستوى المأمول". وبالتالي، تحتاج تونس إلى الدعم الاقتصادي الأمريكي بقدر حاجتها للدعم السياسي والدبلوماسي.

أما في حالة مصر؛ فبعد أن كان الرئيس السابق حسني مبارك من أقوى حلفاء واشنطن الإستراتيجيين في المنطقة، نظرا لما لمصر من مكانة وقوة ووزن في منطقة الشرق الأوسط؛ لم تختلف الرؤية الأمريكية حول الثورة المصرية وحق الشعب المصري في الانتفاض وتغيير النظام عن حالة تونس وليبيا واليمن آنذاك. ومتابعة التطورات اللاحقة، تكشف عن مدى التقارب والقبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بدءًا من حصول حزب الحرية والعدالة على 45% من مقاعد مجلس الشعب المصري، حتى وصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم في مصر. ويبدو أن الجانب الأمريكي يراهن على قدرة الإخوان المسلمين على تبني مبادئ الديمقراطية، والحفاظ عليها، والالتزام بها، كونها أصبحت مطلبًا شعبيًّا يجعل من الصعب أن تحيد عنه جماعة الإخوان، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي".

وهذا الوضع يفرز إشكالية جديدة في شكل وطبيعة علاقة واشنطن مع دول الثورات العربية، فالحكومات العربية الجديدة تسعى لتوطيد العلاقات مع واشنطن بشرط عدم الاصطفاف وراء القرار السياسي الأمريكي كما كان يحدث في السابق، فعندما ثارت الشعوب العربية على أنظمتها، لم تكن الشئون الخارجية لدولها -وتحديدًا في حالتي تونس ومصر- منفصلة عن الشئون الداخلية. حيث إن نظرية "التابع والمتبوع" ونظرية "الولاء المطلق" للولايات المتحدة، وكسب لقب الحليف أو الصديق الإستراتيجي، لم تعد من اهتمامات هذه الشعوب في الوقت الراهن، حيث تريد هذه الشعوب من الولايات المتحدة شراكات اقتصادية وتكنولوجية وعلمية حقيقية، على أسس تقوي من اقتصاد دولها، وتحول دون اعتمادها على المعونات والمساعدات المالية.

أربعة معوقات متصورة:

من الضروري القول إن الولايات المتحدة لم تخرج عن المألوف في تصريحاتها تجاه الثورات العربية، فطالما كانت واشنطن طرفا أساسيا في محادثات السلام في الشرق الأوسط، وفي التأثير في عملية التغيير السياسي في المنطقة العربية، ولها من العلاقات والمصالح في دول الشرق الأوسط ما يجعلها قوة مهمة لا يمكن إغفالها. لكن الواقع السياسي الجديد يؤكد أنه إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة باستمرار علاقاتها "الجيدة" مع الدول العربية، فلا بد لها من تغيير إستراتيجياتها احترامًا لرغبة الشعوب العربية، وتأكيدًا منها على حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة.

ولكن هذا لا يعني أن تغير واشنطن إستراتيجياتها تجاه المنطقة بما يضر مصالحها، وينشئ بيئة جديدة تضر بها، سواء من خلال الإرهاب أو أي صورة أخرى. فهناك أولويات محددة في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وأية انحرافات في سياسات جماعة الإخوان المسلمين على نحو يضر بالمصالح الأمريكية سيشكل عوائق وكوابح يمكن أن تسبب ارتباكًا في تلك العلاقة الجديدة. ويمكن أن نوجز تلك الأولويات الأمريكية تجاه المنطقة في أربع قضايا رئيسية.

تتمثل القضية الأولى، في أمن إسرائيل، والذي يُعتبر قضية جوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تطور علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين بدون ضمانات فعلية لحماية أمن إسرائيل، ويعد الهجوم الذي وقع مؤخرا في سيناء، وأودى بحياة 16 من قوات حرس الحدود المصرية؛ أول اختبار حقيقي لجماعة الإخوان في هذه القضية، ورغم أهمية قرارات الرئيس مرسي التي اتخذها بعد هذه العملية، والخاصة بإحالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان للتقاعد؛ إلا أن ما يهم واشنطن هو أن يلتزم بالمعاهدات الدولية، وخصوصًا معاهدة السلام مع إسرائيل، وأن يقف في وجه الجماعات الإرهابية؛ حيث لا يمكن أن تتوطد العلاقات بين الجانبين دون تأمين فعليٍّ للحدود والمعابر بين غزة والحدود المصرية، والتي تعتبر الضامن لأمن إسرائيل.

وتتعلق القضية الثانية بالعلاقات مع إيران؛ حيث إن شكل وطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع إيران ستؤثر على شكل وطبيعة علاقتها مع واشنطن، وتتطلب البراجماتية من الطرفين أن يستوعب كل طرف مصالحه في المنطقة، فبلا شك، لا تريد واشنطن أن تكون لإيران مساندة عربية، كما أنها لا تريد أن يكون لإيران قوى ونفوذ في الدول العربية، كما أن عزل إيران على المستوى الدولي يشكل إحدى أولويات واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن اتجاه الجماعة للتقارب أو التحالف سياسيًّا مع إيران، سيكون عائقا لاستمرار حالة القبول الأمريكي لها.

وتنصرف القضية الثالثة إلى مدى قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تطبيق وتنفيذ مبادئ الديمقراطية في دولها، فوصول جماعة الإخوان إلى الحكم -من ناحية- يفرض عليها استيعاب كافة شرائح المجتمع، وتقبل الرأي الآخر، وتوسيع قاعدة الحقوق والحريات، وإذا ما فشل الإخوان في تحقيق ذلك، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على استمرار الدعم الشعبي لها، وبالتالي فإن الإخفاق في ذلك سيكون عائقًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة؛ حيث أصبح تعزيز فرص الحكم الديمقراطي يشكل اليوم نقطة الالتقاء بين الجانب الأمريكي وجماعات الإسلام السياسي، فالسياسة الأمريكية كانت ولا تزال تبني ائتلافاتها وعلاقاتها وتحقق مصالحها من باب المزاوجة بين المصالح والقيم والقوة. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع جماعة الإخوان أن تحيد عن مطالب الشعوب العربية في الكرامة والإنسانية، وحكم القانون، والحد من السلطات المطلقة للرئيس.

وتتعلق القضية الرابعة بعلاقة الإخوان المسلمين بجماعات الإسلام السياسي الأخرى، فرغم إطلاق واشنطن "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تمخض عنها إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، وإضعاف تنظيم القاعدة؛ إلا أن الإدارة الأمريكية لديها منظور متكامل حول كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية المتشددة.

وقد بدأ العديدُ من المحللين السياسيين بعد ثورات الربيع العربي ووصول الإخوان المسلمين للحكم، في طرح تساؤل في غاية الأهمية: هل يمكن أن تكون مصر وتونس دولتين حاضنتين للجماعات الإسلامية المتشددة؟، وقد أجاب راشد الغنوشي عن ذلك مدللا: "إن الثورة المصرية والتونسية السلمية فتحت طريقًا ثالثًا للتغيير في العالم، بعيدًا عن ال*** والانقلابات المسلحة، في وقت نؤكد فيه أن الجماعات الإسلامية المتشددة التي نشأت في القاهرة لن تعود، وأنها نشأت بسبب القمع الذي من الطبيعي أن يكفر الشخص بجلاده، بعدما تعرضوا لل***** والجلد في السجون، كما أن هذه الثورة لن تصنع فرعونًا جديدًا لمصر طالما استمر الشعب في ثورته السلمية، وكذلك في ظل عصر فضاء وإعلام مفتوح يرصد ويتابع خطوات وتحركات الرئيس".

ويمكن القول، إن العلاقة الأمريكية الجديدة مع جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تعمل في ظل تطبيقات فعلية للحد من انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، فإذا كانت جماعة الإخوان قد حققت انتصاراتٍ شعبيةً أوصلتها إلى مراحل متقدمة جدًّا في الحكم؛ فإنه أصبح مُلِحًّا أن تقنع واشنطن بأن الإسلام كفكر ومنهج حياة لا يتعارض في صميمه ومضمونه مع التجربة الديمقراطية التعددية، ويرفض ال*** والتشدد في الدين.

لكن معطيات الواقع تفرض احتمال أن يصطدم الإخوان المسلمين يوما بالولايات المتحدة بشأن حركة المقاومة الإسلامية حماس، فحركة حماس التي تتوافق فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون بمثابة "الشوكة" في العلاقة بين الجانبين؛ حيث تطالب الولايات المتحدة حماس بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة، وإثبات "حسن السير والسلوك" في إدارة العلاقات الدولية، ويبقى التساؤل مرتبطا بمدى قدرة جماعة الإخوان في مصر وتونس على مواجهة الولايات المتحدة، وتثبيت حق حركة حماس في المقاومة، واستخدام السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، وغيره من الحركات والفصائل والتنظيمات التي تدعو إلى مقاومة إسرائيل علنًا وتتبنى العمليات العسكرية ضدها.

خاتمة:

إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند تحليل القبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، أن هذه العلاقة يمكن أن تتحول إلى شراكة فعلية حقيقية مبنية على احترام وجهات النظر، وقواسم اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مشتركة، تحقق التنمية الإنسانية العربية أولا، وتعزز من أمن واستقرار المنطقة ثانيًا.

ولا يعني هذا القبول الأمريكي تغيرا راديكاليا في توجهات واشنطن، وخصوصا فيما يتعلق بتعزيز الحريات والكرامة الإنسانية، والمطلوب من الحكومات العربية الجديدة أن تقوم بتعزيز حرية التعبير، وتطبيق العدالة والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة، واحترام المرأة، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة، فهذا بدون شك سيدفع إلى بناء أرضية مشتركة بين الطرفين يتم فيها تجاوز كل الإشكاليات الأيديولوجية والفكرية بينهما.

ومن جهة أخرى؛ يجب أن تتحمل الحكومات العربية الجديدة مسئولياتها، وأن تبتعد عن الأزمات التي يمكن أن تخلق جوا من التصادم مع واشنطن، في بيئة لم تحقق حتى الآن الاستقرار المأمول والاقتصاد المريح لشعوبها. فالمهادنة والتروي والدبلوماسية الحكيمة يمكن أن تصب في صالح تلك الشعوب، وتحقق إنجازات كبيرة على المديين المتوسط والبعيد.

وأخيرًا ومن باب الواقعية السياسية، فإن الاستقلالية في القرار وفي عمل وإدارة حكومات دول الثورات قد يعطي زخما داخليا، ولكن على مستوى العلاقات الدولية فهناك تشابك كبير في المصالح العالمية، وإذا ما أرادت جماعات الإسلام السياسي أن تشارك في العمل الدولي وتكون شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية، فعليها أن تستوعب جيدا مصالحها ومصالح تلك القوى، وأن توجد قواسم مشتركة معها، وأن تعمل من أجل تقليل حدة الاختلافات الأيديولوجية، كما عليها أن تسعى لتحقيق علاقات سياسية ودبلوماسية دائمة، بحيث تطور ثوابت وركائز للعلاقات مع هذه القوى، لتضمن استمرار المخرجات الجيدة من تلك الشراكة للأجيال القادمة.
رد مع اقتباس
  #38  
قديم 07-05-2013, 11:49 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

تنازلات مطلوبة:
أبعاد الدعوات الأمريكية بفرض شروط على المساعدات لمصر



عمرو عبد العاطي
باحث مصري في الشئون الأمريكية، ومحرر مشارك بمجلة السياسة الدولية – مؤسسة الأهرام

يتصاعد الحديث من حين لآخر داخل أروقة الكونجرس الأمريكي (مجلس الشيوخ والنواب) حول وضع شروط على المساعدات الأمريكية (الاقتصادية والعسكرية) لمصر الثورة التي تقدر بنحو 1.5 مليار دولار أمريكي سنويًّا (1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية). فقد قدم أربعة أعضاء جمهوريون بمجلس الشيوخ الأمريكي تعديلات على المساعدات الأمريكية لمصر في الميزانية الفيدرالية، وهم: السيناتور "ماركو روبيو"، والسيناتور "جون ماكين"، والسيناتور "راند بول"، وأخيرًا السيناتور "جيمس إنهوف" وتعديل خامس اقترحه رئيس اللجنة الفرعية للاعتمادات والعمليات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقرايطي "باتريك ليهي".

وتعكس تلك الأصوات الأمريكية الداعية لمشروطية المساعدات الأمريكية لمصر حالة التخبط الأمريكي التي تنتاب كافة مؤسسات صنع القرار الأمريكي للتعامل مع نتائج ثورة الخامس والعشرين من يناير، والإطاحة بالحليف الأمريكي في القاهرة "حسني مبارك" ووصول جماعة الإخوان المسلمين التي تكن العداء لواشنطن وسياساتها إلى سدة الحكم. ويكشف تزايد تلك الأصوات عن عدم الرضا الأمريكي عن سياسات إدارة "باراك أوباما" تجاه التطورات التي تشهدها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث يرونها سياسة داعمة لجماعة الإخوان المسلمين (أحد روافد تيار الإسلام السياسي المتشدد) التي ترفض الاعتراف بإسرائيل وبدولتها بالمنطقة حسب وجهة النظر التي يتبناها كثير من الأمريكيين، وأنها تتبنى سياسات مناهضة لحقوق الأقباط والمرأة وحرية العقيدة.

تياران أمريكيان

قراءة مشاريع تعديل هيكل المساعدات الأمريكية المقدمة من أعضاء الكونجرس الأمريكي بمجلسيه عن تيارين مركزيين داخل الكونجرس الأمريكي ومؤسسات صنع القرار، أحدهما متشدد والآخر معتدل، وهما على النحو التالي:

التيار الأول المتشدد: يدعو لوقف المعونات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر، قائلين ليس للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة في دعم نظام رافض للقيم والمبادئ التي أسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية. ويعززون وجهة نظرهم بأن جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة الآن في مصر تتبنى سياسات من شأنها إعاقة الأمن والمصلحة القومية الأمريكية.

ويُشير أنصار هذا التيار إلى إخفاق النظام المصري في حماية السفارة الأمريكية إبان أزمة الفيلم المسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم) وما تبعها من احتجاجات ومظاهرات، ومحاولة وضع المتظاهرين راية سوداء مكان العلم الأمريكي. فضلا عن غياب توجه مصري واضح تجاه الحليف الأمريكي في المنطقة "إسرائيل"، حيث لم يأت الرئيس المصري "محمد مرسي" على ذكر كلمة "إسرائيل" في خطاباته حتى وقتنا هذا، وهو الأمر الذي يثير هواجس المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء، رغم التأكيد الإخواني على استمرار الالتزام المصري بمعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية المبرمة في عام 1979. ويدعم أنصار هذا التيار من وجهة نظرهم بتصريحات الرئيس المصري "المعادية للسامية" والتي أدلى بها في وقت سابق قبل توليه منصب الرئاسة، ومعارضته التدخل الفرنسي في مالي الذي أثار القلق الشديد لدى الإدارة الأمريكية.

التيار الثاني المعتدل: يرى أنصاره ضرورة ربط المعونات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر بجملة من الشروط الواجب على القاهرة اتباعها وتنفيذها قبل الحصول على المعونات. ويرفض أنصار هذا التيار أي خطوة لقطع المساعدات الأمريكية عن الحكومة المصرية، أو تخفيضها، لأنهم يرون أن هذا لن يخدم المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وستأتي خطوة قطع المعونات بنتائج عكسية قد تضر بمصالحها، وستجعل سياسة الرئيس مرسي أكثر تشددًا داخليًّا وخارجيًّا. وأن ترك مصر لتصبح دولة فاشلة سيكون له أثر كارثي على مصالح الولايات المتحدة وأمن حلفائها في المنطقة.

ويربط أنصار هذا التيار بين استمرار تقديم واشنطن المعونات العسكرية والاقتصادية للنظام المصري بتحقيق الأخير ثلاثة شروط أسياسية، وهي:

أولا: استمرار الالتزام المصري بمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية لعام 1979، واتخاذ عديد من الخطوات التي من شأنها التأكيد على هذا الالتزام، وخاصة أمن سيناء.

ثانيًا: استمرار التعاون الأمني والاستخباراتي الأمريكي-المصري، لا سيما في استمرار الحرب الأمريكية على الإرهاب.

ثالثًا: اتخاذ النظام المصري خطوات تؤشر لانتقال مصر إلى دولة ديمقراطية دستورية تحترم حقوق الإنسان والأقليات، وتسمح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل داخل الأراضي المصرية بدون تهديدات ومواجهات مع الأجهزة الأمنية.

تياران مصريان

لا يقتصر الانقسام حول المعونات الأمريكية لمصر على الأوساط السياسية والشعبية المصرية، بل هناك انقسام جلي داخل الأوساط الشعبية والرسمية المصرية حول المعونات الأمريكية، فهناك تياران رئيسيان أيضًا حول استمرارية تلك المعونات، يتمثلا في الآتي:

التيار الأول: تيار رافض لتلقي القاهرة أي مساعدات عسكرية أو اقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية، قائلا إن تلقي مصر معونات من الولايات المتحدة الأمريكية ينال من الكرامة المصرية واستقلالية القرار المصري، اللذين عادا مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأنها تجعل القاهرة "تابعة" لواشنطن وتل أبيب كما كان الحال في ظل حكم الرئيس المصري السابق "حسني مبارك".

وقد تعالت أصوات هذا التيار عقب ثورة يناير لا سيما بعد أزمة القبض على مسئولي المنظمات الأمريكية العاملة في القاهرة في بداية عام 2012، والتهديد الأمريكي بوقف المساعدات الأمريكية بشقيها العسكري والاقتصادي لمصر، لتخرج أصوات تزعَّمها عالم الدين "محمد حسان" وعدد كبير من رجال الدين بإنشاء صناديق تبرع لتكون بديلا عن المعونات الأمريكية، ولكنها في حقيقة الأمر دعوات اختفى الحديث عنها بعد هدوء أزمة المنظمات الأمريكية العاملة في مصر.

التيار الثاني: تيار يرى أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا على النظام المصري بالمعونات الاقتصادية، وربطها بشروط تحقيق الديمقراطية الدستورية وحقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته يرفضون المساس بالمساعدات العسكرية لأهميتها لتعزيز مهنية وحرفية المؤسسة العسكرية.

ويرى أنصار هذا التيار أن استمرار المعونات الاقتصادية لنظام تحكمه جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بأزمة تهدد شرعية جماعة الإخوان المسلمين لإخفاقاتها في عكس آثار الثورة وحكمهم اقتصاديًّا على المواطن المصري، ما هي إلا وسيلة تهدف منها الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدعيم حكم جماعة الإخوان المسلمين في ظل اتفاق أمريكي-إخواني يقوم على تدعيم الولايات المتحدة لحكم الإخوان في مصر، وفي المقابل تحافظ الجماعة على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والضغط على القوى التي كانت تطلق عليها واشنطن "قوى الممانعة" لتكون أكثر قربًا من الولايات المتحدة، ومحافظة على مصالحها في المنطقة.

ولا يجد أنصار هذا التيار غضاضة في وجود شروط أمريكية على المساعدات الأمريكية الاقتصادية على مصر رغم انخفاض نسبتها بالنسبة للناتج الإجمالي المصري، طالما أنها تهدف في التحليل الأخير إلى تحقيق المصلحة الوطنية في أن تتحول مصر إلى دولة قانون ذات مؤسسات ديمقراطية ودستورية تعزز من فرص التداول السلمي للسلطة، ودولة قوامها المواطنة والمساواة، وتحترم حقوق الإنسان.

حجج ست لرفض المعونات

يطرح أنصار التيار المتشدد الداعي لوقف المعونات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر ست حجج رئيسية تدعم من موقفهم الرافض لمعونات أمريكية لمصر تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين، وتتلخص تلك الحجج في الآتي:

أولا: الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي عقب الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008، والتوجه الأمريكي إلى ترشيد الإنفاق الأمريكي، وتقليل المخصصات المالية للعمليات الخارجية.

ثانيًا: أن وقف المعونات الأمريكية سيعفي الولايات المتحدة الأمريكية من انتقادات داخلية من قبل دافعي الضرائب بتقديم مساعدات لدولة ترفض المساعدات الأمريكية، وتكن العداء لها، إلى جانب انتقادات من قوى المعارضة المصرية بأن واشنطن تسعى لتدعيم وتثبيت حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وهناك رفض شعبي مصري عارم لتلقي القاهرة معونات اقتصادية وعسكرية من واشنطن، فقد أظهر استطلاع لمركز جالوب لاستطلاعات الرأي نشر في السادس من فبراير 2012، أن 71% من المصريين يعارضون المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، و74% منهم يرفضون توجيه الولايات المتحدة مساعدات مباشرة لمنظمات المجتمع المدني المصري.

ثالثًا: أن النظام المصري لا يشارك الولايات المتحدة الأمريكية في قيم الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان.

رابعًا: أن المساعدات العسكرية لا تنعكس على المواطن المصري الذي يكن كراهية للسياسات الأمريكية في المنطقة.

خامسًا: سيتيح وقف المعونات الأمريكية لمصر فرصة لتغييرات مطلوبة في العلاقات العسكرية المصرية-الأمريكية، بحيث تدفع الولايات المتحدة فقط مقابل الخدمات التي تحصل عليها من مصر، والمتعلقة بالسماح بالمرور من قناة السويس.

سادسًا: تمكين الولايات المتحدة من تقديم العون والمساعدة لدول أخرى تحتاج إلى مساعدة واشنطن، مثل تونس والمغرب وبعض الدول الإفريقية، والتي ستكون شاكرة للمساعدات التي تقدمها لهم واشنطن على عكس مصر التي لا تقدر -حسب عديد من المسئولين الأمريكيين- المساعدات الأمريكية لها.

مراوغة لتحقيق المصلحة الأمريكية

وخلاصة القول، إن التطورات التي تشهدها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، واستمرار التناحر والصراع السياسي بين القوى السياسية، وغياب الإجماع الوطني حول إدارة المرحلة الانتقالية، وكذا غياب رؤية مصرية للتعامل مع إسرائيل يعزز من قوة التيار المنادي بوضع شروط على المعونات الأمريكية لمصر في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها الاقتصادي المصري. ورغم أن تلك المساعدات لن تكون لها كلمة السر في حل تلك الأزمة الاقتصادية، ولكن لها قيمة رمزية تفوق قيمتها المادية. ويصاحب ذلك حديث عن تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية أو تحول جزءٍ منها إلى مساعدات اقتصادية.

ويعزز من هذا الرأي أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وأن صناعة القرار الأمريكي تتسم بالتعقيد والتشابك لتداخل العديد من المؤسسات والأجهزة والوكالات في صناعة القرار الأمريكي الخارجي، لا سيما الكونجرس الأمريكي المسئول عن الموافقة على المخصصات المالية للمعونات والعمليات الخارجية، والذي فقدت مصر كثيرًا من مؤيديها به، وجماعات الضغط التي لها حساباتها ومواقفها من الثورة المصرية، واحتمالات تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر، فضلا عن دور اللوبي الإسرائيلي ذي التأثير المتعاظم على صانعي القرار الأمريكي، لا سيما (إيباك)، والساعي إلى ربط التحسن في العلاقات الأمريكية-المصرية بعدد من الإجراءات والسياسات المصرية التي تحقق الأمن والمصلحة الإسرائيلية بالمنطقة.

بيد أن تصاعد الدعاوى داخل الكونجرس الأمريكي عن تعليق المساعدات العسكرية أو تقليلها مع أي توتر في العلاقات المصرية-الأمريكية لن تكون محل تنفيذ لإيقان الطرفين المصري والأمريكي من أهمية المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وخاصة للأمن والمصلحة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، وهي أهمية دفعت مسئولين عسكريين إلى تحذير الكونجرس الأمريكي في جلسات استماع عدة من خطأ تخفيض المساعدات العسكرية لمصر، مؤكدين أنها ذات قيمة عالية جدًّا للولايات المتحدة، ولا تستطيع دولة أخرى أن تقوم بما تقوم به مصر من خدمة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

إن الحديث عن وقف المعونات الأمريكية الاقتصادية أو العسكرية وربطها بجملة من الشروط الواجب على النظام المصري اتخاذها ما هي إلا خطوة هدفها تحقيق واشنطن أكبر قدر من التنازلات المصرية لخدمة المصالح الأمريكية. ويمكن الجزم بأن أي إدارة أمريكية لن تقدم على خطوة تعليق أو وقف المعونات الأمريكية لمصر لإيقان صانع القرار الأمريكي لمركزية وأهمية مصر في منطقة الشرق الأوسط ودورها في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى المسرح الدولي.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:59 AM.