متى يتغير هذا الشعب ?!...شرين عرفة
استيقظ من نومه بعد أن ضغط زر الغفوة على هاتفه أربع أو خمس مرات , ليجدها الساعة التاسعة وقد فات موعد العمل منذ ساعتين , قام متأففا غاضبا يتحين فرصة ليتشاجر بها مع زوجته , يصرخ فيها حانقا : لم لم توقظينني في موعد العمل , ردت المسكينة التي نامت لتوها بعد أن أوصلت أولادها للمدرسة : لقد حاولت معك كثيرا ولم تستجب , بل وصرخت في وجهي تطلب مني أن أخرج من الغرفة وألا أدخلها ثانية , يعرف هو ما فعله جيدا ولكنه يريد أن يحمل أحدهم ذنب تباطؤه وتأخره عن العمل , يصرخ ثانية طالبا منها تجهيز طعام الإفطار ريثما يطالع هو الجرائد , يبحث في الجريدة عن خبر انتظره كثيرا هو وكل موظفي مصر المطحونين , يبحث عن قرار بوضع حد أدنى وحد أعلى للأجور , تأخر القرار كثيرا , يزمجر حانقا : ( يالتباطؤ الرئيس ) , تضع زوجته الطعام الذي طلبه , ثم تميل عليه في حنو متساءلة : ماذا عن وعدك لي بالذهاب اليوم لبيت أمي , فيرد بغطرسة : لن تخرجي من البيت ولن تذهبي لأي مكان , ولكنك من وعدتني بذلك ( تجيبه الزوجة غاضبة ) فيعلو صوته ثانية : وقد غيرت رأيي , اذهبي الآن واتركيني أشاهد التلفاز , يمسك بيده جهاز التحكم ويدور بين القنوات يبحث عن آخر المستجدات , يضرب كفا بكف متعجبا من قرارات الرئيس التي يأخذها ليلا ثم يعود فيغيرها صباحا , لم هذا التردد ? ولم العودة في القرارات ? ياللتخبط ?!!
يتابع ثانية التلفاز , فيستمع إلى المذيعة التي مابرحت تكذب وتكذب هي وزوجها , حتى يكاد أن يتحول اسمها إلى أم الكذب , لا تمل من بث سمومها وكراهيتها لكل ما يمت للدين الإسلامي بصلة , يصل تهجمها على التيارات الإسلامية ومعها زوجها ( أبو جهل ) إلى حد لا يصدقه عقل , لا أظنها حتى تصدق نفسها , تمتم بعبارته تلك وهو يدير قناة التلفاز بعد أن أشاح بوجهه عنها .. ضجرا منها ومن أكاذيبها , وحينها سمع زوجته وهي تنادي عليه بصوت مرتفع : إنه رئيسك بالعمل يسأل عنك , أجابها بصوت خفيض بعد أن أغلق صوت التلفاز : قولي له إنني مريض جدا ولا أستطيع الرد على مكالمته , وسأذهب مساء اليوم لطبيب صديق لي.. كي يكتب شهادة مرضية اقدمها إليه , وسيصدقني حتما هذا المدير طيب القلب , بل و احتمال أن يقرضني أيضا هذا الساذج أموالا أتداوى بها ( قالها مازحا ) , فعلت الزوجة ما طلب منها , وأعاد هو صوت التلفاز : فإذا هو برنامج ساخر تبثه إحدى قنوات رجال أعمال المخلوع من حكم مصر , البرنامج مصنوع بحرفية شديدة , ومقدمه ممثل ساخر هو الأشد براعة في السخرية , ويقوم على إعداد برنامجه كتيبة ضخمة من المعدين الأكفاء , ومهمتهم الوحيدة هي تسليط الضوء على أخطاء الرئيس وجماعته من الإخوان الذين وصلوا لحكم البلاد ولا ضير في أن يجمع معهم كل التيارات الإسلامية , و يجعلك تنظر إلى أخطائهم من خلال مجهر قوته التكبيرية عشرة آلاف ضعف , و نفس ذاك المجهر لا يصل مطلقا لأي من أخطاء التيارات الأخرى , يقتطع الحقيقة فيشوهها , و يضعها في غير سياقها , يستخدم الهمز واللمز , يسخر من الرئيس سخرية لاذعة , يتهكم عليه وعلى كل من حوله , وفي اثناء ذلك يتحرك المذيع حركات بهلوانية و ينطق بعبارات خادشة للحياء , ويقوم بإشارات منافية للآداب , و يتعمد إيحاءات غاية في العهر والبذاءة ,
وبعد أن علا صوت صاحبنا بالضحكات , شعر بالضيق من ذاك المستوى المنحدر من الأخلاق , وتعجب كيف تكون السخرية بذلك التدني , فلام نفسه وقرر أن يقاطع كل قنوات الفلول والعلمانيين , ظل يبحث عن قناة تلتزم بالأخلاق التي ضاعت وبقيم الدين التي أهملت , حتى عثر على ضالته ...إنه برنامج حواري على إحدى القنوات التي تصف نفسها بالإسلامية ..المذيع داعية إسلامي سابق , ومذيع حالي , يحاول مجتهدا أن يدفع شبهات الليبراليين والعلمانيين والملحدين , يدافع هو بكل ما أوتي من قوة عن التيارات الإسلامية , ومن أجل الدفاع عنهم فالغاية حتما تبرر الوسيلة , لا يمانع فضيلته من أن يسب ويلعن التيارات الأخرى , يستضيف في برنامجه رجلا , يصفه بكلمة الشيخ الجليل , لا أعرف لماذا ?? يتحدث الشيخ عن إحدى الممثلات التي تهكمت على الثورة وخاضت فيها , فيصفها الشيخ بأقذر الألفاظ , ثم يخوض هو في عرضها , يتكلم عنها بالحق وبالباطل , و بفحش القول وأشده بذاءة , وكل ذلك من أجل الدفاع عن الحق ( من وجهة نظره ) استمع صاحبنا مليا للمذيع الداعية ولضيفه (من يدعوه شيخا ) وبعد أن إنتهى البرنامج , نظر إلى زوجته وهو مستشاط غضبا : ما الفرق بين تلك القنوات والقنوات الأخرى , إذا كان الجميع يسب ويلعن وينطق فحشا ?? كيف لشيخ يتكلم باسم الدين أن ينطق مثل تلك الألفاظ البذيئة , كيف لي أن أستمع لتلك القنوات مع ابنائي الصغار , وبماذا أجيبه إذا سألني ابني عن معاني تلك الكلمات ?? حاولت أن تلاطفه وتهون عليه فأشارت عليه بأن يغلق التلفاز نهائيا , فلا طائل منه سوى إضاعة الوقت واحتمال الذنوب , وفجأة استمعا معا لصوت احتكاك شديد يصدر من خارج البيت , حيث تقبع سيارته أسفل العمارة , نظر مذهولا من نافذته فإذا بسيارة تطير بسرعة جنونية قد احتكت بسيارته التي لم يسدد بعد جميع أقساط ثمنها فحطمت مرآتها الجانبية , لم يتمالك نفسه .. وظل يصرخ بأعلى صوت يملكه وبكل لفظ فاحش وبذئ مر على مسامعه , يوجهه مرة لصاحب السيارة التي صدمته وثانية للبلد بأكملها , واستمر على تلك الحال بضع دقائق , استمع فيها اهل الحي جميعهم إلى قاموس مصغر لكل الشتائم والألفاظ الفاحشة التي عرفتها البشرية , وبعد أن هدأت أعصابه وبعد ضغط شديد من زوجته عاد لمقعده ... يفتح التلفاز ثانية... وهو يتمتم في غيظ : متى يتغير هذا الشعب ?? و متى تتغير تلك البلاد ?? متى ??
- See more at: http://www.almesryoon.com/permalink/....HVXKnzVh.dpuf
|