|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فقه الدنيا وأحكام الآخرة (2) سعد الدين الهلالي كل الناس يعرف أن الدنيا ليست هى الآخرة، ومع ذلك فإن كثيراً من الدعاة الإسلاميين غير الفقهاء بأحكامه يعمدون إلى محاسبة الناس والتعامل معهم فى الدنيا بمعايير الآخرة، وهو ما أدى إلى جعل دين الإسلام فى نظر غير المؤمنين به عملاً إرهابياً، وفى نظر كثير من المؤمنين به عملاً كهنوتياً. وإذا أردنا الحل فى تجلية فضل الإسلام ورحمته، وإعادة ثقة الناس فى مقاصده، التى جاءت لإكرام الإنسانية وتقدير الآدمية، فعلينا -من وجهة نظرى، كما سبق فى المقال السابق- أن نرجع إلى نقطة الابتداء من الصفر، وهى إقناع الناس بأن فقه الدنيا يختلف عن أحكام الآخرة، وأن نزيل اللبس الذى وقع فيه هؤلاء الدعاة فظلموا المسلمين وغير المسلمين.. على الوجه الآتى: (1) أما ظلمهم لغير المسلمين، فبتطبيق آيات الآخرة عليهم فى الدنيا، ومن ذلك قوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (آل عمران: 85)، ووجه الظلم: أننا لم نطبق عليهم آيات الدنيا التى يستحقونها فيها، ومن ذلك قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة: 256)، وقوله تعالى: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29)، وقوله تعالى: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ» (الكافرون: 6)، مع قوله تعالى: «وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهَ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ» (الأنعام: 108). (2) وأما ظلمهم للمسلمين، فبتطبيق فهم جمهور الأصوليين لأحكام الآخرة بشأن الاجتهاد الفقهى عليهم فى الدنيا، فيما يعرف بقضية «وحدة الحق أو تعدده فى المسألة الواحدة». بمعنى أن الفقهاء لو اختلفوا فى الدنيا على قولين أو أكثر، فإن أحد هذه الأقوال هو الصواب إذا وافق الحق الذى فى علم الله، والأقوال الأخرى خاطئة؛ استدلالاً بما أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص: أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». وخالف فى ذلك بعض الأصوليين كالأشعرى والمعتزلة، وبعض الحنفية والمالكية والشافعية، فقالوا: إن الحق فى الآخرة متعدد بتعدد أقوال أهل الذكر؛ استدلالاً باختلاف حكمى داود وسليمان (عليهما السلام) فى مسألة صاحب الغنم وصاحب الزرع، وقد وصف الله الحكمين بقوله: «وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا» (الأنبياء: 79). ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك: حكم لو *** مسلم جاره المسيحى عمداً؛ فإن أبا حنيفة ومن وافقه يرون وجوب القصاص من المسلم، لقوله تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» (الإسراء: 33). وذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الدية «التعويض المالى» ولا يقتص من المسلم؛ لما أخرجه البخارى عن على: أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يُ*** مسلمٌ بكافر»، وأجاب أبوحنيفة بأن المقصود من الكافر الحربى وليس المسالم من أهل العهد أو الذمة. هنا يأتى غير المتخصصين الذين سمعوا قول جمهور الأصوليين بأن الحق واحد فى الآخرة، فيطبقونه على اجتهاد الفقهاء فى الدنيا، ويرتبون على هذا الخطأ فى التطبيق تعلية شأن القول الفقهى الذى يريدون تعميمه فى الدنيا -كالقصاص من المسلم أو عدمه- بخدعة أنه الصواب فى الدين، وأنه الحق عند الله، ويصفون القول المخالف بالضعيف أو الشاذ لتنفير الناس منه. وهم فى الحقيقة يفتئتون على الله بزعمهم الذى يهدفون من ورائه إلى فرض الوصاية على الآخرين لعجزهم عن إقناعهم بوجهة نظرهم، غير مبالين بوعيد الله سبحانه الذى يقول: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» (النحل: 116). وللحديث بقية. |
#2
|
||||
|
||||
![]() فقه الدنيا وأحكام الآخرة (3) سعد الدين الهلالي الخميس 04-04-2013 11:05 الحق فى الآخرة واحد قطعاً، فكل مسألة أو قضية لها حكم واحد ولا تحتمل حكمين؛ لسببين غير موجودين فى الدنيا. الأول: أن الحاكم فى الآخرة هو الله تعالى بنفسه صاحب الحق المطلق، الذى يعلم السر وأخفى. قال تعالى: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْءٍ» (غافر: 19، 20). الثانى: أن الحكم فى الآخرة بالحقيقة التى ستتكاشف ولا يملك مخلوق إنكارها. قال تعالى: «وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ» (فصلت: 21). أما الحق فى الدنيا فيستحيل أن يعرفه على وجه التعيين أحد من المجتهدين؛ لأنهم بشر غير معصومين، وأحكامهم تكون بغلبة الظن؛ لأنهم لا يعرفون إلا ظواهر الأمور، بل إنهم يتفاوتون فى علمها، والأكثر علماً بالظاهر يتهم الأقل منه بالجهل، والأقل علماً بالظاهر يرجم الأكثر منه بالخوض فى الغيب. وحتى المتساوون فى معرفة ظواهر الأمور فإنهم قد يتفاوتون فى الحكم عليها بحسب تنازع مبدأى الترجيح: فى المصالح بجلبها، وفى المفاسد بدرئها. وفى التكاليف بالأخذ بأيسرها، أو العمل بأحوطها. وفى جميع الأحوال فإن المجتهد لن يقف حبيس اجتهاده؛ لأنه فى تطوّر مستمر، والأوضاع حوله فى تجدُّد مع الزمن. فما كان يراه فى يومه حراماً كجراحة التجميل وزراعة الأعضاء؛ لما يعده تغييراً لأصل الخلقة: قد يراه فيما بعد حلالاً أو واجباً إذا اقتنع بأنه من التداوى والعلاج. وقد يرجع فى مرحلة ثالثة من عمره إلى ما قاله أول أمره من التحريم إذا تطوّر الطب وصار بالإمكان تحقيق العلاج بالجينيوم دون الجراحة التى ستكون فى هذا الزمن الآتى *****اً للجسد بغير طائل. هذا التعدُّد فى الاستنباط الفقهى عند المجتهدين فى الدنيا فى المسألة الواحدة يقابله عند غير المجتهدين من العوام التعدُّد فى الاختيار الفقهى من بين أقوال المجتهدين الذى نص عليه النبى صلى الله عليه وسلم، لوابصة بن معبد: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». كما أخرجه أحمد بإسناد حسن. وبالتعدّد الفقهى استنباطاً عند المجتهدين، واختياراً عند غيرهم من العوام يستطيع الإنسان أن يمارس عبادته لله دون وساطة أحد إلا الإخلاص الذاتى، وأن يعيش كرامته دون وصاية أحد إلا قناعته الذاتية، فى مظلة إسلامية شرعية. غير أن أعداء حرية الإنسان وخصوم كرامته يتتبّعونه بكل الحيل للسيطرة عليه وخاصةً بتخويفه من ممارسة حقه الشرعى فى الاجتهاد من النصوص إن كان فقيهاً بحسب غلبة ظنه، أو الاختيار من أقوال الفقهاء إن لم يكن فقيهاً بحسب اطمئنان قلبه، فأطلقوا سهمين قاتلين: (1) السهم الأول: فى وجوه الفقهاء المجتهدين، فيما يُعرف بقضية «وحدة الحق وعدم تعدّده فى الدنيا»؛ بهدف إيقاف مسيرة الاجتهاد والتشكيك فى اجتهاد من لا يعجب الأوصياء أعداء الحرية إلا لأنفسهم. وقد تصدّى علماء الأصول لهذا السهم المسموم بأن الحق فى الدنيا يختلف عن الحق فى الآخرة، كما سبق بيانه. (2) السهم الثانى: فى وجوه البسطاء من الناس وعامتهم فيما يُعرف «بعدم جواز العمل بالقول الشاذ أو الضعيف»؛ بهدف حرمان البسطاء من حق الاختيار الفقهى الذى منحه الإسلام للعامة دون تخويف بمثل تلك المصطلحات المصطنعة، التى اخترعها المعادون للرأى المخالف لعجزهم عن رد الحجة بالحجة، ولفرض سيطرتهم ووصايتهم على البسطاء، وكأنهم وكلاء الله فى أرضه اختصهم بمعرفة مراده الذى جعله غيباً إلا عليهم. وقد تصدى كثير من أهل العلم لهذا السهم الأكثر سُمّاً، والموجه إلى الفئة الأكثر ضعفاً بما يحتاج كشفه. وللحديث بقية. |
#3
|
||||
|
||||
![]() فقه الدنيا وأحكام الآخرة (4) سعد الدين الهلالي لا يزال أعداء حرية الإنسان وخصوم كرامته يتتبعونه بكل الحيل للسيطرة عليه. ولكن المثير للعجب والدهشة أن نرى طائفة من هؤلاء الأعداء ينتسبون إلى الإسلام، بل والأكثر عجباً واستغراباً أن يرتدى هؤلاء عباءة الدين وكأنه فوضهم لزعامة الناس، واختصهم بالوكالة عن الله فى الأرض. ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى يأبى الشريك أو الوسيط بينه وبين عبده، فهم يحسبون أنهم يخدمون الدين والحقيقة أنهم يهدمونه؛ لأنه ما نزل إلا لتحرير الإنسان من كل عبودية إلا له سبحانه التى تكون اختياراً من القلب بحسب قناعته لا بقناعة غيره. فالمقلد فى أحكام الدين بدون اختيار فاسق عند أهل السنة، ومخلد فى النار عند المعتزلة. ولذلك اختص الله لنفسه العلم بالحق المطلق، وجعله فى الدنيا غيباً لا يكشف إلا يوم القيامة حتى لا يتعالى إنسان على آخر، ولا يحمل إنسان غيره إلا بقناعته الذاتية. قال تعالى: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه» (الإسراء: 13)، وقال تعالى: «قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون. قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم» (سبأ: 24-26). وأخرج مسلم والطبرانى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال عن الدجال: «فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج فيكم بعدى فكل امرئ حجيج نفسه، والله عز وجل خليفتى على كل مسلم». هكذا يحسم القرآن الكريم والسنة المطهرة العلاقة بين الناس وبعضهم بأن كل امرئ حجيج نفسه، والله خليفة على كل أحد؛ ليرفع الناس أياديهم عن بعض، ووصايتهم على بعض. ولتكن العلاقة بينهم تناصحاً وتعارفاً مبنياً على القاعدة الفقهية التى اكتشفها الإمام الشافعى من عموم النصوص الشرعية: «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب». ومع هذا الوضوح فى فقه الدنيا الذى يختلف عن أحكام الآخرة إلا أن المفسدين فى الدين والمعادين لحرية الإنسان يحولون بينه وبين الدين الخالص بزعمهم معرفة الحق المطلق فى المسائل الخلافية، حتى يتبعهم الناس وينساقوا إليهم. وفى سبيل تحقيق أمانيهم هذه فإنهم يصفون قول مخالفيهم بالشذوذ والضعف؛ لعجزهم عن رد الحجة بالحجة، وليس لحقيقة الشذوذ أو الضعف التى لا يعرفها أحد بيقين إلا يوم القيامة. وقد ذكر الفقهاء المخلصون أكثر من دليل لرد كيد هؤلاء المفسدين، ونكتفى بذكر ثلاثة منها: الدليل الأول: أن الصحابة رضى الله عنهم اختلفوا فى فهم النصوص التى يبدو فى ظاهرها الوضوح، وقد أقرهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) على تلك الفهوم المختلفة ولم يأمرهم بتوحيدها، أو الاحتكام إلى قاعدة معينة لتوحيد الفتوى؛ إعلاءً لحرية الإنسان وتعظيماً لمبدأ استفتاء القلب. ومن ذلك ما يلى: (1) اختلاف الصحابة بعد غزوة الأحزاب فى صلاة العصر مع قول النبى (صلى الله عليه وسلم) لهم: «لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة». فمع بيان النهى وجلائه إلا أن بعضهم عمد إلى صلاتها فى موعدها قبل بنى قريظة؛ عملاً بما فهم من النهى وهو الإسراع. وخالف فى ذلك بعضهم فعمد إلى تأخير صلاة العصر إلى بنى قريظة، وقد فات وقت الصلاة؛ عملاً بما فهم من ظاهر النهى. وقد أقر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الفهمين ولم ينكر على أحد ولم يعـنف واحداً من الفريقين. كما أخرجه الشيخان عن ابن عمر. وللحديث بقية. آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 12-04-2013 الساعة 12:03 AM |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|