|
أخبار التعليم المصـري نقاشات وأخبار تعليمية متنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حوار مع الكاتب نعوم تشومسكى حول التعليم
استنكر المفكر والمحلل السياسي وعالم اللغويات الأمريكي، البروفيسور نعوم تشومسكي، الحال التي وصل إليها التعليم في أمريكا، معتبرا أن التعليم انتقل إلى مستوى أسوأ في العصور الحديثة بعد أن كانت أمريكا متفوقة على أوروبا في القرن التاسع عشر في أنظمتها التعليمية. واسهب تشوفسكي في حوار صحفي أجراه معه موقع New Left Project في الحديث عن ميزات التعليم الجيد، وكيف تدهور الوضع في أمريكا .. وهذا نص الحوار كما ورد في الموقع الأجنبي. العمل. كاسينباخر: يقول الفيلسوف فريتيوف برجمن أن معظم الناس لا يستطيعون أن يحددوا نوعية الأنشطة التي يريدون القيام بها، وهو ما أطلق عليه إسم "إفتقار في الرغبة" وقد شاهدت ذلك بنفسي خلال الحديث مع عدد كبير من الأصدقاء.. هل كنت تعرف جيدا ما تريده طوال حياتك ؟ تشومسكي: إن هذه المشكلة لم تواجهني أبدا من قبل، فلطالما كان هناك دائما الكثير من الأشياء التي كنت أريد القيام بها. لا أعرف إذا كان الجميع ينتابه نفس الشعور أم لا ولكنني كنت على سبيل المثال أحب أعمال النجارة وإن لم أجيد إستخدام الأدوات، ولكن دعك مني و أنظر إلى الأشخاص اللذين لديهم مقدرة على صناعة الأشياء وإصلاحها فهم حينما يفعلون ذلك يريدون القيام به بالفعل ويكونوا مستمتعين به. فأنت حينما يأمرك أحد بإنهاء عمل ما يكون إنجازه أمر شاق عليك بينما لو قمت بنفس العمل ذاته ولكن برغبة وإرادة كاملة منك فإنك تشعر بالإثارة والإهتمام والإنجذاب وأنت تقوم به. ولعل هذا يفسر لماذا يذهب بعض الناس إلى القيام ببعض الأعمال مثل أعمال الحديقة، فالطبيعي هو أنك بعد مرور إسبوع مرهق من العمل يكون إستعدادك لقضاء أجازتك الإسبوعية بالإستلقاء على الفراش بينما الأطفال يمرحون من حولك، ولكن الإجازة تصبح أكثر إمتاعا بالنسبة لك حينما تقوم بالأعمال الزراعية أو بناء شيء ما أو أي عمل أخر جديد. إنها نظرية قديمة ولست أنا أول من توصل إليها. فقد اشار ويلهيلم فون هيمبولت - وهو لديه الكثير من الإنتاج الرائع حول هذا الموضوع - في أحد المرات إلى أنه إذا قام فنان بإنتاج عمل فني جميل فربما يحوذ هذا العمل الجميل على إعجابنا، ولكننا نحتقر صاحب العمل ذاته، فهو مجرد أداة في أيدي الأخرين. في حين أنه لو قام بصنع نفس القطعة الفنية الجميلة ذاتها بوحي إرادته الشخصية لحاز هو والقطعة الفنية على إعجابنا، وتمكن من إرضاء ذاته ذلك. إن الأمر يشبه فكرة الدراسة أثناء المرحلة المدرسية، أعتقد أننا كلنا نعرف بخبرتنا أنه حينما تذاكر بناء على أمر إجباري خارج عن إرادتك من أجل إجتياز الإمتحان تكون النتيجه أنك تستطيع أن تبلي حسن بالإختبار، ولكنك بعد مرور إسبوعين تنسى كل ما ذاكرته قبل الإمتحان، في حين أنك لو قمت بنفس العمل من أجل الإكتشاف والمعرفة، وإرتكبت الأخطاء أثناء ذلك، وبحثت في المكان الخاطيء، إلى نهاية الأمر، فإنك بالنهاية لا تنسى ما قمت بتحصيله أبدا. كاسينباخر: إذا القاعدة الأساسية هى أن الإنسان يعرف جيدا ما يريد أن يفعله تماما ؟ تشومسكي: هذا صحيح إذا كان الفرد قد نشأ في ظل ظروف طبيعية سليمة. فالأطفال على سبيل المثال لديهم فضول طبيعي، لديهم رغبة في معرفة كل شيء، إرادة لإكتشاف كل ما حولهم، ولكنه عادة ما يحدث تهميش لعقولهم لإستخراج هذه الطبيعة المتأصلة فيهم. فهم يوضعون داخل كيانات منضبطة ويتم ترتيب الأوضاع حولهم ليتصرف الأطفال طبقا لأسلوب معين، وهو ما يتسبب في فصل الإنسان عن عن نفسه الحقيقية. وهو السبب الذي يجعل من المدرسة مكان غير محبوب، ومن الممكن أن تصبح المدرسة مكان مشوق للأطفال، فقد كنت أرتاد مدرسة دوييتس حتى سن الثانية عشر، وكانت تجربتي هناك تجربة ممتعة، حيث فكرة حب التواجد بالمكان، والتشوق للذهاب إليها، فلم يكن هناك ترتيب بين الطلبة وفقا للمستوى الدراسي، لم يكن هناك تقديرات ولا درجات، كل شيء كان موجه بحيث يسمح لك أن تفعل ما لا تستطيع أن تفعله في أي مكان آخر. كان هناك نظام نسير عليه ولكن الأساس هناك هو تشجيعك لتتبع رغباتك وإهتماماتك وتشجيعك للعمل مع الأخرين، فأنا لم أكن أعرف في حقيقة نفسي انني طالب متفوق حتى دخلت المدرسة الثانوية، فقد إنتقلت إلى مدرسة ثانوية أكاديمية يخضع فيها الجميع لترتيب حسب المستوى الدراسي، وتكون هناك مجبر على إجتياز الإختبارات لتمر إلى الجامعة، وللعلم فإنني عندما كنت بالمدرسة الإبتدائية تخطيت سنة دراسية كاملة، ولكن لم يكترث أحد كثيرا لهذا، وكان الفارق الوحيد الذي لاحظته هو أن حجمي كان أقل من زملائي بالفصل، ولكنه لم يكن بالشيء الهام الذي يسترعي إنتباه أحد هناك . أما داخل المدرسة الثانوية فالأمر مختلف تماما، يجب أن تكون الأول دائما في الترتيب وليس الثاني، وهو ما يعد بيئة هدامة تقود الإنسان حقا إلى حالة من عدم معرفته لما يريد أن يفعل، وقد حدث لي بالفعل نوع من فقدان جميع الأهداف أثناء فترة المدرسة الثانوية، وحينما أطلعت على كتيب تعريف الكلية وجدته مشوقة جدا، ولكنه إتضح لي فيما بعد أن الكلية ما هى إلا مجرد مدرسة ثانوية كبيرة، وكنت على وشك ترك الدراسة بعد عام واحد هناك، لكن الصدفة وحدها هى التي جعلتني أستمر، حيث تقابلت مع أحد أعضاء هيئة التدريس واقترح على أن أدخل في دورة الدراسات العليا التي يشرف عليها، ثم بدأت في الدخول في دورات أخرى بعدها. هكذا يجب أن يكون النظام الذي يسير عليه التعليم كما شهدته بالمدرسة الإبتدائية، وعكس هذا سيكون نظام منفر، وهو ما أستطيع أن أراه من خلال أحفادي أو من خلال الدوائر البيئية التي يعيشون فيها . هناك أطفال لا يعرفوا ما يريدون فعله في حياتهم فيقبلون على الشرب أو تعاطي الحشيش ويهربون من المدرسة، أو ربما يدخلون في دائرة جميع أنواع السلوكيات الإنعزالية، وذلك لأن لديهم طاقة ولديهم روح تشوقية، ولكن ليس لديهم ما يفعلونه بها. إن هذه هى حقيقة النظام التعليمي الذي تسير عليه الولايات المتحدة الآن، لقد وصل الأمر إلى تغير مفهوم اللعب عند الأطفال، و أستطيع أن أرى هذا حولي في كل مكان حتى في المنطقة التي أقطن بها. فقد إنتقلت مع زوجتي إلى هذا المنطقة لأنها كانت مناسبة للأولاد، حيث قلة الإزدحام المروري ووجود الغابات خلف المنزل مما يعني إتاحة الفرصة لهم للعب في الشارع. كان الأولاد في الماضي يقضون كل أوقاتهم بالخارج في اللعب أو ركوب الدراجات أو ما يحلو لهم. واليوم، نرى الأطفال حولنا، ولكننا لا نراهم يمرحون في الأماكن المفتوحة، إنهم إما يحدقون بألعاب الفيديو جيم وما شابه، أو يمارسون أنشطة منظمة لهم من قبل الأخرين مثل الأنشطة الرياضية التي ينظمها لهم الكبار، وبذلك يبدو أن مفهوم اللعب العفوي قد تضائل بشكل كبير داخل مجتمعاتنا. وهناك عدد من الدراسات أجريت حول هذا الموضوع، وقد إطلعت على المجموعة الخاصة بالولايات المتحدة وإنجلترا ولا أعلم إن كانت النتيجة شبيهة في أماكن أخرى بالعالم، وهى تشير بالفعل إلى إنحدار نسبة اللعب العفوي بين الأطفال نتيجة التغيرات الإجتماعية الطارئة. وأنا أراه شيء ضار للغاية لأن الموهبة الإبداعية تخرج وتزدهر من خلال اللعب العفوي، فحينما تكون أنت المبتكر لأفكار اللعبات وأنت في الشارع، وحينما تكون مضطرا للعب البيسبول بيد إحدى المكانس التي عثرت عليها في مكان ما، يكون الوضع مختلف عن اللعب داخل دورة منظمة ترتدي بها زيا رسميا للفريق. إنه في البعض الأحيان تكون الأثار السلبية لغياب اللعب بصورة عفوية زائدة عن الحد، فأنا أتذكر عندما كان حفيدي يبلغ من العمر حوالي عشر سنوات وكان عاشق للرياضة ويلعب دائما ضمن فريق المدينة، كنت يومها في المنزل عند أمه وكان هو مبتئس جدا عند عودته إلى المنزل، فكان من المفترض أن تقام مباراة للبيسبول ولكن الفريق الأخر لم يكن لديه سوى ثمانية لاعبين فقط. لا أعرف إذا كنت على دراية بالطريقة التي يسير عليها اللعب في مباريات البيسبول ولكنها على العموم لعبة يكون بها جميع اللاعبين جلوس طوال الوقت بينما يقوم بجميع المهام ثلاثة لاعبين فقط، و فيما عدا هؤلاء الثلاثة فالكل يجلس ويتابع فقط. وعلى الرغم من ذلك فلم يستطيع الفريق الأخر أن يتنازل عن أحد لاعبيه الإضافيين حتى يتمكن الأطفال من الإستمتاع بوقتهم، لأن ذلك مخالف لقوانين الدورة. إنه شيء سخيف للغاية ولكنه الواقع. وهو ما يحدث الآن أيضا في المدارس في إطار عملية التحديث الهائلة التي قام بها كل من "بوش وأوباما" في مجال التعليم من خلال قانون "عدم إهمال أي طفل". وأستطيع أن أرى الآن أثار هذا التحديث في المدارس من خلال التحاور مع المدرسين وأولياء الأمور. لقد أصبحت المدرسة عبارة عن مكان للتدريب من أجل إجتياز الإمتحانات يتم فيها تقييم المدرسين على أساس من مستوى الطلبة في الأداء داخل الإمتحان. لقد تحدثت مع أحد المدرسين وقد أخبرني أنه من الممكن أن يكون الطفل مهتم بمعرفة المزيد عن شيء ما مر به أثناء الدرس بالفصل، ولكن المدرس يضطر حينها إلى الرد عليه "لا يمكنك أن تهدر وقتك في هذه النوعية من المادة المعرفية لأن الإختبار الذي ستحاول إجتيازه الإسبوع المقبل سيكون في معلومة معرفية أخرى"، وهذا ما يعد مخالفا تماما لمفهوم التعلم. كاسينباخر: في رأيك كيف يمكن للناس أن تتصدى لكم الهيكلة المسيطر على كافة المجالات وليس فقط المجال التعليمي؟ وكيف يمكنهم التصدي للرغبة في قيادتنا نحو الحالة التي لا يعرف فيها الناس ما هو الشيء الذي يردونه تحديداً؟ تشومسكي: أعتقد أن الحل يكمن في كل ما هو عكس ذلك النظام الإجتماعي الذي يحياه هؤلاء الناس الآن، حيث تضائُل فرص الفرد في الإختيار الحر بصورة أكبر وأكبر، لأن حياته يحيطها الكثير جدا من النظام والترتيب والإنضباط الزائد عن الحد. لقد شهدت الولايات المتحدة أول تجربة تعليم جماعي حقيقية (وذلك قبل أن تصل إليها أوروبا بكثير). ولكننا إذا نظرنا إلى الوراء، أواخر القرن التاسع عشر، فقد كان النظام التعليمي في الولايات المتحدة مصمم بشكل كبير بحيث يُحوّل المزارعين الأحرار إلى عمال مصانع منظمين. وقد صارت عملية التحول هذه في بعض الأحيان في غاية الوضوح. ولعلك بحاجة للإطلاع على كتاب "أزمة الديمقراطية" لو لم تكن قرأته من قبل، لتتعرف على ذلك. وهو كتاب صادر عن اللجنة الثلاثية الممثلة عن الجناح الليبرالي للنخبة المثقفة، وهي مكونة من ليبراليين أمميين بالأساس من أوروبا واليابان والولايات المتحدة. وكانت هذه اللجنة هى المصدر الأساسي لتعينات حكومة جيمي كارتر بالكامل. يوضح الكتاب مخاوف المثقفين الليبراليين تجاه ما حدث بستينيات القرن. فقد شهدت الستينيات حالة من الديمقراطية الزائدة عن الحد وإنتشار كبيرا للنشاط الشعبي، وممارسات وتجارب الشباب المتعددة، فأسموه "عصر المشكلات". وتكمن هذه "المشكلات" في المطالبة بالحقوق المدنية وظهور الحركة النسائية والإهتمام بالشئون البيئية ومناهضة القمع. وقد تحولت البلاد بالفعل خلال هذه الفترة إلى ما هو أبعد بكثير من التحضر، ولكنه ما أثار أيضا الكثير من القلق لدى النخبة، حيث بدأ الناس في الخروج عن السيطرة وهو مخالف لما يفترض أن يكون عليه الناس، فالمفترض أن يكونوا سلبيين، غير مبالين، مذعنين لما يأمرهم به المسؤلين عن إدارة البلاد. إنها الأيديولوجية ذاتها المسيطرة على جميع النخب الحاكمة في كافة التيارات السياسية بدءً من الليبراليين ووصولا إلى اللينيين. إنه نفس المبدأ الجوهري يتقاسمونه جميعا؛ فالناس أغبياء جدا وجهلاء إلى اقصى الحدود فلا يقدرون على إدارة حياتهم بأنفسهم ولهذا فنحن نسيطر عليهم من أجل مصلحتهم.
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|