الموعظة الحسنة من اداب الحوار والمناقشة والنقد والتقويم فى الاسلام

[د.السيد العزازى]

الموعظة الحسنة من الصفات الكريمة التى يجب أن يتحلى بها من يتصدى للحوار والمناقشة والنقد والتقويم.فعليه أن يختار الألفاظ المناسبة والعبارات المستحسنة.والتى يستحسنها السامع.وتدخل الى القلوب برفق.وتتعمق المشاعر بلطف.وتكون فى نفسها سنة متبعة باعتبار انتفاع السامع لها..يقول الامام الشيزرى-رحمه الله تعالى-(وليكن من سيمته الرفق .ولين القول .وطلاقة الوجه.وسهولة الأخلاق عند أمره للناس ونهيه.لأنه أبلغ فى استمالة القلوب.وحصول المقصود...ولأن الافراط فى الزجر ربما أغرى بالمعصية .والتعنيف بالموعظة تمجه الأسماع )..

----وقد ورد الأمر بذالك فى القران الكريم.والسنة النبوية الشريفة.فكان صلى الله عليه وسلم يأمر بها ويعطى لأصحابه القدوة والأسوة الحسبة فيها...

-----------------من القران الكريم----------------

1-قوله تعالى( اذهبا الى فرعون انه طغى.فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى..)..فالحق سبحانه وتعالى أمر موسى عليه السلام وهارون أن يخاطبا فرعون الذى تكبر فى الأرض وبلغ من الفساد والطغيان حده بالقول اللين .لأن من عادة الجبابرة وكما ذهب الامام الرازى--رحمه الله تعالى -اذا أغلظ لهم الوعظ أن يزدادوا عتوا وتكبرا.والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر.فلهذا أمر الله تعالى بالرفق ..).

2-قوله تعالى : ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.).وذالك فى معرض رسم الطريق السديد فى الدعوة والنصح والتوجيه لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمته.بأن يكون لين الجانب فى القول والعمل.وأن يأخذبالأسهل ويدفع بالأخف.. يقول الامام القرطبى -رحمه الله تعالى -: (أمره أن يدعو الى دين الله بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف.).

3-قوله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ).فالحق سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأخذبالسهل فى معاملة الناس ومعاشرتهم. وبالمعروف المستحسن من الأقوال والأفعال.وترك الغلظة والشدة فى الأقوال والأفعال.يقول الامام الرازى ويدخل فيه التخلق مع الناس بالخلق الطيب وترك الغلظة والفظاظة..وأن يدعو الخلق الى الدين الحق بالرفق واللين )..

---------------من السنة النبوية الشريفة ---------------

نذكر منها :

1-ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ان الرفق لا يكون فى شيىء الا زانه.ولا ينزع من شيىء الا شانه.).الجامع الصحيح للامام مسلم .


2-ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ان الله يحب الرفق فى الأمر كله ).الجامع الصحيح للامام مسلم....

فهذه الأحاديث-وغيرها-تحض المسلم.. وأهل العلم..وكل من يقوم بالنقد والتحليل والمناقشة ..على الرفق فى الأمر كله.لأن أكثر ما يكون محبوبا من الأعمال الى الله تعالى كل عمل جبل على الرفق واللين..فما كان فى شيىء الا زانه .لما يحصل لصاحبه من الثناء .ويتأتى به من الأغراض ويسهل من المطالب .ولا ينزع من شيىء الا شانه وعرض صاحبه للصغر والاستهزاء..ولا يتأتى معه شيىء .كما أن الله تعالى جعل للذى يدل على الخير من الأجر يوم القيامة مثل فاعله.قال صلى الله عليه وسلم(من دل على خير فله مثل أجر فاعله ).صحيح .شرح مسلم..

ويقول الامام النووى-رحمه الله تعالى-(فيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله..والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثوابا بذالك الفعل .كما أن لفاعله ثوابا ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء)..

--------------وعلى الجانب التطبيقى-------------

تتجسد قدوته صلى الله عليه وسلم فى الكلمة الطيبة ولين الجانب وحسن الخلق مع أولئك الذين أرادوا النيل من شخصه الكريم العظيم .وأرادوا الخروج على القانون..نذكر واقعة فقط للتدليل بها...


1- ما رواه أبو نعيم عن عبد الله بن سلام-رضى الله عنه-أنه قال : أن الله لما أراد هدى زيد بن سعنة قال :لم يبق شيىء من علامات النبوة الا وقد عرفتها فى وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت اليه الا اثنتين لم أخبرهما منه .يسبق حلمه جهل الجاهل .ولا تزيده شدة الجهل عليه الا حلما.قال :فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف ذالك منه فذكر قصة اسلافه للنبى صلى الله عليه وسلم مالا الى أجل.وقبل حلول الأجل بيوم أويومين أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه وهو فى جنازة مع أصحابه.ونظرت اليه بوجه غليظ وقلت يا محمد :ألا تعطينى حقى .فوالله ما علمتكم يا بنى عبد المطلب الا قوم مطل.قال :فنظر الى عمر-رضى الله عنه-وعيناه تدوران فى وجهه كالفلك المستدير.ثم قال :يا عدوالله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع. وتفعل ما أرى .فوالذى بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفى رأسك ورسول الله ينظر الى عمر فى سكون وتؤدة وتبسم..ثم قال : أنا وهو كنا أحوج الى غير هذا منك يا عمر أن تأمرنى بحسن الأداء. وتأمره بحسن الطلب.اذهب به ياعمر فأقضه حقه وزده عشرين صاعا من تمر جزاء ما روعته..)...

والأمثلة على ذالك كثيرة..وكثيرة..فى أصدق صورة وأحسن تمثيل..بأبى وأمى صلى الله عليه وسلم.
بل وكذالك كانت أيضا أخلاق الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-والسلف من بعدهم ..والخلف من الصالحين والعلماء ...فى معرض الانكار والتقويم..والتخلق بما هو أقرب الى الخير وحصول المقصود..

---------من هنا تقضى الحكمة وحسن الخلق ما يلى-- -----

التمسك باطار حسن الكلمة.. وأدب الحوار والمناقشة..وأدب النقد والتقويم ..والتى هى الأن وللأسف الشديد تشكل على كثير من الناس وخاصة أهل العلم... والمثقفين...وأصحاب القلم...والسياسين...فى كل المواقع والميادين..فبعض الأفراد يظن أن الحكمة تعنى الغلظة والفظاظة فى الأسلوب..وقد لا يتحرى الحكمة تحريا كافيا.فيكون موقفه ان سلبا وان ايجابا..وقد لا يستطيع الشخص وهو فى معالجة بعض القضايا أن يقدر موطنها تقديرا كافيا..وعندئذ عليه أن يستنير برأى الأخرين من أهل الحكمة والرأى- وهم كثر والحمد لله-ليكمل القصور الذى شاب ادراكه موضع الحكمة والرأى المستنير..وهى تقدر فى كل شيىء بحسبه..فمن الحكمة أن يستخدم الرفق واللين فى موضعه..ومن الحكمة أن تستخدم الغلظة أوالشدة فى موضعها ..وان كان ذالك مما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع السليمة..فليس من الاسلام أن ينطق المرء بخبيث القول..وردىء اللفظ...وممارسة سيىء الفعل والعمل.................

---وأختم بالحمد لله والشكر له أن أعاننى وأمدنى بفيوضات من عنده على كتابة هذا الموضوع.....وأسأله أن يجعل فيه كل النفع والخير للجميع ... ولكل من يتدبره ويقرأه....ونسألكم الدعاء...وشكرا..