|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الشريعة: مبادئ وأحكام .. وَ أوّهام !
{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان: 53]. من بديع آياته جل في علاه هذا البرزخ؛ هذا الحِجر المحجور الذى يُمايز بين النقيضين بلا تمييه ولا تمييع، هذا الحِجر الذى نفتقده في كثير من القضايا؛ رغم كونها قضايا مفصلية .. الشريعة مثلاً. قضية الشريعة، والحكم بما أنزل الله تعالى قضية عقائدية فارقة، ومُفارقتها تعنى مفارقة الإيمان، فحكمًا بالكفر، وقضاءً بالظلم، ونعتًا بالفِسق: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]. وبين مُطالِب بتحكيم الشريعة والحكم بما أنزل الله، وبين مُعارض لذلك؛ مادة دستورية مُتنازع على نصها نِزاعًا يفتقد هذه المفاصلة مع الأسف؛ يفتقد إلى هذا الحِجر الذى يُمايز بين النقيضين. يُسهم في ذلك كتابات لبعض الوطنيين المعتدلين الذين يحوزون ثقة الكثيرين، كتابات سعت إلى إزالة هذا الحِجر، وخلط العَذْب الفُرات بالمِلْح الأُجاج. من هؤلاء: "د. معتز بالله عبد الفتاح"، وما كتبه تحت عنوان: "الشريعة.. مبادئ وأحكام بين الحقيقة والأوهام"، ثم "م. وائل غنيم"، وما كتبه تحت عنوان: "الدستور والشريعة الإسلامية". وقد أرخى كلٌّ على مقاله ثوب الاعتدال، والحياد الذى أخذ يتهلهل شيئًا فشيئًا، حتى اتهم الأول "السلفيين" بإحداث فتنة قد تنتهي بحربٍ أهلية!! وأما الثاني فلم يألُ جهدًا في سبيل ازدرائهم، كما وَسَّع دائرة اتهامه لتضم التيار الإسلامي بأسره. تحفظي ليس على الانحياز لفكرة ما، والدفاع عنها؛ تحفظي على ادعاء الحياد ولا حياد، لا بالمنطق ولا بالبرهان، فالكاتبان بمقاليهما يغفلان عن كل دفوع الإسلاميين، تفسيراتهم، تطميناتهم؛ كما يغضان الطرف عن كل تطرف طاعن على الجانب الآخر، مما يسترجع صورة البرزخ في ذهني، فأتصور أنهما بالفعل يعيشان في برزخ من نوع فريد لا يبلغه من الإسلاميين حسن، ولا من العلمانيين سوء. يتجلى هذا واضحًا فيما كتبه م. غنيم ردًّا على تعليق لبعضهم حول موقف العلمانيين من المادة 68 (36 سابقًا)، فكتب يقول: أولًا: أنت تتهم الناس في نواياهم وإخلاصهم وَ وطنيتهم وهذا مرفوض. ثانيًا: قضية المادة الخاصة بالمرأة الجدل فيها حول النص لا يتعلق بإقرار حكم الشريعة في المواريث والطلاق وغيرها مما يتصوره البعض، ولكنه يتعلق بأنه تكرار. لأن هذه المادة كتبت في دستور 1971 وَ وقتها كانت مبادئ الشريعة "مصدرًا من مصادر" التشريع. وحينما أدخل التعديل على المادة في دستور 1980 مما جعلها: "المصدر الرئيسي للتشريع" أصبح إضافة أي زيادات على أي مواد من قبيل التكرار الذي لا يفيد هذه نقطة. والنقطة الثانية أن المشكلة هي بالأساس أزمة ثقة بين التيارات وبعضها البعض مما جعل الخلافات الشكلية على السطح. أذكر هنا أن م. وائل غنيم لم يترفع عن الإشارة للظن، وتفتيش النوايا بتعليقه على المعارك "النخبوية" بقوله إنها لنخبة: "لا تقرأ إن قررنا إحسان الظن بهم أو تخدع جماهيرها إن قررنا إساءة الظن بهم"! ولأنني لا أحكم بالظن حسنه، أو سيئه؛ فهو {لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يُونس: من الآية 36]؛ ولأن هناك ما هو "قطعي الثبوت، قطعي الدلالة" على استهداف أحكام الشريعة بتنحيتها من نص هذه المادة، تناولته عبر مَقالين سابقين: [مقال: بين المادة 2 والمادة 36 .. المغرِّدون خارج الوطن] [مقال: رسالة هيومن رايتس ووتش: جميع الحقوق محفوظة "إلا" للمسلمين!!]، فإنني اختصر الأدلة (واُضيف إليها) فيما يلي: * مبادرة من "العفو" الدولية، وإعلانها الذى سارعت إلى مطالبة الأحزاب بالتوقيع عليه عشية الانتخابات البرلمانية، والذى جاء في مادته التاسعة: "يجب أن تُمنح المرأة حقوقًا مساوية للرجل في القانون فيما يتعلق بالزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال، والميراث .." [Amnesty International | Pressure on Egyptian political parties to deliver on '25 January' expectations]. أعلنت المنظمة عبر موقعها عن تلقيها تعهدات موقعة من عدد من الأحزاب المصرية (آنذاك) بالتزام بنود الإعلان دون أدنى تحفظ على هذه المادة وهي: الحزب المصري الديمقراطي، حزب التحالف الاشتراكي، حزب الوفد، حزب الجبهة الديمقراطية، حزب الإصلاح والتنمية، بينما تعهد حزب الكرامة بذلك شفاهةً [منظمة العفو الدولية | مصر: الأحزاب السياسية تتعهد بإنهاء حالة الطوارئ، وكثير منها تمتنع عن الالتزام بحقوق المرأة]. * البيان الذي أصدره المعترضون، ونصَّ في البند الأول منه عن التعارض والتضارب في المرجعيات بين "مبادئ الشريعة" و "أحكام الشريعة"، وفي البند الرابع عن التعارض و "بشكل أكيد" مع التزامات مصر بالمواثيق والتعهدات الدولية [بيان مشترك حول المادة 36 من مسودة الدستور]. * أما التكرار الذى يُشير إليه م. وائل فلا يمكنه أن يُقدم تفسيرًا منطقيًّا لهذه الانتفاضة ضد النص! * تقارير الظل السنوية التي ترفعها منظمات المجتمع المدني (التي تقود الاعتراض) إلى الأمم المتحدة؛ والخاصة بوضعية المرأة وفقًا لاتفاقية "سيداو"، والذي يُستفتح إحداها (عن عام 2008م) بوصف التحفظات المصرية على بندي الاتفاقية 2 و 16 (الخاصة بأحكام الزواج والطلاق) بأنها خرق لأهداف ومقاصد الاتفاقية، يلي ذلك بكائية يرثى بها مساواة المرأة في التشريع المصري؛ ذاكرًا رأي كل من الشيخ "جاد الحق علي جاد الحق" شيخ الأزهر، والأنبا "شنودة الثالث" بطريرك الأرثوزوكس، الرافضين لصور المساواة الواردة بنص الاتفاقية، والتي تأتي مخالفة للعقيدتين: الإسلامية، والمسيحية. ويُختتم بتوصيات منها: - ضرورة وضع ضوابط لتعدد الزوجات، سواء باشتراط إذن القاضي، أو ترتيب حق تلقائي للزوجة الأولى في الحصول على الطلاق للضرر في حالة الزواج بأخرى، مع احتفاظها بكافة حقوقها المالية. - إيجاد تصور توافقي بين الزوجين لتقسيم الثروة المشتركة بعد الانفصال؛ ينظمه القانون، وتراعي وتحرص الدولة علي تنفيذه [تقرير الظل الخاص بوضعية المرأة المصرية في مسائل الأحوال الشخصية وقضية العنف ضد المرأة، أشكاله وصوره وفقا لاتفاقية السيداو]. وتقرير عن العام 2009 (لا يخلو كما العادة من نقد التحفظ على المادة 16)، ينتقد تشريعات الطلاق بمصر، فمن بعد ترحيب بقانون "الخُلع"؛ الذي عُد طفرة تُمَكِّن المرأة من الانفصال؛ بغير ارتهان لإرادة منفردة من الزوج، أصبح القانون لا يفي بتطلعات المساواة؛ فما زال هناك تمييز واقع على المرأة؛ إذ تُضطرّ معه إلى التنازل عن حقوقها المالية، وهو ما ترفضه المنظمات الحقوقية. ثم تنصح بقانون أسرة "مُوحد" لجميع المصريين (بصرف النظر عن العقيدة)!! من جميع ما سبق: نخرج من دائرة "الظن" و"التصور" التي يتهمنا بها المهندس وائل غنيم؛ وقد وضعنا أسباب تحفظنا بين يديه لكى "يقرأ". ولعل الدكتور معتز عبد الفتاح لا يرى فيما سبق "طواحين هواء" نستهلك طاقتنا في محاربتها. وبعيدًا عن الظن بكلا الكريمين؛ فإن الثابت هو غياب الحياد والاعتدال، وهو ما استتبعه تغييب لحقائق نسردها فيما يلي: * ينتقد د. معتز بالله تعبير "أحكام" لما يرتبط بها من تعدُّد التفاسير؛ تتحول معها من كونها "أحكامًا" إلى كونها "أوهامًا" لا سبيل إلى تطبيقها!! بينما تعبير "مبادئ" يراه أكثر رحابة وانطلاقًا للمشرع!! - والحق هنا أن تعبير "أحكام" هو تعبير "شرعي"، تَعْرفه الشريعة، وتُعَرفه بأنه: "خطاب الله تعالى، المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً، أو تخييرًا، أو وضعًا". أما تعبير مبادئ فلا تَعْرفه الشريعة، ولا تُعَرفه! فإيهما الأجدر بأن يكون وهمًا؟! - اختلاف التفاسير، وتعدد الاجتهادات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حُجة لدى العقلاء لتعطيل العمل بالنص؛ وإلا لتعطلت كل الشرائع، والتشريعات! كما أن أصحاب هذا الادعاء لا يأخذوننا إلى البديل الذي لا يعتريه اختلاف في التفسير، فالنص الدستوري والنص القانوني يحظيان بالعديد من التفسيرات التي تتباين في كثير من الأحيان! ولم يقل أحد من العالمين بإيقاف العمل بهما. ولا قال أحد بأنهما "أوهام"! اختلاف التفاسير ليس كشفًاً ولا محدثًاً. اختلاف التفاسير عمره من عمر الرسالة، وقد اختلف صحابته صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهرانيهم. ففي حادثة بنى قريظة عندما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يصلِّينَّ أحدُكم العصر إلا في بني قريظة» [رواه البخاري ومسلم]، اجتهد فريق؛ وفسّر قوله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يجوز لهم الصلاة إلا في بني قريظة؛ فلم يصلها لوقتها، واجتهد الآخر؛ وفسر ذلك بأنه إنما كان للحث على السرعة؛ فلما لم يتمكنوا؛ أدوا الصلاة على وقتها. ولم يخرج منهم فريق ثالث ليقول: "عن أي صلاة تتحدثون؟"، لم يخرج منهم فريق يُطالِبهم بأن يعودوا من حيث أتوا، ولم يُنكر صلوات ربى وسلامه عليه لا على هؤلاء، ولا أولئك. والمدهش أن التعبير البديل "مبادئ" هو ذاته متعدد التفاسير! وكما أن التعبير ليس من الشريعة، فإنه في بعض تفاسيره يتعدى الشريعة؛ بل ويعتدي عليها!! * تعبير "مبادئ" كما أسلفنا ليس له تعريفًا شرعيًّا، فدعونا نلتمس "تفاسيره" عند من يقدمونها: - يقول د. محمد البرادعي: "مبادئ الشريعة الإسلامية هي: العدالة، المساواة، الأمانة، بمعنى أصح هي: القيم الإنسانية التي تجدها في كل ديانة، وفي كل فلسفة إنسانية" [لقاء للدكتور البرادعى على فضائية OnTV]. - يقول د. يحيى الجمل "الفقيه الدستوري" إنه بعد تعديل المادة الثانية بعدة أعوام أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا "يفرغها من مضمونها"، فقالت إن المقصود هو الأحكام "قطعية الثبوت، قطعية الدلالة"، وهى كما يقول: "لا تتجاوز 15 مبدأ منها 10 أو 12 مبدأ على الأقل في القانون الروماني، والقانون الكنسي ..." كما تقول "لا ضرر ولا ضرار"، كما تقول "دفع المضرة مقدم على جلب المنفعة"، فهذه مبادئ استقرت في الضمير البشري منذ المصريين القدماء، ثم انتقلت إلى اليونان، ثم الرومان، ثم انتقلت للقانون الكنسي، ثم للقانون الفرنسي، ثم أتت إلينا .. [لقاء للدكتور يحيى الجمل فى برنامج "القاهرة اليوم"]. - يقول الدكتور عبدالفتاح الشيخ عضو مجمع البحوث الإسلامية: "المبادئ هي مقاصد الشريعة "حفظ النفس والعرض والدين والمال"، وإن المبادئ "لا تتضمن الأحكام" [النيل للأخبار | الخلافات تُمزِّق التأسيسية و إستمرار فتنة المادة الثانية بين الازهر والسلفيين]. وجدير بنا في هذا المقام أن نستطلع رأي المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، في دراسة أعدتها تحت عنوان: "قصة المادة الثانية من الدستور؟" [التحرير | تهاني الجبالي: قصة المادة الثانية من الدستور؟]، جديرة بأن تُقرأ، أحاول هنا أن أقتبس منها علامات: "إن إسلام الدولة لا بد أن يترابط حضاريًّا وعضويًّا مع المبادئ العامة للعدالة والمساواة، وجملة الخبرات المتراكمة من الممارسة الديمقراطية في العالم، توافقًا مع معايير حقوق الإنسان تجاه الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وبلا شك فإن الإطار الدستوري لهذه المعايير في سياق قانوني منضبط، لا في حديث أدبي مجرّد، وما يمنحها الاعتبار القانوني الوطني هو انضمام الدولة إليها كمعاهدات ومواثيق بعد إصداره بالإجراءات المنصوص عليها دستوريًّا وتحديد نطاق التحفظات عليها مما يحولها إلى جزء لا يتجزأ من البنيان التشريعي المنظم للسلطات والأفراد الواجب النفاذ في حياة الموطنين". ثم تذكر في موضع آخر: "إن مبادئ الشريعة الإسلامية (وليست أحكامها التفصيلية) هي كما قال أستاذنا الدكتور عبد الرازق السنهوري أمام مجلس الشيوخ المصري خلال مراجعة نص المادة الأولى من القانون المدني هي: "المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية التي لا يوجد خلاف بشأنها بين الفقهاء"، ومن ثم فإن الضرورة تقضي بأن ننظر إلى عبارة "مبادئ الشريعة الإسلامية" في إطار أن (المبادئ الكلية قوامها "الحكمة")، وأنه إذا كانت الحكمة بمفهومها اللغوي والفلسفي قد جعلت هناك رابطًا قويًّا بين جميع المبادئ التي أفرزتها الأديان المختلفة، فإن القاسم المشترك بينهما يمكن أن نُسميه "عالمية الحكمة" الموهوبة من الخالق إلى العالم الإنساني الواحد، وباعتبارها أول دليل عقلي على وحدانية الخالق، وبالتالي فهي أقرب لمبادئ القانون الطبيعي، وهو العدل المطلق أو العدل في ذاته، حسب تعبير أرسطو، ووفقا للإشراقات العقلية المبهرة في التاريخ الإسلامي لهؤلاء الأفذاذ الذين سعوا إلى ربط العلة بالحكمة والمقاصد التي توخاها المشروع الإلهي -على حدّ تعبيرها!!- واستنبطوا منها الأحكام، معتبرين أن "الإمامة للعقل". ثم تعرض أهم الأطر العامة التي استقرت في أحكام المحكمة الدستورية العليا، لتطبيق نص المادة الثانية في نقاط نذكر منها ما يلى: 1- أن المشروع الدستوري أورد تعبير (مبادئ الشريعة الإسلامية) لا أحكام الشريعة الإسلامية، ولو قصد النص على أحكام الشريعة لما أعجزه التصريح بذلك في النص، وهو ما يعنى الإحالة للمبادئ العليا وحدها. 3- ... (أي مبادئ الشريعة الإسلامية) تعد مصدرًا باعتبارها أكثر تحديدًا من المبادئ المستمدة من القانون الطبيعي وقواعد العدالة التي لا تصلح للتطبيق المباشر، ذلك لكون (مبادئ الشريعة الإسلامية) تحتوي أيضًا المبادئ الشرعية الكلية (جوامع الكلم الفقهية) التي استنبطها الفقه من الأصول وشهد بصدقها الفروع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن "شكل العقد يحكمه قانون محل حصوله"، أو "أن الغش يُفسِد كل شيء"، أو "الغرم بالغنم"، أو «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» [رواه ابن ماجه والدارقطنى، وغيرهما مسنداً]… إلخ. .... 6- وقد أقرّت المحكمة الدستورية العليا بقضاء مستقر جواز الاجتهاد في المسائل الاختلافية وإعمال حكم العقل في ما لا نص فيه، توصلًا لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته وعدم إضفاء قدسية على أقوال أحد الفقهاء، أو على الفقه كله، باعتباره منتجًا بشريًّا يمكن الاختلاف معه ولا قُدسيّة له، وإنما هو ثراء فكري على تنوعه واختلاف اجتهاداته. .... 9- إن الإطار الدستوري في استنباط الأحكام من مبادئ الشريعة لا يعني الأخذ بما انتهى إليه أحد المذاهب الفقهية، أو حتى ما اتجه إليه جمهور الفقهاء أو أجمع عليه أصحاب المذاهب الرئيسية.. كما لا يمنع المشرع من إعمال حكم (رأي مرجوح) في مواجهة (رأي راجح في زمن سابق)، استنادًا إلى تحقيق مصلحة مرسلة قدرها المشرع الوطني أو ضرورة واجبة الأخذ بالاعتبار. انتهى الاقتباس؛ وقد ثبت لدينا الآتي: - أن المصدر الذى نستمد منه التشريع هو "عالمية الحكمة"، الموهوبة من الخالق إلى العالم الإنساني الواحد (دليلًا على الوحدانية!!). - أن المبادئ لا تعني أحكامًا، وأن المشرع الدستوري لو قصد لكتب، ولما أعجزه ذلك، وإنما قصد المبادئ "العُليا" وحدها! - أن ما أحوجنا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية إنما هو "جوامع الكلم الفقهية" فلا يوجد لدى "عالمية الحكمة" مثل هذه البلاغة والفصاحة اللغوية والفقهية! - أن مبادئ الشريعة كمصدر للتشريع لا تعنى "مطلقًا" أن نأخذ بالشريعة في التشريع! فلا رأي، ولا مذهب، ولا إجماع، ولا الفقه بالكلية مُلزِم للمُشرع! - أن مآلنا هو الخضوع إلى المعاهدات والمواثيق الدولية "عسى ألا ننسى دليل الوحدانية في هذا المقام"! * هنا نعود إلى الفاضل وائل غنيم، الذى يتهمنا بعدم القراءة؛ حتى نتأكد أن المحكمة الدستورية الموقرة "تدرس مختلف القوانين دراسة فقهية مستفيضة وتحكم بالفعل بعدم دستورية القوانين إذا وجدت المشرع قد خالف قطعي الدلالة وقطعي الثبوت في الشريعة الإسلامية أو أن اجتهاداته لا تقوم على المناهج العلمية الفقهية المعتبرة". - مما ينبغي لنا أولًا أن نُعرف قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، بأنه النص الثابت بالتواتر (القرآن، والأحاديث المتواترة)، وذو الدلالة القطعية التي لا تحتمل الظن. وفقًا لهذا التعريف: فإن جُل الأحاديث النبوية الصحيحة، والثابت نسبتها لمن لا يرقى إليهم الشك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعها "مُهملة"!! لا يَعْتبر بها المشرع!! فكأننا بهذا نُنحي ما يزيد على ثلاثة أرباع السنة المطهرة، وكأنها محض روايات لأحاديث ود، وسمر، وممارسة حياتية! وهذا مما يخالف جمهور أهل العلم في استنادهم لأحاديث الآحاد، فقد حكم أبو بكر بميراث الجدة بحديث آحاد، وقضى عمر في الجنين بحديث آحاد، وقضى بميراث الزوجة من الدية بحديث آحاد .. إلخ والمدهش هو إهمال نص صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفي مقابل ذلك يكون الأخذ بأي رأي يحلو للمشرع دون قيد أو شرط! بل إن من آي الذكر الحكيم كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: من الآية 228]، مما يُستبعد من أحكام الشريعة؛ حيث كلمة "قروء" لها معنيان في لغة العرب؛ أحدهما الحيضة، وثانيهما الطهر بين الحيضتين؛ بهذا فهي "ظنية" الدلالة! ويكون حكم العِدة مُهَددًا لخروجه من دائرة القطعية، مما يُتيح للمشرع (ولا شيء يمنعه) من أن يهمله بالكلية. - ثم دعونا نختبر أحكام الدستورية العليا كما يصفها لنا م. وائل غنيم .. نقرأ "كما دعانا" القضية رقم 243 لسنة 21 قضائية - المحكمة الدستورية العليا، في القضية المذكورة أصدرت حكمها بعدم دستورية المواد 8 و11 من قانون ال***ية، والمادة 3 من قرار وزير الداخلية 937 لسنة 1996م؛ التي كانت تنظم منح وتجديد جواز السفر للزوجة، فتُخَوِل لوزير الداخلية الحق في عدم منح أو تجديد جواز السفر للزوجة؛ بناء على اعتراض الزوج؛ مستندة في حُكمها إلى مواد الحريات في الدستور؛ الخاصة بحرية التنقل [حكم القضية رقم 243 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا]، مقدمة إياها على ما هو معلوم بالتواتر، ليتحول بذلك حق الزوجة في السفر هو الحق الأصلي، فإذا اعترض الزوج؛ فعليه أن يلجأ إلى القضاء للنظر في أمره، وللقاضي وحده أن يقرر؛ سلبًا لحق ثابت للزوج، وهو ما اصطلح على تسميته بحق "الاحتباس". ومن العجيب، أن يأتي الحكم مناقضًا لحكم آخر للمحكمة الدستورية في القضية رقم 18 لسنة 14 قضائية، تُقر فيه بحق "الاحتباس" للزوج، وتقضى بحق الزوجة في الخروج إلي العمل بموافقة زوجها الصريحة أو الضمنية. ورتب علي خروجها دون ذلك الإذن سقوط نفقتها, واعتبارها ناشزًا! [حكم القضية رقم رقم 18 لسنة 14 قضائية المحكمة الدستورية العليا]. ولكنه ليس من العجيب، أن يُقابل هذا الحُكم برفض من علماء الأزهر [محيط | رفض أزهري لحكم قضائي يسمح للزوجة بالسفر دون إذن زوجها]. ولكنه حُكم يأتي على طريق استكمال المساواة التامة بين الرجل والمرأة في التنقل. "سيداو" .. كلمة السر، وسوف تكون (وغيرها من المواثيق الدولية) السر دائمًا وراء تطور تشريعي يطمس معالم الشريعة، حتى "نتوافق" مع المعايير الدولية. * إن كان ثمة وهم في القضية فهو ما يتصوره الفاضلان (وغيرهما) من رغبة فصيل سياسي، أو تيار ديني في فرض رؤيته على المجتمع. إن الشريعة قضية عقائدية كما استهللت؛ تخص كل مسلم "مُوحِّد" (ليس على طريقة المستشارة الجبالي)، يُخلص الوحدانية لله، ولا يُشرك في حُكْمه "الأمم المتحدة". ثم يكون من العجيب أن يروجا في ذات الوقت لكون التشريع تحسمه الأغلبية البرلمانية، منكرين بالفعل لدوري (وغيري) من أفراد الشعب غير المنتمي، وحقه في أن يضبط هذا التشريع بقواعد يطمئن لها، فلا يكون حقًاً مطلقًاً لأغلبية برلمانية تذهب به حيثما أرادت. لنتجنب مِثال الدكتور معتز وولده، الذى أوصاه بالتزام مبادئ الأخلاق، ثم تركه لاجتهاده، وقد يقنعه زميل بأن ممارسة البلطجة؛ شجاعة، أو أن الاستضعاف؛ تسامح، فلا معايير ولا ضوابط. ووهم الالتزام بمذهب أو رأي فقهي واحد، وهو الوهم الذي لا أعرف مبعثه، والذى كان من المفترض أن يبدده رغبة التيار السلفي في مرجعية أزهرية! الوهم الذى يعيشه البعض بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا (من قبل أي ظهور للتيار السلفي)، على جلسة مجلس الشعب التي عُقدت الخميس 10 رمضان سنة 1402هـ، الأول من يوليو سنة 1982م، ليُعْلن فيها رئيس المجلس الدكتور "صوفي أبو طالب" إنجاز تقنين للشريعة الإسلامية أعاد كل مواد القوانين إلى الأصول الإسلامية، وأشار إلى المصادر الفقهية التي استند إليها هذا التقنين؛ فأخرج الشريعة الإسلامية بمذاهبها الفقهية المعتبرة (منتقيًا الرأي المناسب من أي مذهب) في صورة تقنين حديث، تقوم فيه "الأصالة" بتحقيق المصالح المعاصرة. فعن أي "وهمٍ" تتحدّثون؟!! نور عبد الرحمن
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
جزى الله كاتبه و ناقله خير الجزاء
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|