|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() سنوات الخداع - الحلقة السابعة و العشرون ![]() على عكس الصفقة الأولى التى كان الأوروبيون قد طرحوها فى أغسطس 2005، جاءت هذه الصفقة بكثير من السخاء، وعرضت على وجه التحديد مد إيران بتكنولوجيا تقليدية ونووية لتوليد القوى. كما أن العرض تمت صياغته بصورة تعبر عن الاحترام لحقوق إيران، كما تضمن عناصر لاتفاق تجارى مع الغرب. غير أن العرض كرر مطالبة إيران بإيقاف برنامج التخصيب كشرط مسبق للمفاوضات، بل إن الصياغة بدت وكأنها تعلق حق إيران فى استئناف برنامج التخصيب على موافقة الغرب. وطلب الإيرانيون مهلة حتى 22 أغسطس لدراسة العرض والرد عليه، وكانت إيران فى هذا الوقت ما زالت مستمرة فى تطوير أبحاث التخصيب، وبصدد الانتقال من عملية تجريبية قوامها من عشرة إلى عشرين جهاز طرد متتابع إلى تجربة قوامها مئة وأربعة وستين جهازًا. ولم يكن ذلك يجرى بانتظام تام، إذ كانوا يقومون بالتشغيل لمدة عشرة أيام ثم يتوقفون بضعة أيام ثم يستأنفون التشغيل. وكان خبراؤنا يعتقدون أنه كان بوسع الإيرانيين أن يسيروا بوتيرة أسرع كثيرًا لو أنهم أرادوا. وفى مرحلة ما، ذكر الإيرانيون أنهم ربما يقومون بتشغيل مجموعة ثانية من مئة وأربعة وستين جهازًا فى غضون ثلاثة أشهر، وهو ما نصحتهم بأن لا يقوموا به، لأن ذلك من شأنه أن يجعل المفاوضات أكثر تعقيدًا. وكان طلب إيران مزيدًا من الوقت محل تشكك وريبة من جانب البعض فى الغرب، حيث رأى الأمريكيون وغيرهم أن الهدف من هذا الوقت هو تحقيق التقدم فى أبحاث وتطوير التخصيب الذى يقومون به، ولم يكن فى هذا أى منطق على الإطلاق، لأنه لم يكن من الممكن أن تحقق إيران أى تقدم يُذكر خلال فترة تقل عن ثلاثة أشهر. أما أنا فقد كنت أعتقد أن الأمر ناجم عن بطء عملية اتخاذ القرار فى إيران، بالنظر إلى تعقيدات وتداخلات المشهد السياسى، فهم يطيلون التفكير قبل صياغة أى استراتيجية، وهم أبدًا لا يبدون متعجلين. وخاصة إذا تعلق الأمر بمحاولة دفعهم لاتخاذ قرارات تحت الضغط الخارجى. لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تريد الانتظار، وأصرت على أن يسعى «سولانا» إلى عقد اجتماع مع الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن قبل تاريخ 22 أغسطس. وقد وافق لاريجانى على عقد اجتماع فى بروكسل فى 11 يولية مع مجموعة الخمسة زائد واحد بدافع من رغبته فى استيضاح بعض تفاصيل الصفقة، خاصة ما يتعلق بالشروط المقترحة لإيقاف أنشطة التخصيب ومداه. وبدا بوضوح من مناقشاتى معه أنه عازم على التوصل إلى حل تفاوضى. لكن هذا الاجتماع كان ضرره أكثر من نفعه. ففى منتصف المباحثات، تدخل «جون ساورز»، مسؤول الشؤون السياسية فى الخارجية البريطانية بشكل حاد، مقاطعا «سولانا» بينما كان يتحدث وموجها حديثه للاريجانى قائلا: «نحن نريد أن نعلم بصورة قاطعة ما إذا كنتم مستعدين لوقف أنشطة التخصيب أم لا». وبالطبع، لم يكن من الممكن للاريجانى أن يقدم ردّا إيجابيّا عن هذا السؤال، لأن طهران لم تكن قد توصلت إلى رد نهائى، وانهار الاجتماع، وأعلن «سولانا» فى نهايته أن مجموعة خمسة زائد واحد أعلنت عزمها على إحالة الملف إلى مجلس الأمن. وبعد ذلك بفترة وجيزة، توجهت للمشاركة فى قمة الدول الثمانى فى مدينة «سانت بيترسبورج»، وهناك التقيت الرئيس «بوش»، الذى بادرنى مبتسما: «البرادعى!». ثم قال لى إنه يقدر الجهد الذى أبذله فى ما يتعلق بالملف الإيرانى، لأن أحدا لا يعلم على وجه اليقين ما الذى يجرى فى طهران. وبالطبع كان ردى أنهم يريدون بعض الوقت، لكنهم بالفعل يريدون التوصل إلى حل عبر التفاوض، فكان رده: «نحن مستعدون»، فى إشارة إلى نيته الاستماع لما لدى طهران أن تقوله. ثم فى محادثة منفصلة أبدى «تونى بلير» نفس التعليق على ما قلته له بشأن رغبة إيران فى التوصل إلى حل تفاوضى. «نحن مستعدون»، قالها كما لو كان هو و«بوش» قد اتفقا معا على حرفية ما سيقولانه لى. وبينما كان مجلس الأمن يقترب من التوصل إلى قرار حول الملف الإيرانى، جاء جواد وحيدى، نائب لاريجانى، لمقابلتى فى ڤيينا. وكان فحوى ما قاله لى إن إيران مستعدة للقبول بوقف نشاطات التخصيب، لكن كنتيجة يمكن التوصل إليها عبر صفقة من خلال التفاوض، وليس كشرط مسبق للبدء فى التفاوض، على أن يكون ذلك أيضا مرتبطا بحصول إيران على ضمانات أمنية من نوعٍ ما. وأضاف وحيدى: «نحن نريد أن نعرف إذا ما كنا نتفاوض مع حليف أم مع خصم، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالبرنامج النووى، ولكن بمجمل العلاقة بين أمريكا وإيران فى المستقبل». ثم شرح الموقف الداخلى لأحمدى نجاد، وقال إنه لو وافق الرئيس الإيرانى الآن على وقف التخصيب من دون الحصول على شىء فى المقابل، فإن حكومته ستنهار. وبعد ذلك أخبرنى وحيدى بما اعتبرته أمرا توضيحيّا ومقلقا فى الوقت نفسه، وهو أن روحانى، الذى كان يتفاوض مع الوكالة وقت تولى الرئيس خاتمى الحكم فى إيران، أصبح اليوم هو وفريقه معارضين لوقف التخصيب وقبول الصفقة. ولم يكن الأمر يتعلق فقط بالصفقة المعروضة عليهم والتى كانت بالتأكيد أفضل من سابقتها، لكن فى كونها قد تكون بداية لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذى يمكن أن يجعل من أحمدى نجاد بطلا قوميّا، وهو آخر ما كان يود أن يراه روحانى وفريقه، وبالتالى فقد عملوا كل ما فى وسعهم لعرقلة الصفقة التى عملوا جاهدين على إتمامها قبل ذلك. وكان ذلك أمرا مؤسفا، لأنه أوضح أن التركيز كان بالأساس على نتائج هذا الاتفاق على الفرقاء فى السياسة الداخلية الايرانية، وليس على إيجاد حل للازمة الإيرانية. وكنت أخشى أن تضيع تلك الفرصة، فبادرت بالاتصال بمندوب أمريكا لدى الوكالة الدولية «جريج شولتى» لأخبره بأن الفرصة ما زالت متاحة للتوصل إلى اتفاق يشمل ترتيبات أمنية إقليمية واسعة، وأن ما يلزم للتحرك قدما هو أن تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم تنازل بسيط للغاية. وطلبت منه أن يبلغ هذه الرسالة إلى واشنطن. ولكن ذلك لم يتحقق، ففى أواخر يوليه 2006، قبل ثلاثة أسابيع من الموعد المحدد لتقديم إيران لردها، أصدر مجلس الأمن القرار 1696. وبمقتضى هذا القرار الذى تم تبنيه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذى يخول مجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة فى حالة تهديد السلم، أو الإخلال به، أو العدوان، أصبح وقف التخصيب إجباريّا. ومع نهاية شهر أغسطس، كان علىّ أن أقدم تقريرًا لمجلس الأمن يؤكد أن إيران أوقفت بالفعل عمليات تخصيب اليورانيوم. كان من الصعب أن أتصور شيئا أبعد عن المعقول من القرار 1696، وما هو أشد مدعاة للانقسام، لأننا ببساطة كنا قد أنفقنا نحو أربع سنوات فى التحقق من برنامج إيران النووى، ولم يكن هناك ما يضير فى الانتظار لمدة ثلاثة أسابيع أخرى يمكن أن نستفيد منها فى إيجاد حل لمسألة التخصيب. وهو ما جعلنى أعتقد أن الإدارة الأمريكية ربما لا تكون معنية حقيقة بإيجاد حل للملف الإيرانى أو الحوار مع طهران. فهل يمكن أن تكون الإدارة أسيرة لمن لا يريد إلا مواجهة مع إيران، ومن يصر على تغيير النظام فى طهران؟ إضافة إلى ذلك، فإن القرار كانت به شوائب قانونية، فبالإضافة إلى أنه لم يكن هناك دليل على أن طهران لديها برنامج تسلح نووى، فإنه كان من المبالغة الشديدة وصف أجهزة الطرد المحدودة على المستوى المعملى لتخصيب اليورانيوم، وهو حق لكل الأطراف فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بأنها تمثل «تهديدا للأمن والسلم الدوليَّيْن». وفوق هذا وذاك، فإن القرار كان يفتقر للمنطق، لأنه لو كانت هناك خشية حقيقية من سعى إيران لامتلاك سلاح نووى، فإن وقف أعمال التخصيب البحثية المحدودة المعلنة لم يكن ليعنى شيئا على الإطلاق. لو أن إيران كان لديها بالفعل برنامج فعال للتسلح النووى. فقد كان ينبغى أن يكون الهدف الأساسى هو الإبقاء على عمليات التفتيش التى تقوم بها الوكالة للبحث عن أنشطة التخصيب غير المعلنة لإيران أو برامج التسلح السرية. وقد أوضح التركيز على عمليات البحث والتطوير من أجل التخصيب فى «ناتانز» أن الأمر لا يتعلق ببرنامج تسلح سرى، بل بشأن نوايا إيران فى المستقبل. والأسوأ من كل ذلك، كان توقيت القرار والذى تزامن مع حرب مشتعلة فى لبنان، ومع الصراع متفاقم بين حزب الله وقوات الدفاع الإسرائيلية، والذى أثر على حياة آلاف من المدنيين اللبنانيين. وعلى الرغم من الدعاوى التى صدرت عن المجتمع الدولى، فإن «بوش» و«بلير» استمرا فى رفضهما للدعوة لوقف إطلاق النار، بل إنه عندما طالب «كوفى أنان» كلّا منهما بالدعوة لوقف إطلاق النار كان ردهما: «لسنا مستعدين لذلك بعد». واتضح فى ما بعد أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت فقط أن تسعى لوقف إطلاق النار، عندما اكتشفت أن الهجوم العسكرى الإسرائيلى لم يكن يحقق مبتغاه. وقبل ذلك وبدلا من أن تسعى لوقف القتال كانت الولايات المتحدة تهرع لتمد إسرائيل بقنابل شديدة الدقة فى التصويب. |
#2
|
||||
|
||||
![]() سنوات الخداع - الحلقة الثامنة و العشرون ![]() انتظر العالم حتى 11 أغسطس، ليقرر مجلس الأمن تبنى قرار وقف إطلاق النار بعد أن كان قُتل ألف ومئة لبنانى، و40 إسرائيليًّا، وبعد أن تسببت الحرب فى نزوح 750 ألف لبنانى. هذا كله بينما كانت قوى العالم تتابع المشهد دون أن تتحرك لتوقف الدمار. لقد كنت فى مصر فى ذلك الوقت فى منزلى الصيفى غرب الإسكندرية، وكان الرأى العام مستاء للغاية، بل وقابلا للانفجار جراء الشعور العام بأن الغرب يكيل بمكيالين ويتعمد عدم اتخاذ أى إجراء، ولم يكن ذلك قاصرًا على مصر، حيث ساد الشعور نفسه عبر الشرق الأوسط. وفى ذلك الوقت، اتصل بى كوفى أنان، وقال لى بصوت حزين مكتئب: «هذه الحرب المستعرة فى لبنان لا تشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليَّيْن، وإنما المعمل البحثى النووى الصغير فى إيران هو الذى يمثل هذا التهديد!!». فى محاولة للإبقاء على تركيزى على الملف الإيرانى، اقترحت فى رسالة إلى لاريجانى أن ترسل إيران ردًّا بالموافقة على المقترح الغربى، على الرغم من صدور القرار 1696، فى الموعد المقرر فى 22 أغسطس، واقترحت أن يُبدوا فيه استعدادهم لإيقاف أنشطة التخصيب على المستوى الصناعى لبضع سنوات والالتزام بحل المشكلات المعلقة مع الوكالة بشأن التحقق، مشيرًا إلى أنه إذا استطعت أن أقدم تقريرًا يُظهر تقدمًا فى تلك المسألتين فإن ذلك يمكن أن يغير موقف الأوروبيين وغيرهم إزاء إيران. لكن رد لاريجانى جاء فى شكل رسالة إلى الغرب من خلال وسائل الإعلام بأن إيران لن تقبل أبدًا بوقف تخصيب اليورانيوم. لم أكن على علم بكل تفاصيل تبنى القرار 1696، ولكن بدا لى أن جانبًا من المشكلة يرجع إلى ما كان يجرى وراء الكواليس فى منتصف عام 2006. فقد تبنى الدبلوماسى البريطانى القدير جون ساورز، مساعد بلير السابق، والذى كان يتحدث باسم المملكة المتحدة، موقفًا متشددًا شبيهًا بموقف الأمريكيين. وكنت خلال العامين السابقين قد لاحظت اختلافًا فى الأسلوب والمضمون بين ساورز ورئيسه سترو، وزير الخارجية. وكانت علاقتى وثيقة مع سترو فقد وجدته قادرًا على استيعاب الصورة الكبيرة وعلى الإنصاف واحترام الفوارق الثقافية، كما أن لديه استعدادًا عمليًّا لبحث الحلول التى يمليها المنطق السليم. لكن سترو لم يعد رئيسًا لساورز، فقد سبق أن ذكر لى سترو أن الأمريكيين لم يعودوا يثقون به، خصوصًا بعد أن وصف أفكارًا كان يتم تسريبها عن احتمال استهداف عسكرى لمنشآت نووية إيرانية بأنه ضرب من الجنون، لأنه «لا يوجد دليل» على امتلاك إيران الأسلحة النووية. وبعد شهر واحد من ذلك قام بلير بإزاحة سترو عن منصبه لتحل محله مارجريت بيكيت، التى لم تكن لها صلة بالدبلوماسية، وبالتالى لم تكن لديها فرصة حقيقية لمعارضة هذه السياسة. وقيل لى إن سترو أزيح من منصبه بسبب اختلافاته السياسية مع بلير، وفهمت أن ذلك تم بإلحاح من الأمريكيين، لكنه أكد لى أن الأمر لم يكن بسبب كوندى (رايس) وكان معروفًا أن سترو وصف سياسة بلير فى أثناء حرب لبنان بأنها «كارثية». لكن رأيه حول إيران ولبنان والقرار 1696 لم يعد مهمًّا بالنسبة إلى بلير، كما أنه لم يكن بوسع بيكيت، لحداثة عهدها بالأمر، أن تعارض. وكان وزير الخارجية الفرنسى فيليب دوست بلازى، وهو طبيب، جديدًا هو الآخر على وزارة الخارجية. وقيل لى إنه لم يكن يؤخذ مأخذ الجد فى وزارته، وإن هذه الكراهية بينه وبين أعضاء وزارته كانت متبادلة. هذا فضلًا عن أن الفرنسيين كانوا على أبواب انتخابات رئاسية وبدأ الفرنسيون يقولون إن هناك فرنسا التى يقودها جاك شيراك ومستشاره للأمن القومى، وفرنسا الأخرى التى تقودها وزارة الخارجية. ولكل منهما سياسته الخارجية المتعارضة مع الآخر، ومن هنا فإن السياسة الخارجية لفرنسا، التى كانت تمر فى ذلك الوقت بظروف استثنائية، لم تكن متناسقة كما كانت فى ظروف أخرى. كان الألمان هم الذين يسعون لمحاولة إيجاد حل وسط مع الإيرانيين. وفى لقاءات منفصلة مع المستشارة أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية فرانك والترشتاينماير، وجدتُ أنهما حازمان ويتسمان بالإنسانية والإنصاف فى تناولهما السياسة الخارجية. غير أن الألمان لم يكن لديهم من الثقل بما يسمح بتحقيق تقدم فى هذا الشأن بغير تعاون شركائهم الأوروبيين، وكانوا يبدون سعداء فقط لإشراكهم فى المفاوضات. ولعل أكثر ما أدهشنى فى ذلك الوقت هو موافقة روسيا والصين على تبنى القرار تحت الفصل السابع، على الرغم من مواقف عديدة سابقة معارِضة لذلك. فقد كانوا يعلمون أنه ليس من شأن ذلك إلا أن يؤدى إلى مواجهة وإلى تعقيد الأمور بالنسبة إلى حل مشكلة برنامج إيران النووى، ولكن يبدو أنهم وجدوا أن هذه الموافقة ستخدم مصالح أخرى أكثر إلحاحًا بالنسبة إليهم. وفى رأيى، فإن القرار 1696 لم يكن فقط ضارًّا من الناحية السياسية، ولكنه كان أيضًا إساءة لاستخدام صلاحيات مجلس الأمن بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فقد كان من المذهل أن نشهد مثل هذا الفارق فى المعاملة بين كوريا الشمالية وإيران. فكوريا الشمالية كانت قد انسحبت من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وأعربت عن تهديدات صريحة بتطويرها أسلحة نووية (وقامت بالفعل بأول اختبار لسلاحها بعد أقل من ثلاثة أشهر فى أكتوبر 2006)، ومع ذلك فإن الأمريكيين كانوا على استعداد لإجراء حوار مباشر معهم، وكان كريستوفر هيل موجودًا فى بيونج يانج باستمرار. وعلى العكس من ذلك فإن إيران، التى ظلت ملتزمة ببروتوكول الضمانات وطرفًا فى معاهدة حظر الانتشار، عوقبت على احتمال أن تكون لديها فى المستقبل نية تطوير سلاح نووى، ورفض الأمريكيون التحدث إليهم دون شروط مسبقة. كنت ما زلت فى منزلى الصيفى فى 20 أغسطس 2006، عندما اتصل بى شتاينماير ليخبرنى بأنه يريدنى أن أجتمع مع المصرفى السويدى الغامض بيتر كاستنفلت، الذى كان مستشارًا للكوريين الشماليين، وأصبح الآن مستشارًا لطهران بحضور أحد نواب لاريجانى قبل أن تقوم إيران بتقديم ردّها على المقترحات الأوربية. وفى لقاء عُقد مع هؤلاء فى القاهرة، أكدت لنائب لاريجانى أهمية أن تقدم إيران ردًّا بالإيجاب على المقترح الذى تلقته على الرغم من كل ما حدث. ويجب أن يكون من الواضح أن إيران على استعداد لإيقاف التخصيب على المستوى الصناعى أو أن تَعِد على الأقل بعدم استخدام مواد نووية فى أجهزة الطرد. وكنت أرى أن أسئلتهم عن الأمن الإقليمى كانت فى محلها لأن تلك مسألة أساسية بالنسبة إليهم، وأن معالجة هذه الهواجس الأمنية من شأنها تسهيل الوصول إلى اتفاق حول إيقاف التخصيب. تحدثنا لمدة ساعتين وذكر لى كاستنفيلت بعد ذلك أنه ظل خمس ساعات أخرى مع نائب لاريجانى لمحاولة صياغة فحوى حديثنا كتابة. وفى الموعد المحدد (22 أغسطس) قام الإيرانيون بتسليم ردّهم، معربين عن قبول بعض وليس كل ما أشرت به عليهم. ولقد جاء الرد الإيرانى فى 21 صفحة وكان مليئًا بالعبارات المعقدة، ولكنه فى النهاية كان به ما يعنى استعداد إيران للقبول بوقف التخصيب، ولكن كنتيجة للتفاوض وليس شرطا له. وإضافة إلى ذلك، فإن إيران أبدت الاستعداد للعمل بأحكام البروتوكول الإضافى بصورة طوعية خلال فترة التفاوض، بل وكانت إيران مستعدة للإعراب عن التزامها بالاستمرار فى العضوية فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بصفة دائمة وعدم الانسحاب منها لتهدئة الخواطر حول احتمال تكرار سيناريو كوريا الشمالية. وجاء الرد الأوروبى متحفظًا مع إبداء إمكانية البدء فى الحوار، بينما أكدت روسيا أن العقوبات لن تؤدى إلى شىء، ودعت الصين لإعمال الصبر. واتصل الجميع بى أو حضروا لمقابلتى بما فى ذلك كوفى أنان وخافيير سولانا، لسؤالى عن تقييمى لرد إيران. ولكن أحدًا لم يكن مستعدًّا لتولى زمام الأمور. وبعد فترة من الوقت، قرر الأوروبيون والولايات المتحدة تكليف سولانا بلقاء لاريجانى لتحديد الخطوة القادمة. ولكن هذا الأمر لم يرق إلى لاريجانى كثيرًا بالنظر لاعتقاده أن سولانا لا يتمتع بالصلاحيات الكافية. كما أنه رفض بالتأكيد أن يجتمع مع سولانا وممثلى الدول الأوروبية الثلاث، لأنه لم يكن قد تجاوز الغضب الذى أثاره اجتماع بروكسل. |
#3
|
||||
|
||||
![]() سنوات الخداع - الحلقة التاسعة و العشرون اقترحت على سولانا أن يعقد لقاء منفردا مع لاريجانى يتم خلاله الاتفاق على أربعة مبادئ تكون إطارا عامًّا يسير فيه التفاوض، الأول: أن تقوم إيران بوقف التخصيب خلال المفاوضات. والثانى: أن يقوم الأوروبيون والأمريكيون بوقف العقوبات المقررة من قِبل مجلس الأمن خلال تلك الفترة. والثالث: تأكيد حق إيران وفقا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فى إشارة إلى أن وقف التخصيب ليس دائما. ورابعا: احترام سيادة إيران واستقلالها السياسى. وفى حال ما تم الاتفاق على ذلك يمكن لوزراء خارجية مجموعة الـ«5+1» أن يجتمعوا ويعلنوا أن هذه المبادئ هى أساس المفاوضات.وقد بدا لى أن ذلك يوفر مَخْرجا مشرفا لكل من الإيرانيين بحيث يكون بإمكانهم أن يقولوا إن الوقف هو لفترة المفاوضات فقط، وللأمريكيين بحيث يمكنهم القول بأنهم يحضرون الاجتماع بعد أن تأكدوا من موافقة إيران. وكنت مقتنعا بأهمية مشاركة رايس فى الحوار كدليل على الجدية.. ولتحفيز إيران. وتحدثتُ فى الأمر مع لاريجانى قبل أن يقرر هو وسولانا الالتقاء فى سبتمبر. وتحدثت فيه أيضا مع أنان الذى كان يعتزم القيام بزيارة لطهران فى نفس الوقت تقريبا. كانت إيران تلتزم بضبط النفس. ولم تكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد لاحظت وجود تقدم كمى أو كيفى يُذكر فى برنامج إيران للتخصيب أكثر من المئة والأربعة والستين جهاز طرد التى كانت موجودة من قبل. وكانت المواد النووية تُستخدم من حين إلى آخر لفترات قصيرة، ولم تكن تلك هى الطريقة المناسبة لاكتساب خبرات التخصيب لو كان ذلك هو هدف الإيرانيين حقًّا. ولم نتمكن من معرفة ما إذا كان هذا التقدم البطىء راجعا إلى مشكلات فنية أم إلى خيار سياسى. لكن برنامج إيران كان على أى حال لا يزال فى مراحله الأولية. وفى 5 سبتمبر اتصلت بى كوندوليزا رايس لتسأل عن مجموعة المبادئ التى أبلغها بها السفير شولتى. قلت لها إن إيران لا تستطيع أن تقبل وقف التخصيب كشرط مسبق لأن ذلك فى نظرهم بمثابة انتحار سياسى. كما أنهم سيحتاجون إلى بيان ما بشأن أمن إيران. قالت: «إن ذلك يبدو شبيها بما فعلناه مع كوريا الشمالية»، الأمر الذى فسرته بأنها على استعداد لبحث المبادئ الأربعة، وهو ما كان يمثل تغيرا فى الموقف الأمريكى الذى لا يتزعزع حول التخصيب الإيرانى. ثم قالت إنه «قد تكون هناك صعوبة فى إعطائهم ضمانات أمنية». قلت: «ليكن إعلانا لحُسن النوايا إذن». ووافقت رايس على الأقل على أن تفكر فى الأمر، ثم عادت وقالت: «أنت تعلم أننا لا نستطيع أن نجلس مع إيران حتى يصبح الوقف ساريا، وربما استطاع الأوروبيون، وربما يكون معهم الروس والصينيون، أن يجتمعوا بهم أولا. وبعد إصدار إعلان المبادئ والتحقق من الوقف تستطيع الولايات المتحدة أن تنضم إليهم». وبينما كنت متوجها لإنجلترا لزفاف ابنتى ليلى، اتصل بى السويدى بيتر كاستنفلت ليخبرنى بأنه يريد أن يتحدث معى «للضرورة القصوى»، وبالفعل وصل إلى الفندق حيث كانت أسرتا العروسين قد اجتمعتا من القاهرة ونيويورك وبلاد أخرى كثيرة، وبينما نحن نستعد للعشاء، وصل ليتحدث معى حول إيران؛ ولم تكن ليلى بالطبع سعيدة بذلك وقالت لى إنها تأمل أن يكون لديه شىء هام للغاية يستدعى أن يفسد هذا التجمع العائلى. وجلست إلى كاستنفلت الذى كان قد جاء لتوه من طهران، وكان يستمع إلىَّ أكثر مما يتحدث، وسألنى إذا ما كان يمكن أن يقوم الإيرانيون بوقف جزئى للتخصيب. قلت له إن هذا صعب، وإن عليه أن يبلغ الإيرانيين بأن الوقت آخذ فى النفاد. وقلت له إنه لو لم يتم الاتفاق، فإن الولايات المتحدة والأوروبيين سيذهبون إلى مجلس الأمن ليطلبوا المزيد من العقوبات، وإنه حتى لو جاءت هذه العقوبات مخففة، فإن طهران ستضطر إلى الرد، وسيدخل الأمر فى سلسلة من الفعل ورد الفعل، وربما يصل إلى المجابهة، دون التوصل إلى حل، وكان كاستنفلت يدون بعض الملحوظات مما كنت أقوله له.. ثم انصرف. وفى الثامن من سبتمبر، احتفلنا بزواج ابنتى ليلى لشاب بريطانى مسلم هو نييل بيزى. وكانت لحظات رائعة، ذكّرتنى بعبارة قلتها لدى تسلمى جائزة نوبل للسلام، وأثّرت فى ليلى إلى درجة البكاء، حيث أشرت إلى أننى أشعر بالسعادة أن ابنى وابنتى لا يتعاملان مع الناس من منظور اللون ولا ال***ية، ولكنهما يتعاملان مع الناس بوصفهم بشرا متساوين. كما تذكرت أيضا القلق الذى كانت ليلى تستشعره وهى تحاول أن تقدم لى نييل بوصفه الرجل الذى تعتزم الزواج منه، وفى إطار ما كانت تعرفه بأننى كنت أتمنى بصورة أو أخرى أن تتزوج مصريّا، لكنها حصلت على موافقتى ودعائى بالسعادة؛ لأننى كنت مؤمنا بأننا جميعا من أسرة إنسانية واحدة، بغض النظر عن اختلاف الثقافات. وفى نفس هذا اليوم، كان سولانا ولاريجانى يلتقيان فى ڤيينا فى اجتماع وصفه لاريجانى فى ما بعد بأنه اجتماع إيجابى، باستثناء أن أمر وقف تخصيب اليورانيوم بقى العقبة الأساسية التى كان لاريجانى يعلم تماما صعوبة التعاطى معها نتيجة تخوف بعض الدوائر السياسية فى إيران من العقبات السياسية الدولية الكبيرة التى يمكن أن تواجههم إذا ما أرادوا استئناف عملهم فى دورة الوقود النووى بعد موافقتهم على وقف التخصيب. وفى ما بعد اقترحت، لتسهيل الأمر على لاريجانى، أن يكون الحديث عن وقف التخصيب فى سياق أوسع يشمل حصول إيران على مفاعلات طاقة للاستخدامات السلمية من الغرب، واحترام حقوق إيران وفقا لمعاهدة حظر الانتشار، أو أن يتم وقف التخصيب فعليّا دون الحاجة إلى الإعلان عنه. وكان من الواضح أنه يشعر بالإحباط ويحاول الوصول إلى حل مبتكر للمسألة، وقال إنه تحدث فى كثير من هذه الأمور مع سولانا. وأصر لاريجانى على أنه فى حالة موافقة إيران على تعليق أى أنشطة خاصة بدورة الوقود النووى، فإن الجهة الوحيدة التى ستقرر مدى التزام إيران بما يتم الاتفاق عليه من عدمه هى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرغم من مطالبات الأوروبيين بأن يكون للدول المتفاوضة رأى سياسى فى ما إذا كانت إيران قد حققت القدر اللازم من الثقة بها. ولكن لاريجانى لم يكن مستعدّا على الإطلاق لمناقشة هذا الأمر، وإن كان منفتحا على نقاش حول الأوضاع الإقليمية مثل العراق وأفغانستان ولبنان، وهو ما كان يرغب فيه الأوروبيون أيضا. من ناحيته، كان سولانا يريد أن يعرف ما قاله لى لاريجانى، وكان يعلم أن النتيجة التى وصل إليها غير مُرضية للأمريكيين. والحقيقة أن سولانا كان فى وضع صعب؛ لأن لديه ست دول تُلح عليه كلٌّ فى تفصيلة ما. وفى النهاية حاول سولانا أن يجمع الجميع حول قاسم مشترك كان بالضرورة أقل ما يمكن التفاوض عليه. ومن جانبى، اقترحت عليه إعادة صياغة المقترح المقدم إلى إيران بصورة أكثر إحكاما ليتركز حول عنصرين؛ أحدهما يتعلق بالبرنامج النووى لإيران وحقوقها وواجباتها القانونية ذات الصلة ومسألة وقف التخصيب. والثانى يتعلق بالالتزام بالتفاوض حول جملة من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، بما فى ذلك إعلان حُسن النوايا من جانب الأمريكيين بما يدل على أن إيران لن تواجَه بمحاولات لتغيير النظام فيها، أو استخدام القوة ضدها، وعرضت على سولانا تقديم أى مساعدة من ناحيتى قد يراها مفيدة. وفى التاسع عشر من سبتمبر، التقت رايس مع باقى وزراء خارجية مجموعة الست، وأخبرونى بأنهم سيمنحون إيران فرصة حتى أوائل أكتوبر للاتفاق حول كيفية وقف التخصيب كجزء من عملية التفاوض. وكان من المفترض أن تبدأ المحادثات دون الولايات المتحدة، وأن يتزامن وقف إيران للتخصيب مع وقف العقوبات المفروضة من مجلس الأمن، على أن يعقب ذلك دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط التفاوض. ورغم أن جريدة «الواشنطن بوست» قالت إن الأوروبيين بذلك يمنحون إيران مهلة للمرة الرابعة فى أربعة أشهر. وكان هذا صحيحا فى الواقع، إلا أن ذلك كان يرجع فى الحقيقة إلى عدم رغبة، أو عدم قدرة، أىٍّ من الطرفين بدرجة كافية على الوصول إلى حل وسط. ومع نهاية سبتمبر؛ خلال المؤتمر العام للوكالة، عقدتُ اجتماعا مع نائب الرئيس الإيرانى والمسؤول عن الطاقة النووية فى إيران غلام آغازاده؛ الذى كان الشخص الوحيد الذى عاصر الموضوع منذ بدايته الذى لا يزال باقيا فى منصبه على الجانب الإيرانى. ولم يكن الاجتماع سلسا، لأن آغازاده كان مستاء من أن تقارير الوكالة لم تعبر عن التقدير لتعاون بلاده معها عبر أربع سنوات، وهو ما اضطرنى إلى الرد عليه بالحديث عن التناقضات التى كثيرا ما شابت المواقف الإيرانية، والمعلومات المقدمة من قِبل طهران، فضلا عن الأسئلة المعلقة التى لا تزال دون إجابة. وعقب ذلك، بعث لى آغازاده بخطاب شخصى غريب، مشيرا إلى أنه يرسل لى هذا الخطاب بوصفه صديقا. وفى هذا الخطاب، أعرب المسؤول الإيرانى عن اعتقاده بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تعتزم أبدا إغلاق الملف الإيرانى، مشيرا إلى أن التعاون الإيرانى مع الوكالة قُوبل بمزيد من الأسئلة من قِبل مفتشى الوكالة. وقال آغازاده إننى لا أحظى بتقدير كبير فى أوساط القيادة الإيرانية، واختتم بأنه لا ينتظر منى ردّا على هذا الخطاب. ولم تكن لهجة الخطاب مبشرة بأى خير. |
#4
|
||||
|
||||
![]() سنوات الخداع (الحلقة 30 والأخيرة) تلقيت اتصالًا هاتفيًّا من لاريجانى، قال لى فيه إن الدول المتفاوضة لا تعرف كيف تسير الأمور على الساحة الداخلية فى إيران. فقد كان يواجه من الصعوبات فى التفاوض فى بلاده حول شكل مقبول لإيقاف التخصيب، مثلما كان يواجه مع سولانا وزملائه. وإن أقصى ما يمكن أن تلتزم به إيران هو الاقتصار على ما هو قائم من أنشطة التخصيب، وليس وقفًا تامًّا لهذه الأنشطة. وفى النهاية قال لى لاريجانى إنه يشعر بأن قوى التطرف هى مَن يحدد الخطوة القادمة. ومن نبرة صوته استشعرت بأنه يتحدث عن قوى التطرف فى واشنطن كما فى طهران.ومع مطلع أكتوبر، لم يقدم الإيرانيون ردًّا على العرض الغربى، وخشيت أن الرد الغربى سيكون بقرار جديد من مجلس الأمن، وهو ما سيستتبع رد فعل غاضبًا جديدًا من طهران، ولتجنب الانزلاق فى هذا المنحنى توجهت إلى واشنطن للقاء رايس وبوب جوزيف. وفى ذلك الوقت، كانت كوريا الشمالية قد أجرت أول اختبارات التفجيرات النووية، وبدا أن ذلك قد يكون خفف بعض الشىء من حدة الموقف الأمريكى إزاء طهران. وأوضحت أهمية أن يحرص القرار القادم من مجلس الأمن على تجنب استفزاز إيران أو إهانتها، بل ينبغى أن يكون محفزًا لها على المضى قدمًا فى اتجاه استئناف التفاوض، وهو الموقف الذى بدت رايس متفقة معه. وفى الوقت نفسه، اقترحت على رايس أن يبدأ حوار غير معلن بين واشنطن وطهران على قضايا إقليمية، مثل الوضع الأمنى فى العراق، على أمل أن يؤدى الحوار حول أمور ليست موضع خلاف كبير إلى تمهيد الطريق بين الأطراف الرئيسيين على نحو يسمح بتحقيق تقدم فى الملف النووى. وقد ذكرت لها أن لاريجانى وزملاءه على استعداد للدخول فى مثل هذا النقاش. لكن الأمر يتطلب أن توفد الولايات المتحدة شخصية ذات مستوى أعلى من سفيرها فى العراق، زلماى خليل زاد، لأن هذا الأخير ليس لديه الثقل الكافى فى نظر إيران. وأخبرت رايس أن إيران يمكن أن تقلقل الأوضاع فى الشرق الأوسط، وهو ما ردت عليه بأن ذلك حادث بالفعل، فذكّرتها بأن إيران بوسعها أن تقوم بأكثر مما تقوم به حاليا. وفى المحصلة النهائية، بدت رايس منفتحة على فكرة الحوار التى طرحتها. فى الوقت نفسه، وافقنى سولانا على أن أى عقوبات جديدة يتم فرضها من مجلس الأمن على إيران يجب أن تكون رمزية. ولكن مسودة القرار التى حصلت على نسخة منها من بعثة فرنسا فى ڤيينا، لم تكن أبدًا على هذه الصورة، بل بالعكس من ذلك كانت مسودة شديدة اللهجة، وبها إشارات إلى فرض حظر على سفر مسؤولين إيرانيين، وتجميد أرصدة إيران فى الخارج، وإيقاف أو الحد من المعونة الفنية التى تقدمها الوكالة إلى إيران، وفرض زيارات إلزامية لضمان الشفافية من قِبل مفتشى الوكالة. ولقد رأيت أن ذلك كله من شأنه أن يتسبب فى تعقيد الأمور وليس فى تسهيلها. وكان أبعد شىء نريده هو استفزاز إيران على نحو يدعوها إلى التعجيل ببرنامج التخصيب أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار. واتفق معى فى الرأى نائب وزير خارجية روسيا سيرجى كيسلياك، الذى قال لى إن هذه المسودة «غير مقبولة على الإطلاق» من قِبل روسيا. وأضاف أنه إذا ما كان الأوروبيون بصدد الإصرار على هذا القرار، فإن اللعبة ستختلف بالكامل، وهو القول الذى أعطانى انطباعًا بأن روسيا قد تستخدم الفيتو ضد هذا القرار. وفى النهاية، جاءت صيغة القرار مخففة بدرجة كبيرة، وأقره مجلس الأمن بالإجماع فى 23 ديسمبر، ولم تخرج معظم العقوبات كثيرًا عما كان المجلس قد سبق وفرضه على إيران، مثل الحظر على إمداد إيران بمواد وتكنولوجيا نووية، وتجميد أرصدة بعض الأفراد والشركات التى كانت تدعم برنامج التخصيب الإيرانى. وجاء رد فعل إيران معتدلًا أيضًا، حيث أعلن جواد ظريف مندوب إيران فى الأمم المتحدة، أن أمة بكاملها تتعرض للعقوبات لأنها تمارس حقوقًا غير قابلة للتصرف. كما صدر بيان عن الخارجية الإيرانية وصف هذا القرار بأنه متجاوز للصلاحيات القانونية المقررة لمجلس الأمن ومخالف لميثاق الأمم المتحدة. ولكن ما كان يقلقنى حقًّا هو تلك الإشارات من جانب طهران بأنه لم يعد هناك ما يدعو إيران لوقف التوسع فى برنامجها للتخصيب. وكان لدىَّ انطباع بأننا اقتربنا من نقطة اللا عودة، أو ربما على الأقل أن السقف السياسى لهذا الملف تم رفعه بصورة كبيرة جدًّا. كثيرًا ما سألنى البعض، سواء فى اللقاءات الوزارية أم اللقاءات غير الرسمية، عن رأيى والذى ليس للنشر حول حقيقة نوايا إيران النووية. والحقيقة أن ما كان لدىَّ هو تقدير يقوم على دراسة هذا الملف والخبرة بتطوراته. وهذا التقدير يأخذ فى الاعتبار أن إيران بدأت أبحاثها النووية فى أثناء حربها مع العراق، حيث كانت تحت تهديد بالغ لأمنها من جانب العراق، فقد قُتل وأصيب أكثر من مئة ألف إيرانى، بينهم الكثير من المدنيين كانوا ضحايا لاستخدام العراق الأسلحة الكيميائية. وربما كانت نيّة إيران فى ذلك الوقت تطوير سلاح نووى. لكن مع توقف الحرب واختلاف الأوضاع فى منتصف التسعينيات، ودخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خط التفتيش، ربما قررت إيران أن تكتفى بتطوير دورة الوقود النووى بحيث تظل دولة لا تمتلك سلاحًا نوويًّا اتساقًا مع كونها طرفًا فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ومع اعتقادى أن إيران لم تفصح بالكامل عن حقيقة بدايات برنامجها النووى، وأنه ربما كانت هناك مشاركة عسكرية فى شراء المواد النووية أو تجربتها. لكن اعتقادى كذلك أن ما لم تفصح به إيران ليس بالشىء الكبير. ولو أن الأمر كان على غير ذلك لكان الدليل عليه أكبر، ولكان إخفاؤه أكثر صعوبة. إضافة إلى ذلك، فإننى أظن أن الإيرانيين كانوا مستعدين أن يُفصحوا عن حقيقة بدايات البرنامج النووى فى المحادثات، مع مجموعة الست، وذلك فى نطاق صفقة شاملة وسيناريو متفق عليه مقدمًا، وفى هذا الوقت سيكون تركيز العالم على مستقبل إيران وليس على ماضيها. إلا أنه عندما انهارت المحادثات وتحول الاتجاه نحو المجابهة وجد الإيرانيون أنفسهم فى مأزق: فأى كشف عن انخراطهم فى برنامج نووى عسكرى مهما كان صغيرًا، أو مضى عليه الزمن يمكن أن يفسر فى هذه الظروف بأن إيران لا يمكن أن تكون محل ثقة. هذا من جهة، ولو أنهم من جهة أخرى امتنعوا عن إعطاء تفصيلات كاملة فإنهم سيكونون مستمرين فى ارتكاب خطيئة الإخفاء. وقد سُئلتُ كثيرًا كذلك حول قراءتى لإصرار إيران على القيام بتخصيب اليورانيوم رغم العقوبات والإدانة الغربية. وقراءتى للأمر أن البرنامج النووى، بما فيه التخصيب، هو بالنسبة إلى إيران وسيلة لتحقيق هدف يتعلق بالاعتراف بها كقوة إقليمية فى الشرق الأوسط، وهو ما يمكن أن يفتح الباب من وجهة نظر طهران لتحقيق صفقة كبرى مع الغرب، لأنه حتى لو لم تكن إيران تعتزم تطوير أسلحة نووية، فإن مجرد الحصول على كامل دورة الوقود النووى يرسل رسالة قوية إلى الغرب والدول المجاورة ويحصن إيران ضد أى اعتداء محتمل، أى أن الأمر كان يتعلق باتباع سياسة الردع وهى السياسة التى كانت محل توافق الساسة الإيرانيين، على الرغم من أى اختلافات قد تكون بينهم. وفى الإجمال، فلم يكن يبدو لى أن إيران كانت تريد أن تصبح كوريا شمالية أخرى أى دولة نووية منبوذة على المستوى الدولى، ولكنها كانت تطمح لأن تكون مثل اليابان أو البرازيل، دولة لديها القدرة التكنولوجية التى تستغلها فى إطار الالتزامات والواجبات المقررة فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مع قدرتها فى فترة قصيرة على تطوير أسلحة نووية إذا ما اقتضت الظروف السياسية ذلك. إن فهم الجدل الذى أُثير حول الملف الإيرانى النووى لا يمكن أن يتحقق دون نظرة أوسع إلى طبيعة الأوضاع الأمنية المضطربة فى الشرق الأوسط والأيديولوجيات المتنافسة بشدة فيه، خاصة بالنظر إلى الترسانة النووية التى تمتلكها إسرائيل وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضوًا فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فإن ذلك لم يَحُل دون الشعور بوجود اختلال فى ميزان القوى والأمن الإقليمى فى المنطقة. وبينما فشلت جهود التوصل إلى تسوية دبلوماسية حول الملف النووى الإيرانى، تمكنت إيران من تقوية موقفها كقوة إسلامية فاعلة فى المنطقة. واستغلت إيران التطورات والأزمات فى العراق، وأفغانستان، والمأساة الفلسطينية، والحرب اللبنانية فى عام 2006، ورفض الغرب لوقف إطلاق النار فيها وغيرها من التطورات لتقوّى الشعور السائد فى المنطقة بأن الغرب لديه انحياز ضد المسلمين. ولأن إيران كانت من الدول الإسلامية القليلة التى استطاعت الوقوف فى وجه الغرب فى تلك الفترة فإنه أصبح يُنظر إليها من جانب الكثير من المسلمين على أنها النصير الوحيد للحقوق المهدرة للشعوب الإسلامية. |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|