#1
|
|||
|
|||
الصراع العسكري على الجبهة البيزنطية في عصر الرسالة (دراسة تحليلية)
الدكتور رياض هاشم المقدمة استطاعت الدولة البيزنطية ولعدة قرون من الزمان أن تؤمن لنفسها حدوداً آمنة في الجنوب المتاخم لشمال جزيرة العرب. ولم تكن لأية حركة مهما كانت قوية أو ضعيفة داخل جزيرة العرب تدعو إلى قلق الدولة البيزنطية القوية. إذ لم تزل الدويلات العربية الضاربة على الحدود الجنوبية للدولة غير قادرة على مواجهة البيزنطيين وقوتهم العسكرية الضاربة كما أن القبائل العربية لم تزل على حالها في التنقل والترحال داخل الجزيرة ومنهمكة بحروبها الداخلية المقيتة. القائمة على الثأر والأخذ به أو الحصول على الماء والكلأ. ثم لم يشكلوا لدى الدولة البيزنطية أية مشكلة أو تهديد عسكري. أما القبائل العربية المتحضرة المستقرة في غرب شبه جزيرة العرب وجنوبها كانت تتمتع برخائها وانتعاش اقتصادها بسبب تجارتها مع الدولة البيزنطية. وعليه بقيت العلاقة بين الروم البيزنطيين والعرب علاقة غير متكافئة - عكس علاقة الروم مع الفرس الساسانيين- ولعدة قرون كانت دائماً لصالح الدولة البيزنطية. ولم يتجرأ عموم العرب طوال قرون عديدة على التحرش بحدود الدولة البيزنطية بسبب البطش الذي كانت تنزله بعموم القبائل العربية والتنكيل الذي كانت تمارسه بحق شيوخها وأمرائها (1) . على الرغم من شدة البطش والقسوة التي كانت تُمارس ضد العرب من الروم والفرس. كان هناك نوع من الافتخار والتغير الحضاري يدب في عموم جزيرة العرب في نهاية القرن الخامس ومطلع القرن السادس الميلاديين. حتى غدا المسرح العربي الذي تضطرب فيه الأمواج من كل حدب وصوب على أهبة الاستعداد لولادة عربية جديدة تغير وجه التاريخ وتدين بدين التوحيد وتدعو هذه الأمة إلى دين الإسلام وتحقيق عالميته. التمهيد تأتي هذه الدراسة الأكاديمية محاولة من الباحث لمناقشة مسألة في غاية الأهمية. وهي طبيعة العلاقات العسكرية والسياسية التي كانت سائدة ما بين دولة الإسلام في المدينة التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم في مدينة يثرب بعد نجاح هجرته إليها. وبين أقوى قوة عسكرية سياسية والتي استعمرت البلاد العربية لقرون عدة وجعلتها جزءاً من إمبراطورتيها البيزنطية. وعاملت سكانها معاملة سيئة وعملت على الاستحواذ على خيراتها الغزيرة ومواردها العظيمة وطاقاتها الهائلة لصالح ماكنتها العسكرية وأباطرتها وكنيستها. ومما لاشك فيه جاءت هذه السيطرة على هذا الجزء من البلاد العربية بسبب التشرذم والتمزق العربي وتضارب المصالح الفردية وغياب القيادة السياسية العربية القادرة على فرض الوحدة وتحقيقها. ولقد استثمرت الدولة البيزنطية هذا التضارب في المصالح وعملت على ترسيخ التمزق العربي فأوجدت كيانات عربية سياسية ضعيفة حليفة لها وتعمل لصالحها مثل دويلات كندة وتدمر والأنباط والغساسنة (2) وجعلت من هذه الدويلات حاجزاً يقيها غارات البدو وغيرهم. إن ما قامت به الدولة البيزنطية من تمزيق للجهد العربي شمال الجزيرة العربية ساعدها كثيراً على حماية نفسها من أية محاولة لتحقيق الوحدة بين القبائل العربية وبالتالي أمكنها من ضرب العرب بعضهم ببعض ومكنها هذا الوضع كذلك من أن تنشئ حاميات عسكرية رومية لضرب أية محاولة عربية للتحرير أو التمرد أو شق عصا الطاعة عليها. وبذلك كانت علاقة الروم البيزنطيين بالعرب علاقة غير متكافئة من حيث ان الدولة البيزنطية بقوتها العسكرية الضاربة وعمقها الاستراتيجي مكنها من ان تنزل اشد العقاب بالدويلات العربية المتمردة وبالقبائل العربية البدوية التي كانت تحاول اختراق حدودها من الجنوب. كما مكنت هذه الحاميات أيضاً من ان تمارس الإرهاب والقتل والتنكيل بالقيادات العربية التي حاولت الخروج عن سطوتها وسلطانها. ثم إن الدولة البيزنطية كانت تعد علاقاتها بالعرب مسألة من مسائل الاطراف فحسب لا مصدراً خطيراً من مصادر التهديد المباشر كالدولة الفارسية التي كانت تمثل الخطر الشرقي الحقيقي عندهم (3). الهدف من الدراسة 1 - إن الهدف من هذه الدراسة العلمية هو تسليط الضوء على حالة من حالات التاريخ العربي الإسلامي في عصر الرسالة، والتي تميزت بصراع سياسي وعسكري على الجبهة البيزنطية الإسلامية في عصر الرسالة خاصة، والتي تميز ما بين الحوارات السلمية والمجابهة العسكرية المباشرة. 2 - كما ان هذه الدراسة جاءت لبيان الموقف العربي الإسلامي في عصر الرسالة وما بعدها من هذه القوة الغاشمة التي فرضت سيادتها على العرب لما يزيد على عدة قرون قبل فجر الإسلام. وان الأمة الإسلامية وجدت في عقيدة التوحيد والتمسك بالإسلام هو المنقذ الوحيد للقضاء على آثام وشرور هذه الدولة المستبدة فكان الصراع على قدم وساق. 3 - وهذه الدراسة تقدم لطالب العلم الأسس والقواعد التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الروم وقادتهم وحلفائهم، على وجه الخصوص لان احتكاك المسلمين بالروم كان مباشراً لمتاخمة الحدود معهم، على عكس الفرس الذي كان احتكاكهم بالمسلمين ودولتهم محدوداً نوعاً ما. خطة الدراسة تقوم خطة العمل على تقسيم الدراسة إلى عدة مباحث أو فقرات محاولين البدء بالحديث عن طبيعة العلاقات ما بين دولة المدينة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في يثرب ودولة الروم في الفترة المكية، ثم الانتقال بالحديث عن العلاقة في الفترة المدنية تلك الفترة التي تخللتها مراسلات سلمية ثم انتقلت إلى صراع عسكري حامي بين الطرفين. ثم عرض شامل لأهم الوقائع العسكرية التي حدثت ما بين الدولتين ابتداءً من دومة الجندل ثم ذات اطلاح ثم مؤتة فذات السلاسل ثم تبوك فبعث أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه. مع بيان الأسباب التي دعت إلى قيام تلك الوقائع ثم النتائج المترتبة عليها من مخالفات أو معاهدات. أولاً: طبيعة العلاقات العربية البيزنطية في المرحلة المكية للدعوة بدايةً لم تشكل علاقة الدولة البيزنطية بالدعوة الإسلامية في المرحلة المكية أي خطر على مصالح الدولة البيزنطية وهذا طبيعي جداً. لان الدعوة كانت في مرحلة التكوين والنشأة. لذا فإنها لم تشكل أي خطر على مصالح الدول المجاورة لها. بل على العكس كانت الدعوة وصاحبها في مكة مضطهدين من قبل كفار مكة عموماً. ولا نتفق مع ما قيل من ان الروم البيزنطيين أرسلوا قوة عسكرية من الجنود الرومان إلى بحيرا الراهب تبحث عنده عن النبي المنتظر الذي من المقدر له ان يخرج ويظهر في هذا الزمن فتذكر المصادر «فلم تبقَ طريقاً إلا بعث إليها ناس للقبض عليه، فجادلهم بحيرا حتى أقنعهم بالعودة إلى بلادهم في حين طلب من أبي طالب الإسراع بالعودة إلى مكة خشية افتضاح أمر محمد النبي المنتظر» (4). وإذا ما عرضنا هذه الرواية إلى النقد والتحليل فإنها لا تقوى على الصعود وبالأخص إذا ما عرفنا أنها رواية موضوعة وإنها تضاهي ما ذكره (الانجيليون) من ان أناساً طلبوا السيد المسيح عقب ولادته لقتله وهي عند النصارى تضاهي ما عند الوثنيين من ان بوذا لما وضعته أمه طلبه الأعداء ليقتلوه. وعموماً فان مسالة الدعوة في عهدها المكي لم تشكل خطراً على أية دولة كانت قائمة آنذاك بسبب كونها محاصرة من قبل المناوئين لها من كفار مكة وغيرهم والتي كانت حينذاك تشكل خطراً على الشرك والوثنية وزعمائها في عموم جزيرة العرب فقط وليس خارج الجزيرة. ثانياً: طبيعة العلاقات العربية البيزنطية في المرحلة المدنية للدعوة إن الحقبة المدنية التي خلفت الحقبة المكية أصبحت غنية بالروايات والأحداث التي تلقي ضوءاً شاملاً على طبيعة العلاقات بين الطرفين لاسيما وان الإسلام كان قد تمكن آنذاك من بناء دولته التي تتجاوز في سياستها وعلاقاتها الحدود الإقليمية والقومية صوب العالم المحيط حيث تقع الدولة البيزنطية وحلفائها العرب وهم محسوبون جميعاً على المعسكر النصراني ومنتمون إليه جداً وإخلاصاً أو هزلاً واكتساباً (5). انشغل الرسول صلى الله عليه وسلم بداية هجرته إلى المدينة طوال وقته في تثبيت أسس دولته الإسلامية وعمل في الداخل على وضع دستور لتحديد طبيعة العلاقات الداخلية بين سكان المدينة وخارجها. ولتوضيح أسس العمل في مجابهة القوى الوثنية واليهودية والمنافقين، وتأمين حدود الدولة الخارجية ضمن محيطها، ولم يكن الامتداد الجغرافي لهذه الدولة الناشئة الفتية قد بلغ الحد التي يستفز جارتها الدولة البيزنطية ثم حلفاءها العرب النصارى ويدفعهم إلى إثارة المشاكل في طريق الإسلام وحكومته. وكان للسياسة العسكرية للرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة الوثنية وحليفتها القوى اليهودية في المدينة وأطرافها واتساع نفوذ دولة الإسلام شمالاً ووصولاً إلى قبائل الشمال قد أدى إلى إثارة الدولة البيزنطية عليها والتحسب لها. وفيما يلي سنحاول استعراض لأهم الأحداث السياسية والعسكرية على جانب الدولة البيزنطية مبتدئين بأول عمل سياسي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إرسال رسالة إلى هرقل ملك الروم والتي يشعره فيها بان هناك قوة سياسية عسكرية بإمكانها النيل من الدولة البيزنطية. ولقد أورد الإمام البخاري رحمه الله في "صحيحه" نص الرسالة مع نص الحوار الذي دار مع أبي سفيان زعيم كفار مكة آنذاك جاء في هذه الرسالة له «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فاني ادعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين (6) فان توليت فان عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون» (7). ويفصل لنا الإمام البخاري نص الحوار الذي دار ما بين هرقل ملك الروم وأبي سفيان في قصره حيث أجاب أبو سفيان على جميع تساؤلات هرقل (8) ويقول أبو سفيان: «فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا. فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر ابن أبي كبشة (9) إنه يخافهُ ملك بني الأصفر فما زلت موقناً انه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام» (10). وفي رواية أخرى يحدثنا الإمام البخاري عن تفاصيل هذه العلاقة فيقول: «ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وانه نبي. فإذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت. ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وان يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت» (11). «فلما رأى هرقل نفرتهم. وآيس من الإيمان. قال: ردوهم علي. وقال: إني قلت مقالتي آنفاً اختبر بها شدتكم على دينكم. فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان هذا آخر شأن هرقل» (12). ويبدو أن احتفاء هرقل ملك الروم النصراني المصطنع بسفير رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع حاشيته إلى الهياج والتذمر. وكما هو معلوم ان هرقل رجل دولة سياسي وأمْرُ الدين لا يعنيه بقدر ما يعنيه دعم ملكه وثباته لاسيما ان الخلافات آنذاك حول طبيعة السيد المسيح (عليه السلام) كانت على أشدها. فما فعله كان عبارة عن حركة سياسية الغرض منها جمع المذاهب المتباينة وجمع الكنائس المتخاصمة على مذهب واحد. فكلام هرقل في الإلهيات ليس غريباً عليه. والتقريب بين وجهات النظر الدينية لمصلحته ومصلحة دولته. وعليه نرى أن القيصر بذكائه السياسي ولباقته استدعى سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاول أن يوهمه انه قد دخل الإسلام. ثم أعطاه قدراً من الدنانير وصرفه وعاد سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر قيصر فقال الرسول عليه الصلاة والسلام «كذب عدو الله ليس بمسلم وأمر بالدنانير فوزعت على الفقراء» (13). وأما السفارة الثانية: فكانت لأحد أمراء الدولة البيزنطية وهو المنذر بن الحارث أبي شمر الغساني أمير دمشق. حيث حمل سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب رضي الله عنه رسالة النبي إليه والتي جاء فيها «سلام على من اتبع الهدى وآمن به، اني ادعوك ان تؤمن بالله لا شريك له، يبقى لك ملكك» (14) فرد الأمير الغساني غاضباً من ينزع مني ملكي، أنا سائر إليه ولو كان باليمن. وأمر بإعداد الخيول والرجال. ثم قال لسفير الرسول صلى الله عليه وسلم اخبر صاحبك ما ترى. كما كتب إلى قيصر سيده يطلعه على مجريات الأمور وما اعتزم عمله فكتب إليه قيصر: «ألا تفعل ووافني بايليأ»(15). إن المراسلات التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم مع زعماء وقادة الدولة البيزنطية جاء كبداية لحملة إعلامية مكثفة على نطاق دولي للتأكيد على أن الإسلام ليس دين العرب بل هو دين سماوي جاء للإنسانية جمعاء. فهو نداء دولي إلى السلطات الحاكمة لإشعارها بضرورة الاستجابة لهذه الدعوة والسماح لدعاتها بالعمل بنشر التوحيد والدعوة إلى الإسلام وإخراج الناس من عبادة الملوك والأوثان إلى عبادة الله الواحد. وقد عدت هذه السفارت عملاً رائعاً من أعمال الدبلوماسية وكانت أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان الذي لم يذهب عبثاً. ومن المؤكد ان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أرسل إلى زعماء وقادة الروم بهذه السفارات لم يكن يتوقع ابداً ان يلبي هؤلاء دعوته وهو ما يزال يكافح في نشرها بين قومه وعشيرته وقبيلته بيد ان إرسال هذه السفارات في حينها يعد عملاً متمماً للدعوة الإسلامية في جزيرة العرب. مما سبق عرضه آنفاً أدت هذه المرسلات إلى إشعار الدولة البيزنطية ملكاً وقيادة سياسية ودينية وعسكرية إلى ان هناك دولة عربية وإسلامية تدين بعقيدة التوحيد ويقودها نبي مرسل من الله عز وجل بإمكانها الوصول إلى عمق معاقل دولتهم فيجب ان يحسب لها حساباً في المستقبل القريب. ولما كانت هذه الدولة الصليبية بزعاماتها كافة غير مبالية بجارتها الدولة الفتية كان لابد من التحرك عسكرياً ولو حتى استعراضياً لإشعارها بقوتها وقدرتها وإنها قادرة على تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والدينية فكانت: غزوة دومة الجندل إن الإمبراطور البيزنطي وكبار قادته تصوروا أمر دولة الإسلام في المدينة على انه مجرد اندفاع قبلي كبير صوب الشمال، أو محاولة إمارة عربية ناشئة تحاول توسيع رقعتها الجغرافية كما كانت تفعل إمارة (كندة) أو (تدمر) أو غيرهما. ورأوا أنه بإمكان حلفائهم العرب ان يكفوا الدولة البيزنطية عناء وقف هذا الامتداد. وصد هذه الإمارة على الامتداد شمالاً مما يؤكد هذا الاعتقاد قيام اكبدر عبد الملك الكندي زعيم قبائل دومة الجندل إلى التجمع والتهيؤ لزحف سريع لضرب المسلمين في عقر دارهم. إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اخذ زمام المبادرة وتحرك صوب الشمال في ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة على رأس ألف (16)من الصحابة من المهاجرين والأنصار معتمداً أسلوب المباغتة واستخدام مبدأ (اضرب قبل ان تُضرَب) ولكي يحقق هدفه اخذ هدفه يسير بأصحابه ليلاً ويكمن نهاراً، حتى اقترب من هدفه فجعلت القبائل العربية القاطنة هناك تهرب مسرعة لا تلوي على شيء. ومن هناك أخذ عليه الصلاة والسلام يرسل سراياه في عموم منطقة دومة الجندل وبعد أن مكث فيها عدة ليال قفل عائداً إلى المدينة دون ان يلقى من العدو كيداً. وهكذا عدت غزوة دومة الجندل أول حلقة من حلقات الصراع العسكري المباشر مع الدولة البيزنطية وحلفاءها من القبائل العربية المنتصرة والتي كان لها ابلغ الاثر في خلق جو جديد يقوم على التعامل بالند فهذا الواقدي يحدثنا عن ذلك بقولهِ: «إن بعض الصحابة قالوا له وهو بصدد مهاجمة دومة الجندل: أنها طرف من أفواه الشام فلو دونت لها فكان ذلك مما يفزع قيصر» (17). إن قراءة دقيقة لهذا النص توضح لنا بجلاء نوع العلاقة التي كانت سائدة بين العرب والروم. وهي علاقة تقوم على الخوف الشديد من الروم الذين كانوا يمارسون البطش والقتل ضد سائر العرب عند محاولتهم مجرد التحرش بالحدود الجنوبية لدولتهم. وقد برز هذا الخوف واضحاً في كل محاولة يقوم بها الرسول صلى الله عليه وسلم في حالة تعرضه لمصالح الدولة البيزنطية. حيث وجدنا إن بعض الصحابة يحذرون من فداحة التعرض للدولة البيزنطية ومصالحها. ولهذا انصبت محاولات الرسول صلى الله عليه وسلم على إعادة الثقة في العربي المسلم وذلك بتحقيق الوحدة للأمة وتحويل الولاء للدم إلى ولاء للدين (ولله وحده لا شريك له) عندها يكون بمقدور الأمة مواجهة الروم وغيرهم. طالما كانت هذه القوى كافرة لا تدين بالتوحيد فهي اضعف من ان تقوى على مواجهة العرب المسلمين المتحدين تحت راية ((لا اله إلا الله محمد رسول الله)) ومن أجل تحقيق ذلك كان لابد للرسول صلى الله عليه وسلم من العمل على إحداث تعرضات وتحرشات ومواجهات غير دامية في البداية على الأقل على حدود دولة الروم الجنوبية الهدف منها خلق وعي حقيقي لدى العرب المسلمين بإمكانية تحقيق النصر على أي قوى لا تدين بدين الإسلام. على الرغم من ذلك لم تكن سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم تقوم على المواجهة العسكرية ضد القوى الموالية للروم من العرب. بل اتبع عليه الصلاة والسلام معهم سياسة الترغيب والترهيب. فلم يمض على غزوة دومة الجندل عام حتى أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف في السنة السادسة لقتال قبيلة كلب النصرانية. وقال لعبد الرحمن «اغز باسم الله وفي سبيله، فقاتل من كفر بالله لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً» (18)، وتعميقاً لتحقيق الوحدة العربية الإسلامية وتحويل ولاء هذه القبائل إلى الإسلام. طلب عليه الصلاة والسلام من عبد الرحمن ان يتزوج ابنة ملكهم النصراني ان استجابوا لذلك تعزيزاً للعلاقات بين الطرفين وكسباً لود هذه القبيلة الموالية للدولة البيزنطية. فتقدم عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل ومكث فيها ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فاسلم الاصبغ بن عمرو الكعبي أميرهم واسلم معه أناس كثيرون من قومه في حين وافق القسم الآخر على دفع الجزية والبقاء على نصرانيته. ونفذ الأمير عبد الرحمن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج بتماضر ابنة الاصبغ وقدم بها إلى المدينة (19). ويبدو أن علاقة الدولة العربية الإسلامية بالدولة البيزنطية قد حظيت باهتمام كبير من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث انه كان يقوم باستمرار بإرسال السرايا والبعوث للاحتكاك بالحدود الجنوبية لهذه الدولة مشعراً ملكها وقادتها بقوة الدولة الناشئة جنوباً وانه لها القدرة على المنازلة متى شاءت وقتما تريد فكانت سرية ذات اطلاح: يبدو أن الروم البيزنطيين وحلفاءهم من متنصرة العرب الموالين لهم كانوا قد قرروا العمل بكل وسيلة على منع دخول دعاة الإسلام إلى أراضيهم لذا تصدوا للسرية التي ابتعثها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أراضيهم في ذات اطلاح بقيادة كعب بن عمير في شهر ربيع الأول في السنة الثانية للهجرة لنشر الإسلام بين أهلها (20). يحدثنا الواقدي عن هذه السرية بقوله: «ان أفراد هذه السرية كان عددهم خمسة عشر رجلاً قد انتهوا إلى ذات اطلاح من ارض الشام فوجدوا فيها جمعاً من جمعهم كثير فدعوهم إلى الإسلام. فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل. فلما رأى ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوهم اشد القتال حتى قتلوا. فأفلت منهم رجل جريح من القتلى حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره الخبر فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بالبعث اليهم»(21). إن هذا الاعتداء على دعاة الإسلام وقتلهم من قبل حلفاء الروم قد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر بإرسال حملة عسكرية قوية للرد على هذا العدوان السافر. ثم أنها محاولة جدية لخلق الثقة في نفوس المقاتلين وبقدرتهم على مقارعة الروم وقتالهم فضلاً عن عوامل أخرى فكانت حملة مؤتة للرد على هذا العمل الغادر بقتل سفير الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم على يد ملك بُصرى شرحبيل بن عمرو الغساني. إن هذه المواقف التي اتخذها أمراء العرب من حلفاء الروم فضلاً عما حصل في ذات اطلاح دفعت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يتخذ قراراً سريعاً بضرب وتأديب القبائل العربية الموالية للروم في شمال الجزيرة العربية. فجهز جيشاً عُد في تلك المرحلة كبيراً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل وولى قيادته ثلاثة من ابرز قواده في مقدمتهم زيد بن حارثة رضي الله عنه (22) ومعه قائدين احتياطيين، هما جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه يتوليان الأمر احدهما بعد الآخر في حالة استشهاد القائد الأول. إن اختيار ثلاثة قواد لهذه الغزوة من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يدل على أنها محاولة عسكرية تعرضية تقوم الدولة الإسلامية بها خارج حدود دولتها. وكان الهدف من هذه الغزوة هو تأديب القبائل العربية الموالية للروم وإشعارها بقوة الدولة المجاورة لهما وقدرتها على ردع العدوان. ولأهمية تلك الحملة، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مودعاً رجالها وقادتها وعندما بلغ ثنية الوداع وقف والناس حوله فقال لهم: «أغزو باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالاً في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم وستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيف، ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً مرضعاً ولا كبيراً فانياً ولا تغرقن نخلاً ولا تقطعن شجراً ولا تهدموا بيتاً» (23). تحركت الحملة متجهة إلى الشمال حيث حدود الدولة البيزنطية وبعد عدة أيام بلغت مدينة معان جنوب الأردن حالياً. فعسكرت فيها وبلغ هرقل ملك الروم هذا التحرك الإسلامي فتوجه بقواته التي بلغت مائة ألف مقاتل من الروم وعسكر في مآب من ارض البلقاء وولى قيادة جيشه القائد الروماني ثيودوس (24). وفي مآب التحقت بالجيوش البيزنطية فلول القبائل العربية الموالية للروم من لخم وبلقين وبهراء وجذام وبلى وقائدهم شرحبيل بن عمرو الغساني. وذهبت المصادر إلى ان عددهم أصبح بحدود مائة ألف كذلك. ومما لاشك فيه ان هذه الأرقام مبالغ فيها إلى حدٍ ما. وجاءت هذه المبالغة بسبب ما أعقب المعركة من انسحاب المسلمين منها فلكي يبرر هذا الانسحاب جعلوا قوات الروم والعرب الموالية لهم أضعاف عدد المسلمين بشكل كبير. تحدثنا المصادر: «إن القوات الإسلامية ظلت معسكرة في معان لليلتين يتدبرون أمرهم وقد ترددوا في خوض المعركة أمام هذا الحشد الكبير بالقياس إلى قوتهم وفكروا ان يكتبوا للرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر. إلا ان عبد الله بن رواحة احد القادة المنتدبين لقيادة هذه الحملة اندفع فراح ينادي أصحابه ويشجعهم على القتال وهو يقول لهم: إننا جئنا نطلب إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة (25) فأجابه المسلمون إلى ذلك ودخلوا في القتال فاستجابة لهذا الحماس الشديد انطلق زيد بن حارثة رضي الله عنه بقواته من معان شمالاً حتى بلغوا تخوم البلقاء حيث لقيتهم جموع الروم وحلفاؤهم في قرية من قرى البلقاء تدعى (شارف) فانحازوا صوب قرية (مؤتة) وهناك عبؤوا أنفسهم فجعلوا على ميمنتهم قطبة بن قتادة رضي الله عنه من بني عذرة وعلى ميسرتهم عباية بن مالك الأنصاري رضي الله عنه وبدأ القتال وانطلق زيد رضي الله عنه براية الرسول صلى الله عليه وسلم يقاتل في سبيل الله ببسالة فريدة حتى استشهد رضي الله عنه ثم قاتل، جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قتل شهيداً ثم خلفهُ عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الذي دخل المعركة وهو ينشد الأشعار الحماسية حتى مات شهيداً (26). وقبل أن تسقط راية الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها رجل من المقاتلين يدعى ثابت بن اقرم ونادى: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم. قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل. فتشاوروا واتفقوا على تسليم القيادة لخالد بن الوليد رضي الله عنه، فجعل خالد هدفه الانسحاب بالمسلمين ليمنع عنهم مزيداً من القتل فلا تكون نتيجة المعركة لغير صالح المسلمين لذا بدأ يعمل على تحقيق هدفه فرسم خطة سعى فيها إلى إيهام العدو بان المسلمين لا زالوا أقوياء فدفع مقدمتهم إلى مناوشة العدو وأجرى تغيرات في مواقع جندة بين ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة وأرسل خلف الجيش عدداً من الرجال والخيول ليحدثوا جلبة شديدة ويثيروا النقع ليوهموا العدو إن مدداً قد جاء ليساند المسلمين. وما ان حل الظلام حتى انسحب من الميدان واخذ طريقه جنوباً محققاً هدفه بإنقاذ المسلمين من أية محاولة تعرضية يقوم بها العدو للنيل منهم». لقد اختلفت الروايات التاريخية في تقرير عدد من استشهد من المسلمين في يوم مؤتة فيرى الواقدي أنهم كانوا ثمانية شهداء(27). في حين يذكرهم ابن هشام باثني عشر شهيداً (28) وأياً كان الرقم الصحيح فان الحصيلة لا تتناسب ابداً مع ما ذكرته تلك المصادر عن عدد قوات العدو وقوات المسلمين(29). قد يظن البعض ان ما حصل في مؤتة كان هزيمة للجهود التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبذلها لنشر الإسلام شمالاً صوب القبائل العربية الموالية للروم آنذاك. قد يبدو الامر هكذا لاول وهلة ولكن من منظور آخر نرى أن هذه الحملة كانت في حقيقتها بداية لرسم الخطوط المستقبلية لعمل الدعاة المسلمين شمالاً فهي محاولة جدية لكسر هاجس الخوف الذي كان يملأ قلوب العرب عند التحرش بالروم أو الفرس ثم انها محاولة للاطلاع على الطريق الذي يصل ما بين الدولة جنوباً وهذه القبائل شمالاً كما أنها محاولة للاطلاع على أسلوب القتال والمنازلة لدى الروم وحلفائهم. وهي محاولة لإعلان عالمية الدعوة وليس خصوصيتها بالعرب دون سواهم فنتائجها اذن عظيمة ومهمة لصالح الدولة والمسلمين وليست خسارة أو كما صورها بعض الباحثين المعاصرين فاجعة حلت بالمسلمين(30)، بل هي نصر كبير حققه المسلمين لعملياتهم العسكرية المستقبلية، فكانت سرية ذات السلاسل: سرية ذات السلاسل وبعد عدة أشهر من عودة المسلمين من مؤتة قام الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال حملة عسكرية إلى الشمال مؤلفة من ثلاثمائة مقاتل بقيادة عمرو بن العاص لمهاجمة بعض القبائل العربية المنتصرة والتي قاتلت ضد المسلمين في مؤتة في منطقة ذات السلاسل. ثم ألحقها بمدد مؤلف من مئتي مقاتل بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه فأصبح عدد رجال هذه الحملة خمسمائة مقاتل(31) ويحدثنا الواقدي عن هذه الحملة بقوله: «فسار بهم عمرو بن العاص رضي الله عنه الليل والنهار حتى وطئ بلاد بلى ودوخها. وكلما انتهى إلى موضع بلغه انهُ كان بهذا الموضع جمع. فلما سمعوا بهِ تفرقوا حتى انتهوا إلى أقصى بلاد بلى وعذره وبلقين»(32)ثم قفل رضي الله عنه عائداً بقواته ظافراً محققاً هدف الدولة من هذه الحملة العسكرية. من خلال هذا التحرك العسكري السريع والمباغت على الجبهة الشمالية للدولة استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشعر القبائل العربية المتواجدة هناك والقريبة من بلاد الشام بوجود دولة فتية قادرة على التحرك وبسرعة لضرب كل القوى المعادية لها والتي تحول بينها وبين تحقيق أهدافها في نشر الإسلام والتوحيد. ومما لاشك فيهِ ان هذه القوة تعززت بعد الإنجاز الكبير الذي حققه الرسول صلى الله عليه وسلم في بسط سيادته على مكة وإسقاط أقوى قاعدة في الجزيرة العربية للشرك والوثنية. غزوة تبوك واستمراراً في نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضغط على القبائل العربية في الشمال والموالية للروم، وللحيلولة دون استخدامها من قبل الروم للقيام بأي تحرك عسكري ضد دولة المدينة ولقطع تحالفاتها مع المنافقين في المدينة أمر بالتهيؤ إلى تبوك في عام شديد العسرة والحر والشدة لاسيما بعد ورود أنباء عن قيام تحالف جديد لضرب المدينة من قبل الروم والقبائل العربية النصرانية والمنافقين، يُحدثنا عن هذا التحرك العلامة ابن كثير فيقول: «ذهب أبو عامر إلى هرقل ملك الروم يستنصرهُ على النبي صلى الله عليه وسلم فوعدهُ ومناه وأقام عندهُ وكتب إلى جماعة من قومهِ من (الأوس والخزرج) من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم انهُ سيقدم بجيش يقابل بهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبهُ ويردهُ عما هو عليه» (33). ويضيف ابن قيم الجوزية أن أبو عامر الفاسق أرسل إلى أتباعهِ في المدينة يقول لهم: «ابنو مسجدكم واستخدموا ما استطعتم من قوة ومن سلاح فإني ذاهب إلى قيصر الروم فأتي بجند الروم. فاخرج محمداً وأصحابه»(34) كما ان عيون الرسول صلى الله عليه وسلم المنتشرة شمالاً أبلغته بتحركات يعتزم من خلالها الروم وحلفاؤهم العرب من لخم وجذام وغسان وعامله القيام بها ضد دولة الإسلام في المدينة. وهكذا اتضحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خيوط التحرك لضرب المسلمين في عُقرِ دارهم من قبل الروم وحلفائهم شمالاً والمنافقين واليهود من الداخل وكان من مصلحة الدولة البيزنطية التحرك سريعاً للإجهاض على هذه الدولة الناشئة التي بدأت تثير لها العديد من المشاكل وبالأخص مع حلفائها الذين أصبحوا عاجزين تماماً عن الدفاع عن أنفسهم ضد تحركات دولة المدينة ومقاتليها. لذا جاء التحرك البيزنطي لمساندة ابي عامر الفاسق الذي قد يعد راعياً لمصالحها العربية واليد الضاربة لتحركات القبائل ذات العلاقات المعتدلة مع دولة المدينة والتي تنشد الاستقلال والتحرر من السيطرة الأجنبية. ومن أجل ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ للغزو في نهاية السنة الثامنة للهجرة(35) في موسم الصيف والحر والبلاد تعاني جدباً والطريق طويل والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص لقطع آلاف الأميال عبر الصحراء. وقتال قوم من سادة الدنيا آنذاك. غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفوق التحديات ويتجاوز المصاعب لان السكوت على تحركات الروم واستخدام المنافقين كأداة فعالة بأيديهم معناه الاندحار الكامل للدولة الناشئة. فلا بد إذن من التحرك بسرعة كبيرة وتولي زمام المبادرة والانطلاق عبر المتاعب والمصاعب للرد على هذا التحدي الجديد. المتمثل بالروم وحلفائهم من نصارى العرب والمنافقين. من المعروف أن سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية تعتمد على الكتمان والسرية المطلقة وعدم إعلان وجهته التي يروم الخروج إليها. بل إنه كان غالباً ما يعلن عن أهدافه غير التي يريد قصدها إلا في هذه الغزوة فقد أعلن دون مواربة أن هدف حملته فيها هو محاربة الروم وحلفائهم أينما كانوا وبين عليهِ الصلاة والسلام بعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو ليتأهبوا لذلك أهبتهم(36) وأمر بالتجهيز وأرسل إلى مكة والى قبائل العرب يستنصرهم، وحض الأغنياء على النفقة في سبيل الله وتهيئة الدواب التي ستنقل المسلمين إلى الشمال وبعد استكمال جميع الإجراءات تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب بأكبر قوة عسكرية خرج بها لحد الآن. حيث بلغ المسلمين حوالي ثلاثين ألفاً يصحبه عشرة آلاف فارس. مستخلفاً على المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه(37) ودافعاً لواءهُ الأعظم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورايته إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه (38). لقد عانت هذه الحملة منذ أن أوعز الرسول صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لها محاولات عديدة من قبل المنافقين واليهود في المدينة للحيلولة دون خروجها وقد بدا ذلك جلياً من خلال التحركات التي قام بها نفر من اليهود والمنافقين من اجل تثبيط كثير من الناس عن المشاركة في هذه الحملة. ويبدو أن هذه التحركات كانت مقصودة والهدف منها واضح هو إعاقة أي تقدم عسكري ضد الروم ويحدثنا ابن هشام عن هذا الدور فيقول: «إن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي. وكان بيته عند جاسوم يثبطون الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فبعث اليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره أن يحرق بيت سويلم»(39)وقد كشف القران الكريم أساليبهم هذه فقال تعالى: وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يعلمون فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون (40). إضافة إلى ذلك يحدثنا الواقدي عن بعض من هذه الأعذار فيقول: «جاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير علة فأذن لهم»(41) ويضيف قائلاً «وقد بلغت أعذار البعض منهم حداً يثير السخرية»(42). جاءت هذه الأعذار من اجل خلق الخوف والتوتر والارتباك في صفوف المسلمين المقاتلين المتوجهين لقتال الروم وحلفائهم وإمعاناً منهم في بث روح عدم الثقة والخوف من الروم وتحقيقاً لأهدافهم بدؤوا يتخلفون في الطريق عائدين إلى المدينة تحت هذه الذرائع الفاسدة وبلغ عدد من تخلف منهم بضعة وثمانين رجلاً (43) والأمر عندهم لم ينتهي بذلك بل راحوا يقولون وهم يتخلفون: «أيغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد ما لا قِبَل له أيحسب محمد ان قتال بني الأصفر اللعب»(44). ويبدو أن قسماً آخر منهم يقدر ببضعة عشر رجلاً، قرروا مواصلة السير مع الرسول صلى الله عليه وسلم لتنفيذ المهام التي أوكلت إليهم وهي اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم من كل هذه المعلومات نجح الرسول صلى الله عليه وسلم بفضل سياسته وإيمان أصحابه بالاستمرار في مسيرتهم نحو تحقيق أهدافهم على الرغم من الأهوال التي رافقت سفرهم فلقد عانوا العطش الشديد والجوع والحر وقلة وسائل الركوب وبُعد الطريق فهذا الإمام ابن كثير يحدثنا عن معاناة المسلمين في هذه الغزوة المباركة نقلاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه:«انه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن شان ساعة العسرة فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلاً وأصابنا عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى ان الرجل لينحر بعيرهُ فيعتصر فرشه فيشربه ثم يجعل ما بقى على كبده»(45). على الرغم من هذه الظروف الصعبة والقاسية والتي رافقت هذه الحملة تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الوصول إلى هدفهم في أقصى الشمال. غير أن الروم وحلفاءهم آثروا الانسحاب إلى الداخل عبر أراضي الأردن وفلسطين صوب حمص حيث استقر هرقل هناك. ويبدو أن الهدف من هذا الانسحاب هو جر القوات الإسلامية إلى عمق بلاد الشام حتى يسهل الانقضاض عليهم وسحقهم (46). ويحدثنا الواقدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصحابهِ في التقدم شمالاً ! فأجابه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يا رسول الله إن للروم جموعاً كثيرة وليس بها احد من أهل الإسلام وقد دنوت منهم حيث ترى وقد أفزعهم دنوك فلو رجعت هذه السنة حتى نرى أو يحدث الله عز وجل من ذلك أمراً»(47). مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منطقة تبوك عشرين ليلة، وهرقل في مدينة حمص ولم يتجرأ على مهاجمة المسلمين. ويحدثنا المسعودي «انه جرت خلال مكوث الرسول صلى الله عليه وسلم في تبوك مراسلات بينهُ وبين هرقل (48) تم من خلالها التوصل إلى السماح لعرب الشمال باعتناق الإسلام»(49) وليس من المستبعد أن يقر هرقل اتفاقاً كهذا يجنبهُ كثيراً من المشاكل التي كانت دولة الإسلام تسببها على حدوده الجنوبية. ويدل على صحة هذا الافتراض قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو في تبوك بأربعمائة وعشرين فارساً إلى اكيدر بن عبد الملك ملك كنده وهو بدومة الجندل فتمكن خالد من أسره والإتيان به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلا سبيله فرجع إلى مملكتهِ (50). واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل اتصالاته بزعماء القبائل العربية المنتشرة في منطقة تبوك ويتلقى سفاراتهم. فيعقد معهم معاهدات الصلح والتعاون وهو بذلك يحول ولاءهم إلى دولة المدينة ويجعلهم مواطنين لها أو على الأقل حلفاء لها. وكان ممن جاء إلى تبوك يعلن ولائه للرسول صلى الله عليه وسلم ولدولته يوحنه بن رؤبة صاحب ايله حيث صالحه الرسول صلى الله عليه وسلم ووافق على اخذ الجزية منه(51) وهذا الواقدي يحدثنا عن موقف زعماء القبائل العربية من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في تبوك فيقول: «وكانت دومة وايلة وتيماء قد خافوا النبي صلى الله عليه وسلم لما رأوا العرب قد اسلموا..... وأشفقوا ان يبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بعث إلى اكيدر. واقبل معه أهل جرباء واذرح فاتوه فصالحهم فقطع عليهم الجزية. جزية معلومة. وكتب لهم كتاباً»(52). إن قدوم زعماء ووفود القبائل العربية والموالية للروم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك وطلب الصلح معهُ. يعني إشعاراً مادياً بانتمائهم إلى دولة المدينة. ثم هي في الوقت نفسه قطع لجميع علاقاتهم وارتباطاتهم بأي جهة غيرها. وقد أورد لنا ابن هشام: نص العهد الذي كتبهُ الرسول صلى الله عليه وسلم ليوحنه بن رؤبة والذي يمثل نموذجاً مهماً للعهود التي كان يكتبها لزعماء القبائل العربية التي كانت من قبل موالية للروم مانحاً إياها حرية الدين والمواطنة على السواء ومؤكداً في الوقت نفسهُ على كونهم قد عُدوا مواطنين مرتبطين بدولة الإسلام في المدينة والذي جاء فيه «بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمنة من الله ومحمد رسول الله ليوحنه بن رؤبة وأهل ايلة سنتهم وسيادتهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة محمد النبي. ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه وانه طيب لمن أخذه من الناس وانه لا يحل ان يمنعوا ما يردونه ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر» (53). إن سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه أهل الذمة من اليهود والنصارى «كانت قائمة على الاعتراف الكامل لهم بحق الاحتفاظ بعقيدتهم لأنهم أهل كتاب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشترط عليهم للتعبير عن ولائهم لدولة الإسلام في المدينة ان يدفع الرجال القادرون منهم مبلغاً سنوياً من المال يدعى (الجزية) مقابل حماية الدولة لهم وبخاصة وانه لم يفرض عليهم واجب الجهاد وأداء الزكاة ومع ذلك كان هذا المبلغ زهيداً»(54) فقد ذكر لنا الواقدي «إن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع الجزية على أهل ايلة ثلاثمائة دينار عن كل سنة وكانوا ثلاثمائة رجل»(55). إن مكوث الرسول صلى الله عليه وسلم في تبوك مع قواته العسكرية لعشرين ليلة ومن دون أن يحرك إمبراطور الروم ساكناً، يعد نصراً عظيماً لدولة الإسلام على الدولة البيزنطية لا يقل أبداً أهمية عن انتصاراته الحاسمة على جبهات الشرك والوثنية واليهودية. كما أن هذا الموقف المتخاذل من قبل زعماء الدولة البيزنطية أدى إلى إضعاف مركزها الأدبي والسياسي والعسكري تجاه القبائل العربية التي كانت موالية لها من قبل. أضف إلى ذلك أن التغير في ميزان القوى لصالح دولة الإسلام في المدينة كان عاملاً حاسماً في كسر عقدة الخوف عند عموم العرب من سطوة الروم، فكان هذا انتصار نفسي حاسم مكن العرب المسلمين بعد سنين معدودات من الانقضاض على الدولة البيزنطية وإلحاق الهزائم بهم وطردهم من بلاد العرب. إن حملة تبوك تُعد خطوة من خطوات الدعوة الإسلامية في مرحلتها المسلحة نحو الخارج وتخطياً لنطاق العرب وجزيرتهم إلى العالم الأوسع وبادرة متقدمة لحركة الفتوحات التي يشهدها العصر الراشدي(56). وكان من نتائج حملة تبوك المباركة صوب الشمال على المستوى الخارجي أن الروم ومن تبقى من حلفائهم العرب لم يعد بإمكانهم أن يقوموا بأي عمل عسكري مباشر ضد دولة الإسلام في المدينة. سيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد اوجد بمحالفاته ومصالحاته مع عموم زعماء القبائل العربية في الشمال جداراً يحول دون إمكانية قيام الدولة البيزنطية الاقتصاص من الأمراء العرب الذين أعلنوا إسلامهم من دون الرجوع إلى هرقل أو من ينوب عنه من زعماء الروم(57). ومن النتائج الهامة لهذه الحملة أيضاً هي قدوم وفد نجران إلى المدينة فصالحهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكتب لهم عهداً يمثل قيمة من قيم العدل والسماحة والحرية. لم يقرر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم سوى جزية عينية قدرها ألف حله في السنة. وبتلك المعاهدة السمحة قطع الإسلام الصلة بين أولئك العرب المنتصرة وبين الروم الذين أذاقوهم الويل والعذاب في السنوات السابقة (58). وأخيراً جاءت حملة أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه:- ومن أجل تحقيق منهج الإسلام بنشر رسالة إلى عموم الناس ومن اجل استمرار الضغط على الدولة البيزنطية بالسماح لدعاة الإسلام بالتوجه شمالاً من دون أن تعيقهم أية قوة سياسية أو عسكرية أو دينية للوصول إلى أهدافهم بإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور السلطان إلى عدل الإسلام. وتحقيقاً لهذهِ الأهداف كافة وعملاً بها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتجهيز حملة عسكرية كبيرة في مطلع السنة الحادية عشر للهجرة أمر عليها القائد الشاب أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه (59) وجاءت هذه الالتفاتة من الرسول صلى الله عليه وسلم بالسماح للكفاءات الشابة بان يتولوا قيادة الجيوش الإسلامية وأمره عليه الصلاة والسلام أن يوطئ الخيل أقدام البلقاء والداروم من أرض فلسطين (60) تلك الأرض التي استشهد أباهُ عليها. وبناءاً على الأوامر الصادرة من الرسول صلى الله عليه وسلم خرج أسامة باتجاه الشمال وعسكر في الجرف على بُعد فرسخ من المدينة ريثما يتم تجميع المقاتلين. وهناك بلغتهم أنباء مرض الرسول صلى الله عليه وسلم فتوقف عن المسير قريباً من المدينة معسكراً بجنده لينتظر قضاء الله برسولهِ صلى الله عليه وسلم لذا ساروا عائدين إلى المدينة ودخل أسامة رضي الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عجز عن الكلام فجعل يرفع يديهِ إلى السماء ويضعها على أسامة رضي الله عنه وعرف أسامة انهُ يدعو له (61). لقد ضمت هذه الحملة عدداً كبيراً من الصحابة من أهل المدينة فضلاً عن أبناء القبائل العربية المحيطة بالمدينة والتي لم تساهم من قبل في العمليات العسكرية، ويبدو انهُ كان ثمة تردد بين الصحابة بشان أمر تنفيذ هذه الحملة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي بدأت تتردد أخبار عن ردة بعض القبائل العربية جنوب المدينة وفي أطرافها إلا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أصر على إرسال هذه الحملة تنفيذاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيقاً لسياسته تجاه الدولة البيزنطية وعملاً بها في القريب العاجل. لما كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أقام دولة الإسلام في المدينة تقوم على أهداف استراتيجية محددة سلفاً ولا يمكن لأي طارئ أن يعمل على تغيرها وان كانت الدولة خلالها أحوج ما تكون إلى هذه القوة العسكرية لاستخدامها في مواجهة حركات التمرد والردة والتي تصاعدت حدتها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انطلقت حملة أسامة في 11 ربيع الأول عام 11 هجرية تحقيقاً لهذه الأهداف المرسومة سلفاً. وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مودعاً أسامة قائلاً: اصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم ابدأ ببلاد قضاعة ثم آيت آيل ولا تقصرون في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (62) واستأذن الخليفة أبو بكر رضي الله عنه من أسامة قائد الحملة المباركة أن يأذن له بتخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن هذه الحملة لحاجتهِ إليه في إدارة شؤون الدولة في هذه الفترة الحرجة ففعل. وصل أسامة رضي الله عنه إلى الشمال وقام بإرسال سرايا تعرضية خفيفة ضد قبائل قضاعة وآيل لإدخال الرعب في نفوس رجالها وزعمائها فجال في أراضيها وغنم منها الخير الكثير. ثم عاد إلى المدينة محققاً هدف الدولة بالاستمرار في التعرض لحدود دولة الروم البيزنطية. وكان مكوث أسامة رضي الله عنه في هذه الأراضي بحدود أربعين يوماً وهي مما لاشك فيهِ مدة كافية لخلق الرعب في نفوس جميع أعداء الدولة شمالاً وجنوباً. الخاتمة من خلال هذا الاستعراض لطبيعة العلاقات الدولية ما بين دولة الإسلام في المدينة والدولة البيزنطية. وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته القائد الأعلى للقوات الإسلامية اتبع عدة خطوات من اجل تحرير العقل العربي من التعامل مع أعتى قوة عسكرية سياسية دينية آنذاك فكانت سياسته تعتمد الأسس الآتية: 1- كسر حاجز الخوف الذي كان يسيطر على نفوس العرب في التعامل مع الروم البيزنطيين. 2 - العمل على دراسة طبيعة الأراضي الشمالية المحيطة بالجزيرة من حيث تحديد نوع التعبئة العسكرية اللازمة في المستقبل. 3 - العمل على إشعار القبائل العربية الموالية للروم بقوة دولة الإسلام في المدينة. وإنها قادرة على ضرب أي قوة تعاديها وتحييد موقفها لصالح الدولة الإسلامية بعقد المحالفات السياسية والأمنية معها. 4 - إشعار المسلمين وقادتهم في المستقبل القريب بان هدف الدولة الإسلامية في المدينة من هذه التحركات المستمرة صوب الشمال خصوصاً هو هدف عقيدي ولابد من العمل على تحقيقه مستقبلاً. 5 - وجدنا اهتماماً متزايداً من الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الجبهة عكس الجبهة الفارسية. مما يدل على أن لهذهِ الجبهة أهمية عظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. 6 - كما كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم تعتمد على البناء النفسي والتربوي والتعبوي للمسلمين خلال هذهِ الحملات والسرايا. ــــــــــــــــــــــــــ الهوامش : 1 ـ ينظر عماد الدين خليل، دراسة في السيرة، ط.1، بيروت، 1997، 238-250. 2 ـ للمزيد ينظر صالح أحمد العلي، محاضرات في تاريخ العرب، الموصل، 1981، ج 1، ص. 36-63، 83-92. 3 ـ ينظر: كروستوفر دوسن، تكوين أوربا، ترجمة: محمد مصطفى زيادة، ط.1، القاهرة، 1967، ص. 164-170. 4ـ نقلاً عن محمد الغزالي، فقه السيرة، ط. 6، القاهرة، 1965، ص. 68. 5ـ خليل، دراسة في السيرة، ص. 238-250. 6 ـ أخرجه البخاري في "صحيحه" في باب 6 رقم الحديث 7. 7ـ سورة آل عمران: الآية: 64. 8 ـ ينظر: "صحيح البخاري" رحمهُ الله في باب 6 رقم الحديث 7. 9ـ كان زعماء قريش المشركين يطلقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم ابن كبشة. 10 ـ أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" في باب 6 رقم الحديث 7. 11 ـ البخاري، المصدر نفسه. 12 ـ البخاري، المصدر نفسه. 13 ـ الواقدي. محمد بن عمر، المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، بيروت، 1966، ج 1، ص. 402-404؛ ابن سعد، محمد بن منيع، الطبقات، بيروت، 60-1966، ج 2، ص. 62-64. 14 ـ الواقدي، المغازي؛ ابن سعد، الطبقات. 15 ـ الواقدي، المصدر نفسه، ج 2، ص. 56- 565. 16ـ الواقدي، المغازي، ج 2، ص. 560- 569؛ ابن سعد، الطبقات، ج 2، ص. 89. 17ـ الغزالي، فقه السيرة، صص. 385-386. 18 ـ الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. 5، القاهرة، 1986، ج 2، صص. 652- 956. 19 ـ الطبري، تاريخ، ج 2، صص. 650- 655. 20 ـ الواقدي، المغازي، ج 2، صص. 752-753؛ ابن سعد، الطبقات، ج 2، ص. 126. 21 ـ الواقدي، المصدر نفسه. 22 ـ الواقدي، المصدر نفسه، ج 2، ص. 755؛ ابن سعد، المصدر نفسه، ج 2، ص. 128. 23 ـ الواقدي، المغازي، ج 2، ص. 758. 24 ـ ابن هشام، أبو محمد عبد الله، سيرة النبي، تحقيق: محمد محيي الدين، دار الفكر، بيروت، د.ت، ج 3، ص. 427-439، ابن سعد، الطبقات، ج 2، صص. 128-130. 25 ـ للمزيد حول ذلك ينظر ابن هشام، المصدر نفسه، ابن سعد، المصدر نفسه. 26 ـ ينظر: ابن هشام، سيرة النبي. 27 ـ الواقدي، المغازي، ج 2، ص. 769. 28ـ ابن هشام، سيرة النبي، ج 3، صص.447-448، الواقدي، المغازي، ج 2، ص. 756. 29ـ ابن هشام، المصدر نفسه، ج 3، صص. 429-430. 30 ـ خليل، عماد الدين، دراسة السيرة، 249-250. 31ـ الواقدي، المغازي، ج 2، صص. 765-766. 32ـ المصدر نفسه، ج 2، ص. 771. 33 ـ ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل، تفسير القران العظيم، ط.2، القاهرة، 1954، ج 2، صص. 387-388. 34ـ ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله، زاد المعاد في هدي خير العباد، ط. 1، القاهرة، 1928، ج 3، ص. 10. 35 ـ الواقدي، المغازي، ج 3، صص. 989-991. 36 ـ ينظر: ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، صص. 169-171؛ الواقدي، المغازي، ج 3، ص. 989. 37 ـ ابن هشام، المصدر نفسه؛ الواقدي، المصدر نفسه. 38 ـ ابن هشام، المصدر نفسه؛ الواقدي، المصدر نفسه. 39ـ ابن هشام، سيرة النبي، ج 4، صص. 169-171، الواقدي، المغازي، ج 3، صص. 989-991. 40 ـ ينظر: ابن هشام، المصدر نفسه، الواقدي، المصدر نفسه. 41 ـ الواقدي، المغازي، ج 3، صص. 995-996. 42 ـ الواقدي، المصدر نفسه، ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص.170-175. 43 ـ الواقدي، المصدر نفسه، ج 3، صص. 995-996. 44ـ الواقدي، المصدر نفسه. 45ـ ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل، البداية والنهاية، القاهرة، 1932، ج 4، صص. 9-10. 46 ـ ينظر: خليل، دراسة في السيرة، ص. 253؛ الملاح، الوسيط في السيرة، صص. 315-316. 47 ـ الواقدي، المغازي،ج 3، صص. 19-21. 48ـ ينظر: المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين، التنبيه والإشراف، علق عليهِ: مفيد محمد، بيروت، 1968، ص. 236؛ ابن سلام أبو عبيد القاسم، الأموال، صححهُ: محمد حامد، القاهرة، 1353 ﻫ، صص. 255-256. 49ـ ينظر: در منغم، اميل، حياة محمد، تعريب: عادل زعيتر، ط. 2، القاهرة، 1949، صص. 366-367. 50ـ ابن هشام، السيرة النبوية، ج 3، صص.181-183؛ الواقدي، المغازي، ج 3، ص. 1025-1030. 51 ـ الواقدي، المغازي، ج 3، صص. 1031-1035. 52 ـ الواقدي، المصدر نفسه. 53 ـ ينظر حول ذلك: ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، صص. 180-181؛ المسعودي، التنبيه، ص. 236؛ البلاذري، فتوح البلدان، جمع: صلاح الدين المنجد، القاهرة، 1956، ج 1، ص. 71؛ الطبري، تاريخ، ج 3، ص. 108؛ محمد حميدالله، الوثائق النبوية، ص. 118-124. 54 ـ ينظر: الملاح، الوسيط في السيرة، ص. 315. 55 ـ الواقدي، المغازي، ج 3، صص. 1031-1032. 56 ـ خليل، دراسة في السيرة، صص. 255-256. 57 ـ ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 2، صص. 190-192، ابن هشام، السيرة النبوية، ج 4، ص. 261؛ البلاذري، الانساب، ج 1، ص. 449-484. 58 ـ ينظر: ابن سعد، المصدر نفسه؛ ابن هشام، المصدر نفسه؛ البلاذري، المصدر نفسه. 59 ـ ابن هشام، السيرة النبوية. 60 ـ ينظر: ابن سعد، الطبقات، ج 2، صص. 190-192. 61 ـ المصدر نفسه، ج 2، صص. 249-250. 62 ـ ينظر حول ذلك: أوضاع المدينة في عهد الخليفة أبو بكر الصديق؛ ينظر: العلي، صالح أحمد، الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ط.1، بغداد، 1988، ج 1، ص. 198؛ ج 2، ص. 442-590.
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|