اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-10-2012, 11:22 AM
رحييق رحييق غير متواجد حالياً
عضو خبير وعضو مثالى للعام 2011
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 1,337
معدل تقييم المستوى: 16
رحييق is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك في حضرتك

اسمح لي بالعودة مرارا حتى أكمل كل الحلقات الرائعة

تقبل مروري وتقديري
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-10-2012, 04:24 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحييق مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا وبارك في حضرتك

اسمح لي بالعودة مرارا حتى أكمل كل الحلقات الرائعة

تقبل مروري وتقديري
جزيل شكرى وتقديرى على مرورك الكريم
بالفعل هذه المقالات تستحق القراءة
خاصة أنها للدكتور محمد البرادعى
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-10-2012, 02:20 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثانية و العشرون
فى الأسابيع التالية ظهر حماس دولى للتحرك ضد الجهات أو الأفراد الذين يعملون فى السوق النووية السوداء، وتجريم أفعالهم لمواجهة نوعية الأنشطة السرية التى قامت بها شبكة خان. وفى شهر مايو أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1540 الذى يطالب الدول باستصدار وتطبيق قوانين تستهدف الأفراد الذين يسعون بأى طريقة لنشر أسلحة الدمار الشامل. كما طالب القرار بتشديد إجراءات الرقابة الداخلية التى تطبقها الدول على المواد ذات الصلة بالأنشطة النووية.
ولم تحظَ كل مقترحات «بوش» بنفس النجاح. فلم تكن فكرة استبعاد الدولة التى يجرى التحقيق معها من عضوية مجلس المحافظين -وهى فكرة ليست ذات مضمون غير الإهانة- بأى بحث جدى. ولمدة عامين بعد خطاب «بوش» حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تجد الدعم لفكرتها الخاصة بإنشاء لجنة خاصة بالضمانات؛ وهى الفكرة التى لم تكن تخلو من وجاهة من حيث المبدأ، لو أنها ركزت على الطرق والوسائل الكفيلة بتعزيز الضمانات، مثل دعم معامل الفحص بالوكالة التى كانت فى حالة متدهورة. وبالفعل تم تشكيل هذه اللجنة، ولكنها لم تستمر طويلا بسبب الخلافات التى ظهرت بين دول الشمال ودول الجنوب حول مدى العدالة فى نظام حظر الانتشار ومدى فعاليته. وبعد عدد من الاجتماعات اختفت هذه اللجنة بهدوء. وَضَع اكتشاف شبكة خان، باعتباره من كبار المسؤولين فى الحكومة الباكستانية، إسلام آباد فى حرج بالغ، واضطر الرئيس الباكستانى مشرّف إلى أن يتحرك. ففى 4 فبراير 2004 أُجبر خان على الظهور على شاشة التليفزيون الرسمى الباكستانى ليعترف بما كان يقوم به فى السوق النووية السوداء. وفى اليوم التالى أصدر الرئيس الباكستانى عفوا عامًّا عن خان بسبب الخدمات العلمية الجليلة التى قال مشرّف إنه قدمها لبلاده، غير أنه أبقاه قيد الإقامة الجبرية حتى 2009. ولكن بالنسبة إلى غير الباكستانيين فإن إصدار عفو عام عن المسؤول الأول عن شبكة الاتجار غير الشرعى فى التكنولوجيا النووية ومعداتها كان سؤالا محيرا. لكن مشرّف كان يتصرف فى ضوء أن خان يُنظر إليه فى بلاده على أنه بطل قومى ساعد باكستان على تحقيق التوازن النووى مع الهند؛ وهو بالتالى يستحق أن يكون فى مأمن من الملاحقة القضائية. فى الوقت نفسه، فإن مشرّف كان يعلم بالضرورة أن ملاحقة خان القانونية ستفتح الباب أمام ملاحقة شخصيات أخرى فى الحكومة الباكستانية، وكان هناك كثير من التساؤل حول مدى علم الحكومة الباكستانية بأنشطة خان، خصوصا فى ظل وجود معلومات أن خان كان يستخدم الطائرات الوطنية الباكستانية لنقل المعدات النووية إلى عملائه فى الخارج. وبالتأكيد فإن القدرة المادية لخان وأسلوب حياته كانت تؤكد الشكوك أنه لا يعتمد فقط على مرتبه الحكومى وإنما على دخله من أعماله «الخاصة». وتفيد التقارير الصحفية أن المكتب الوطنى للمحاسبة فى باكستان كان قد أعد ملفّا مفصلا عن خان لكنه فضَّل عدم اتخاذ أى إجراء بشأنه.
ومع تزايد فهم الوكالة لأنشطة شبكة خان، اتضح للوكالة أن بعض أجهزة المخابرات كانت تراقب نشاط خان لفترة طويلة دون أن تتحرك. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم كانوا على علم بنشاط خان منذ البداية، ولو صح هذا الأمر بالكامل فإن الحديث الأمريكى عن تحقيق انتصار مخابراتى بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل فى ليبيا يبدو لا معنى له.
وقد قال لى رئيس وزراء هولندا السابق «روود لابرز»، إن الهولنديين كانوا يقتفون أثر خان ونشاطاته، وإنهم كانوا بصدد إيقافه منذ السبعينيات من القرن العشرين، لولا تدخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التى طالبتهم بعدم توقيف خان. وقد أكدت مصادر أخرى ذلك أيضا.
وفى مارس 2004 نشر «سيمور هيرش» مقالا فى مجلة «النيويوركر» نقل فيه عن مصادر أمريكية قولها إن الأمريكيين كان بوسعهم توقيف خان منذ أكثر من 15 عاما، وإن المتعاملين اليوم فى شبكة خان هم الجيل الثانى من المتعاملين الذين بدأ بهم خان شبكته للتجارة النووية السرية.
وفى وقت لاحق قال «روبرت إينهورن»؛ الذى شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون منع الانتشار من 1991 حتى 2001، إن الأمريكيين كانوا على علم بما يقوم به خان، وإنهم كانوا يقتفون أثره، ولكن السؤال المُلحّ عليهم كان حول ما «إذا كان من الأفضل توقيفه على الفور أو الانتظار والتتبع حتى يتم توقيفه وكل المتعاملين معه واجتثاث الشبكة من جذورها»، مشيرا إلى أن الرأى الأغلب كان باتجاه الانتظار.
والحقيقة أننى لم أفهم أبدا ما الفائدة التى جناها المجتمع الدولى من الانتظار، بينما خان يتحرك من خلال شبكته لنشر الأسلحة النووية، وبينما الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُحجب عنها هذه المعلومات الحيوية. ألم تكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما تعرف التزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية للإفصاح عما لديها من معلومات عن مثل هذه البرامج السرية؟ ألم يكن من المنطقى إيقاف البرامج السرية لإيران وليبيا وغيرهما وهى لا تزال وليدة؟ وأيّا كانت الظروف والدواعى التى أدت إلى قرار الانتظار فى حينها فإنه كان فى الواقع خطأ فادحا؛ فقد أدى ذلك إلى تنبيه الكثير من أعضاء الشبكة إلى أنهم مراقَبون؛ مما دعاهم إلى التخلص من كثير من المستندات؛ الأمر الذى جعل من الصعب على الوكالة وغيرها من المحققين التعرف على أبعاد أخرى للشبكة، بما فى ذلك ما إذا كان لها عملاء آخرون؟ لقد قيل عنه إنه رجل التخصيب النووى الذى نقل التكنولوجيا النووية إلى أماكن بعيدة، خصوصا أنه زار الشرق الأوسط وإفريقيا مرارا ولا يعلم أحد على وجه اليقين ما الذى خلصت إليه هذه الزيارات، لكن الشائعات كثيرة، كما أن مؤشرات مقلقة تظهر أحيانا.
وفى إحدى زياراتى لواحدة من دول الخليج فى عام 2004 قال لى أحد الأمراء إن خان قد زارهم عارضا بضاعته، وإن دولته قد تظاهرت بالاهتمام بالأمر دون أن تتجه لشراء أى شىء، فى محاولة للتعرف على معاملات الشبكة مع إيران. ولم تكن تلك الرواية هى الأولى من نوعها، فلقد سمعتها بصور مختلفة فى بلدان أخرى. والسؤال هنا: ما هى الضمانة أن خان لم يستطع أن يقنع أيًّا من الدول التى زارها والتى عرض عليها خدماته بأن تنظر فى أمر الشراء ثم تقرر فعلا الشراء؟
إن أكبر كابوس يراودنى هو أن خان الذى يقدم التكنولوجيا والمعلومات.. بل والمواد النووية لمن يدفع، ربما يكون قد استطاع إنشاء وحدة تخصيب صغيرة فى منطقة نائية مثل شمال أفغانستان. وهذا الأمر ليس بمجرد السيناريو الخيالى الأسود فى ضوء التطور التكنولوجى الذى بلغه أداء بعض هذه المجموعات.
وعلى الرغم من أن ذهاب عبد القدير خان ربما حرم الشبكة من عقلها المفكر، فإنه ليس هناك ما يضمن أنها لم تعد قادرة على تزويد مَن يرغب من العملاء. وكما أشار السيناتور الأمريكى السابق «سام نان» فإنه بالنظر إلى الأموال والمصالح المتشابكة وراء عمل هذه الشبكة فإنه يصعب تصور أنها انتهت وتوقفت عن العمل.
لقد كان الهدف الذى يبدو أن عبد القدير خان قد سعى إلى تحقيقه هو تمهيد الطريق أمام الدول الإسلامية للحصول على الأسلحة النووية، وإيجاد حالة من التكافؤ الأمنى مع إسرائيل، وبالطبع جَنْى المال فى أثناء ذلك كله. وفى ضوء هذا فإن التخلص من البازار النووى الذى أطلقه خان سيستغرق بالتأكيد بعض الوقت.
وهناك ثلاثة دروس يجب الاعتبار بها من هذه القصة: الأول وكما رأينا من الدور الذى لعبته إسرائيل فى الشرق الأوسط، والهند فى جنوب آسيا؛ هو أن الانتشار النووى يُولِّد مزيدا من الانتشار.
الدرس الثانى هو أن محاولة مجابهة انتشار الأسلحة النووية من خلال فرض المزيد من الرقابة على نقل الخبرة النووية هو أمر هام، ولكن لم يعد كافيا؛ لأن التكنولوجيا النووية أصبحت بالفعل فى يد الكثيرين.
أما الدرس الثالث فهو أنه مع استمرار حيازة البعض للأسلحة النووية واعتبار هذه الأسلحة سببا من أسباب القوة؛ فإن المزيد من الدول سيستمر فى السعى للحصول على تلك الأسلحة، لا سيما الدول التى ترى نفسها معرَّضة للتهديد.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-10-2012, 10:13 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثالثة و العشرون


فى صيف 2004 كانت مدتى الثانية كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقترب من نهايتها، وكنت أنتوى عدم الترشح لمدة ثالثة على الرغم من إصرار معظم الدول الأعضاء على أن أستمر فى مهام منصبى لأن ضغوط العمل مجهدة للغاية، ولأن أسرتى كانت تطالبنى بأن لا أستمر فى هذا المنصب الشاق ولكن التدخل الأمريكى غيّر هذا التوجه.
لقد ألمح لى بعضهم أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمنى إذا ما قررت الترشح لمدة ثالثة، وبينما كنت أمضى إجازة الصيف فى منزلى على شاطئ البحر بمصر تلقيت اتصالًا يفيد بأن كولين باول سيتصل بى ليخبرنى بهذا الأمر بنفسه، ولم أكن مندهشًا من هذا الموقف الأمريكى، لأنه خلال الشهور الماضية كانت هناك سلسلة من الاجتماعات الإيجابية مع عدد من المسؤولين الأمريكيين بما فى ذلك بوش نفسه.
ولكن باول لم يتصل، ولدى عودتى لڤيينا علمت من نائبى، دافيد واللر، أن الموقف الأمريكى قد تغيّر. وأخبرنى دافيد أن ذلك حدث بناء على حملة شنها جون بولتون ضدى. وكان بولتون يستند فى موقفه هذا إلى أن أى رئيس لأى منظمة من منظمات الأمم المتحدة لا ينبغى أن يحتفظ بمنصبه لأكثر من مدتين، على الرغم من علمى أن هذه القاعدة كثيرًا ما لا تُطبّق. ولقد بعث لى بولتون برسالة نقلها إلىّ دافيد، مفادها أننى إذا قبلت بعدم الترشح لمدة ثالثة فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستُصدر بيانًا تُعرب فيه عن تقديرها للعمل الذى قمت به خلال الأعوام الثمانية التى ترأست فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولقد أثار هذا الأمر غضبى بشدة، لأن بولتون كان يمثل كل شىء لا أتفق معه، خصوصا ما يتعلق بتقليله من أهمية الدبلوماسية المتعددة الأطراف على الساحة الدولية. ومما زاد من غضبى أن بولتون طالما سعى خلال الأعوام الماضية لتعويق عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بطرق عديدة، ليس أقلها عرقلة الجهود التى تُبذل لحل قضايا الانتشار النووى سلميًّا. كان يسعى لتقويض كل ما كنت أدافع عنه.
ولقد أثار حنقى أن يتصور بولتون أنه سيقرر عنى إذا ما كنت أترشح لمدة ثالثة أم لا، وكانت المفارقة أن الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت قد دعّمت ترشحى لمنصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تريد الآن إقصائى من هذا المنصب.
وفى ذلك المساء جلست مع زوجتى عايدة، وتشاورنا قليلًا فى الأمر، ثم قررنا أننى سأترشح لمدة ثالثة، فإذا ما كان لى أن أفوز، فإن ذلك سيكون بمثابة رسالة واضحة حول الدعم الدولى للدبلوماسية متعددة الأطراف، وسيمثل لى ذلك أيضًا تفويضًا واضحًا للسعى نحو حل تفاوضى فى إيران وغيرها من المناطق المضطربة، وإذا لم أفز فإن ذلك سيكون على كل حال دليلًا على أننى وقفت فى وجه الضغوط المتوالية التى كانت أمريكا تمارسها. وفى صباح اليوم التالى كتبت رسالة لرئيس مجلس المحافظين معلنًا ترشحى لفترة ثالثة.
بدأت العاصفة مباشرة بمجرد تقدمى بهذا الخطاب. ففى سبتمبر 2004 علمت أن الأمريكيين أرادوا أن يعيدوا صياغة مشروع قرار كانت قد تمت بالفعل صياغته حول إيران، ليرفعوا منه جملة تقليدية تعبّر عن التقدير «لحياد ومهنية» عمل الوكالة فى هذا الملف. وعلى الرغم من أن مثل هذا الأمر قد يبدو عاديًّا بالنسبة إلى البعض، فإن مَن يعمل فى الدوائر الدبلوماسية يعلم بالضرورة أن مثل هذا الأمر يمثل إهانة. ولقد وصف السفير البريطانى فى ڤيينا بيتر جانكينر، هذا السلوك من جانب الولايات المتحدة بالتصرف الضحل غير الجدير بالاحترام.
وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية البحث عن مرشحين يمكن أن يتنافسوا معى على المنصب، وتم التشاور مع البرازيل لترشيح أحد أبرز سفرائها العاملين فى مجال نزع الأسلحة سيرجيو دوكويروز دوارتى، كما تم التشاور مع الأرجنتين لترشيح روبرتو جراسيا مورايتان، وهو أحد مساعدى وزير خارجية الأرجنتين. كما اتصلوا باليابان لدراسة فكرة ترشيح سفير سابق لها فى ڤيينا وهو شينزو آبه. وأيضا أجرت الولايات المتحدة الأمريكية اتصالًا بأستراليا وروسيا للمطالبة بدعم ترشيح آلكسندر داونر وزير الخارجية الأسترالى لهذا المنصب.
وعندما لم تسفر أىُّ من هذه المقترحات عن ترشيح حقيقى، أجرت الولايات المتحدة اتصالًا بالأوروبيين للحصول على موافقتهم على مطالبة الوكالة بتمديد تاريخ تقديم الترشيحات لمنصب المدير العام، وهو الأمر الذى رفضه الأوروبيون.
وعندئذ لجأ الأمريكيون إلى أساليب مختلفة لإفشال حصولى على مدة ثالثة، ففى نوفمبر 2004، فى نفس الوقت الذى كانت تُجرى فيه الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة تقريبًا، تسربت أنباء عن اختفاء بعض المتفجرات من موقع القعقاعة فى العراق. وتبعت ذلك سلسلة من المعلومات غير الصحيحة، ومنها أحاديث مختلفة حول برنامج نووى سرى فى مصر اتصالًا بالبرنامج الليبى واتهامى بأننى أحاول التستر على هذا النشاط، ثم اتهامى أنا وهانز بليكس، بأن لنا حسابات سرية فى أحد بنوك سويسرا بها أموال حصلنا عليها من العراق خلال مدة عملنا هناك، ثم الحديث عن تحويل الإيرانيين مبالغ مالية لحساب بنكى باسم زوجتى فى سويسرا، قيل إن المبلغ كان 600 ألف دولار إلى جانب أحاديث حول تقديم الإيرانيين هدايا لى من السجاد الإيرانى، تبلغ قيمة كل واحدة منها 50 ألف دولار.
وفى الوقت نفسه، نشرت صحيفة «الواشنطن بوست» تحقيقًا صحفيًّا أشار إلى أن اتصالاتى الهاتفية وأخرى لعاملين فى الوكالة يتم تسجيلها للحصول على أى معلومات يمكن أن تستخدم ضدى، ولم يكن فى ذلك مفاجأة كبيرة إلىّ، لأننا كنا قد علمنا من قبل عن تجسس على رسائل نصية ومكالمات للعاملين فى الوكالة. لكن الأمر أصبح مادة صحفية عن مصدر موثوق.
وأخبرنى أحدهم بأن من قام بتسريب موضوع التنصت على مكالماتى الهاتفية كان من العاملين فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ولأسباب تتعلق بعدم الرضا عن بعض تصرفات أشخاص بعينهم فى الخارجية الأمريكية. ولم أندهش لذلك كثيرًا لأنه خلال الفترة من منتصف 2004 وحتى منتصف 2005 تلقت أمانة بصفة سرية صورًا من العديد من المذكرات وغيرها من المعلومات الخاصة بمحاولة إعاقة إعادة انتخابى من موظفين فى الخارجية الأمريكية الذين لم يكونوا راضين عن سلوك بعض الشخصيات الرفيعة فى الخارجية الأمريكية.
وفى النهاية كان الأمريكيون هم وحدهم مَن يعارض ترشيحى، بل إن الدول التى عادة ما تصوت مع الولايات المتحدة الأمريكية وتتبع مواقفها وهى أستراليا وكندا واليابان وبريطانيا، لم تتدخل كثيرًا فى الجدل الدائر، وبعثت إلىّ برسائل مفادها أنها تساندنى، ولكنها تفضل عدم إعلان هذه المساندة حتى لا يكون فى ذلك إحراج للولايات المتحدة الأمريكية أو جعلها تبدو فى موقف منعزل دبلوماسيًّا.
وقبل أسبوع من اجتماع مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمت دعوتى لواشنطن من قِبل كوندوليزا رايس التى أصبحت وزيرة للخارجية. وفى اللقاء اقتصر الحديث مع رايس ومع ستيفان هادلى، مستشار الأمن القومى، على ملف إيران وعلى الإصرار الأمريكى لمنع إيران من الحصول على الدورة الكاملة للوقود النووى.
وعندما ذكرت أنه لا بد من أن تحصل إيران على مخرج كريم، أجاب هادلى أنه لا يجب السماح لإيران حتى بتشغيل جهاز طرد واحد لتخصيب اليورانيوم ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الموقف حاسمًا فى الحديث الأمريكى عن الملف الإيرانى.
وعندما شارف اللقاء على نهايته، أثارت رايس مسألة إعادة ترشيحى، حيث أخبرتنى بأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزائى لا يتعلق بشخصى وإنما يتعلق بموقف واشنطن فى عدم استمرار أى شخص كرئيس لأى من منظمات الأمم المتحدة لأكثر من مدتين.
لقد كنت أعلم أن هذا غير حقيقى، وكانت رايس تعلم أننى أعلم ذلك. وربما كانت رايس تحاول الخروج من بعض المطبات الدبلوماسية التى تورط فيها جون بولتون، وكنت قد سمعت أنها رفضت بقاء بولتون فى الخارجية الأمريكية لدى توليها منصبها. وقد قام بوش بتعيينه مندوبًا دائمًا فى الأمم المتحدة، الأمر الذى يُعد إما أسوأ مَثَل فى التاريخ الدبلوماسى على تعيين شخص فى المكان غير المناسب، وإما أفضل تعبير عن نهج الولايات المتحدة تجاه الدبلوماسية متعددة الأطراف فى ذلك الوقت.
وفى كل الأحوال، فلم أزد أنا ولم تزد رايس فى الحديث فى هذا الموضوع، وفهمت وقتها أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد تغيير موقفها إزاء ترشيحى، فما كان منى إلا أن قلت: «لا داعى لأن نتحدث كثيرا عن أحداث وقعت وانتهت»، وبالفعل فى 13 يونيو 2005 تمت إعادة انتخابى لمدة ثالثة بإجماع الأصوات. وبعد كل ما تعرّضت له الوكالة من حملات للإساءة إليها وتقليص عملها، بدا لى أننا بصدد الحصول على تعويض وتقدير مهم. ففى صباح السابع من أكتوبر 2005 كنت عائدًا لتوى من رحلة شاقة. بقيت فى منزلى مرتديًا ثياب النوم أتابع أنباء تتناثر هنا وهناك حول ترشيح الوكالة ومديرها العام، للسنة الثانية على التوالى، لجائزة نوبل للسلام
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-10-2012, 10:15 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الرابعة و العشرون


فى العام السابق، 2004، بلغت قوة التوقعات إلى الدرجة التى جعلت إدارة الإعلام فى الوكالة تصوغ مسودات لرد الفعل الذى ينبغى أن يصدر فى حال ما ذهبت الجائزة بالفعل لنا، وأتذكر أنه فى الموعد الذى أعلن فيه عن اسم الفائز كنت فى لقاء فى اليابان مع وزير الاقتصاد اليابانى، وعند وصولى إلى مقر الاجتماع وجدت ما يزيد على 50 كاميرا ومحررًا تليفزيونيًّا ينتظرون أنباء لجنة نوبل. وفى أثناء اللقاء علمت أن الجائزة ذهبت إلى الكينية وانجرى ماثاى. وعندما خرجت من اللقاء لم أجد سوى كاميرا وحيدة تلطَّف مصورها ليعرب لى عن أسفه بأننى لم أحصل على الجائزة.
لكن فى صباح الجمعة 7 أكتوبر 2005 قررت أن لا أذهب للعمل، حيث كنت سأواجَه حتمًا بكثير من الأسئلة وبالعديد من موظفى الوكالة ينظرون فى ساعاتهم فى حالة ترقب، خصوصا أن توقعات فوزنا بالجائزة ازدادت بقوة فى اليوم السابق على إعلان الفائز.
وكان من المعتاد أن تتصل اللجنة بالفائز لتخبره مقدمًا بحصوله على الجائزة قبل الإعلان الرسمى عنها بنصف ساعة. ولما كان الإعلان متوقعًا فى الحادية عشرة صباحًا، ولما كانت الساعة قد وصلت 10:45 زالت عنى حالة الترقب وتيقنت أن الجائزة ستذهب إلى شخص آخر، وانضممت إلى زوجتى لمتابعة حفل الإعلان وكلى فضول لأعرف مَن الذى حصل على نوبل للسلام عن عام 2005. وعندما جاء الإعلان باللغة النرويجية، مشيرا إلى اسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو الاسم الذى استطعت أن أفهمه، وبعد ذلك ذُكر اسمى، نظرت إلى عايدة وانهمرت الدموع من أعيننا.
وانهالت فى الوقت نفسه الاتصالات الهاتفية، اتصل بى أخى على من القاهرة، الذى كان ملتصقا تقريبا بجهاز التليفزيون، فى انتظار الخبر، ثم اتصلت بى سكرتيرتى مونيكا بيخلر، لتُخبرنى أن سفير النرويج ونائبه قد حضرا إلى مكتبى ومعهما باقة رائعة من الزهور، وكان هو الشخص الوحيد الذى تلقى معلومات مسبقة من لجنة نوبل، فدعوتهما للقدوم إلى منزلى. وبين اتصالات هاتفية لم تنته وبين مشاعر كثيرة انتابتنى فى تلك اللحظة وجدت بالكاد الوقت لتغيير ثياب النوم وارتداء ملابسى.
وبعد ذلك توجهت إلى الوكالة، حيث ألقيت كلمات قصيرة للصحافة ثم كلمة قصيرة لموظفى الوكالة الذين كانوا قد اجتمعوا فى البهو وسط ضحكات سعادة وتعبيرات سرور وموجات لا نهائية من التصفيق والاحتفاء.
ولا يمكن لى أبدًا أن أصف مدى السعادة الغامرة والفخر اللذين شعرت بهما وزملائى العاملون معى فى الوكالة والذين ينتمون إلى أكثر من 90 دولة، والذين بذلوا كثيرًا من الجهد من خلال الوكالة لجعل العالم الذى نعيش فيه أكثر أمنًا. لقد كانت تلك لحظة استثنائية بكل المقاييس ومثَّلت بالنسبة إلىّ تكريمًا وتتويجًا لأربعين عاما قضيتها فى العمل من أجل الصالح العام.
وتوالت رسائل التأييد والتهنئة سواء عبر الإيميل أو بالبريد العادى للدرجة التى كان بريدى الإلكترونى لا يستوعبها، وإلى الحد الذى اضطر العاملون فى إدارة البريد بالوكالة لتوزيع هذه الخطابات فى حقائب بلاستيكية كبيرة كتلك التى تستخدم للتسوق. لقد كانت الرسائل تأتى من أناس وأشخاص مختلفين، الكثير منهم أشخاص عاديون من هنا ومن هناك، أبناء قوميات وأعراق مختلفة، وأتباع أديان مختلفة، مدرسون، رؤساء دول وأطفال. أرسل أطفال من إسبانيا بـ300 رسالة، يعبر كل منهم فيها عن التهانى، وراهبات تدعو إلى الصلاة لمستقبل أفضل وأكثر أمنًا، ومواطنون مصريون يعربون عن لحظات فخر وسعادة.
لقد كانت هذه الرسائل رائعة، شعرت معها بكثير من الدعم والتقدير، وتمنيت أن يكون عملى فى المستقبل عند حُسن ظن كل من بعث برسالة. وفى الوقت نفسه شعرت بأن كل رسالة من هذه الرسائل منحنى ثقة كبيرة ودعمًا مهمًّا.
وفى الخطاب الذى ألقيته عند تسلمى الجائزة شعرت أن من واجبى أن أوضح مفهومى الخاص للانتشار النووى فى السياق الأوسع لعدم المساواة فى العالم، والسعى إلى تحقيق الأمن الإنسانى. فقد حاولت لفترة من الزمن، وفى خطاب تلو الآخر، أن أُبيّن الصلة بين التصاعد السلبى للفقر وعدم المساواة فى المجتمعات، والذى كثيرا ما اقترن بغياب الحكم الرشيد وبالفساد وبانتهاك حقوق الإنسان، وبين ما يؤدى إليه ذلك من إيجاد تربة خصبة للتطرف والعنف والحروب الأهلية، بل إلى الاتجاه فى المناطق ذات النزاعات المزمنة لاستعراض القوة وتحقيق التكافؤ الأمنى عن طريق الحصول على أسلحة الدمار الشامل.
لكن مساعدى الإعلامى لابان كوبلنتز، وميليسا فليمنج المتحدثة باسم الوكالة، أخبرانى بأن الرسالة التى أحاول أن أوصلها غير واضحة بشكل كافٍ، رغم المنطق الذى تقوم عليه. فالصلات التى أحاول أن أبنيها موجودة ولكنها لا تصل إلى المستمعين بوضوح. وبالتالى كان علىَّ أن أفكر فى شىء ملموس يوضح ما أردت الحديث عنه.
وها هى الإجابة تَرِد على ذهنى وأنا أفكر فى كيفية استخدام القيمة المالية للجائزة. كانت الوكالة قد قررت أن نصف نصيبها من الجائزة التى كانت تبلغ إجمالا نحو مليون يورو سيذهب إلى دعم أغراض علاج السرطان، ومعالجة سوء تغذية الأطفال فى الدول النامية، بينما قررت أن نصيبى سيذهب إلى قضية طالما شغلت بالى وهى الأيتام فى القاهرة، وهو مجال للعمل التطوعى، كانت زوجة أخى منهمكة فيه.
وهكذا وصلت إلى الصورة التى أردت إيصالها وبدأت أكتب «إن زوجة أخى تعمل مع جماعة تعنى بالأيتام فى القاهرة، حيث تقوم مع زملاء لها برعاية الأطفال الذين تُركوا لمواجهة مقدراتهم لأسباب لا يد لهم فيها، وتقدم هذه الجماعة الغذاء والملبس لهؤلاء الأطفال وتعلمهم القراءة. فى الوقت نفسه أقوم مع زملائى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعمل على أن لا تقع المواد النووية فى أيدى جماعات متطرفة، وكذلك نحن نقوم بإجراءات لتفقد المنشآت النووية حول العالم للتأكد من أن البرامج النووية السلمية لا تستخدم كغطاء لبرامج للتسلح النووى. وفى هذا فإننى وزوجة أخى نعمل لنفس الهدف عبر طرق مختلفة، ألا وهو أمن الأسرة الإنسانية».
وأضفت أن السعى لتحقيق هذا الأمن هو الدافع الذى تتضافر من أجله كثير من جهود الإنسانية. ولكن لأن الأولويات المجتمعية أصبحت ملتبسة، فإننا ننفق أكثر من تريليون دولار سنويًّا على التسلح، بينما يعيش أكثر من ثلثَى سكان العالم على أقل من دولارين فى اليوم الواحد كما ينام مليار إنسان جائعا دون عشاء كل ليلة. إن أسباب عدم الأمان فى عالم اليوم تتفاقم ولا يمكن أن تستمر الأمور على ما هى عليه.
وقلت أيضا «إن العولمة تُسقط الحواجز التى تفصل بيننا كدول وأفراد، فإذا تجاهلنا أسباب عدم أمان البعض فسرعان ما ستصبح تلك أسبابا لعدم الأمان للجميع. فى الوقت نفسه، فإنه مع تطور العلوم والتكنولوجيا وانتشارها فإن إصرار البعض على الاعتماد على الأسلحة النووية سيضعنا أمام خطر أن تصبح هذه الأسلحة أكثر إغراءً للآخرين».
ولم أود أن أنهى محاضرتى بنبرة تشاؤم فاقترحتْ عايدة أن أختمها بدعوة لأمل فى مستقبل أفضل، فكتبت: «دعونا نتخيل كيف سيكون حال العالم لو أن دول العالم خصصت لأغراض التنمية نفس الميزانية التى تخصصها لآلات الحرب؟! ولو أننا كنا نعيش فى عالم يتمتع فيه كل إنسان بالحرية والكرامة؟! تخيلوا لو أننا نعيش فى عالم يشعر فيه الناس بنفس القدر من الحزن لوفاة طفل فى دارفور أو فى فانكوفر! تخيلوا لو أننا نعيش فى عالم تتم فيه تسوية الخلافات والمشكلات بالحوار والأساليب الدبلوماسية لا بالقنابل وإطلاق الرصاص! تخيلوا لو أن العالم تخلّى عن الأسلحة النووية فلم يبق منها إلا آثار تعرض فى المتاحف! أى عالم سيكون هذا الذى يمكننا أن نجعله حقيقة واقعة نتركها لأبنائنا؟!».
لا يمكن لى أبدًا أن أصف يوم استلام الجائزة فى أوسلو، لأن كلمات مثل «يوم لا ينسى» وما إلى ذلك لا يمكن أن تفى تلك اللحظات حق قدرها.
لقد أثّر فى كرم ضيافة وحفاوة الشعب النرويجى والعائلة المالكة بدرجة كبيرة. إن من المدهش أن تتوقف الحياة اليومية فى أوسلو لمدة ثلاثة أيام متواصلة ليقتصر الأمر على الاحتفاء بالسلام، فتُكتب الأشعار والمسرحيات التى يقدمها تلاميذ المدارس، وتقدم الحفلات الموسيقية وتذاع ليشهدها الناس فى أكثر من مئة دولة. ولكن أكثر ما أثّر فى هى تلك الجولة فى متحف نوبل للسلام، حيث تعرفت على تاريخ كل هؤلاء الذين حصلوا على الجائزة من قبلى.
وعندما طُلب منى أن أكتب بعض الكلمات فى كتاب يدوّن فيه كل من حصل على الجائزة، كنت متوترا بينما خطَّت يداى كلمات «علينا أن نغير أسلوب تفكيرنا»، وأضفت «نحن بحاجة إلى أن نفهم القيم التى تجمعنا ونقدِّر أن الحروب لا تحل خلافاتنا أو تؤدى بنا إلى السير على طريق السلام. إن السبيل الوحيد للمضى قدمًا كأسرة إنسانية واحدة لا يتحقق إلا من خلال الحوار والاحترام المتبادل». (ولسوء الحظ فقد أخطأت فى هجاء إحدى الكلمات، وهو الأمر الذى لا تتوقف زوجتى عن التندر معى حوله حتى يومنا هذا).
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-10-2012, 01:23 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الخامسة و العشرون


كانت تلك الأيام الثلاثة أياما ذات طبيعة خاصة على المستوى الشخصى، حيث كانت أسرتى بكاملها برفقتى، زوجتى وابنتى وابنى وأمى وإخوتى وأخواتى، كما كان برفقتى أيضا زملاء مقربون وأصدقاء من الوكالة وأصدقاء مقربون آخرون. وفى هذا كله كانت والدتى مبعث ابتسام وسرور كالعادة. وقد أصبحت والدتى نجمة وهى فى الثمانين من عمرها، حيث توالت قنوات التليفزيون للقائها فى منزلها بالقاهرة عند إعلان الجائزة، وكانت تدلى بالحديث تلو الآخر، تتحدث عنى وعن طفولتى والدموع تترقرق فى عينيها. وفى أوسلو كانت تتحرك بنشاط وبخفة من احتفال إلى آخر. وفى إحدى الأمسيات بينما كنا متجهين لمكان ما بسيارة الليموزين وكنا محاطين بركب من الشرطة وجدتها فجأة تقول: «إن هذا يبدو كالحلم.. إننى أشعر كما لو كنت ملكة».
لقد كانت جائزة نوبل لحظة فارقة، ليس فقط بالنسبة إلىّ على المستوى الشخصى، لكن أيضا بالنسبة إلى تقدير العالم للعمل الذى تقوم به الوكالة وبالتوازى بالنسبة إلىّ إحساس الوحدة والفخر الذى جلبته للأمانة العامة للوكالة. وقبل ذلك لم تكن وسائل الإعلام قد اهتمت كثيرًا بعلمنا سوى بالنسبة إلى بعض عمليات التفتيش فى أماكن بعينها، على الرغم من أننا كنا نقوم عامًا بعد الآخر بتفقد 900 منشأة فى سبعين دولة.
ومن أهم ما حققَتْه الجائزة أنها لفتت النظر إلى أن قيمة عمل الوكالة لا تقتصر فقط على تفقد وتفتيش منشآت نووية وهذا هو عمل واحدة من إدارات الوكالة، لكنه يشمل أيضا الدعوة إلى الاستخدامات الآمنة للطاقة النووية فى خدمة الأغراض السلمية، بما فى ذلك علاج أمراض القلب، والبحث عن المياه الجوفية وتطوير استخدامها، وتحسين الحاصلات الزراعية كمًا ونوعًا. وبالنسبة إلى مجموعة عمل بهذا التنوع وتنتمى إلى خلفيات ثقافية وتعليمية ووظيفية متعددة، فإن ارتقاء الوعى العام بعملها بهذا القدر كان من شأنه تعزيز القناعة داخل المنظمة بأن الكل يعمل فيه لتحقيق هدف مشترك.
وقد أفادت الجائزة كذلك فى تيسير التواصل مع من نريد. كان عمل الوكالة فى العراق قبل الغزو فى مارس 2003، قد وضعها فى دائرة الضوء، وأصبحت من أشهر المنظمات الدولية. لكن حصولها على جائزة نوبل ضاعف من هذه الشهرة، وأصبح لديها قدرة أكبر لإيصال رسالتها عبر العالم سواء من خلال تسليط الضوء الإعلامى المكثف علينا، أم من خلال القدرة المتزايدة للقاء زعماء وقيادات العالم بعد أن كانت اللقاءات تُعقَد قبل ذلك على المستوى الوزارى. إن جائزة نوبل ولا شك غيّرت المعيار الذى يتم على أساسه التعامل مع الوكالة.
وبجانب كل ذلك فقد أكدت جائزة نوبل أهمية استقلالية عمل الوكالة، بل وأعطته دفعة جديدة. وبوصفى مديرًا عامّا للوكالة شعرت بأننى أصبح لدىّ مناعة أكبر فى مواجهة الاتهام بالانحياز أو التعاطف أو ما إلى ذلك من الاتهامات غير المنصفة التى كانت توجه إلىّ أحيانا.
فى الوقت نفسه قمت باستغلال هذه الفرصة لألفت الانتباه إلى محدودية الموارد المالية التى كانت متاحة لدى الوكالة، والتى كانت لا تسمح لنا بالتوسع فى تطوير التكنولوجيا المتاحة لنا، الأمر الذى يهدد استقلالنا ويضطرنا أحيانا إلى الاستعانة بالآخرين، كاعتمادنا مثلا على دولتين أو ثلاث لإمدادنا بصور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية للكشف عن منشآت نووية غير معلن عنها. وعادة ما يتم إمدادنا بهذه الصور بشكل انتقائى، وبالتالى فنحن فى حاجة إلى القدرات المالية التى تمكننا من اختيار ما نريد من الصور وشرائها. إلى جانب ذلك فنحن بحاجة أيضا لتدعيم قدرات مختبرات البحث النووى الخاصة بنا، التى تساعدنا فى عمليات التحقق.
ومنذ الفوز بجائزة نوبل أصبحت أتحدث بحماس أكبر وثقة أكبر عن ضرورة دعم استقلال الوكالة بسلطات قانونية أوسع وقدرات تكنولوجية أكبر وموارد مالية أكثر.
وبالطبع لم تقلل الجائزة على الإطلاق من شأن التحديات الكبيرة التى كنا بصددها، وإن كانت بالتأكيد عززت من قدرتنا وعزيمتنا على التصدى لهذه التحديات.
الفصل التاسع
إيــران 2006
«ولا جهاز طرد واحد»
بحلول يناير 2006، كانت المحادثات الملتبسة والمتعثرة بين إيران والمجتمع الدولى قد توقفت تماما. فلقد رأت إيران أن العرض الأوروبى لتقديم العون والمساعدة التكنولوجية لها مقابل وقف تطوير برنامجها النووى، كان عرضًا مهينًا من حيث الصياغة، وغير ذى فائدة من حيث المكاسب التى يطرحها على إيران، خصوصا ما يتعلق باحتياجاتها الأمنية والسياسية. ومع رفض العرض، وفشل المفاوضات بشأنه، استأنفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، وهو ما أنهى الإيقاف الطوعى الذى كانت طهران قد قررته لأنشطتها النووية، وهى الخطوة التى أدت بمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إدانة «عدم امتثال» إيران لالتزاماتها المقررة بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
ولم يكن هناك تقدم ملموس يلوح فى الأفق. وكانت إيران تشعر بالثقة، فأسعار النفط كانت فى ارتفاع، فى وقت كانت الصين فيه معتمدة على واردات النفط والغاز من إيران، وكانت روسيا مستمرة فى بناء مفاعل بوشهر، كما كانت حريصة على الإبقاء على العلاقات الجيدة مع جارتها إيران.
وبالتالى، قررت إيران أن تقوم بمغامرة محسوبة، حيث أخطرت الوكالة فى 3 يناير بأنها تنوى اتخاذ خطوة للأمام باستئناف أعمال البحث والتطوير الخاصة بتخصيب اليورانيوم، ثم بعثت للوكالة بخطاب تطالبها فيه برفع الأختام التى كانت قد وضعتها على منشأة التخصيب فى «ناتانز».
وكانت هذه المغامرة المحسوبة تنطوى على قيام الإيرانيين بتشغيل عدد محدود من أجهزة التخصيب البحثية فى المحطة التجريبية، وكان الإيرانيون يعتقدون أن مجلس الأمن لن يفرض عليهم عقوبات جديدة، خصوصا أن إجراء عملية تخصيب لأغراض سلمية كان فى كل الأحوال فى إطار الحقوق القانونية المقررة لإيران بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأن قرار إيقاف العمل بهذا الحق كان بمثابة بادرة حُسن نية من قِبل طهران، بغرض تسهيل التفاوض. ولم يكن من المرجح فى تقدير طهران أن يتخذ مجلس الأمن إجراء ضدها لأن معظم حالات «عدم الامتثال» كان قد تم تصحيحها خلال العامين السابقين، كما أن عملية التخصيب الصغيرة تلك كانت بالفعل قانونية. وكان الإيرانيون على ثقة بأنه لن تكون هناك تداعيات سلبية لقرارهم، وأن المفاوضات مع الأوروبيين سيتم استئنافها، وأنهم، أى الإيرانيون، سيقبلون لاحقا بمهلة توقف خلالها عمليات التخصيب واسعة النطاق.
وحاول الروس وهذا ما يُحسب لهم الوصول إلى حل وسط بأن يسمح لإيران بتشغيل عدد محدود يتراوح بين ثلاثين وأربعين جهازًا من أجهزة الطرد فى إطار برنامجهم للبحث والتطوير بحيث يتم تحديد تفاصيلها بالتشاور مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن هذا الاقتراح تم سحبه من قِبل روسيا نظرا للرفض الأمريكى الحاسم لاستئناف إيران أى من أنشطة التخصيب، كما أن إيران نفسها لم تؤيد هذا الاقتراح صراحة.
كان المقترح الروسى فى نظرى معقولا، ويتيح الفرصة لتجاوز حالة التوقف التى وصلت إليها المفاوضات. وعندما زارنى «بوب جوزيف»، الذى حل محل «جون بولتون» فى فيينا أبلغته بذلك. وقد اتصلت بى «كوندوليزا رايس» مباشرة بعد هذا اللقاء معربة عن استيائها، لما وصفته بدعمى لاستئناف إيران لأنشطة التخصيب، مما يضفى الشرعية علىها. وكنت عندئذ فى دافوس، وذكرت لها أننى لم أتخذ موقفًا علنيّا فى هذا الشأن لكنى أرى أن المقترح الروسى جدير بالنظر فيه، لأن فوائده تفوق أضراره، خصوصا أنه إذا ما تم العمل به، فإنه سيمكن للوكالة بموافقة إيران أن تستأنف عمليات التحقق والتفتيش على المنشآت الإيرانية التى قد تكون غير معلنة تنفيذًا للبروتوكول الإضافى الذى وافقت إيران على تنفيذه بشكل مؤقت لحين التصديق عليه، كما ذكرت لها أنه من الضرورى بدء المفاوضات مع إيران، إذا كنا نأمل فى إيقاف تقدمها نحو التخصيب على نطاق واسع.
وفى نهاية تلك المحادثة المتوترة، أبلغتها أن القرار فى النهاية يرجع إلى مجلس الوكالة، لكنى مع ذلك مدين لهم بإبلاغهم بوجهة نظرى. بعد هذه المحادثة التقت «رايس» نظيرها الروسى «سيرجى لافروف» الذى أدلى بتصريحات صحفية تفيد بأنه لم يكن هناك مقترح روسى من الأساس، فى ما بدا محاولة لعدم الدخول فى مواجهة يمكن أن تزيد من تعقيد العملية الدبلوماسية.
وفى فبراير، قرر مجلس الوكالة إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن، وذلك فى ضوء الفشل المتكرر للتوصل لحل تفاوضى لمدة أكثر من عامين بين الدول الأوروبية الثلاث وبين طهران، معلنا بذلك دخول الأزمة مع إيران فى مرحلة جديدة.
ولكن أصوات أعضاء المجلس كانت منقسمة، فمن بين الدول الـ35 الأعضاء، امتنعت خمس دول نامية عن التصويت، بينما صوتت ثلاث دول ضد القرار، من منطلق أن وقف إيران لكامل نشاطاتها كان قرارا اختياريّا، ولم يكن هناك إلزام قانونى. ولقد مثَّل هذا الانقسام فى الآراء خرقا لقاعدة التصويت بالتوافق، فى مجلس محافظى الوكالة والتى تسمى «روح العمل فى ڤيينا». ولم يكن هذا الانقسام مؤشرًا طيبًا.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-10-2012, 07:51 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة السادسة و العشرون
جاء الرد الإيرانى المتوقع فى سبتمبر 2005 بوقف العمل بالبروتوكول الإضافى إذا ما تمت إحالة الملف الإيرانى لمجلس الأمن. وكان من شأن هذه الخطوة أن تقلص بشدة قدرات التفتيش والتحقق من المواد والأنشطة التى قد تكون غير معلنة والتى كانت متاحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها جاءت بمثابة إعلان عن مزيد من التشدد فى المواقف المتخذة من قِبل الأطراف فى الملف الإيرانى.
وكان لا بد من القيام بزيارة أخرى إلى واشنطن، وهو ما حدث فى شهر مايو، حيث التقيت «رايس» و«جون نجروبونتى» مدير المخابرات الوطنية الذى كان من رأيه أنه حتى إذا كان الهدف النهائى لطهران هو تصنيع سلاح نووى، فإن ذلك سيستغرق سنوات عديدة حتى يتمكن الإيرانيون من الحصول على التكنولوجيا اللازمة لهذا الغرض. ولقد دأب «نجروبونتى» على الإدلاء بتصريحات علنيه بهذا المعنى، فى ما بدا لى أنه ربما كان محاولة لدرء التحريض على القيام بعمل عسكرى الذى كانت تنادى به إسرائيل والمتشددون فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وكنت أود استعادة مسار العلاقة مع «رايس»، التى كنت قد اختلفت معها بشدة فى الفترة السابقة للحرب على العراق، دون أن يحول ذلك دون استئنافنا فى ما بعد لعلاقة قوامها الاحترام المتبادل، وأحيانا شىء من الدعابة، خصوصا أننى كنت أرى أن «رايس» تتسم بالبراجماتية أكثر من الأيديولوجية خصوصا إذا كنا وحدنا، وفى كل الأحوال لم يكن خافيا أن آراء «رايس» لم تكن دوما هى التى يتم على أساسها اتخاذ القرارات، وأنها كانت ترى أن مهمتها الرئيسية هى تنفيذ قرارات الرئيس «بوش» الذى كانت تدين له بالكثير من الولاء. ورغم أننى لم أكن واثقا عادة من حقيقة مواقف «رايس»، فإننى كنت فى المجمل أنظر إليها بوصفها إحدى أهم الشخصيات التى يمكن التعامل معها فى إدارة «بوش» كما كنت أرى أنها مؤمنة بأهمية العمل الدبلوماسى.
وبعد حديث حول أمور صغيرة من هنا وهناك، انتقل الحديث إلى الملف الإيرانى وقلت لها بصراحة إنه ينبغى للولايات المتحدة الأمريكية أن تشترك فى الحوار مع إيران، لأن الحوار لن يتقدم دون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقبل توجهى إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنت قد التقيت على لاريجانى، كبير المفاوضين الإيرانيين، وطلب منى أن أنقل إلى الولايات المتحدة أن الإيرانيين مهتمون بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط فى ما يخص الملف النووى الإيرانى، ولكن أيضا فى ما يتعلق بالعراق وأفغانستان وحزب الله وحماس. وعبّر لاريجانى عن قناعته بأن إيران يمكن أن تلعب دورا هامّا إزاء عدد من القضايا التى ستؤثر على انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها قادرة على دعم الأمن فى بغداد، والمساعدة على تشكيل حكومة وحدة وطنية فى لبنان. وعندما ذكرتُ تلك النقطة لـ«رايس» لمحتُ لمعانا فى عينيها.
وقد أكدتُ مرة أخرى لـ«رايس» و«بوب جوزيف» أن المطالب الإيرانية لاستئناف البحث والتطوير على نطاق محدود لنشاطها النووى ليس له تبعات كبيرة من منظور انتشار التكنولوجيا الخاصة بالأسلحة النووية، وأنه فى النهاية يمكن للإيرانيين أن يقوموا بذلك بصورة سرية، وأنه من المشجع جدّا أن إيران اختارت أن تتحرك فى هذا الأمر بعلنية. وأن الشىء المهم هو تجميد أى تحرك نحو التخصيب على نطاق واسع والإبقاء على حضور قوى للوكالة فى إيران لأغراض التحقق من أنشطتها. فما الفائدة من التحقق التام من الأنشطة النووية المعلن عنها دون أن يكون هناك بروتوكول يسمح لنا بالتأكد من أنهم لا يقومون بأنشطة غير معلنة أو أن لديهم برنامجا سريّا؟ وأضفت أن الحصول على التكنولوجيا الخاصة بتطوير الأسلحة شىء والتحرك فعلا لتطوير هذه الأسلحة شىء آخر، وأكدت مرة أخرى أن الموافقة على المطلب الإيرانى لحفظ ماء الوجه سيكون مقابلا بسيطا فى سبيل ذلك.
ولقد سُررت عندما وجدت «رايس» تصغى باهتمام لما كنت أقوله لها، خاصة أنها اعتادت أن تستمع لعبارة واحدة تتردد دوما فى إطار الحديث عن الملف الإيرانى، وهى أنه لا ينبغى أن يُسمح للإيرانيين بتشغيل «ولا حتى جهاز طرد واحد»، وهى المقولة التى طالما رددها «ستيف هادلى»، وربما كان منشأ هذه المقولة من جانب البريطانيين فى أثناء تفاوضهم مع الإيرانيين، حيث قالوا إن برنامج بريطانيا لتصنيع السلاح النووى قام على تشغيل عدد قليل من أجهزة الطرد. وكانت عبارة «ولا حتى جهاز طرد واحد» قد اتخذت أهمية كبرى لدى أولئك المنظرين الأيديولوجيين الذين كانوا يرون فى الولايات المتحدة ضابطا يفرض النظام فى العالم، والذين كانوا يستمعون فقط بعضهم لبعض للإبقاء على معتقدات عفا عليها الزمن. فقد كان من الواضح أن هذا التوجه لن يجدى، لأن إيران لم تكن قطعا لتتخلى عن كل برنامج التخصيب بالكامل.
ولم يكن الكثيرون فى واشنطن يدعمون فكرة الحوار أو التقارب مع إيران، بل إن بعض التقارير قد أشارت فى أبريل إلى ترتيبات سرية لضربة محتملة ضد منشآت إيران النووية. أما «رايس» فكانت مقتنعة أن إيران ستتراجع لأنها ليست مثل كوريا الشمالية، ولا تريد أن تعيش معزولة عن العالم الخارجى.
وأجبت بأننى أخشى أن يأتى تزايد الضغط على إيران بنتيجة عكسية. وكنت أرى فى الوقت نفسه أن السياسة الأمريكية تجاه إيران كانت قائمة على التبسيط المخلّ من خلال عبارتين: «ولا حتى جهاز طرد واحد» و«إيران ستتراجع» وأنها أصبحت تفتقر إلى العمق والمرونة اللازمَيْن للتعامل مع الواقع المتغير.
وفى اللقاءات المنفردة مع «رايس»، حرصَت على تأكيد أنها والرئيس «بوش» يبذلان كل الجهد للتوصل إلى حل سلمىّ لقضية إيران فى محاولة للإيحاء بأنه لا يمكن تصور اللجوء إلى الخيار العسكرى. وبعد عدة أيام صدرت عن واشنطن تصريحات تفيد باعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط فى الحوار المباشر مع طهران فى حال ما التزمت بوقف كل الأنشطة المتعلقة بالتخصيب.
ولقد مثَّل هذا الموقف نقلة جذرية فى التصريحات العلنية التى كانت تصدر من واشنطن، وكان واضحا أن ذلك الموقف جاء نتيجة جهد بذلته «رايس» ومعاونوها فى مقابل الضغط الذى يمارسه المحافظون الجدد الذين يقولون بأن الحوار مع طهران يعطى النظام الإيرانى مشروعية، فى حين أنهم يَدْعون صراحة إلى تغيير هذا النظام.
على الرغم من ذلك، فلقد كان باديا أن ما تطلبه واشنطن فى المقابل من شأنه أن يُحدث خلافات داخلية مزلزلة بالنسبة إلى إيران، بالنظر إلى أن البرنامج النووى الإيرانى أصبح مسألة تتعلق بالكرامة الوطنية، وبالنظر أيضا إلى الصعوبات الكبيرة التى كانت حكومة أحمدى نجاد تواجهها على الساحة الداخلية، وهو ما يعنى أنه سيكون من الصعب عليها أن تقبل بترتيب يمكن أن تبدو على أساسه أنها تخضع لضغوط غربية. إضافة إلى ذلك فإن الحكومة الإيرانية لم تُرِد أن تقدم تنازلات تفاوضية مبكرة للغرب لأن ذلك يُضعِف موقفها التفاوضى، كما أن استئناف العمل فى برنامجها فى المستقبل سيكون معرضا للخطر لو أنه تم تصويره بأنه سيجىء كتنازل من جانب الغرب، وتلك مغامرة غير مأمونة العواقب.
وفى يونية 2006، وإزاء عدم وجود محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران، عاد الأوربيون مرة أخرى بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين للعمل على وضع صفقة جديدة لطرحها على طهران. وكانت الفكرة هى أن يُطرح على إيران مقترح له مساران، الأول أن تحصل إيران على جملة من الحوافز مقابل الموافقة على الحد من برنامجها النووى. والثانى هو الإنذار بعقوبات فى حال لم تقبل بذلك.
ومن جانبى، حاولتُ أن أشرح لهم أنه من المنظور الثقافى، فإن تقديم هذين الطرحين معا أى الجزرة والعصا سيجعل حكومة إيران تبدو كما لو أنها تتفاوض تحت التهديد، مما سيدفعها دفعا نحو رفض المقترح من باب الاحتفاظ بالاحترام الذاتى والتأييد الشعبى. ولم يكن لهذا المنطق أى علاقة بالأبعاد الفنية للموضوع. فالأسلوب الغربى فى التعامل مع إيران كان أشبه بالذهاب إلى السوق وعرض مبلغ مناسب على صاحب المتجر مع تهديده كذلك بحرق المتجر إذا لم يوافق على العرض. وإذا كان هذا الأسلوب يصلح لفيلم سينمائى يمثله «كلينت أيستوود» فهو مقضى عليه بالفشل منذ البداية فى التعامل مع إيران.
وقد أبدى الأوربيون تفهما مبدئيّا لهذا الطرح واتفقوا فى ما بينهم على مجموعة الحوافز، وكذلك على مجموعة من العقوبات. وقرروا أن يذهب «خافيير سولانا» إلى طهران لنقل المقترح، بحيث يتحدث فقط عن الحوافز دون إثارة أمر العقوبات المحتملة فى حالة الرفض.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:22 PM.