اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-10-2012, 11:57 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثامنة عشر
لم أكن واثقًا ما إذا كان الأمريكيون غير مدركين أن ما قاموا به يمثل إحراجا لليبيا، أو ما إذا كانوا غير مهتمين بهذا الأمر من الأساس. لكن بالنسبة إلى اليبيين كان من الضرورى أن يكون واضحًا للإعلام أن قرار طرابلس التخلص من الأسلحة النووية كان قرارًا متفقًا عليه بين الطرفين، وأنه تم تنفيذه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد مناقشة طويلة، وفى ضوء قوانين دولية، وتحت إشراف منظمة دولية. ولم تكن للولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الشعبية فى العالم العربى فى هذه السنوات، وبالتالى فإن آخر ما كانت تريده ليبيا أن تبدو أنها قد خضعت لضغوط أمريكية عنيفة.
وفى اليوم التالى التقيت «بوش»، وعندما تطرق الحديث إلى ليبيا أعرب لى عن شكره للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن جانبى أشرت إلى الحساسيات التى تحيط بالتعامل فى هذا الملف، وأشرت على وجه الخصوص إلى الاستياء الليبى جراء الطريقة التى تم بها عرض المعدات الليبية أمام وسائل الإعلام. وأضفت أنه ينبغى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوخى الحذر فى أن لا تصور القذافى أمام العالم العربى على أنه الرجل الذى خان أمته من أجل العلاقات مع الغرب، مشيرًا إلى أن القذافى لا يحتاج إلى المزيد من النقد فى هذه اللحظة، وأن استمرار أمريكا وبريطانيا فى تصويره على أنه رجل مهزوم لن يخدم على الإطلاق مستقبل العلاقات بين ليبيا وكل من أمريكا وبريطانيا.
ولقد تفهم «بوش» الأمر على الفور وقرر إلغاء استعراض آخر لوصول المعدات الليبية إلى أمريكا بناءً على أوامره. وقال لى «بوش» إنه سيرسل «بيل بيرنز» مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط إلى ليبيا ليعرب لطرابلس عن التقدير لقرارها التخلى عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما أكد لى «بوش» «الالتزام بتطبيع العلاقات مع ليبيا»، وطلب منى إذا ما سنحت الفرصة أن أنقل مودته إلى القذافى.
لكن التعقيدات المحيطة بتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع ليبيا لم تنته، ففى مايو 2004 أخبرنى معتوق أن «جون بولتون» يلح على ليبيا لتوقيع اتفاقية ثنائية بشأن أسلحة الدمار الشامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبموجب الاتفاقية المقترحة من «بولتون» فإن واشنطن سيكون لها الحق فى اتخاذ تدابير، تشمل أعمال التفتيش، فى حال ما قامت ليبيا بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية أو فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما أخبرنى معتوق كذلك أن واشنطن تريد من طرابلس رفع شرط السرية المفروضة على سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بليبيا حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاطلاع عليها.
ونصحت معتوق بأن لا يستجيب إلى أى من المطلبَيْن، وأننى لا أوافق على أن يطَّلع أى شخص على ملفاتنا. فشرط السرية إجراء اعتيادى فى كل ما يتعلق بنظام الضمانات فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن ليبيا لا تحتاج إلى التوقيع على ضمانات إضافية، لأن الضمانات التى تلتزم بها ليبيا مع الوكالة كافية، وبالتالى فإن مثل هذا التوقيع لا يمكن فهمه إلا على أنه رخصة غير مبررة من ليبيا للأمريكيين للتدخل فى أى وقت. وبالطبع لم يكن من الصعب إقناع معتوق بذلك.
وفى يونية التقيت شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا الذى أصبح فى ما بعد وزيرا للبترول فى مؤتمر فى فرنسا. وكانت تربطنى بغانم صداقة منذ السنوات التى عمل فيها مديرا للدراسات فى منظمة الأوبك بڤيينا. وأراد غانم أن يُعرفنى بأحدهم: سيف الإسلام القذافى، ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسؤول عن التوصل للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا للأسلحة النووية.
وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف الإسلام ثم انصرف، وكان واضحًا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصح حول جملة من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى الغرب عموما. ولم أجد هناك داعيا لمحاولة إخفاء الحقيقة أو تجميلها، فقلت له إن «الغرب لا يثق فى ليبيا، وإنه سيكون عليكم بناء الثقة معهم، وهذا الأمر سيستغرق وقتا». ثم أضفت أنه من الناحية الأخرى فإن ليبيا تثبت الآن أنها تريد أن تأخذ منحى جديدًا بوصفها عضوًا مسؤولا فى المجتمع الدولى، وهو ما يعنى أنه يحق لليبيين طلب المساعدة فى مجالات مثل التعليم والإدارة المالية وغيرها من الاحتياجات الوطنية.
وتحدث سيف الإسلام عن افتقار ليبيا للكفاءات الإدارية الرفيعة فى الحكومة، فكان اقتراحى له اعتماد آلية للتدريب تقوم على إرسال بعض من الإداريين الليبيين إلى الخارج للتدريب والاستعانة فى نفس الوقت ببعض الكفاءات الخارجية لتقديم دورات تدريبية لليبيين فى بلادهم. فى الوقت نفسه كان على ليبيا أن تعمل على تطوير بنيتها التحتية فى أسرع وقت ممكن.
ولقد لاحظت أن عزلة ليبيا عن العالم خلال العقود الماضية كانت لها أثر سلبى كبير على البلاد، ففى عام 1964 كان هناك خط طيران مباشر بين نيويورك وطرابلس، التى كانت تعد فى ذلك الوقت واحدة من المدن المزدهرة على ساحل المتوسط. وفى عام 1970 لجأ الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات إلى ليبيا ليحصل على قرض وليجرى عملية جراحية، وبالطبع منذ ذلك الحين تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى قوة اقتصادية صاعدة، بينما تراجع حال ليبيا كثيرًا عامًا بعد آخر.
إن أسلوب القذافى فى الحكم يمكن أن يوصف على أقل تقدير بأنه مختلف، ففى أحد الأعوام قرر القذافى وقف مهنة الحلاقة لأنه لم يكن يعتقد أنها مهنة منتجة، وهو ما دفع الليبيين خلال تلك الفترة إلى أن يعتمدوا على أنفسهم فى تهذيب شعرهم، أو للحلاقة فى الخفاء.
كما كان للقذافى أيضا طريقة غريبة فى التعامل مع الشخصيات الدولية، بما فى ذلك قراره لقاء «كوفى أنان» فى خيمة فى وسط الصحراء فى منتصف الليل خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، لأن القذافى كان مستاءً من قيام الأمم المتحدة بفرض بعض العقوبات على ليبيا مؤخرًا. وإضافة إلى ذلك فإن وصول «أنان» إلى خيمة القذافى استغرق ساعتين مر خلالهما فى دوائر عبر الصحراء فى عتمة الليل مع اختراق صمت الصحراء المطبق لأصوات حيوانات كان «أنان» لا يراها أو يعرف ماهيتها بالضبط.
وفى عام 2004 قام الرئيس الفرنسى «شيراك» لأول مرة بزيارة إلى ليبيا فأحضره القذافى أيضا إلى خيمته، وفى أثناء المباحثات دخل عمال النظافة لتنظيف الخيمة، وبعد أن انصرفوا دخلت عنزة تتجول فى الخيمة.
وإذا ما صدقت مثل هذه الروايات فلا يمكن بسهولة معرفة السبب وراء مثل هذه التصرفات غير المألوفة، وعما إذا كان السبب هو إبداء عدم رضا القذافى عن بعض السياسات التى تتبعها الأمم المتحدة أو فرنسا، أو التأكيد على أن القذافى لا يلتزم بالقواعد البروتوكولية المتعارف عليها فى التعامل مع الشخصيات الدولية الرفيعة.
وفى كل الأحوال فإن آثار عدم الخبرة الناجمة عن سنوات العزلة الطويلة على ليبيا كانت بادية فى الأوجه، سواء فى ذلك نقص الكفاءات الإدارية أم البنية التحتية المتدهورة أم السياسات الداخلية والخارجية «الفريدة» من نوعها، وذلك كله بينما ممثلو الشركات الدولية يتوافدون على ليبيا للحصول على صفقات لاستغلال الموارد الليبية.
ولا بد من القول إننى مع ذلك كنت مندهشا بأن ليبيا، على الرغم من كل العزلة التى تعرضت لها، وعلى الرغم من العقوبات الدولية التى فرضت عليها، فإنها تمكنت بسهولة من تطوير برنامج لأسلحة الدمار الشامل بما فى ذلك برنامج بدائى لتطوير السلاح النووى.
وفى الحقيقة فإننى كنت قلقا من رغبة الكثيرين فى التعامل بسرعة مع هذا الوضع، دون النظر بعمق إلى الدواعى وراء مثل هذا البرنامج النووى السرى، سواء فى ليبيا أم غيرها، والذى تم تطويره عبر عدة عقود من الزمن. فمثل هذه الدواعى لا تستأصل بتوقيع اتفاق واحد أو بعقوبات تفرض على عجل أو بحملة قصف خاطفة أو حتى بخطوات دبلوماسية متفرقة، فتفكيك المعدات والمواد الخطرة هو خطوة أولية فقط فى عملية معقدة. والتغيير الحقيقى فى مثل هذه الحالات يتطلب التزاما طويل الأجل بإقامة علاقات قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة. والنجاح النسبى الذى يمكن أن تحققه ليبيا فى إقامة مثل هذه العلاقات مع شركائها الدوليين سيتضح فقط بمرور الوقت.
وقد كنت دائما، وما زلت، منزعجا لرغبة بعض الدول فى ممارسة الخداع وحجب المعلومات بالمخالفة لالتزاماتها الدولية: فليبيا خرقت التزاماتها المقررة حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكلٌّ من أمريكا وبريطانيا حجبت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات استخباراتية كشفت عن برنامج ليبى سرى للتسلح النووى إلى أن قررت الكشف عن هذه المعلومات فى الوقت الذى يناسبها هى، ثم قامت بعد ذلك بنشر أحاديث مبالغ فيها عن هذا البرنامج لتحقق أهدافا دعائية.
تساءلت كثيرا وما زلت: إلى أى مدى يمكن أن يتسامح المجتمع الدولى مع مثل هذه الممارسات؟ وإلى أى مدى يمكن أن تستمر قبل أن تأخذ فى النَّيل من مصداقية نظام منع التسلح النووى بكامله؟
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-10-2012, 12:17 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة التاسعة عشر
لقد مثّل الكشف عن الشبكة السرية لعبد القدير خان الحلقة الثالثة فى سلسلة من التغيرات العميقة فى الوضع النووى حول العالم. كان التطور الأول هو خرق دول أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لالتزاماتها المقررة فيها، بسعيها سرّا لتطوير أسلحة نووية، كما كان الحال بالنسبة إلى العراق وكوريا الشمالية. ولم تكن ليبيا سوى المثال الأحدث على ذلك. أما الحلقة الثانية فكانت قيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة، وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون فى ما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن المجموعات الإرهابية دخلت إلى سوق المواد المشعة. ورأى الخبراء النوويون أن من لديه القدرة على القيام بمثل هذا العمل المنظم والمعقد يمكن له أيضا أن يضع يديه على مواد الإشعاع، التى يمكن أن يصنع منها «قنبلة قذرة» أو الأسوأ أن يتمكنوا من الحصول على كمية كافية من المواد النووية يتمكنون بها من صُنع قنبلة نووية حتى ولو كانت بدائية. ولقد زاد القلق من مثل هذا الوضع عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة تنظيم القاعدة الحصول على أسلحة دمار شامل.
وتمثلت ردة فعل المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات لتقييم كيفية حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمن النووى من مليون دولار إلى 30 مليون دولار، وقد جاءت الزيادة فى أغلبها من إسهامات طوعية. وقامت الوكالة بإرسال فِرق للبحث فى مصير المواد المشعة المهملة فى دول الاتحاد السوفييتى السابق مثل جورجيا وغيرها. فى الوقت نفسه تم رفع مستوى التأمين الفعلى على كل محطات القوى النووية والمفاعلات البحثية وغيرها من المنشآت النووية. وتحرك العالم بموازاة ذلك لإعادة تقييم السيناريوهات المحتملة للقيام بأعمال تخريبية فى المنشآت النووية.
ولم يكن الرد على هذا التهديد موحدًا عبر العالم. فقد بادرت الدول الغربية والمنظمات الأهلية فى كثير من هذه الدول بتقديم إسهامات طوعية لدعم أعمال الأمن النووى التى تقوم بها الوكالة. غير أن الدول النامية أصرّت على أن لا تأتى هذه الزيادة من الميزانية العادية للوكالة. وفى المناقشات التى دارت فى الكواليس أشاروا إلى أن الوكالة عليها، كما جرت العادة، أن توجد التوازن المطلوب بين تقديم التمويل للنهوض بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مثل علاج مرض السرطان أو تحسين الإنتاجية الزراعية وبين تحقيق الأمن النووى، فقد كانت هذه الدول تخشى أن تصبح هذه الاستثمارات الضخمة الجديدة بندا دائما فى ميزانية الوكالة وتصبح بالتالى ملزمة بالمساهمة فيها.
وقد كان هذا الخلاف فى المواقف مؤشرًا جديدًا من ضمن مؤشرات التباين بين تعاطى دول الشمال ودول الجنوب مع الشأن النووى إجمالا. وكان عديد من الدول النامية يرى أن أخطار التهديدات النووية تستهدف فى المقام الأول الدول المتقدمة صناعيّا وغالبيتها غربية، وبالتالى فعلى الدول الغربية أن تدفع فاتورة تأمين منشآتها، وكانت هذه الرؤية قاصرة، لأن الأحداث أكدت لنا أن الأخطار تهدد كذلك الدول الصغيرة والأقل نموّا كما دلت عليه محاولات تهريب المواد النووية والمواد المشعة، وهى المحاولات التى تشير معلومات الأجهزة الأمنية فى العالم إلى أنها لا تفرق بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد دل على ذلك أيضا تزايد الطلب من جميع أنحاء العالم على خدمات الأمن النووى التى تقدمها الوكالة. وبالفعل فقد قامت الوكالة خلال السنوات التالية لأحداث الحادى عشر من سبتمبر بتقديم الدعم الفنى للنهوض بترتيبات حماية للمواقع النووية فى أكثر من 30 دولة، كما قامت بعقد المئات من ورش العمل والدورات التدريبية للتوعية بأسباب وطرق الأمن النووى فى أكثر من 120 دولة، ذلك إلى جانب قيامها بتوزيع ما يزيد على 3000 معدة لتقصى أى تسريبات إشعاعية وتأمين نحو 5000 مصدر للمواد المشعة فى العديد من بلدان العالم.
وفى أوائل عام 2004 كنا بصدد مواجهة تغيرات جديدة كشفت عنها التطورات التى رأيناها فى إيران وليبيا، وهى وجود سوق سوداء للمواد والمعدات النووية. ولأن كل سوق يقوم على أساس العرض والطلب فقد كان واضحًا بالنسبة إلينا أن الطلب موجود سواء من قِبل بعض الدول، أم من قِبل بعض الجماعات المتطرفة التى تسعى للحصول على المواد النووية وعلى تكنولوجيا الأسلحة النووية. أما جانب العرض فقد كان متاحًا من خلال شبكة عبد القدير خان والمتعاملين معه. وفى السنوات التالية، ومع زيادة أعمال المراقبة والمتابعة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قاعدة البيانات لدى الوكالة رصدت أكثر من 1300 حالة لمحاولة تهريب غير مشروع للمواد النووية والمواد المشعة. لقد كنا بصدد اكتشاف سوق كبيرة للبضائع النووية تخدم كل العملاء حسب الطلب.
لكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل عبد القدير خان ليقوم بما قام به؟ والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته فى الهند، حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية. وبعد فترة ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان، حيث استقر هناك منذ عام 1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين من الزمن وعندما كان خان يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراه وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان ليصبح بنجلادش. وفى عام 1974 عندما قامت الهند بأول تفجيراتها النووية كان خان يعمل فى شركة «urenco» وهى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم، والمملوكة لبريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبًا مهمّا فى سوق الوقود النووية.
ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالحماسة الوطنية، أو الرغبة فى دعم المسلمين الذين رآهم يتعرضون للقمع، أو بمجرد الطموحات والمكاسب الشخصية، ولم تمكن باكستان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استجواب خان بطريق مباشر حتى تستطيع أن تكوّن تصورًا وراء أهدافه وعملائه.
ولكن كان من الواضح أنه عندما عاد خان إلى باكستان ليرأس معامل البحوث الهندسية، التى سميت باسمه من بعد، فإن الموارد والإمكانات اللازمة قد سخرت له، والتى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات باكستان النووية. ولقد لجأ خان فى ذلك لاستخدام معلومات وتكنولوجيا استحوذ عليها بطريقة غير قانونية من خلال عمله فى شركة «urenco» شملت تصميمات لأجهزة الطرد ومجموعة كبيرة من قوائم الاتصالات وأسماء الشركات التى يمكن من خلالها شراء المعدات والمواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم وغيرها من أجزاء دورة الوقود النووى. وإلى جانب تطوير القدرات النووية الباكستانية فمن المؤكد أن خان استخدم السوق النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات فى أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار. واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات، وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كوَّنها كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى.
وبعد أن حصلنا على أول حصيلة من المعلومات حول ما كان خان يقوم به فى إيران وفى ليبيا قام «أوللى هاينونين»، أحد المدراء المسؤولين عن نظام الضمانات بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعملية دراسة وبحث موسَّعَيْن فى نشاط هذه الشبكة غير القانونية. ومن خلال هذه الدراسة والتحريات اللتين اشترك فيهما مع «هاينونين» عدد كبير من المعاونين تمكنَّا من أن نضع أيدينا على معلومات مهمة حول المتعاونين مع خان، ووسائل تحويل الأموال فى إطار هذه الشبكة، بل ووضعنا أيدينا أيضا على أسماء بعينها وتواريخ محددة لتحويلات مالية تمت عبر بنوك تم رصدها لعمليات إمداد الجهات والدول المختلفة بهذه المواد والتكنولوجيا النووية، إلى جانب قائمة بأسماء الوسطاء.
وبالطبع فإنه بالتوازى مع عملنا هذا كانت أجهزة المخابرات الرئيسية فى العالم تقوم بدورها بعمليات الرصد للأذرع المختلفة لهذه الشبكة غير القانونية وكانت تمدنا بمعلومات مهمة تساعدنا فى عملنا المتعلق بالكشف عن تفاصيل البرامج النووية سواء فى إيران أم ليبيا أم كوريا الشمالية أم غيرها.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2012, 12:18 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة التاسعة عشر
لقد مثّل الكشف عن الشبكة السرية لعبد القدير خان الحلقة الثالثة فى سلسلة من التغيرات العميقة فى الوضع النووى حول العالم. كان التطور الأول هو خرق دول أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لالتزاماتها المقررة فيها، بسعيها سرّا لتطوير أسلحة نووية، كما كان الحال بالنسبة إلى العراق وكوريا الشمالية. ولم تكن ليبيا سوى المثال الأحدث على ذلك. أما الحلقة الثانية فكانت قيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة، وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون فى ما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن المجموعات الإرهابية دخلت إلى سوق المواد المشعة. ورأى الخبراء النوويون أن من لديه القدرة على القيام بمثل هذا العمل المنظم والمعقد يمكن له أيضا أن يضع يديه على مواد الإشعاع، التى يمكن أن يصنع منها «قنبلة قذرة» أو الأسوأ أن يتمكنوا من الحصول على كمية كافية من المواد النووية يتمكنون بها من صُنع قنبلة نووية حتى ولو كانت بدائية. ولقد زاد القلق من مثل هذا الوضع عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة تنظيم القاعدة الحصول على أسلحة دمار شامل.
وتمثلت ردة فعل المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات لتقييم كيفية حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمن النووى من مليون دولار إلى 30 مليون دولار، وقد جاءت الزيادة فى أغلبها من إسهامات طوعية. وقامت الوكالة بإرسال فِرق للبحث فى مصير المواد المشعة المهملة فى دول الاتحاد السوفييتى السابق مثل جورجيا وغيرها. فى الوقت نفسه تم رفع مستوى التأمين الفعلى على كل محطات القوى النووية والمفاعلات البحثية وغيرها من المنشآت النووية. وتحرك العالم بموازاة ذلك لإعادة تقييم السيناريوهات المحتملة للقيام بأعمال تخريبية فى المنشآت النووية.
ولم يكن الرد على هذا التهديد موحدًا عبر العالم. فقد بادرت الدول الغربية والمنظمات الأهلية فى كثير من هذه الدول بتقديم إسهامات طوعية لدعم أعمال الأمن النووى التى تقوم بها الوكالة. غير أن الدول النامية أصرّت على أن لا تأتى هذه الزيادة من الميزانية العادية للوكالة. وفى المناقشات التى دارت فى الكواليس أشاروا إلى أن الوكالة عليها، كما جرت العادة، أن توجد التوازن المطلوب بين تقديم التمويل للنهوض بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مثل علاج مرض السرطان أو تحسين الإنتاجية الزراعية وبين تحقيق الأمن النووى، فقد كانت هذه الدول تخشى أن تصبح هذه الاستثمارات الضخمة الجديدة بندا دائما فى ميزانية الوكالة وتصبح بالتالى ملزمة بالمساهمة فيها.
وقد كان هذا الخلاف فى المواقف مؤشرًا جديدًا من ضمن مؤشرات التباين بين تعاطى دول الشمال ودول الجنوب مع الشأن النووى إجمالا. وكان عديد من الدول النامية يرى أن أخطار التهديدات النووية تستهدف فى المقام الأول الدول المتقدمة صناعيّا وغالبيتها غربية، وبالتالى فعلى الدول الغربية أن تدفع فاتورة تأمين منشآتها، وكانت هذه الرؤية قاصرة، لأن الأحداث أكدت لنا أن الأخطار تهدد كذلك الدول الصغيرة والأقل نموّا كما دلت عليه محاولات تهريب المواد النووية والمواد المشعة، وهى المحاولات التى تشير معلومات الأجهزة الأمنية فى العالم إلى أنها لا تفرق بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد دل على ذلك أيضا تزايد الطلب من جميع أنحاء العالم على خدمات الأمن النووى التى تقدمها الوكالة. وبالفعل فقد قامت الوكالة خلال السنوات التالية لأحداث الحادى عشر من سبتمبر بتقديم الدعم الفنى للنهوض بترتيبات حماية للمواقع النووية فى أكثر من 30 دولة، كما قامت بعقد المئات من ورش العمل والدورات التدريبية للتوعية بأسباب وطرق الأمن النووى فى أكثر من 120 دولة، ذلك إلى جانب قيامها بتوزيع ما يزيد على 3000 معدة لتقصى أى تسريبات إشعاعية وتأمين نحو 5000 مصدر للمواد المشعة فى العديد من بلدان العالم.
وفى أوائل عام 2004 كنا بصدد مواجهة تغيرات جديدة كشفت عنها التطورات التى رأيناها فى إيران وليبيا، وهى وجود سوق سوداء للمواد والمعدات النووية. ولأن كل سوق يقوم على أساس العرض والطلب فقد كان واضحًا بالنسبة إلينا أن الطلب موجود سواء من قِبل بعض الدول، أم من قِبل بعض الجماعات المتطرفة التى تسعى للحصول على المواد النووية وعلى تكنولوجيا الأسلحة النووية. أما جانب العرض فقد كان متاحًا من خلال شبكة عبد القدير خان والمتعاملين معه. وفى السنوات التالية، ومع زيادة أعمال المراقبة والمتابعة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قاعدة البيانات لدى الوكالة رصدت أكثر من 1300 حالة لمحاولة تهريب غير مشروع للمواد النووية والمواد المشعة. لقد كنا بصدد اكتشاف سوق كبيرة للبضائع النووية تخدم كل العملاء حسب الطلب.
لكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل عبد القدير خان ليقوم بما قام به؟ والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته فى الهند، حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية. وبعد فترة ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان، حيث استقر هناك منذ عام 1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين من الزمن وعندما كان خان يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراه وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان ليصبح بنجلادش. وفى عام 1974 عندما قامت الهند بأول تفجيراتها النووية كان خان يعمل فى شركة «urenco» وهى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم، والمملوكة لبريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبًا مهمّا فى سوق الوقود النووية.
ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالحماسة الوطنية، أو الرغبة فى دعم المسلمين الذين رآهم يتعرضون للقمع، أو بمجرد الطموحات والمكاسب الشخصية، ولم تمكن باكستان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استجواب خان بطريق مباشر حتى تستطيع أن تكوّن تصورًا وراء أهدافه وعملائه.
ولكن كان من الواضح أنه عندما عاد خان إلى باكستان ليرأس معامل البحوث الهندسية، التى سميت باسمه من بعد، فإن الموارد والإمكانات اللازمة قد سخرت له، والتى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات باكستان النووية. ولقد لجأ خان فى ذلك لاستخدام معلومات وتكنولوجيا استحوذ عليها بطريقة غير قانونية من خلال عمله فى شركة «urenco» شملت تصميمات لأجهزة الطرد ومجموعة كبيرة من قوائم الاتصالات وأسماء الشركات التى يمكن من خلالها شراء المعدات والمواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم وغيرها من أجزاء دورة الوقود النووى. وإلى جانب تطوير القدرات النووية الباكستانية فمن المؤكد أن خان استخدم السوق النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات فى أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار. واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات، وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كوَّنها كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى.
وبعد أن حصلنا على أول حصيلة من المعلومات حول ما كان خان يقوم به فى إيران وفى ليبيا قام «أوللى هاينونين»، أحد المدراء المسؤولين عن نظام الضمانات بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعملية دراسة وبحث موسَّعَيْن فى نشاط هذه الشبكة غير القانونية. ومن خلال هذه الدراسة والتحريات اللتين اشترك فيهما مع «هاينونين» عدد كبير من المعاونين تمكنَّا من أن نضع أيدينا على معلومات مهمة حول المتعاونين مع خان، ووسائل تحويل الأموال فى إطار هذه الشبكة، بل ووضعنا أيدينا أيضا على أسماء بعينها وتواريخ محددة لتحويلات مالية تمت عبر بنوك تم رصدها لعمليات إمداد الجهات والدول المختلفة بهذه المواد والتكنولوجيا النووية، إلى جانب قائمة بأسماء الوسطاء.
وبالطبع فإنه بالتوازى مع عملنا هذا كانت أجهزة المخابرات الرئيسية فى العالم تقوم بدورها بعمليات الرصد للأذرع المختلفة لهذه الشبكة غير القانونية وكانت تمدنا بمعلومات مهمة تساعدنا فى عملنا المتعلق بالكشف عن تفاصيل البرامج النووية سواء فى إيران أم ليبيا أم كوريا الشمالية أم غيرها.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:40 AM.