اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2012, 12:25 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

بارك الله فيك على هذه الحلقات الرائعة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-10-2012, 09:52 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة العشرون
كان جانب كبير من التحريات التى تقوم بها الوكالة يرمى إلى تتبع سلسلة الإمدادات من مختلف المكونات. فقد استخرجنا من أوامر الشراء عناوين وأسماء الشركات والاتصالات، وأيضا الكشوف المالية متى كانت متاحة. واستخدمت بطاقات المعدات لمعرفة مورديها المحتملين، واستخدمت الأرقام المسلسلة لتتبع تواريخ وأماكن الإنتاج (ما لم تكن الأرقام قد تم محوها). وقمنا بالطبع بإجراء مقابلات وبجهود مضنية لمقارنة المعلومات التى كنا قد حصلنا عليها من العلماء والمسؤولين الإيرانيين والليبيين بالقصص التى يرويها الوسطاء الذين كان لهم دور ما. وبدأت معالم الصورة تتضح.
ومما تم كشفه فى إطار عملية البحث هذه أن واحدة من أولى عمليات خان تمت عام 1987 من خلال مجموعة من معاونى خان. كان هؤلاء المعاونون قد أجروا لقاءً مع بعض الإيرانيين فى دبى ليتفقوا على صفقة لبيع بعض مكونات وتصميمات أجهزة الطرد المستخدمة فى عمليات تخصيب اليورانيوم. واستطاعت الوكالة الحصول على ورقة مكتوبة بخط اليد كشفت عن الصفقة، تضمنت الورقة المواد النووية التى كانت إيران ترغب فى شرائها، وكانت أشبه بقائمة تسوق منزلى. وحصلت إيران ضمن هذه الصفقة على قائمة بأسماء الشركات الأوروبية وغير الأوروبية التى تستطيع أن تشترى منها التكنولوجيا اللازمة لبرنامجها.
وحسب نفس التحريات فإن أقرب مساعدى خان فى عملياته هذه هو رجل أعمال من ****انكا اسمه بوهارى سيد أبو طاهر، ويمتلك واحدة من أهم شركات إنتاج الأجهزة الإلكترونية فى دبى ورثها هو وأخوه عن والدهما. وكانت علاقة طاهر مع خان قد بدأت مع قيام شركة الأول بتوريد أجهزة تكييف إلى أحد أكبر المعامل الوطنية البحثية فى باكستان فى وقت كان فيه خان هو المسؤول عن هذه المعامل، ومع الوقت توطدت العلاقة بين خان وطاهر وأصبح هو الوسيط الذى يقوم بكثير من المهام نيابة عن خان مع وسطاء آخرين.
ولقد كان طاهر هو من تولى عملية نقل بعض أجهزة الطرد المستخدمة لتخصيب اليورانيوم إلى إيران فى صفقة تالية جرت فى عام 1994 وتم خلالها نقل المعدات من دبى إلى إيران على متن باخرة نقل مملوكة لأحد المواطنين الإيرانيين.
كانت دبى بوصفها مركزا تجاريّا هامّا تتسم نظمه الجمركية بالمرونة مكانا مناسبا لإجراء عمليات الشحن هذه، وقام خان بشراء منزل فى واحد من أحيائها السكنية الراقية ليدير منها أعمال شبكته.
وكانت ماليزيا موقعا مهمّا آخر فى نشاطات خان، وكان طاهر متزوجا من سيدة ماليزية وله علاقات عمل مع شركة هندسية تقوم بإنتاج أجزاء من أجهزة الطرد المستخدمة فى عمليات تخصيب اليورانيوم وهناك تم التعاون مع مهندس سويسرى هو «أورس تينر»، نجل المهندس النووى «فريدريك تينر» الذى كان شريكا لخان فترة طويلة، لإنشاء مصنع فى ماليزيا والإشراف على إنتاجه. وكانت المواد الخام، من الألمنيوم رفيع المستوى، تُستورد من سنغافورة. ولأن الأجزاء المستخدمة فى تجميع أجهزة الطرد الخاصة بعمليات تخصيب اليورانيوم كانت تصنَّع كقطع منفصلة فإنها كانت قابلة أيضا للاستخدام فى بعض الأجهزة المنزلية فلم يكن للعاملين فى الشركة أو إدارتها أن يعرفوا على وجه اليقين، أو ربما حتى يرتابوا، فى أن الأجزاء سيتم استخدامها لأغراض أخرى. وكانت أجهزة الأمن الماليزية قد كشفت عن تورط طاهر فى هذه النشاطات، وقامت بالقبض عليه مع آخرين فى مايو 2004 بوصفه يهدد الأمن القومى لماليزيا.
وبعد القبض عليه طالبتُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعدة أشهر متتالية أن تقوم باستجواب طاهر وهو ما تم بعد فترة طويلة، وكشف الاستجواب أن شبكة خان يعمل من خلالها عدد من المهندسين ورجال الأعمال ومجموعة من المعارف والأقرباء يعملون معا دون تسلسل محدد للمهام والأدوار. وكان يتعاون مع هؤلاء مجموعةٌ غير قليلة من الوسطاء، تم الكشف عن بعضهم عندما قررت حكوماتهم ملاحقتهم قضائيّا لاتهامهم بتهم جنائية مختلفة. وكان من بين هؤلاء مواطن ألمانى يعيش فى سويسرا ومواطن بريطانى يعيش فى فرنسا، ورد ذكرهما فى قضية فى ألمانيا وجنوب إفريقيا، واعترف كلاهما بمعرفته بخان، لكنهما أنكرا أنهما متواطئان فى عمليات غير قانونية تتعلق ببرامج نووية غير مشروعة ولم يقدما للمحاكمة. كما تم القبض على مواطنَيْن أحدهما جنوب إفريقى أُسقطت عنه التهمة بعد أن وافق على الإدلاء بشهادة ضد مواطن ألمانى يقيم بجنوب إفريقيا قيل إنه هو الذى أدخله فى الشبكة. كما أن هذه الشهادة ورطت مواطنا سويسريّا آخر يقيم أيضا فى جنوب إفريقيا.
كما علمنا أيضا أن كلّا من البائع والمشترى فى هذه السوق، كما هو الحال فى جميع الأسواق الأخرى كانا يتخذان المبادرة. وعلى سبيل المثال، فإن إيران مثلا كانت تقوم بمحاولات مستقلة لشراء معدات نووية يمكن استعمالها فى مجالات أخرى، وذلك من عدد من الدول، بخلاف اتصالها برجال خان. وكانت فى الوقت نفسه تسعى فى منتصف التسعينيات للحصول على مواد وأدوات من جنوب إفريقيا، ولكن ذلك لم يتحقق حيث إن جنوب إفريقيا كانت قد انضمت فى هذا الوقت إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وفى كل الأحوال فإن مَن يقوم بالشراء كان يتحرك بصورة يصعب معها كشف هويته أو نواياه، وبالتالى، وإمعانا فى التمويه، فإنه كان يستعين بعديد من الوسطاء الذين لا يعرف أحدهم الآخر. ولم يكن المورِّد يعرف المقصد النهائى أو الاستخدام الحقيقى للبضائع. وفى بعض الأحيان كان يتم استخدام شركات حقيقية كأحد الوسطاء، وفى أحيان أخرى كان يتم إنشاء شركات وهمية فى دبى بواسطة خان أو أحد مساعديه لتولى مهمة الوساطة، ثم يجرى تصفيتها بعد انتهاء مهمتها. أما الدفع فكان يتم دوما من بلد آخر غير البلد الذى ستنتهى إليه المعدات التى يتم شراؤها على أجزاء من جهات مختلفة، وكان الدفع يتم من حسابات مختلفة يصعب التأكد من هوية أصحابها، وأحيانا كان الدفع يتم نقدًا، كما حدث مع إيران فى بعض الحالات، وكان خان يعتمد على تجار الذهب فى دبى لتولِّى مهمة غسل هذه الأموال وتبييضها.
وكان أبسط ما لدى خان من سلع وأكثرها قيمة قائمة طويلة من المعارف، أفرادا وشركات، فى بلدان عديدة لتسهيل مهمته فى إمداد عملائه بالتكنولوجيا والمواد اللازمة لتكوين برنامج نووى، فخلال عمله فى هولندا، مثلا، كان يستخدم نوعًا من الصلب شديد الصلابة من خلال شركة موردة للشركة الأم التى يعمل فيها وعُرِف من خلال ذلك الشركات الهندسية التى تقوم بتوريد هذا النوع من الصلب، وهو مادة أساسية لصنع الروتور الخاص بأجهزة الطرد. ومن خلال معارفه فى الشركات تمكن عملاؤه من أن يعرفوا أسماء العاملين ووسيلة الاتصال بتلك الشركات.
ونفذت الشبكة أحد مشروعاتها الهامة فى بلدة صغيرة بالقرب من جوهانسبرج فى جنوب إفريقيا. كان المشروع يشتمل على إقامة منظومة لوحدات المعالجة اللازمة لتخصيب اليورانيوم بخلاف أجهزة الطرد. وكانت المنظومات فى ما عدا ذلك مكتملة بطلمباتها وصماماتها ووسائل تلقيمها ومراجلها المصنوعة من الصلب، والأنابيب التى يمر بها غاز (UF6) إلى أجهزة الطرد المتتابعة. وقد رتبت هذه الأخيرة بطريقة المراحل التدريجية بحيث يتم تخصيب اليورانيوم الطبيعى أولا بنسبة 3.5% «U-235»، ثم يتم تخصيبه بعد ذلك بنسبة أعلى تصل إلى 90% التى تكون صالحة لصنع الأسلحة. وكان صاحب المصنع يصف هذه المنظومة بأنها «عمل فنى» (A work of art).
وفى سبتمبر 2004 داهمت شرطة جنوب إفريقيا المصنع، بناءً على معلومة وصلتها وبالتنسيق مع المسؤولين فى جنوب إفريقيا عن مكافحة الانتشار النووى ومفتشى الوكالة، وكانت المنظومة قد تم تفكيكها قطعة قطعة ووضعت فى حاويات استعدادا لشحنها.
ولقد كانت الصدمة كبيرة فى جنوب إفريقيا لدى الكشف عن هذه العملية السرية، لأن هذا البلد بالذات كان قد اختار طوعا التخلى عن برنامجه النووى، وأصبح زعماؤه من أقوى الدعاة لعدم الانتشار ونزع السلاح النووى. وبالتالى فقد أدى هذا الكشف إلى إدراك واسع للحاجة الشديدة لمزيد من الجهود الوطنية لمراقبة إنتاج وتجارة الصادرات النووية أو متعددة الاستخدامات.
ولم تكن جنوب إفريقيا هى وحدها المعنية بالأمر. فقد بدأت التفاصيل تتوالى وتبين أن الشبكة كانت تتعامل مع جهات عديدة وأفراد كثيرين فى إسبانيا وألمانيا وسويسرا. وكان التعاون يشمل عمل مواطنين من بلدان مختلفة يعملون فى بلدان أخرى مثل عمل مهندس سويسرى فى شركة مقرها ماليزيا تقوم باستخدام رسوم هندسية واردة من باكستان، لكن تصميمها الأصلى تم فى هولندا، أو مهندس إسرائيلى من أصل مجرى يعمل فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومهندس بريطانى لجأ إلى التعاون مع مصنع فى إيطاليا، وآخر فى تركيا لتوفير معدات تذهب لليبيا. لقد كانت الشبكة واسعة ومتداخلة ومتقاطعة، وشملت نحو 30 شركة فى عدد مماثل من البلدان.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-10-2012, 10:46 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الواحد و العشرون
فى عام 2003 كان مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجوبون أنحاء العراق المختلفة بحثًا عن أسلحة نووية لم يكن لها وجود، وبعد عام فها نحن نجد الدليل القاطع تلو الآخر على عملية واسعة للانتشار النووى، ها نحن نرى ليبيا تعترف بطموحاتها النووية، بينما كوريا الشمالية تقترب من الحصول على سلاح نووى، وإيران تُفصِح عن معلومات حول برنامجها للحصول على دورة الوقود النووى الذى بدأ منذ عقدين، وذلك بعد عامين كاملين من الأسئلة والمراوغة وأنصاف الإجابات. ومع ذلك لم نكن واثقين تمامًا إلى أين وإلى أى مدى وصلت شبكة خان.
فى 12 فبراير 2004 نشرتُ مقالًا فى «النيويورك تايمز» تحت عنوان «لننقذ أنفسنا من الدمار» أشرت فيه إلى شبكة خان لنشر المواد والتكنولوجيا النووية، مؤكدًا أن الأسواق تنفتح أكثر فأكثر أمام هذه الشبكة. وفى المقال نفسه، اقترحتُ مجموعة من الإجراءات لمواجهة الانتشار النووى من بينها تشديد الرقابة على الصادرات، وتوسيع دائرة انضمام الدول إلى البروتوكول الإضافى لنظام ضمانات الوكالة الدولية الذى يمنح الوكالة حقًّا أوسع فى القيام بأعمال التفتيش وتقصى الحقائق، ومنع الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإحياء المفاوضات حول معاهدة منع إنتاج المواد الانشطارية التى تمنع إنتاج المواد النووية التى تستخدم فى تصنيع الأسلحة، وكذلك المزيد من الأمن للمواد النووية بالإضافة إلى وضع خارطة طريق لتخلى الدول التى تمتلك بالفعل أسلحة نووية عن أسلحتها.
وكنت فى طرحى هذا أعلم أننى بالأساس أتحدث عن آليات للتعامل مع مشكلة لها جذور عميقة تتعلق بالتباينات الواسعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية بين دول الشمال والجنوب، وغياب التوازن عن نظام الأمن الدولى الذى يُدار على أساس من المعايير المزدوجة، والمشاكل والصراعات التى ما زالت تلبد أجواء مناطق بعينها، ولهذا فإننى أضفت فى هذا المقال: «يجب علينا أيضًا أن نتعامل مع الأسباب الأساسية التى تؤدى إلى غياب الإحساس بالأمن». وذكرت فى المقال أنه:
«فى مناطق مثل الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشبه الجزيرة الكورية يمكن لنا دومًا أن نتوقع استمرار السعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ورغم أن مثل هذا السعى يبقى غير مبرر فإنه أيضًا مُعبّر عن غياب البدائل السلمية للتعامل مع النقص الأمنى الذى تواجهه هذه المناطق».
«فى الوقت نفسه أعتقد أننا يجب أن نضع حدًّا للتصور بأن بعض الدول لها الحق الأخلاقى فى امتلاك الأسلحة النووية وبناء منظومتها الأمنية على أساس هذه الأسلحة، بينما أن المطلوب أخلاقيًّا من دول أخرى أن لا تسعى لامتلاك هذه الأسلحة»،
«من ناحية أخرى يجب أن نتخلى عن التوصيف التقليدى لأمن دولة ما بأنه يبدأ وينتهى عند حدود بعينها أو مدن بعينها، وأن ندرك أن أمن الدول فى يومنا هذا أصبح متداخلًا بصورة لا رجعة فيها، ولم يعد يرتبط بالضرورة بسياقات دينية أو عِرقية كما كان عليه الحال فى مراحل سابقة، لأن حراك الأفراد والبضائع والأفكار لا يتوقف ويفتح آفاقًا أوسع للتواصل بين المجتمعات».
«وفى مثل هذا العالم يجب علينا أن نسعى لمكافحة الإرهاب من خلال ثقافة أمنية تتعدى الحدود وتتلاقى فيها أفكار ثقافية مختلفة وتأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية المختلفة فى إطار من التضامن القائم على تقدير قيمة الحياة الإنسانية. فى مثل هذا العالم ليس هناك مكان لأسلحة الدمار الشامل».
وقبل أيام من نشر هذا المقال علمت أن الرئيس الأمريكى بوش بصدد الإعلان عن حزمة من الإجراءات المتعلقة بمجابهة انتشار الأسلحة النووية، وبالتالى رأيت أنه من المناسب تأجيل نشر المقال لبضعة أيام حتى لا يبدو أننى أحاول أن أستبق بمقالى خطاب بوش المتوقع.
وقبل ساعات من خطاب الرئيس بوش اتصل بى «كولين باول» ليخبرنى أن بوش سيعلن عن سبعة إجراءات تستهدف مواجهة انتشار الأسلحة النووية. وبدأت أُصغى باهتمام أكبر عندما علمت أن «باول» لا يوافق على كل هذه الأفكار بالضرورة «وأن بعض هذه الأفكار قد تكون خلافية، وربما يحتاج الأمر إلى عرضها على مجلس محافظى الوكالة لدراستها».
ومع عرض بوش لأفكاره وجدت أن بها الكثير من الأفكار التى طرحتُها فى مقالى بـ«النيويورك تايمز»، فكلانا أثار الحاجة إلى تشديد المراقبة على الصادرات وتجريم الأفعال التى من شأنها المساعدة عمدًا على انتشار الأسلحة النووية. كذلك اقترح بوش أيضًا تخصيص ميزانية أكبر لتأمين المخزون الموجود من المواد النووية، إضافة إلى ما أعرب عنه من دعم قوى للبروتوكول الإضافى، وأوصى ببذل مزيد من الجهد فى ما يتعلق بالمبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار.
ولكن، وعلى العكس من الطرح الذى تقدمت به، فإن الرئيس بوش اقترح أن الدول التى لا تمتلك بعد دورة الوقود النووية يجب أن لا تكون لديها فرصة الحصول على التكنولوجيا اللازمة للحصول عليها. وبالطبع فهو لم يتحدث عن تخلص الدول النووية من ترسانتها من الأسلحة النووية.
والواقع أن كثيرًا من مقترحات بوش كانت تهدف لسد الثغرات التى أظهرتها شبكة خان فى نظام حظر الانتشار.
ولكن كان هناك أمران فى ما اقترحه بوش رأيت فيهما شططا، الأول يتعلق بمطالبته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإنشاء لجنة خاصة فى مجلس المحافظين تتولى أمور الضمانات والتحقق من التزام الدول بقواعد حظر الانتشار، والثانى يطلب من الوكالة حرمان الدول التى يُجرى التحقيق معها لخرقها هذه القواعد من عضوية مجلس محافظى الوكالة.
وفى ما بعد علمت أن «جون بولتون» و«بوب جوزيف»، هما اللذان كتبا لـبوش خطابه دون أن يتم تمريره أو إقراره من قِبل وزارة الخارجية الأمريكية. وفى هذا السياق فإننى رأيت أن المقترح الخاص بإنشاء لجنة خاصة للضمانات، رغم أنه وسيلة جيدة لتعزيز برنامج التحقق فى الوكالة، فإنه جاء وليد الرغبة فى التدخل الأمريكى المباشر فى عمل الوكالة فى هذا الصدد، بما يمكّن أصحاب السياسات المتشددة من تحقيق أهدافهم فى ما يتعلق بالملف الإيرانى.
أما فى ما يخص الاقتراح باستبعاد الدول التى يُجرَى التحقيق معها لخرقها قواعد التحقق من عضوية مجلس محافظى الوكالة، والذى كان يستهدف إيران تحديدًا، فلم تتم صياغته على نحو يُخفى الغرض منه فضلًا عن أنه لم يكن قابلًا للتطبيق. فقد كشف عن عدم فهم الأساليب الدبلوماسية متعددة الأطراف والاحترام المتبادل الذى تعمل على أساسه الهيئات الدولية والتى تقوم كما هو الحال بالنسبة إلى آليات التعامل فى المجتمعات الديمقراطية على التفاهم وليس على التعصب والضغط والأحكام المسبقة.
وفى مارس 2004 التقيت بالرئيس بوش وتناول حديثنا الخشية من تبعات اتساع السوق النووية السوداء. ذكرت لـبوش أنه رغم ما يبدو من أن خان رئيس لهذه الشبكة التى تتاجر سرًّا فى التكنولوجيا والمعدات النووية إلا أنه فى النهاية لا يعمل بمفرده وأنه بالنسبة إلى الحالة الإيرانية على سبيل المثال كان يعمل مع بعض عناصر من الجيش الباكستانى، بينما فى حالة كوريا الشمالية كان يقوم بدوره فى إطار تعاون بين باكستان وكوريا الشمالية. وقد بنيت هذا الافتراض على أساس خطاب اطلعت عليه حرره خان بخط يده يؤكد أن عمله مع إيران وكوريا الشمالية هو بتعليمات من عناصر فى الجيش الباكستانى، وكان الهدف من هذا الخطاب هو حماية خان لنفسه فى حال تعرضه للتوقيف من قِبل السلطات الرسمية فى بلاده.
ورغم أن بوش أقر بأن هناك دلائل لتورط عناصر باكستانية أخرى فى أعمال خان، فإنه فى الوقت نفسه بدا غير عازم على التحرك فى هذا الصدد، لأنه لم يُرِد أن يخسر التعاون والدعم الذى كانت باكستان تقدمه للولايات المتحدة فى أفغانستان.
وقد رأيت أن الأولوية من الناحية العملية ينبغى أن توجه لتحديد الجهات الأخرى التى قد تكون قد حصلت على التكنولوجيا النووية من خلال شبكة خان.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-10-2012, 11:22 AM
رحييق رحييق غير متواجد حالياً
عضو خبير وعضو مثالى للعام 2011
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 1,337
معدل تقييم المستوى: 16
رحييق is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك في حضرتك

اسمح لي بالعودة مرارا حتى أكمل كل الحلقات الرائعة

تقبل مروري وتقديري
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-10-2012, 04:24 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحييق مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا وبارك في حضرتك

اسمح لي بالعودة مرارا حتى أكمل كل الحلقات الرائعة

تقبل مروري وتقديري
جزيل شكرى وتقديرى على مرورك الكريم
بالفعل هذه المقالات تستحق القراءة
خاصة أنها للدكتور محمد البرادعى
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية


جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-10-2012, 02:20 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثانية و العشرون
فى الأسابيع التالية ظهر حماس دولى للتحرك ضد الجهات أو الأفراد الذين يعملون فى السوق النووية السوداء، وتجريم أفعالهم لمواجهة نوعية الأنشطة السرية التى قامت بها شبكة خان. وفى شهر مايو أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1540 الذى يطالب الدول باستصدار وتطبيق قوانين تستهدف الأفراد الذين يسعون بأى طريقة لنشر أسلحة الدمار الشامل. كما طالب القرار بتشديد إجراءات الرقابة الداخلية التى تطبقها الدول على المواد ذات الصلة بالأنشطة النووية.
ولم تحظَ كل مقترحات «بوش» بنفس النجاح. فلم تكن فكرة استبعاد الدولة التى يجرى التحقيق معها من عضوية مجلس المحافظين -وهى فكرة ليست ذات مضمون غير الإهانة- بأى بحث جدى. ولمدة عامين بعد خطاب «بوش» حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تجد الدعم لفكرتها الخاصة بإنشاء لجنة خاصة بالضمانات؛ وهى الفكرة التى لم تكن تخلو من وجاهة من حيث المبدأ، لو أنها ركزت على الطرق والوسائل الكفيلة بتعزيز الضمانات، مثل دعم معامل الفحص بالوكالة التى كانت فى حالة متدهورة. وبالفعل تم تشكيل هذه اللجنة، ولكنها لم تستمر طويلا بسبب الخلافات التى ظهرت بين دول الشمال ودول الجنوب حول مدى العدالة فى نظام حظر الانتشار ومدى فعاليته. وبعد عدد من الاجتماعات اختفت هذه اللجنة بهدوء. وَضَع اكتشاف شبكة خان، باعتباره من كبار المسؤولين فى الحكومة الباكستانية، إسلام آباد فى حرج بالغ، واضطر الرئيس الباكستانى مشرّف إلى أن يتحرك. ففى 4 فبراير 2004 أُجبر خان على الظهور على شاشة التليفزيون الرسمى الباكستانى ليعترف بما كان يقوم به فى السوق النووية السوداء. وفى اليوم التالى أصدر الرئيس الباكستانى عفوا عامًّا عن خان بسبب الخدمات العلمية الجليلة التى قال مشرّف إنه قدمها لبلاده، غير أنه أبقاه قيد الإقامة الجبرية حتى 2009. ولكن بالنسبة إلى غير الباكستانيين فإن إصدار عفو عام عن المسؤول الأول عن شبكة الاتجار غير الشرعى فى التكنولوجيا النووية ومعداتها كان سؤالا محيرا. لكن مشرّف كان يتصرف فى ضوء أن خان يُنظر إليه فى بلاده على أنه بطل قومى ساعد باكستان على تحقيق التوازن النووى مع الهند؛ وهو بالتالى يستحق أن يكون فى مأمن من الملاحقة القضائية. فى الوقت نفسه، فإن مشرّف كان يعلم بالضرورة أن ملاحقة خان القانونية ستفتح الباب أمام ملاحقة شخصيات أخرى فى الحكومة الباكستانية، وكان هناك كثير من التساؤل حول مدى علم الحكومة الباكستانية بأنشطة خان، خصوصا فى ظل وجود معلومات أن خان كان يستخدم الطائرات الوطنية الباكستانية لنقل المعدات النووية إلى عملائه فى الخارج. وبالتأكيد فإن القدرة المادية لخان وأسلوب حياته كانت تؤكد الشكوك أنه لا يعتمد فقط على مرتبه الحكومى وإنما على دخله من أعماله «الخاصة». وتفيد التقارير الصحفية أن المكتب الوطنى للمحاسبة فى باكستان كان قد أعد ملفّا مفصلا عن خان لكنه فضَّل عدم اتخاذ أى إجراء بشأنه.
ومع تزايد فهم الوكالة لأنشطة شبكة خان، اتضح للوكالة أن بعض أجهزة المخابرات كانت تراقب نشاط خان لفترة طويلة دون أن تتحرك. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم كانوا على علم بنشاط خان منذ البداية، ولو صح هذا الأمر بالكامل فإن الحديث الأمريكى عن تحقيق انتصار مخابراتى بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل فى ليبيا يبدو لا معنى له.
وقد قال لى رئيس وزراء هولندا السابق «روود لابرز»، إن الهولنديين كانوا يقتفون أثر خان ونشاطاته، وإنهم كانوا بصدد إيقافه منذ السبعينيات من القرن العشرين، لولا تدخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التى طالبتهم بعدم توقيف خان. وقد أكدت مصادر أخرى ذلك أيضا.
وفى مارس 2004 نشر «سيمور هيرش» مقالا فى مجلة «النيويوركر» نقل فيه عن مصادر أمريكية قولها إن الأمريكيين كان بوسعهم توقيف خان منذ أكثر من 15 عاما، وإن المتعاملين اليوم فى شبكة خان هم الجيل الثانى من المتعاملين الذين بدأ بهم خان شبكته للتجارة النووية السرية.
وفى وقت لاحق قال «روبرت إينهورن»؛ الذى شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون منع الانتشار من 1991 حتى 2001، إن الأمريكيين كانوا على علم بما يقوم به خان، وإنهم كانوا يقتفون أثره، ولكن السؤال المُلحّ عليهم كان حول ما «إذا كان من الأفضل توقيفه على الفور أو الانتظار والتتبع حتى يتم توقيفه وكل المتعاملين معه واجتثاث الشبكة من جذورها»، مشيرا إلى أن الرأى الأغلب كان باتجاه الانتظار.
والحقيقة أننى لم أفهم أبدا ما الفائدة التى جناها المجتمع الدولى من الانتظار، بينما خان يتحرك من خلال شبكته لنشر الأسلحة النووية، وبينما الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُحجب عنها هذه المعلومات الحيوية. ألم تكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما تعرف التزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية للإفصاح عما لديها من معلومات عن مثل هذه البرامج السرية؟ ألم يكن من المنطقى إيقاف البرامج السرية لإيران وليبيا وغيرهما وهى لا تزال وليدة؟ وأيّا كانت الظروف والدواعى التى أدت إلى قرار الانتظار فى حينها فإنه كان فى الواقع خطأ فادحا؛ فقد أدى ذلك إلى تنبيه الكثير من أعضاء الشبكة إلى أنهم مراقَبون؛ مما دعاهم إلى التخلص من كثير من المستندات؛ الأمر الذى جعل من الصعب على الوكالة وغيرها من المحققين التعرف على أبعاد أخرى للشبكة، بما فى ذلك ما إذا كان لها عملاء آخرون؟ لقد قيل عنه إنه رجل التخصيب النووى الذى نقل التكنولوجيا النووية إلى أماكن بعيدة، خصوصا أنه زار الشرق الأوسط وإفريقيا مرارا ولا يعلم أحد على وجه اليقين ما الذى خلصت إليه هذه الزيارات، لكن الشائعات كثيرة، كما أن مؤشرات مقلقة تظهر أحيانا.
وفى إحدى زياراتى لواحدة من دول الخليج فى عام 2004 قال لى أحد الأمراء إن خان قد زارهم عارضا بضاعته، وإن دولته قد تظاهرت بالاهتمام بالأمر دون أن تتجه لشراء أى شىء، فى محاولة للتعرف على معاملات الشبكة مع إيران. ولم تكن تلك الرواية هى الأولى من نوعها، فلقد سمعتها بصور مختلفة فى بلدان أخرى. والسؤال هنا: ما هى الضمانة أن خان لم يستطع أن يقنع أيًّا من الدول التى زارها والتى عرض عليها خدماته بأن تنظر فى أمر الشراء ثم تقرر فعلا الشراء؟
إن أكبر كابوس يراودنى هو أن خان الذى يقدم التكنولوجيا والمعلومات.. بل والمواد النووية لمن يدفع، ربما يكون قد استطاع إنشاء وحدة تخصيب صغيرة فى منطقة نائية مثل شمال أفغانستان. وهذا الأمر ليس بمجرد السيناريو الخيالى الأسود فى ضوء التطور التكنولوجى الذى بلغه أداء بعض هذه المجموعات.
وعلى الرغم من أن ذهاب عبد القدير خان ربما حرم الشبكة من عقلها المفكر، فإنه ليس هناك ما يضمن أنها لم تعد قادرة على تزويد مَن يرغب من العملاء. وكما أشار السيناتور الأمريكى السابق «سام نان» فإنه بالنظر إلى الأموال والمصالح المتشابكة وراء عمل هذه الشبكة فإنه يصعب تصور أنها انتهت وتوقفت عن العمل.
لقد كان الهدف الذى يبدو أن عبد القدير خان قد سعى إلى تحقيقه هو تمهيد الطريق أمام الدول الإسلامية للحصول على الأسلحة النووية، وإيجاد حالة من التكافؤ الأمنى مع إسرائيل، وبالطبع جَنْى المال فى أثناء ذلك كله. وفى ضوء هذا فإن التخلص من البازار النووى الذى أطلقه خان سيستغرق بالتأكيد بعض الوقت.
وهناك ثلاثة دروس يجب الاعتبار بها من هذه القصة: الأول وكما رأينا من الدور الذى لعبته إسرائيل فى الشرق الأوسط، والهند فى جنوب آسيا؛ هو أن الانتشار النووى يُولِّد مزيدا من الانتشار.
الدرس الثانى هو أن محاولة مجابهة انتشار الأسلحة النووية من خلال فرض المزيد من الرقابة على نقل الخبرة النووية هو أمر هام، ولكن لم يعد كافيا؛ لأن التكنولوجيا النووية أصبحت بالفعل فى يد الكثيرين.
أما الدرس الثالث فهو أنه مع استمرار حيازة البعض للأسلحة النووية واعتبار هذه الأسلحة سببا من أسباب القوة؛ فإن المزيد من الدول سيستمر فى السعى للحصول على تلك الأسلحة، لا سيما الدول التى ترى نفسها معرَّضة للتهديد.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-10-2012, 10:13 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الثالثة و العشرون


فى صيف 2004 كانت مدتى الثانية كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقترب من نهايتها، وكنت أنتوى عدم الترشح لمدة ثالثة على الرغم من إصرار معظم الدول الأعضاء على أن أستمر فى مهام منصبى لأن ضغوط العمل مجهدة للغاية، ولأن أسرتى كانت تطالبنى بأن لا أستمر فى هذا المنصب الشاق ولكن التدخل الأمريكى غيّر هذا التوجه.
لقد ألمح لى بعضهم أن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعمنى إذا ما قررت الترشح لمدة ثالثة، وبينما كنت أمضى إجازة الصيف فى منزلى على شاطئ البحر بمصر تلقيت اتصالًا يفيد بأن كولين باول سيتصل بى ليخبرنى بهذا الأمر بنفسه، ولم أكن مندهشًا من هذا الموقف الأمريكى، لأنه خلال الشهور الماضية كانت هناك سلسلة من الاجتماعات الإيجابية مع عدد من المسؤولين الأمريكيين بما فى ذلك بوش نفسه.
ولكن باول لم يتصل، ولدى عودتى لڤيينا علمت من نائبى، دافيد واللر، أن الموقف الأمريكى قد تغيّر. وأخبرنى دافيد أن ذلك حدث بناء على حملة شنها جون بولتون ضدى. وكان بولتون يستند فى موقفه هذا إلى أن أى رئيس لأى منظمة من منظمات الأمم المتحدة لا ينبغى أن يحتفظ بمنصبه لأكثر من مدتين، على الرغم من علمى أن هذه القاعدة كثيرًا ما لا تُطبّق. ولقد بعث لى بولتون برسالة نقلها إلىّ دافيد، مفادها أننى إذا قبلت بعدم الترشح لمدة ثالثة فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستُصدر بيانًا تُعرب فيه عن تقديرها للعمل الذى قمت به خلال الأعوام الثمانية التى ترأست فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولقد أثار هذا الأمر غضبى بشدة، لأن بولتون كان يمثل كل شىء لا أتفق معه، خصوصا ما يتعلق بتقليله من أهمية الدبلوماسية المتعددة الأطراف على الساحة الدولية. ومما زاد من غضبى أن بولتون طالما سعى خلال الأعوام الماضية لتعويق عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بطرق عديدة، ليس أقلها عرقلة الجهود التى تُبذل لحل قضايا الانتشار النووى سلميًّا. كان يسعى لتقويض كل ما كنت أدافع عنه.
ولقد أثار حنقى أن يتصور بولتون أنه سيقرر عنى إذا ما كنت أترشح لمدة ثالثة أم لا، وكانت المفارقة أن الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت قد دعّمت ترشحى لمنصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تريد الآن إقصائى من هذا المنصب.
وفى ذلك المساء جلست مع زوجتى عايدة، وتشاورنا قليلًا فى الأمر، ثم قررنا أننى سأترشح لمدة ثالثة، فإذا ما كان لى أن أفوز، فإن ذلك سيكون بمثابة رسالة واضحة حول الدعم الدولى للدبلوماسية متعددة الأطراف، وسيمثل لى ذلك أيضًا تفويضًا واضحًا للسعى نحو حل تفاوضى فى إيران وغيرها من المناطق المضطربة، وإذا لم أفز فإن ذلك سيكون على كل حال دليلًا على أننى وقفت فى وجه الضغوط المتوالية التى كانت أمريكا تمارسها. وفى صباح اليوم التالى كتبت رسالة لرئيس مجلس المحافظين معلنًا ترشحى لفترة ثالثة.
بدأت العاصفة مباشرة بمجرد تقدمى بهذا الخطاب. ففى سبتمبر 2004 علمت أن الأمريكيين أرادوا أن يعيدوا صياغة مشروع قرار كانت قد تمت بالفعل صياغته حول إيران، ليرفعوا منه جملة تقليدية تعبّر عن التقدير «لحياد ومهنية» عمل الوكالة فى هذا الملف. وعلى الرغم من أن مثل هذا الأمر قد يبدو عاديًّا بالنسبة إلى البعض، فإن مَن يعمل فى الدوائر الدبلوماسية يعلم بالضرورة أن مثل هذا الأمر يمثل إهانة. ولقد وصف السفير البريطانى فى ڤيينا بيتر جانكينر، هذا السلوك من جانب الولايات المتحدة بالتصرف الضحل غير الجدير بالاحترام.
وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية البحث عن مرشحين يمكن أن يتنافسوا معى على المنصب، وتم التشاور مع البرازيل لترشيح أحد أبرز سفرائها العاملين فى مجال نزع الأسلحة سيرجيو دوكويروز دوارتى، كما تم التشاور مع الأرجنتين لترشيح روبرتو جراسيا مورايتان، وهو أحد مساعدى وزير خارجية الأرجنتين. كما اتصلوا باليابان لدراسة فكرة ترشيح سفير سابق لها فى ڤيينا وهو شينزو آبه. وأيضا أجرت الولايات المتحدة الأمريكية اتصالًا بأستراليا وروسيا للمطالبة بدعم ترشيح آلكسندر داونر وزير الخارجية الأسترالى لهذا المنصب.
وعندما لم تسفر أىُّ من هذه المقترحات عن ترشيح حقيقى، أجرت الولايات المتحدة اتصالًا بالأوروبيين للحصول على موافقتهم على مطالبة الوكالة بتمديد تاريخ تقديم الترشيحات لمنصب المدير العام، وهو الأمر الذى رفضه الأوروبيون.
وعندئذ لجأ الأمريكيون إلى أساليب مختلفة لإفشال حصولى على مدة ثالثة، ففى نوفمبر 2004، فى نفس الوقت الذى كانت تُجرى فيه الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة تقريبًا، تسربت أنباء عن اختفاء بعض المتفجرات من موقع القعقاعة فى العراق. وتبعت ذلك سلسلة من المعلومات غير الصحيحة، ومنها أحاديث مختلفة حول برنامج نووى سرى فى مصر اتصالًا بالبرنامج الليبى واتهامى بأننى أحاول التستر على هذا النشاط، ثم اتهامى أنا وهانز بليكس، بأن لنا حسابات سرية فى أحد بنوك سويسرا بها أموال حصلنا عليها من العراق خلال مدة عملنا هناك، ثم الحديث عن تحويل الإيرانيين مبالغ مالية لحساب بنكى باسم زوجتى فى سويسرا، قيل إن المبلغ كان 600 ألف دولار إلى جانب أحاديث حول تقديم الإيرانيين هدايا لى من السجاد الإيرانى، تبلغ قيمة كل واحدة منها 50 ألف دولار.
وفى الوقت نفسه، نشرت صحيفة «الواشنطن بوست» تحقيقًا صحفيًّا أشار إلى أن اتصالاتى الهاتفية وأخرى لعاملين فى الوكالة يتم تسجيلها للحصول على أى معلومات يمكن أن تستخدم ضدى، ولم يكن فى ذلك مفاجأة كبيرة إلىّ، لأننا كنا قد علمنا من قبل عن تجسس على رسائل نصية ومكالمات للعاملين فى الوكالة. لكن الأمر أصبح مادة صحفية عن مصدر موثوق.
وأخبرنى أحدهم بأن من قام بتسريب موضوع التنصت على مكالماتى الهاتفية كان من العاملين فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ولأسباب تتعلق بعدم الرضا عن بعض تصرفات أشخاص بعينهم فى الخارجية الأمريكية. ولم أندهش لذلك كثيرًا لأنه خلال الفترة من منتصف 2004 وحتى منتصف 2005 تلقت أمانة بصفة سرية صورًا من العديد من المذكرات وغيرها من المعلومات الخاصة بمحاولة إعاقة إعادة انتخابى من موظفين فى الخارجية الأمريكية الذين لم يكونوا راضين عن سلوك بعض الشخصيات الرفيعة فى الخارجية الأمريكية.
وفى النهاية كان الأمريكيون هم وحدهم مَن يعارض ترشيحى، بل إن الدول التى عادة ما تصوت مع الولايات المتحدة الأمريكية وتتبع مواقفها وهى أستراليا وكندا واليابان وبريطانيا، لم تتدخل كثيرًا فى الجدل الدائر، وبعثت إلىّ برسائل مفادها أنها تساندنى، ولكنها تفضل عدم إعلان هذه المساندة حتى لا يكون فى ذلك إحراج للولايات المتحدة الأمريكية أو جعلها تبدو فى موقف منعزل دبلوماسيًّا.
وقبل أسبوع من اجتماع مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمت دعوتى لواشنطن من قِبل كوندوليزا رايس التى أصبحت وزيرة للخارجية. وفى اللقاء اقتصر الحديث مع رايس ومع ستيفان هادلى، مستشار الأمن القومى، على ملف إيران وعلى الإصرار الأمريكى لمنع إيران من الحصول على الدورة الكاملة للوقود النووى.
وعندما ذكرت أنه لا بد من أن تحصل إيران على مخرج كريم، أجاب هادلى أنه لا يجب السماح لإيران حتى بتشغيل جهاز طرد واحد لتخصيب اليورانيوم ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الموقف حاسمًا فى الحديث الأمريكى عن الملف الإيرانى.
وعندما شارف اللقاء على نهايته، أثارت رايس مسألة إعادة ترشيحى، حيث أخبرتنى بأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزائى لا يتعلق بشخصى وإنما يتعلق بموقف واشنطن فى عدم استمرار أى شخص كرئيس لأى من منظمات الأمم المتحدة لأكثر من مدتين.
لقد كنت أعلم أن هذا غير حقيقى، وكانت رايس تعلم أننى أعلم ذلك. وربما كانت رايس تحاول الخروج من بعض المطبات الدبلوماسية التى تورط فيها جون بولتون، وكنت قد سمعت أنها رفضت بقاء بولتون فى الخارجية الأمريكية لدى توليها منصبها. وقد قام بوش بتعيينه مندوبًا دائمًا فى الأمم المتحدة، الأمر الذى يُعد إما أسوأ مَثَل فى التاريخ الدبلوماسى على تعيين شخص فى المكان غير المناسب، وإما أفضل تعبير عن نهج الولايات المتحدة تجاه الدبلوماسية متعددة الأطراف فى ذلك الوقت.
وفى كل الأحوال، فلم أزد أنا ولم تزد رايس فى الحديث فى هذا الموضوع، وفهمت وقتها أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد تغيير موقفها إزاء ترشيحى، فما كان منى إلا أن قلت: «لا داعى لأن نتحدث كثيرا عن أحداث وقعت وانتهت»، وبالفعل فى 13 يونيو 2005 تمت إعادة انتخابى لمدة ثالثة بإجماع الأصوات. وبعد كل ما تعرّضت له الوكالة من حملات للإساءة إليها وتقليص عملها، بدا لى أننا بصدد الحصول على تعويض وتقدير مهم. ففى صباح السابع من أكتوبر 2005 كنت عائدًا لتوى من رحلة شاقة. بقيت فى منزلى مرتديًا ثياب النوم أتابع أنباء تتناثر هنا وهناك حول ترشيح الوكالة ومديرها العام، للسنة الثانية على التوالى، لجائزة نوبل للسلام
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 09-10-2012, 10:15 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

سنوات الخداع - الحلقة الرابعة و العشرون


فى العام السابق، 2004، بلغت قوة التوقعات إلى الدرجة التى جعلت إدارة الإعلام فى الوكالة تصوغ مسودات لرد الفعل الذى ينبغى أن يصدر فى حال ما ذهبت الجائزة بالفعل لنا، وأتذكر أنه فى الموعد الذى أعلن فيه عن اسم الفائز كنت فى لقاء فى اليابان مع وزير الاقتصاد اليابانى، وعند وصولى إلى مقر الاجتماع وجدت ما يزيد على 50 كاميرا ومحررًا تليفزيونيًّا ينتظرون أنباء لجنة نوبل. وفى أثناء اللقاء علمت أن الجائزة ذهبت إلى الكينية وانجرى ماثاى. وعندما خرجت من اللقاء لم أجد سوى كاميرا وحيدة تلطَّف مصورها ليعرب لى عن أسفه بأننى لم أحصل على الجائزة.
لكن فى صباح الجمعة 7 أكتوبر 2005 قررت أن لا أذهب للعمل، حيث كنت سأواجَه حتمًا بكثير من الأسئلة وبالعديد من موظفى الوكالة ينظرون فى ساعاتهم فى حالة ترقب، خصوصا أن توقعات فوزنا بالجائزة ازدادت بقوة فى اليوم السابق على إعلان الفائز.
وكان من المعتاد أن تتصل اللجنة بالفائز لتخبره مقدمًا بحصوله على الجائزة قبل الإعلان الرسمى عنها بنصف ساعة. ولما كان الإعلان متوقعًا فى الحادية عشرة صباحًا، ولما كانت الساعة قد وصلت 10:45 زالت عنى حالة الترقب وتيقنت أن الجائزة ستذهب إلى شخص آخر، وانضممت إلى زوجتى لمتابعة حفل الإعلان وكلى فضول لأعرف مَن الذى حصل على نوبل للسلام عن عام 2005. وعندما جاء الإعلان باللغة النرويجية، مشيرا إلى اسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو الاسم الذى استطعت أن أفهمه، وبعد ذلك ذُكر اسمى، نظرت إلى عايدة وانهمرت الدموع من أعيننا.
وانهالت فى الوقت نفسه الاتصالات الهاتفية، اتصل بى أخى على من القاهرة، الذى كان ملتصقا تقريبا بجهاز التليفزيون، فى انتظار الخبر، ثم اتصلت بى سكرتيرتى مونيكا بيخلر، لتُخبرنى أن سفير النرويج ونائبه قد حضرا إلى مكتبى ومعهما باقة رائعة من الزهور، وكان هو الشخص الوحيد الذى تلقى معلومات مسبقة من لجنة نوبل، فدعوتهما للقدوم إلى منزلى. وبين اتصالات هاتفية لم تنته وبين مشاعر كثيرة انتابتنى فى تلك اللحظة وجدت بالكاد الوقت لتغيير ثياب النوم وارتداء ملابسى.
وبعد ذلك توجهت إلى الوكالة، حيث ألقيت كلمات قصيرة للصحافة ثم كلمة قصيرة لموظفى الوكالة الذين كانوا قد اجتمعوا فى البهو وسط ضحكات سعادة وتعبيرات سرور وموجات لا نهائية من التصفيق والاحتفاء.
ولا يمكن لى أبدًا أن أصف مدى السعادة الغامرة والفخر اللذين شعرت بهما وزملائى العاملون معى فى الوكالة والذين ينتمون إلى أكثر من 90 دولة، والذين بذلوا كثيرًا من الجهد من خلال الوكالة لجعل العالم الذى نعيش فيه أكثر أمنًا. لقد كانت تلك لحظة استثنائية بكل المقاييس ومثَّلت بالنسبة إلىّ تكريمًا وتتويجًا لأربعين عاما قضيتها فى العمل من أجل الصالح العام.
وتوالت رسائل التأييد والتهنئة سواء عبر الإيميل أو بالبريد العادى للدرجة التى كان بريدى الإلكترونى لا يستوعبها، وإلى الحد الذى اضطر العاملون فى إدارة البريد بالوكالة لتوزيع هذه الخطابات فى حقائب بلاستيكية كبيرة كتلك التى تستخدم للتسوق. لقد كانت الرسائل تأتى من أناس وأشخاص مختلفين، الكثير منهم أشخاص عاديون من هنا ومن هناك، أبناء قوميات وأعراق مختلفة، وأتباع أديان مختلفة، مدرسون، رؤساء دول وأطفال. أرسل أطفال من إسبانيا بـ300 رسالة، يعبر كل منهم فيها عن التهانى، وراهبات تدعو إلى الصلاة لمستقبل أفضل وأكثر أمنًا، ومواطنون مصريون يعربون عن لحظات فخر وسعادة.
لقد كانت هذه الرسائل رائعة، شعرت معها بكثير من الدعم والتقدير، وتمنيت أن يكون عملى فى المستقبل عند حُسن ظن كل من بعث برسالة. وفى الوقت نفسه شعرت بأن كل رسالة من هذه الرسائل منحنى ثقة كبيرة ودعمًا مهمًّا.
وفى الخطاب الذى ألقيته عند تسلمى الجائزة شعرت أن من واجبى أن أوضح مفهومى الخاص للانتشار النووى فى السياق الأوسع لعدم المساواة فى العالم، والسعى إلى تحقيق الأمن الإنسانى. فقد حاولت لفترة من الزمن، وفى خطاب تلو الآخر، أن أُبيّن الصلة بين التصاعد السلبى للفقر وعدم المساواة فى المجتمعات، والذى كثيرا ما اقترن بغياب الحكم الرشيد وبالفساد وبانتهاك حقوق الإنسان، وبين ما يؤدى إليه ذلك من إيجاد تربة خصبة للتطرف والعنف والحروب الأهلية، بل إلى الاتجاه فى المناطق ذات النزاعات المزمنة لاستعراض القوة وتحقيق التكافؤ الأمنى عن طريق الحصول على أسلحة الدمار الشامل.
لكن مساعدى الإعلامى لابان كوبلنتز، وميليسا فليمنج المتحدثة باسم الوكالة، أخبرانى بأن الرسالة التى أحاول أن أوصلها غير واضحة بشكل كافٍ، رغم المنطق الذى تقوم عليه. فالصلات التى أحاول أن أبنيها موجودة ولكنها لا تصل إلى المستمعين بوضوح. وبالتالى كان علىَّ أن أفكر فى شىء ملموس يوضح ما أردت الحديث عنه.
وها هى الإجابة تَرِد على ذهنى وأنا أفكر فى كيفية استخدام القيمة المالية للجائزة. كانت الوكالة قد قررت أن نصف نصيبها من الجائزة التى كانت تبلغ إجمالا نحو مليون يورو سيذهب إلى دعم أغراض علاج السرطان، ومعالجة سوء تغذية الأطفال فى الدول النامية، بينما قررت أن نصيبى سيذهب إلى قضية طالما شغلت بالى وهى الأيتام فى القاهرة، وهو مجال للعمل التطوعى، كانت زوجة أخى منهمكة فيه.
وهكذا وصلت إلى الصورة التى أردت إيصالها وبدأت أكتب «إن زوجة أخى تعمل مع جماعة تعنى بالأيتام فى القاهرة، حيث تقوم مع زملاء لها برعاية الأطفال الذين تُركوا لمواجهة مقدراتهم لأسباب لا يد لهم فيها، وتقدم هذه الجماعة الغذاء والملبس لهؤلاء الأطفال وتعلمهم القراءة. فى الوقت نفسه أقوم مع زملائى فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعمل على أن لا تقع المواد النووية فى أيدى جماعات متطرفة، وكذلك نحن نقوم بإجراءات لتفقد المنشآت النووية حول العالم للتأكد من أن البرامج النووية السلمية لا تستخدم كغطاء لبرامج للتسلح النووى. وفى هذا فإننى وزوجة أخى نعمل لنفس الهدف عبر طرق مختلفة، ألا وهو أمن الأسرة الإنسانية».
وأضفت أن السعى لتحقيق هذا الأمن هو الدافع الذى تتضافر من أجله كثير من جهود الإنسانية. ولكن لأن الأولويات المجتمعية أصبحت ملتبسة، فإننا ننفق أكثر من تريليون دولار سنويًّا على التسلح، بينما يعيش أكثر من ثلثَى سكان العالم على أقل من دولارين فى اليوم الواحد كما ينام مليار إنسان جائعا دون عشاء كل ليلة. إن أسباب عدم الأمان فى عالم اليوم تتفاقم ولا يمكن أن تستمر الأمور على ما هى عليه.
وقلت أيضا «إن العولمة تُسقط الحواجز التى تفصل بيننا كدول وأفراد، فإذا تجاهلنا أسباب عدم أمان البعض فسرعان ما ستصبح تلك أسبابا لعدم الأمان للجميع. فى الوقت نفسه، فإنه مع تطور العلوم والتكنولوجيا وانتشارها فإن إصرار البعض على الاعتماد على الأسلحة النووية سيضعنا أمام خطر أن تصبح هذه الأسلحة أكثر إغراءً للآخرين».
ولم أود أن أنهى محاضرتى بنبرة تشاؤم فاقترحتْ عايدة أن أختمها بدعوة لأمل فى مستقبل أفضل، فكتبت: «دعونا نتخيل كيف سيكون حال العالم لو أن دول العالم خصصت لأغراض التنمية نفس الميزانية التى تخصصها لآلات الحرب؟! ولو أننا كنا نعيش فى عالم يتمتع فيه كل إنسان بالحرية والكرامة؟! تخيلوا لو أننا نعيش فى عالم يشعر فيه الناس بنفس القدر من الحزن لوفاة طفل فى دارفور أو فى فانكوفر! تخيلوا لو أننا نعيش فى عالم تتم فيه تسوية الخلافات والمشكلات بالحوار والأساليب الدبلوماسية لا بالقنابل وإطلاق الرصاص! تخيلوا لو أن العالم تخلّى عن الأسلحة النووية فلم يبق منها إلا آثار تعرض فى المتاحف! أى عالم سيكون هذا الذى يمكننا أن نجعله حقيقة واقعة نتركها لأبنائنا؟!».
لا يمكن لى أبدًا أن أصف يوم استلام الجائزة فى أوسلو، لأن كلمات مثل «يوم لا ينسى» وما إلى ذلك لا يمكن أن تفى تلك اللحظات حق قدرها.
لقد أثّر فى كرم ضيافة وحفاوة الشعب النرويجى والعائلة المالكة بدرجة كبيرة. إن من المدهش أن تتوقف الحياة اليومية فى أوسلو لمدة ثلاثة أيام متواصلة ليقتصر الأمر على الاحتفاء بالسلام، فتُكتب الأشعار والمسرحيات التى يقدمها تلاميذ المدارس، وتقدم الحفلات الموسيقية وتذاع ليشهدها الناس فى أكثر من مئة دولة. ولكن أكثر ما أثّر فى هى تلك الجولة فى متحف نوبل للسلام، حيث تعرفت على تاريخ كل هؤلاء الذين حصلوا على الجائزة من قبلى.
وعندما طُلب منى أن أكتب بعض الكلمات فى كتاب يدوّن فيه كل من حصل على الجائزة، كنت متوترا بينما خطَّت يداى كلمات «علينا أن نغير أسلوب تفكيرنا»، وأضفت «نحن بحاجة إلى أن نفهم القيم التى تجمعنا ونقدِّر أن الحروب لا تحل خلافاتنا أو تؤدى بنا إلى السير على طريق السلام. إن السبيل الوحيد للمضى قدمًا كأسرة إنسانية واحدة لا يتحقق إلا من خلال الحوار والاحترام المتبادل». (ولسوء الحظ فقد أخطأت فى هجاء إحدى الكلمات، وهو الأمر الذى لا تتوقف زوجتى عن التندر معى حوله حتى يومنا هذا).
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-10-2012, 12:48 PM
السياسى القديم السياسى القديم غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 151
معدل تقييم المستوى: 14
السياسى القديم is on a distinguished road
افتراضي

طبعا طبعا
جزاك الله خيرا
اللى يقرى حيفهم ...... بس محدش علق من اصحابنا اياهم !!!!
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:37 AM.