اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-06-2012, 11:05 AM
nagar3321 nagar3321 غير متواجد حالياً
معلم بالمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 2,935
معدل تقييم المستوى: 19
nagar3321 is on a distinguished road
Neww1qw1 الى جميع الشباب فى هذه الأيام اقرؤوا ماذا كانت نتيجة البر بالوالدين


بريد الجمعة يكتبه: أحمد البري
الخط المستقيم‏





29799






توقفت كثيرا عند رسالة اللحظة القاسية وتعجبت من كاتبها الذي سافر إلي الخارج خمسة عشر عاما ــ متناسيا أهله وأسرته إلي أن أفاق علي الصدمة المروعة علي حد تعبيره ــ عندما جاءته ابنته بصديق لها‏.
فأنا الابن الأكبر لفلاح بسيط لكنه فصيح, ولم يملك يوما سهما في أرض زراعية, وأم رائعة الجمال قلبا وقالبا وهي تكبرني بأربعة عشر عاما فقط, ولي شقيقان أحدهما يصغرني بعامين, والثاني يفصلني عنه قرابة العقد.
وعندما بلغت سن السادسة عملت في مقاومة دودة القطن, وكذلك شقيقي الذي لحق بي بعد ذلك مقابل قروش نسهم بها في شراء ملابس المدرسة, وخلال هذه الفترة مررت بكل حقول قريتنا القابعة في ريف المنوفية, وكان أبي أجيرا يحمل فأسه في الصباح ولا يعود إلا في المساء, ومعه عشرات من القروش لا تناطح الجنيه, ونجلس معا نتسامر ونشعر بالدفء في حضن أمنا التي عاملتنا برغم صغر سننا كأصدقاء, ومضت حياتنا علي هذا النحو: أبي يعمل في فلاحة ثمانية عشر قيراطا بالإيجار.. وأنا وشقيقي ننظم أمورنا بين مساعدته فيها والعمل أجراء لدي الآخرين.
وفي صباح أحد الأيام شعرت والدتي بألم في أذنها.. وقبل أن نستعين بطبيب لمداواتها رحلت عن الدنيا, وهي بنت سبع وعشرين ربيعا, ولا أستطيع أن أصف لك ذلك اليوم الصعب الذي مازال محفورا في ذاكرتي ولن أنساه ما حييت... رحلت الملاك والحصن الحصين الذي كنا نلوذ به كلما ألمت بنا شدة من شدائد الحياة.
وبدت علامات الوجوم علي أبي, ووجدته يتمتم بكلمات الأسي والحزن, وكيف له بزوجة تطاول قامة رفيقته التي تركته وحده بعد عمر قصير..وأجمع الأهل علي أنه يجب أن يتزوج علي الفور, وأشاروا عليه بإحدي سيدات القرية فتزوجها, وكان شقيقي الأصغر يناديها بكلمة أمي لأنه لم يدرك أمه التي ماتت وهو صغير, لكنها كانت قاسية القلب, متحجرة المشاعر, وذات مرة ركلته بقدمها فسقط علي الأرض وانخرط في بكاء مرير, وعندما جاء أبي لم يعجبه الحال وتأكد أنها لا تصلح لتربية أبنائه فطلقها ثم تزوج من أخري, تأقلمنا معها علي الحلوة والمرة بعد أن فهمنا قسوة زوجة الأب.. ولكن في الوقت نفسه عرفنا وعرفت القرية كلها رجلا فريدا حافظ علينا, وأصبح لنا أخوة من الأب: اثنان من الذكور وبنت واحدة.. ووالله فإننا نعامل بعضنا بود وحب أكثر من الاشقاء.
وتفوقت في دراستي إلي حد لافت للنـظر, وكان أبي مؤمنا وواعيا بقيمة التعليم, فواصلنا رحلتنا فيه بكل عزيمة وإصرار, وعرفنا الكفاح والعناء والأنفة التي تطاول السماء, وعزة النفس التي تسمو فوق كل اعتبار, وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير, والتحقت بكلية الهندسة واستمررت في تطهير الترع, وعملت أجيرا بالفأس, وكان أحد أصحاب الأرض التي أعمل بها يقول لي عند تقسيمها قبل زراعتها: أريد الخط مستقيما, باعتبار أن دراستي قائمة علي الفن والهندسة!
وكنت أذهب إلي الكلية بملابس أرتديها مباشرة من علي حبل الغسيل, فالمكواة كانت ترفا لم أعرفه إلا عندما تلقيت معونة جامعية قدرها ثمانية وعشرون جنيها, فاشتريتها وأنا سعيد بأنني سوف أرتدي قميصا وبنطولنا مكويين لأول مرة.
وفي الفرقة الثالثة بالكلية لفتت ملابسي البالية نظر زميل لي بالمدينة الجامعية فانتهز فرصة أننا بمفردنا في المساء وعرض علي أحد بنطلوناته فشكرته بأدب بالغ, وأفهمته أنني سوف أشتري ملابس جديدة قريبا.. وذات يوم ركبت الحافلة من أمام عمر أفندي في شبين الكوم قاصدا محطة كلية الهندسة.. وكنت خالي الوفاض, وليس معي مليما واحدا, ووقفت في أول الحافلة منتظرا الكمساري مع ما سيترتب علي ذلك, لكن يبدو أنه أدرك الأمر كله فلم يقترب مني!
ومررنا بظروف صعبة للغاية علي مدي أربع سنوات متتالية نفقت خلالها كل الماشية الموجودة لدينا, ولك أن تتخيل حجم كارثة كهذه لأي فلاح.. وإحساسا مني بما نحن فيه بعت الآلة الحاسبة التي أهداها لي قريب يعمل بالخليج, وأسرعت إلي أبي لكي أعطيه ثمنها لعله يسهم ولو بالقليل في إقالتنا من عثرتنا, لكنه وهو الذي لم يعرف الانكسار يوما طالبني بشدة وحزم بأن أعيد ثمنها وأستعيدها وأذكر انه قال لي وقتها: يا ابني.. الفقر رائحته وحشة.. لكن ربنا جعل دائما مع العسر يسرا.. وكان محقا فيما قاله, ولن أنسي أبدا تطاول بعض الأهل علينا لمجرد انهم يملكون بضعة قراريط أو أن أحدهم يعمل في وظيفة حكومية متواضعة وأذكر أن شخصا منهم كان يقول لي أمام الاخرين وهو يشير إلي قدمي إنني ألبس الحذاء بدون شراب.
إنه شريط طويل من الذكريات المؤلمة, لكنني كلما استعدته ازددت إصرارا علي النجاح, وبالفعل تخرجت في كلية الهندسة بتقدير مكنني من التسجيل للماجستير بعد أن يسر الله لي أموري, وعملت في إحدي الهيئات براتب قدره مائة وثمانية وعشرون جنيها, وقد قسمته إلي نصفين, الأول لأبي لمعاونته علي متطلبات الحياة وتربية اخوتي.. والثاني لي, وبدأت في ادخار الحوافز والبدلات, ومرت خمس سنوات من الجهاد والرزق الحلال الذي يأتي بعد جهد عنيف, وناقشت رسالة الماجستير, ويومها صفق لي أحد أساتذتي طويلا.. وسجلت علي الفور لدرجة الدكتوراة وقيض الله لي أساتذة أجلاء يقطن بين جوانحهم معني الإنسان.
وكنت مزهوا بشبابي وبأنني مهندس ناجح, ودخلت غمار محاولة الارتباط أكثر من مرة, وعرفت بالتجربة أن كثيرا من البنات وأسرهن قساة بلا قلب, طغاة بلا حق, فلقد تعرضت للإهانة أكثر من مرة لكي أفسخ الخطبة بعد قراءة الفاتحة عندما علموا بفقري, أو بعد أن ظهر في سماء فتياتهم شاب آخر أكثر مني مالا.. ووقتها توهمت أنه لا قيمة للعلم, ولا للمبادئ.. ولا حتي الأحلام.. إنه إحساس بقيمة العجز وذروة المهانة.
وقررت أن أتوقف قليلا لأستعيد نفسي لأنني لم أعرف أبدا الانكسار, وكنت دائما واثقا من قدراتي وبأن الله دائما مع الصابرين, وواصلت عملي كمهندس وردية, أعامل الجميع بحب واحترام, وكنت أقول للعمال أنا لست أذكي منكم.. فالفارق بيني وبينكم فرصة وفي يوم من الأيام أعطاني أحدهم جريدة بها إعلان لدولة خليجية شقيقة, فقدمت طلبا للعمل بها, ودخلت الامتحان لأكون الأول علي مئات المهندسين, وتمسك بي الوفد القادم لاختيار الموظفين, وفرح أبي بالعقد وقال لي وهو يمازحني عايزينك تخلصنا مما نحن فيه فما أنت فيه الآن ليس لك وحدك, فقبلت يده وأنا علي يقين من أن المستقبل سيكون أفضل.. وعلم الجميع بنبأ سفري, فإذا بمن رفضنني بإهانة عدن يخطبن ودي, لكنني لم التفت إليهن, وارتبطت بمن رشحها لي أحد أساتذتي ووجدتها غاية ما يتمناه أي شاب, وتزوجت في شقة تمليك صغيرة بإحدي المدن الجديدة.
وسافرنا معا إلي الدولة الخليجية وفي اليوم الأول لنا هناك اتفقت مع زوجتي علي أن مساعدة أهلي خط أحمر, ووجدتها زكية بما يكفي لفهم ما أعنيه, كما قدرت أسرتها تصرفي, بل ازدادت ثقتهم في أنني سوف أبقي محافظا وبارا بابنتهم, وتغير وضعنا من حال إلي حال, وبنينا منزلا جديدا في القرية يضم الجميع, وساعدني الله في جلب اخوتي للعمل بوظائف محترمة في الدولة نفسها, وفاض الله علينا بالخير الكثير والتحقت زوجتي بأحد البنوك الكبري بعد عامين من سفرنا لتسطر هي الأخري رحلة كفاح ونجاح وهي الآن مديرة للفرع الذي تعمل به, وهذا انجاز كبير لوافد أو وافدة.
وانتهيت من إعداد رسالتي للدكتوراه, وسطرت بها الإهداء التالي: إلي روح أمي الملاك الذي رحل مبكرا, إلي أبي الفلاح البسيط الذي علمني فن الحلم.
وحضر أبي مناقشة الرسالة بالجلباب, وما إن رآه ثلة من علماء مصر الأفذاذ حتي عانقوه بشدة واغرورقت عيناي بالدموع ومازال أبي محفورا في ذاكرتهم حتي اليوم, وكلما رآني أحدهم سألني عنه طالبا مني إرسال التحية اليه.
إنني كلما نظرت إلي أبي وجدتني فخورا ومعتزا به إلي أبعد الحدود, ولست خجلا من فقر كان.. ووالله لست خائفا من أن يعود, فهو دليل عظمة الانجاز.. إنجاز صنعناه بقطرات العرق تحت ظلال الشمس الحارقة, ومعانقة الخطر ونحن نطهر المساقي والترع بكل عزة النفس والظهور المحنية في حقول الناس.. وأنا الآن أمتلك بدلا من الشقة الصغيرة شقة أوسع بجوار أسرة زوجتي في منطقة متوسطة بالقاهرة, وسوف أنتقل إلي شقة في أرقي مناطق العاصمة قريبا, واشتريت شقتين لابني وابنتي وهما يتعلمان في أحسن المدارس وأهديت زوجتي سيارة, والأهم من كل ذلك نلت رضا والدي عني, فهو يسير وسط الناس فخورا بي وسعيدا بنجاح أولاده, وهو يحظي بحب واحترام الجميع, ويظللنا الرضا وهدوء النفس, وما كنا لنصل إلي ما نحن فيه لولا برنا بوالدنا, ورضاه عنا, ودعاؤنا المستمر لوالدتنا رحمها الله, فاعتبروا يا أولي الألباب.

http://www.ahram.org.eg/Friday-mail/News/153945.aspx

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:26 PM.