#1
|
|||
|
|||
السلطان اورنك زيب عالمكير ... بقية الخلفاء الراشدين !!
ظلت دائما سيرة الخلفاء الراشدين موضع إلهام لكافة سلاطين وخلفاء المسلمين , فمنهم من حاول ان ينهل من سيرتهم ويمشى فى الناس بسيرهم , فعظم بذلك شأنهم ورُفع بذلك ذكرهم , فكان منهم السلطان المجاهد محمود بن سبكتكين والسلطان نور الدين محمود وغيرهم الكثير والكثير ... لكن , كان من أعظم من تشبه بالخلفاء الراشدين على الإطلاق وأقام العدل فى سلطنته وقضى على مظاهر الشرك وأقام للمسلمين دولة ذكرتهم بأيام أبو بكر وعمر هو ............. هو السلطان المعظم أبو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير سلطان الهند . اورنك زيب : معناها بالفارسية "زينة المُلك" عالمكير : معناها بالفارسية "جامع زمام الدنيا أو العالم" فهى ألقاب وليست أسماء ,قال عنه الشيخ على الطنطاوى : " بقية الخلفاء الراشدين " ولد السلطان أورنكْ زيْب في بلدة "دوحد" في كجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م). نشأ في بيت عز وترف وشرف، فأبوه هو "السلطان شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين في الهند، وهو بانى مقبرة تاج محل الشهيرة التي تعد الآن من عجائب الدنيا السبع الحديثة، تم بنائها في 20 عاما وعمل على إنشائها أكثر من 21.000 شخص، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هكذا صرف أبوه في آخر أيامه كل جهده في إنشاء مقبرة لزوجته المحبوبة وظل مفتون بها فضعفت أمر السلطنة وظهرت بوادر الفتن والثورات مما اضطر أورنجزيب أن يقوم بانتزاع السلطنة من أبيه. ظهر من "أورنك زيْب " منذ صغره علامات الجد والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات، وكان فارسا شجاعا لا يشق له غبار، ويروى في ذلك قصة، كان مع إخوته في يوم بحضور أبيه "السلطان شاه جيهان" في احتفال وكان في الاحتفال فقرة لحلبة أفيال، فشرد فيل من الحلبة وجرى نحو "أورنك زيْب " وهو آنذاك ابن 14 عاما، فضرب الفيل الفرس الذي يمتطيه أورنجزيب بخرطومه وطرح أورنك زيْب أرضا وأقبل نحو أورنك زيْب، فثبت أورنك زيْب في مكانه واستل سيفه وسط ذهول الناس وإكبارهم بهذا الأمير الصغير وظل يدافع عن نفسه أمام الفيل الضخم حتى جاء الحرس وطردوا الفيل الضخم. ونشأ وترعرع محبا لمذهب أهل السنة واستقى الدين على مذهب الأمام أبو حنيفة، فهو نشأ وتربى تربية إسلامية خالصة لا تشوبها شائبة. فقد كان أبو جده "جلال الدين أكبر" في أواخر أيامه حمل الناس على دين جديد يحمع بين الديانة الهندوسية والإسلام – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ومنع الجزية عن الهندوس وغير المسلمين فأتى بذلك أمر لم يسبقه إليه أحد من سلاطين المسلمين من قبل، ولم يقم في وجه هذا السلطان أحد وظل الأمر كذلك ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره فظهر هذا الرجل الضعيف الجسم الشيخ الجليل أحمد السرهندى وأخذ يدعو الأمراء وقواد الجيش وذكرهم بالله وأحيا في نفوسهم حمية الدين ولما مات السلطان أكبر جاء من بعده السلطان "جهانكير"، تولى الشيخ محمد معصوم السرهندى ابن الشيخ أحمد السرهندى تربية طفل صغير وبذل له رعايته كلها فنشأ نشأة دينية وفرأ القرآن فجوده، والفقه الحنفى وبرع فيه، والخط فأتقنه وربى على الفروسية والقتال... فكان هذا الطفل هو "أورنك زيْب " ونشأ محبا للشعر فكان شاعرا، ونشأ محبا للخط فكان خطاطا بارعا، وتعلم اللغة العربية والفارسية والتركية. هكذا جمع كل صفات الملوك العظماء في سن صغير. أورانك زيب أميرا كان أورنك زيْب الأخ الثالث بين ثلاثة أبناء هم "شجاع" و"مراد بخش"، فتولى "شجاع" إمارة البنغال وتولى "مراد بخش" إمارة الكجرات وتولى "أورنك زيْب " إمارة الدكن في وسط الهند فتعلم "أورنك زيْب " الإدارة وأتقنها وسبر أغوارها فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوا في إدارة الدولة، ومع ذلك قاد الجيوش بنفسه في عهد أبيه، فقمع الثورات وطهر البلاد وأظهر في الأرض العدل وكانت له هيبة وسمت الملوك، وظل الأمر كذلك حتى كان ما كان من وفاة أمه "ممتاز محل" التي بوفاتها انشغل السلطان "شاه جيهان " ببناء مقبرة يخلد فيها ذكراها وصرف لذلك الأموال وحمل الناس على العمل الشاق فأهملت السلطنة، وظهرت بوادر الفتن والثورات، ولم يكن للسطان يومها من همّ إلا النظر إلى ضريح إمراته وكان قد أمر ببناء ضريح أسود اللون له مماثل لضريح زوجته، ولكن وثب الأخ الأكبر لأورنجزيب على أبيه فاستولى على كل شيء إلا الاسم فظل يحكم باسم أبيه. ولكن كان هذا الأخ الأكبر مائلا للدنيا يريد إرجاع الهند على ماكانت عليه في عهد أبو جده "جلال الدين أكبر"، فرفض بذلك أورنك زيْب المسلم الورع التقى وقام معه أخيه الآخر فاستطاع أورنك زيْب أن يأخذ الحكم لنفسه وقمع الثورات التي شنها إخوته عليه وحبس أباه في حصن أجرا وكانت له شرفة تطل على ضريح زوجته فكان دائم النظر اليه وظل كذلك حتى مات، وبذلك أعلن أورنجزيب نفسه سلطانا على البلاد وكان وقتها عنده من العمر 40 سنة، وابتدأ عهد العدل والحق فقد آن الأوان أن يرى المسلمين أبو بكر وعمر وعثمان في شخص أورنك زيْب عالمكير. أورانك زيب سلطانا على البلاد قد يتخيل البعض بمجرد جلوس أورنك زيْب على كرسى السلطنة ركن إلى العبادة والراحة وخصوصا أنه كان متدينا، لا والله، ماهكذا فهم أجدادنا التدين إنما التدين يكون بإعلاء كلمة الله والجهاد في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فحكم البلاد بالحزم والعدل لم يركن أورنك زيْب إلى الدعة والراحة بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل في جهاد دام 52 سنة حتى خضعت له شبه القارة الهندية كلها من مرتفعات الهيمالايا إلى المحيط ومن بنجلادش اليوم إلى حدود إيران. شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية في الهند في عهد أورنك زيْب (1658 : 1707) أقصى امتداد لها وذلك بفضل الجهود العسكرية التي بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أقاليم الهند إلا خضع تحت سيطرة السلطان، فاستطاع أورنك زيْب تحويل شبه القارة الهندية إلى ولاية مغولية إسلامية ربط شرقها بغربها وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة، خاض المسلمون في عهده أكثر من 30 معركة قاد هو بنفسه منها 11 معركة وأسند الباقى لقواده. أبطل أورنك زيْب 80 نوعا من الضرائب، وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده، وأقام المساجد والحمامات والخاناقات والمدارس والبيمارستانات، وأصلح الطرق وبنى الحدائق، أصبحت "دهلى " في عهده حاضرة الدنيا، وعين القضاة وجعل له في كل ولاية نائب عنه وأعلن في الناس أنه "من كان له حق على السلطان فليرفعه إلى النائب الذي يرفعه إليه". وأظهر أورنك زيْب تمسكه بالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التي تقال لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام, كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وروى في ذلك قصة : أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكون ويحملون نعشا، فسأل ماهذا ؟، قالوا : هذا الغناء والمعازف نذهب لدفنها، فقال : إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى !! وحفظ السلطان القرآن الكريم كله بعد ما أصبح سلطانا !!!، وعين للقضاة كتابا يفتون به على المذهب الحنفى، فأمر بتأليف الكتاب تحت نظره وإشرافه واشتهر الكتاب باسم "الفتاوى الهندية" أو "الفتاوى العالمكيرية" يعرفه كل طلبة العلم. وبنى مسجد "بادشاهى" في لاهور بباكستان الآن، المسجد الذي ظل إلى الآن شاهدا على عصر عز المسلمين وتمكينهم، وقضى على فتنة البرتغاليين في المحيط، وكان يصوم رمضان كاملا ولا يفطر إلا على أرغفة من الشعير من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مال المسلمين !! لم يستطع أن يحج إلى بيت الله الحرام فاستعاض بذلك أن كتب مصحفين بخط يده وأرسل واحدا إلى مكة والآخر للمدينة !! وكان صاحب عبادة عظيمة، ويخضع للمشايخ ويقربهم ويستمع إلى مشورتهم ويعظم قدرهم وأمر قواده أن يستمعوا إلى مشورتهم بتواضع شديد، حتى أنه سمع أن نائبه بالبنغال اتخذ مثل العرش يجلس عليه فنهره وعنفه وأمره أن يجلس بين الناس كجلوس عامتهم !! وكان يصوم الإثنين والخميس والجمعة من كل أسبوع لا يتركهم أبدا ويأبى إلا أن يصلى الفرائض كلها في وقتها جماعة مع المسلمين، وكان يصلى التراويح إماما بالمسلمين، ويعتكف العشر الأواخر في المسجد، فكان أعظم ملوك الدنيا في عصره. وخصص موظفين يكتبون كل ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يفعل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم. أهم أعماله الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل، بتأليف أو بتدريس، لئلا يأخذ المال ويتكاسل، فيكون قد جمع بين السيئتين، أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !! الثاني : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية في كتاب واحد، يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى دخل ملايين من المنبوذين في الهند في الإسلام ووقف حائلا مانع للمد الشيعى الصفوى على البلاد، وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا – على غرار الأربعين النووية – وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد في أموال المسلمين وترك الأخذ منها !! وفاة السلطان أورنك زيب عالمكير توفي السلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ= 20 من فبراير 1707م) بعد أن حكم 52 سنة، وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقرب مقابر للمسلمين وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيات !! بذلك يكون عمر السلطان حين وفاته 90 سنة !!، ولم يمنعه سنه بقيادة الجيوش أو قراءة القرآن، هكذا كانوا أجدادنا، لم يركنوا إلى الدعة والراحة بل كانت حياتهم كلها لله، وبوفاة السلطان أبو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير، انتهت عظمة دولة المسلمين في الهند فجاء من بعده حكاما ضعافا وظل الأمر كذلك حتى انتهت تماما بسقوط آخر سلطان "بهادر شاه الثانى " عام 1857 بواسطة الإنجليز، ولم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن في تلك البلاد الشاسعة.
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
موضوع حلو أوى شكراا
|
العلامات المرجعية |
|
|