اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > التاريخ والحضارة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-06-2012, 07:39 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New وظيفة العلماء في تثبيت الأمراء .. نموذج تاريخي


أسوق إليكم نصاً جلياً متميزاً جرى الحديث فيه بين القاضي الفاضل وزير صلاح الدين وبين صلاح الدين الأيوبي رحمة الله عليهما ، وهو يوضح بجلاء مهمة العلماء في تثبيت المجاهدين و ولاة الأمور .

ومناسبة هذا النص أن صلاح الدين رحمه الله تعالى كان قد اشتكى لوزيره القاضي الفاضل تباطؤ نجدة سائر الأمراء له ، و أنه يكاد ينفرد بالقيام بجهاد الكفار الصليبين ، وكان صلاح الدين على أسوار عكا مرابطاً ، وكان وزيره القاضي الفاضل في مصر مساعداً لابن صلاح الدين الوالي عليها ، فتأمل أخي القارئ عظمة هذا النص و جمال معانيه .

قال القاضي رحمه الله تعالى : (( ولا شبهة أن مولانا - عز نصره - في أشغال شاغلة ،وأمور متشددة ، وقضايا غير واحدة ولا متعددة ، ولكن قد ابتلي الناس فصبروا ، وأضجرتهم الأيام فما ضَجِروا ، وأي عبادة أعظم من عبادته التي قام بهاوالناس عنها قعود ،وصبر في طلب جنتها على ناري الحرب و الوقت ذواتي الوقود . غير أن مولانا إذا ذكر نصيبه من الإقدام فلا ينسى نصيبه من الحزم ، و لا يعجل يالأمور الخطيرة ، ولا يُقدم بالعدد القليل على العدة الكثيرة ، فالمولى إذا أقبل كان واحداً و إذا أدبر كان مُقَوَّماً بجميع الخلق ولا يطمع بأن يقوّم به الألف ، ولا يكره المولى أن تطول مدة الابتلاء بهذا العدو فثوابه يطول ، و حسناته تزيد ، وأثره في الإسلام يبقى ، وفتوحاته بمشيئة الله يعظم موقعها و العاقبة للتقوى ، ولينصرن الله من ينصره ، والله تعالى يشكر لمولانا جهاده بيده وبرأيه ، وبولده و بخاصته ، وبعامة جنده )) .

ومن كتاب آخر : (( إنما أُتينا من قِبَل أنفسنا ، ولو صدقناه لعجل لنا عواقب صدقنا ، ولو أطعناه لما عاقبنا بعدوّنا ، ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به ، فلا يستخصم أحد إلا عمله ، ولا يلم إلا نفسه ، ولا يرج إلا ربه ، ولا تنتظر العساكر أن تكثر ، ولا الأموال أن تحضر ، ولا فلان الذي يُعتقد عليه أن يقاتل ، ولا فلان الذي ينتظر أنه يسير ، فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها ولا نأمن أن يكلنا الله إليها ، والنصر به واللطف منه ، والعادة الجميلة له ، و نستغفر الله سبحانه من ذنوبنا فلولا أنها مَسَدُّ طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل ، وفيض دموع الخاشعين قد غسل ، ولكن في الطريق عائق ، خار الله لمولانا في القضاء السابق واللاحق .

والآراء تختلف بحضرتك ، والمشورات تتنوع بمجلسك ، فقائل : لم لا نتباعد عن المنزلة ، و آخر: لم لا نميل إلى المصالحة ، و متندم على فائت ما كان فيه حظ ، ومشير بمستقبل ما يلوح فيه رشد ، و مشير بالتخلي عن عكا ، وما كأنها طليعة الجيش ولا خَرَزة السلك إن وهت تداعى السلك ، فألهمك الله قتل الكافر ، وخلاف المخذّل ، والتجلد و تحت قدمك الجمر ، و أفرشك الطمأنينة و تحت جنبك الوعر .

لا شبهة أن المملوك قد أطال ، ولكن قد اتسع المجال ، وما مراده إلا أن يشكر الله على ما اختاره له ويسره عليه ، وحببه إليه ، فرب ممتحن بنعمة ، ورب منعَم عليه بمشقة ، و كم مغبوط بنعمة هي داؤه ، ومرحوم من بلوى هي دواؤه ، ويريد المملوك بهذا أن لايتغير لمولانا - أبقاه الله - وجه عن بشاشة ، ولا صدر عن سَعة ، ولا لسان عن حسنة ، ولا تُرى منه ضجرة ، ولا تُسمع منه نهره ، فالشدة تذهب و يبقى ذكرها ، و الأزمة تنفرج و يبقى أجرها ، وكما لم يُحدث استمرار النعم لمولانا - عز نصره - بطراً فلا تُحدث له ساعات الامتحان ضجراً .

و المملوك بأن يسمع أن مولانا - عز نصره - على ما يعهده من سعة صدر أسرُّ منه بما يسمعه من بشائر نصره ، وياليتني كنت معهم ، وماذا كانت تصنع الأيام إما شيباً من مشاهدة الحروب ، فقد شبنا والله من سماع الأخبار ، أو غُرماً يمكن خُلفه من الوفر فقد غرمنا والله في بُعد مولانا ما لا خُلف له من العمر ، أو مرض جسم فخيره ما كان الطبيب حاضره ، ولقد مرضنا أشد المرض لفراقه غير أن التجلد ساتره )).كنت قد سقت في الحلقة الماضية نصاً ثميناً لمكاتبة جرت بين صلاح الدين المقيم في عكا مرابطاً و وزيره القاضي المقيم في مصر ، و كان الحديث بينهما قد جرى بمناسبة تألم صلاح الدين من تباطأ نصرة سائر الأمراء له .

وها أنذا أسوق نصاً آخر مكملاً لذلك النص الأول حيث يقول القاضي الفاضل :

(( يا مولانا: أليس الله تعالىاطلع على قلوب أهل الأرض فلم يؤهل ولم يستصلح ولم يختر ولم يُسهل ولم يستعمل ولم يستخدم في إقامة دينه و إعلاء كلمته و تمهيدسلطانه وحماية شعاره و حفظ قبلة موحديه إلا أنت ، هذاوفي الأرض من هو للنبوة قرابة ، ومَن له المملكة وراثة ، ومن له في المال كثرة ، ومن له في العدد ثروة ، فأقعدهم و أقامك و كسَّلهم ونشَّطك ، وقبضهم وبسطك ، وحبب الدنيا إليهم و بغَّضها إليك ، و صعبها عليهم وهونها عليك ، و أمسك أيديهم و أطلق يدك ، و أغمد سيوفهم و جرّد سيفك ، وأشقاهم و أنعم عليك ، وثبطهم و سيرك : (( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدة ولكن كرِه الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين )).

نعم و أخرى أهم من الأولى أنه لما اجتمعت كلمة الكفر من أقطار الأرض وأطراف الدنيا ما تأخر منهم متأخر ولا استبعد المسافة بينك و بينهم مستبعد ، وخرجوا من ذات أنفسهم الخبيثة ، لا أموال تنفق فيهم ، ولا ملوك تحكم عليهم ، ولا عصا تسوقهم ،ولا سيف يزعجهم ، مُهطعين إلى الداعي ، ساعين في أثر الساعي ، وهم من كل حَدَب ينسلون ، و من كل بر وبحر يقبلون ، كنت يا مولانا - كما قيل - أبقاك الله :
ولست بملك هازم لنظيره **** ولكنك الإسلام للشرك هازم

هذا وليس لك من المسلمين كافة مساعدة إلا بدعوة ولا مجاهد معك إلا بلسانه ، ولا خارج معك إلا بهمّ ، ولا خارج بين يديك إلا بالأجرة ، ولا قانع منك إلا بزيادة ، تشتري منهم الخطوات شبراً بذراع ، و ذراعاً بباع ، تدعوهم إلى الله و كأنما تدعوهم إلى نفسك ، و تسالهم الفريضة كأنك تكلفهم النافلة ، و تعرض عليهم الجنة وكأنك تريد أن تستأثر بها دونهم )).

ومن كتاب آخر : ((و عسكرنا لا يشكو - والحمد لله - منه خوراً ، و إنما يشكو منه ضجراً ، والقوى البشرية لا بد أن يكون لها حدّ ، والأقدار الإلهية لها قصد ، و كل ذي قصد خادم قصدها ، و واقف عند حدها ، و إنما ذكر المملوك هذا ليرفع المولى من خاطره مقت المتقاعس من رجاله كما يثبت فيه شكر المسارع من أبطاله ، قال تعالى : (( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر )) .

أختم لك أخي القارئ النقل عن القاضي الفاضل الذي ثبّت به صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى يوم أن تباعدت بهم الديار ، فالقاضي الفاضل بمصر ، و ذاك مرابط على أسوار عكا رحمهما الله تعالى ، وتمام النص هذا يفهم منه كيف كانت راية الجهاد صافية و مفاهيمه واضحة ظاهرة متوافقة مع أحكام الشرع المطهر ، فكان مما قاله له :

(( ولا بد أن تنفذ مشيئة الله في خلقه ، لا رادَّ لحكمه ، فلا يتسخط مولانا بشيء من قدره ، فلأن يجري القضاء وهو راض مأجور خير من أن يجري وهو ساخط موزور ، من شكا بثه وحزنه إلى الله شكا إلى مشتكى و استغاث بقادر ، ومن دعا ربه خفياً استجاب له استجابة ظاهرة ، فلتكن شكوى مولانا إلى الله خفية عنا ، ولا يقطع الظهور التي لا تشد إلا به ، ولا يُضيّق صدوراً لا تنفرج إلا منه ، وما شرد الكرى ، و أطال على الأفكار ليل السُّرى إلا ضائقة القوت بعكا ، ولم يبق إلا ضعف نعم المعين عليه ترويح النفس و إعفاؤها من الفكر ، فقد علم مولانا بالمباشرة أنه لا يُدبر الدهر إلا برب الدهر ، ولا ينفذ الأمر إلا بصاحب الأمر ، وأنه لا يقلّ الهم إن كثر الفكر .
قد قلت للرجل المقسَّم أمرُه **** فوض إليه تنم قرير العين

وكل مقترح يجاب إليه إلا ثغراً يصير نصرانياً بعد أن أسلم ، أو بلداً يخرس فيه المنبر بعد أن تكلم ، يا مولانا : هذه الليالي التي رابطت فيها والناس كارهون ، وسهرت فيها والعيون هاجعة ، و هذه الأيام التي ينادي فيها : ياخيل الله اركبي ، وهذه الساعات التي تزرع الشيب في الرؤوس هي نعمة الله عليك ، و غراسك في الجنة : (( يوم تجدُ كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً )) ، وهي مُجَوِّزاتك على الصراط ، وهي مثقلات الميزان ، و هي درجات الرضوان ، فاشكر الله عليها كما تشكره على الفتوحات الجليلة ، و اعلم أن مثوبة الصبر فوق مثوبة الشكر .

من ربط جأش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : (( لو كان الصبر و الشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت )) ، و بهذه العزائم سبقونا و تركونا لا نطمع في اللحاق بالغبار ، و امتدت خطاهم و نعوذ بالله من العثار ، ما استعمل الله في القيام بالحق إلا خير الخلق ، وقد عرف ما جرى في سير الأولين ، وفي أنباء النبيين ، و أن الله تعالى حرض نبيه صلى الله عليه وسلم على أن يهتدي بهداهم ، و يسلك سبيلهم ، ويقتدي بأولي العزم منهم .

و ما ابتلى الله سبحانه من عباده إلا مَن يعلم أنه يصبر ، و أمور الدنيا ينسخ بعضها بعضاً و كأنَّ ما قد كان لم يكن ، و يذهب التعب ويبقى الأجر ، وإنما يقظات العين كالحلم ، و أهم الوصايا أن لا يحمل المولى هماً يضعف جسمه ، ويضر مزاجه ، و الأمَّه بنيان وهو - أبقاه الله تعالى - قاعدته ، والله يثبت تلك القاعدة القائمة في نصرة الحق .

و مما يستحسن من وصايا الفرس : (( إن نزل بك مافيه حيلة فلا تعجز ، و إن نزل بك ماليس لك فيه حيلة - والعياذ بالله - فلا تجزع )) ، ورب واقع في أمر لو اشتغل عن حمل الهم به بالتدبير فيه مع مقدور الله لانصرف همه ، و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله .

هذا سلطان هو - بحول الله - أوثق منه بسلطانه ، قاتلت الملوك بطمعها و قاتل هذا بإيمانه ، و إذا نظر الله إلى قلب مولانا لم يجد فيه ثقة بغيره ، ولا تعويلاً على قوة إلا على قوته فهنالك الفرج ميعاده ، واللطف ميقاته ، فلا يقنط من روح الله ، ولا يقل متى نصر الله ، وليصبر فإنما خلق للصبر ، بل ليشكر فالشكر في موضع الصبر أعلى درجات الشكر ، وليقل لمن ابتلَى : أنت المعافي ، و ليرض عن الله سبحانه فإن الراضي عن الله هو المسلم الراضي )) .

وكتب السلطان إلى القاضي الفاضل كتاباً من بلاد الفرنج يخبره عما لاح له من أمارات النصر و يقول : ما أخاف إلا من ذنوبنا أن يأخذنا الله بها.

فكتب إليه الفاضل : (( فأما قول المولى : إننا نخاف أن نؤخذ بذنوبنا ، فالذنوب كانت مثبته قبل هذا المقام وفيه محيت ، و الآثام كانت مكتوبة ثم عفي عنها بهذه الساعات وعَفيت ، فيكفي مستغفراً لسان السيف الأحمر في الجهاد ، ويكفي قارعاً لأبواب الجنة صوت مقارعة الأضداد ، ولعَين الله موقفك ، وفي سبيل الله مقامك و منصرفك ، و طوبى لقدم سعت في منهاجك ، و طوبى لنفس بين يديك قَتلت و قُتلت ، و إن الخواطر تشكر الله فيك و عن شكرها لك قد شُغلت )).
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:19 AM.