اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > أخبـار & سياسـة (مصرية وعربية وعالمية)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-05-2012, 12:48 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,010
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي روسيا والربيع العربى. مصالح ومخاوف

روسيا والربيع العربى. مصالح ومخاوف
بقلم: د. هاني شادي
قد يبدو للبعض أن موقف روسيا من الثورات العربية محير وملتبس، ولكن الأمر ليس كذلك على الأقل بالنسبة لصانع السياسية الروسية. فعدم "ترحيب" روسيا بالربيع العربي له أسباب وأبعاد عدة منها ما يتعلق بالجيوسياسة في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، ومحاولة التنافس على مناطق النفوذ مع الولايات المتحدة والغرب، ومنها ما يتعلق بالداخل الروسي وطبيعة النظام السياسي في روسيا، ويتشابك الخارج والداخل في الموقف الروسي من الثورات العربية في معادلة روسية برجماتية تختلط فيها بقوة المصالح والمخاوف من انتقال "العدوى" وفقدان ما تبقى لروسيا من مواقع موروثة من العهد السوفيتي في المنطقة.
- نظرة روسيا للثورات العربية:
تنطلق روسيا في نظرتها للثورات العربية من محاولتها التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية والناتو على مناطق النفوذ في العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط، وهو المبدأ الموروث من العهد السوفيتي وإن تلاشى عنه القناع الأيديولوجي ليبقى الصراع أو التنافس على المصالح واضحا وصريحا، ولذلك نجد موسكو تعتبر الربيع العربي صناعة أمريكية غربية تهدف إلى إعادة تغيير خريطة العالم والشرق الأوسط، وبناء نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها. وتربط موسكو موقفها المتحفظ من الثورات العربية أيضا بأهمية الحفاظ على الاستقرار في الدول العربية، وهو ما يعني ضرورة الحفاظ على الأنظمة القائمة بغض النظر عن استبدادها وفسادها طالما أن هذه الأنظمة تحقق لروسيا بعض المكاسب، لكن هذا لا يمنع القيادة الروسية من التعامل ببرجماتية شديدة مع نتائج الثورات العربية في محاولة للحفاظ على مصالحها.
وإذا كانت موسكو لم تعلق عمليا على الثورة التونسية إلا بعد هروب زين العابدين بن علي إلى السعودية، حيث أصدرت الخارجية الروسية بيانا دعت فيه إلى الاستقرار في تونس، وحذرت رعاياها من السفر إلى السياحة في هذا البلد العربي، فإنها انخرطت بدرجة أكبر في أحداث ثورة 25 يناير في مصر عبر بيانات الخارجية وتصريحات المسئولين الكبار الروس، وإرسال الكسندر سلطانوف مبعوث الرئيس الروسي آنذاك للقاء مبارك قبل يومين من خلعه، معبرة عن تحفظها، وداعية للحفاظ على الاستقرار وعدم التدخل في الشؤون المصرية الداخلية. فموسكو كانت تعول على نظام مبارك في تطوير العلاقات بين البلدين سياسيا واقتصاديا، حيث شهدت هذه العلاقات في السنوات الماضية تطورا ملحوظا تمثل في زيادة واضحة في حجم التبادل التجاري السلعي وتزايد أعداد السائحين الروس الوافدين إلى مصر الذين وصل عددهم إلى 1.8 مليون سائح في عام 2010. كما كانت موسكو تأمل في فتح أبواب السوق المصرية أمام رأس المال الروسي بالرغم من محدودية الاستثمارات الروسية عن طريق إنشاء منطقة صناعية روسية خاصة في مصر، وتطوير التعاون في مجال الطاقة، وعقد صفقات لبيع السلاح الروسي وقطع الغيار للأسلحة السوفيتية الموجودة لدى الجيش المصري.
ومنح الرئيس المخلوع حسني مبارك هذه الفرصة لموسكو عندما بدأ في تحسين العلاقات معها في التسعينيات من القرن الماضي، ولكن ليس على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، ولا يخفى أن مصر التي خرجت من دائرة نفوذ موسكو في السبعينيات من القرن العشرين على يد الرئيس أنور السادات، وتحولت إلى دائرة النفوذ الأمريكي كانت تمثل أحد المنافذ لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية بعد سنوات من الغياب في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث أصبحت السياسة الخارجية الروسية أكثر برجماتية وتحررا من القيود الأيديولوجية، ولذلك كانت موسكو الرسمية أميل وحتى اللحظة الأخيرة إلى دعم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، من خلال الدعوة إلى الحفاظ على الاستقرار، ورفض الضغوط الخارجية على مبارك وتجنب ال*** وضرورة الحوار بين طرفي الأزمة. لقد كانت موسكو تعتقد بأن ما يجري في مصر ليس ثورة وإنما مجرد نزاع يمكن التغلب عليه عن طريق الحوار والتفاوض بين الأطراف المشاركة فيه من أجل الحفاظ على "الاستقرار"، أي الحفاظ على مبارك ونظامه.
وفي سياق محاولات التأكيد على اليد الأمريكية ــ الغربية في الثورة المصرية حذر الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف من خطورة المساس بوحدة الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل مصر، واحتمالات تفكك هذه الدول إلى أجزاء صغيرة، ووصول المتطرفين إلى السلطة ، قائلا "إن مثل هذا السيناريو كان معدا لروسيا من قبل ، وسيحاولون تنفيذه"، ويقصد ميدفيديف هنا الولايات المتحدة والغرب، كما حذر بوتين من تأثير احتمال وصول الإسلاميين الراديكاليين إلى السلطة على الوضع في شمال القوقاز الروسي، ولكن بعد تخلي مبارك عن الحكم، سارع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لزيارة القاهرة في مارس 2011 لمد الجسور مع المجلس العسكري، كما أنه التقى أثناء هذه الزيارة بعض ممثلي شباب الثورة حسب مصادر روسية. في نفس الوقت حرص السفير الروسي في مصر على الاجتماع بممثلي حزب الحرية والعدالة بالرغم من أن حركة الإخوان المسلمين مازالت على القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية.
وفيما يتعلق بالثورة اليمنية، رحبت موسكو بالمبادرة الخليجية على أساس أنها تضمن الاستقرار في اليمن عبر استبدال الرئيس علي عبد الله صالح بنائبه مع الحفاظ على استمرار النظام الذي لديه علاقات اقتصادية وعسكرية مع موسكو. وعندما ألمحت الخارجية الروسية على لسان ناطقها الرسمي الكسندر لوكاشيفيتش عن امتعاض موسكو من تدخل قوات درع الخليج في البحرين، سارع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى زيارة العاصمة الروسية لاحتواء الموقف، فتراجعت موسكو عن امتعاضها.
وأثناء الثورة الليبية تقلب الموقف الروسي من القذافي والمجلس الانتقالي الليبي عدة مرات. في البداية كانت روسيا ترفض التغيير في ليبيا، وبعد ذلك انضمت إلى صفوف المطالبين بخلع القذافي، ومن ثم امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 لحماية المدنيين وفرض حظر جوي على ليبيا، مما سمح لحلف شمال الأطلسي بتوجيه ضربات جوية لكتائب القذافي، وهنا دب الخلاف في النخبة الحاكمة الروسية أو بدأ توزيع الأدوار داخل هذه النخبة، حيث وصف فلاديمير بوتين العمليات العسكرية للناتو بالحروب الصليبية في وقت بدا فيه دميتري ميدفيديف أكثر قربا من الموقف الغربي تجاه القذافي، وفي سبتمبر 2011 عندما بات واضحا أن مصير القذافي قد حُسم سارعت موسكو لمد جسور الحوار مع المجلس الانتقالي الليبي، ودعته لزيارة موسكو مشترطة ضرورة الحفاظ على عقود شركاتها العاملة في مجال الطاقة والبنية الأساسية التي وُقعت مع العقيد القذافي.
ولعل الموقف الأكثر تشددا لروسيا تجاه الربيع العربي هو موقفها من الثورة السورية. فمنذ اللحظة الأولى رفضت موسكو أي إدانة لممارسات بشار الأسد، وتبنت على مدار عام من الثورة السورية الرواية الرسمية للنظام التي تنفي وجود الثورة وتسوق ما يجري على أنه مواجهة مع مجموعات مسلحة متطرفة، ولم تسفر زيارات المعارضة السورية للعاصمة الروسية عن خلخلة الموقف الروسي بل أفهم المسئولون الروس المعارضة السورية أن موسكو لن تتخلى عن بشار، وعليهم التفاوض معه، ووقف ال*** من طرف المسلحين. ولكن هذا لم يمنع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي وصف المعارضة السورية بالمتشددة من التلميح في شهر يوليو الماضي أثناء مقابلة مع قناة "روسيا ــ 24" التلفزيونية إلى إمكانية السيناريو اليمني في سوريا قائلا: "نحن نريد أن يكون الموقف تجاه سوريا كما هو الموقف الآن تجاه اليمن. فعلى الرغم من أن اليمن شهد اشتباكات مسلحة خطيرة، فلا أحد يحاول إثارة الوضع هناك أو ينحاز لأي طرف من طرفي النزاع أو يرفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي، وهذا ما نريده لسوريا ونحن نرى أن شركاءنا الغربيين يجب أن يتخذوا الموقف ذاته". وإمعانا في المراوغة السياسية حذر الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في أغسطس 2011 نظيره السوري من "مصير محزن" إذا لم يبدأ حوارا مع المعارضة ويبادر بالإصلاحات في سوريا، ولكن عندما نُقل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي استخدمت روسيا حق الفيتو مرتين (في أكتوبر من العام الماضي، وفي فبراير من العام الجاري) ورفضت أي إدانة لنظام الأسد، وأصرت على تحميل مسئولية ال*** لطرفي النزاع، كما رفضت أي عقوبات أممية على النظام السوري متوافقة في ذلك مع الصين.
وفي سياق "تبرير" موقفها داخليا أطلقت موسكو حملة إعلامية صاخبة عبر عدد من نخبتها السياسية والإعلامية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي فاز بها بوتين في الرابع من مارس 2011 للتأكيد على موقف روسيا المساند للنظام السوري وتسويق فكرة وقوف الغرب والولايات المتحدة وراء الربيع العربي. فبدأ السياسي المخضرم والمختص في شؤون الشرق الأوسط يفجيني بريماكوف ينظر حول الثورات العربية مطالبا المجتمع الدولي التمييز بين ثورتي تونس ومصر السلميتين، وما جرى في ليبيا، ويجري في سوريا، وأعلن بريماكوف في عدة مقابلات صحفية خلال شهري يناير وفبراير 2012 أن القذافي وبشار الأسد واجها منذ البداية جماعات مسلحة على عكس الطريقة السلمية التي جرت بها الأحداث في تونس ومصر، مشددا على أن الغرب خدع روسيا، وشن الحرب على ليبيا بالرغم من ان القرار 1973 لم يخوله بذلك.
وعلى نفس المنوال جاءت تصريحات الصحفي الروسي ماكسيم شيفشينكو المحسوب على بوتين، والتي قال فيها "كانت لنا تجربة مريرة في ليبيا، حيث خدع الغرب ميدفيديف والخارجية الروسية. فبحجة مساعدة المدنيين شُنت الحرب على ليبيا وقُتل القذافي من أجل إعادة تقسيم اسواق النفط. وهذه كانت ضربة قوية لمصالح روسيا". وطالب شيفيشنكو القيادة الروسية بالوقوف بجانب النظام السوري، والاستمرار في دعم بشار الأسد، وعدم تأييد الغرب وقطر والسعودية في مساعيهم لإسقاط النظام السوري لأن هذا في رأيه سيعني انتقال الحرب مباشرة الى الحدود الروسية، واعتبر دفاع موسكو عن النظام السوري هو دفاع عن روسيا نفسها.
أما المفكر والمنظر الجيوسياسي الكسندر دوجين زعيم حركة أورآسيا الروسية فقد اعتبر أن الولايات المتحدة تؤسس لشرق أوسط جديد انطلاقا من منظور مصالحها، وفقط عبر نشر الفوضى ودون أن تأخذ في الحسبان مصالح الدول الأخرى. ويقول دوجين "إن مصالح روسيا تكمن في منع تأسيس عالم أحادي القطبية، والسعي لبناء عالم متعدد الأقطاب بغض النظر عن مصالح ورؤى الولايات المتحدة". واعتبر دوجين أن مصير العالم المتعدد الاقطاب يتقرر اليوم في سوريا ولذلك يجب على موسكو - حسب رأيه - عدم التخلي عن بشار الأسد، ويصل دوجين إلى حد القول بأن "تخلي روسيا عن بشار الأسد سيعني أنها تكتب شهادة وفاتها ووفاة العالم متعدد الاقطاب".
ويشدد الكسندر ايجناتينكو مدير معهد دراسات الأديان والسياسة وعضو لجنة الأديان التابعة للرئيس الروسي على تشبيه ثورات الربيع العربي بالثورات الملونة في جورجيا (2003) وأوكرانيا (2004) من حيث أنها صناعة أمريكية غربية. ويقول: "إن الأزمة الليبية افتعلت من قبل السعودية وقطر والإمارات من أجل مواجهة إيران، وكل ذلك مرتبط مع خطوط نقل النفط". أما ايجور بانارين أستاذ علم السياسة في جامعة موسكو، فيشدد من جانبه على أن دعم روسيا لبشار الأسد يؤكد على أن موسكو لا تتخلى عن حلفائها، ويطالب بضرورة توسيع مناطق النفوذ الروسية حول العالم. هذه عينة بسيطة من آراء ومواقف النخبة السياسية والمثقفة الروسية التي يستمع إليها الشعب الروسي ليل نهار عبر وسائل الإعلام الروسية بكل أنواعها والتي ترمي فيما ترمي إلى تأكيد الدور الغربي الأمريكي المزعوم في الثورات العربية، ومن ثم الترويج للعداء للغرب للتدليل على وطنية "الحاكم الروسي" الذي يجب أن يعود من جديد إلى الكرملين، وها هو قد عاد بالفعل في الرابع من مارس 2012. كما ترمي هذه الحملة الإعلامية إلى منع تعاطف الروس مع الربيع العربي تحسبا لتأثيراته على الداخل الروسي.
- الخوف على الداخل الروسي من الربيع العربي:
يمكن القول ومن دون مبالغات كبيرة إن الربيع العربي أثر بدرجة ما على الداخل الروسي. ففي مارس 2011 أوضح استطلاعا للرأي أن 49 من الروس الذين شاركوا في الاستطلاع عبروا عن استعدادهم للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد السلطات الرسمية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في روسيا. وقبل ذلك في 14 فبراير من العام الماضي أى بعد أيام قليلة من خلع مبارك خرجت مظاهرة للمعارضة الروسية في قلب العاصمة موسكو رافعة شعارا يقول "روسيا ستسير على خطى الثورة المصرية"، ولكن الشارع الروسي هو أصلا مهيأ للاحتجاج على احتكار السلطة من قبل مجموعة ضيقة من الأفراد على رأسهم فلاديمير بوتين، وبالفعل بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في ديسمبر الماضي، والتي شابها التزوير بشكل فاضح لصالح حزب السلطة (حزب بوتين) انطلقت احتجاجات شعبية لم يسبق لها مثيل في موسكو ومدن روسية أخرى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وطالبت هذه الاحتجاجات بإجراء انتخابات نزيهة وتنحى بوتين عن السلطة وعدم عودته إلى الكرملين، ولكنه عاد إلى عرش الكرملين مرة أخرى عبر انتخابات رئاسية في الرابع من مارس الماضي تقول عنها المعارضة الشعبية إنها كانت مزورة أيضا. الأمر الذي سيعني استمرار التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في روسيا في الفترة القادمة أيضا، وهذا بالطبع مبعث قلق لبوتين ونخبته الحاكمة.
إن طبيعة النظام السياسي الذي تشكل في روسيا مع صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 تمثل من ناحية عاملا هاما في تفسير الموقف الروسي المتحفظ من الربيع العربي، وتعتبر من الناحية الأخرى حافزا على الاحتجاجات الشعبية داخل روسيا. فهذا النظام يعتمد ما يسمى "الديمقراطية الموجهة" التي تسمح بتداول السلطة العليا في البلاد داخل النخبة الحاكمة الضيقة، وأن مثال اختيار بوتين لميدفيديف ليخلفه في رئاسة روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 لدليل واضح على ذلك، كما أن عودة بوتين من جديد للكرملين تعكس بوضوح "لعبة الكراسي الرئاسية" التي يتبعها والتي بدأ الكثير من الروس يشعرون بالتململ منها. بجانب "الديمقراطية الموجهة" يعتمد النظام السياسي في روسيا أيضا على مفهوم "الديمقراطية السيادية"، أي الديمقراطية غير المفروضة من الخارج. ونتذكر هنا تصريحات الكثير من المسئولين الروس، وعلى رأسهم بوتين، والتي تتعلق بعدم صلاحية الديمقراطية الغربية لروسيا.
بجانب ذلك يخشى الكرملين أن يؤثر صعود الاسلاميين في بلدان الربيع العربي على منطقة القوقاز الروسي، وعلى المسلمين الروس عموما الذين تقدر أعدادهم اليوم بأكثر من 20 مليون مسلم. ويسود اعتقاد لدى الكرملين بأن الصعود الإسلامي في البلدان العربية قد يُنعش النزعة الانفصالية في القوقاز الروسي من جديد، ولكن هذا في رأينا من مبالغات السياسة الروسية لأن الحديث يدور اليوم عن احتجاجات شعبية في عموم روسيا تطالب بالحرية، وتداول حقيقي للسلطة، والتخلص من معادلة احتكار السلطة والفساد المستشري. لقد حذر بوتين عدة مرات من صعود الإسلاميين الراديكاليين في بلدان الربيع العربي على الوضع في شمال القوقاز الروسي.
في مقال نشرته صحيفة "موسكو فسكييه نوفوستي" الروسية في عددها الصادر 27 فبراير 2011 تحت عنوان "روسيا والعالم المتغير"، يقول بوتين "إن العديد من البلدان العربية شهد قبل عام مظاهرات متزامنة ضد أنظمة الحكم الفردي. وكان هناك أمل في أن يؤدي "الربيع العربي" إلى تغيرات إيجابية، ولكن سرعان ما بات واضحا أن أحداث الكثير من البلدان لا تأخذ المنحى الحضاري، إذ جرى استبدال سيطرة إحدى القوى بسيطرة قوة أخرى أكثر تشددا وبطشا بدلاً من ترسيخ الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات". تقييم بوتين هذا الذي يلمح فيه إلى خطر وصول الإسلاميين الى السلطة في بلدان الربيع العربي لا يمنعه بأي حال من الاحوال في إطار البرجماتية أن يتواصل معهم عبر سفرائه في البلدان العربية المعنية. إن هذا الخوف من انتقال "عدوى" الربيع العربي إلى روسيا عامة أو إلى القوقاز خاصة دفعت ببعض المحللين الروس ذوي التوجهات القومية للحديث عن "تحالف أمريكي - إسلامي" ضد روسيا، وهو ما يلقى رواجا في بعض الدوائر الرسمية والإعلامية الروسية.
- الخوف من ضياع المصالح:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي دعت موسكو ومازالت لبناء عالم متعدد الأقطاب في محاولة للحفاظ على مصالحها بسبب الانحسار الجيوستراتيجي الذي تعاني منه، واقتراب حلف الناتو من حدودها، ومرابطة طائرات هذا الحلف في دول البلطيق الثلاث على مقربة من العاصمة الروسية، والتهديدات التي تراها محتملة على أمنها الوطني من جراء الدرع الصاروخية. وسارعت القيادة الروسية مع وصول بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 إلى ترتيب أوراقها على الساحة الدولية والشرق الأوسط. فكان بوتين أكثر زعيم روسي في عدد زياراته إلى البلدان العربية إبان ولايته الرئاسية الثانية (2004 - 2008) حيث زار مصر والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والأردن وليبيا والأراضي الفلسطينية، وأكمل ميدفيديف هذه الزيارات بزيارة سوريا في عام 2010 بجانب بعض الدول العربية الأخرى، من بينها مصر والجزائر.
وكان الهدف من وراء هذه الزيارات هو فتح الطريق أمام الشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة، ومشاريع البنية الأساسية للعمل في هذه البلدان، وبيع الأسلحة الروسية لها. وبالفعل تمكنت القيادة الروسية من زيادة حجم التبادل التجاري مع البلدان العربية من أقل من ملياري دولار في عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي إلى مبلغ يتراوح ما بين 8 و10 مليارات دولار في 2011. ومع أن المبلغ المذكور لا يعد كبيرا مقارنة بحجم التبادل التجاري لروسيا مع دولة مثل تركيا، والذي يتجاوز الثلاثين مليار دولار، إلا أن موسكو شعرت بالخطر عندما اندلع الربيع العربي وترددت وتحفظت.
في مقاله "روسيا والعالم المتغير" يفصح بوتين بوضوح عن هواجسه من تأثير الربيع العربي على المصالح الاقتصادية الروسية في البلدان العربية. فيقول إن الشركات الروسية تفقد مواقع عملت من أجلها خلال عشرات السنين في أسواق البلدان التي اجتازت "الربيع العربي"، ويتم تجريدها من عقود ربحية كبيرة في هذه الأسواق مثلما حصل في العراق في وقت سابق، وتحتل هذه المواقع شركات الدول التي كانت لها اليد الطولىة في تغيير أنظمة الحكم، وقد يخطر على بال المرء أن الأحداث المأساوية لا يقف وراءها الحرص على حماية حقوق الإنسان بقدر ما تقف وراءها رغبة أحد ما في إعادة اقتسام الأسواق. على أية حال، فإننا لا يمكن أن ننظر نظرة هادئة إلى هذا، ونعتزم أن نعمل مع السلطات الجديدة في البلدان العربية على استعادة مواقعنا الاقتصادية في وقت سريع. إلى هنا ينتهي الاقتباس من مقال بوتين والذي يعكس بوضوح أن الموقف الروسي من الثورات العربية يتعلق بأسواق فقدتها أو قد تفقدها روسيا بسبب هذه الثورات، وأنها تسعى حاليا للبحث عن طرق لاستعادة هذه الأسواق بما في ذلك التعامل مع الحركات الإسلامية الصاعدة في المنطقة، والتي عبر بوتين مرارا وتكرارا عن خشيته منها على القوقاز، وربما يفسر هذا جزئيا تشدد روسيا تجاه الثورة السورية، فالأمر يبدو وكأنه يتعلق بحصول موسكو على ضمانات كافية للبقاء في السوق السورية وغيرها من البلدان العربية.
في هذا السياق تعمل أيضا الآلة الإعلامية الحكومية الروسية، عبر مقالات وتصريحات على تُعدد حجم الخسائر التي تكبدتها روسيا وسوف تتكبدها بسبب الثورات العربية. ففي مقال نُشر في صحيفة "نيزافيسمايا" ذائعة الصيت بتاريخ 29 فبراير 2012 يكتب ايجور ناؤموف "إن تغيير وخلع الأنظمة الحاكمة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يحمل ضررا كبيرا للاقتصاد الروسي. فالشركات الروسية تفقد عقودا مفيدة وأسواق هامة في هذه المنطقة، ومن ثم ستتحمل ميزانية الدولة الروسية خسائر بمليارات الدولارات"، ويفسر كاتب المقال موقف موسكو المدافع عن النظام الحاكم في سورية بحجم استثمارات الشركات الروسية في الاقتصاد السوري التي يقدرها بـ 20مليار دولار في مشاريع البنية الأساسية والطاقة والسياحة، ويضيف إلى هذه الخسائر بعض العقود العسكرية المحتملة التي تم بحثها مع النظام السوري بمبلغ 4 مليارات دولار، بجانب شطب روسيا لأربعة مليارات دولار أخرى من ديون سورية التي كانت مستحقة للاتحاد السوفيتي.
وفيما يتعلق بليبيا يشير المقال إلى خسائر روسيا المتمثلة في عقد لتوريد أسلحة روسية للعقيد القذافي بمبلغ 1.8 مليار دولار جرى التوقيع عليه في يناير 2012 وعقود أخرى افتراضية نُوقشت مع النظام الليبي السابق تتعلق ببيع طائرات حربية، وبالنقل العسكري ومنظومات للدفاع الجوي بمبلغ اجمالي 4.5 مليار دولار، إضافة الى أكثر من 4.5 مليار دولار شطبتها روسيا من مديونية ليبيا المستحقة للاتحاد السوفيتي السابق في أبريل 2008 مقابل شراء اسلحة روسية وعقود للشركات الروسية في مجال الطاقة والبنية الأساسية، كما أن شركة السكك الحديدية الروسية في 2008 كسبت مناقصة لبناء خط سكك حديدية سريع في ليبيا بمبلغ إجمالي 2.2 مليار يورو، ويعترف كاتب المقال بأن 40 إلى 50 من قيمة العقود التي وقعت مع القذافي كانت عبارة عن عمولات غير مشروعة تدخل في إطار الفساد المالي. ويختتم الكاتب الروسي مقاله هذا بالتحذير من أن ما حصل مع روسيا في العراق في 2003، وخسرت موسكو بسببه أكثر من 30 مليار دولار (حسب تقديراته) يتكرر اليوم معها في ليبيا وسوريا وبعض البلدان العربية الأخرى بسبب الثورات العربية، ولكن من يحسب الخسائر الاقتصادية والعسكرية الروسية من جراء الربيع العربي يتناسى مكاسب روسيا الهائلة من ارتفاع أسعار النفط والغاز خلال السنوات الأخيرة، والتي أدت عمليا إلى تحقيق نمو اقتصادى كبير في روسيا بما في ذلك زيادة الأجور والمرتبات.
بعض المراقبين يضيف إلى أسباب تشدد روسيا في موقفها من الثورة السورية وجود قاعدة عسكرية بحرية روسية في طرطوس، ولكن هذه "القاعدة" في حقيقة الأمر هي مجرد مركز لصيانة السفن وتزويد الأسطول العسكري الروسي بالوقود والمؤن عند مروره عبر البحر المتوسط. وفي السنوات الماضية كثر الحديث عن تحويل هذا المركز إلى قاعدة عسكرية فعلية للأسطول العسكري البحري الروسي، ولكن لم تتخذ خطوات عملية في هذا الموضوع حتى يومنا الحاضر. في نفس الوقت يُوجد خبراء عسكريون ومدنيون روس في سوريا والسلاح الذي يستخدمه النظام السوري في مواجهة الثورة في معظمه سلاح روسي.
هل سيتخلى بوتين عن الأسد؟
بعد عودته إلى الكرملين من جديد لولاية رئاسية ثالثة لمدة ست سنوات قادمة قد تطول إلى 12 سنة أي حتى عام (2024) يتردد السؤال المطروح أعلاه: هل سيتخلى بوتين عن بشار الأسد؟ يقول بوتين في مقاله المنشور بتاريخ 2012/2/27 "لا يجوز لأحد أن يحاول تنفيذ "السيناريو الليبي" في سوريا، ويجب أن يبذل المجتمع الدولي جهوده في سبيل تحقيق المصالحة بين السوريين. ومن الهام بمكان أن يتم وقف ال*** مهما تكن مصادره في أسرع وقت، وإطلاق الحوار الوطني الشامل بين السوريين دون شروط مسبقة، ودون التدخل الأجنبي مع احترام سيادة الدولة، وسيمهد هذا لتنفيذ ما أعلنته القيادة السورية من إجراءات لإشاعة الديمقراطية". هذا الاقتباس يتكون عمليا من معظم البنود التي جاءت في الاتفاق العربي الروسي الذي تم التوصل إليه أثناء اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في العاشر من مارس 2011 مع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية بالقاهرة. وهو اتفاق يمثل في رأي الكثيرين تراجعا عربيا لصالح الموقف الروسي، ولأن روسيا تدرك جيدا عدم رغبة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بالقيام بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد بسبب العديد من الاعتبارات ضمنها الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية، فإن موسكو ستواصل تشددها في انتظار إجراء "مساومة كبرى" مع الغرب تحقق عبرها ما تصبو إليه من مكاسب. فالكرملين، على ما يبدو، يعتبر الثورة السورية فرصة تاريخية لإثبات وجود روسيا على الساحة الدولية كلاعب رئيسي في إطار ما يروج له مع الصين من ضرورة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب بغض النظر عن سقوط آلاف ال***ى والجرحى، وإهدار حقوق الانسان، وارتكاب النظام السوري لجرائم ضد الإنسانية. فهذا الجانب الحقوقي من الجوانب الضعيفة للغاية في السياسة الخارجية والداخلية لروسيا، ومع ذلك لا نستبعد مع تطور الأحداث في سوريا أن تجد موسكو صيغة معينة تحافظ من خلالها على مصالحها في سوريا ودول الربيع العربي الأخرى بغض النظر عن الأشخاص الذين يتولون الحكم في تلك الدول وذلك في إطار "توافق" روسي غربي محتمل على إفراغ الثورات العربية من مضمونها ومطالبها الحقيقية لوقف تأثير هذه الثورات على مصالح الدول الكبرى.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-05-2012, 10:27 PM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,671
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

جزاكم الله خيرا
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-05-2012, 02:20 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,010
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ/ رضا الجوهرى مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:21 AM.