عثرات في طريق السائرين إلى الله.. الحلقة الثانية

[abomokhtar]

بقلم/ محمود جاد الكريم
ما أجمل أن تدعو إلى الله عز وجل.. فأنت تدعو إلى العظيم الجليل.. تدعو الناس إلى طاعته وهو أهل أن يُطاع.. وتدعو الناس إلى محبته وهو أهل أن يحب.. تدعو الناس إلى السعي إلى رضاه.. لأن سخطه لا يتحمله مخلوق.. تدعو الناس إلى رحمته ووده فهو الرحيم الودود.
والدعوة إليه شرف للقائم بها.. ومقام رفيع لمؤديها .. ومنصب عال وشريف تتوق إليه أنفس العاملين لدين الله.. وأفضل قول يقوله إنسان هو الذي يكون في مجال الدعوة إلى الله عز وجل.. يقول تعالى:" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
وما أن يقرأ المسلم فضل الدعوة إلى الله كقوله تعالى:"وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وكقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم ): "فو الله لأن يهدي الله بك رجلا ً واحدا ً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" صحيح مسلم.
حتى يقرر أن يكون من الدعاة إلى الله.. ويبدأ بالدعوة إلى ربه.. يحض الناس على فعل الخيرات وترك المنكرات والرحمة بالمساكين.. ويبدأ صيته بالذيوع.. وتأخذ شهرته في الاتساع.. ويردد الناس أقواله.. ويشعر بلذة العمل لدين الله ويهتدي أناس على يديه.. ويصيرون أتقياء أنقياء طاهرين طيبين.
ويرتفع شأنه بين الناس.. وتعلو مكانته.. ويرى أمامه دعاة إلى الله مثلـه سلكوا طريق الدعوة إلى الله .. يمدحهم الناس أمامه ويثنون عليهم.. وتجتمع لهم أعداد غفيرة من الخلق يستمعون إليهم .. وربما أعجب بهؤلاء الدعاة بعض أهل الحكم والسلطـان .
فإذا بالشيطان يحرك فيه مشاعر غريبة وأموراً دفينة.. وبدل أن يفرح لوجود من يعينه في عمله ويساعده في طريقه.. إذا بالشيطان يجعله يشحذ لسانه ويخرج سيفه من غمده.. ويشمر عن ساعده ليدمر كل داعية يجده في طريقه.. فيأخذ في تسفيه آراء من يذكر أمامه من الدعاة.. ويتحدث عن قلة خبرتهم في الحياة وقلة علمهم بالدين.
بل يصل الأمر إلى الحديث عن النيات والقلوب.. ويصبح لا هم له إلا البحث في أحوال الدعاة ينقب عما في نفوسهم من شر وعما في أعمالهم من سيئات.
وربما ضحك عليه الشيطان وجعله يتعلل بأنه يفعل ذلك غضبة للدين ودفاعاً عن الشرع.. وليخش الداعية إلى الله أن يكون محركه لذلك هو الغيرة من الدعاة (والمرء يعلم ذلك من نفسه).
ولو كان الغضب للدين لتحدث في معالجة سلوك القائمين على الدعوة دون التعرض لأشخاصهم.. ودون القيام بسبهم.. ولذكر ما يعتقده من صواب دون التجريح والدخول إلى النيات والقلوب.. ولقال دائماً في كلامه ما بال أقوام يقولون كذا أو يفعلون كذا ، دون أن يحدد أشخاصهم.
فهذه عثرة عظيمة يقع فيها بعض الدعاة إلى الله نسـأل الله أن ينجينا وإياهم منهـا.. وهذه العثرة تحول الداعية إلى الله تعالى من رجل ذي لسان نظيف طاهر عفيف ينطق بالخير وينشره في كل مكان.. وأينما حل حلت معه بركته.. يستفيد الناس منه في كل موقع.. تحوله هذه العثرة إلى داعية يحطم الدعاة حوله.
فلا يشتهر داعية إلى الله سواه وتشير الناس إليه بالأصابع.. ويبدأ الناس في تقديره واحترامه إلا وصب جام غضبه عليه.. وأخذ يبحث في عوراته وسوءاته.. وهذا أمر لا ينبغي أن يصدر من داعية إلى الله.
وأما من حدث الخطـأ في حقه وهُوجم شخصه وأسيء إليه.. فإني أذكره بهذا الحديث: "عن أبي هريرة أن رجـلا شتـم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالـس.. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ويتبسم.. فلما أكثــر رد عليه بعض قولــه!!.. فغضـب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقـه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس.. فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت.. قال: إنه كان معك ملك يرد عنك.. فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان.. ثم قال يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيفضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره.. وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده بها كثرة.. وما فتح باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة" روى أبو داود منه إلى قوله فلم أكن لأقعد مع الشيطان رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح.
نسأل الله أن يجعل الدعاة إخوة متحابين يكمل بعضهم عمل الآخـر والله الموفق للصواب.
http://www.egyig.com/Public/articles...30853120.shtml