|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الأبعاد التربوية للحج د. حمدي شعيب الحلقة الأولى اسـتـعـرض الـكـاتــب في الحلقـة الأولى رحلة الحج مستنبطاً من مسيرتها الدروس والعبر، وإشــارات للـسـاري في طـريــق المــلــة الحنيفـية، وقد ختم الحلقة بدور المرأة في المشروع الحضاري عندما توقف عند ركن السعي والرمل بـيـن الصفا والمروة؛ حيث ذكرنا بهاجر ـ عليها السلام ـ. وفي هذه الحلقة يتابع الكاتب نظراته التربوية في مسيرة الحج وما يستفاد منها في المشروع الحضاري لأمتنا الإسلامية. ـ البيان ـ أ - أما بالنسبة للقضايا الفرعية: فأولها: عندما يتأمل الحاج أنه قد كُتب عـلـيه السعي على النهج نفسه وبالخطوات التي قامت بها أم إسماعيل ـ عليهما السلام ـ نرى أن الله ـ عز وجل ـ يريد أن يذكِّر كل مسلم، أن هــذه الأمة واحدة؛ لأنها تملك كل مقومات هذه الوحدة: من جذور تاريخية، وأرض، وأفكار موحدة، وأنها تتجذر في التاريخ عمقاً يربطها بأبي البشر آدم وأبي الأنبياء إبراهيم ـ عليهما السلام ـ أوائل من بنوا البيت، وأنـهـــا كذلك تتجذر في التاريخ عرضاً لتضم كل الأمم وكل أجناس الأرض؛ فهي أمة واحدة ورسالتها واحدة. ثانيها: كيف أن الماء الذي كان في سقاء هاجر ـ علـيـهــا السلام ـ قـد نـفـــد لتتعرض هي ووليدها الحبيب لهذه المحنة العظيمة التي تضطرها لهذا السعي والركض الشاق والمتكرر، وهو الملمح الذي يبين أنه قد كتب على ابن آدم عامة حظه من الكد والـنـصـــب، تحقيقاً لسنته ـ سبحانه ـ أن حياة هذا المخلوق هي سلسلة من الكد والتعب: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي كَبَدٍ)) [ البلد: 4]، وأن الإنسان مخلــوق مبتلى: ((إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً)) [الإنسان: 2]. وكتب كذلك على الدعاة وحاملي الأفكار النبيلة خاصة تحقيقاً لسنته ـ سبحانه ـ: ((الّـم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ )) [العنكبوت: 1، 2]. إذن لا بد من الجهد والمحنة من أجل الاختبار والتمحيص، ومن أجل التمييز والانتقاء: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)) [آل عمران: 179]. وهذا المـبـدأ ـ مـبــدأ الابتلاء ـ لم يُستثن منه أحد حتى هاجر الصابرة الممتحنة ووليدها ـ عليهما السلام ـ بل كل الأنبياء ـ عليهم الـسـلام ـ والصالحون والمصلحون على دربهم. ثالثها: تدبر وصف الحديث الشريف لحال هاجر ـ عليها السلام ـ: "فانطلقت كراهية أن تنظر إليه" أي كان هـنـالك شـعــور داخلي عارم يدفعها للعمل والبذل إحساساً بالمسؤولية والإيجابية لعمل شيءٍ مَّا لتدفــع به تلك المحنة، ولم تقعد وتولول تواكلاً وكسلاً وأن هذا شيء مقدر؛ بل نستشعر من طريـقـة سـعـيها ـ عليها السلام ـ معنى التصميم والعزم، وهو الشعور الذي يغيب عن بعض الدعاة؛ الشعور الداخلي بالمسؤولية لعمل شيء مَّا من أجـــل الفكرة التي يحملونها. رابعاً: كانت هاجر ـ عليها السلام ـ تسعى وتركض، ولا تريد أن تعود حتى تحصل على بغيتها حتى إنها كررت سعيها سبع مرات! أي كان هنالك تصميم وثبات وعدم يأس من تحقيق بغيتها. ولقد كان بإمكانها أن تعذر إلى الله ـ سبحانه ـ بأن تسعى مرة أو مرتين. وهو الملمح الذي يذكِّر الدعاة بطرْق أبواب الخير مرات ومرات حتى تفتح، وأحــرى لـمـن داوم على قرع الباب أن يُفتح له. فالداعية صاحب قضية، وهو دوماً يتطلع إلى المعالي، ولا تعوقه مغريات الأرض، ولا ثقلة الطين حتى يتحقق هدفه العظيم، كما قال أحمد محمد الصديق: يتعالى عــن أراجـيــف الثــرى نافضـــاً عنــه غـبارَ التهــــــم مـــن تكــن عينــاه للأرض فلن يتسامــــــــى أبــداً للأنجــــم خامسها: بعد هذا المجهود المتكرر، والسعي الشاق المضني، والأخذ بكل الأسباب لا يسفر ذلك عن شيء، حتى كان الفرج بيده ـ سبحانه ـ المطَّلع على هذا الأمر، فأرسل جبريل ـ عليــه السلام ـ ليضــرب بعقبـه أو بجناحه الأرض فتتفجر زمزم. وهو الملمح الذي يذكِّر الدعــاة بالفقــه الجيــد لقضية التوكل على الله؛ وذلك بأن يسـعـوا في الأسباب ـ وبأفضل الأسباب ـ مع القناعة الداخلية بعدم الركون إليها، ثم مـع الـيـقـين فيما عنده ـ سبحانه ـ: ((مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ومَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ)) [النحل: 96] والـفـرج بـيــده ـ سـبـحـانــه ـ وحــده مالك الملك، ومقدِّر الأقدار؛ لذا فإن الجوارح تعمل بالأسباب، والقلب يناجي رب هذه الأسباب: ((بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)). [آل عمران: 26]. وثمرة هذه القضية هو الخلوص والتجرد للحق ـ سبحانه ـ ((وظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلاَّ إلَيْهِ)). [التوبة: 118]. ب - أمـا بالـنـسـبة للقضية الكبرى والمغزى العظيم من ركن السعي؛ فإن هذا العمل الذي يقوم به كل حـــاج ومعتمر يكاد يكون بكل دقائقه هو ما قامت به هاجر ـ عليها السلام ـ نفسه، وكأنها رســمت الخُطا للاَّحقين في كل عصر وفي كل جيل؛ فلا تتم لهم عمرة ولا حج إلا به، ثم لـيـتـدبروا بعض الدروس التربوية منه. ولا يكاد يخلو هذا المكان من ساع ومهرول في أي لـحـظــــة، من اليوم والنهار، وكأننا بالحق ـ سبحانه ـ يريد أن تظل تلك القضية ودروسها حية دوماً في وجـدان الأمـــة حتى يرث الأرض ومن عليها؛ عرفاناً بدور هاجر ـ عليها السلام ـ وتذكيراً للأمة، ورداً على أباطيل أعدائها وشبهاتهم. وعندما نتدبر هذا الركن من خلال زاوية دراستنا نجد أنه رد عملي، وبرهان جلي، حول قضية طالما أثار حولها المــعـارضــــــــون للمشروع الحضاري الإسلامي الكثير من الشبهات والاتهامات؛ بل العجب في الأمر أنه قد يـُـشــارك بـعــض المسلمين في إثارة الغبار حولها بحسن نية، أو بجهل، أو بهما معاً! وهي قــضــيـة مــكـانة المرأة في الإسلام، ودورها في المشروع الحضاري. ويكفينا في هذا المقام أن نقتطف بعض ما جاء في الــرأي الـشـامـل الجامع والراقي للحركة الإسلامية المعاصرة حول هذه القضية؛ فالمرأة (هي الأم التي ورد في شأنها الأثر الكريم: أن الجنة تحت أقدامها، والتي قدمها الله ـ تعــالى ـ على كل من عداها في حق صحبة الأبناء لها، وأنهن شقائق الرجال. والمرأة هي نصف المجتـمـع ونصف الأمة والقائمة على تنشئة الأجيال. ومسؤولية المرأة الإيمانية كالرجل سواءاً بسواء؛ فهي مأمورة ـ كالرجل ـ بالإيمان بالله، وبالعمل بالأركان، وعليها ما على الرجل من واجـــب التفقه في الدين. والحدودُ في الشريعة واحدة بالنسبة للرجل والمرأة، ونفس المرأة في القصــاص كنفس الرجل. وهي أول من آمن، وأول من استشــهد في سبيل الله. ولقد شاركت في الجهـاد والغزوات. ولا يصــح زواج في الشـــريعة إلا بموافقتها ورضاها وإجازتها، ولا يجوز شرعاً إجبارهـا علـى الزواج ممن لا ترضاه. وللمــرأة ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئاً عن ذمة الرجل المالية. ونقصها في الدين ليس نقصاً في الإيمان ولا لأنها مخلوق متدنٍّ غير أهل للرقي، بـل لـرفـــع العبادات عنها في أوقات معينة. ونقص الحظ هو في بعض أنصبة الميراث فقط. أما نقص العـقــل فهو مـحـــدد بالشهادة على أمور معينة أهمها الدَّيْن أي القرض، وعقود البيع والحدود. أمـــا قوامة الـرجــل عليها فلا يجوز أن تُفهَم على أنها مطلقة في كل الأمور ولعامة الرجال، بل إن هذه القوامة خاصة بالأسرة فقط، وفيما يتعلق بالأمور المشتركة بين الزوج والزوجة. ورياسة الرجـــــل لـيـسـت ريـاســـة قهر وتحكم واستبداد، ولكنها تراحم وتواد ومعاشرة بالحسنى، وتقوم على التشاور؛ فالأصل هو المساواة، ولكن الاستثناءات ترد منه ـ سبحانه ـ. وقد وردت النصوص بأن جسد المــرأة كله عورة، ولا يجوز أن يظهر منه لغير محارمها سوى الوجه والكفين، وأن خلوة المرأة بالرجل غيـر المحرم لها غير جائزة. وللمرأة وظيفة أساسية هامة وسامية خصها ـ ســبـحـانـه ـ بهــا وهي وظيفة الحمل والأمومة، وهي ربة البيت وملكته. وللمرأة حق المشاركة في انتخاب أعضاء المجالس النيابية وما ماثلها. ولها الحق في تولي مهام عضوية المجالس النيابية وما يماثلها. والوظيفة المتفق على عدم جوازها لها هي الولاية العامة، أي رئاسة الدولة. أما القـضاء فقد اختلف الفقهاء بشأن توليها له، وهذا يحكمه فقه الموازنات والترجيح. أما ما عدا ذلك من الوظائف فما دام أن للمرأة شرعاً أن تعمل فيما هو حلال لم يرد فيه نص بتحريمه. وهذه الحقوق وكيفية استعمالها تحكمها ظروف وأخلاقيات كل مجتمع)(1). وهـكـــذا فــإن ركـــن السعي يفتح أفقاً رحيباً للمشاركين في المشروع الحضاري حول قضية المشارِكــات ودورهــن، فـلا يـبـخـسـن، ولا يُهـمـلن. ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهن: الشقائق. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الاثار النفسية, الروحية, العبادات |
|
|