عش إنسانا حقيقيا

[محمد معوض 20]

لاثمة شيء في الحياة يستحق منا أن نمنحه الصمت ..ولاثمة ما يستحق أن نقف أمامه عاجزين ..
في الدروب ما يستحثنا إلى المضي قدما نحو تجسيد أحلامنا التي نسجناها لحظة صفاء في ليل مزحزم بالكواكب والنجوم..

نحن الذين عقدنا العزم على أن نكون حيث تكون الحقيقة ولاحياد عن ذلك ولو كلفتنا الصعاب تقديم أرواحنا
يموت الكثير هكذا بلا هدف ..تزهق الأرواح بلا غاية..يسير القطيع نحو حتفه دون أي تساؤل يزيح صمت الوحشة ..ينام البائسين على العاجزين على أحلام ناعمة من الوهم ويستيقضون على عجلات الواقع وهو يسحقهم دون رحمة..يستسلمون له وينصاعون بكل أدب دون أن يقولوا يوما إلى اين؟ولماذا؟ وكيف؟..

من يسنسجون ضوء الخلاص في دهماء الليل هم القادرون على تحريك عجلة التغيير حقيقة لأنهم يتحركون وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم ومعتقداتهم ورؤاهم التي أوغلت في تأملات الحياة وخرجت بمفاتيح الحقيقة المضيئة..
فلاسفة عظماء غارت أرواحهم في عمق المعنى فتجلت لهم خرائط الخلاص ومعالم الهداية..أقطابٌ يلملمون الفراغ بزحام الفكر والفعل وينثرون في الدروب المظلمة زخات النور وغيث الغمام .

ماذا تبقى للإنسان من إنسانيته إذا سلب أصل إنسانيته "حريته" التي بها تميز وإرادته التي بها يستطيع أن يخترق المدى ويستشف ما بعد المنال ويتجاوز حواجز الشقاء وعوائق الاستكانة .

أن تعيش حرا هو أن تعيش إنسانا حقيقيا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ..لأنك عندئذ عشت وفق تفكيرك السديد وما تمليه عليك إرادتك الحرة ويزجيه إليك ضميرك الحي من معانٍ توحي بتفردك وتميزك..
إن الفرد الذي يستسيغ حياة البقاء الذليل خطراً يهدد المجتمع وسوسة تنخر في صلب وعيه وإرادته لأن لديه قابلية المساومة والبيع لضميره في أسواق العمالة والخيانة وما أكثر تجار الضمير وأسواق البيع في هذا الزمن الذي أضحى جل ساسته ومثقفيه تجار ضمير وقيم


محمد معوض