قضايا البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية والقضاء على التلوث ليست قضايا منظمات دولية ولا مؤتمرات أكاديمية، بل هي قضايا الإنسان في تعامله مع الكون الذي استخلفه الله فيه وحمَّله أمانته.
بيت العز ليس جدرانًا نزيِّنها أو أدوات كهربية نكدِّسها، بيت العز هو مكان نتعلم فيه السلوك الذي يبنى الحضارة ويحافظ على الطبيعة، فيه يبدأ الوعي ومنه يكون الانطلاق لعالم أفضل.
ثلاث كلمات
ثلاث كلمات هي مفتاح التعامل مع الموارد التي تدخل إلى بيت العز: التوفير والاقتصاد، إعادة الاستخدام، الحفاظ على البيئة.
أ - التوفير والاقتصاد:
المهملات والقاذورات التي تسبب مشكلة في التعامل معها وتؤدي لمشكلات نظافة الطريق، ويؤدي حرقها لتلوث الهواء، يمكن أن تقل إذا قللنا منذ البداية استهلاكنا، قبل أن نمد أيدينا إلى البضائع في المحال عند التسوّق فلنقف: هل نحن في حاجة لكل هذا؟ وما حجم المتبقي من تغليفه ومادته بعد الاستخدام؟
فنحاول الاقتصاد واختيار ما يمكن إعادة استخدام تغليفه وأوعيته.
ب- إعادة الاستخدام:
لو تأملنا ما في سلة المهملات كل يوم لوجدنا أشياء كثيرة يمكن إعادة توظيفها بقليل من الجهد، فالأوراق التي نُلقيها يمكن استخدام الناحية البيضاء منها خاصة في رسومات وتدريبات الأطفال، والزجاجات يمكن إعادة استخدامها في أغراض منزلية شتى بعد تنظيفها، أو تجميعها وبيعها لتجار المستعملات، والأمثل إعادة تدويرها إذا كان في المدينة مصانع إعادة تدوير المواد الخام لتصنيعها من جديد وتوفير المواد الخام.
ج- الحفاظ على البيئة …… سلوك:
الحفاظ والمحافظة والحفظ سلوكيات، فترك الأنوار مضاءة، أو عدم التأكد من غلق صنبور المياه، أو الإسراف في استخدام المبيدات الحشرية، أو حتى معطرات الجو التي تؤذي طبقة الأوزون - كلها سلوكيات وعادات.
هل تذكر عندما انقطعت المياه آخر مرة؟
لقد تمكنت -ويا للغرابة - من استخدام كميات قليلة في الوضوء والاغتسال… وتعاملت مع المياه بحرص وتدبير.
تذكَّر هذا الشعور بقيمة المياه واستحضره دائمًا كل يوم… وتذكَّر أن المسألة ليست ما تدفعه مقابل المياه النظيفة بل القيمة الكبرى لنقطة المياه في هذا الكون. وهناك حديث جميل رواه ابن ماجه أن رسول الله مرَّ بصحابي يسرف في الماء وهو يتوضأ فقال له: "ما هذا السَّرَف يا سعد؟! فقال سعد: أفي الوضوء سَرَف يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم.. ولو كنت على نهر جارٍ".
إنها الأمانة والمسئولية عن كل ما في الكون.
والطاقة أيضًا تحتاج لتدبير، لا تترك النور مضاءً عند مغادرة الغرفة.. واستخدم إضاءة خافتة في الطرقات.
توفير المال الذي ستلاحظه مع نمو وعي أفراد الأسرة بما سبق مجرد مؤشر على تزايد الوعي والإحساس بأمانة كل ما نتعامل معه من موارد وخيرات.
احتفظ بفواتير هذا الشهر وقارنها بالشهر القادم وأخبرنا بالنتائج. الكون ثروة لنا وللأجيال.
الثقافة البيئية لأطفالنا:
وفي محاولة لتبسيط قضايا البيئة وتزويد الطفل بمعلومات عن الموارد المختلفة وأرقام وإحصاءات عن المشكلات البيئية صدر كتاب الطفل والبيئة عن مشروع مهرجان القراءة للجميع بالقاهرة.
الكتاب تأليف د. أيمن أبو الروس ويتناول أمثل الطرق والوسائل للتعامل مع القمامة، وأهمية الحفاظ على نظافة الهواء، ومميزات استخدام الطاقة الشمسية، وأفكار بسيطة لاستخدام المخلّفات والعلب الورقية في أغراض نافعة في المنزل، ويعرف الطفل من خلال الكتاب البيئة الطبيعية والتوازن الطبيعي في الحياة البرية، وخطورة المخلّفات الكيميائية للمصانع، وبه نصائح سلوكية للمحافظة على البيئة كل يوم.. في سلوك حضاري يحترم بوعي كل ما ح
مراقبه عامه
البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من موجودات؛ من ماء وهواء، وكائنات حية، وجمادات، وهي المجال الذي يمارس فيه الإنسان حياته، ونشاطاته المختلفة.
وللبيئة نظام دقيق متوازن صنعه خالق عظيم، ومدبر حكيم، {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [النمل: 88]. ولكن جاءت يد الإنسان لتعبث بكل جميل في البيئة، تهدد الأخضر واليابس، فكان ذلك الشبح المدمر؛ ألا وهو (التلوث) الذي أصاب معظم عناصر البيئة
مظاهر التلوث:
ومظاهر هذا التلوث متعددة منها:
- ثاني أكسيد الكربون، الناجم عن الكميات الهائلة من الوقود التي تحرقها المنشآت الصناعية، ومحطات الوقود ومحركات الاحتراق الداخلة في وسائل النقل والمواصلات، والتي ينجم عنها كذلك، ثاني أكسيد الكبريت.
- وأول أكسيد الكربون الذي يضر بالجهاز التنفسي.
- الشوائب والأبخرة، والمواد المعلقة مثل: مركبات الزرنيخ، والفوسفور، والكبريت، والزئبق، والحديد، والزنك.
- مركبات (الكلوروفلوروكربون) وهي غازات تنتج عن استخدام الثلاجات، وبعض المبيدات، وبعض مواد تصفيف الشعر، أو إزالة روائح العرق، والتي تستخدم بكثرة في المنازل وكذلك في المزارع.
- التلوث الناجم عن استخدام المنظفات الصناعية والفلزات الثقيلة، والمواد المشعة، والمبيدات الحشرية، والمخصبات الزراعية، ومخلفات ناقلات البترول، ومياه الصرف الصحي، ومياه الصرف الصناعية، التي تحملها إلى الأنهار والبحيرات، وتؤدي
إلى تكوين طبقة سميكة من الرغوة، تؤدي إلى عزل المياه عن أكسجين الهواء، وبالتالي النقص في كمية الأكسجين الذائبة في المياه، مما يؤدي إلى قتل ما بها من كائنات
حية.
- خطر التجارب النووية؛ التي تسبب التلوث في الماء والهواء والصحراء.
- الضوضاء؛ والتي يترتب عليها العديد من الأضرار الصحية والنفسية، حيث تؤدي إلى اضطراب وظائف الأنف والأذن والحنجرة، وتؤثر في إفراز بعض الهرمونات الضارة في الجسم، وتؤدي إلى الاضطراب في بعض وظائف المخ، والأخطر أنها تؤدي إلى ظهور مشاعر الخوف والقلق والتوتر لدي الأفراد، كما أن المصابين بالاكتئاب هم أكثر الناس حساسية للضوضاء.
- العديد من المصادر الطبيعية؛ كالعواصف، والزلازل، والبراكين، والأعاصير، والفيضانات، وغيرها.
المجتمع الإسلامي في مواجهة هذه المشكلة عليه أن يلتزم آداب الإسلام في السلوك والتعامل مع الطبيعة من حولنا من منطلق الاستخلاف في الأرض لإعمارها.
ولكن ما دور المسلم؟
إن دوره في:
- الحرص على نظافة المكان الذي يعيش فيه، سواء أكان بيته أو مدينته لأن النظافة أساس كل تقدم ورقي، وعنوان الحضارة، ومظهر من مظاهر الإيمان.
- تجنب الضوضاء، والحرص على أن يُعَوِّد أبناءه الهدوء، فهو بحق قيمة سامية ومظهر للحضارة الإسلامية، وقيمة حرص ديننا الحنيف على تأكيدها والدعوة إليها، قال تعالى: {واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان: 19].
- الحرص على زراعة ما حوله، من فراغات بالزهور وغيرها، وتزيين منزله وما حوله بالأشجار والنباتات، وتعليم الأبناء المحافظة على الأشجار والزهور والنباتات الموجودة في الأماكن العامة والخاصة، مع توعيتهم بأهمية زراعة الأشجار والزهور في حديقة المنزل أو داخله؛ ليتذوقوا الجمال ويحرصوا عليه.
- التخلص من القمامة بطريقة سليمة؛ لمنع انتشار الأمراض، ونقل العدوى، فلا يجب وضعها أمام المنزل أو خلفه، حتى لا تكون عرضة للعبث فتتناثر بصورة تتجمع عليها الحشرات، فتشوه صورة البيت وتضر أهله، وكذلك الحرص على عدم إلقائها من الشرفات والنوافذ.
- التخلص من المخلفات الصلبة؛ كالأوراق، والصناديق، وقطع القماش القديمة، والزجاجات الفارغة، والعلب المعدنية، وبقايا الطعام التي أصبحت من أهم مصادر التلوث؛ لأن تراكمها وتجمع المياه حولها يجعلها مرتعًا للحشرات والميكروبات ومصدرًا للرائحة الكريهة. فعلى المسلم أن يحرص على الاتصال بمكتب الصحة وإخطاره بأماكن القمامة للتخلص منها.
- الحرص في التعامل مع المياه، وعدم الإسراف في استخدامها، وكذلك عدم تلويثها بإلقاء القاذورات فيها.
- الحرص على إدخال الشمس إلى مختلف الحجرات؛ لتقضي على الحشرات والميكروبات وتمنع تكاثرها وتحد من نشر الأمراض والأوبئة.
- الحذر عند استعمال المنظفات الكيماوية، والمواد السامة، والتقليل منها ما أمكن، لأنها تؤثر على طبقة الأوزون، التي تحمي الأرض من أشعة الشمس الحارقة، والأشعة الأخرى الضارة.
- استخدام المرشحات التي تقي البيئة من العوادم الناجمة عن استخدام الوقود وغير ذلك، وكذلك استخدامها في الأجهزة المنزلية التي يترتب عليها ظهور عوادم ضارة كمدخنة المطبخ وغيرها.
- نشر الوعي البيئي بين الأبناء، لتوسيع آفاقهم ومداركهم حول حب العالم والكون بما فيه، ومن فيه، وكذلك نشر هذا الوعي بين الجارات والأقارب وتوجيه النصح والإرشاد لهم، والتعاون على مواجهة هذا الخطر، لما فيه صالح الفرد، والمجتمع، بل والعالم أجمع.
إن الله قد خلق لنا الكون كله، وأبدع لنا الطبيعة من حولنا، وجعلها مسخرة لخدمتها، فهي أمانة بين أيدينا، واستغلالها يجب أن يقترن بقدر تحقيق المنفعة الخاصة مع الحفاظ على المصلحة العامة.
ولنا من نعم الله.