حدوتة مصرية

[منى الشقية]

حدوتة مصرية








ما معلوماتك عن "أحمد عرابي"..
سوى أنه اسم لشارع شهير في المهندسين يوجد به فرع كبير لـ"عمر أفندي"؟!

ما الذي تعرفه عن "عبد المنعم رياض"..
سوى أنه اسم لميدان مهم في قلب القاهرة به تمثال لضابط عالي القامة؟

تسمع عن "إسماعيل المفتش" اللي كان الحاكم الفعلي تقريبا في عصر الخديوي "إسماعيل"؟ (مين الخديوي "إسماعيل" أصلا)؟!


هل قلت لصديقك ذات يوم إن الشعب المصري -اللي سيادتك منه برضه!- شعب لا يمكن أن يقوم بأية ثورة على أية أوضاع فاسدة أو مقلوبة..

وهل أمّن صديقك على كلامك وقال إنك فعلا عندك حق وإن دي سمة هتفضل في البلد دي على طول؟

هل قال صديقك هذا؟ ثم -وكأنه توصل لسر الكون- ظل يتابع "ميلودي" باهتمام شديد وظللت أنت تسحب نفسا من الشيشة مستمتعا بصوت الكركرة وقد نسيتما الموضوع الذي كنتما تتكلمان فيه أساسا..


احنا بقى عاوزينك معانا...

هنقفل التليفزيون شوية...
وياريت لو سمحت تبطل شرب شيشة لأن زي ما سيادتك عارف "التدخين ضار جدا بالصحة"..
وهنعمل شيء لطيف جدا..

لن نعطيك دروسا في التاريخ..
ولن نقول لك إن الحملة الفرنسية جاءت إلى مصر وكان على متن السفن الفرنسية 150 ألف عسكري وإن الأوغاد الفرنسيين داست خيولهم الأزهر..
ولن نقول لك إن الخونة أعطونا أسلحة فاسدة في حرب 1948..

باختصار نحن سنحاول أن نقلب في صفحات التاريخ المنسية..
سنغوص فيما بين السطور لنستخرج منها قيمة ما..
قيمة تؤكد لنا جميعا..
أن الشعب المصري -اللي هو أنا وإنت والناس الحلوين اللي بيقروا معانا- مش ضعيف.. ومتخاذل.. ومش "بينفض" على طول الخط... هو بس صبور شويتين.. صبور بزيادة.. لكن وقت الجد.. بيبقى جد الجد..

الكلام ده مش كلام في الهوا..
ده كلام كتب التاريخ..
اللي هنقلب في صفحاتها.. ونشوف تاريخ بلادنا بطريقة جديدة ومختلفة..
وقولوا لنا هو صحيح التاريخ بيعيد نفسه؟!



انتظرو تكملة الموضوع ان شاء الله

[منى الشقية]

الخديو "إسماعيل".. خطة الإطاحة تبدأ من الحكومة!


ثارت ثائرة الدول الأوربية بعد تشكيل "شريف" باشا لوزارته الخالية من الوزيرين الأوربيين، وقد حاولت الدول أن تمارس ضغوطها على الخديو "إسماعيل" لإعادة الوزيرين الأوربيين إلى الحكومة مرّة أخرى، ولكن الخديو رفض ذلك بحزم، كما رفضه "شريف" باشا الذي قال لقناصل الدول الأوربية صراحة: "إن الوزارة مصممة على منع سموه من قبول ذلك حتى لو كان سموه ميالاً إلى قبوله، وإن فعل وخالف رأيها، فإن الوزارة مصممة على الاستقالة وتركه وشأنه لأن مبادئها لا تمكنها من التسليم بإعادة نظام بات مسخوطاً عليه من الأمة بأسرها..".

وزارة مصرية بلا أجانب..

ومع ذلك فقد كان "شريف" باشا سياسياً بارعاً يعرف كيف ومتى يجذب الحبل ومتى يرخيه، فمع الرفض التام الذي أبداه أمام إعادة الوزيرين الأجنبيين، فإنه قد عرض على قنصلي إنجلترا وفرنسا إعادة نظام الرقابة الثنائية كما كان حتى يطمئن السياسيون والماليون الأجانب، ولكي يبرهن على أن ذلك ليس مجرد مناورة منه عرض "شريف" باشا على اللورد "كرومر" والمسيو "بليج دي بوجاس" عضوي صندوق الدين أن يشغلا منصب الرقيبين الأوربيين مؤقتاً حتى تصل تعليمات حكومتيهما، ولكنهما رفضا ذلك واستقال جميع أعضاء لجنة التحقيق الأوربية كما ذكرنا في حلقة سابقة ذاكرين في استقالتهم أن إصلاح وضع مصر المالي لن يتحقق أبداً إلا بوجود الوزيرين الأوربيين، على الرغم من أن وزارة نوبار "الأوربية" لم تحقق شيئاً من الرخاء المزعوم ولم تفلح في تحقيق أي إصلاح لمالية الحكومة، بل على العكس زادت الحالة الاقتصادية تعقيداً وارتباكاً..

ودي تيجي؟!

والغريب في الأمر أن الاتفاق الذي تم بين إنجلترا وفرنسا والخديو "إسماعيل" حين تم تشكيل وزارة "نوبار" كان ينص على "إعادة الرقابة الثنائية في حالة إقالة أحد الوزيرين الأوربيين من غير موافقة حكومته"، وهو ما يعني أن للخديو الحق في الاستغناء عنهما متى رغب في ذلك مادام نظام الرقابة الثنائية سيعود كما كان، وهو ما اعترف به المسيو "وادنجتون" وزير خارجية فرنسا حين قال في رسالة أرسلها إلى قنصل فرنسا العام في مصر: "طبقاً للاتفاق المبرم بين فرنسا وإنجلترا ومصر بتاريخ 14 أكتوبر الماضي قد أوقف العمل بنظام الرقابة الثنائية ولكن على شرط إعادته حتماً إذا عزل أحد الوزيرين الفرنسي أو الإنجليزي من منصبه من غير موافقة دولته..".

ونفهم من كل هذا أن إصرار الخديو و"شريف" باشا على تشكيل حكومة وطنية خالية من الأجانب مع إعادة نظام الرقابة الثنائية كما كان، هو حق شرعي تماماً تؤيده المواثيق والاتفاقات الدولية.. ولكن من قال إن أوربا تلتفت لأي من ذلك؟!

والأغرب أنه بعد تولي "توفيق" حكم مصر بعد أبيه الخديو "إسماعيل"، تراجعت الدول الأوربية عن مطالبتها بعودة الوزيرين، واكتفت برجوع الرقابة الثنائية فقط!!

يقظة.. متأخرة!

في هذه الأثناء أصدر "إسماعيل" مرسوم 22 أبريل 1879م الخاص بتسوية ديون الحكومة المصرية بالطريقة التي قررتها اللائحة الوطنية، والذي يعنينا هنا المقدمة التي بدأ بها الخديو "إسماعيل" المرسوم والتي جاء فيها: "بناء على المحضر والتقارير التي عرضت علينا من الأمة، وما عرض من مجلس النظار، أصدرنا أمرنا بالموافقة عليه وإجراء تسوية ديون الحكومة على الوجه التالي.." وهي لهجة لم نتعود عليها من قبل من حاكم مصر الأوحد الخديو "إسماعيل"، ولكنها كانت يقظة متأخرة جداً كما سنرى..

وعلى الرغم من أن مرسوم 22 أبريل ضمن حقوق الدائنين وأقر التعهدات المالية التي التزمت بها مصر، وعلى الرغم من أنه "لا يختلف في نقاطه الجوهرية عن مشروع ريفيرز ويلسون" كما يقول وزير خارجية فرنسا، إلا أن أعضاء صندوق الدين قد رفضوه نهائياً، وبدا أن الأزمة بين الخديو والدول الأوربية قد وصلت إلى طريق مسدود تماماً، فقد كان "إسماعيل" حينها حاكم يتحرك بحريته التامة خارج السرب معتقداً أن بإمكانه أن يفعل ما بدا له بعيداً عن منظومة الدول العظمى وألاعيب السياسة، كان الخديو حينها يمثل نوعاً من الحكام تألفه الدول الكبرى وتألف تماماً كيف تتعامل معه، حكام بلغ بهم الغرور والإغراق في الوهم درجة ظنوا معها أنهم يستطيعون وحدهم مجابهة العالم بأسره، وأوربا تحب الحاكم المطيع، و"العالم المتحضر" لا يعبأ بأن يكون الحاكم لصاً أو مستبداً أو مسرفاً أو سفيهاً، يعنيه فقط أن يكون مطيعاً ومخلصاً ككلب أليف، ولأن دول أوربا كانت تعرف تماماً ما الذي يجب عليها فعله في هذه الأحوال، فلم تضع وقتاً وبدأت على الفور تتحرك لخلع "إسماعيل" عن عرش مصر.