|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
ثالثا:
عزيزي فولتير بقلم: أسامه أنور عكاشه ![]() عودة إلي حديثنا عن الليبرالية وعن جوهرها دون أن ننكفيء علي الاصطلاح ونردده عمال علي بطال ونستخدمه دون ترشيد يحفظ للمضمون معناه ودلالته.. وإذا اتفقنا علي أن المصطلح يعني في أبسط تفسير اتباع المنهج الحر في التفكير أولا ثم يستتبع ذلك بالضرورة جعله ممكنا في التطبيق سواء كان ذلك في النظام السياسي أو النظام الاقتصادي فإننا نطالب بوقفة تتبع الجذر والأصل إذ إن الطبيعي والبديهي هو أن الإنسان ولد حرا ومع ذلك فقصة تطوره عبر القرون تحفل بانتكاسات الحق الطبيعي وتعد سجلا لقتال الانسان الدائم من أجل استعادة هذا الحق.. والقاريء المتمعن للتاريخ سيري أن عصور الاستعباد قد سادت حقبا طويلة ولكن ثورات التمرد عليها ومحاولات التخلص منها لم تنقطع مطلقا وسيري أن القرون الوسيطة في أوروبا مثلا سميت بالعصور المظلمة لأنها كانت حقبة لسيادة الديكتاتورية المطلقة بالتحالف بين أمراء الاقطاع والكنيسة.. دكتاتورية انتفت فيها تماما حريات الانسان الأساسية.. وردا عليها كان الرينسانس أو عصر النهضة أو عصر التنوير.. فكان انتصارا حقيقيا لمعركة الخلاص من الاسترقاق.. وعصر النهضة تأسس علي قاعدة الحرية الفكرية.. والايمان المطلق إلي حد الجموح أحيانا ـ بإطلاق العنان لحرية التعبير والابداع وتحطيم كل أصنام الثوابت الغلامية بما فيها مايسانده المقدس وما استغلته ضلالات الارهاب الكهنوني ومابقي من تراث محاكم التفتيش والاستنطاق والاعتراف.. وهو التراث الرهيب الذي لون صفحات التاريخ الأوروبي بلون الدم وجعله سجلا للعار! وهكذا كانت ردة الفعل المساوية في القوة والمضادة في الاتجاه وتمثلت في الاندفاع في تمجيد الحرية وتقديسها إلي حيث لاحدود إلا حدود الطاقة البشرية المبدعة الخلاقة, وحين ازدهرت حرية التعبير كانت هي السماء التي مهدت التربة وأخصبتها لتنبت منها انجازات الحضارة الغربية العظمي التي بدأت بالكشوف الجغرافية فالانقلاب الصناعي في حركات الوحدة السياسية التي كرست مباديء المشاركة الديمقراطية ثم جاءت الثورة الفرنسية لتنقض علي اوتوقراطية حكم أسرة البوريون وتحمل راياتها مباديء الحرية والاخاء والمساواة تنشرها الحروب النابوليونية مع أقصي امتداد لطموحات بونابرت العسكرية والسياسية.. كانت أشبه بشرارة متعددة الأطراف تكمن هنا وهناك وتسري في هشيم العصور العفنه لتندلع بعد ذلك في الصحف والترشيح للبرلمان وانتخاب الرؤساء وتداول السلطة. يبرز من بين هذه الحقوق.. حق ـ هو في رأيي أهمها علي الاطلاق هو حق التعبير عن الرأي.. وأتذكر علي الفور تلك المقولة الخالدة للفرنسي العظيم فولتير.. قد أخالفك الرأي ولكني مستعد لأن أدفع حياتي ثمنا لحقك في أن تعبر عنه!! هكذا تكلم فولتير... وهكذا يجب أن نفكر.. فآفتنا الكبري ليست فقط مايفرض علينا من قيود سياسية وتابوهات اجتماعية ودينية ولكننا نزيدها ضغثا علي إبالة بتجاهلنا لتقاليد وأداب التعامل الليبرالي مع الرأي والرأي الأخر.. وهي العبارة التي نرددها أحيانا كالببغاوات دون أن نروض أنفسنا علي تطبيقها.. والذي يسود بيننا للأسف الشديد هو نوع من حوار الطرشان كما يقول الشوام.. لا أحد يستمع لرأي الآخر.. ولا أحد يدافع عن رأيه بروح تقبل المعارضة وتكون مستعدة للاقتناع.. نطبق بنجاح منقطع النظير مقولة من لايري رأيي فهو عدوي ويتحول الاختلاف في الرأي إلي تراشق بالسباب وتبادل اتهامات القاموس السياسي المنقرضة.. كالخيانة والعمالة والجهل أو التجهيل.. وننسي تلك الحكمة الجميلة التي وردت علي لسان الامام الشافعي. رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأيك خطأ يحتمل الصواب. فأين ما نفعله من حكمة الشافعي..؟ وأين نحن من استعداد فولتير للاستشهاد في سبيل حرية التعبير عن رأي الآخر؟ نحن للأسف الشديد لانفرق بين تبادل الرأي وتبادل الكلمات ولانميز بين الحوار وصراع الديكة.. ولاندافع عن الرأي بالمنطق العقلاني.. بل نصرخ بمكبرات الصوت مطبقين مقولتنا الفولكلورية: خدوهم بالصوت لايغلبوكم! وهكذا تجري الأمور... أعلانا صوتا.. وأكثرنا عدوانية وفظاظة... وأقدرنا علي منطق الحواة هو صاحب الرأي المسموع والسائد.. هو ببساطة قائد القطيع الذي هو مستعد لأن يدفع حياته ثمنا لمنعك من التعبير عن رأيك. [تصحيح: أسف... فالنص الصحيح... هو مستعد لأن يدفع حياتك أنت ثمنا..] وياعزيزي فولتير... ماحدش أحسن من حد! |
#2
|
||||
|
||||
![]()
رابعا:-إغتصـــاب الوطن
بقلم: أسامه أنور عكاشه ![]() أن نقدس الوطن ونحبه... ونخلص له الولاء ونذود عن حماه بالروح والدم.. فهذا أمر لا نقاش فيه ولا مماحكة.. ولا مساومة.. أن نتيم عشقا بمصر ونتدله في هواها.. وننشد لها الأهازيج التي تتغني بماضيها وأمجادها وحضارتها التي علمت العالم وكتبت له التاريخ. فهذا أمر طبيعي يفعله كل المواطنون مع أوطانهم.. أما أن نكذب وننتحل لمصر ماليس فيها.. وندمن الكذب حتي نصدقه ويصبح من المسلمات التي نغرسها في نفوس أطفالنا.. فهذا هو الخطأ.. والخطر معا... زمان.. ونحن علي أول اعتاب الطفولة في المدرسة الابتدائي... كان كتاب المطالعة الذي غيروا اسمه فيما بعد إلي القراءة الرشيدة كان هناك موضوع ثابت لا يتغير يتحدث عن مصر.. جنة الله في أرضه.. ويصف طبيعة مصر بأنها خلابة تسبي القلوب وتسحر النظر وتفتن العقول.. ويمعن في وصف ريفها السندس الأخضر ونيلها الخالد الذي شبهه احمد شوقي قي قصيدته العامية الشهيرة التي غناها عبد الوهاب بالنجاشي.. أمير الحبشة الحليوة الأسمر!! ثم يتغزل بمناخها الرائع البديع... الذي هو حار جاف صيفا ودفيء ممطر شتاء( أكذوبة جغرافية هائلة لم نرها متحققة علي أرض الواقع ابدا)! وكبرنا.. وانتظرنا.. نظرنا.. ثم تساءلنا... اين ما تحدث عنه العباقرة مؤلفو موضوعات القراءة الرشيدة ؟... وتتكشف الحقائق واحدة تلو الأخري.. خمسة أسداس مساحة مصر.. صحراء جرداء قاسية.. والسدس شريط مزروع في الوادي جنوبا ثم دلتا بين فرعي دمياط ورشيد.. ودمتم...! ذاك كان غاية جهد النهر العظيم الي تركناه يتثاءب في مجراه ويفرغ مياهه في المتوسط قرونا عديدة قبل ان ننتبه ونفكر في استثمار إمكانياته الهائلة... وما زلنا نحبو علي هذا الطريق بمشروعين يتيمين السد العالي.. ثم توشكي.. ومازالت الصحراوان الهائلتان شرقا وغربا تجثمان علي أنفاس الوادي والدلتا وتحيلان أي ملمح جمال أو نفثة عطر إلي كابوس!! أين هي الجنة ؟ في المجاز.. نعم! موجودة.. وهي جنة معنوية تزهر بحب وطن عبقري, وطن يأكل ويطعم بنيه ويبدع حضارة ويعلم الجيران الي سابع جار ويكتب التاريخ رغم انه يعيش فعليا علي سدس أرضه فقط.. بهذا السدس الشاحب المخنوق يفعل هذا كله ويبهر الأولين والآخرين حتي يدفع المؤرخ الاغريقي هيردوتس إلي التعلل بالنيل.. فمصر في رأيه ـ هي هبة النيل, ولكن النيل ياعمنا لم يساهم بأكثر من السدس.. فكيف يكفي ؟ لاشك أنها عبقرية.. عبقرية المكان والموقع طبقا لعالمنا الراحل جمال حمدان وأضيف أنا بكل تواضع أنها أيضا عبقرية الإنسان! وأي عبقرية اكبر من التواؤم مع طبيعة الصحراء ومناخ الخماسين ؟!! أي عبقرية أعظم من تحمل مأساة ****** الربيع؟ دعونا أولا من مقولة اننا نتبع مناخ البحر الابيض المتوسط!.. فهي كما اسلفت مقولة مغلوطة مزورة! فمناخ البحر المتوسط يمكن أن نجده في دول جنوب اوروبا المطلة علي ساحله الشمالي من تركيا شرقا إلي أسبانيا غربا مرورا باليونان وايطاليا وفرنسا.. كما يمكن ان نجده في دول الساحل الشرقي كفلسطين ولبنان وسوريا وحتي في الساحل الإفريقي المطل علي جنوب البحر سنجد المناخ في تونس والجزائر والمغرب وربما بدرجة أقل في ليبيا.. تبقي مصر وحدها خارج الإطار.. فلها أطول موسم حار يبدأ من مارس وينتهي في أكتوبر.. واختصر خريفها مع شتائها في أربعة شهور لا أكثر. فمن نعم الحظ الجميل ان تقع مصر عند مصب ما يسمي منخفض الهند الموسمي الذي يتجمع ويبلغ عنفوانه في الجزيرة العربية السعودية ثم ينفث جحيمه علي بلادنا في موجات حارة متصلة متلاحقة طوال شهور صيفنا القائظ الناري.. أما الربيع.. عروس الفصول الاربعة.. حيث قيل لنا أيضا دون أن نري انه موسم التفتح والإزهار وتفجر جمال الطبيعة. الربيع الذي رددنا الأبيات في استقباله.. علي لسان عمنا البحتري أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا وقد نبه النيروز في غسق الدجي من الحسن حتي كاد أن يتكلما أوائل ورد كن بالأمس نوما .. الربيع الذي غنينا له مع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ والذي اخترع له أجدادنا الفراعنة عيدا خاصا نعرفه اليوم باسم شم النسيم, هذا الربيع لم تعرفه مصر ولم يعرفه المصريون... فهو الفصل الشبح الذي نسمع عنه ولا نراه.. والحكاية أنه قد وقع من زمن بعيد في براثن كارثة طبيعية تدعي الخماسين وهي رياح شريرة مسمومة تهدد مصر طوال خمسين يوما.. وحين تهب فعلي كل شيء العفاء.. الصحة والمزاج والعمل والنوم والأكل وكل مايمكن أن يعرض للانسان في اي يوم من أيامه.. فمع هبوبها الربيعي الفاتن!! نستنشق لهبا محملا بذرات رمال وتراب تلسع الأنف والحلق والرئتين.. وتتحول عملية التنفس العادية( الشهيق والزفير) إلي عملية احتضار مؤلمة.. ويتسلل مسحوق الخماسين الترابي الخبيث إلي كل شيء.. فراشك الذي تنام عليه.. وخبزك الذي تأكله.. وكوب الماء الذي تحتسيه.. ومسام جلدك ورموش عينيك يحتلك بالكامل. لا يكتفي ب****** ربيعك الشبح بل يمتلكك ويستلبك ويحيلك إلي مجرد خرقة بشرية لا تصلح حتي لتلميع صاج السيارة.. فأهلا بك أيها القادم تختال ضاحكا فأنا أعرف ماذا يضحكك.. أهلا أيها الشبح المغتصب ولا عزاء لقراء المطالعة الرشيدة |
#3
|
||||
|
||||
![]()
الألم... والقلم
بقلم: أسامه أنور عكاشه ![]() .. حكمة في سطر.. أو كلمات مرصوصة متجاورة... أو عبارة مسجوعة.. توضع حول كل منها علامتا تنصيص... ثم تذيل بقول مكتوب في داخله حكمة قديمة أو قول مأثور فإذا كانت الكلمات ذات شهرة قيل إنها مثل من الأمثال السائرة! وما أكثر هذه الجمل والعبارات الحكمة والمثل في حياتنا علي المستويين الفصحي والعامية.. وهي في أحيان كثيرة مقتطفات مقطوعة عن سياقها.. أو هي عبارات يخترعها الكاتب ويعجب بها فيعطيها صفة الحكمة أو المثل.. وإن كان من اللازم ان نفرق بين هذا النوع من المأثورات وبين الأمثال الشعبية والتراثية المحفوظة والمتفق عليها. من نوعية الحكم اللقيطة ـ غير الموثقة ـ عبارة وراء كل عظيم امرأة وهي لا تعد حكمة بحال من الأحوال, بل إن الكثيرين وأنا منهم ينكرون فحواها إنكارا تاما لما فيه من حكم قطعي لاسند له, ويكفي للدلالة علي خطأ منطقه ان نذكر مثالين ـ مجرد مثالين ـ لزوجة سقراط وزوجة تولستوي. حكم آخر مشابه يقول: الألم العظيم يصنع الفن العظيم.. ولأول وهلة تبدو العبارة جزلة متوهجة لدرجة تجعلني أتردد ألف مرة قبل ان أعارضها.. فمن يجرؤ علي معارضة ما يبدو بديهيا؟ من ينكر ان أرفع نماذج الأدب والفن خلفها ألم هائل ممض؟ من ينكر آلام ديستويفسكي في صرعه؟ وآلام تشيكوف وجورجي.. والسل ينهش رئتيهما ويستل الحياة منهما؟ من ينكر آلام كافكا في حياته المضطربة العاصفة؟ ومن ينكر مثيلها في حياة إدجار آلن بو وبودلير. حسنا.. لا أحد ينكر.. ولا أحد أيضا يهرب من النقاش! فما هو تعريف الألم العظيم أولا؟ هل هو الألم الناتج عن الإصابة الجسدية.. أي الألم المرضي بالمعني الفسيولوجي؟ أم هو الألم الناتج عن الإصابة النفسية؟ آلام المرض الجسمي هي قاسم مشترك بين كل البشر, وبديهي أنه لاتوجد أي علاقة سببية بين علة الجسد وبين عبقرية الإبداع, ولو افترضنا ان ديستويفسكي لم يصب بالصرع وتشيكوف لم يقع صريع الدرن الرئوي فهل كانت سلامتهما الصحية الجسدية تشكل حائلا دون أن يبدعا في فن الرواية والقصة القصيرة.. وهما بلا جدال أهم اسمين في عالميهما؟ قال بعض النقاد ـ من دارسي ديستويفسكي ـ إن أغني لحظات إبداعه وألمعها تلك التي كانت تعقب إفاقته من نوبة الصرع... وحاولوا تفسير ذلك بحالة الصفاء والحدة الذهنية التي يسببها تفريغ الشحنة الكهربائية في المخ.. أو شيئا قريبا من هذا ولن ندخل معهم في مساجلات طبية ولكننا نتساءل فقط: هل يعقل ان يكون هذا الكم الهائل من الإبداع الروائي قد كتب فقط عقب نوبات الصرع؟.. أمر مشكوك فيه إلي حد بعيد. نفس الأمر مع العبقري الروسي الآخر.. انطون تشيكوف.. سيد القصة القصيرة من زمنه وإلي الان بلا منازع.. فقد كتب كما كبيرا من روائعه قبل إصابته المرضية. نأتي الآن الي الاحتمال الآخر.. الي الألم الناتج من الإصابة النفسية.. ويجب بداية ان نحدد أولا ما نعنيه بعبارة الاصابة النفسية وهل هي المرض النفسي؟.. أم المعاناة النفسية الطبيعية التي لاتصل الي حد المرض.. اذا كانت الأولي فنحن نلحقها بمجموعة المرض الجسمي.. وننفي بالتالي أي علاقة ارتباط بين المرض النفسي والإبداع.. فحالة فان جوخ أو بودلير لا توثق إلا أحداثا في حياة أي منهما, ومن العبث والهزر السخيف الادعاء بأن جنون فان جوخ هو سبب عبقريته أو أن اصابة بودلير بجنون الهوس والاكتئاب نتيجة متطورة لإصابته بالزهري.. كانت أيضا مسببه لروعة أشعاره! لكننا نستطيع ان نفتح صدورنا وأذهاننا بأقل قدر من المعارضة والإنكار للحديث عن المعاناة النفسية.. ألم النفس وعناء الروح الناتجين عن حساسية الفنان المرهفة تجاه كل ما يمر بالحياة من حوله.. والتأثير هنا يكاد يكون معكوسا. فليس شقاء الفنان أو تعاسته الروحية سببا في تفوق ابداعاته... بل الأصح هو ان فرط حساسيته وإدراكه للخطأ والظلم وغياب العدالة هي من يصيبه بأسوأ ما تسببه الجراح من آلام ومعاناة... وهذا لا يمنع ان تكون العملية في صورة دائرة لا نستطيع تحديد نقطة البداية علي محيطها. خاصة حين ترهف الآلام النفسية احساس القلم أو الريشة أو الآلة الموسيقية. سئل ماكسيم جوركي ذات مرة عما يمثله تشيكوف في رأيه.. وكان رده غريبا مثيرا للدهشة.. إذ قال: أري في كتابات تشيكوف ابتسامة القلب الحزين! انها العبارة ـ المفتاح ـ ليس لأدب تشيكوف وحده.. بل لأدب جوركي ايضا.. وكل ادب اخر يمكن ان نصفه بالعظمة!.. فتصوير جوركي للنماذج البشرية المحطمة في مسرحيته الحضيض أو قصة ترنيمة السرير.. يدفع الدمع بأعيننا ولكنه لا يصيبنا بالاكتئاب, نفس المسألة حين نقرأ الأبله لديستويفسكي ونتعاطف مع الأمير ميشكين لدرجة البكاء علي مصير البراءة.. أو حين نقرأ العنبر رقم6 أو الغريمان لتشيكوف فنرتج ونرتعد حتي النخاع, ولكننا لا نصل الي حافة اليأس والإحباط, انه الحزن النبيل أو الشجن المغسول بدموع أمل وليد.. وتلك صفات الفن العظيم والكاتب الذي يقطر قلمه عذابا علي الورق يحس بهذا العذاب أولا.. يعانيه ويتمثله.. حتي تتشبع كل مسامه الإبداعية به.. ثم يفرزه.. وألمه هنا نابع من قدرته علي النفاذ داخل عذابات البشر.. بغض النظر عن حالته الانسانية الواقعية حتي لو كانت كل مفردات حياته هنيئة سعيدة راضية.. تسألني.. وماذا لو كان هو نفسه تعيسا شقيا... الن يكون الصدق هنا هو المؤثر وهو الحاكم؟ وأجيب بالايجاب واستدرك بأنه أفضل ولكنه ليس شرطا.. فالكاتب في أحيان كثيرة يكون كالممثل المطلوب منه اداء شخصية تخالف شخصيته وانفعالات تغاير انفعالاته ولكنه يحاول التقمص والمعايشة الكاملة وينجح فيها بقدر موهبته وحجمها. بل إننا يجب ان نحذر نوعا من الفنانين الاشقياء الذين تبلغ تعاستهم مبلغا ينحو بهم الي التطرف الذي يفسد كل شيء.. فلا يبقي هناك فن عظيم ولا فن حقير.. ولا فن من أصله.. ولدينا مثال في عبد الحميد الديب... شاعر البؤس.. الذي نجمع علي موهبته وعلو كعبه كشاعر فذ.. ولكن أحدا لايستطيع ان يقدمه للناس أو يجمع آثاره.. لأنه تولي بنفسه وبسخرية مدمرة حرق كل مراكبه.. فأحرق معها فنه وشعره إلي الأبد. |
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]()
__________________
![]() |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|