اكرام يوسف: فى بيتى.. البرادعى

[mrweb]

جريدة الشروق

عندما بلغنى أن المتطوعين فى الحملة الداعمة لدعوة الدكتور محمد البرادعى من أجل التغيير، فشلوا فى الحصول على مكان يعقدون فيه اجتماعا كانوا قد خططوا له ليوافق يوم ميلاد الدكتور البرادعى. وسألنى ابنى الناشط ضمن احدى الجماعات المؤيدة للتغيير عما إن كنت أمانع فى أن يجتمعوا به فى شقتى المتواضعة. كان طبيعيا أن أرحب، بل وأعتبر الأمر شرفا كبيرا أن أستضيف نخبة من المصريين الحقيقيين بمعدنهم الرائع؛ أولئك الذين امتلكوا الوعى وإرادة النضال من أجل تغيير يعيد لمصر وجهها الأصيل ويضعها فى المكانة التى تستحقها ويستحقها شعبها.

قبل الموعد المحدد توافد على البيت مجموعات من أروع زهور بساتين الوطن، باختلاف مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم: من المنتمين للحملة الشعبية لدعم البرادعى، ومجموعة يسار من أجل دعم البرادعى، وحركة كفاية، وحركة 6 أبريل، وحزب الوفد، وغيرهم... نحو مائتى شخص بينهم فتيات محجبات وغير محجبات وشباب ملتحون وحليقو الذقون، مسلمون ومسيحيون من مختلف الأعمار.

وكنا قد قمنا بتخزين الأثاث فى حجرة واحدة، ووضعنا مقاعد المستأجرة من فراشة قريبة على أساس أن الحضور لن يزيد عددهم على مائة شخص..

ففوجئنا بزيادة العدد على نحو اضطرنا لخلع أبواب الشرفة حتى يقف فيها البعض، ووقف آخرون على السلم عند مدخل الشقة، بل إن البعض اضطر للوقوف فى المطبخ! نحو ثلاثة ساعات ونصف الساعة لم يتململ أحدهم أو يشكو من التعب.

لا أعرف للمرة رقم كام التى يؤكد فيها البرادعى أنه ليس مرشحا لرئاسة الجمهورية، وأنه مجرد داعية للتعديل الدستورى وإقامة الديمقراطية فى البلاد؛ ليس بيده سلطة، ولا يأتمر حزب بأمره، وليست له جريدة تنطق باسمه. مثله مثل الكثيرين من الناشطين من أجل التغيير، لا يختلف عنهم إلا فى كونه شخصية لها مكانة دولية تتيح له حرية أكبر فى التحرك، أوحت لناشطين عديدين أن يعتبروه رمزا لحلم التغيير.. نعم، هو رمز حقيقى، لكن بعضنا اعتاد فيما يبدو على فكرة القائد المعلم والزعيم الملهم، والمخلِّص الذى يمتلك عصا سحرية تحقق لنا ما نشتهى من دون عناء. على الرغم من أن الرجل أكد أكثر من مرة أنه لا يمتلك مصباح علاء الدين، وإن كان يمتلك روحا تطمح للتغيير، وأنه سيخصص جهوده للوقوف فى صف من يهدفون إلى التغيير مهما كان اختلاف الرؤى بينهم وبين بعضهم، أو بين بعضهم وبينه.

لم يقدم الرجل نفسه إلينا باعتباره الثائر المناضل الذى سيقود الجماهير وينظمهم ويعلمهم آليات التحرك من أجل تغيير النظام. فلماذا يطالبه البعض بما لم يعد به؟ ولماذا ينتظر منه البعض أكثر مما طرحه؟ قال لهم بصراحة إنه لن يحقق لهم التغيير لكنه يطمح إلى أن يكون معهم وهم يحققونه.

علينا أن ندرك أننا لن نحقق التغيير الحقيقى إلا عندما نؤمن تماما أن الشعب هو صانع التغيير، وأن التغيير لا يمكن توصيله بنظام «هوم دليفرى»، والحرية لابد أن تكون «مدفوعة الثمن مقدما»، ولن ننتزعها إلا بعد دفع هذا الثمن كاملا.

علينا أن نتذكر زمنا كان آباؤنا يتلفتون حولهم عندما يحاول أحدهم أن يلقى نكتة على مسامع صديقه، وصرنا الآن نستطيع الخروج فى المظاهرات وعقد الاجتماعات رغما عن أنف النظام، ليس لكون النظام أصبح أكثر ديمقراطية، وإنما لأن آباءنا دفعوا الثمن اعتقالا و*****ا واستشهادا؛ وعلينا نحن أن نواصل سداد الثمن حتى تتحقق لأحفادنا الحياة التى يستحقون.

عندما شرف بيتنا باستضافة هؤلاء المناضلين من أجل الحرية؛ منهم من جاء من أسوان، ومن جاء من قنا وأسيوط ومن السويس ودمنهور والاسكندرية؛ شحنوا بطارية التفاؤل فى وجدانى، وازددت إيمانا بهذا الشعب الذى لن يموت أبدا..

دروس التاريخ تؤكد أن المصريين يمتلكون طاقة هائلة على الصبر والاحتمال، لكن غضبتهم تكون عاتية عندما ينفد هذا الصبر. فاحذروا غضبة الحليم التى لن تبقى ولن تذر. وتذكروا دروس عام 1977 عندما ظن الجميع أن هذا الشعب استكان للخنوع، فجاءت انتفاضته فى 18 و19 يناير لتقلب جميع الموازين، وتؤكد خطأ حسابات من راهنوا على خمول الشعب وجموده. ويبقى إيماننا ثابتاً: الشعب هو الباقى والخالد، والأفراد إلى زوال. وإذا كانت دولة الظلم ساعة، فها قد مر منها بعض الوقت، ولم يتبق إلا دقائق.. هانت!

http://www.shorouknews.com/Columns/C...aspx?id=251900