اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > إبداعات و نقاشات هادفة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-03-2010, 01:27 AM
الصورة الرمزية م. محمد حمدي
م. محمد حمدي م. محمد حمدي غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 114
معدل تقييم المستوى: 16
م. محمد حمدي is on a distinguished road
افتراضي عود ثقاب



كل شيء جاهز أيها الموت.. الآن أنا لك.
ربما لن أبدأ بالتعارف، ولكني سأمد كفي وأقول مرحبا..
قل معي مرحبا!
***
آخر أفكاري قبل أن أُنهي كلّ شيء.. أحبّ أن أترك ورائي هذه العبارة:
- إنها مستنقع رهيب من الآلام والأحزان والشر وحثالة البشر وليست مجرد دنيا، وأنا لست عليها نادمة.
***
كل شيء غمرته بالجاز.
الباب والنوافذ: الكل مغلق.
الحجرة معزولة عن باقي الشقة.
الوقت: ليلا، وعمتي فاطمة تزور إحدى قريباتها في بلدة بعيدة.
الشقة في الدور الأخير، ولن ينتبه أحد إلا بعد أن ينتهي كلّ شيء.
والآن: عود الثقاب في يدي يحتاج لمجرد حكّة، ثم قذفة، لتجد النار متنفسا لها ترتع فيه.
***
لست خائفة من هذا المصير البشع، فهو أهون عندي بكثير مما أنا فيه.
الشيء الوحيد الذي يورثني إحساسا رهيبا بالذنب هو عمتي فاطمة.
يا إلهي.. آسفة يا عمتي، لن أستطيع أن أبقى معك أكثر من هذا.
سامحيني لأنني من الآن فصاعدا لن أُقضقضَ رأسك بأناتي وآهاتي ومصائبي.
معذرة أيضا أنْ أسببَ لك كلّ هذا الحزن من أجلي، وأُفقدك إحدى حُجرتَيْ جُحرِك الدافئ الذي ضمني عمري.
قبلوها لي كثيرا.
***
آه.. لماذا تسيل دموعي الآن في صمت وسخونة؟
لا لا.. لست نادمة ولن أفكّر أبدا في التراجع.
نعم سأقطع السبيل الآن.. أشعلت عود الثقاب.
***
قال لي أبي يوما وأنا في الرابعة من عمري، دون أن أعيَ كلماته أو أدرك أنّه يحتضر:
- لا تحزني يوما يا ابنتي.. حتّى من أجلي.. لا شيء في الدنيا كلها يستدعي الحزن.. إنها مجرّد رواية كبيرة، فحاولي في كلّ وقت أن تكوني من مشاهديها.. فقط من مشاهديها.
آسفة يا أبتي.. لم أستطع ذلك.
لقد جذبتني الرواية في شدة، ووجدت نفسي ألعب دوري فيها.. حتّى النهاية!
***
قالت لي أمي يوما وأنا في السادسة من عمري، وأنا أحاول أن أعيَ كلماتها، والهلع ينهشني دمعا ورجفة وأنا أدرك أنّها تحتضر:
- سامحيني يا ابنتي.. لن أستطيع إكمال مشواري معك.. أعرف أنني بهذا سأتركك وحيدة في الدنيا، ولكن صدقيني: ليس بيد أحدنا أن يحدد متى يبدأ ومتى يذهب.
كلا يا أماه.. اليومَ بالذاتِ قررتُ أن أحطم هذه المقولة.
اليوم سأذهب..
وبمشيئتي.
***
قالت لي أشباح الوَحدة والوَحشة والجوع والبرد والظلام يوما، وأنا ألتصق ببعضي فزعا في فراش بلله دمعي وضعضعه ارتجافي:
- لا مكان في الدنيا إلا للوحوش.. من كان بلا أنياب تلقفته الأنياب.. ومن كان بلا عَضُد تناوله كلّ عضد.. أنت لنا يا صغيرتي.. أنت لنا.
نعم أنا لكم.. ولكنني تأخرت كثيرا.. معذرة!
***
قالت لي عمتي فاطمة ـ جارتي الطيبة التي تكفلتني يوما ـ وهي تضمني لصدرها في حنان:
- آسفة يا بُنيّتي.. أعرف أنّ البرد قارس، ولكن ليس عندي ما يمنحك الدفء غير هذا الصدر العجوز.
أوّاه.. ابتهجي يا عمتي.. اليوم ستلتهمني كلّ هذه النيران.. وأعتقد أنها ستمنحني الدفء الكافي.
***
قال لي مدير المصلحة الحكومية يوما، وأنا أقدّم له أوراقي:
- ألا ترين أنّه من الفداحة ألا تكملي تعليمك؟.. لا أعتقد أنّ الشهادة الثانوية تكفي، خاصة لفتاة يدل مجموع درجاتها على نبوغها!
يومها قلت في خضوع:
- ماذا بيدي يا سيدي؟.. الدنيا تجبرني على هذا.
ولكن لا.. لن تعود تجبرني على شيء من الآن فصاعدا.
***
قال لي حسام ـ زميلي في المصلحة ـ يوما، وأنا في العشرين من عمري:
- من لم يحزن لم يتعلم.. الإنسان يجيء إلى الدنيا باكيا وسط آلام المَخاض، ويغادرها مبكيا عليه في آلام الاحتضار.. إنها فضيلة أننا نحزن، على الأقلّ حتّى نعلم أنّ لنا قلوبا يمكنها أن تشعر بالحزن.
وانبهرت بكلماته بشدة.. وهأنذي الآن أتذكرها وأنا أسبح في الدموع.
هل تسعدك كلّ هذه الدموعِ يا حسام؟
***
قال لي حسام يوما وهو يبتسم في هُيام:
- أتسمحين أن أقول لك إنني أحبك؟.. إنّك أروع إنسانة في هذه الدنيا بأسرها.
يومها ابتسمت مُطرقة في خجل ولم أعقّب..
يا لها من ذكرى التهمها الحزن الكئيب!
***
قال لي من قال يوما، ولسانه يجرّ الكلمات جرا ثقيلا، من مستنقع التردد والأسف والنظرات الزائغة:
- حسام.. حسام صدمته.. سيارة مسرعة و....
وقاطعته يومها وأنا أصرخ في هلع.
***
اللعنة!.. لقد أعمت الدموع عينيّ.
بل.. بل إنني أيضا أرتجف من البكاء.
مضت شهور ظننت بعدها من فرط بكائي أنني لن أذرف دمعة واحدة.
لكن يبدو لي الآن وجه وهمي.
آه.. حبيبي حسام.. إنني آتية إليك.
لم أستطع أن أحيا بدونك لحظة وسط كلّ هذه الآلام..
كلماتك وحدها كانت مِنسأتي التي أتوكأ عليها فوق أرض تميد بالزلازل.
آه.. كم أتوق إلى عالم لا تزعجه الصرخات ولا تغرقه الدمعات ولا تحرقه الآهات و....
آآآآه
تبّا.. لقد سرقتني أفكاري، والتهمت النيران عود الثقاب ولسعت إصبعي و....
***
قال لي أبي يوما وأنا في الرابعة من عمري، دون أن أعيَ كلماته أو أدرك أنّه يحتضر:
- ... إنها مجرّد رواية كبيرة، فحاولي في كلّ وقت أن تكوني من مشاهديها.. فقط من مشاهديها.. وثقي أنّ عذاب الدنيا مهما كان لا يساوي شيئا بالنسبة لعذاب الآخرة.
يا لهذه الرجفة التي تسري في جسدي!
***
قالت لي أمي يوما وأنا في السادسة من عمري، وأنا أحاول أن أعيَ كلماتها، والهلع ينهشني دمعا ورجفة وأنا أدرك أنّها تحتضر:
- ... ليس بيد أحدنا أن يحدد متى يبدأ ومتى يذهب.. إنني آمل فحسب أن نلتقي في جنة المتقين يا بنيتي.
الجنّة يا أمي؟!
الجنة؟!
***
قالت لي عمتي فاطمة وهي تضمني لصدرها في حنان:
- ... ليس عندي ما يمنحك الدفء غير هذا الصدر العجوز، ولكن دعينا نغمض أعيننا، ونحلم معا بجنة لا يرى فيها الصابرون شمسا ولا زمهريرا.. اصبري يا بنيتي.. اصبري.
ياه. كيف نسيت هذه الكلمة؟
***
ابتسم لي حسام يوما وقال في هُيام:
- ... إنّك أروع إنسانة في هذه الدنيا بأسرها.. أتدرين أجمل ما فيك؟.. صبرك.. صمود الجبل الراسخ الذي تمرّ عليه الدنيا بكلّ غِيَرِها فلا يتغيّر.. أروع ما فيك قلبك الراسخ في إيمانه وعزمه.. أنت تخلبين لبّي بهذه الصفات الرائعة.. كم أذوب فيك عشقا!
أطرقت يومها أبتسم في خجل وسعادة.. ولكنني لم أفهم كلماته تلك إلا الآن..
الآن فقط.
***
قال لي حسام يوما، والدمع يخنقني والانتحاب يفتت أوصالي، وهو في فراشه بالمستشفى الذي نقل إليه بعد أن صدمته السيارة، وكانت آخر كلماته:
- حبيبتي.. لا تبكي أرجوكِ.. أنت تعلمين كيف تمزقني عَبراتك.. أعرف أنّ القدر شاء لنا ألا نحقّق طموحاتنا في الدنيا، ولكني لست منه بغاضب.. إننا كلنا في الدنيا غيوم مثقلة بالمطر.. جئنا إليها كي تحركنا رياحها ـ كما يبدو لنا ـ عشوائيا في كلّ اتجاه.. نصدم بعضنا، تندلع بروقنا ورعودنا، ونمطر ما فينا لنُخرج كلّ ما هو أعماقنا تماما، ثم نتلاشى من الدنيا، ولكن أبدا لا نتلاشى من الوجود.
يا إلهي!
كأنني أفهم هذه الكلمات لأوّل مرة.
هل كنت حقا أستحقّك يا حسام؟
أيّ هول كدتُ أقدم عليه؟
من يلوذ من الرمضاء بنار جهنّم؟
سامحني يا إلهي.. سامحني.

(ولَعذابُ الآخِرةِ أكبرُ لو كانوا يعلمون)
الزمر – 26

****
محمد حمدي غانم
1996

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-03-2010, 03:38 PM
الصورة الرمزية م. محمد حمدي
م. محمد حمدي م. محمد حمدي غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 114
معدل تقييم المستوى: 16
م. محمد حمدي is on a distinguished road
افتراضي

me5050
شكرا لك.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-03-2010, 03:41 PM
الصورة الرمزية Egypt for Ever 25
Egypt for Ever 25 Egypt for Ever 25 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 2,552
معدل تقييم المستوى: 17
Egypt for Ever 25 is on a distinguished road
افتراضي

تم نقل الموضوع للقسم المناسب



شكرا لحضرتك علي الموضوع الرائع

في انتظار المزيد من ابداعات حضرتك
__________________

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-03-2010, 11:43 PM
الشاعر/محمد علي الشاعر/محمد علي غير متواجد حالياً
غواص في بحر الإبداع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 1,373
معدل تقييم المستوى: 17
الشاعر/محمد علي is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لك أخى المهندس
كلام جميل
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-03-2010, 12:47 AM
أنت___عمري أنت___عمري غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 120
معدل تقييم المستوى: 15
أنت___عمري is on a distinguished road
افتراضي

مونودراما غاية في الروعة والإبداع سلمت يدك يا فنان
بالفعل عمل فني متكامل الأركان وضعتنا في الحدث وجعلتنا نرى الشخصيات الفلاشية بشكل جيد
أنت مكسب اكيد لإبداعات الأعضاء
__________________
أحب الشتا واحب امشي تحت حباته
واعشق الليل وياما ناداني سكاته
وبسمع الموال ليله وعينه آهاته
يعني بحب الجمال بكل آياته
ويدوب تكوني جنبي انسى الشتا والليل
وانسى غنا المواويل انتي يا قلب جميل
بيكي الربيع نور واتفتحت ورداته
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-03-2010, 12:51 AM
الصورة الرمزية م. محمد حمدي
م. محمد حمدي م. محمد حمدي غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 114
معدل تقييم المستوى: 16
م. محمد حمدي is on a distinguished road
افتراضي

الأستاذة f:
شكرا لمتابعتك.

الشاعر محمد علي:
شكرا لتقديرك.

أنت عمري:
شكرا لتقديرك.. ويسعدني أنك لمست الدراما المسرحية في العمل.. معظم قصصي تحمل طابعا مسرحيا.. وقد حاول الصديق م. حسام عبد المنعم تحويل هذه القصة إلى فيلم قصير، لكنه أراد أن تكون على لسان رجل لا امرأة، وهو ما عقد الأمور، بسبب احتياجه إلى إعادة كتابة القصة من جذورها.
تحياتي
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-03-2010, 01:11 AM
الشاعر/محمد علي الشاعر/محمد علي غير متواجد حالياً
غواص في بحر الإبداع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 1,373
معدل تقييم المستوى: 17
الشاعر/محمد علي is on a distinguished road
افتراضي

أشكرك جدا على ابداعك
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-03-2010, 12:38 AM
الصورة الرمزية الأستاذة ام فيصل
الأستاذة ام فيصل الأستاذة ام فيصل غير متواجد حالياً
مديرة الأقسام العامة
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 16,606
معدل تقييم المستوى: 10
الأستاذة ام فيصل is just really nice
Icon114


- إنها مستنقع رهيب من الآلام والأحزان والشر وحثالة البشر وليست مجرد دنيا، .. لا شيء في الدنيا كلها يستدعي الحزن.. إنها مجرّد رواية كبيرة، فحاولي في كلّ وقت أن تكوني من مشاهديها.. فقط من مشاهديها.- من لم يحزن لم يتعلم.. الإنسان يجيء إلى الدنيا باكيا وسط آلام المَخاض، ويغادرها مبكيا عليه في آلام الاحتضار.. إنها فضيلة أننا نحزن، على الأقلّ حتّى نعلم أنّ لنا قلوبا يمكنها أن تشعر بالحزن.

- حبيبتي.. لا تبكي أرجوكِ.. أنت تعلمين كيف تمزقني عَبراتك.. أعرف أنّ القدر شاء لنا ألا نحقّق طموحاتنا في الدنيا، ولكني لست منه بغاضب.. إننا كلنا في الدنيا غيوم مثقلة بالمطر.. جئنا إليها كي تحركنا رياحها ـ كما يبدو لنا ـ عشوائيا في كلّ اتجاه.. نصدم بعضنا، تندلع بروقنا ورعودنا، ونمطر ما فينا لنُخرج كلّ ما هو أعماقنا تماما، ثم نتلاشى من الدنيا، ولكن أبدا لا نتلاشى من الوجود


كلمة الابداع قليله بحقك
حضرتك خلصت لنا الحياة في هذه الدنيا
بكلمات موجزه وقصه قصيره محكمه بمنطق فلسفي وبلاغه فائقه
احييك عليها وانحني لها
دمت ودام قلمك
وجزاك الله الخير كله
تقبل تحياتي وتقديري واحترامي
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 31-03-2010, 07:22 PM
الصورة الرمزية م. محمد حمدي
م. محمد حمدي م. محمد حمدي غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 114
معدل تقييم المستوى: 16
م. محمد حمدي is on a distinguished road
افتراضي

نغم محمد:
شكرا لتقديرك.
تحياتي
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 03-04-2010, 01:10 AM
الصورة الرمزية Dalia010
Dalia010 Dalia010 غير متواجد حالياً
عضو قدير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 402
معدل تقييم المستوى: 16
Dalia010 is on a distinguished road
افتراضي

ربنا يكرمك ويعينك ويوفقك ..

بــــرافــــو ...
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 04-04-2010, 03:08 PM
الصورة الرمزية م. محمد حمدي
م. محمد حمدي م. محمد حمدي غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 114
معدل تقييم المستوى: 16
م. محمد حمدي is on a distinguished road
افتراضي

داليا:
شكرا لك.
تحياتي
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:28 PM.