كلها وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط بل المراد إحداهن , وأما رواية ( وعفروه الثامنة بالتراب ) فمذهبنا ومذهب الجماهير : أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء , فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا . والله أعلم . واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب , ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في إناء ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا : الصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مرات . والثاني : يجب لكل ولغة سبع . والثالث : يكفي لولغات الكلب الواحد سبع , ويجب لكل كلب سبع , ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع , ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الإناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح . وقيل : يقوم الصابون والأشنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح , ولا فرق بين وجود التراب وعدمه على الأصح , ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح , ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه فلم يزل عينه إلا بست غسلات مثلا فهل يحسب ذلك غسلات أم غسلة واحدة ؟ أم لا يحسب من السبع أصلا ؟ فيه ثلاثة أوجه أصحها : واحدة . وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب في هذا كله . هذا مذهبنا . وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا وهو قول الشافعي وهو قوي في الدليل , قال أصحابنا : ومعنى الغسل بالتراب : أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدر , ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به , فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزي , ولا إدخال اليد في الإناء ; بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه , ويستحب أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما ينظفه , والأفضل أن يكون في الأولى . ولو ولغ الكلب في ماء كثير بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه , ولو ولغ في ماء قليل أو طعام فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبا أو بدنا أو إناء آخر وجب غسله سبعا إحداهن بالتراب , ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقي ما أصابه وما حوله وانتفع بالباقي على طهارته السابقة كما في الفأرة تموت في السمن الجامد . والله أعلم
. وأما قوله : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب , ثم قال : ما بالهم وبال الكلاب ؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم ) , وفي الرواية الأخرى ( وكلب الزرع ) فهذا نهي عن اقتنائها , وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبا إعجابا بصورته أو للمفاخرة به فهذا حرام بلا خلاف . وأما الحاجة
والصيد , وهذا جائز بلا خلاف , واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب وفي اقتناء الجرو ليعلم ; فمنهم من حرمه ; لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة ; ومنهم من أباحه وهو الأصح لأنه في معناها , واختلفوا أيضا فيمن اقتنى كلب صيد وهو رجل لا يصيد . والله أعلم . وأما الأمر بقتل الكلب ; فقال أصحابنا : إن كان الكلب عقورا قتل , وإن لم يكن عقورا لم يجز قتله , سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكورة أو لم يكن . قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين والأمر بقتل الكلاب منسوخ قال : وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرة , ثم صح أنه نهى عن قتلها , قال : واستقر الشرع عليه على التفصيل الذي ذكرناه . قال : وأمر بقتل الأسود البهيم , وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ . هذا كلام إمام الحرمين ولا مزيد على حقيقه . والله أعلم .
|